ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 04/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

هل يستطيع أوباما أن يكون أفضل من جيمي كارتر؟

المستقبل - الخميس 2 أيلول 2010

العدد 3759 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

يعود الفلسطينيون هذه الأيام إلى المفاوضات المباشرة. ولكن ما قد يكون أهم من المفاوضات المحكوم عليها بالفشل في غياب دور أميركي فعّال هو ما الذي يستطيع باراك اوباما عمله من اجل دخول التاريخ من بوابة أخرى غير بوابة انه أول، وربما آخر، رئيس اسود للولايات المتحدة، رئيس يبحث في هذه الأيام عن مكان يحقق فيه نجاحا او اختراقا ما؟

بعد الفشل الأميركي في العراق، وهو فشل يعبر عنه الفراغ السياسي في البلد الذي لا يزال من دون حكومة على الرغم من مرور نحو ستة أشهر على إجراء الانتخابات النيابة، وبعد السقوط المريع في المستنقع الأفغاني، وفي ضوء العجز عن تحقيق أي تقدم على الصعيد الاقتصادي داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث لا تزال نسبة البطالة تتجاوز العشرة في المئة، عاد التركيز على الشرق الأوسط وعلى القضية الفلسطينية تحديدا. هل النزاع العربي- الإسرائيلي بشقه الفلسطيني المكان المناسب لتحقيق اختراق يعيد الاعتبار للرئيس الأميركي وإدارته؟

يجمع اوباما بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي والسيد محمود عبّاس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في واشنطن من اجل تحقيق ما لم يتمكن أي رئيس أميركي آخر من تحقيقه. يعطي اوباما إشارة الانطلاق لمفاوضات مباشرة تستهدف التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، علما بان كل ما يسعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي هو إضاعة الوقت... والتفاوض من اجل التفاوض ليس إلاّ، نظرا إلى معرفته بان الفلسطينيين غير قادرين على توقيع صك استسلام !

قبل انتخابه رئيسا في تشرين الثاني من العام 2008، قام اوباما بجولة في الشرق الأوسط. توقف في رام الله والتقى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وقال له بالحرف الواحد انه لن يكرر ما فعله سلفه جورج بوش الابن، أي انه لن ينتظر السنة الأخيرة من ولايته الثانية كي يبذل جهدا لإيجاد تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كان اوباما صادقا. لم يمرّ أسبوع على توليه مهماته الرسمية مطلع السنة 2009 حتى عين مبعوثا رئاسيا هو السناتور جورج ميتشل زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ سابقا وكلفه التوجه إلى الشرق الأوسط.

لم يمض وقت طويل حتى اكتشف اوباما "تعقيدات" المنطقة. اكتشف خصوصا أن التعاطي مع الإسرائيليين ليس سهلا في ضوء رغبتهم في الاحتفاظ بقسم من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. تراجع الرئيس الأميركي عن مواقف عدة كان اعلن تمسكه بها. على رأس تلك المواقف تجميد الاستيطان الإسرائيلي. اكد مبعوثوه وكبار المسؤولين في ادارته داخل الغرف المغلقة ما سبق ان اكدته ادارة بوش الابن بواسطة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في شأن الضفة الغربية بصفة كونها ارضا "محتلة". لكن تلك التأكيدات لم تنفع في شيء. اضطرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى تفادي اي إشارة إلى مرجعية المفاوضات المباشرة لدى إعلانها قبل أيام عن دعوة "ابو مازن" وبيبي نتانياهو إلى واشنطن لمباشرة المفاوضات ابتداء من الثاني من أيلول الجاري. اكتفى الجانب الفلسطيني ببيان اللجنة الرباعية الذي حدد مرجعية المفاوضات، وهي حدود العام 1967 ، وهو البيان الذي تجاهله بيبي كليا.

بمجيئه إلى واشنطن ومشاركته في المفاوضات المباشرة، يعيد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الكرة إلى الملعب الأميركي. لو رفض الدعوة التي وجهها اليه اوباما لكانت خسارته أكيدة نظرا إلى انه كان سيتوجب عليه الوقوع في الخطأ الذي ارتكبه ياسر عرفات، رحمه الله" في أواخر العام 2000 والمتمثل في قطع العلاقة المميزة التي ربطته طويلا بالإدارة الأميركية والتي سمحت له بدخول البيت الأبيض مرارا وباستقبال بيل كلينتون في غزة عندما كان الأخير رئيسا للولايات المتحدة. قد يحقق "ابو مازن" شيئا ما. ربما يقتصر ما سيحققه على الحد من الأضرار التي ستلحق بالجانب الفلسطيني في حال رفضه التفاوض مع الإسرائيلي على الرغم من الإلحاح الأميركي. ولكن يبقى هل هناك إستراتيجية أميركية واضحة في شأن عملية السلام وتحقيق التسوية التي تستند إلى خيار الدولتين وإجبار إسرائيل على ذلك ؟

لم يكن في استطاعة الجانب الفلسطيني تفادي الذهاب إلى واشنطن. كان مقاطعة المفاوضات المباشرة بمثابة انتحار سياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية. في الواقع، لم يكن لدى الجانب الفلسطيني خيار آخر، مثلما انه لم يكن لدى الجانب العربي من خيار غير تغطية المفاوضات المباشرة.

تكمن المشكلة الحقيقية التي ستواجه الجانب الفلسطيني ان اوباما ضعيف. ولكن ما قد يبعث إلى التحلي بمقدار قليل من التفاؤل ان ليس لدى الرئيس الأميركي مكان آخر يحقق فيه انجازا. تبدو كل الأبواب الأخرى مسدودة في وجهه. ما يؤكد ذلك ان عليه تحويل الانسحاب من العراق إلى انجاز على الرغم من ان البلد يتجه بخطى ثابتة نحو كارثة كبيرة.

من يعود إلى خلف قليلا، يكتشف ان الرئيس الأميركي، اي رئيس أميركي قادر على ممارسة ضغوط معينة على إسرائيل في حال امتلك استراتيجية واضحة. في خريف العام 1978، مارس جيمي كارتر، وهو من اضعف الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، ما يكفي من النفوذ ليفرض اتفاقي كامب ديفيد على رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن. كل ما فعله الرئيس الراحل انور السادات وقتذاك، ان حمّل كارتر مسؤولية ايجاد تسوية تستند إلى "انهاء الاحتلال". بغض النظر عما يقوله كثيرون من ادعياء الوطنية في اتفاقي كامب ديفيد، استعادت مصر كل شبر من سيناء التي كانت محتلة. هل في استطاعة باراك اوباما ان يكون افضل من جيمي كارتر في غياب القدرة على ارتداء بزة دوايت ايزنهاور؟ للتذكير فقط، اجبر ايزنهاور اسرائيل، بعد اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الاميركي جون فوستر دالاس ورئيس الوزراء البريطاني انتوني ايدن، على الانسحاب من سيناء في العام 1956 بمجرد اكتشافه ان العدوان البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي على مصر خطط له من خلف ظهر الولايات المتحدة!

=====================

خطة سلام في متناولنا

حسني مبارك

الشرق الاوسط

2-9-2010

مرت 10 سنوات طويلة منذ آخر مرة اقترب خلالها الفلسطينيون والإسرائيليون من إقرار سلام دائم، وذلك في يناير (كانون الثاني) 2001 في طابا بمصر. خلال فترة عملي بالقوات الجوية المصرية، عاينت التكاليف المأساوية المترتبة على الحرب بين العرب وإسرائيل. وباعتباري رئيس مصر، شاهدت كثيرا من النجاحات والإخفاقات في مسار عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. وتكبدت مصر حياة سلفي، أنور السادات، ثمنا لقرارها عقد سلام مع إسرائيل. ومنذ يوم اغتياله عام 1981 على يد متطرفين، الذي شهدته بنفسي، عملت على تحويل حلم السلام الدائم في الشرق الأوسط إلى حقيقة.

الآن، وبعد فترة توقف للمفاوضات المباشرة استمرت قرابة عامين، نفتتح الآن فصلا جديدا في هذا التاريخ الطويل. ويدعي الكثيرون أن هذه الجولة الجديدة من المحادثات - التي تبدأ بعقد اجتماعات بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس والملك الأردني عبد الله، إلى جانبي، هنا الأربعاء - تواجه فشلا محتوما ككل سابقاتها.

بيد أن مشاركة الرئيس أوباما القوية أحيت آمالنا مجددا في السلام، ويتحتم علينا انتهاز هذه الفرصة. وقد اتضحت بالفعل صورة العوامل واسعة النطاق المرتبطة بتسوية فلسطينية - إسرائيلية دائمة: إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 مع وجود القدس كعاصمة لإسرائيل وفلسطين. وقد نجحت المفاوضات السابقة في تسوية الكثير من التفاصيل المتعلقة بالوضع النهائي للاجئين والحدود والقدس والأمن.

أما العقبة الكبرى التي تقف الآن في طريق النجاح فتحمل طابعا نفسيا: التأثير التراكمي لسنوات العنف والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي الذي أسفر عن انهيار الثقة بين الجانبين. ومن أجل ضمان نجاح المحادثات، يجب أن نعيد بناء الثقة والشعور بالأمن.

والتساؤل الآن: كيف يمكننا تحقيق ذلك؟

أولا: يجب أن نحمي عملية السلام ضد مزيد من الانتكاسات جراء اندلاع أعمال عنف أخرى. من أجل هذه الغاية، تقف مصر على أهبة الاستعداد لاستئناف جهودها لتسوية الكثير من القضايا العسيرة المحيطة بغزة، بحيث تضطلع بالوساطة في تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس المسيطرة على غزة، بما يضع نهاية للحصار الإسرائيلي ويعزز إمكانية المصالحة بين حماس وغريمتها فتح التي تسيطر على الضفة الغربية. ويحمل كل ذلك أهمية حيوية لتحقيق حل إقامة الدولتين، ذلك أنه ليس بمقدور الفلسطينيين تحقيق السلام بينما تعتمل صفوفهم بالانقسامات. حال استثناء غزة من إطار عمل السلام، ستبقى مصدرا للصراع، مما يقوض التوصل لتسوية نهائية.

من أجل نجاح السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، يجب دمجه في سلام إقليمي أوسع بين إسرائيل والعالم العربي. وتعرض مبادرة السلام العربية، التي أقرتها جميع الدول العربية، على إسرائيل السلام وتطبيع العلاقات مقابل انسحابها من أراض عربية وإقرار حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. إلا أنه خلال الفترة الانتقالية يتعين على الجانبين إظهار أن هذا الحلم في المتناول. ينبغي أن تستمر الدول العربية في إظهار جديتها إزاء مبادرتها للسلام عبر اتخاذ خطوات تتناول مخاوف وآمال الإسرائيليين العاديين.

من ناحيتها، يجب أن تعي إسرائيل أنه من المتعذر التوفيق بين المستوطنات والسلام، ذلك أن الأولى تعمق الاحتلال الذي يسعى الفلسطينيون لوضع نهاية له. وعليه، فإن من الحيوي وضع نهاية للتوسع الإسرائيلي الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية كي تنجح المفاوضات، مع البدء بتمديد قرار الحظر الإسرائيلي المؤقت على عملية بناء المستوطنات والذي ينتهي هذا الشهر.

بالنسبة لكلا الجانبين، يمكن بناء الثقة فقط على الأمن القائم على أرض الواقع. إلا أنه لا يمكن أن يتحول الأمن إلى ذريعة لاستمرار احتلال إسرائيل لأراض فلسطينية، لما ينطوي عليه ذلك من تقويض للمبدأ الأساسي: الأرض مقابل السلام. أدرك أن لإسرائيل احتياجات أمنية مشروعة، وهي احتياجات يمكن التوفيق بينها وبين مطلب الفلسطينيين العادل بانسحاب كامل من أراض محتلة. من جانبها، تعتقد مصر أن وجود قوة دولية في الضفة الغربية، بحيث تتمركز لفترة يتفق عليها الطرفان، سيمنح الجانبين الثقة والأمن الذي يسعيان خلفه.

وأخيرا، تقف مصر على استعداد لاستضافة جولات لاحقة من المفاوضات. وقد جرى التوصل إلى جميع الاتفاقات الكبرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمشاركة مصرية نشطة، بالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة. وشهدت محادثات طابا 2001، على سواحل مصر على البحر الأحمر، اللحظة التي كان الجانبان فيها أقرب ما يكون للتوصل لاتفاق لإنهاء الصراع. دعونا نبدأ من حيث توقفنا، ونأمل في أن تثمر روح التعاون التي صاحبت هذه المحادثات الأخيرة النجاح.

إننا نعيش في عالم يعاني من اندفاع مرير للتطرف. ومن شأن تحقيق سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين تسليط الضوء على الأمل أمام الشرق الأوسط والشعوب بمختلف أرجاء العالم. وباعتباري شخصا عايش خراب الحرب وآمال السلام، أناشد الأطراف كافة إنجاح هذه الجولة من المفاوضات.

* خدمة «نيويورك تايمز»

=====================

رجل واشنطن في العراق

السفير الأميركي الجديد جيم جيفري أسهم في جعل سياسة بوش تتأقلم مع المتغيرات في العراق

جيمس جيفري

الشرق الاوسط

واشنطن: مينا العريبي

شهدت السياسة الأميركية ودور واشنطن في العراق تقلبات عدة هذا الصيف، من اكتمال سحب القوات الأميركية القتالية من العراق إلى الاستعداد لإنهاء قائد القوات الأميركية راي أوديرنو مهامه في العراق، بعد 55 شهرا من الخدمة العسكرية هناك. ولكن ربما أبرز هذه التغييرات هو وصول جيم جيفري إلى بغداد وتوليه منصب السفير الأميركي الجديد في بغداد. جيفري الذي كان له دور مهم في بلورة السياسة الأميركية خلال السنوات الأولى بعد حرب عام 2003، وسقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. وبينما كان جيفري يعمل خلف الكواليس على الملف العراقي خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، فقد اختاره الرئيس الأميركي باراك أوباما ليصبح وجه الدبلوماسية الأميركية في بغداد. ويعلم جيفري تماما مدى التقلبات في العراق، حيث قال خلال شهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي: «العراق يشهد فترة تغيير شديدة السرعة»، مضيفا: «السياسة الأميركية يجب أن تتطور لتعكس التغييرات وتتأقلم معها». وجيفري، الذي عمل نائب مستشار الأمن القومي لبوش قبل تعيينه سفيرا في أنقرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، أسهم في جعل سياسة بوش تتأقلم مع المتغيرات في العراق خلال الفترة السابقة، ومن المتوقع أن يفعل الأمر نفسه في العراق اليوم.

وصل جيفري إلى بغداد الأسبوع الماضي، حيث قدم أوراق اعتماده للرئيس العراقي جلال طالباني، ووزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، وكلاهما سياسي عراقي اعتاد على التعامل مع جيفري، خاصة عندما كان مبعوث وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس للعراق. وبعد ساعات من وصوله إلى العراق وتقديمه أوراق اعتماده للرئيس العراقي، بدأ جيفري جولة لقاءات مع الساسة العراقيين للعمل على الخروج من المأزق السياسي الذي يعصف بالعراق. والتقى جيفري برئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، يوم تسليم أوراق اعتماده الذي صادف 18 أغسطس (آب) الحالي، كما أنه زار إقليم كردستان العراق بعدها بأيام لإجراء مشاورات مع كبار المسؤولين الأكراد.

وسرعة انغماس جيفري في عمله بالعراق، إحدى أبرز خصاله في العمل. ووصف نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، مايكل كوربن، ل«الشرق الأوسط» جولة جيفري في العراق، ولقاءاته مع القادة السياسيين بأنها «نموذج على طاقته والتزامه». وأوضح قائلا: «قبل 3 أسابيع فقط، كان السفير جيفري يعمل كسفير نشط جدا في عاصمة إحدى الدول التي نتمتع بأوثق الشراكات الاستراتيجية معها، وقد استهل أولى جولات اجتماعاته في العراق، وقد التقى باللاعبين الأساسيين». وأضاف: «إنه نشط جدا وتقريبا لم يأخذ أي إجازة». واعتبر كورب أن كل هذا «يظهر التزامه (جيفري) والأهمية التي نعلقها على العراق في الوقت الحالي».

