ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 05/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

تركيا تستعد للاستفتاء: تركيا تتعلم «العربية».. وتتقدم شرقا بالتحالف مع الجغرافيا والدين

الباحث كورأوغلوا: لم نستعمر العالم العربي.. وحكومة أردوغان تلبي رغبة الشعب بالتواصل مع إخوانه المسلمين

الشرق الاوسط

4-9-2010

إسطنبول: ثائر عباس

في الحلقة السادسة من ملف «تركيا على مفترق: العلمنة أو الأسلمة»، تعرض «الشرق الأوسط» للاتجاهات التركية الحديثة نحو العالم العربي، التي تحكمها عوامل الدين والتاريخ والجغرافيا. وإذا كان الجغرافيا والدين يشفعان لتركيا دورها القديم والحديث في المنطقة، فإن التاريخ لا يسعفها كثيرا، بما فيه من محطات غير مشرقة في العلاقات بين التركي «المُستعمِر»، والعربي «المُستعمَر»، خصوصا في بلاد الشام التي شهدت الكثير من الثورات والقلاقل ضد الحكم التركي، فدخلت عبارة «التركي» في القواميس العربية غير الإيجابية عند الحديث عن «التسلط والاستبداد.. والفرمانات».

يقول الباحث في الشؤون التركية الدكتور محمد نور الدين في كتابه «حجاب وحراب» إن العرب والأتراك جمعت بينهم رابطتان، هما الأرض والخلافة: الأولى ذهبت مع نهاية الحرب العالمية وهزيمة الدولة العثمانية، والثانية ولت أيضا بإلغائها وإقامة الجمهورية التركية في عام 1923؛ وهو ما أدى إلى فك ارتباط دام بين الطرفين طيلة 4 قرون.

واليوم، تستعيد تركيا نظرتها إلى العالم العربي، الذي اتهمته بالخيانة في الحرب العالمية الأولى، لتحالف قادته مع الإنجليز وغيرهم في مواجهة الجيوش العثمانية، ويعرف قادة حزب العدالة والتنمية مدى حساسية هذا التاريخ، فيتجنبون الحديث عن «العثمانية الجديدة» في قواميسهم السياسية لأنها «تحمل حساسيات كبيرة» كما يقول مستشار رئيس الحكومة التركية إبراهيم قالنن فيما يمازح مساعد أردوغان للشؤون الخارجية سعاد كينيكلي أوغلو بالقول إن شعبية رئيس حكومته كبيرة جدا في العالم العربي إلى درجة أنه لو ترشح للرئاسة في أي بلد لفاز بها، في إشارة إلى العلاقات العربية التركية بعد حادثة «أسطول الحرية»، وقبلها «تأنيب» أردوغان للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر دافوس.

* زائر تركيا في هذه الأيام، يلمس بوضوح الاهتمام التركي بكل ما هو عربي، وهو اهتمام يتجاوز «الملفات الأخرى» التي يتحدث عنها المسؤولون الأتراك للإشارة إلى السياسة الخارجية الجديدة في البلقان والقوقاز وغيرها.

ويتحدث كبير مستشاري الرئيس التركي إرشاد هورموزلوا عن تاريخ العلاقات العربية التركية، فيرى أنه «يحفل بالعديد من المناقب إن لم يخل من مظاهر التوتر»، لكنه يشير إلى «أن محاولات تفخيخ العلاقات العربية التركية التي يتبناها مخربون يسعون للنيل من تلك العلاقات تحاول دائما إنكار الإيجابيات والتركيز على السلبيات‏،‏ وهناك للأسف تيار من المثقفين على الجانبين يتبنون هذا الموقف غير الحكيم حتى ترسخت لدى قطاع كبير من شعوبهم صور ذهنية نمطية سلبية متبادلة»‏.‏ ويؤكد هورموزلوا أن «التخوين المتبادل بين العرب والأتراك مفتعل وليس له أساس منطقي وتروجه جهات لا تريد التقارب بين العرب والأتراك‏».‏ ويقول: «كانت العاصمة إسطنبول خلال أيام السلطنة العثمانية تحفل بالمفكرين والمبدعين العرب والعجم الذين قدموا الكثير للإسلام والمسلمين،‏ وربما تكون قد انحرفت عن مسارها في بعض الأوقات‏.‏ وقد كان العرب يحظون بمكانة مميزة وتقدير خاص من قبل العثمانيين بل والأتراك عموما حيث يسمونهم‏‏ (القوم المجيد‏)‏ لأنهم قوم النبي وصحابته الأطهار»‏.

ويشير الباحث التركي، برهان كورأوغلوا إلى أن «هناك نقاشا حارا يدور حاليا في تركيا بين المثقفين والصحافيين، حول ما إذا كان محور تركيا يتغير من الغرب إلى الشرق»، معتبرا أن «هذا السؤال يطرح أيضا في الغرب بقوة، وكذلك في إسرائيل». موضحا أن الكثير من المشكلات حصلت بين تركيا وإسرائيل، وقد حصل الكثير منها في العام الحالي آخرها حادثة الأسطول، وكلما حصل شيء ينطلق النقاش هناك حول ما إذا كانت تركيا تخلت عن الغرب والتحقت ب«الشرق المتخلف». وعما إذا كانت حكومة العدالة والتنمية تخلت عن الطابع الغربي للدولة التركية. يقول كورأوغلوا: «إذا نظرنا إلى تاريخ تركيا، لا نستطيع أن نقول أن محورها كان الغرب وحده، فقد كانت هناك الكثير من الاتجاهات. في أيام العثمانيين كانت تركيا موجودة في نصف أوروبا وفي آسيا وأفريقيا. وتحديث المؤسسات التعليمية كان قائما، حتى في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يحاول أن يحدث النظام التعليمي منذ فترة طويلة، ومع ذلك كان رجلا ملتزما التعاليم الإسلامية ويحاول توحيد العالم الإسلامي بوسائل مختلفة».

وكانت تركيا قد تخلت عن «الحرف العربي» وتخلت عن الإسلام دينا رسميا للدولة، وأوغلت في علمانيتها حتى مجيء حكومة «العدالة والتنمية» التي يبدو أنها تحاول «تعديل» الاتجاه التركي، ويرى كورأوغلوا أن «ما حدث في بدايات الجمهورية التركية من اتجاه إلى الغرب كان فيه مبالغة في الاتجاه إلى الغرب ولم يقبل من الشعب التركي بشكل كبير»، مشيرا إلى «الصدام الدائم بين النخب المتغربة والاتجاه الطبيعي للأمور». ويقول: «منذ الأربعينات حصل ضغط على الشعب لتغيير اتجاهه ورفض من الشعب للتغيير. لذلك كلما صعدت قوة سياسية تلبي طموحات الشعب وجدت ترحيبا منه في الانتخابات، ودائما كانت هناك قوة عسكرية نشطة تتدخل لصد الرغبة الشعبية. وأخيرا وصلنا إلى حد من الصدام فحصلت عدة انقلابات، لكن الآن أصبحت الأرضية صلبة بحيث أن النخب المتغربة لم تعد تمنع هذه الرغبة الأصيلة عند الشعب. والحكومة تتماشى مع هذه الرغبة، لكنه في الوقت نفسه تستمر في المسيرة الديمقراطية. وهذه النخب المتغربة لم تكن ترحب بالديمقراطية، لأنهم كانوا يضعون أنفسهم فوق الشعب. أما حكومة أردوغان فهي كانت دائما تقول إنها في خدمة الشعب، والشعب يريد أن يتواصل مع إخوانه المسلمين في المنطقة، ويريدون أن يعيشوا حياة كريمة ويتطوروا علميا وصناعيا».

ويوضح كورأوغلوا أن «تركيا بعد الحرب الباردة تريد أن تلعب دورا فاعلا أكثر، ولا تريد أن تكون فقط همزة الوصل بين القطبين الغربي والشرقي، هي تريد أن يكون لها دور في المنطقة كما كان في الماضي خلال أيام الدولة العثمانية، فالدولة العثمانية حية جدا في ذاكرة الشعب التركي. فقد كان لها دور شريف وتقيم العدل، فعندما كانت تحصل المشكلات في الغرب بين دولة ضعيفة وأخرى قوية، كانت تتدخل لصالح الدولة الضعيفة المظلومة. وهذا الشعور بالانحياز إلى العدالة ما يزال موجودا إلى الآن في ذاكرة الشعب التركي. وعندما نسمع بأي مشكلة تحصل في غزة، نتأثر. وما قام به أردوغان هو أنه استمع إلى وجدان شعبه ويقوم بواجبه». ويعرب عن رفضه لفكرة أن «تركيا تغير محورها، بل العكس، تركيا تعود اليوم إلى أصلها، فالمحور المتجه إلى الغرب كان ضعيفا، والمحور الصحيح يترسخ الآن. والذي هو عبارة عن علاقة متزنة مع الشرق، وعلاقة قوية مع الشرق». مضيفا إلى ذلك «أن الغرب لم يعد قويا كما كان في الماضي، فأوروبا لم تعد كما الماضي اقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا، وتركيا تعي هذا الشيء، وتحاول أن تستغل موقعها الاستراتيجي. فبدلا من أن تستقبل الدور الذي خطط له، تريد أن تخطط للدور الذي تريده، وتريد أن تستغل تاريخها الذي يعود لألف سنة». ويقول: «تذهب إلى لبنان فتجد من يقول إن أصوله تركية وكذلك في أفريقيا، أما في تركيا ففي مقابر الشهداء أناس من حلب ودمشق وبيروت وطرابلس، هؤلاء دافعوا عن الوطن، والوطن هذا كان للجميع. في الأردن ثمة شهداء أتراك حاربوا ضد الإنجليز، وجداي الاثنان حاربا في اليمن، وهذا يدل على أننا كنا نحارب عن نفس الوطن، وهذا قبل أقل من 100 سنة. كذلك هناك المصالح المشتركة، فعندما رفعنا الإجراءات الحدودية مع الدول العربية ازداد عدد القادمين إلى تركيا من العالم العربي أكثر من 50 في المائة. قبل 10 سنوات كنت أخاف عندما أزور سورية، أما اليوم فأمشي فيها كأنني في المدن التركية، بل ربما أفضل، فعندما كنت في سورية المرة الماضية تأخرنا على الصلاة في المسجد الأموي فأقفل الباب، لكن عندما عرفوا جنسيتنا، قالوا: (جاء الأتراك هيا افتحوا الباب)». ويرى أن «أكثر الناس انزعاجا من هذا الواقع هو إسرائيل بالطبع، كذلك الدول العربية التي تخاف من هذا الاتحاد إذا حصل، الاتحاد في التعاطف مهم جدا ويخيف الغرب. هناك حالة انفصام في الغرب من وحدة المسلمين».

ويشير إلى أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان «لم يفكر في الاتجاه إلى العالم العربي في السنوات الماضية، بل هو كان يفكر في هذا منذ أن كان عمره 15 سنة»، ويقول: «أنا شخصيا عندما كنت أقرأ عن التاريخ العثماني وتاريخ المنطقة قلت لنفسي إنني لا بد من أن أتواصل مع هؤلاء، فنحن في نفس المنطقة ولدينا نفس الدين والتاريخ والثقافة، فما الذي يمنعنا من التواصل؟ هذا الأمر موجود في طبيعة كل شخص منا، وعندما يصل إلى السلطة يبدأ التنفيذ كما هي الحال الآن».

الأسئلة التي يطرحها العرب عن أسباب الدخول التركي إلى المنطقة مجددا، وهل لديها أهداف استعمارية؟ يراها كورأوغلوا «في غير محلها»، فتركيا كما يجزم «لا توجد لديها أهداف استعمارية»، ثم يوغل في إنكار هذه الأهداف الاستعمارية إلى درجة نفي وجود «الاستعمار» من الأساس، قائلا: «لم يكن لديها أهداف استعمارية في الماضي. فالكلام عن أن تركيا استعمرت العالم العربي 400 سنة غير صحيح. هذه أطروحة استعملت فترة من الزمن من أجل أن تجد مشروعية للدول القومية في المنطقة، وتركيا نفسها استعملت فكرة أن العرب خانوها، لتجد مشروعية للدولة القومية. ما حصل هو أن دولا استعمارية أتت إلينا من الخارج وفصلوا بيننا ليستعمرونا. استعمروا العالم العربي، واستعمروا تركيا وفصلوا بيننا. وهذا الفصل أفاد الغير، فلا تركيا استفادت ولا العالم العربي. هناك 23 دولة عربية، لكن لا يوجد أي تأثير للدول العربة على الساحة الدولية. لكن عندما يكون هناك مثلا، تواصل بين تركيا وسورية يستفيد الطرفان».