وكوربن يعرف جيفري منذ سنوات، إذ عملا في وزارة الخارجية وعلى ملفات متقاربة، أبرزها العراق. ولدى المسؤولين علاقة عمل جيدة، مما سيسهل عليهما العمل سويا لمعالجة الملف العراقي الذي سيصبح ابتداء من سبتمبر (أيلول) المقبل، مسؤولية وزارة الخارجية الأميركية، بعد أن كانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تتولى مسؤوليته بالدرجة الأولى منذ حرب عام 2003.

ومن جهته، قال رئيس حكومة إقليم كردستان برهم صالح إن «جيفري له إلمام جيد بتفاصيل الوضع العراقي وتربطه علاقات شخصية وثيقة مع أكثر القادة السياسيين». وأضاف صالح في اتصال مع «الشرق الأوسط» في نفس يوم اجتماعه مع جيفري في أربيل، أن السفير الأميركي الجديد «يؤخذ على مأخذ الجد لما يعرف عنه، لقربه من صناع القرار الأميركي وقربه للمؤسسة الأميركية».

ومن العراق، الذي يعود إليه للمرة الثالثة خلال السنوات الست الماضية، يدخل جيفري عامه ال43 في العمل للحكومة الأميركية، إذ كان جنديا خدم في حرب فيتنام نهاية الستينات من القرن الماضي، وسفيرا في أنقرة التي انتقل منها ليتولى مهامه في بغداد.

يذكر أنه بسبب خدمته العسكرية بين عامي 1969 و1979 في الجيش الأميركي، حيث خدم في فيتنام وألمانيا، حيث توجد قواعد عسكرية، فإن لدى جيفري تفهم لطريقة عمل الجيش الأميركي. وتعتبر العلاقة بين السفير الأميركي وقائد القوات الأميركية في العراق من أهم العلاقات التي تؤثر في السياسة الأميركية في البلاد. وبينما كان السفير الأميركي السابق في بغداد ريان كروكر يتمتع بعلاقة بارعة بالجنرال ديفيد بترايوس، عندما كان الأخير يقود القوات الأميركية في العراق بين عامي 2007 و2008، ولم يتمتع السفير الأميركي الذي خلف كروكر، كريستوفر هيل بعلاقة وثيقة بالجنرال راي أوديرنو. ومن المرتقب أن يبذل جيفري جهودا حثيثة لتوثيق علاقته بالجنرال لويد أوستون الذي يتولى مهام قيادة ال50 ألف جندي الباقين في العراق ابتداء من أول سبتمبر المقبل.

ولدى جيفري مزيج من العلاقات والخبرة، التي تجعل اختياره للمنصب الجديد في العراق في غاية الأهمية. واعتبر كوربن أن «السفير جيفري يجلب معه الخصال المناسبة في الوقت المناسب للعراق، بسبب تجربته المكثفة في العراق وتركيا والمنطقة». وأضاف أن هذه الخصال تأتي أيضا من «فهمه لعملية العمل بين الدوائر المختلفة في واشنطن، خاصة البيت الأبيض، بسبب عمله في مجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى «علاقة العمل الرائعة التي يتمتع بها مع الجيش خلال سنوات عمله، بما في ذلك الخدمة العسكرية، فكلها تسهم في جعله الرجل المناسب في الوقت المناسب».

وتحدث عدد من الدبلوماسيين العراقيين والأميركيين ل«الشرق الأوسط» عن جيفري، طالبين عدم الإشارة إلى أسمائهم، حيث أجمعوا على خبرته وأهمية فهمه للغتين العربية والتركية، بالإضافة إلى العلاقات المعقدة في المنطقة. كما أن جيفري منظم في عمله، ومعروف عنه وضع أولويات محددة لعمله وتطبيقها بشكل منتظم، كما أنه دبلوماسي مخضرم وله قدرة على كسب الآخرين.

وهناك جانب مهم في خبرة جيفري، وهو عمله سفيرا لسنتين في أنقرة، حيث وثق علاقاته بالقادة الأتراك. وأفادت مصادر عراقية مطلعة بأن هناك توقعا بأن يكرس جيفري علاقاته مع تركيا لحل بعض الملفات، وعلى رأسها علاقة أنقرة مع حكومة أربيل. كما أن جيفري كان نائب رئيس البعثة الأميركية في أنقرة بين عامي 1999 و2002، وقبلها كان نائب رئيس البعثة الأميركية في الكويت بين عامي 1996 و1999. وقال كوربن: «العلاقات الإقليمية مهمة جدا للعراق، وأحد أهداف الرئيس أوباما، مساعدة العراق على الاندماج في المنطقة كشريك بناء، والسفير جيفري يجلب الخبرة والمعرفة الملائمة للمساعدة على تحقيق هذا الهدف».

يذكر أن جيفري ينوي أن ينشط السفارة الأميركية بطرق كثيرة، اجتماعية وسياسية. وتصطحب جيفري زوجته غوردون، التي برزت في الوسط الدبلوماسي في دول عدة، تركيا وتونس وألبانيا، حيث عملا سابقا. ويؤكد مسؤولون أميركيون أن وزارة الخارجية الأميركية تشجع الدبلوماسيين الأميركيين على اصطحاب زوجاتهم وأزواجهم للعمل في العراق الآن، بعد أن كانت السنوات الأولى من العمل في العراق لا تسمح باصطحاب الأزواج.

ومن المعروف عن زوجة جيفري أنها نشيطة في الأمكان التي يخدم فيها زوجها. وخلال فترة عمله سفيرا في تركيا، كانت حاضرة في النشاطات الدبلوماسية، وقامت بجولات عدة في مدن تركية عدة، بالإضافة إلى استضافة مناسبات مثل دورة «بريدج» في مقر إقامة السفير الأميركي في أنقرة. أما في ألبانيا، فكانت زوجته مهتمة بالقضايا المحلية ودعمت جمعيات مثل «جمعيات البنات والسيدات الألبانيات». ولدى جيفري وزوجته ابن وابنة يقيمان في الولايات المتحدة.

يذكر أن جيفري الذي ولد في ولاية ماساتشوستس، يقيم خلال فترة مكوثه في الولايات المتحدة بولاية فيرجينيا المجاورة لواشنطن. ولديه علاقات وثيقة في واشنطن مع سياسيين من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. ويشدد جيفري على أهمية التاريخ في العمل السياسي، إذ إنه حصل على البكالوريوس بالتاريخ من جامعة «نورث إيسترن» عام 1969، وماجستير إدارة الأعمال من جامعة بوسطن عام 1977. ولديه أيضا دبلوم اللغة الفرنسية من جامعة باريس، وهو يجيد اللغات الفرنسية والألمانية والتركية.

وبعد خدمته العسكرية، التحق جيفري بوزارة الخارجية عام 1977، وقد عمل في سفارات عدة، ولكن في الفترة الأخيرة ركز على منطقة الشرق الأوسط.

ومن المثير أن جيفري، الذي برز في تطبيق سياسة بوش في العراق يظهر اليوم كوجه لاستراتيجية أوباما في العراق. ويصطحب معه اليوم عددا من المستشارين مثل بريت ماغوريك، الذي كان عضوا في مجلس الأمن القومي ومسؤولا عن العراق خلال السنوات الأخيرة من إدارة بوش. إلا أن كوربن شدد على أنه لا توجد ثغرة بين المرحلتين. وأوضح: «أن الرئيس أوباما كان واضحا أننا ندعم اتفاقية الإطار الاستراتيجية والاتفاقية الأمنية، وكلتاهما تم التفاوض عليها وتوقيعها خلال الإدارة السابقة، والتزاماتنا للعراق أو دول أخرى مثل تركيا أو مصر لا تتعرض للفوارق الحزبية».

وقال كوربن إن جيفري «الرجل المناسب في الوقت المناسب»، في وقت تشهد فيه العلاقات العراقية - الأميركية انتقالة مهمة. وبينما خبرة جيفري ومعرفته بالعراق وساساته تجعله الرجل المناسب ليمثل إدارة أوباما في العراق، فإنه من غير الواضح بعد، إذا كان الوقت مناسبا، إذ يواجه تحديات كبيرة غالبيتها خارج سيطرته، وعلى رأسها الأزمة السياسية العالقة في العراق.

إلا أن صالح قال إن إحدى أبرز صفات جيفري هي أنه «رجل بطبيعته متفائل»، مضيفا: «لقد عملت معه عام 2004، عندما كانت تحديات أمنية تعصف بالعراق، ورأيت منه تفاؤلا وإصرارا كاملا على النجاح». وتابع: «في ذلك الوقت كان التفاؤل في محله لأن العراق استطاع أن يتغلب على التحديات الأمنية العصيبة حينها». واعتبر صالح أن «اليوم التحدي مختلف، إذ إن لدينا تحديا سياسيا وتحديا تجاوز الفشل الذريع، الذي يعاني منه العراق، والمتجسد في أداء النخبة السياسية». وأكد جيفري في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية التي صادقت بالإجماع على ترشيحه لمنصب السفير الأميركي في بغداد، أن أولويته ستكون تسهيل تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وبناء الشراكات التي تبنى على «التضحيات المشتركة» التي قدمت في العراق.

وقبل أن يترك أنقرة في 30 يوليو (تموز) 2010، كتب جيفري رسالة إلى الشعب التركي عبر فيها عن مشاعره تجاه تركيا التي عمل فيها مرات دبلوماسية عدة وبنى علاقات وثيقة مع شعبها منذ أكثر من 28 عاما. وقال جيفري في الرسالة: «سألني صحافي عما ستكون رسالتي للشعب التركي بينما أغادر هذه البلاد، إجابتي سهلة: لا تقلقوا على تركيا، إنها أحد الفائزين في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين». ويعمل جيفري الآن على جعل العراق أحد الفائزين أيضا، لكنه في الوقت نفسه واقعي ويفهم التحديات التي تواجهه بينما يقود أكبر بعثة دبلوماسية أميركية. كما أن الرسالة تعبر عن القيم التي يهتم بها جيفري والتي يعتبر أنها تربط تركيا والولايات المتحدة وهي «إنهاء النزاع للاستقلال واختيار الديمقراطية كنمط الحكومة للدول الجديدة». وهو الأمل نفسه الذي يحمله جيفري للعراق اليوم.

وبينما يجدد جيفري «صداقات قديمة» عادة ما يشير إليها عندما يكون الحديث عن علاقاته مع العراقيين، أمامه معضلة التعرف على الشخصيات التي تبرز في العراق اليوم ولم تكن لديها العلاقات نفسها مع الإدارة الأميركية بعيد حرب عام 2003. وبمزيج من التفاؤل والتفهم والحذر والتركيز، يعمل رجل واشنطن في العراق على تثبيت أقدامه وأقدام إدارة أوباما في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية ل«إنهاء الحرب بمسؤولية».

=====================

صيغة الحكومات الائتلافية في الدول العربية:دروس سويسرية؟

الخميس, 02 سبتمبر 2010

بول سالم *

الحياة

عُقِد أخيراً في بيروت مؤتمر جمع معاً خبراء سويسريين ولبنانيين لاستقراء الدروس التي يمكن أن تُستقى للبنان والعالم العربي من التجربة السويسرية.

ومعروف أن سويسرا طوّرت نظاماً ناجحاً لإدارة النزاعات وحلّها، كما أنضجت مجتمعاً مستقراً وديموقراطياً ومزدهراً على رغم توافرها على انقسامات حادة وبيئة خارجية مُهددة طيلة معظم تاريخها.

جوهر النجاح السويسري يكمن في مؤسسات الدولة التي أُرسيت بهاجس الاهتمام بالأمنين الداخلي والخارجي، جنباً إلى جنب مع المؤسسات السياسية المستندة إلى المشاركة الواسعة في الحكم عبر حكومات ائتلافية. علاوة على ذلك، طوّرت سويسرا ثقافة سياسية متقبلة للتنوّع، ومجتمعاً مدنياً قوياً، ومصالح اقتصادية مشتركة وثيقة العرى.

بيد ان فوائد صيغة الحكومات الائتلافية في الحكم ليست قصراً على سويسرا، إذ هي تطوّرت كذلك في بلجيكا والنمسا وإرلندا الشمالية والهند وجنوب إفريقيا، من بين بلدان أخرى.

بالطبع، لم تكن سويسرا دوماً بلداً مستقراً ومزدهراً. فانقساماتها الداخلية عميقة وكثيرة: بين البروتستانت والكاثوليك، وبين الناطقين بالفرنسية والألمانية، وبين الريفيين والمدينيين، وبين الليبراليين والمحافظين، وبين العمال والرأسماليين. وقد قادت هذه الخلافات إلى الكثير من الحروب الأهلية كان آخرها في العام 1847. وبعدها بعام، خلق دستور 1848 مجموعة جديدة من المؤسسات السياسية: مجلساً فيدرالياً رئاسياً من 7 أعضاء، برلماناً بغرفتين، ولا مركزية واسعة، أو ما بات يُعرف بالديموقراطية التوافقية. ولو تم تطبيق الديموقراطية المُستندة إلى الأغلبية في سويسرا آنذاك، لكان أدى إلى تجدد الحرب الأهلية.

إن المبدأ الرئيس للحكومة المركزية السويسرية هو الحكم عبر ائتلاف وطني دائم. وهكذا، لن تخشى أي مجموعة أن تُقصى، كما لا يكون في وسع أي مجموعة أن تطمح الى الهيمنة وإقصاء الآخرين.

بيد أن حكومة الائتلاف الوطني لا تعني الحكم بالإجماع، بل الحكم عبر أكثريات وتحالفات متغيرة داخل الحكومة، لأن القرارات في المجلس الفيدرالي تُتخذ دوماً بالأغلبية. ومثل هذا النظام يُشجّع على التفاهم وقبول الآخر، لأن الخصم في قرار اليوم، قد يكون الحليف في قرار الغد.

هذا الشكل من الحكومة كانت له تأثيرات مهمة في سويسرا. فلمّ شمل كل المجموعات الرئيسة في الحكومة يعني ألا يكون لدى أي مجموعة دافع للانفصال أو التمرّد المسلح. كما أن الائتلاف عزّز الاستقرار الوطني في بلد لا يمتلك هوية ثقافية قوية، لأن الأفراد والمجموعات باتوا يشعرون بأنهم جزء فعلي ودائم من الدولة. وعلى رغم أن الحكم عبر الائتلاف بطيء الخطى، إلا أنه يعني أيضاً أن القرارات التي تُتخذ في خاتمة المطاف، تحظى بدعم واسع في المجتمع ويتم تطبيقها في شكل أكثر فاعلية واستدامة. ذلك أن مشاركة مجموعات متعددة في الحكومة يخلق تفاهماً وقبولاً للآخر، وثقافة التفاهم وقبول الآخر هذه تتمدد إلى كل فئات المجتمع. وبالتدريج، سمح نجاح الدولة السويسرية للفرد بحيازة درجة عالية من الأمن والحرية، ما مكّنه في المقابل من تقليص اعتماده على المجموعة أو الطائفة، وبذلك تم إضعاف معالم الانقسام وتعزيز الاندماج المجتمعي والوحدة الوطنية.

بالنسبة إلى العالم العربي، فإن صيغة الحكومة الائتلافية ليست مناسبة فقط لحالات مثل لبنان والعراق، لكنها قد تكون مناسبة أيضاً لدول أخرى. ذلك أن ديموقراطية حكم الأغلبية المطلق ليست خياراً واقعياً لمعظم البلدان العربية. فمعظم الأنظمة تخشى بشدة أن تُمنى بهزيمة كاملة في أي انتخابات حقيقية استناداً إلى مبدأ الحكم المطلق للغالبية. والمجتمعات منقسمة بحدة، الأمر الذي لا يضمن للخاسرين ألا يتعرضوا إلى اضطهاد حقيقي على يد الرابحين. وخطر العنف السياسي، اذا ما أقصيت مجموعة أو هُمّشت، هو خطر حقيقي. وبالتالي، من الصعب واقعياً ان يتقدّم العالم العربي في المشاركة السياسية سوى نحو شكل من أشكال الحكم الائتلافي الذي يشمل مروحة واسعة من الأحزاب والمجموعات، في إطار حكومة جامعة من شأنها زيادة حس الأمن والمشاركة لدى الجميع.