* التقارب التربوي: الطالب العربي بثلث قسط التركي

* وقد انعكس هذا التقارب التركي - العربي في المجال التربوي، حيث بدأت إسطنبول تستقبل أعدادا متزايدة من الطلاب العرب الذين يحظون بمعاملة خاصة، فيدفعون ثلث القسط المتوجب على الطالب التركي، بالإضافة إلى تشجيع رسمي للطلاب الأتراك للذهاب إلى الدول العربية لتعلم اللغة العربية بشكل أساس. ويقول كورأوغلوا الذي يدرس العلوم السياسية في جامعة مرمرة إنه «منذ أقل من سنة قررنا الانفتاح على العالم العربي، فكنا نأخذ ثلث القسط من الطالب العربي ونقدم لهم المنح. لم يكن لدينا أي طالب عربي، أما هذه السنة فسيكون لدينا نحو 100 طالب، وفي المقابل ازداد عدد الطلاب الأتراك في العالم العربي عشرات المرات. وخلال 4 أو 5 سنوات سيكون هناك آلاف الأتراك الذين يتكلمون العربية. علاقتنا مع الغرب قوية ونحن نعرف الإنجليزية، فلماذا لا نتعلم العربية، ويتعلم العرب التركية؟ الانفتاح موجود من الطرفين، ويدل على مستقبل مشرق».

* الانعكاسات السياحية: انخفاض إسرائيلي.. وفورة عربية

* انعكست المواقف التركية الأخيرة من قضايا العالم العربي، والعداء المتنامي في الأوساط التركية لإسرائيل، بالإضافة إلى عوامل أخرى «فورة» لا سابق لها في السياحة العربية إلى تركيا، والتي قالت مصادر في وزارة السياحة التركية إن تقديراتها لحجم الزوار العرب إلى تركيا يقارب 3 ملايين شخص خلال العام الحالي، في مقابل انهيار لافت في عدد السياح الإسرائيليين من 500 ألف سائح سنويا إلى نحو 40 ألفا هذا العام.

ويشير صاحب إحدى وكالات السفر التي تعمل على خط العالم العربي إلى أنه قد دخل إلى تركيا في عام 2009 حدود 26 مليون سائح، وكان الدخل يقارب 23 مليار دولار. لكن بعد الأزمات المالية التي واجهتها دول العالم تأثرت السياحة. مشيرا إلى أن تركيا تأمل استعادة حركة السياحة لتصل إلى 30 مليون سائح، والمجموع الدخل بحدود 29 مليار دولار. موضحا أن نصيب عدد السياح من الدول في المرتبة الأولى روسيا (5 ملايين) ثم ألمانيا (4 ملايين)، ومشيرا إلى أن عدد السياح من إسرائيل لا يزيد عادة على 500 ألف سائح، وهي نسبة ضئيلة جدا، لكنها بعد مؤتمر دافوس قلت إلى نحو 300 ألف سائح، وبعد حادثة الأسطول انخفض العدد إلى درجة كبيرة جدا بحيث لم يتجاوز العدد ال40 ألف سائح. موضحا في المقابل أن زيادة السياح العرب إلى تركيا بدأت منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

ووفقا لأرقام رسمية سورية، فإن عدد المواطنين السوريين الذين دخلوا إلى تركيا هذا العام وحده يقارب ال500 ألف شخص، فيما لا تهدأ حركة الطيران بين بيروت وإسطنبول التي يصل عددها إلى 7 رحلات يومية.

========================

الجولان السوري المحتل تحت سيف التهويد

المستقبل - السبت 4 أيلول 2010

العدد 3761 - رأي و فكر - صفحة 19

علي بدوان

في ظل تعقيدات وأزمات التسوية المتلاحقة، لم تبخل حكومة بنيامين نتنياهو في تسهيل حركة الاستيطان الاستعماري الاجلائي فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام (1967) خصوصاً في قلب مدينة القدس ومحيطها، وفوق أراضي مرتفعات الجولان العربية السورية المحتلة، في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن إمكانية إقلاع قاطرة التسوية المتوقفة فوق الهضبة السورية.

وضمن خطة تعزيز ما يسمى ب"الاستيطان اليهودي" في الجولان، كانت سلطات الاحتلال قد أعلنت عن البدء بالتوسع الاستيطاني فوق أراض جديدة بمساحة (80) دونم في منطقة البطيحة في أقصى جنوب هضبة الجولان، على ملتقى الحدود الأردنية السورية الفلسطينية، من اجل بناء قرية سياحية في منطقة تل الصيادين على الساحل الشرقي لبحيرة طبريا، إضافة إلى البدء ببناء قرية سياحية على أنقاض بلدة بانياس السورية المحتلة والواقعة شمال الهضبة، إضافة إلى قرية سياحية ستبنى على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا في منطقة الكرسي من الأراضي السورية المحتلة.

وبهذا فان حكومة نتنياهو تكون قد منحت خلال الفترة الأخيرة امتيازات خاصة لتشجيع "الاستيطان" وتوسيعه فوق أرض هضبة الجولان السورية، وتحديداً في بناء تسع مستوطنات سياحية جديدة، في جنوب الجولان بشكل خاص.

اذاً، بالنسبة لهضبة الجولان العربية السورية المحتلة، وبالرغم من الإشارات التي أطلقتها بعض مصادر القرار في إسرائيل بعد، بصدد إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات مع سوريا، إلا أن مشاريع الاستيطان تجري بخفوت بعيداً عن الأضواء فوق الأراضي السورية المحتلة. ففي مستعمرة راموت المطلة على بحيرة طبريا، عقد قبل فترة وجيزة من الزمن، المؤتمر الثالث لوحدة التخطيط الاستراتيجي للاستيطان الإسرائيلي في الجولان العربي السوري المحتل، وقد حضر المؤتمر (90) عضواً من أصل (100) عضواً، يشكلون ما يسمى بمجموعة المائة، وهي مجموعة متعددة الاختصاصات تابعة لوحدة التخطيط الاستراتيجي لتوسيع الاستيطان. وكان موضوع البحث كيفية زيادة عدد المستوطنين في الجولان إلى (50) الفاً علي المدى القريب. وإزالة كل الحواجز للوصول إلى هذا الهدف من خلال التوسع بمعدل متزايد ضمن خطة تبدأ على النحو التالي : (200) عائلة لكل واحدة من (27) مستوطنة، وتطوير (4) تجمعات سكانية كبيرة يصل عدد سكانها إلى (10) آلاف مستوطن، وزيادة عدد سكان مدينة كتسرين (الواقعة مكان بلدة القصرين السورية بعد أن تم تدميرها عام 1967) الواقعة وسط هضبة الجولان إلى (20) ألف مستوطن، كما تم تجهيز المخططات لبناء (60) منزلاً لبعض المستوطنين من مستعمرة نتساريم السابقة، الذين غادروا قطاع غزة بعد تفكيك المستعمرة المذكورة التي كانت قائمة في القطاع. هذا إضافة إلى بناء المشاريع السياحية المتطورة. وفي هذا السياق فان عمليات الاستيطان الصهيوني الجائرة فوق هضبة الجولان، وهي منطقة جيوستراتيجية، تحتوي على مخزون مائي ضخم، رست إلى الآن على إقامة (45) مستوطنة وموقع استيطاني، يستوطنها نحو (18) ألف مستوطن يهودي منهم (400) مستوطن من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مقابل (18) ألف مواطن عربي سوري بقوا فوق أرضهم، ويقيمون في خمس قرى سورية (مجدل شمس، بقعاتا، الغجر، مسعده، عين قنية) من أصل (200) قرية ومزرعة تم تدميرها عام (1967) وطرد سكانها البالغ عددهم آنذاك نحو (150) ألف مواطن سوري، فيما وصلت أعدادهم الآن قرابة (350) ألف مواطن يقيمون بشكل مؤقت في المناطق السورية المحررة والقريبة السورية من الهضبة في باقي محافظة الجولان ومحافظة حوران وريف دمشق.

لقد فشلت إسرائيل في جلب الأرقام المحددة من اليهود للاستيطان والإقامة في الجولان (نصف مليون مستوطن) لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بوقوع المستوطنات التي تم إنشاؤها فوق أراضي الهضبة السورية المحتلة في مناطق خط المواجهة العسكري مع القوات السورية، فضلا عن الشعور داخل المجتمع اليهودي على ارض فلسطين بان التسوية مع سوريا لن تكون بدون رحيل أخر مستوطن من على ارض الهضبة حتى خط 4حزيران/يونيو 1967.

إن حملة الاستيطان الصهيونية الجائرة، تشهد الآن زخماً كبيراً في البناء لم تعهده منذ سنين طويلة. مشيرة إلى أنه سجلت مؤخراً ارتفاعاً بنسبة تربو على (400 في المائة) في شراء الشقق الاستيطانية في مرتفعات الجولان. وقد وضع مايسمى بالمجلس الإقليمي للاستيطان في الجولان المعروف اختصاراً ب"هاغولان" وضع خطة سنوية تهدف إلى استيطان نحو (300) عائلة يهودية جديدة في مرتفعات الجولان، و(150) عائلة إضافية في مستعمرة "كتسرين" القريبة منها، في اطار حملة ديموغرافية استراتيجية، لتهويد الجولان العربي السوري المحتل.

لقد فشلت كل جولات المفاوضات الماراتونية السورية الإسرائيلية طوال العقد الماضي من الزمن، وسقطت معها كل الأفكار والمقترحات التي قدمتها الإدارات الأمريكية لجسر الهوة بين الطرفين السوري والإسرائيلي، وضاعت في زحمة التباينات ماسمي حينها ب"وديعة رابين"، ومرد الفشل يعود في حقيقته بسبب من اصرار حكومات إسرائيل المتعاقبة الاحتفاظ بأجزاء من هضبة الجولان، وإبعاد السيادة السورية عن الشاطىء الشرقي لبحيرة طبريا، نقيضاً لمضمون القرار الدولي (242).

========================

لأول مرة منذ 1990.. مدير عام الوكالة الدولية يرفع تقريرا سريا حول الملف النووي الإسرائيلي

أمانو أقر في التقرير الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط» بالعجز عن تقديم معلومات مفصلة حول قدرات تل أبيب

فيينا: بثينة عبد الرحمن

الشرق الاوسط

رفع يوكيا أمانو، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في ساعة مبكرة من صباح أمس، إلى مجلس أمناء الوكالة تقريرا سريا خاصا تحت عنوان «القدرات النووية الإسرائيلية»، وذلك استجابة للقرار الصادر عن مؤتمر عام الوكالة في دورته ال53 بتاريخ 18 سبتمبر (أيلول) 2009.

وبينما كرر التقرير دعوة الوكالة إسرائيل للتوقيع على اتفاقية حظر الانتشار النووي ووضع منشآتها النووية كافة تحت إشراف ورقابة الوكالة، فإن التقرير الذي يعد الأول من نوعه منذ 1990 قد أقر بعجز الوكالة التام عن تقديم أي معلومات مفصلة عن القدرات النووية الإسرائيلية خارج نطاق المعلومات المحدودة التي تحصل عليها الوكالة بموجب اتفاق ضمانات جزئي موقع بينها وبين دولة إسرائيل تستعرضها الوكالة كل عام ضمن تقريرها السنوي لتطبيق الضمانات بوجه عام.

هذا وقد ركز التقرير الذي جاء في ثلاث صفحات وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، على ذكر للقاءات أجراها مدير عام الوكالة، الياباني يوكيا أمانو، في إسرائيل أثناء زيارته لها بتاريخ 23 و24 أغسطس (آب) الماضي، والتقى خلالها الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس وعددا من المسؤولين المختصين بشؤون الطاقة، بينما اقتصرت مشاوراته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على حديث تليفوني، مبينا أنه نقل لأولئك المسؤولين قلق مؤتمر عام الوكالة حيال القدرات النووية الإسرائيلية. وذكر أنه دعا إسرائيل للتفكير في الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية إلى مواثيق الضمانات الشاملة للوكالة وفقا لقرار المؤتمر العام الذي صدر بتاريخ 18 سبتمبر 2009.

من جانب آخر، أشار التقرير إلى خطاب إسرائيلي وصل إلى المدير العام بتاريخ 26 يوليو (تموز) الماضي ردا على رسالة كان قد عممها على الدول أعضاء الوكالة بغرض استطلاع رأيهم بشأن القدرات النووية الإسرائيلية. مبينا أن وزير الخارجية الإسرائيلي، افيغودور ليبرمان، ضمن خطابه رأي الحكومة الإسرائيلية الذي يرى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست المحفل الملائم لمناقشة مثل هذه المواضيع، وأن إسرائيل على استعداد للنظر في إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي بعد إحلال السلام الدائم والشامل في المنطقة.

وفي هذا السياق، أضاف مدير عام الوكالة في تقريره الذي سيناقشه الاجتماع القادم لمجلس الأمناء بدءا من 13 في الشهر الحالي ليرفع توصياته إلى المؤتمر العام للوكالة الذي سينعقد بتاريخ 20 من الشهر الحالي في مبنى الوكالة بالعاصمة النمساوية فيينا، أنه نظرا إلى كون إسرائيل لديها اتفاق ضمانات جزئي فقط وليس شاملا مع الوكالة، فإن الوكالة لا تستطيع أن تقدم للاجتماعين قائمة بالمنشآت النووية الإسرائيلية، مقرا بأن الوكالة لا تستطيع أن تقدم أكثر من المعلومات التي تمتلكها بموجب اتفاق الضمانات الجزئي ذلك مع إسرائيل والتي تستعرضها في تقريرها السنوي لتطبيق الضمانات بوجه عام.

في سياق مواز، أشار التقرير إلى أن المدير العام قد تسلم، حتى تاريخه، ردود 42 دولة استجابة لرسالته التي بعث بها في أبريل (نيسان) الماضي لاستقصاء الآراء حول موضوع القدرات النووية الإسرائيلية، حيث صدر قرار بأن تتم إضافته إلى أجندة مجلس المحافظين وأن يرفع المدير العام تقريرا بشأنه.

ولم يغفل المدير العام أن يرفق ضمن تقريره قائمة بأسماء تلك الدول التي استجابت لرسالته وجاء في معيتها ردود من مختلف الدول العربية، بالإضافة إلى رد موحد من مجموعة دول الاتحاد الأوروبي وردود أخرى، منها رد كندي ونيوزيلندي وجنوب أفريقي وكوبي وإيراني وصيني، بينما لم ترد روسيا.

بدورها تتوقع مصادر «الشرق الأوسط» أن يثير تقرير المدير العام الكثير من الجدل والنقاش حول نجاح إسرائيل في النفاد بقدراتها النووية التي تعتبر الوحيدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط خارج نطاق الرقابة النووية، وعدم توقيعها على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي التي وقعت عليها جميع دول المنطقة.

ومعلوم أن الدول العربية بمساعدة إيرانية وحلف مع مجموعات الدول الإسلامية ودول عدم الانحياز، كانت قد نجحت في أن يصدر مؤتمر عام الوكالة في دورته السابقة بتاريخ 18 سبتمبر 2009 قرارا يدعو مدير عام الوكالة لتقديم تقرير عن تلك القدرات النووية الإسرائيلية، وأن تصبح تلك القدرات والنشاط النووي الإسرائيلي بمثابة ملف يخصص له بند من بنود أجندة اجتماعات مجلس المحافظين، مما يصوب الضوء ويعكسه على هذه القدرات التي تؤكد عدم التزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية.

========================

مأساة باكستان تطرح سؤالا: هندسة العمل الخيري أم وأده؟

زين العابدين الركابي

الشرق الاوسط

4-9-2010

في باكستان مأساة إنسانية كاملة: في حجمها ونوعها وضغطها وكثافة ضحاياها وآثارها المدمرة: النفسية والاجتماعية والصحية والتعليمية والأمنية والسياسية: الحاضرة والمستقبلة. فهناك عشرات الملايين من الباكستانيين اجتالتهم الفيضانات فأصبحوا بلا مأوى، ولا طعام، ولا تعليم، ولا صحة، ولا أمن، لا شيء.. لا شيء من المقومات الضرورية للحياة العادية.

واقترنت هذه المأساة المرعبة بكثرة الأسئلة عن غياب «العمل الخيري الإنساني» الذي كان يمكن أن يسهم في دفع هذا الكرب الشديد، أو يخفف من وطأة قسوته.

نعم إن بلدا عرف بالهمة في نجدة المنكوبين وإغاثة الملهوفين، وهو المملكة العربية السعودية، قد نهض بواجبه نهوضا ناجزا كريما. نهض بهذا الواجب بمد جسر جوي لنقل الإغاثة العاجلة إلى المنكوبين. ونهض بهذا الواجب من خلال حملة التبرعات العامة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وابتدرها هو نفسه بتبرع سخي، وهي حملة تفاعل وتجاوب معها الشعب السعودي المشهود له دوما بالمسارعة إلى فعل الخير.

بيد أن الأسئلة لا تزال تتبدى: أين دور مؤسسات العمل الخيري الطوعية؟ ولماذا هذا الغياب عن مأساة كان يتوجب أن يتضاعف فيها حضوره؟

والجواب عن هذه الأسئلة ينبغي أن يكون صريحا وأمينا.

إن سبب غياب العمل الخيري الإنساني التطوعي إنما هو سبب مركب.

1) هناك مسلمون أغبياء أو حزبيون أو مسيسون فتحوا «ذرائع الشر» في طريق العمل الخيري: بربطه - في هذه الصورة أو تلك - بأعمال إرهابية مولت من جيوب المحسنين الطيبين دون علم ولا تفويض من هؤلاء الطيبين!

ولما كان الإرهاب قد أمسى قضية القضايا (بالمعيار الأمني والسياسي والمالي)، ولا سيما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فإن العمل الخيري سحق تحت وطأة جيوش مكافحة الإرهاب.. والمتسبب في ذلك - بلا شك - هم الذين ربطوا العمل الخيري بفعل شرير وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. وهذا نوع من «الصد عن سبيل الله»: صد عن سبيل الله يفرح به المتربصون - أبدا - بالعمل الخيري عند المسلمين، أولئك الذين يختلقون التهم اختلاقا، فكيف إذا وجدوا من المسلمين من يقدم لهم القرائن والحيثيات؟.. وهنا نجهر فنقول: من الخطيئة الجسيمة الدفاع عن هؤلاء الذين يختانون أنفسهم «ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم».. ثم هو صد عن سبيل الله بالتسبب في حرمان المحتاجين والمكروبين من العطاء الخيري. وهو حرمان تجسد بصورته الكالحة في مأساة باكستان الراهنة.. وويل لأقوام يتسببون في حرمان الفقراء والمساكين واليتامى والمشردين مما هم في أشد الحاجة إليه.

إن دوائر معادية - معروفة - استغلت الأحداث الإرهابية لمطاردة العمل الخيري الذي يقوم به المسلمون.. وهؤلاء القوم وجدوا في سلوك بعض المسلمين ما حقق أهدافهم، وهو ما يمكن تسميته «العمالة بالأهداف»، أي أن هؤلاء المسلمين الأغبياء (وهذا أخف وصف) إنما هم عملاء من حيث خدمتهم لأهداف قوم متربصين بالعمل الخيري الذي تجود به الشعوب المسلمة.

2) هناك ماكرون استغلوا هذه السذاجة الماحقة فنظموا حملات واسعة النطاق، خلاصتها أن العمل الخيري (الإسلامي) = دعما وتمويلا للإرهاب.. هكذا بإطلاق!

وبلا أدنى استثناء.. ولقد أصدر هؤلاء تقارير تدعي العلاقة بين جمعيات العمل الخيري (كلها)، وبين المنظمات الإرهابية، وفي مقدمتها «القاعدة».. ومن ذلك: تقرير أميركي صدر عام 2002.. لكن الإنصاف الأخلاقي يقتضي القول: إن أميركيين شرفاء أمناء فندوا هذا التقرير أيما تفنيد. فقد قال روبرت نيكولز نائب مساعد وزير الخزانة الأميركي للشؤون العامة - يومئذ: «إن التقرير معيب بصورة كبيرة».. وقال جريج سوليفان - المتحدث باسم مكتب الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية آنذاك: «إن وزارة الخارجية لا تجد في تقرير مجلس العلاقات الخارجية شيئا جديدا فيما يتعلق بالأعمال الخيرية، بل ليس فيه ما يتطابق مع الواقع، وفي أحسن الأحوال هو تقرير سطحي. ويخلو من أي مادة حقيقية، وإني أشعر بالإحباط الشديد من المتطرفين في وسائل الإعلام الأميركية الذين يفسرون تصرف الحكومات على الوجه الأسوأ».. وقال ريتشارد ميرفي (الدبلوماسي الأميركي المرموق): «لقد أصبت بالدهشة عند سماع هذا التقرير، فالمعلومات الموجودة فيه لا ترقى إلى مستوى الدقة، ولا أعرف ما هو الأساس الذي بنى عليه التقرير استنتاجاته.. إن التقرير يعكس المزيد من عجز الولايات المتحدة عن تعقب الأموال الإرهابية».. وعبارة ميرفي الأخيرة تعني: أن مكافحة الأموال الإرهابية قد ضلت طريقها.. ويبدو أن هذا صحيح، بمعنى أن للإرهابيين مصادر تمويل أخرى واسعة غير العمل الخيري. وإلا فمن أين تتمول وتتسلح طالبان - في أفغانستان وباكستان - على حين أنه قد جففت - تقريبا - منابع العمل الخيري بالنسبة إليها؟!

وينبغي إعادة النظر في مقولة: إن وأد العمل الخيري كله هو الضمان الأمثل ضد الإرهاب. ذلك أن الحرمان نفسه فرصة واسعة أو «بيئة مثالية» لتجنيد الجياع والساخطين في شبكات الإرهاب.. ومن ذا الذي يستطيع أن يؤكد لنا: أن مأساة باكستان الراهنة لن تكون فرصة واسعة ينشط فيها المحرضون والمعبئون لأجل تجنيد ألوف الشباب الباكستاني المحروم المفجوع - في نفسه وأهله - في شبكات العنف والغلو والإرهاب؟

إن الحل الصحيح لمشكلة العمل الخيري هو «هندسته» لا مصادرته.. ومن أولويات الهندسة المطلوبة: حمايته من الغفلة والاستغفال والالتواء والاستغلال، ونقاهته - كذلك - من آفات الحزبية والسرية والقبض في الظلام والصرف في الظلام. فالعمل الخيري ليس «خطة انقلاب» تتم في السر، بل هو عمل يتوخى إغاثة المحتاجين، وهو عمل لا بد أن يجري في النور.. وإذا كانت السياسة تعتمد على «الكتمان» في الغالب، فإن العمل الخيري عماده «العلانية» بإطلاق.. وتقتضي العلانية: الشفافية التامة في أسماء وتواريخ وسير ملفات القائمين عليه.. وأن تكون ميزانيته معلنة في وسائل الإعلام: ميزانية التحصيل والإيرادات وميزانية الصرف والإنفاق. وأن تخضع هذه الميزانية إلى قوانين المراجعة والتدقيق من قبل الجهات المختصة المعتمدة.. وأن يحضر مناقشة الميزانية ممثلون للحكومات ولهيئات الإغاثة الدولية، كما تحضرها وسائل الإعلام. وقبل ذلك وبعده، لا بد من تعريف العمل الخيري، وضبط مفهومه: سدا لأبواب الفوضى، والتأويلات الفاسدة والمغرضة والمائعة.. ومن صور الهندسة - كذلك - جعل العمل الخيري «إنسانيا»، فالعبرة بالبواعث والمقاصد لا بالعناوين. فجوهر التوحيد هو: عبادة الله والإحسان إلى خلقه - جميع خلقه. ونحن نضم صوتنا إلى صوت الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني وزير الداخلية السعودي، إذ دعا وسائل الإعلام كافة إلى نقل صورة مأساة باكستان الراهنة إلى الضمير الإسلامي والإنساني لكي ينهض بمسؤوليته تجاه المنكوبين هناك.

========================

ملء الفراغ الأميركي

السبت, 04 سبتمبر 2010

مصطفى زين

الحياة

من يملأ الفراغ بعد انسحاب الجيش الأميركي من العراق؟ سؤال طرحه الأميركيون، وعقدوا من أجله اجتماعات عمل ضمت سياسيين وعسكريين وخبراء استرتيجيين. بعض الاجتماعات أخذ طابعاً سرياً، شارك فيها حلفاء الولايات المتحدة مباشرة، وبعضها كان معلناً في مراكز الأبحاث والجامعات.

كانت معظم الاجتماعات تنطلق من مسلمة مفادها أن واشنطن بدأت مرحلة التراجع، وان مشروعها القديم - الجديد لبناء شرق أوسط خاضع كلياً لسياساتها أصيب بنكسة قوية، بعد التقدم العسكري الهائل في عهد الرئيس جورج بوش. من هنا كانت واقعية الرئيس باراك أوباما وإعلانه أنه لن يحتفل بالنصر في العراق الذي يغادره جيشه بعد أن أغرقه في فوضى توهمت واشنطن أنها خلاقة.