إن السير قدماً إلى الأمام في مجتمعات مُنقسمة على غرار لبنان والعراق (كما في سويسرا التاريخية) ليس بالأمر السهل. فالتدخل الخارجي والصراعات الداخلية أثبطت التطور السويسري لسنوات طوال. لكن، وكما أظهرت التجربة السويسرية، فإن المشاركة الكاملة في الحكومة الائتلافية يجب أن تعزز الاستقرار ويجب أن تسمح أيضاً ببناء جيش وطني قوي وتعزيز الأمن الداخلي. العراق يحاول أن يعزز قواه الأمنية في المرحلة الحالية، والحقيقة أن عدم تطوير لبنان هذا المجال الأمني في السابق لم يكن أمراً محتماً بل خطأ فادحاً ارتكبته النخب اللبنانية في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته. ولم تبدأ الدولة اللبنانية إلا في الآونة الأخيرة في أخذ التزاماتها حيال الأمنين الوطني والداخلي على محمل الجد.

علاوة على ذلك، قد يكون توسيع المشاركة في الحكم أمراً ضرورياً في الكثير من الأنظمة في المنطقة. فمن خلال إدخال المجموعات والأحزاب إلى الحكومة، تستطيع الأنظمة الوصول الى تنفيس الاحتقانات، وبناء الاستقرار، والتفاوض حول السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وكسب دعم أكبر للسياسات والقرارات الحكومية. كما يمكن هذه المشاركة أن تكون شكلاً من أشكال المشاركة السياسية تستطيع الأنظمة التعايش معها، لأنها ليست مستعدة بعد في هذه المرحلة للتفكير بتطبيق الدمقرطة الكاملة.

لقد استُخدمت صيغة المشاركة الائتلافية في الحكم في أوروبا حتى في دول وحقبات كانت فيها الديموقراطية غائبة، لأنه تم إدراك أن المجتمعات والدول الحديثة تتطلب درجة عالية من المشاركة السياسية في سبيل الحفاظ على الاستقرار والأمن الوطنيين وتطوير سياسات اقتصادية - اجتماعية مُستدامة.

وبالتالي، وحتى في غياب ديموقراطية كاملة، من الضروري تشجيع الأنظمة العربية على توسيع فضاء المشاركة، عبر تشكيل حكومات ائتلاف وطني حقيقية وفاعلة، تشمل، جنباً إلى جنب مع الحزب الحاكم، أحزاباً أخرى - اليسار، القومي، الإسلامي، الليبرالي، الخ... - وعدم اقصاء أي فئات أو مجموعات أساسية (المرأة مثلاً، والمجموعات الإثنية والثقافية والدينية الأساسية المكوّنة للبلاد).

ومثل هذه الحكومات لن تُهدد مباشرة إمساك المسؤولين بزمام السلطة، بل هي قد تجعل الأنظمة الحاكمة أكثر تعوّداً وأقل خوفاً من مسألة المشاركة في السلطة. وهذا سيزيد من شعور الشعب بحس المشاركة، ويشجّع الأحزاب على التعاون في ما بينها، ويحفّز على الاعتدال، ويدفع مختلف الفئات والطوائف إلى تفهّم الآخر وقبوله. وعلى رغم أن ذلك سيُبطئ عملية صنع القرار، إلا أنه سيخلق عملية تكون فيها قرارات الحكومة أكثر تناغماً مع حاجات الشعب والمجتمع، فتوفّر بذلك دعماً شعبياً أوسع لهذه القرارات.

ان تجربة المشاركة الائتلافية في الحكم، حتى في غياب الديموقراطية الكاملة، قد تمثل خطوة ضرورية على طريق توسيع المشاركة السياسية وبناء ثقافة الثقة المتبادلة وتراجع الخوف، الأمر الذي قد يمكّن من إحراز خطوات اضافية نحو الديموقراطية الأكمل في المستقبل.

إن انسداد طريق الديموقراطية الفعلية في العالم العربي يجب ألاّ يثنينا عن استمرار المطالبة بتحقيقها، ولكن يجب ألاّ يثنينا ايضاً عن الاستفادة من تجارب دول أخرى لإيجاد مقاربات جديدة ومفيدة لتوسيع المشاركة السياسية وتعزيزها حتى في اطار واقع عربي بالغ السلطوية.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت

=====================

عندما يقارن كيسنجر بين الانسحاب من فيتنام والانسحاب من العراق

الخميس, 02 سبتمبر 2010

رغيد الصلح *

الحياة

خلال عام 2005 ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة العراقية، اعرب الجنرال جورج كيسي، قائد القوات الاميركية في العراق آنذاك، عن تمنياته بقيام حكومة عراقية «معتدلة» تضم شتى اطياف العراقيين. كذلك اعرب عن امله بأن يكون ذلك مقدمة لانسحاب قسم مهم من قوات الاحتلال، والى تسلم العراقيين انفسهم شؤون الحكم والسياسة والأمن في بلادهم. واثارت هذه الافكار التي تحدث عنها كيسي استياء ادارة بوش وخاصة الصقور والمحافظين الجدد فيها. وانتقد جورج بوش شخصياً هذه التطلعات واعلن انها مجرد «تكهنات» ووجه توبيخاً علنياً الى كيسي بسببها. وكتب عدد من المتعاطفين مع سياسة بوش العراقية مقالات ينتقدون فيها موقف قائد القوات الاميركية في العراق ويشددون على مضار الانسحاب الاميركي من العراق آنذاك. ومن ابرز تلك الكتابات كانت مقالة كتبها وزير الخارجية الاميركية الاسبق هنري كيسينجر جاءت على شكل مقارنة بين تجربتي فيتنام والعراق تحت عنوان «ماذا تعلمنا تجربة فيتنام حول الانسحاب من العراق؟».

ورغم مضي خمسة اعوام على تلك المقالة، فإنها لا تزال ذات اهمية ما دام صاحبها لا يزال يحتفظ بمكانته المرموقة في الاوساط الاميركية والدولية. وهي مهمة ايضاً لأنها تعكس الى حد بعيد نظرة التيار الاميركي الواقعي المحافظ الى قضية العراق. ثم انها مهمة لأنها تساعد على فهم موقف الزعماء الاميركيين المتعاطفين مع اسرائيل تجاه القضية العراقية وتجاه الاميركيين الذين عارضوا الحرب.

في المقارنة بين الانسحاب من فيتنام وبين فكرة الانسحاب من العراق، يؤكد كيسينجر ان الانسحاب الاول كان ناجحاً، اذ ان الولايات المتحدة تمكنت، بين عامي 1969 و1972، من سحب قرابة نصف مليون جندي من الاراضي الفيتنامية. في غضون ذلك انخفضت نسبة الاصابات بين جنودها خلال تلك المرحلة من 400 في الاسبوع الى 20 اصابة فقط، بينما اصبحت سايغون وسائر مدن فيتنام الجنوبية اكثر أمانا وقتها من مدن العراق اليوم.

وجنباً الى جنب مع هذه المتغيرات، وجد قادة فيتنام الشمالية انه لا بد من توقيع اتفاق سلام مع الولايات المتحدة والقبول بشروط كانوا قد رفضوها لمدة اربع سنوات. فما هي الاسباب التي ادت الى هذه المتغيرات؟ في الإجابة على هذه الاسئلة يقدم كيسنجر دروس فيتنام - او بالاحرى دروسه هو- الى الاميركيين الذين كانوا يطالبون بالانسحاب من العراق.

الدرس الاول، هو انه لا بد من تحقيق انتصار عسكري حاسم قبل الانسحاب. على هذا الصعيد يقول كيسنجر ان القوات الاميركية حققت انتصارين حاسمين قبل ان تسحب عدداً كبيراً من قواتها: الاول عندما تمكن سلاح الجو الاميركي من «كسر ظهر القوات الفيتنامية الشمالية حينما شنت هجوماً شاملا على المواقع الجنوبية عام 1972». الثاني، عندما تمكنت القوات الاميركية من رد هجوم تيت الكاسح التي شنته القوات الفيتنامية عام 1968 في الجنوب. ويبدو وزير الخارجية الاميركية هنا ميالا الى المبالغة في تقدير اهمية النجاحات التي حققتها القوات الاميركية، فهو في كتابه «الديبلوماسية»، يتحدث بإسهاب عن فاعلية هجوم الفيتناميين الاخير حيث اكتسحوا ثلاثين مدينة فيتنامية جنوبية ومنها سايغون وتمكنوا من احتلال جزء من السفارة الاميركية فيها، بحيث «سجلوا انتصاراً كبيراً من الناحية النفسية والسياسية».

ومهما يكن من امر، فإن ادارة بوش اخذت بالاعتبار هذا الدرس الفيتنامي، وسعت الى تحقيق الانتصار العسكري الحاسم المطلوب عبر تطبيق استراتيجية «الاندفاع» SURGE، وعبر سياسة «عرقنة» الصراع مع المقاومة. الا ان النتائج النهائية لمثل هذه الاستراتيجيات لم تظهر في فيتنام الا بعد الانسحاب الاميركي الكامل منها حيث انهارت كلياً استراتيجية «فيتنمة» الصراع مع هانوي والفيتكونغ. اما نتائجها النهائية في العراق فإنها تنتظر الانسحاب الاميركي الشامل من الاراضي العراقية.

الدرس الثاني، هو ان تحقيق نصر ضد اعداء اميركا سواء في فيتنام او العراق يقتضي توحيد الصف الاميركي تجاه الحرب. وهنا يوجه كيسنجر لوماً مبطناً الى دعاة السلام الاميركيين الذين عارضوا الحربين الفيتنامية والعراقية، ويحملهم مسؤولية استيلاء هانوي على جنوب فيتنام ودمجه بالشمال، ومن ثم مسؤولية اضعاف الحرب الاميركية على العراق. وتظهر هنا ارهاصات الحرب الداخلية التي شنها البوشيون والمحافظون الجدد وغلاة اليمينيين في الولايات المتحدة على الليبراليين وعلى المعتدلين الاميركيين. فهؤلاء يرددون نفس الانتقادات التي اتى بها كيسنجر، ولكن بشراسة وعنف. اما الهدف الرئيسي من هذه الانتقادات وهذه الحرب على صعيد السياسة الخارجية، فهو تأجيج المشاعر المعادية للعرب وللاسلام، ومن ثم استمرار الاحتلال في العراق حتى السيطرة الكلية عليه.

الدرس الثالث، هو انه لا بد من خلق اجواء سياسية مناسبة من اجل تفعيل دور القوات المحلية الحليفة للولايات المتحدة في القضاء على العدو المشترك. فقوات سايغون كانت تتكون، نظرياً، من 11 فرقة عسكرية، ولكنها لم تكن تتجاوز في تقدير كيسينجر ثلاث فرق، وذلك بسبب الانقسامات التي كانت تسيطر على هذه الفرق المتبقية. هذا الوضع لم يسمح لقوات سايغون ان تلعب دوراً مهماً في القتال ضد الفيتكونغ وضد قوات الشمال.

بالمقارنة يقول وزير الخارجية الاميركي الاسبق إن الانقسامات الدينية والعرقية والمذهبية التي يعاني منها العراق تؤثر على القوات التابعة لحكومة بغداد وتمنعها من الاضطلاع بدور فاعل في ضمان الاستقرار السياسي وبسط سيادة هذه الحكومة على الاراضي العراقية. ما العمل اذن؟ اضافة الى الدرسين الاولين، يقترح كيسنجر خلق اجواء سياسية ملائمة ل «عرقنة» الصراع ضد المعارضة المسلحة عبر «اجتذاب زعماء من الطائفة السنية الى الحكم». ويتصور وزير الخارجية الاميركي الاسبق ان هؤلاء سيؤمنون تغطية كافية للعمليات العسكرية التي تضطلع بها القوات الحكومية.

هذه النصيحة الاخيرة التي يوجهها كيسنجر الى اصحاب الرأي والقرار في واشنطن والى المعنيين بالشأن العراقي في الغرب تحدد بدقة اكبر الموقف الذي يدعو اليه، وهو استبعاد التفاوض مع معارضي الاحتلال، واستمرار الحرب في العراق و»عرقنتها» حتى يتم القضاء النهائي على المقاومة العراقية. تبريراً لهذا الموقف، يقول وزير الخارجية الاسبق ان القوات المعادية في فيتنام كانت تمتلك الاسلحة الثقيلة والمخابئ والمعسكرات في الدول المجاورة وما يقارب النصف مليون جندي مدرب، من هنا اضطرت واشنطن الى توقيع معاهدة سلام مع الفيتناميين، اما المقاومة العراقية فإنها لا تمتلك شيئاً من امكانات الفيتناميين، ومن هنا فإنه ليس من مبرر، في رأي كينسجر، للتفاهم معها، وما من سبب يحول دون القضاء عليها.

لا ريب ان قدرات الفيتناميين العسكرية واللوجستية كانت تفوق قدرات المقاومة العراقية اليوم. ولكن قدرات الولايات المتحدة، هي الاخرى، كانت تفوق بكثير طاقاتها اليوم. لقد ارسلت الولايات المتحدة ما يفوق النصف مليون جندي الى فيتنام، اما اليوم فإنها ليست قادرة على ابقاء ربع هذا العدد في العراق. كذلك كانت اوضاع الولايات المتحدة الاقتصادية افضل بكثير مما هي اليوم مما سمح لها بتحمل الحرب في فيتنام لعدة اعوام، بينما تعاني اليوم ازمة اقتصادية كبرى. ان هذا التراجع في القدرات الاميركية لعب دوراً رئيسياً في سحب الجزء الاكبر من القوات الاميركية من العراق. وهذا التراجع في القدرات الاميركية سيضطر الولايات المتحدة الى سحب القسم الثاني من قواتها من العراق في نهاية عام 2011.

من يريد للاميركيين الاستفادة من تجربة فيتنام، حري به ان ينصح الادارة الاميركية بأن تقف الى جانب اجراء مصالحة وطنية شاملة في العراق، او اجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة تحت اشراف حكومة محايدة وهيئة الامم المتحدة، هذا فضلا عن التعجيل بالانسحاب من الاراضي العراقية. هذه «العرقنة» سوف تكون مقبولة في العراق وفي المنطقة. ما عدا ذلك فإن المؤشرات تدل على ان العراق مقبل على اوضاع صعبة، وعلى ان الكثير من الطاقات البشرية والمادية الاميركية سيغرق في الرمال العراقية المتحركة.

* كاتب لبناني

=====================

الأزمة اللبنانية في غياب رؤية سياسية وطنية

آخر تحديث:الخميس ,02/09/2010

سليمان تقي الدين

الخليج

لم تصمد كثيراً التهدئة السياسية التي فرضتها القمة السعودية السورية في لبنان . وقعت حادثة أمنية في منطقة برج أبي حيدر كانت لها دلالات خطرة . تطورت حادثة فردية إلى استنفار أمني واسع وردود فعل أظهرت الاستعداد النفسي الواسع للصدام والمناخ السياسي المهيّأ للفتنة . ارتفعت الأصوات المطالبة بمعالجة مسألة السلاح المنتشر في أحياء العاصمة وتشكلت لجنة وزارية لدراسة سبل المعالجة . في الخطاب السياسي صوبت بعض القوى على ما أسمته “استباحة العاصمة وأمن الناس” . لا أحد ينكر أن ظاهرة انتشار السلاح وتكرار أحداث استخدامه باتا مسألة حيوية مقلقة للمواطنين، وغير مبّررة على الصعيد السياسي . في مكان ما هذا السلاح يؤدي وظيفة السيطرة وكأنه جزء من التوازن السياسي .

 

صحيح أن السلاح موجود لدى جميع الأطراف بلا استثناء لكن “حزب الله” هو الطرف الذي يملك طرفاً استثنائياً . تتوجس المقاومة من شعار نزع السلاح وتشكو التضخيم الإعلامي، لكنها في ذلك تتجاهل حجم المخاطر عليها من استدراجها إلى النزاعات الأمنية الداخلية التي تتحول سريعاً إلى نزاعات مذهبية . يستغل خصوم المقاومة هذه الأحداث ويوظفونها سياسياً دون أدنى شك، لكن المقاومة تكابر في عدم إجراء المراجعة السياسية لما يحصل في البلاد وفهم الظروف والمعطيات والأسباب التي تخلق أجواء الحذر من دورها وقوتها .

 

مما لا شك فيه أن البيئة اللبنانية معقّدة ومركبّة وتتفاعل فيها عوامل عدّة، وأن هناك شغلاً سياسياً مكشوفاً أصلاً لاستهداف الدور الكبير الذي لعبته المقاومة . لكن ذلك أدعى أن تسعى المقاومة إلى تذليل الصعوبات أمام احتضانها شعبياً ووطنياً خارج بيئتها وجمهورها المذهبي . عندما تحولت المقاومة منذ خمس سنوات إلى التأثير في توازنات النظام السياسي، وفرضت شروطها عليه أصبحت عاملاً من عوامل التركيبة الطائفية، وفقدت الكثير من صورتها مقاومة وطنية . بل إن جزءاً من مواجهة المقاومة من قبل خصومها كانت تتجه إلى استدارجها إلى النزاعات الداخلية تمهيداً لمحاصرتها سياسياً .

 

كان يمكن للمقاومة أن تتحول إلى مشروع تحرر وطني مع فائض القوة الذي امتلكته، لو أنها أنشأت جبهة وطنية ذات برنامج سياسي يجمع مكونات المجتمع اللبناني التعددي . لكنها أدارت نوعاً من التحالفات الفوقية التقليدية التي أسهمت في تعميق صورتها واحدة من قوى النظام القائم سياسياً واقتصادياً . ولقد تجلّى المشروع الداخلي أكثر ما تجلّى في “اتفاق الدوحة” وما أعقبه من إجراءات على صعيد تشكيل الحكومة والانتخابات النيابية . لم تستثمر المقاومة ثقلها السياسي خلف أي مطلب إصلاحي ورضخت لمطالب حليفها السياسي التقليدي ومصالحه في إقرار قانون انتخاب يجدد أزمة النظام ويحجب المشاركة الشعبية . يقال إن المقاومة تبحث عن حمايتها من خلال هذه التحالفات التقليدية، والتعاون مع رموز الطبقة السياسية لكي تستفيد من حيادهم، غير أن الأمور ذهبت في اتجاه المزيد من الانغلاق السياسي الطائفي والمذهبي الذي يتوجس بطبيعته من أية قوة طائفية أو مذهبية صاعدة . لا تضمن المقاومة صداقة أي جمهور طائفي غير جمهورها ولا توجد قوة متعددة الانتماءات الطائفية تشترك مع المقاومة في مشروعها السياسي . أما أن السلاح صار جزءاً من استراتيجية الدفاع عن لبنان فهذا أمر حقيقي ويصعب الطعن فيه، ولو تحوّل إلى جزء من منظومة أمن إقليمي ويرتبط مصيره بمصيرها . إلا أن الاعتراف بحاجاته إلى نوع من التغيير داخل النظام السياسي فقد صار حوله أكثر من حاجز .

 

إن معادلة “شعب وجيش ومقاومة” لصياغة الاستراتيجية الدفاعية هي معادلة سليمة . لكن الأسئلة تطرح حول دلالات ونتائج مشاركة الشعب خارج المنطقة الجنوبية الحدودية، ودلالات ونتائج دور الجيش .

 

في واقع الأمر المشكلة لا تتعلق بالمقاومة وسياستها وحدها، بل بباقي الأطراف وبغياب مشروع لبناء الدولة وتفعيل مؤسساتها . إن البنية الطائفية للبنان لا تتفق مع هيمنة مرجعية لمشروع سياسي يتموضع في بيئة طائفية . إن المسار الحالي من التوتر السياسي والأمني يتحول إلى مشروع فرز طائفي ومذهبي يطرح شعارات تتعلق بالأمن الذاتي . إن الانتقادات التي وجهت إلى الجيش على دوره في مواجهة الصدامات الأمنية تتكرر وكأنها دعوة ضمنية إلى أخذ الجمهور لأشكال من الأمن الذاتي . في شكل أو آخر يكرر لبنان سيناريوهات الحرب الأهلية في الربع الأخير من القرن الماضي .

 

يفترض بالقيادات التي عاشت تلك التجربة ونتائجها وأخطاءها أن تتدارك الانزلاق إلى المسار نفسه . عملياً ليس هناك من طرف يلعب مثل هذا الدور وكأن البلاد سائرة حتماً إلى اختبار الفتنة في أبشع صورها . لا يدرك أصحاب الشأن أنه كلما قويت شوكتهم المذهبية تقلص تأثيرهم الوطني . ارتفعت لهجة الخطاب الداعي إلى تسليح الجيش كأحد المخارج ليلعب دوره الوطني على الحدود . لكن الحقيقة أن البلاد تحتاج راهناً إلى تقوية كل المؤسسات الأمنية وتوحيدها في خطة وطنية مركزية، وخاصة للدفاع عن الأمن الداخلي . هناك مؤسسات أمنية باتت محسوبة على أطراف سياسية . تفقد المؤسسات فعاليتها الوطنية عندما تصبح تابعة لأطراف وليس إلى الدولة . لبنان اليوم مجموعة من الإقطاعات السياسية والأمنية والخدماتية، عبثاً يستطيع أن يواجه الضغوط الدولية المسلّطة عليه من دون تفاهمات عميقة تؤدي إلى تعزيز دور الدولة .

 

واقع الحال الآن أن المظلّة العربية التي تدعم الفرقاء اللبنانيين هي نفسها التي تضبط إيقاع نزاعاتهم . لكن الدور الإقليمي يستطيع أن يكبح القرارات الكبرى التي تتعلق بطموحات الأطراف على قلب الطاولة أو تغيير المعادلات . لكن هذا الدور الإقليمي لا يستطيع أن يضبط حراك الشارع الذي يراكم عناصر الانفجار والتفكك والانهيار . لقد صارت الإدارة الخارجية للشأن اللبناني أكثر من ضرورة وهي تتزايد كل يوم .

 

لكن على اللبنانيين أن لا يتخلّوا عن دورهم في تفعيل الحوار الوطني حول كل المواضيع الخلافية، لكي ينتهي بهم الأمر إلى تقوية عصب الدولة . أما إذا ظلّت النزاعات السياسية تحجب كل القضايا الجوهرية تحت وهم أن المتغيّرات الإقليمية قد تؤدي إلى توازنات جديدة تخدم مشاريع الغلبة من هنا أو هناك، فهو يراهن بالذات على تعميق المأزق الوطني . لكي تصير ممكنة معالجة المشكلات اللبنانية، يجب أن يستوعب جميع الأطراف أن هناك مشكلات، أما الاحتفاظ بوتيرة الخطاب الذي يلقي المسؤوليات على طرف من الأطراف للاستثمار السياسي فليس من مخرج محتمل .

=====================

شن الحروب ظاهرة أميركية باقية

بقلم :احمد عمرابي

البيان

2-9-2010

لترتيبات الإغاثة العاجلة للتعامل مع الأوضاع الكارثية الناشئة عن تداعيات الفيضانات، تقدر احتياجات باكستان بنحو 500 مليون دولار.

 

وإذا كانت مجموعة الدول الغنية (المانحة) بزعامة الولايات المتحدة تتلكأ في التبرع بهذا المبلغ الزهيد نسبياً، فكيف يكون الحال عندما يحين وقت إعادة الإعمار الشامل لإقامة المشاريع الكبرى المتعلقة بالبنى التحتية!

 

فبينما تعد كلفة برنامج الإغاثة العاجلة بضع مئات من ملايين الدولارات، فإن التمويل التنموي المطلوب لإعادة الإعمار يحسب بعشرات المليارات.. تحديداً نحو 40 مليار دولار كتقدير أولي.

 

فور وقوع الكارثة قبل نحو شهر وتفاقم تداعياتها، أخذ قادة الدول الغربية يتبارون في بذل الوعود والتعهدات الإغاثية. تعهدت الولايات المتحدة وحدها بنحو 150 مليون دولار، بينما تراوحت تعهدات الدول الغربية الأخرى بين تسعة ملايين و70 مليون دولار. لكن الوعود بقيت في أغلب الحالات مجرد وعود.

 

الإغاثة العاجلة المطلوبة، تتمثل في إمدادات الأغذية والإيواء لأكثر من 15 مليون باكستاني أصبحوا مشردين، بعد أن اكتسحت الفيضانات والأمطار الغزيرة قراهم ومزارعهم.

 

ومع المأكل والمشرب، فإنهم باتوا مهددين باحتمال انتشار أوبئة فتاكة كالملاريا والكوليرا. ولكن هناك أيضاً على المدى البعيد تداعيات أدهى وأمرّ.

 

فقد تسببت الفيضات العارمة والأمطار في تدمير أنظمة الري، وتخريب محطات لتوليد الكهرباء وجرف الطرق البرية وشبكات الهاتف وغيرها من البنى التحتية الأساسية.

 

لقد فشلت الدول الغربية الغنية في التجاوب مع متطلبات الإغاثة العاجلة.. فكيف يرجى منها أن تفي بوعودها تجاه إعادة تأهيل المشروعات الكبرى؟

 

هذا السؤال يتخذ صفة أكثر جدية، إذا أعدنا إلى الأذهان سجل الدول الغربية في مواقف مماثلة. المثال الأقرب إلى الذاكرة هو تدمير قطاع غزة، الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية للقطاع وأهله عند نهاية عام 2008 وبداية عام 2009. لم يتبق شيء لم يطله الهجوم الإسرائيلي على مدى 21 يوماً، من منازل ومستشفيات ومدارس ومزارع ومصانع.

 

وعلى خلفية تظاهرة إعلامية زائفة، عقد مؤتمر دولي تحت عنوان «إعادة تعمير قطاع غزة»، تصدرته الدول الغربية (المانحة)؟ حيث سجلت وعوداً تمويلية بلغت في جملتها ما يقارب ستة مليارات دولار. والآن وبعد مضي أكثر من عام ونصف العام، تبقى الوعود حبراً على ورق.

 

هذا المؤتمر الدولي سبقه مؤتمر مماثل عقد في باريس، من أجل تمويل برنامج طموح للنهوض تنموياً بالأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبلغت جملة التبرعات الموعودة نحو سبعة مليارات دولار.. وانتهى المؤتمر وبقيت الوعود وعوداً حتى يومنا هذا.مثل هذه المؤتمرات تذكرنا باتفاق أوسلو.

 

ففي خلال الأجواء الاحتفالية المصاحبة لتوقيع ذلك الاتفاق التاريخي بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بذلت وعود بمليارات الدولارات لتحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جنة اقتصادية. أما ما نراه الآن فليس سوى فتات موائد لتمويل الجهاز الأمني للسلطة الفلسطينية، ليكون على مستوى من الكفاءة القمعية.

 

صفوة القول ان المجموعة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، تفضل في علاقاتها مع بلدان العالم الثالث، الإنفاق السخي على الحروب عوضاً عن الإنفاق التنموي، وذلك انطلاقاً من دوافع سياسية تمتد حتى إلى الحالات الإغاثية الإنسانية. والتعامل مع الكارثة الباكستانية وما سبقها وما يلحقها من كوارث مماثلة، يندرج ضمن هذا الإطار.

 

قد كانت الولايات المتحدة الراعي الأكبر لمفاوضات السلام التي جرت بين الحكومة السودانية والحركة الجنوبية المتمردة بقيادة جون قرنق، وانتهت إلى توقيع «اتفاق نيفاشا» عام 2005.

 

ولتبرير دورها كوسيط، تعهدت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بتزعم حملة لجمع تبرعات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في جنوب السودان. ولهذه الغاية أنشئت مجموعة «أصدقاء نيفاشا»، بعضوية الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية.

 

التبرعات بلغت في إجمالي وعودها 12 مليار دولار، ولكن حتى الآن وبعد مرور أكثر من خمس سنوات، لم ير الجنوبيون أو الشماليون دولاراً واحداً!

 

ولماذا نتوغل بعيداً في التاريخ، فأمامنا المشهد العراقي الناشئ عن الاحتلال الأميركي. بكلمة واحدة؛ انتهى العراق كدولة بسبب ما لحقه ولحق شعبه من تدمير منظم، أتى على كل مقومات الدولة من خدمات اجتماعية وأمن داخلي. لكن من المفارقات أن العراق لا يزال دولة تقوم بتصدير النفط الخام إلى الأسواق العالمية.. فأين تذهب عائدات الصادرات النفطية؟!

 

يبقى السؤال الأكبر: لماذا تفضل الولايات المتحدة الإنفاق على الحروب في بلدان العالم الثالث، مع أن الإنفاق على مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية أقل تكلفة وأكثر جدوى، إذا كان المفترض أن الهدف الأعظم للولايات المتحدة هو النهوض بالبلدان الفقيرة كتمهيد لنشر القيم والأنظمة الديمقراطية في تلك البلدان؟

 

يقول المعلق الأميركي نيكولاس كريستوف المتخصص في شؤون العالم الإسلامي، إن تكلفة الصرف على جندي أميركي واحد خلال عام واحد في أفغانستان تكفي لبناء 20 مدرسة هناك.

 

ويضيف قائلاً: إن بناء مدارس في أفغانستان رهان أفضل للسلام، عوضاً عن إطلاق صاروخ واحد من طراز كروز توازي تكلفته قيمة بناء 11 مدرسة.

 

من هنا تتضح إذن الإجابة على السؤال الأكبر؛ فالافتراض بأن الهدف الأميركي الأعظم هو مساعدة الدول النامية للنهوض بنفسها اقتصادياً واجتماعياً على طريق يؤدي إلى نشر الديمقراطية وترسيخها، هو افتراض خاطئ من الأساس.فما تريده الولايات المتحدة، هو مواصلة الهيمنة على العالم الثالث.. عن طريق تدميره.

كاتب صحافي سوداني

=====================

أوباما والشرق الأوسط

بقلم :صحيفة «جابان تايمز»

البيان

2-9-2010

لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط مقبرة لطموحات الرؤساء الأميركيين الدبلوماسية. وقد تحقق تقدم نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها، لكن التوصل إلى تسوية حقيقية للصراع العربي الإسرائيلي وسلام حقيقي بين إسرائيل وجيرانها، لا يزال أمراً بعيد المنال.

 

أخيرا أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما مبادرته الخاصة، داعياً إسرائيل والفلسطينيين إلى أن يحاولوا مرة أخرى بناء سلام دائم. وفي حين أنه أصاب بمحاولته هذه، فليس هناك ما يشير إلى أنه سينجح في ما فشل فيه سابقوه.

 

لقد وعد أوباما خلال حملة انتخابات الرئاسة في العام 2008، بأنه سيتصدى لمشكلة الشرق الأوسط في بداية عهده. وكان تعامله في هذا الصدد محكاً آخر أظهر اختلافه عن سلفه الرئيس جورج بوش، الذي حرص على إبعاد نفسه عن المشكلة.

 

كان الرئيس بوش مؤيداً قوياً لإسرائيل، وكان لا يحب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ولا يثق به. وقد قوي تفضيله للبقاء بعيداً عن المشكلة، عندما فشلت المفاوضات بين الجانبين، التي كان توسط فيها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، في أيام إدارته الأخيرة.

 

كان موقف الرئيس بوش المختلف كليا عن موقف الرئيس كلينتون، قد نتج عن الاعتقاد بأن الرؤساء الأميركيين أضاعوا مصداقيتهم بدفع الطرفين للتوصل إلى اتفاق، لم يكن كلاهما مستعداً لقبوله.

 

تبين أن الأفضل هو تركهما يحاولان، حقيقة، السعي لتحقيق السلام، بدلا من قيام الولايات المتحدة بالتوسط للتوصل إليه. كانت النتيجة صراعا مستعرا، وتدهور العلاقات بين الفلسطينيين وإسرائيل.

 

في الأيام الأخير لرئاسة بوش، التي أدركت خلالها الإدارة أن الكثير من أهداف الولايات المتحدة يتوقف تحقيقه على إحراز تقدم في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، حاولت أميركا الدفع نحو استئناف المفاوضات.

 

لكن المحادثات بين الجانبين انهارت مجددا، عندما شنت إسرائيل عمليتها العسكرية ضد قطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، لم تعد هناك أي محادثات مباشرة بين الطرفين.