لدى النظر إلى التكتلات في المنطقة يتبين للأميركيين وحلفائهم أن «محور الشر» المتمثل بالتحالف السوري الإيراني يشعر بأنه استطاع تجاوز الخطر، ويمكن أن يبدأ مرحلة الهجوم المضاد، وإزعاج الحلفاء الذين راهنوا على واشنطن، وقد يغري التراجع العسكري هذا الحلف بمحاولة ملء الفراغ في العراق، وإيصال أنصاره إلى سدة الحكم. بمعنى آخر قد تحاول إيران وسورية تحويل العراق إلى جسر يصل جغرافياً بين الحليفين لقلب موازين القوى في المنطقة كلها.

آخذة في الاعتبار هذا الواقع الذي أفرزه تراجع مشروعها لتغيير وجه المنطقة، لم تجد واشنطن أمامها سوى الانفتاح على دمشق وإقناع حلفائها بتخفيف الهجوم عليها، وإغرائها بالعودة إلى لبنان لممارسة نفوذها السياسي، بالتعاون مع أطراف لبنانيين كانوا إلى وقت قريب جداً يطمحون إلى إزالة نظام الحكم فيها.

أما بالنسبة إلى إيران فتغاضت الولايات المتحدة عن تزويد مفاعلها النووي يورانيوم مخصباً من روسيا. وتحاول أن تتفاهم معها على تهدئة الوضع في العراق وإيصال زعماء إلى سدة الحكم موالين للطرفين، من هنا كان اقتراحها التحالف بين اياد علاوي ونوري المالكي لتشكيل حكومة تمثل الجميع. وهو اقتراح بريء و»ديموقراطي» في الشكل، لكنه في الوقت ذاته ينتج حكومة مشلولة على مستوى القرارات السياسية الداخلية والخارجية. وقد يكون ذلك من مصلحة العراق الآن إذا اتجه إلى بناء ما هدمه الاحتلال. وليس ما يفسر االتأخير في تشكيل حكومة عراقية سوى هذا التجاذب الأميركي - الإيراني.

ما دور إسرائيل في تغطية الانسحاب العسكري الأميركي؟ وما دور الحلفاء العرب في ملء الفراغ؟

في كل مرة كانت الولايات المتحدة تحاول تطبيق استراتيجيتها في الشرق الأوسط، كانت تلجأ إلى تحريك المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، والعربية - الإسرائيلية. هذا ما حصل عام 1991 عندما عقد مؤتمر مدريد، بعد الحرب الكونية على العراق أيام جورج بوش الأب. وما حصل عام 1993 في ذروة فرض العقوبات والحصار على بغداد، في اتفاقات أوسلو. حتى أن بوش الإبن وعد بتسوية المسألة الفلسطينية، عندما احتل بلاد الرافدين عام 2003 . وهذا ما يحصل الآن خلال تراجع المشروع الإمبراطوري وانكفائه.

لهذا السبب المتعلق بالإستراتيجية الأميركية، الثابت منها على الأقل، تعقد المحادثات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في واشنطن، بغطاء عربي يمثله الملك عبدالله الثاني والرئيس حسني مبارك اللذان عقدا معاهدتي صلح مع الدولة العبرية. ولهما دور، وإن كان محدوداً، في ملء الفراغ وفي تغطية الانسحاب الأميركي ومواجهة إيران.

إدراكاً منها لهذا الواقع، تحاول إسرائيل ابتزاز الولايات المتحدة إلى أقصى الحدود، مستخدمة أدواتها القديمة مثل اللوبي اليهودي واللوبي المسيحي الصهيوني والأموال والإعلام للضغط على إدارة أوباما التي رضخت لكل شروط نتانياهو وفرضتها على الرئيس محمود عباس وحكومة رام الله.

أفادت إسرائيل، إذن، من حربي الخليج الأولى والثانية، ومن احتلال العراق، وتحويله إلى دولة فاشلة، بكل المقاييس، وتحويل إيران إلى العدو الأول للعرب. وها هي اليوم تعود إلى المفاوضات بشروطها، مستفيدة من حاجة واشنطن إليها، في غمرة انسحابها العسكري، عارضة عليها استعدادها مع «الحلفاء» لملء الفراغ الذي ستخلفه.

هي مرحلة جديدة من المواجهة بين المشروع الأميركي والمشروع المضاد له في الشرق الأوسط عنوانها التقريب بين الأصدقاء، وقد تنعكس اضطرابات في لبنان والعراق. أما المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية فيعرف الجميع أنها لن تسفر عن تسوية ولا عن سلام وستبقى عنواناً للابتزاز الأميركي الإسرائيلي للعرب الذين لا مشروع لديهم.

========================

بين واشنطن وبرج أبي حيدر!

الجمعة, 03 سبتمبر 2010

وليد شقير

الحياة

انطلقت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في واشنطن في سباق مع الفشل، لا يحتاج تبريره عند الذين يتوقعونه الى كثير من الشرح، أمام غياب الرؤية الأميركية الواضحة حول سبل تليين الموقف الإسرائيلي، فلا جديد على صعيد الدور الأميركي سوى ذلك الوعد من واشنطن للسلطة الفلسطينية بأن «ادخلوا المفاوضات ونحن سنتدخل حيث نستطيع للضغط على إسرائيل داخل الغرف المغلقة، بدلاً من أن نفعل ذلك علناً لأن التجربة أثبتت عدم نجاحه قبل ان تبدأ المفاوضات. فمحاولة تغيير الموقف الإسرائيلي قبل بدئها تقوّض جهودنا». وهو وعد يبدو التأكد من مدى فعاليته ضرباً بالرمل، خصوصاً ان المفاوضات ستدوم سنة، وفق ما هو مقرر لها بحسب المبادرة الأميركية بالدعوة إليها.

الأسباب الكثيرة لتوقع الفشل، لا تنحصر بتراجع الاندفاعة الأميركية نحو لجم التصلب الإسرائيلي في مواضيع الاستيطان والقدس وقضايا الحل النهائي وإخلاء الأسرى كواحدة من إجراءات بناء الثقة، ولا بضعف المفاوض الفلسطيني الذي يزيده ضعفاً الانقسام الداخلي، ولا بالضعف العربي وغياب الحد الأدنى من القدرة على الضغط على الساحة الدولية لمصلحة التسوية السلمية.

لكن توقع الفشل في هذه المفاوضات لا يمنع القول إنها تطلق مساراً في المنطقة من بين أهدافه، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من امس، صد المتطرفين، من دون ان يعني ذلك التوصل الى اتفاق حول نشوء الدولة الفلسطينية العتيدة.

وإذا كانت الإدارة الأميركية ترعى هذه المفاوضات مع إدراكها سلفاً ترابط الملفات الإقليمية، فإن سؤالاً كبيراً يضاف الى الأسباب الكثيرة المعروفة لتوقع الفشل هو «أين إيران من هذه المفاوضات وهل من الممكن توقع نجاحها من دون إشراك إيران في تلك العملية السلمية لحل القضية الفلسطينية بعد ان نجحت في امتلاك أوراق كثيرة شرق أوسطية على مدى السنوات الخمس الماضية؟».

وإذا كانت واشنطن جلبت احد المتطرفين الى الطاولة وهو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، فأين «المتطرف» الآخر، إيران؟ وإذا كانت الرؤية الأميركية – العربية هي سحب بساط القضية الفلسطينية من تحت أقدام إيران، عبر هذه المفاوضات في سياق تحرك المجتمع الدولي لعزلها وتشديد العقوبات عليها، فإن هذا المسار ينقل الصراع في المنطقة الى مستوى مفتوح على الاحتمالات كافة.

لقد أعطت طهران أجوبة أولية علنية على هذا المسار عبر عملية الخليل التي تنبتها حركة «حماس» بقتل 4 مستوطنين، وعبر هجوم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني على المفاوضات ثم وزير الخارجية منوشهر متقي الذي شمل في هجومه الزعماء العرب المشاركين فيها من دون مواربة، ثم الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي قال الأمور كما هي لتلفزيون «العالم» قبل يومين حين دعا الى إشراك «الممثلين الحقيقيين للشعب الفلسطيني في أي اجتماع لمناقشة القضية الفلسطينية» معتبراً حكومة «حماس» هي المنتخبة من الشعب... انتهاء بهجوم «حزب الله» في لبنان على تجديد هذه المفاوضات الى درجة الربط بينها وبين تداعيات حادثة الاشتباك بين مسلحيه وآخرين من تنظيم حليف له مبدئياً، في أحد زواريب حي في بيروت (برج ابي حيدر) وإلى درجة إلباس رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري موقفاً مرحباً بالمفاوضات لم يرد مرة على لسانه، لتبرير الربط بين الزواريب اللبنانية وبين العملية التي انطلقت في واشنطن.

فالحريري اكتفى في خطاب له في 24 آب (أغسطس) الماضي بالقول عن المفاوضات: «نأمل ألا تذهب أدراج الرياح كسابقاتها من المفاوضات وأن تلتزم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني»، محذراً، ضمناً، واشنطن من انه «سيكون من الصعب على أي إدارة دولية ان ترعى أية مفاوضات أخرى» وأنه «إذا وصل الرئيس محمود عباس الى الحائط المسدود كما وصل قبله ياسر عرفات لن يكون في مقدور أي جهة ان تجمع أي فلسطيني الى طاولة واحدة مع الإسرائيليين».

والواقع أن الذي رحّب بالمفاوضات الأسبوع الماضي هو مجلس الوزراء السعودي، ويبدو أن قيادة الحزب أرادت الرد عليه عبر إلباس الحريري الموقف الذي لم يقله، للرد على الرياض بالواسطة.

يعبر موقفا إيران و «حزب الله» عن قلق عميق من المسار الذي انطلق في واشنطن. وهو قلق يزداد عمقاً في لبنان من التفاهم السعودي – السوري، على ملفات إقليمية، ومن احتمال انضمام سورية الى المفاوضات مع إسرائيل مجدداً وفق ما يتردد في كواليس التحركات الديبلوماسية، وكما أعلن المبعوث الأميركي جورج ميتشل. وهو قلق يتضاعف إذا كان مسار واشنطن سيتزامن مع تحضيرها لرزمة جديدة من العقوبات على إيران مع مطلع الشهر المقبل.

لكن الأهم أنه قلق يصبح شديد الخطورة إذا افتعل اصحابه اسباباً للربط بين ما يجري في واشنطن وبين تداعيات ما جرى في أحد الأزقة في بيروت، لتبرير وجود السلاح فيها.

========================

إنه ليس أوان الربيع

زين الشامي

الرأي العام

4-9-2010

منذ أيام أعلن عن استقالة الناشط والمعارض السوري رياض سيف من رئاسة الأمانة العامة ل «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي»، وذلك بعد أقل من شهر على خروجه من السجن. سيف الذي سجن مرتين لنحو ثمانية أعوام، قال في كتاب الاستقالة انه قرر ذلك لأسباب «صحية وشخصية».

ومعروف أن النائب سيف البالغ من العمر 64 عاما والذي يعاني من مرض السرطان، قد أخلي سبيله في يوليو الماضي بعد أن أنهى الحكم الصادر بحقه لمدة عامين ونصف العام بعد أن ادانته السلطات القضائية السورية بتهمة «نقل أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة». وكان سيف أيضاً سجن قبل ذلك لنحو خمسة أعوام على خلفية نشاطه ومطالبته بالتغيير الديموقراطي.

ليس سيف وحده من سجن بسبب مطالبتهم بالتغيير، لقد ذاق هذا المصير على سبيل المثال لا الحصر كل من ميشيل كيلو، ورياض الترك، وأنور البني، وعلي العبد الله، وأكرم البني، والسيدة فداء الحوارني الناشطة القيادية في «إعلان دمشق» وابنة أحد مؤسسي «حزب البعث»، كذلك تم سجن الاقتصادي والأكاديمي عارف دليلة، والطبيب وليد البني، والصحافي فايز سارة، والفنان طلال أبو دان، فيما استطاع كتاب وصحافيون الخروج من سورية إلى دول المهجر خوفاً من السجن مثل الباحث رضوان زيادة، والناشط في قضايا حقوق الإنسان محمد العبد الله وغيرهما. وهناك الكثير ممن لاقوا المصير نفسه.