 

وبعد تسلمه مهام منصبه، عين الرئيس أوباما السناتور السابق جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً له في الشرق الأوسط، آملاً أن يتمكن ميتشل من تكرار النجاح الذي حققه في حل مشكلة ايرلندا الشمالية.

 

انخرط ميتشل في دبلوماسية مكوكية على مدى شهور، لكن مهمته تعقدت بسبب عودة بنيامين نتانياهو إلى منصب رئيس الوزراء في إسرائيل. نتانياهو المتشدد يفضل فرض التسويات، وليس التفاوض بشأنها. وزاد من تشدد موقفه دخوله في ائتلاف حكومي مع شركاء أكثر تشدداً منه. وصعبت حملة تلك الحكومة لتوسيع المستوطنات، وفرض الأمر الواقع، من مهمة الدبلوماسية.

 

رغم ذلك، ففي ضوء استشعار وجود فرصة سانحة، أو ربما للشعور بأن الوقت ينفد، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أخيرا، أن محادثات السلام ستستأنف في الثاني من سبتمبر في واشنطن، بين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 

وحسب الوزيرة الأميركية، فان المحادثات ستناقش أصعب القضايا المطروحة على أمل حلها خلال عام، بعد أن استعصت على الحل.هذه أجندة متفائلة، لكن من الصعب رؤية مصدر حقيقي لهذا التفاؤل.

 

الأمر الذي يبدو على المحك حقيقة، هو العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وقد شهدت علاقات الرئيس أوباما ونتانياهو فترة صعبة، فلديهما خلافات عميقة، لكنهما أصلحا ما يمكن إصلاحه في الأسابيع الأخيرة.

 

وإذا لم يكن نتانياهو راغباً في التوصل إلى اتفاق، فانه سيطيل الانتظار على أوباما، معتمداً على أن ضعف الرئيس الأميركي الداخلي سيمنعه من الضغط على إسرائيل لقبول التسوية، وهذا هو ما يعتقده شركاء نتانياهو في الحكومة أيضاً.. وهذه ليست وصفة للنجاح.

=====================

رفض تركيا "العقوبات" سيكلّفها غالياً

سركيس نعوم

النهار

2-9-2010

أجبت المسؤول الرفيع نفسه في "الادارة" البارزة الثالثة اياها داخل الادارة الاميركية الذي تعاطى طويلاً ولا يزال يتعاطى مع القضايا الاساسية في المنطقة عن سؤاله عن اسباب الموقف الذي اتخذه لبنان في مجلس الامن في جلسة التصويت على عقوبات جديدة على ايران، قلتُ: حصل التصويت اثناء وجودي في واشنطن كما تعرف. لكن لا اعتقد من منطلق تحليلي بحت ان يكون لبنان تحدث مع تركيا في هذا الامر قبل التصويت. ولا اعتقد ايضاً ان لتركيا دوراً اساسياً في معالجته وفي تغطية الموقف الرسمي اللبناني. كنت اتحدث مع عدد من المطلعين في بيروت فاستفسرت عن حقيقة امتناع لبنان عن التصويت على العقوبات على ايران. قالوا ان التعليمات التي تلقتها بعثة لبنان الدائمة لدى الامم المتحدة من وزارة الخارجية لم تكن معقولة. كان مطلوباً من مندوب لبنان عضو مجلس الامن للسنة الجارية ان لا يصوّت لا مع العقوبات ولا ضدها ولم تبلغه التعليمات بالامتناع عن التصويت، ربما لمعرفة المعنيين في الخارجية بانقسام الحكومة اللبنانية حول هذا الموضوع. وقد ظهر ذلك في وضوح في اجتماع مجلس الوزراء المخصص لدرسه واتخاذ موقف منه. اذ حضر الجلسة 28 وزيراً صوّت نصفهم لمصلحة الوقوف ضد العقوبات ونصفهم الآخر لمصلحة الامتناع عن التصويت. وكأنه كان مطلوباً من مندوب لبنان ان يشرح ان لبنان منقسم (حكومته) حيال هذا الامر وتالياً ان لا موقف له منه. وهذا امر غير ممكن ولا مقبول ولا مفهوم. فأجرى مندوب لبنان السفير نواف سلام اتصالاته بالخارجية ثم كتب خطابه للجلسة واعلن موقف الامتناع عن التصويت عند القائه. ربما تكون قامت جهة او جهات معينة بلعبة مزدوجة اذ شجعت من جهة على الامتناع مُسلِّفة بذلك اميركا والمجتمع الدولي موقفاً ايجابياً وإن على نحو غير مباشر. ولم تعترض من جهة اخرى على انتقاد التصويت اللبناني والاعتراض عليه ولكن من دون تحويل ذلك مشكلة.

هنا سألت: لماذا صوّتت تركيا ضد العقوبات في رأيك؟ علماً ان توقعات البعض في واشنطن اشارت الى انها ستمتنع عن التصويت. اجاب: "لا اعرف. ما اعرفه ان المسؤولين الاتراك ارتكبوا خطأ جسيماً في حق بلادهم وفي حق اميركا ومصالحها ورئيسها. اتصل باراك أوباما اكثر من مرة برئيس وزراء تركيا اردوغان وبمسؤولين آخرين في انقرة وقال لهم ان أمن اميركا على المحك ومصالحها ومصالح كل دول العالم. لم يأبهوا له. وصوّتت تركيا على النحو المعروف. وفي ذلك اهانة لاميركا والمجتمع الدولي. اذا كان اردوغان يعتقد ان اوباما سيسكت عن هذه الاهانة فإنه سيكون مخطئاً. اهمية اوباما انه داخل الادارة الاميركية ورأسها ولكنه يبدو في الوقت نفسه كأنه من خارجها (Outsider). وهو يدرس الامور ويتخذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب. قرار التصويت ضد العقوبات الجديدة على ايران سيكلّف تركيا غالياً. لا بد ان تدفع ثمن هذا الموقف. وستدفعه. هناك امور كثيرة كنا نناقشها ونبحث فيها مع تركيا، منها ما يتعلق بحصولها على اسلحة اميركية. هذه الاسلحة لن نعطيها اياها الآن او لن نوافق على بيعها اياها الا اذا اعادت النظر في سياساتها ومواقفها. قال اوباما لأردوغان وقلنا نحن للاتراك في المناقشات الموسعة والمحادثات التي اجرينا معهم اننا نحن من اقترح موضوع الاتفاق على الايرانيين. لكن هناك نقاطاً عدة في الاتفاق الثلاثي الذي وقَّعه مع الرئيس الايراني والبرازيلي قد تكون مقبولة. لكن صار هناك تجاهل لنقاط الاتفاق الذي كنا عرضناه نحن والمجتمع الدولي على ايران. وكتبنا ملاحظاتنا على الاتفاق واعطيناهم اياها وتضمنت تسع نقاط اعتراضية اذا جاز التعبير على هذا النحو. ما يقلقنا ويقلق العالم هو المشروع النووي الايراني واحتمال ان يكون موجهاً لانتاج سلاح نووي. و"الاتفاق الثلاثي" النووي المشار اليه اعلاه اكّد ذلك وخصوصاً عندما اكدت ايران بعد توقيعه، انها ستستمر في تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة. القصة ليست فقط قصة تخصيب الف كيلوغرام اورانيوم، بل هي قصة المشروع النووي كله وخطره على المنطقة والعالم. روسيا ادركت اخطار مشروع ايران رغم انها تتعامل معها. تحدث رئيسنا مع الرئيس الروسي ميدفيديف في مرحلة الاعداد لقرار العقوبات الجديدة على ايران وشرح له اخطار ايران النووية. ووافقه ميدفيديف على ذلك. وحصل نوع من التفاهم على تبادل مصالح بين اميركا وروسيا او ربما على التقاء مصالح ما. مثلاً توافق روسيا على منع تزويد ايران اسلحة معينة وعلى امور اخرى. وفي المقابل تقوم اميركا بمبادرات اخرى لا تؤذي مصالح روسيا. طبعاً بقيت الصفقات الروسية – الايرانية المعقودة سابقاً خارج اطار هذا التفاهم. لكن اتفق على امور عدة اخرى منها فرض عقوبات على الحرس الثوري وعقوبات على المؤسسات. كل ذلك فرّطت به تركيا، وذلك امر مهم".

سألت: لماذا فعلت تركيا ذلك؟ اجاب: "لا اعرف. ربما تريد ان تكون قوة اقليمية. في اي حال ربما تريد بمواقفها واعمالها ان تفرض نفسها لاعباً اقليمياً مهماً. هناك ثلاث قوى اقليمية هي ايران وتركيا ومصر. مصر الآن خارج اللعبة لأسباب كثيرة منها ضعفها. ولذلك فان التنافس الآن على المنطقة هو بين ايران وتركيا". علّقت: اوافق على ذلك. لكن دعني اقل انه تنافس شركة او تنافس سعي الى شركة رغم التاريخ السلبي والمرير والمزمن بين الدولتين والشعبين. وما يعزز اعتقادي هذا هو تشارك الإثنتين في "السلبية الشعورية" حيال العرب وفي الشعور بالفوقية حيالهم منذ اقدم الازمان. تعرف طبعاً ان العرب السنّة خائفون من ايران الشيعية النووية. وتعرف ايران انها تحتاج الى تركيا قوة كبرى الى جانبها في صراعها مع اميركا والغرب. وربما تنشأ لاحقاً شركة بينهما "لادارة" المنطقة. وقد لا تبقى اسرائيل خارجها وان بقيت علاقاتها مع ايران غير مباشرة. بماذا علّق المسؤول الرفيع نفسه في "الادارة" البارزة الثالثة اياها داخل الادارة الاميركية؟

=====================

"اليوم العالمي لحرق القرآن" ليس مسيحيا

غسان حجار

النهار

2-9-2010

تطوّعت مجموعة مسيحية أميركية، تزعم انها كنيسة محلية تُدعى "كنيسة دوف التبشيرية"، بحرق القرآن في ذكرى تفجيرات 11 أيلول 2001، للدلالة الى ان الإسلام ملازم للإرهاب، ودعّمت اقتناعها بهذا الرأي بعدما تلقت تهديدات من مجموعات اسلامية عبر العالم تنذر بأعمال عنف وارهاب.

ودعمت تلك "الكنيسة" المحلية منظمة مسيحية، يقال انها مسلحة، هي "جناح اليمين المتطرف" التي ستتولى حماية مقر الكنيسة في فلوريدا خلال مراسم الحرق، وأيضاً مراكز أخرى قد تتعرض لأعمال عنف وتخريب من متشددين اسلاميين على قول المنظمة.

وقال المسؤول عن الكنيسة تيري جونز في رسالة عبر البريد الإلكتروني ل CNN: "هناك حاجة لهذه الحماية... انها ضرورية للغاية في ضوء التهديدات بالقتل والتهديدات الإرهابية التي تلقيناها". وأضاف: "حذرنا مكتب التحقيقات الفيديرالي "اف بي أي" من ان تلك التهديدات، ليست ضدنا فحسب، بل ضد أهداف أخرى في فلوريدا... شخصياً تلقينا تهديدات بالهاتف والكثير بالبريد الإلكتروني". وقالت مؤسسة التنظيم المسلح، شانون كارسون: "ندعم تماماً جهود "مركز دوف التبشيري" لوضع حد لفكرة ان الإسلام دين سلمي... بل هو عبادة عنيفة مع هدف الهيمنة على العالم".

وكان جونز وجّه، في وقت سابق، انتقادات لاذعة الى الديانة الإسلامية، زاعماً انها ليست ديناً سماوياً، بل هي من "نتاج الشيطان"، وان المؤمنين بها "سيذهبون الى النار".

ماذا في المقابل؟

- دعا مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية الى التصدي لهذا المشروع، عبر تنظيم يوم يحمل عنوان "توزيع القرآن"، تقدّم خلاله مئة ألف نسخة الى الناس لحضّهم على التعرف الى الإسلام وتعاليمه.

- حض تجمع الكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة في بيان جونز وكنيسته على إلغاء مشروعهما المقرر، لأن الخطوة قد تؤدي الى توترات كبيرة بين المسيحيين والمسلمين في العالم.

وأضاف بيان رسمي صادر عن تجمع الكنائس: "نشجع كل الأعضاء على بناء علاقات من التعاون والثقة والإحترام مع جيراننا من أتباع الديانات الأخرى".

- تخطط قيادات دينية في ولاية فلوريدا لتنظيم منتدى ديني تحت شعار "السلام والتفاهم والأمل"، كرد على حملة "حرق القرآن"، وندد القس دان جونسون في الموقع الإلكتروني للكنيسة الميثودية للثالوث المتحد، بالدعوة الى حرق القرآن، وقال ان "منتدى غيشفيل للأديان"، سيعقد، وبمشاركة مسلمين ومسيحيين ويهود، بالإضافة الى هندوس، في العاشر من أيلول، عشية حملة الحرق المزمعة.

وبين الفعل ورد الفعل ثمة أمور كثيرة تطرح على بساط البحث ويصحّ التوقف عندها توضيحاً للحقائق ومنعاً لحصول الفتن:

1- ان الكنيسة ليست جماعة مؤمنين فقط بل هي أيضاً المؤسسة، وحال تلك الجماعة لا يعبر عن رأي أي من الكنائس العالمية الرسمية أي الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية والإنغليكانية.

2- ان حال التشرذم داخل الكنائس الإنجيلية وعدم خضوعها لتنظيم دقيق ورئاسة محددة، جعلاها تستولد ألوف "الكنائس"، وفي الولايات المتحدة وحدها ما يقارب ال 3500 كنيسة انجيلية محلية لا تنسق في ما بينها. وحال التشرذم هذه تجعل اختراق تلك المجموعات من أصوليات دينية أو منظمات سياسية وحتى ارهابية أمراً سهلاً. وأظن ان الوصف ينطبق تماماً على الجماعة المسماة "كنيسة دوف". وما المستفيد الأكبر من هذا الإختراق الا المنظمات الصهيونية العاملة دوماً على افتعال الفتنة.

3- ان الكنيسة المسيحية في عالمنا المعاصر تحارب المنع والحرق والقتل، وكل أشكال العنف المعنوي والجسدي، اقتناعاً منها برسالتها، أو في أسوأ الأحوال حماية لجماعات مسيحية مضطهدة في غير منطقة منزوعة الحقوق، ان في ممارسة طقوسها أو في التعبير، وقد تحرق كتبها وتمنع عن استعمال كلمة "الله" - كما حصل في ماليزيا -. لذا فإن الكنيسة ترفض تماماً هذا التصرف بل وتدينه، وبالتالي لا تتحمل تبعاته أو أي مسؤولية عنه.

4- ان الكنيسة الكاثوليكية أطلقت قبل مدة التحضيرات لسينودس الشرق الأوسط، وذلك لتزخيم التفاعل المسيحي الإسلامي في المنطقة، أو بكلام أكثر وضوحاً لإعادة تجذير المسيحيين في محيطهم الإسلامي وتفاعلهم معه، وهي ترعى بإستمرار مؤتمرات ولقاءات للحوار الإسلامي المسيحي لزيادة التقارب ما بين المجموعات التي تؤمن بالله. حتى ان الفاتيكان، وتحديداً البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، أشرك البوذيين والهندوس، وكل مسؤولي الجماعات الدينية في لقاءات وصلوات مشتركة تساهم في تمتين السلام بين بني البشر.

5- ان معالجة الأمور في دول يسودها القانون، وينشط فيها القضاء، تكون بالقانون وأمام المحاكم. ويمكن اللجوء الى منظمات حقوق الإنسان، وخصوصاً تلك التي تحركت عندما أحرق المسلمون كتاب "آيات شيطانية" للكاتب سلمان رشدي، واعتبرت ان في الأمر تعديّاً على الحريات.

المحاكم ومنظمات حقوق الإنسان هي الحل الأنسب للمنع أو للإدانة.

وأخيراً ماذا لو حصل فعلاً حرق للقرآن، أي لنسخ منه، في الحادي عشر من أيلول؟ ماذا سيؤثر العمل المدان على المسلمين وعلى الإسلام الذي بلغ عدد أتباعه نحو مليار نسمة؟ هل بحرق نسخ أو تدنيسها كما حصل، ويحصل ربما في أكثر من بلد، قضاء على الإسلام، أو انتقاص من القرآن؟ وهل يهان الله الخالق بتصرف شاذ من أفراد ومجموعات كانت عبر التاريخ، وستكون دائمة الوجود؟

ان ردة فعل المسلمين، منظمات وأفراداً، يجب ألا تجنح فعلاً الى أعمال انتقامية، أي أعمال عنف وارهاب، فتساعد تلك المجموعات المتصهينة، وربما الإستخباراتية، في تحقيق مآربها وذلك بإشعال الفتنة بين مسلمين ومسيحيين وغيرهم، يلتقون أقله على الرغبة بالعيش في سلام.

واذا كان المسلمون مدعوين الى التعقل، فإن المسيحيين مدعوون، أقله، الى إدانة هذه التصرفات الشاذة، والتبرؤ منها، لا من موقع المتهم والخائف من ردة الفعل، أو المتحسّب لحوادث مماثلة قد تطال إنجيلهم، بل من موقع محبة مسيحية ترفض الإساءة الى الآخر. ألم يقل المسيح وهو على الصليب "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"؟

=====================

ليفهم العالم اليوم لماذا لا تتنازل اسرائيل

دان مرغليت

اسرائيل اليوم الاسرائيلية

الرأي الاردنية

2-9-2010

قتل اربعة مسافري السيارة عند مدخل كريات اربع، الخليل لم يأتِ مفاجئا. المفاجىء هو بان هناك من تفاجأ. فالكل يعرف بان محاولات القيام بعمليات مشابهة سترافق ايام اجتماع بنيامين نتنياهو وابو مازن في واشنطن. ينبغي التعلل بالامل في أن تحبط حالة التأهب العالية لدى محافل الامن الارهاب المستقبلي بنجاح.

كما انه لا يوجد عنصر مفاجىء في الجدال الذي ثار بين محافل فلسطينية مغفلي الاسم حول من المسؤولين عن القتل. في الساعات الاولى تبرر كل المنظمات النار ولكنها تبتعد عن الاخذ بالمسؤولية. بعد ذلك يتغير موقفها. التمييز بينها ليس حاسما. فمحافل الامن تعرف على مدى كل الفترة الاخيرة، الهادئة للوهلة الاولى، بان ليس كل اعضاء م.ت.ف – فتح راضين عن التعاون لمنع الارهاب بين الجيش الاسرائيلي وبين السلطة الفلسطينية في رام الله.

هذه مصيبة فظيعة لا تفترض فقط مطاردة فلسطينية للقتلة بل وتسمح لنتنياهو ايضا بان يستخدم الادعاء بانه لا يزال ليس هناك تسليم فلسطيني كامل بوجود اسرائيل، بل ولا اتفاق على حل الدولتين للشعبين. العالم سيفهم، ربما، بشكل افضل، الحذر والبطء اللذين تبديهما القدس في نثر التنازلات لابو مازن.

الجواب على القتل ليس في تبني موقف النائب اوري ارئيل من اليمين الصرف، في أنه يجب وقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ليس فقط صيانة لكرامة المضيف – الولايات المتحدة – بل لانه في حملة اعلامية فهيمة يمكن لاسرائيل أن تشدد التهديد على السلام الذي يعشعش في الجانب الفلسطيني.

لقد وعد نتنياهو بانه يقصد بجدية وانه سيفاجىء، ولولا انه سعى لتعزيز هذا الانطباع لما كان بعث بايهود باراك الى لقاء سري مسبق مع ابو مازن وهو الحدث الذي تسرب بالذات من الجانب العربي، وثمة في ذلك شأن خاص. لقاءات سابقة من هذا النوع لا تعقد الا اذا طرحت في اثنائها وعود مشروطة، على الاقل.

الحدث ليس فظيعا بحد ذاته فقط بل فيه عنصر قابل للاشتعال او الانفجار، من شأنه أن يعصف بالمناطق على مدى فترة طويلة. بعض من المستوطنين لن يمر عن القتل مرور الكرام. القتل واعمال القتل المضاد من شأنها ان تصبح من نصيب اليهود والفلسطينيين في منطقة الخليل على نحو يومي فتنتشر ايضا الى الضفة، وتؤدي الدينامية من تلقاء نفسها الى احداث غربي الخط الاخضر.

هذا هو الخطر الحقيقي، وهو لن يتضح الا بعد أن يعود الزعيمان من امريكا البعيدة الى الديار.

القيادات لا تقرر المبادرة الى انتقاضات. فهذه تحدث من تلقاء ذاتها، ولن يكون ممكنا ابدا ان نعرف أيا من اعمال الارهاب ستشعلها.

=====================

في الخليل ضرب القساميون فأوجعوا الغزاة

ياسر الزعاترة

 الدستور

2-9-2010

يا الله ، كم إن فلسطين مباركة ورائعة ، تلك التي لا تني تنجب الأبطال رغم السجن وكثرة السجانين وتعدد ألوانهم ولغاتهم.

 

ضربوا فأوجعوا ، وهم يعلمون أنهم على مرمى خطوتين من المؤبدات في السجون أو الشهادة. أليس ذلك هو ما حصل لإخوتهم الذين ضربوا في حزيران الماضي فقتلوا جنديين من جنود العدو؟.

 

الأرض تميد من تحت أقدامهم ، كذلك. أغلق العدو كل المنافذ وشرع في عمليات تمشيط واعتقال واسعة النطاق. أما "الأشقاء" فلم يقصروا ، بالتأكيد على ان العملية"تهدد مصالح الشعب الفلسطيني" ، ولا في اعتقال العشرات من أبناء الخليل وجبلها الأشم ، فضلا عن أضعاف هذا العدد من المناطق الأخرى كعقوبة لحماس التي تبنت العملية.

 

ثم يأتي من يسألك بصفاقة عن المقاومة ، لكأن رجالها يطيرون في الهواء أو يسيرون على الماء ، وينسى من جهة هذا الكم الرهيب من التعاون الأمني الذي يقضي على كل رائحة للمقاومة ، أكانت سياسية أم عسكرية ، كما ينسى عمليات إعادة تشكيل الوعي التي تتم على قدم وساق .

 

معجزة أن يخرج هؤلاء رغم الحصار وموجة الاعتقالات فيضربون على هذا النحو ، والمقاومة كانت دائما تجترح المعجزات ، وخيارها هو الذي يفجر طاقات الشعب ويمنح الأمل بفرض التراجع على العدو.

 

عندما يقول كبارهم إن المقاومة تجلب الدمار على الشعب الفلسطيني ، ولا مجال لاستعادة أي حق من خلالها ، فهم يعبرون عن أنفسهم وليس عن شعبهم أو الواقع أو التاريخ ، لأن التاريخ القريب ، بل القريب جدا يخبرنا كيف خرج الأعداء أذلة صاغرين في جنح الظلام من جنوب لبنان بسبب المقاومة ، فيما نتذكر كيف كان أمثال هؤلاء يسخفون خيارها قبل سنوات فقط من انتصارها التاريخي في العام ,2000

 

إنهم يسوقون شعبا أبيا نحو خيار يحاكي دواخلهم ، ولا ينسجم مع التاريخ والواقع ، وها إنهم لا يحصدون غير الخيبة ، من دون أن ننسى حصولهم على بعض المكاسب التي يلقيها الغزاة لمن يتعاونون معهم.

 

لقد قلنا وسنظل نقول إنهم هم الذين ينبغي أن يقولوا لنا ما هو البديل الذي يطرحونه. نحن نحدثهم عن بديل مجرب ، جربته كل الشعوب الحرة ، فكان الانتصار ورحيل الغزاة ، بينما يحدثونا عن مسار لا يتنازل من أول الأمر عن 78 في المئة من أرض فلسطين التاريخية للغزاة فحسب ، بل يساومون على ما تبقى على نحو لا يبقي منه شيئا ذا قيمة إذا تذكرنا القدس وغياب السيادة وشطب عودة اللاجئين وبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة.

 

نحيي أبطال القسام في الخليل وجبلها الأشم ، ونحيي كل المؤمنين بهذا الخيار ، ونكتب عنهم لأن من العار علينا أن نتجاهل بطولتهم وروعة عطائهم ، لا سيما حين نتابع من يدافع عن التنسيق الأمني ضدهم.

 

سيقول قائلهم إن التوقيت مدروس لإفشال المفاوضات ، لكأن المفاوضات تحتاج من يفشلها ، أو لكأنها ليست متواصلة منذ عشرين عاما كاملة ، مع أنها لم تكن متوقفة بالكامل قبل ذلك (ماذا عن عملية حزيران الماضي؟،).

 

في العشر الأواخر من رمضان ، كتب رجال القسام سًفرا من أسفار البطولة يضعون أرواحهم على أكفهم ويطاردون عدوهم رافعين شعارهم الأروع "إنه جهاد.. نصر أو استشهاد".

=====================

فضائح الموساد وأكاذيب الصحافة العبريّة الجنرال السوري نموذجا

زهير أندراوس

2010-09-01

القدس العربي

تواصل ماكينة الإعلام العبري محاولاتها المكثفة بهدف تلطيخ سمعة الدول العربيّة، وتحديدا سورية، هذه الدولة التي تُعتبر بحق وحقيقة، آخر معقل للقومية العربيّة، حيث يزعم أقطاب تل أبيب أنّها ترفض السلام، ومن ناحية أخرى، تقوم الصحافة العبرية بإعادة نشر قصص لعملاء في الموساد الإسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) وتصويرهم بأنّهم أبطال، أو يتمتعون بسمات ومزايا فائقة، وأنّ بقدرتهم الوصول إلى قصور الملوك والرؤساء العرب، وتجنيد عملاء عرب من الصف الأول، لكي يزودوا المخابرات الإسرائيلية بمعلومات عمّا يجري داخل غرف صنّاع القرار في الوطن العربيّ.

ولكي نضع بعض النقاط على عدد من الحروف نشير في هذه العجالة إلى أنّ صحيفة 'يديعوت أحرونوت' العبرية، نشرت يوم 27 آب/أغسطس قصة ضابط الموساد الإسرائيلي سابقا، يهودا غيل، الذي يزعم أنّه تمكن من تجنيد جنرال سوري رفيع المستوى لتزويد الموساد بمعلومات سريّة عن عملية صنع القرار في سورية، ويقول غيل للصحيفة، التي دأبت على مدار ثلاثة أيام، بنشر مقاطع قصيرة من المقابلة الحصرية، إنّ عميلة عربيّة للموساد تعرفت على الجنرال السوري وأقامت معه علاقة جنسية ولكنّها لم تتمكن من تجنيده للموساد، وعندما يصطدم القارئ بهذا العنوان على الصفحة الأولى من الصحيفة، التي تُسمى في إسرائيل، صحيفة الدولة، بسبب سعة انتشارها وتأثيرها على المستويين السياسي والأمني في إسرائيل، يفهم المتلقي أنّه أمام قصة غريبة وشيّقة تجمع كل مقومات الإثارة الرخيصة: جنرال سوري، عميلة موساد عربيّة، علاقات جنسية، خيانة الأرض والعرض والوطن. المخابرات اعتقلته في العام 1997 بتهمة تزويد الموساد بمعلومات كاذبة، لا بل أكثر من ذلك، غيل، كما كتب يوسي ملمان في 'هآرتس' لم يتمكن من تجنيد الجنرال السوري، لأنّ الهدف، أي الجنرال، رفض خيانة وطنه وشعبه، بعد أن التقى مع غيل، الذي عرّف نفسه بأنّه يمثل شركة تجارية عالمية مقرها واشنطن، مشددا على أنّ غيل ومنذ العام 1974 قام بتزويد الموساد بمعلومات كاذبة، عمّا يجري في سورية، زاعما أنّه يحصل على هذه المعلومات الحساسّة من الجنرال السوري، أي من العميل المفترض، وواصل عملية الكذب حتى العام 1997، عندها تبين للمخابرات الإسرائيلية أنّ غيل، هو كذاب محترف ودرج على فبركة التقارير، وحصل على أموال طائلة سرقها زاعما أنّه قام بمنحها للجنرال السوري لقاء خدماته للموساد. وقضت محكمة إسرائيلية بسجنه لمدة خمس سنوات. لجنتان من الجهاز الأمني قررتا بعد فحص مزاعم الضابط إنّ الضابط غيل كذاب محترف.

لا نريد التطرق في هذا السياق إلى أنّ تمكن الضابط الكبير من بيع الأوهام للموساد، يُعتبر فشلاً ذريعا لمخابرات الدولة التي تزعم صباح مساء بأنّها تملك أقوى أجهزة مخابرات في العالم، ونقول هذا الأمر، مع أننّا، لا نزعم فهم أسس الجاسوسية، إنّما نقول ولكن لا نفصل، إنّ هذا الفشل، ناتج في ما هو ناتج، بسبب تمسك الإسرائيليين، بالنظرية القائلة إنّهم أقوى من أيّ شعب آخر، أو كما قال أحد المحللين الإسرائيليين مؤخرا، إنّ الدولة العبريّة، ما زالت تتصرف وكأنّ العرب لم يتغيروا منذ نكسة العام 1967.

للأسف السلطة الفلسطينية في رام الله، تتعاون مع الإعلام العبري، الذي يتعامل معها باستعلائية وفوقية، بازدراء واحتقار. قبل ثلاثة أعوام ونيّف، شاركت في مؤتمر نُظم من قبل وزارة الإعلام الفلسطينية، وخلال ورشات العمل، طرحت فكرة تشكيل طاقم فلسطيني من رجال إعلام، يجيدون اللغة العبرية، لمواكبة ومتابعة ما يُنشر في وسائل الإعلام العبرية، لرد الصاع صاعين، لأنّه حسب فهمي، فإنّ النزاع مع الإسرائيليين، يتطلب المواجهة الإعلاميّة، وأوضحت أنّ الهدف من ذلك هو أولاً تأديب الصحافة العبرية على مختلف مشاربها، وتوجيه رسالة حادة كحد الموس إليها: الأكاذيب التي تقومون بنشرها لن تنطلي بعد اليوم علينا، بتنا محصنين من السموم التي تقومون بنفثها، أي التعامل معهم بندية، ولكنّ السلطة لم تتقبل الاقتراح، بل والأنكى من ذلك، أنّ أركانها يقومون بالتعامل مع الصحافة العبرية، ويخترعون قاموسا مليئاً بالمصطلحات الغريبة العجيبة لتسويقه للإسرائيليين، وإلا كيف نُفسّر قيام رئيس السلطة، محمود عباس، مؤخرًا، بدعوة ستة صحافيين إسرائيليين لتناول طعام العشاء على مائدته، وبعد أن أكلوا وشربوا، قامت الأكثرية بتلطيخ سمعة الفلسطينيين، وكتبوا عن العشاء الفاخر، وأسهبوا في وصفه، وحاولوا من خلال الحديث مع 'الرئيس' تشويه سمعة الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر، أي أنّ العشاء تحوّل إلى كيدٍ مرتد، والرسائل التي طمح السيد عباس في إيصالها إلى الإسرائيليين، أُهملت مع سبق الإصرار والترصد، لنقرأ عن العشاء غير السري.

خلاصة الكلام: الصحافة العبرية هي رأس الحربة في النزاع العربي الفلسطيني الإسرائيلي، وبالتالي على العرب، قادةً وشعوبا، التعامل معها بالمثل والكشف عن عوراتها، وهذه القصة، قصة الجاسوس الذي لم يتجسس، تؤكد مرّة أخرى أنّ الصحافة العبرية انحدرت إلى الدرك الأسفل، وباتت أكثر من صحافة بلاط، إنّها صحافة عبيد وأسياد، صحافة تعمل بوتيرة عالية على تسويق الرواية الإسرائيلية الرسمية، غير أبهة بقواعد المهنة، تُسوق وتروج من حيث تدري لما يُسمى بالإجماع القومي الصهيوني، فإذا كان الأمن، وفق منطق الصهاينة يمنح التبريرات للدولة العبرية لاقتراف الجرائم ضدّ الشعب الفلسطيني، فإنّ الكتابة عن الأمن، حوّل الصحافة الإسرائيلية إلى مجرد سخافة، نعم سخافة، وهكذا يجب أن يتم العامل معها، وبمّا أننّا في شهر رمضان الكريم نستعين بحديث النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم: 'لا يُلدغ مؤمنٌ من جحر مرتين'. كما نرى أنّه توجد حاجة ماسة لتأسيس مراكز أبحاث في الوطن العربيّ، تُعنى بالصحافة الإسرائيلية باللغة العبريّة، الذي تتصرف مثلما يتصرف الاحتلال، تنتهك عروض العرب بصورة صلفة ووقحة، من دون حسيب أو رقيب، وبعد ذلك، يقولون لنا إنّ صحافتهم ديمقراطية، نعم هي ديمقراطية، علينا الاعتراف، طالما أنّ الأمر يتعلق بكل ما هو صهيوني، بكل ما هو إسرائيلي، ولكن عندما يتعلق الأمر بعربيّ أو بيهودي غير صهيوني، فإنّ هذه الصحافة تُكشّر عن أنيابها، وتنقض على الفريسة.