ان نظرة سريعة على مجمل النشاطات المعارضة اليوم، وعلى نشاطات المعارضين الذين خرجوا من السجن تشي بأن كل شيء قد توقف. فقط قلة منهم تمارس النشاط الكتابي في بعض الصحف العربية، فيما قررت الغالبية الصمت.

واليوم في سورية، لا يستطيع أحد أن يعبر عن معارضته، أو انتقاداته للسياسات الحكومية، أو المواقف السياسية، لقد اختلف المشهد تماماً عن عام 2000 والعامين اللاحقين حيث كانت دمشق والعديد من المحافظات السورية تشهد حراكاً ديموقراطياً، وهناك من كان يعتقد أن سورية بدأت مع وصول الرئيس بشار الأسد الى السلطة بطي حقبة طويلة.

من سوء الحظ أن الظروف والمتغيرات الدولية والاقليمية لم تساعد أبداً المعارضين وحركة المعارضة السورية في الوصول إلى مرادهم، أيضاً، وفيما لو اعتبرنا أن نوايا سليمة وطيبة عند القيادة الجديدة في إحداث التغيير والإصلاح قد كانت قائمة وموجودة، فإن تلك المتغيرات الدولية والإقليمية لم تشجع على ذلك أبداً.

كلنا يعرف أن مجيء الرئيس الأسد إلى السلطة تبعه الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك، وقرار إدارة الرئيس جورج بوش الابن وفريق المحافظين الجدد الذين وصلوا للتو إلى الحكم في الولايات المتحدة، شن حرب خارجية على أفغانستان، ومن ثم على العراق في إطار الحرب على الإرهاب. في مثل متغيرات دولية وإقليمية كهذه، كان من الصعب على القيادة السورية الجديدة والرئيس الشاب أن يمضيان بعيداً في أي مشروع سياسي أو اقتصادي للتغيير.

ما «زاد الطين بلة» أنه وفي سياق الحرب الأميركية على العراق، وبعد اسقاط نظام «حزب البعث» هناك، أن المحافظين الجدد تحدثوا عن إسقاط النظام السوري كخطوة ثانية، وهو الأمر الذي أقفل نهائياً أي أمل في إحداث التغيير من قبل القيادة السورية. لقد كانت المحافظة على أمن النظام اولى الأولويات.

أيضاً جاء المتغير الإقليمي الأكبر والأخطر فيما بعد لينهي ويضع حد لكل أمل في التغيير ويجعل السلطات السورية تتعامل بيد من حديد مع معارضيها، ونقصد بالطبع، جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وتوجيه أصابع الاتهام إلى النظام السوري بالوقوف وراء الجريمة، وتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واجبار القوات السورية على الخروج من لبنان.

كل ذلك كان يترافق مع اهتزازات داخلية كبيرة تمثلت في «انتحار» أحد أبرز وجوه النظام الأمني في سورية وهو وزير الداخلية غازي كنعان، الذي قيل الكثير عن هذه «الحادثة» وارتباطها بما يجري إقليمياً، وما يعد وما يخطط له دولياً ضد النظام السوري. ثم أتى خروج نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام من السلطة، وانتقاله إلى الصف المعارض، وتوجيه انتقادات للنظام بدعم وتغطية من خصوم دمشق الدوليين والإقليميين، ليدفع السلطات الأمنية نحو مزيد من التشدد بحق كل المعارضين والناشطين السياسيين دون أدنى تمييز في ما بينهم.

ان هذه الأجواء العامة كان من شأنها أن ترخي بظلال ثقيلة على الحراك السياسي الداخلي، لا بل ان هذه الأجواء كان من شأنها أن تقضي على كل أمل بالتغيير والإصلاح، وتقضي نهائياً على إمكانية الفعل المعارض حيث من غير المعقول أبداً في ظل هذه المناخات أن تقول السلطات والنظام السوري الذي يشعر بالتهديد الوجودي للمعارضين: تفضلوا وانزلوا إلى الشوارع لتمارسوا حقكم في التعبير والمعارضة والنقد.

لا ننسى أن المعارضة والمعارضين السوريين، ونظراً لافتقادهم إلى تجربة الفعل السياسي المعارض اسوة بما تقوم به المعارضات في الدول المتقدمة، ارتكبوا العديد من الأخطاء والمجازفات التي جعلت النظام ينظر بعين الريبة إلى نشاطاتهم ومطالبهم حتى لو كانت محقة وعادلة في المضمون. في تلك الأعوام كان سهلاً على المعارضين أن ينتقدوا بحدة نظام «البعث» ويصفوه بأسوأ النعوت، ويحملون من هم في النظام مسؤولية كل «الخراب في البصرة». لقد كان ذلك يمثل للنظام الذي لم يكن ضعيفاً أبداً في ذلك الوقت رغم كل الضغوط، خطراً داخلياً يجب درؤه فورياً.

من سوء الحظ بالنسبة للمعارضين السوريين ولمستقبل سورية نفسها، أن فرصة التغيير ماتت قبل ان تلد، لقد انتهى كل شيء باكراً، ومن يعتقد أن هناك إمكانية للتغيير، أو العودة إلى النشاط المعارض كما لو أن شيئاً لم يحصل خلال الأعوام المنصرمة، فهو على خطأ كبير.

لقد كان محقاً رياض سيف في «الاستقالة»، وعلى من يراقب الشأن السوري الداخلي أن يفهم ويتفهم لماذا قرر الكثير من المعارضين... الصمت.

إنه ليس أوان الربيع، وشتاء سورية طويل طويل على ما يبدو.

========================

حالة من عدم اليقين في نهاية الحرب على العراق

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

4-9-2010

بغداد - كانت صور إنهاء الحرب الأميركية في العراق مترددة على نحو مناسب، بدلا من أن تكون موحية بالنصر، تحدث الرئيس في واشنطن حول فتح صفحة جديدة، وتحدث نائب الرئيس في بغداد عن بداية عهد جديد، وقال وزير الدفاع إنه من السابق لأوانه إبداء الرأي حول ما إذا كانت الحرب تستحق ذلك العناء أم لا.

بيد أن السياسيين والجنرالات الذين تجمعوا في بغداد يوم الأربعاء لعقد مراسم نقل السلطة اتفقوا على الحقيقة الأكثر أهمية بالنسبة إلى الشعبين العراقي والأميركي، وهي أن مرحلة القتال في الحرب الأميركية انتهت بالفعل، بعد أكثر من سبعة أعوام من القتال وإنفاق نحو تريليون دولار ووفاة أكثر من 4000 جندي أميركي. لقد انتهى الغزو الذي بدأ عام 2003، بمبررات زائفة، بحالة من عدم اليقين.

كانت اللغة المتسمة بالحذر، والتي استخدمت في الإعلان عن نهاية العمليات القتالية، لغة مناسبة، لأن العراق من نواح كثيرة في حرب لم تنته بعد. ولن يكون النجاح أو الإخفاق النهائي لهذه الحرب واضحا قبل أعوام، عندما يكون بمقدورنا رؤية ما إذا كان العراق عزز ديمقراطيته الجديدة أو ارتد إلى الصراع الطائفي والفوضى السياسية.

قدم وزير الدفاع بوب غيتس إجابة مشروطة عندما سئل عما إذا كانت الحرب بررت التكلفة التي أنفقت عليها، حيث قال: «أعتقد أن الأمر يتطلب في الحقيقة وجهة نظر مؤرخ من حيث ما يحدث هنا على المدى الطويل».

كما تجنب نائب الرئيس بايدن الخطاب السياسي المتفائل عندما قال في المراسم، التي عقدت في أحد القصور الرخامية لصدام حسين، إن الحرب على العراق كانت «معقدة مثل أي حرب أخرى في تاريخنا». ونقل عن الخبير الاستراتيجي العسكري كارل فون كلاوزفيتز قوله إن «الحرب هي عالم عدم اليقين»، مشيرا إلى أن هذا المفهوم ينطبق في بعض الأحيان على النتائج.

أما العراقيون، الذين يخافون (أو في بعض الحالات، يأملون) أن يواصل الأميركيون العمليات القتالية سرا، بدلا من الدور المحدود المتمثل في «النصيحة والمساعدة»، فلم يفهموا الرسالة. ولخص جنرال أميركي هذه الرسالة، قائلا: «إذا كنت في جولتك الثالثة هنا، وجئت لطرد رجل سيئ، فإنك ستخبر نظيرك العراقي: اذهب أنت أولا وأحضر هذا الرجل».

وبسؤاله عما سيقوله لأي مواطن عراقي يشتكي من أن أميركا قضت على النظام القديم وستغادر من دون وضع نظام جديد ومستقر، قال غيتس: «أعتقد أن ذلك في هذه المرحلة هو مسؤولية العراقيين».

وبالتحدث إلى بعض العراقيين في الأيام الماضية، سمعت تشاؤما بشأن ما ينتظر في المستقبل في الوقت الذي تنحسر فيه القوة العسكرية الأميركية. «بكل صراحة، إننا لا نتقدم للأمام»، هكذا قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، الذي فاز حزبه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر مارس (آذار) الماضي، لكنه لم يقدر حتى الآن على تشكيل حكومة جديدة.

وفي محادثة هاتفية، قال علاوي: «سيكون هناك فراغ في البلاد. لا أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تملي الأمور، لكن يجب أن تواصل المشاركة». ولا يزال مسؤولون أميركيون يصرون على أن «المشاركة» هي في الواقع الشعار الجديد، لكن اشتراكهم في الشهور الماضية، بقيادة بايدن، كان عرضيا وغير ناجح تقريبا.

وأحد أوجه الغموض في سياسة الولايات المتحدة هو السبب في مواصلة واشنطن الدفع باتجاه صيغة تسمح لرئيس الوزراء نوري المالكي بالبقاء في منصبه (أو أي منصب رفيع آخر) في الوقت الذي يواجه الرفض من جانب جميع الأحزاب السياسية تقريبا. إن إيران هي الحليف الصامت لأميركا في هذه المناورة الغريبة. وبعد كثير من الآلام يستحق العراق وضعا أفضل.

أنفقت أميركا الكثير من الأموال ودماء أبنائها في العراق لدرجة أنه من الخطأ أن تبتعد بصورة كاملة، بغض النظر عن مدى الجاذبية التي يبدو عليها ذلك من الناحية السياسية. وذكرني قاسم داوود، سياسي شيعي مرموق من الناصرية وعمل وزيرا للأمن القومي ولديه علاقات وثيقة مع المرشد الأعلى آية الله علي السيستاني، بقوة بأسباب الاستمرار في المشاركة. وقال إن الشعب العراقي دفع ثمنا غاليا من أجل الديمقراطية، في المذبحة التي أعقبت الإطاحة بصدام حسين وفي الإقبال الشجاع على أول انتخابات جرت في البلاد عام 2005 والاقتراع الذي تلاها.

وقال داوود: «لقد أعطى الشعب العراقي كل شيء من أجل النظام الديمقراطي، لكن حتى الآن، لم يتذوقوا ثمار ذلك».

وأخبرني أحد العراقيين بقصة للتفكير فيها في حال وجدت نفسك تتساءل عما إذا كنا أنجزنا أي شيء على الإطلاق في هذه الحرب القاسية، جرى استدعاء زعيم أحد الأحزاب الشيعية العراقية إلى طهران الشهر الماضي، وتلقى تعليمات بدعم المالكي. ورفض الرجل هذا الأمر، في مخاطرة كبيرة على نفسه وعلى حزبه. والسبب في ذلك، حسبما ذكر من أطلعني على الأمر، كان أن هذا الزعيم الشيعي أراد حكومة عراقية قوية وقائدا كفئا، من دون إملاءات من أميركا أو إيران أو أي جهة أخرى. هذا هو العراق الذي يستحق الرعاية.

* خدمة «واشنطن بوست»

========================

استفتاء 12 سبتمبر: تركيا بين مرحلتين

آخر تحديث:السبت ,04/09/2010

محمد نور الدين

الخليج

اسبوع واحد يفصل تركيا عن واحد من أهم الاستفتاءات في تاريخها الحديث .

ففي الثاني عشر من سبتمبر/ايلول الجاري يذهب اكثر من أربعين مليون تركي الى صناديق الاقتراع للتصويت بنعم أو لا، على رزمة اصلاحات أشبه بدستور مصغر تتناول عدداً كبيراً من القضايا الحساسة جداً التي إن مرت في الاستفتاء، فستحدث تغييراً جذرياً وإن ليس كاملاً في الحياة السياسية والاجتماعية وفي مجمل آليات عمل النظام ومؤسساته .