' رئيس تحرير صحيفة 'الحدث' - فلسطين

=====================

أوباما.. والإسلام.. والمشكلة

د. طارق أبو غزالة

2010-09-01

القدس العربي

القس فرانكلين غراهام هو ابن القس الشهيربيلي غراهام الذي كان مستشاراً روحياً لاثني عشر رئيساً أمريكيا ًبدءاً بهاري ترومان وانتهاء بأوباما.

خرج علينا القس غراهام الابن هذا الشهر ومع احتدام النقاش حول بناء المركز الاسلامي في مدينة نيويورك ومناصرة أوباما لحق المسلمين الدستوري في بناء هذا المركز وما تلا ذلك من هجوم اليمين المتطرف في أمريكا على أوباما واتهامه بأنه مسلم، خرج علينا القس الابن بمقولة ان "مشكلة أوباما تكمن في انه ولد مسلما لأن أباه مسلم"

لا نعلم ما المشكلة في أن يكون أوباما مسلما أم غير مسلم ولكن الذي نعلمه أنه لم يشفع للرئيس أن أباه المسلم هجره وأمه وهو ابن سنتين. ولم يشفع له أن أمه مسيحية أمريكية. كما لم يشفع له أنه نشأ في كنف جده وجدته لأمه المسيحيين. ولم يشفع له أنه درس في مدارس أمريكا العلمانية وجامعاتها وتخرج منها محامياً رفيعاً يؤمن بأمريكا ومُثُلِها. كما لم يشفع له أنه انتخب سيناتوراً عن ولاية إلينوي عام 2004 وأنه أقسم يمين الولاء لمنصبه ويده على الكتاب المقدس. ولم يشفع له أنه انتخب رئيساً لأمريكا عام 2008 وأقسم يمين الولاء مرة أخرى لمنصبه ويده على الكتاب المقدس أمام رئيس المحكمة الدستورية العليا وباقي العالم.

 

لم يشفع للرئيس أوباما أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية وأنه استمر في حربين ضد بلدين مسلمين (أفغانستان والعراق) ولم يف بوعده بإغلاق معتقل غوانتانامو المخصص للسجناء المسلمين.

لم يشفع للرئيس مساندته لاسرائيل في كل طلباتها من الفلسطينين والعرب ووقوفه معها بعد فضيحة مهاجمة وقتل تسعة من الاتراك المسلمين الذين جاؤوا في قافلة الحرية العزلاء لفك الحصار عن غزة المحاصرة. لم يشفع له كل ذلك، فالمشكلة هي انه ولد مسلماً.

فإذا كان أحد كبار القساوسة ينظر إلى الرئيس أوباما أن لديه مشكلة وهي أنه ولد مسلماً فكيف ينظر القساوسة إلى كل مسلم سواء ولد مسلماً وبقي على إسلامه أو ولد مسلماً ثم بدل دينه؟

ما سر تلك النظرة "المشكلاتية" تجاه كل من ولد مسلماً ولو كان رئيساً مخلصا للولايات المتحدة الأمريكية؟

وإذا كانت تلك مشكلة أوباما فهل سيفكر مسلم أمريكي يوماً أن يترشح لمنصب رئيس البلاد؟ أليست هذه رسالة إلى كل من ولد أمريكياً مسلماً أن لا تحلم بأن تكون يوماً رئيساً لنا فمشكلتك أنك ولدت مسلماً ولو تنصرت. أليست تلك رسالة مفادها ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ولو كنت أوباما؟

ما هي المشكلة إذاً؟ لماذا لدى أوباما "مشكلة؟

إن تحليل الأمر ليس بالبسيط ويعود تاريخه إلى ألف سنة خلت. إلى بدايات الألفية الثانية ونهاياتها.

 

ففي بدايات الألفية الثانية وفي عام 1096 للميلاد بدأت أولى الحملات والحروب الصليبية على بلاد المسلمين. والذي يقرأ أسباب الحملة سيجد أن جزءاً كبيرأ من ذلك يعود إلى نظرة الاستعلاء والتكبر. فالهدف المعلن للحملة والذي التفت حوله الجماهير الأوروبية كان تخليص موطن المسيح (عليه السلام) من نجاسة المسلمين. ولا يدل ذلك إلا على نظرية الاستعلاء في نفس الأوروبي المسيحي تجاه كل من ليس كذلك ولو كان مسيحياً شرقياً.

أما في نهايات الألفية الثانية فقد بدأ عصر الاستعمار الغربي للشرق. بدأت بذور ذلك العصر برحلات الاستكشاف الغربية التي كانت تهدف إلى الالتفاف حول طرق التجارة العالمية بين الغرب والشرق والتي كانت آنذاك تحت سيطرة المسلمين. وبذلك اكتشف كولومبوس أمريكا واكتشف فاسكو دو غاما رأس الرجاء الصالح. وكانت نتيجة اكتشاف كولومبوس إبادة 13 مليونا من السكان الأصليين لقارة أمريكا (الهنود الحمر) ومن ثمّ استعباد ملايين السود من قارة أفريقيا ليقوموا بخدمة العالم الجديد.

أما نتيجة اكتشاف فاسكو دو غاما فكانت استخلاص الهند من المسلمين واستعمارها وسيطرتهم عليها، وبذلك بدأ عصر التفوق العسكري للغرب ضد الشرق. منذ ذلك التاريخ لا يسمح الغرب للشرق العربي الإسلامي بأي تفوق عسكري وكل من تراوده نفسه بسلوك سبيل التطور والتفوق العسكري يضرب ويباد وخير مثال مصر أيام محمد علي باشا والعراق أيام صدام حسين.

 

بسقوط المشرق العربي والإسلامي تحت الاحتلال الغربي الاستعماري في القرن التاسع عشر والعشرين بلغ الاستعلاء والتكبر ذروته. وكان يغذي هذا الاستعلاء والتكبر حالة التخلف الشديدة التي وصل إليها المسلمون في كل مكان.

وانتقلت حالة التكبر تلك إلى وسط العالم العربي الإسلامي عبر هجرة اليهود الغربيين أولا إلى فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل بمعاونة الغرب متمثلاً ببريطانيا العظمى في مرحلة التأسيس ثم انضمام فرنسا في مرحلة التسليح النووي وانتهاء بالولايات المتحدة في مرحلة التثبيت. انتقلت حالة التكبر والاستعلاء من الغرب إلى اسرائيل متمثلاً بنظرة الاستعلاء التي يكنها اليهود الغربيون (الأشكيناز) على كل من سواهم من الشرقيين من مسلمين ومسيحيين بما في ذلك اليهود الشرقيون (السفارديم).

في مقابل ذلك، وبسبب الحروب وما جرتها على العالم العربي من ويلات وكوارث بدأت هجرة معاكسة من الشرق إلى الغرب هاجر فيها مئات الألوف بل الملايين من العالم العربي إلى أوروبا وأمريكا.

بداية لم تشكل تلك الهجرة أي أثر يذكر على نمط الحياة الغربية بل معظمها ذاب في المجتمعات الغربية ولكن مع تنامي حالة العداء للغرب في العالم العربي بدء الصحوة الإسلامية بدأ المهاجرون العرب ينتقلون إليه وفي نفوسهم حاجز نفسي تجاهه. وبدأ العرب والمسلمون ينتقلون ويتكتلون ولكن من دون انتظام في أي حياة سياسية في الغرب. وبدأ جدل كبير بين المسلمين الغربيين الذين أسلموا وإخوانهم الشرقيين عن جدوى الانخراط في الحياة السياسية والاجتماعية في الغرب. وكان هذا الجدل غالباً ما ينتهي بإغلاق باب الانخراط السياسي والاجتماعي تحت حجج الولاء والبراء والمفاصلة من دون أي اعتبارات لوضع المسلمين الغربيين والأخطار الناجمة عن الانعزال عن مجتمعاتهم الجديدة. وكثيرة هي الفتاوى التي كانت تطالب أي امرأة غربية اعتنقت الإسلام بالانفصال عن زوجها وأسرتها بل ومناصبتهم العداء لأنهم غير مسلمين.

ولكن لابد لكل فعل من رد فعل. ورد المسلمون الغربيون بفتح الجدل والنقاش مرة أخرى في مسألة الانخراط في الحياة السياسية والاجتماعية في الغرب وفي هذه المرة وبعد نقاش دام سنوات وبفضل المتنورين من علماء المسلمين الذين زاروا الغرب بل وعاشوا فيه بدأت طلائع الاجتهاد الجديد بالإثمار. ومع نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الجديد بدأ المسلمون ينخرطون في كل مناحي الحياة الغربية التي توافق القيم الاسلامية. كانت حركة الانخراط هذه تمشي قدما وبشكل حثيث رغم الصعوبات الداخلية والخارجية التي واجهتها من المسلمين أنفسهم ومن المتعصبين الغربيين.

تمثلت الصعوبات الداخلية (داخل المجتمع المسلم الأمريكي) برفض البعض من المسلمين المهاجرين الانخراط في المجتمع الغربي بل ونقل عادات وتقاليد المجتمع الشرقي كما هي إلى المجتمع الجديد. وانتقلت عدوى رفض الانخراط هذه إلى بعض المسلمين الغربيين الذين ظنوا أن الشكل الإسلامي مقصور على الشكل الشرقي وأن لابد من ختم الشرق المسلم على كل قرارات أخيه الغرب المسلم قبل أن تصبح قابلة للتنفيذ. ولعلك أصبحت ترى في بعض الأحيان مسلماً غربياً لا يختلف شكلاً عن المسلم الشرقي بل ولا يختلف سلوكاً متمثلاً في الانعزال وتبني عقيدة الولاء والبراء ضد الجميع ممن ليسوا بمسلمين إلى درجة التحريض عليهم بل والفتوى أحيانا بقتلهم بدعوى أنهم هم من انتخب القيادات الأمريكية التي كانت ماتزال داعمة لإسرائيل وتخوض حرباً في الصومال وتحاصر وتحارب العراق. وانتهى الأمر بتفجير سيارة تحت برج التجارة العالمي عام 1993 ودخول العلاقة بين المسلمين وباقي الأمريكيين منحى جديداً.

 

أما الصعوبات الخارجية (خارج المجتمع المسلم الأمريكي) فالمجتمع الغربي الأمريكي نفسه كان قد خاض داخله عدة حركات مواجهة بين الأنغلوساكسون القابضين على زمام السلطة والثروة وباقي الأعراق من إيطاليين وإيرلنديين وشرقيين (يابانيين وكوريين وصينيين) وزنوج وإسبان انتهت كلها بالإقرار بحقوق تلك الأقليات الدستورية دون نقصان ولو أن كل تلك الأقليات مازالت في حالة تأهب وتوثب ضد أي انتهاك أو التفاف قد يقوم به أي طرف على تلك الحقوق التي انتزعوها انتزاعاً عبر صراع طويل.

وهنا تبرز أهمية العلاقة بين داخل المجتمع المسلم وخارجه في أمريكا وتأثير ذلك على المجريات المحلية والدولية. فعلى الصعيد الداخلي تنبه المسلمون إلى خطورة وضعهم وهشاشته صبيحة الحادي عشر من ايلول/سبتمبر والطائرات تختطف وتضرب وتدمر برجي التجارة العالمي والجدار الجنوبي الغربي لوزارة الدفاع الأمريكية. كان لابد للقيادة الأمريكية من الرد على تلك الهجمات الآثمة الشنيعة. وكان موطن الرد في عمق العالم الإسلامي. لذلك انتبهت القيادة السياسية إلى أهمية عدم المساس بالإسلام من ناحية المبدأ وعدم المساس بالمسلمين الأمريكين بشكل ثانوي ومحاولة احتواءهم وعدم السماح باستهدافهم. ورغم كل محاولات الحكومة الأمريكية فقد تعرض المسلمون إلى حملات كراهية رغم أنها كانت الأقل في دول العالم الغربي. وزار الرئيس الأمريكي يومها جورج بوش المسجد مرتين وتكلم عن سماحة الإسلام وتكلم الكثير من ذوي المناصب الحكومية الفدرالية أن الإسلام ليس هوالمستهدف في الحرب الجديدة على الإرهاب، بل وأنشأ لذلك إدارة خاصة في وزارة الخارجية الأمريكية لتلميع صورة أمريكا في العالم الإسلامي رئستها المستشارة كارين هيوز التي تربطها بالرئيس جورج بوش علاقة عمل حميمة. ولكن مع الكلام عن سماحة الإسلام بدأت حملة حكومية منظمة ضد المسلمين وبدأ الكونغرس وبتأثير من الإدارة الأمريكية بسن وتشريع قوانين جديدة ضد الإرهاب فصلت على مقاس المسلمين في أمريكا سميت بقانون مكافحة الإرهاب الذي استهدف المسلمين ولكن طالت نتائجه كافة شرائح المجتمع وأصبحت الخصوصية الشخصية التي ميزت المجتمعات الغربية عموماً وأمريكا خصوصاً والتي كانت محمية بالقوانين سابقاً، أصبحت هذه الخصوصية تاريخاً يترحم عليه

على صعيد آخر فقد رافق الحملة الحكومية على المسلمين حملة منظمة أخرى ولكن هذه المرة على مستوى الإعلام الأمريكي. هذه الحملة الإعلامية كانت عكس الحملة الحكومية ليست موجهة ضد المسلمين ولكن ضد الإسلام (لأن القوانين الأمريكية تمنع استهداف الأفراد والتشهير بهم بناء على عقائدهم وأي استهداف لمسلم خطاً في غير مكانه قد يترتب عليه نتائج قضائية ومالية كبيرة في حال رفع المسلمون الدعاوي ضد التشهير)

 

بدأت الماكينة الجبارة للإعلام الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر بالتهجم على الإسلام وثوابته على حذر واستحياء بادئ الأمر ثم اشتد هذا التهجم مع المحافظة على خطوط حمراء لا يتعداها ولكن وفي الآونة الأخيرة تحول هذا التهجم الحذر إلى هجوم شديد سافر متسارع منظم وممول. كان أحد أسباب هذا الهجوم السافر على الإسلام هو الجهد والإنهاك الذي أصاب المسلمين بسبب استهدافهم المنظم من الحملة الحكومية التي كانت تراقب مساجدهم وتحركاتهم الداخلية والخارجية وتمنع بعضهم من الصعود للطائرات وتدس المخبرين بين صفوفهم ثم تعتقلهم وتزج بهم في السجون لسنوات طويلة بل وحتى لعقود وتتبع أرصدة أموالهم ومصارف زكاتهم وصدقاتهم. منع هذا الإنهاك المسلمين من الدفاع عن دينهم كيلا يشك بولائهم لبلدهم أمريكا.

هذه الحملة آتت أكلها أول الأمر فانكمش المسلمون وأحجموا عن الانخراط الجاد في الدفاع عن دينهم وأنفسهم اللهمّ إلا بعض الأفراد والمنظمات الإسلامية التي كانت تحاول جاهدة الحفاظ على مكتسبات مرحلة ماقبل الحادي عشر من ايلول/سبتمبر والتي بدأت تتبخر والحفاظ على كينونة المسلمين أنفسهم في أمريكا التي ينتمون إليها، هذه الكينونة التي أصبحت هي نفسها مهددة سواء من حيث استهداف الحكومة للمسلم لأنه شرير فطرة أو تصوير الإعلام لدينه بأنه شرير أصلاً. وانتهى الأمر اليوم بتصوير أي مسلم في امريكا أو خارجها بأنه شر محض وأن دينه شر محض. وليس أدل على ذلك من الحملة المسعورة التي قام بها بعض من أعضاء الكونغرس عندما علموا بوجود متدربين أمريكيين "مسلمين" في مكاتبهم.