 

مبدأ الاستفتاء في تركيا ليس جديداً، وهو حصل أكثر من مرة في السابق، لكن الأتراك لم يتعودوا مع ذلك على أن يعود مسؤولوهم إليهم لكي يأخذوا رأيهم في مسائل قد تبدو بحاجة إلى البرلمان أو حتى الى قرارات وزارية، ولا سيما فيما يتعلق بشؤون اجتماعية .

 

لكن الانقسام السياسي في البلاد بين سلطة ينفرد بها حزب العدالة والتنمية، ومعارضة علمانية ويسارية وقومية وكردية، جمع أطرافها فقط العداء لحزب العدالة والتنمية، حوّل اية قضية تطرحها الحكومة امام البرلمان الى نقطة نزاع على قاعدة “عنزة ولو طارت” .

 

وهكذا تحوّلت مسلّمات في أي دولة ديموقراطية وحرّة الى مادة لمحاولة الاطاحة بالحكومة وحزب العدالة والتنمية .

 

لم تستطع الأحزاب السياسية في تركيا أن تفصل بين المصلحة العامة لدولة ومجتمع يطمحان الى التطور والتقدم، وبين تطلعاتها السياسية الخاصة .وهكذا مثلا تحوّل حزب الشعب الجمهوري الذي يوصف بأنه اشتراكي اجتماعي الى حزب يميني معاد للحريات والديموقراطية .ومع أن الحزب يزعم انه “أوروبي” ومن دعاة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي على غرار اليسار الأوروبي، فإنه عارض كل الاصلاحات وفقا للشروط الاوروبية التي أنجزها سابقاً حزب العدالة والتنمية، وتلك التي ستعرض أيضاً في 12 ايلول/سبتمبر الجاري . ومعارضته هذه ليس لأن حزب العدالة والتنمية بادر إليها فقط، بل لأنه، وهذا الخطر، في الأساس لا يؤمن بها ولا بمحاولات دمقرطة البلاد وتعزيز الحريات .

 

وهذه مشكلة كل الحكومات العلمانية السابقة التي كانت ترفع شعار الأوربة، فقط لتبرير قمعها للحركات الاسلامية والكردية وحتى الأقليات المذهبية والدينية .

 

استفتاء 12 سبتمبر/أيلول سوف يضعف مزاجية المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، ويقيّد مجلس الشورى العسكري الأعلى في مزاجية طرده لضباط وجنود بحجة انهم “رجعيون”، أي لهم اهواء إسلامية . وتتيح الاصلاحات محاكمة عسكريين أمام محاكم مدنية نظرا لتحيز القضاء العسكري .

 

وتتيح الاصلاحات تصفية الحساب ومحاكمة كل من له صلة بانقلاب 12 ايلول/سبتمبر ،1980 رغم انهم جميعاً باستثناء زعيمهم كنعان ايفرين قد ماتوا .لكن العبرة هي في منع حدوث انقلابات جديدة وتوعّد اي محاولة جديدة بأن هناك قضاء سيحاسبها .

 

إذا نجح الاستفتاء في نيل اصوات الأكثرية المطلقة من الأتراك، اي فوق الخمسين في المئة، فإن تركيا ستكون امام مرحلة جديدة، ويمكن عندها للبرلمان ان يشرّع ويعدّل القوانين والدستور عندما يرى ضرورة لذلك، من دون أن تبطل المحكمة الدستورية من دون وجه حق هذه التعديلات .وبإمكان العدالة أن تأخذ مجراها بعيدا عن مزاجية مجلس القضاء الأعلى أو القضاء العسكري .

 

لكن الإصلاحات إن نجحت فلن تكون نهاية المطاف بل ستكون الخطوة الأهم وربما الأخيرة قبل اعداد دستور جديد يغطي كل الثغرات التي لا تزال موجودة على كل المستويات .

 

واذا كانت اصلاحات 12 سبتمبر/أيلول مهمة جداً، فإنها غير كافية بعد لتكون تركيا بلدا نموذجا للديموقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان .

 

إن مشكلات كثيرة تضغط على النظام وعلى استقرار المجتمع ولحمته وفي مقدمها المشكلة الكردية ومطالب الأكراد الدستورية والثقافية وحتى السياسية، ومشكلة الأقليات الدينية والمذهبية التي يحق لها في بلد يقول بالعلمانية أن تكون على قدم المساواة في كل شيء مع الأكثرية .

 

ولا شك أن حزب العدالة والتنمية سيكون مرتاحاً إذا نال الاستفتاء أكثرية معقولة، أي بما يتجاوز 55 في المئة . وفي حال تدني التأييد عن هذه النسبة فإن رجب طيب اردوغان لن يكون مرتاحاً كثيراً وقد يلجأ الى مبادرات لاستعادة ثقة الناخب بشكل أكبر بحكومته .

 

أما إذا أخفقت الاصلاحات في نيل ثقة الناخبين فإن اردوغان سيكون امام ضغط شديد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لأن التصويت في النهاية وفقا لما هو جار هو على بقاء اردوغان في السلطة أم لا، وليس على الاصلاحات .

========================

آمال تنمية الألفية

آخر تحديث:السبت ,04/09/2010

فيليب داوست بلازي

الخليج

لقد أوقعت الأزمة الاقتصادية العالمية العديد من الضحايا العمال العاطلين، وأصحاب المساكن الذين أصبحت قيمة مساكنهم أقل من الأقساط المتبقية، والمتقاعدين المفلسين ولكن عواقب الأزمة كانت أشد وطأة في العالم النامي . ولا شك أن هذه الانتكاسة التي ألمت بالمكاسب الهشة التي تحققت في الأعوام الأخيرة، وخاصة في أفريقيا، تهدد بعودة الملايين من البشر إلى الفقر المدقع الذي تمكنوا من الإفلات من قبضته للتو . وبالإضافة إلى احتمالات المعاناة الإنسانية الهائلة، فإن الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الشديدة تهدد الآن بإرباك البلدان النامية وزعزعة استقرارها، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع الصراعات على نطاق غير مسبوق .

 

وما يجعل دوامة الهبوط الحالية مثبطة للهمة بوجه خاص هو أن الأزمة الاقتصادية وجهت ضربتها المهلكة مع أول دلائل التقدم، وخاصة في مجال الرعاية الصحية . فمنذ عام 2000 كانت معدلات الوفاة بين المصابين بمرض الايدز في انحدار، وأصبح علاج الأمراض التي كانت تفتك بالأطفال، مثل الملاريا والحصبة، أكثر فعالية، وسجل التعليم الأساسي على مستوى العالم تقدماً بطيئاً ولكنه ثابت، وأصبح تحقيق أهداف توفير مياه الشرب الآمنة في المتناول .

 

إلا أن الأزمة الاقتصادية العالمية تعمل الآن على إضعاف الجهود المتواضعة التي تبذلها البلدان المتقدمة للوفاء بالتزاماتها فيما يتصل بتقديم مساعدات التنمية الرسمية من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية كما حددتها الأمم المتحدة . ويحذر تقرير صادر عن الأمم المتحدة من أن انخفاض الاستثمارات السنوية من هذه البلدان المانحة كانت أقل بنحو خمسة وثلاثين مليار دولار عن الهدف المحدد بمئة وخمسين مليار دولار . وما لم يتغير هذا الوضع فإن احتمالات النجاح في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في الأمد البعيد سوف تصبح ضئيلة للغاية .

 

والواقع أن العواقب المترتبة على انحدار مساعدات التنمية الرسمية كانت مأساوية بالفعل: فقد أصبح عدد الجوعى ومن يعانون من الفقر المدقع أعظم مما كان عليه من قبل، وينطبق الأمر نفسه على العاطلين عن العمل، وهؤلاء الذين يعملون في وظائف غير مستقرة، أو الذين يكسبون أقل من 1،25 دولار في اليوم . والآن أصبح التقدم الذي تم إحرازه في مجالات الصحة ومحو الأمية عُرضة للزوال . وتربط بيانات البنك الدولي بين دورة الانحدار الاقتصادي بزيادة مقدارها 200 ألف في معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة .

 

فضلاً عن ذلك فإن 536 ألف امرأة يمتن سنوياً أثناء الولادة، وتعد صحة الأم من بين الأهداف الإنمائية للألفية التي توقف التقدم الذي أحرزته منذ تحديد تلك الأهداف قبل عشرة أعوام . وكل دقيقة تمر تعني وفاة أم أخرى، ومن المخزي أن 99% من الوفيات بين الأمهات تنحصر في البلدان النامية .

 

هل نستسلم لليأس إذن من تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ليس فقط بحلول الموعد النهائي الأصلي المحدد بعام 2015 بل وحتى بحلول نهاية القرن؟ إذا نظرنا إلى الأمر من منظور مساعدات التنمية الرسمية التقليدية، التي تتغير ميزانيتها سنوياً، وبما تشتمل عليه من قيود خاصة بالتمويل العام والأولويات الوطنية المنافسة لها، فإن التفاؤل يصبح في غير محله . ولكن هناك وسيلة لإحلال نموذج مقبول عالمياً ويتمتع بسجل ثابت من النجاح، وخاصة في مجال الرعاية الصحية، في محل النموذج التقليدي .

 

وتقدم آليات التمويل المبتكرة سبل الاستفادة بشكل متزايد من تدفقات التمويل العالمية من دون تعطيل النشاط الاقتصادي . ومن بين الأمثلة الأكثر شهرة البرنامج الدولي لشراء العقاقير تحت رعاية الأمم المتحدة (يونيت ايد)، والذي يتم تمويل القسم الأعظم من تكاليفه بالاستعانة برسوم رمزية تضاف إلى تذاكر السفر بالطائرات، والذي نجح في جمع 1،5 مليار دولار منذ عام ،2007 وهذا المصدر الجدير بالثقة للتمويل كان في طليعة الجهود الرامية إلى تحقيق ثلاثة من الأهداف الإنمائية للألفية المرتبطة بالصحة: علاج ومكافحة الأمراض التي تهدد الحياة مثل مرض الايدز/فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، والملاريا، والسل؛ والحد من وفيات الأطفال؛ وتحسين صحة الأمهات .

 

وبتوفير التمويل في 93 دولة، يتولى هذا البرنامج اليوم تمويل شراء العقاقير لثلاثة أرباع الأطفال في مختلف أنحاء العالم ممن يتلقون مضادات للفيروسات . ولقد تم تحقيق التغطية الواسعة النطاق من خلال تأثير هذا البرنامج في أسعار العقاقير المنقذة للحياة: فهو يضمن وجود سوق من خلال تعهدات طويلة الأجل بشراء مقادير كبيرة من الأدوية ووسائل التشخيص وهو الالتزام الذي أصبح ممكناً بفضل التمويل المستدام والمتوقع من “ضريبة الهواء” . ونتيجة لهذا انخفضت أسعار مضادات الفيروسات بنسبة تتجاوز 50% .

 

وعلى نحو مماثل يسعى برنامج “يونيت ايد” إلى مكافحة الوفيات بين الأطفال من خلال برنامج منظمة اليونيسيف الموسع لمكافحة انتقال مرض الايدز من الأمهات إلى الأطفال . وبحلول نهاية 2010 سوف ينتهي المرفق من فحص أربع ملايين امرأة في أفريقيا، وتقديم العلاج الثلاثي لنصف مليون امرأة حامل في مختلف أنحاء العالم .

 

عندما تبنى زعماء العالم الأهداف الإنمائية للألفية في عام ،2000 كان الشعور بالحاجة الملحة إلى تحقيق هذه الأهداف نابعاً من قناعة أخلاقية مفادها أن الفقر المدقع أصبح يشكل مفارقة زمنية غير مقبولة في عالمنا المترابط . ولكن الأمر يتطلب المزيد من الجهد، وسوف تكون قمة سبتمبر/أيلول في نيويورك بمثابة فرصة بالغة الأهمية يتسنى من خلالها لبلدان العالم الإعراب عن دعمها الكامل لآليات التمويل المبتكرة، وبالتالي إعطاء الأهداف الإنمائية للألفية الفرصة للنضال .

 

وزير خارجية فرنسا الأسبق، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة المسؤول عن التمويل المبدع لمشاريع التنمية . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت” .

========================

العنصرية الإسرائيلية وغاشية العمى

بقلم :حسين العودات

البيان

4-9-2010

قدمت الصور التي نشرتها المجندة الإسرائيلية (إيدن أبرجيل) في صفحتها على الفيسبوك، من جديد، شهادة لا تقبل الشك عن العنصرية الإسرائيلية، ليس في مجال التطبيق فقط بل في مجال ترسّخها في وعي الإسرائيليين وقيمهم وثقافتهم وتربيتهم.