تختلف إذاً هذه الحملة على المسلمين في أمريكا عن حملات استهدفت أقليات أخرى بأن الحملة على المسلمين استهدفت المسلمين ومايؤمنون به. أما الحملات على غيرهم فهي نوعان أما استهداف للٌأقلية نفسها واضطهادها وإما استهداف لما يؤمن به الأفراد المستهدفون.

فاستهداف الإيطاليين والإيرلنديين والزنوج واليابانيين والصينين والإسبان واليهود كلها استهدفت تشويه صورة أفراد هذه الأقليات دون تشويه ما يؤمنون به.

أما استهداف الأمريكين ذوي الميول الشيوعية في منتصف القرن العشرين من قبل السيناتور مكارثي فقد استهدف ما يؤمن به أولئك الناس دون تشويه انتماءاتهم العرقية والدينية.

 

أما استهداف المسلمين في أمريكا اليوم فهو تشويه المسلمين وما يؤمنون به وهذه هي الحالة الوحيدة التي تستهدف تشويه جماعة بشرية معينة وتشويه ما تؤمن به وهذه المرة الأولى التي يجري فيها ذلك في تاريخ أمريكا.

لم تستهدف الحملات السابقة إيمان الناس ودينهم من إيطاليين وإيرلنديين لأنهم يدينون بالنصرانية نفس دين معظم الأمريكين. ولم تستهدف معتقد الصينين واليابانيين لأسباب أخرى أهمها أن البوذية والهندوسية ليست ديانة تبشيرية كالإسلام وليست منهج حياة ديناميكي يتجدد بتجدد الزمان وتبدل المكان، ولم تستهدف إيمان السود الأمريكيين لأن معظمهم اعتنق المسيحية. كما لم تستهدف الحملة ضد الشيوعية تشويه الناس لأن المتعاطفين مع الشيوعية في ذلك الزمان اتوا من كل أطياف المجتمع ولم يقتصروا على فئة دون أخرى فكان منهم الأبيض والأسود والمسيحي واليهودي.

 

وهنا تكمن معضلة أمريكا! هذه المعضلة تبدو كالدائرة المفرغة لا حل لها.

 

فاستهداف المسلمين وتشويههم وتشويه ما يؤمنون به انتهى إلى نتيجة غير متوقعة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

فعلى الصعيد الداخلي أدى هذا الاستهداف إلى استهداف المسلم الأبيض الأنغلوساكسوني والإيطالي والإيرلندي والأسود والإسباني والعربي والهندي والباكستاني وكل هؤلاء ينتمون إلى أقليات أخرى فيهم المسلم وغير المسلم وهذا يزرع بذور الانفجار داخل كل أقلية ويمهد لاصطفاف جديد. فالأقلية السوداء التي كانت على مر العقود متكاتفة بغض النظر عن أي اعتبارات اوانتماءات أخرى إلى درجة تجعل الجنرال المحافظ من حزب الجمهوريين كولن باول الأسود يؤيد المرشح الليبرالي من حزب الديموقراطيين باراك أوباما الأسود على منافسه المحافظ مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين الأبيض. هذه الأقلية الآن مهددة بالانقسام بين أسود مسلم وأسود مسيحي ومهددة بنسيان الذاكرة الجمعية لهذه الفئة التي عانت ألوان العذاب والعبودية والذل والاضطهاد بغض النظر عما يؤمنون به. كلنا شاهد القس مارتن لوثر كينغ الأسود في مناهضته للعنصرية وقد اصطف وراءه المسلمون السود.

وينسحب ذلك على باقي الأقليات والأعراق. سينسى الإسبان معاناتهم واضطهادهم ونظرة التمييز ضدهم لأن الشرير فيهم هو الإسباني المسلم.

إن التمييز اليوم ضد المسلمين سيتغلغل إلى داخل المجتمع الأمريكي بكافة أطيافه وستأكل أمريكا أبناءها.

أما على الصعيد الخارجي فقد أدى استهداف المسلمين وتشويه دينهم إلى استقطاب شديد ضدهم في كل أرجاء العالم الإسلامي. فالذين أتوا ليحرروا أفغانستان والعراق من طالبان وصدام كيف لهم أن يكسبوا قلوب وعقول الأفغان والعراقيين والإعلام الأمريكي وحكومته يعرِّضون بالإسلام والمسلمين ليل نهار؟ وما ظن أهل فلسطين سيقبلون بأمريكا وهي تحاول حل قضيتهم مع اسرائيل التي تهتكت صورتها بسبب فظائعها بينما الإعلام الأمريكي وحكومته يستهزءون بالإسلام والمسلمين صباح مساء؟

أما على صعيد حلفاء أمريكا في العالم العربي والإسلامي فهؤلاء سيكونون أول ضحايا هذا الاستهداف خاصة مع استنكاف هؤلاء عن محاولة صد هذه الهجمة على الإسلام والمسلمين وثانياً من ظهور المعلومات التي تشير إلى استثمار كبير من أموال هؤلاء الحلفاء في ماكينة الإعلام الأمريكي. وكأن المال الإسلامي والعربي هو الذي يغذي حملة الكراهية على الإسلام والمسلمين. عندما يفيق المسلمون على هذه الحقيقة فأول ما يتوقع هو قطعهم لتلك اليد التي تزود ماكينة الإعلام الأمريكية بالمال اللهمّ إلا إذا أفاق الحلفاء وقطعوا المال أنفسهم قبل أن تقطع أيديهم. ليست هذه دعوة للتحريض على الحلفاء ولكنها محاولة قراءة ما قد يتكشف عنه المستقبل إن استمر اصطفاف الحلفاء مع أمريكا في الوقت الذي يصور الإسلام والمسلمون أنهم شر محض.

إن الصورة السابقة كانت أن أمريكا تدعم حلفاءها على شعوبهم في العالم العربي والإسلامي. أما الصورة اليوم فهي أن حلفاء أمريكا يدعمونها فيما تذهب إليه من استهداف وتشويه للإسلام والمسلمين وفرق كبير بين الصورتين.

الصورة السابقة احتملت اللبس بأن الأمر يقع في باب السياسة وأن دعم أمريكا إنما هو دعم ضد أخطار كبرى تهدد المنطقة من إرهاب وقوى صاعدة على سلم النادي النووي. أما الصورة اليوم فلن تحتمل أي لبس لأن أي تشويه ضد الإسلام والمسلمين كان منذ فجر الإسلام خطاً أحمر لأن الإسلام يقارع الحجة بأختها أما قذفه والمسلمين بأشنع الألفاظ دون إتاحة الفرصة لهم للرد على الأقل فستعود على الجميع بأسوأ العواقب.

بعد كل ذلك لا بد من الإشارة إلى حالة التفاؤل التي سادت بين المسلمين داخل أمريكا وخارجها مع قدوم أوباما إلى البيت الأبيض. هذا التفاؤل بدأ بالتآكل بسبب اشتداد الحملات على الإسلام والمسلمين داخل أمريكا وخارجها بل قد تغير إلى حالة من التشاؤم واليأس الذي سيؤدي دون شك إلى مواجهة لا داعي لها بين أمريكا والعالم والإسلامي.

 

إن استنكاف الرئيس السابق بوش عن الإدلاء برأيه في مسألة المركز الإسلامي وسماحة الإسلام كما كان يفعل أيام رئاسته وذهاب بعض أعيان إدارته إلى التهجم على المشروع علنا أو المطالبة بنقل المركز الإسلامي إلى مكان أبعد من المكان الحالي المزمع إقامته عليه كما ورد في مقالة في الواشنطن بوست بتاريخ 22-8-2010 بقلم كارين هيوز المسؤولة السابقة في إدارة بوش والمسؤولة آنذاك عن تحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي، إن هذا الاستنكاف لعله يشير إلى نفاق تلك الإدارة يوم أن نادت بتسامح الإسلام بينما هي تخوض حروبها في ذات العالم الإسلامي.

ليست المشكلة إذاً في الإسلام ولا في معتقد الرئيس أوباما سواء كان مسلماً أو غير ذلك ولكن المشكلة في عقلية الاستعلاء عند تلك الفئة من الناس التي تظن أن التاريخ يبدأ بها وينتهي وأن أرض الله الواسعة لا تسع غيرها.

أما الحل لتلك المشكلة فليس في نقل المركز الإسلامي بعيداً عن مكانه الأصلي ولكن الحل يكمن في وقف تلك الحملات المسعورة على الإسلام وأهله داخل أمريكا وخارجها، ثم انفتاح العقول على الإسلام ومن ثمّ مد الجسور بين أولئك الذين يظنون أن المشكلة في الإسلام والمسلمين.

*كاتب فلسطيني

========================

الأغلبية التركيَّة والحبُّ النَّبَويُّ (1)

السبيل

الجمعة, 03 أيلول 2010

د. إبراهيم الحلالشة

شهدت السنوات الأخيرة تواصلا كبيرا بين العالمين العربي والتركي، وقد تعرف كل من الطرفين على ما لم يكن يعرفه لدى الطرف الآخر، والتعارف هو الخطوة الأولى في الوصال.. ولربما كان من الأمور البارزة التي انتقلت من تركيا إلى العالم العربي، ولاقت رواجاً لم يكن متوقعا إلى هذا الحد، هي المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية.. هذه المسلسلات فيها ما هو غث وما هو سمين، ولكن أغلبها لا يعكس ثقافة الأغلبية التركية، وإنما يصور ثقافة من كان يُعرف في تركيا ب"النخبة"، وهي الطبقة التي تلقت تعليمها في الغرب، وتبوأت في ماضي تركيا المناصب العليا في الدولة، فثقافتها ثقافة غربيّة وغريبة على ثقافة الأغلبية، فلا تكاد تخلو مائدة من موائدها من الخمور، ولا مشهد من مشاهد حياتها من التبرج المبالغ فيه والسفور. الأمر الذي دفعني لأعرض صورة من صور ثقافة الأغلبية، وهي الصورة التي يتجلى فيها حبّ الشعب التركي للنبي صلى الله عليه وسلم.

شعرتُ ومنذ بدأتُ الإقامة في تركيا قبل أحد عشر عاما بحب واحترام كبير للنبي صلى الله عليه وسلم بين الناس في تركيا، ولكن مجرد الشعور لا يمكن أن يصور الحقيقة بجلاء، فبدأت أبحث عن مظاهر ملموسة لهذا الحب تشهد للأتراك بحبهم البالغ لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فبدأت من مديرية النفوس التركية (الأحوال المدنية)، وحصلت منها على تقريرٍ حول أكثر الأسماء انتشارا في تركيا، فكانت النتيجة كما يلي: أكثر اسم يطلقه الأتراك على أولادهم هو اسم "محمد"؛ إذ بلغ عدد من يحملون هذا الاسم 1537458 مواطنا تركيا، ثم دفعني الفضول إلى الاطلاع على الاسم الذي يليه، فكانت المفاجأة أنه اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو "مصطفى"، ويبلغ عدد من يحملون هذا الاسم 1195232 مواطنا تركيا، تابعت التدقيق فوجدت الاسم الثالث هو "أحمد" وهو اسم من أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم، أما الاسم الرابع فقد كان "عليّ"، والخامس "الحسين"، ويدل هذا على حبّ الشعب التركي لأهل بيت النبوة. دعاني الفضول لأتابع النظر إلى أسماء الإناث، فوجدت أكثر أسماء النساء انتشارا هو اسم بنت الرسول "فاطمة"، إذ تحمل هذا الاسم 1529170 مواطنة تركية، فقلت بعدما قارنته بعدد من يحملون اسم "محمد": لله درك يا سيدتي ما أشبهك بأبيك.. أما الاسم الثاني من حيث سعة انتشاره بين الإناث فهو اسم زوج النبي "عائشة" وتحمله 1161016 مواطنة، والثالث هو اسم أم النبي "آمنة"، والرابع اسم أول أزواج النبي "خديجة"، والخامس اسم بنت النبي "زينب".. وباختصار فقد بلغ عدد من يحمل هذه الأسماء العشرة ما يزيد على عشرة ملايين تركي، علما أننا لم ندخل في هذا الحساب بعد من يحمل اسم "محمود" وهو من أسماء النبي، ولا أسماء من تبقى من أهل بيت النبوة.. وعندما عرضت هذه النتائج على بعض أهل العلم في تركيا قالوا: "لو أدخلت في بحثك بقية أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وبقية المنتسبين لبيت النبوة لكانت النتيجة نصف الشعب التركي".

لم أكتف بهذا القدر، إذ أجريتُ مسحا سريعا على أسماء الوزراء الأتراك الحاليين، الذين يبلغ عددهم 27 وزيرا، فوصلت إلى الحقيقة التالية: خمسة منهم اسمه "محمد"، وواحد اسمه "مصطفى"، وواحد اسمه "أحمد" داوود أوغلو، وواحد اسمه "علي" بابا جان، ومعظم البقية أسماؤهم عربية، فرئيسهم "رجب" طيب أردوغان، وفيهم رجب آخر، وفيهم "عمر"، و"فاروق"، و"سلمى"، و"بشير"، و"سعد الله"، و"جميل"، و"نعمة"، وسواهم.

لا شك أن انتشار اسم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القدر بين أفراد الشعب والحكومة هو دلالة واضحة على هذا الحب للنبي الكريم عليه الصلاة والتسليم.

وهل من مظاهر أخرى تشهد لهذا الحب؟ بالطبع نعم، فقد لفت انتباهي منذ تعلمت اللغة التركية أن الأتراك في وسائل إعلامهم كلها، وعلى ألسنة عوامهم وخواصهم، عندما يتحدثون عن الجنود، فإنهم في الغالب لا يقولون "جندي" أو "عسكري" وإنما يقولون "محمد جيك"، فعلى سبيل المثال يقولون صدر أمر بإرسال ألف "محمد جيك" إلى الجنوب مثلاً وهكذا.. لفت هذا الاستخدام انتباهي بشكل كبير، علما أن "جيك" هذه التي يلحقونها ب"محمد" هي لاحقة تضاف إلى الأسماء لتفيد التصغير أو التحبُّب.. بحثتُ عن سبب التسمية فعثرت على إجابات من أفواه الناس تفيد أن فيها تأكيداً على الانتساب إلى النبي، وعلى المعاني الدينية التي يحملها الجنود في صدورهم، وعندما بحثتُ عن سبب التسمية في المصادر الرسمية وجدت أن مواطنا تركيا في 31 كانون الأول 2004 تقدم بطلب استعلام إلى رئاسة الأركان التركية يسأل فيه عن سبب تسمية كل منتسب إلى الجيش التركي باسم محمد جيك.. فكان الجواب الرسمي طويلاً، وقد ورد فيه: "لقد نشأت عند الأمم بعد اعتناقها للإسلام حالة من الحب والإعجاب تجاه حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد كان سبب حمل جنودنا لاسم محمد جيك في تركيا هو نتيجة للشجاعة والبطولة التي يتحلون بها" فكان هذا دليلا آخر على "الحب والإعجاب" العظيم الذي يكنه الشعب التركي للنبي الكريم.

لا زالت في جعبتي مظاهر أخرى كثيرة ومثيرة تشهد لحب هذا الشعب الطيب للنبي الكريم، ولكني أخشى من الإطالة على القارئ، فآثرت أن أتابع في القسم الثاني من هذه المقالة إن شاء الله تعالى.. ولا يفوتني في الختام أن أذكر أننا عندما نتحدث عن حب النبي فإننا لا نتحدث عن أغلبية تركية فحسب، بل نتحدث عن إجماع شعبي، فلم أجد تركيا ولا تركية سواء كان من "النخبة" أو من المطربين أو الممثلين أو غيرهم إلا ويعبر عن حبه للنبي الكريم، ولكن الذي دفعني لعنونة المقالة ب"الأغلبية التركية" أنني تناولت القضية من زاوية "الحب الثقافي" وليس مجرد "الحب العاطفي".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