 

فقد عبرت هذه المجندة عن دهشتها، بعد نشر الصور، لأن بعض الصحافة ووسائل الإعلام أثارت المشكلة، ولأن بعض الرأي العام احتج على هذه الصور واعتبرها عنصرية، وأكدت أنها لا تفهم هذا الاحتجاج ولا ترى في عملها أي عنصرية، وهذه في الواقع هي نتيجة طبيعية للتربية المدرسية الإسرائيلية المطبقة منذ أكثر من ستين عاماً.

 

إضافة إلى ما يفعله التوجيه العسكري والتعصب الديني باليافعين والشباب الإسرائيليين، وما تكرسه السياسة الثقافية والإعلامية الإسرائيلية، التي تدعو إلى إلغاء الآخر واستباحته امتثالاً لقول توراتهم (صب غضبك على الأغيار).

 

ولهذا لم تر هذه المجندة عيباً في أخذ صورة لنفسها مع أسرى مغمضي العينين، جالسين أذلاء، لا يعرفون ما يجري حولهم، وهي واقفة (صامدة) مبتسمة فخورة بإذلالهم بما تمارس من أعمال عنصرية، لأن تربيتها الدينية والمدرسية والعسكرية والاجتماعية، مبنية على معتقدات وقيم ومنظومات أخلاقية تأخذ مشروعيتها من التلمود، ومن فقه رجال الدين اليهودي الأكثر تخلفاً وعنصرية وإيماناً بالأساطير والأوهام، كما تأخذها من الثقافة الإسرائيلية التي احتضنت مفاهيم هذا الفقه، وتبنته وآمنت به كأفكار مطلقة وتعليمات من الخالق لا يجوز تبديلها أو تأويلها.

 

لقد توسع الحاخامات ورجال الدين اليهودي في تفسير التوراة كما يريدون، خاصة خلال تأليفهم للتلمود طوال الألف عام الأولى قبل الميلاد، ومنها المرحلة التي كانوا فيها تحت السبي البابلي في العراق، فأعطوا لأنفسهم الحق في تكوين فقههم الذي أصبح دينهم فيما بعد، وكان الأمر بمجمله رد فعل على واقع بائس واجهوا فيه الذل بتبني الفرادة والسمو ثم العنصرية، واستباحوا قتل الآخرين (الأغيار) وحجز الجنة لأنفسهم فقط، وأكدوا على مقولة (شعب الله المختار) الذي خلقت الشعوب الأخرى لخدمته، وعليه أن يحكمها ويصادر أموالها بل أيضاً أن يقتلها، فاليهود (أبناء الله وأحباؤه) ولهم الحق في الاتكاء عليه.

 

ولعل هذه الأفكار العتيقة، التي تضمنها التلمود، وحرص الحاخامات على المحافظة عليها وتكرارها والمطالبة بتطبيقها، أصبحت ثقافة كرستها السياسات الثقافية الإسرائيلية التي من مهماتها العمل على دمج (أبناء إسرائيل) في نسيج فكري وثقافي موحد.

 

صرح الحاخام عوفاديا يوسف رئيس طائفة اليهود الشرقيين في العالم ورئيس كتلة شاس البرلمانية قبل عدة سنوات (أن العرب صراصير وأفاعٍ يستحقون الإبادة) وأعاد تصريحاته في الأسبوع .

 

ويصيبهم بمرض الطاعون، مما استفز حتى الناطق باسم البيت الأبيض. وكان الحاخام نفسه قد طالب أنصاره قبل حين أن لا يشفقوا على العرب فهم يستحقون قصفهم بالصواريخ بكثافة وإبادتهم لأنهم أشرار. وطالما ردد أن الإسلام قبيح والمسلمين مثل دينهم.

 

إن هذه الخلفية العنصرية، سواء منها ما جاء في التلمود أم تلك التي صنعتها التربية متعددة الجوانب، أم تعليمات الحاخامات، كونت الجيلين الأخيرين من المجتمع الإسرائيلي على شاكلتها، فأصبحت الأغلبية الساحقة من هذا المجتمع متطرفة وعنصرية، وهذا ما شاهدناه خلال دورتي الانتخابات الإسرائيلية الأخيرتين.

 

حيث تقدمت فيهما الأحزاب المتطرفة والعنصرية (حزب الليكود، ثم وليده حزب كاديما، والحزب الهمجي إسرائيل بيتنا الذي ينادي بترحيل العرب) وكذلك الأحزاب الدينية (كتلة شاس التي أصبح بإمكانها إسقاط الحكومة، ويهدوت هاتوراه، والمفدال) على حساب أحزاب إسرائيلية أقل تطرفاً مثل (حزب العمل) أو أحزاب ليست متغطرسة ولا عنصرية مثل (حزبي ميرتس وشينوي) .

 

وقد أدى هذا إلى أن أي حكومة إسرائيلية تريد أن تحقق شعبية ينبغي عليها أن تتبنى التطرف والعنصرية على حساب أي شيء حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل شعبها ودولتها، وقد عبّرت هذه السياسة عن نفسها بالدفاع بوقاحة عن الاستيطان، بل وبالإعلان عن شعار أن أرض إسرائيل تضم الضفة الغربية والجولان أيضاً، إضافة إلى سياسة جديدة هي استشارة المستوطنين، وهم الغزاة الهمجيون، في أمر التسوية والسلام.

 

وظهرت العنصرية على الحواجز أكثر فأكثر، فقد نشر عدد من الجنود السابقين ممارساتهم المشينة على هذه الحواجز ضد الفلسطينيين، كإجبارهم على الانتظار ساعات طويلة حتى يسمحوا لهم بالمرور، وضربهم وإهانتهم، وعرقلة مرور سيارات الإسعاف التي تحمل المرضى والنساء الحوامل أو اللواتي على وشك الولادة،..

 

والتسلية بتعذيب الفلسطينيين، بل والمباراة بين الجنود فيمن يقوم بعمل ضدهم يضحك رفاقه أكثر، يضاف هذا إلى هدم البيوت وطرد السكان، وقتل الأطفال، وأكل الحقوق بتصديق من المحاكم الإسرائيلية الصورية، وغيرها من الممارسات التي يندى لها جبين أي جيش حتى لو كان مرتزقاً، وأي شعب مهما كان همجياً.

 

هل من كانوا بمثل هذه العنصرية يفكرون بانعكاسات ممارساتهم في نفوس الفلسطينيين وثقافتهم وسلوكهم الآن وفي المستقبل؟ وهل يخطر ببال هؤلاء الهمج العنصريين بأنهم سيكونون يوماً جيرانا لهؤلاء الفلسطينيين؟. بل أنهم سيكونون جزيرة صغيرة تكاد لا ترى في بحر عربي واسع تمور أمواجه حولهم، أم أنهم يعتقدون أن العرب سيبقون ضعفاء مهانين إلى أبد الآبدين، وأن الحماية الأميركية والغربية للإسرائيليين ستطول للفترة نفسها؟.

 

إن التطرف أعمى، والتعصب أكثر عمى، فهل يتساءل العنصريون الإسرائيليون إلى أين ستقودهم عنصريتهم؟.. أم أنهم شأن كل عنصري لا يرون لأبعد من أنوفهم؟.. يبدو أنها غاشية العمى!

========================

المشروع الإمبراطوري من الهجوم إلى الدفاع

بقلم :ممدوح طه

البيان

4-9-2010

بالإعلان الأميركي الرسمي عن الانسحاب العسكري من العراق عام 2012 لعرقنة الحرب والهروب بالجلد الأميركي قبل مواجهة الهزيمة التي بدت قادمة، وعن انسحاب قواتها المقاتلة من أفغانستان عام 2014 لأفغنة الحرب والهروب بعد مواجهة الهزيمة التي بدت صادمة، فهذا إعلان أميركي بأن الاستعمار مشروع فاشل وأن الاحتلال لا محالة مصيره الزوال، وأن الحرب مقامرة خاسرة..

 

وبعد دفع كل هذه الفاتورة الاقتصادية والعسكرية والبشرية والأخلاقية الباهظة، والاضطرار إلى التراجع والانسحاب والانتقال من استراتيجية الهجوم والعدوان إلى استراتيجية الدفاع والإذعان لإرادة الشعوب تحت الضغوط الدامية من المقاومة الوطنية العراقية والأفغانية فذلك إعلان أميركي بالإخفاق والفشل للمشروع الإمبراطوري الأميركي الغربي في الشرق العربي والإسلامي.

 

ورغم أنه من هذا الشرق أشرقت رسالات السماء على العالم لإعلاء حقوق الإنسان ولبناء عمارة الأرض، وكرسالة سلام بين سكان المعمورة وبين السماء والأرض، إلا أنه من الغرب هبت علينا حملات الاستعمار استعبادا للإنسان واستيلاء على الأرض في عدوان من الإنسان على حريات وحقوق الإنسان واستغلال من الإنسان لأخيه لإنسان.

 

ورغم أنه في الشرق قامت أعرق الحضارات الإنسانية على أنبل القيم وبقيت آثارها في مصر والعراق والشام شامخة ومبهرة وفي فارس والهند والصين تؤكد للعالم أن الشرق عموماً والشرق العربي والإسلامي خصوصا هو من علم العالم العلم والأدب والفنون، وبالذات في القرون الوسطى التي كانت عصور الظلام في أوروبا وعصور النور والازدهار في الشرق الإسلامي..

 

فإنه من الغرب هبت كل حروب العدوان والاحتلال وكل عواصف الفتن والشرور بأهداف استعمارية وفق مشاريع توسعية إمبراطورية تستهدف تذويب الهوية الدينية والقومية، وتفتيت الوحدة القومية والوطنية، والسيطرة على المواقع الاستراتيجية وعلى الثروات الطبيعية لشعوب هذا الشرق وجعله سوقا مفتوحا لمنتجاتها، وتستهدف أخيراً، فرض التغريب باسم التحديث، وفرض الأمركة باسم العولمة.

 

وبدءًا من الحروب الصليبية باتجاه فلسطين ومصر والشام بدأ الغرب حروبه العدوانية ضد الشرق الإسلامي أساسا وفقا لمشاريعه الإمبراطورية التي كانت تخفي أهدافها الاستعمارية تحت ستار الدين، بينما الدين المسيحي بريء من كل أشكال العدوان وسفك الدماء واحتلال أراضي الشعوب.

 

ومرورا بالحرب العالمية الأولى التي كان من نتيجتها هزيمة الدولة العثمانية التي كان مركزها تركيا وحيث كانت استانبول هي عاصمة الخلافة العثمانية وتفكيك آخر أشكال الوحدة الإسلامية، وفرض الوصاية الاستعمارية تحت عناوين الحماية والانتداب على كل المنطقة العربية التي كانت جزءا من تلك الدولة، وبداية تأسيس المشروع الصهيوني في فلسطين في قلب المنطقة.

 

ونهايةً بالحرب العالمية الثانية التي شهدت بروز القوة الأميركية بأحلامها الإمبراطورية وتطلعها نحو الشرق لوراثة النفوذ الاستعماري الأنجلو فرنسي، وحيث تم إعلان الدولة الصهيونية برعاية أنجلو أميركية، وتقسيم المنطقة العربية الواحدة إلى دول ودويلات تحت الوصاية الاستعمارية الإنجليزية والفرنسية، حتى استطاعت بالمقاومة والكفاح نيل استقلالها بدءًا بسوريا ولبنان في نهاية الأربعينات ومرورا بالجزء الأكبر في الخمسينات، ونهاية بالجزائر بعد مقاومة مجيدة في بداية الستينات.

 

وحدها فلسطين هي التي بقيت حتى اليوم ترزح تحت الاحتلال العنصري الاستيطاني الصهيوني الذي يشكل أكبر قاعدة عسكرية استعمارية في المنطقة، بعد رحيل كل أشكال الاستعمار القديم واستمراره في شكل استعماري أطلسي جديد مازال حتى اليوم في مشاهد كثيرة يمارس هيمنته العدوانية بالقواعد العسكرية والضغوط السياسية والسيطرة الاقتصادية وبالحروب الثقافية على معظم أجزاء الوطن العربي والأمة الإسلامية.

 

ثم بدأ فصل جديد لمواصلة الحروب الاستعمارية العدوانية ضد الدول العربية والإسلامية مع نمو المشروع الصهيوني في فلسطين بدعم أميركي وقيامه بأداء دوره كرأس حربة وعصا غليظة للمستعمرين الجدد في ضرب الدول والأنظمة العربية والإسلامية التحررية الرافضة للاحتلال الصهيوني وللهيمنة الأميركية، ومواصلة المشروع الإمبراطوري الاستعماري القديم ومنع قيام أي قوة عربية أو إسلامية كبرى في الشرق تهدد قاعدتهم العسكرية «إسرائيل» أو تعرقل المشروع الأميركي للهيمنة على المنطقة،.

 

وهو ما جرى تنفيذه أميركيا بواسطة إسرائيل في عدوان يونيو عام 1967 على مصر وسوريا والأردن، وهو ما استمر تنفيذه تحت عناوين مفبركة وزائفة بعد إنهاء حالة الحرب بين مصر والأردن وإسرائيل وإبرام معاهدات سلام بينهم بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر عام 1973، بالحرب العدوانية الصهيونية لغزو لبنان عام 1982، وبالحرب الأميركية العدوانية لاحتلال أفغانستان عام 2002، ولغزو العراق بوجه أطلسي مكشوف عام 2003، وفي الحرب العدوانية على لبنان بقرار أميركي وتنفيذ إسرائيلي عام 2006، وعلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر عام 2009 بتواطؤ غربي.

 

لكن المشروع الصهيوني الأميركي للشرق الأوسط الجديد واجه في جل حروبه الإخفاق والفشل في تحقيق أهدافه المعلنة وذلك بفضل المقاومة الشعبية الوطنية وبدعم الصمود الشجاع لعدد من الدول العربية والإسلامية المناهضة لمشاريع الاحتلال الصهيوني في فلسطين والاحتلال الأميركي في أفغانستان والعراق، وإن نجح في تحقيق بعض أهدافه المستترة بإعادة شق الصف العربي والإسلامي، وبإشعال الفتن العرقية والطائفية والمذهبية، لتأمين إسرائيل لتبقى القوة العسكرية النووية الوحيدة في المنطقة.

وإزاء كل تلك الإخفاقات والهزائم في كل تلك الحروب العدوانية اضطرت الإدارة الأميركية أخيراً لإعلان خطط الانسحاب أولا من العراق، وهو ما بدأت تنفيذه فعلا الأسبوع الماضي، وثانيا من أفغانستان وهو ما قررت البدء في تنفيذه منتصف العام المقبل.

كاتب مصري

========================

الانعكاسات المحتملة لفشل المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المباشرة:عودة العنف وتعرّض الأنظمة المعتدلة للخطر أو استمرار "الستاتيكو"

اميل خوري

النهار

4-9-2010

يرى سفير لبناني سابق ان ليس المهم ان تبدأ المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية المباشرة، انما المهم هو كيف ستنتهي. فمنذ اكثر من خمسين سنة وهذه المفاوضات تبدأ ولا تنتهي الى شيء، واذا انتهت الى اتفاق، فإنه يبقى بدون تنفيذ كامل لأن كلا من الاسرائيليين والفلسطينيين منقسمون بين مؤيد ومعارض.

لذلك، فان هذه المفاوضات تختلف عن سابقاتها كونها الفرصة الاخيرة ليس امام الاسرائيليين والفلسطينيين فقط، للتوصل الى اتفاق سلام انما الفرصة الاخيرة لادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، فاما ان تتوصل خلال مهلة السنة المحددة لبلوغ هذا الاتفاق، او تضيع هذه الفرصة ولن تتكرر ولا احد يعرف ما هو البديل من فشل المفاوضات.

ويرى السفير نفسه من جهة اخرى ان التوصل الى اتفاق سلام بعد محاولات عديدة لم تكن ناجحة، هو شبه معجزة خصوصا ان تركيبة حكومة نتنياهو لا تسمح بتقديم تنازلات مؤلمة او مهمة تجعل السبيل الى بلوغ هذا الاتفاق يسيرا. وان اول اختبار لنية هذه الحكومة هو في موافقتها او عدم موافقتها على تمديد مهلة تجميد بناء المستوطنات، التي تنتهي في 26 ايلول الحالي اذ لا يزال موقف المسؤولين الاسرائيليين غامضا بالنسبة الى هذا الموضوع في حين ان موقف المسؤولين الفلسطينيين واضح وصريح، وهو التوقف عن متابعة المفاوضات اذا استؤنفت الاعمال في بناء المستوطنات وهذا يكشف نية اسرائيل الحقيقية في اقامة دولة فلسطينية على مساحة من الارض تجعلها قابلة للحياة، وليس على ما تبقى من الارض الفلسطينية المحتلة والتي لا تصلح لاكثر من اقامة حكم ذاتي.

والسؤال الذي لا جواب عليه حتى الآن هو: ما العمل اذا فشلت المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية المباشرة وما هو البديل؟

ان العرب والفلسطينيين هم الآن منقسمون حول هذه المفاوضات بين من يرفضها بشدة لانها ستكون بحسب رأيهم عبثية ولا جدوى منها، ومن يؤيدها ويعتبرها الوسيلة الوحيدة لاستعادة ولو بعض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وان لا بديل من المفاوضات سوى المفاوضات... وقد ينقسم العرب والفلسطينيون ايضا على نتائج هذه المفاوضات وما انتهت اليه وذلك بين مؤيد لها ومعارض. وهو ما يجعل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه يتعثر مثل الاتفاقات السابقة. وقد اعلنت التنظيمات الفلسطينية المتشددة وعلى رأسها حركة "حماس" منذ الآن انها ترفض المفاوضات المباشرة الجارية في واشنطن وترفض التزام نتائجها، وهذا معناه ان اسرائيل التي يهمها الحصول على الامن قبل اي شيء آخر وتجاريها في ذلك الولايات المتحدة الاميركية، قد لا تنعم به ما دامت هذه التنظيمات تهدد باستئناف اعمال العنف لانها الوسيلة الوحيدة التي تفهمها اسرائيل للتسليم بالحقوق الفلسطينية كاملة.

وتستشهد هذه التنظيمات بقول ديفيد بن غوريون: "ان اسرائيل لا يمكن ان تعيش الا بالسلاح والقوة"، ويقول مناحيم بيغن: "انا احارب اذاً انا موجود".

فهل يمكن مقابلة هذه الاقوال بحمل غصن الزيتون ام بحمل السلاح وذلك على اساس مبدأ "ما اخذ بالقوة لا يستعاد الا بالقوة"؟.

ان صورة الوضع المقبلة، كما يراها السفير اللبناني هي كالآتي:

اولا: اذا نجحت المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية في التوصل الى اتفاق نهائي يقيم السلام والامن بين دولة اسرائيل ودولة فلسطين، فان مفاوضات سوف تبدأ على المسارين السوري واللبناني وتنتهي هي ايضا الى اتفاق سلام ينهي النزاع العربي – الاسرائيلي المزمن ويدخل منطقة الشرق الاوسط مرحلة امن وسلام واستقرار وازدهار. ومع انهاء هذا النزاع يصبح من السهل انهاء كل المشاكل في المنطقة ولاسيما في العراق وفي افغانستان وباكستان وحتى في ايران التي لا تعود في استطاعتها وحدها مقاومة الجميع وتنتهي ايضا مشكلة كل سلاح مقاوم في المنطقة يتحرك خارج ارادة الدولة لانه يفقد كل دور له بعد التوصل الى السلام الشامل.

ثانيا: ان فشل المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية يعيد المنطقة الى مواجهة اعمال العنف المتبادلة الى اجل غير معروف، ويقيم عندئذ الخراب والدمار وتكون الحرب اما حربا تفرض سلام المنتصر على المنكسر واما تفرض تسوية تقوم على اساس لا غالب ولا مغلوب.

ثالثا: ان تعود الكلمة الفصل في وضع المنطقة الى قوى التطرف مع تراجع قوى الاعتدال بعد فشل المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية بحيث تستطيع هذه القوى كونها تملك ورقة العنف والتخريب والارهاب، التوصل الى حل المشاكل على نحو يرضيها او يرضي كل الاطراف، والا اصبحت الانظمة المعتدلة في المنطقة معرضة لخطر حقيقي.

رابعا: ان يتم التمديد ل"الستاتيكو" بحيث لا يكون حرب ولا سلام في انتظار ما يجعل موازين القوى تتغير لمصلحة هذا الطرف او ذاك، وان كان استمرار "الستاتيكو" يخدم قوى التطرف اكثر مما يخدم قوى الاعتدال.

هذه الصورة المتعددة الوجه تفرض على القادة اللبنانيين اذا كانوا مخلصين العمل متفقين ومتحدين على مواجهة مرحلة السلام او مرحلة الحرب وكذلك مرحلة الانتظار والترقب بهدوء وبدون تأثير اي مرحلة من هذه المراحل على الامن والاستقرار في لبنان فلا يجعلونه مرة اخرى ساحة مفتوحة لكل لاعب محلي او اقليمي او دولي.

========================

ساركوزي يهتم بسوريا أكثر من لبنان

سركيس نعوم

النهار

4-9-2010

اجاب المسؤول الرفيع نفسه في "الادارة" البارزة الثالثة اياها عن سؤال يتعلق بمحادثات اميركية – اسرائيلية اجريت قبل فترة حول جدوى استمرار النظام السوري، او جدوى اعتبار بقائه ضرورة لا بد منها نظراً الى سوء البديل، قال: "ان الطريقة التي تتصرف بها سوريا مع "حزب الله" و"حماس" وايران جعلت البعض في اسرائيل يتساءل اذا كان البديل من النظام السوري الحالي سيكون اسوأ، وهل يكون "طالبانياً" او "قاعدياً". ربما يكون التغيير، اذا حصل، من داخل النظام، او بواسطة شخصيات سنية معتدلة، او بالدعوة الى اشراك جماعات سنية في النظام والعمل السياسي. كل هذه الاحتمالات التغييرية تناقش احياناً مع المسؤولين الاميركيين. لكن لا شيء حاسماً على هذا الصعيد، علماً ان تجربة الحدود السورية – الاسرائيلية الهادئة منذ سبعينات القرن الماضي لا تزال في مقدم الصورة الكبيرة لسوريا والمنطقة". علّقت: اي سلام تتوصل اليه سوريا واسرائيل لا بد ان يؤدي الى سلام بين لبنان واسرائيل. واي تفاهم تتوصل اليه سوريا واميركا لن يؤدي الى "ضم" الاولى لبنان. لكن وضع لبنان بين اسرائيل وسوريا صعب. علماً انني لا اساوي في حديثي هذا بين الدولتين لاعتبارات كثيرة تعرفها. مع اسرائيل هناك حرب مستمرة، هناك اعتداءات او انتهاكات للقرار الدولي 1701. المهم وقف ذلك والعمل على وقف اطلاق نار ثابت بين لبنان واسرائيل في انتظار اعجوبة ما.

سورياً، لا بد من الاشارة الى ان نفوذ دمشق عاد الى لبنان بقوة ولكن من دون وجود عسكري مباشر لها على ارضه. وفي ذلك قوة لها وابتعاد عن اي مسؤولية لها عن تحريك اوضاعه في طريقة او في اخرى. وقد يكرّس ذلك نفوذاً نهائياً لها في لبنان. ما يطلبه اللبنانيون، او بعضهم، منكم وليس من مسؤوليهم، لأنهم منقسمون، هو عدم التضحية بلبنان كرمى لعيون سوريا او اسرائيل او ايران او غيرها. فهم يعرفون حجمهم ويعترفون بمصالح سوريا في بلادهم وبالاختلال في ميزان القوى بين الدولتين، لكنهم في الوقت نفسه لا يرضون بان يتحكم فيهم احد. طبعاً هناك لبنانيون يتّكلون على تركيا وآخرون على ايران، وغيرهم على السعودية لكي يحققوا "امنياتهم" الوطنية. لكن كل ذلك لن يكون مجدياً. اذ ان لكل من هذه الدول "اجندتها" ومصالحها وقد تتعارض مع اجندة الآخرين ومصالحهم. كما انها قد لا تتوافق بالضرورة مع مصلحة لبنان. علّق: "ما تقوله فيه الكثير من الحقيقة والصحة، قد لا تكون السعودية قوية جداً. لكنها احياناً تساعد، وقد ساعدت، وعندما تتراجع، كما شرحت، فإنها تفعل ذلك لأنها تلمس عدم قدرتها على المتابعة، ولأنها تحرص على عدم الوقوع في اخطار كبيرة".

بعد ذلك تناول الحديث لبنان وما يمكن ان يحصل فيه في حال صدور قرار اتهامي عن "المحكمة الخاصة بلبنان" لا يتضمن سوى اسماء اعضاء في "حزب الله". كما تناول امكان توجيه اسرائيل ضربة عسكرية الى لبنان، وذلك كان امراً متوقعاً خلال الشهرين الماضيين، باعتبار ان ما حصل لم يكن الغاء الضربة بل ارجاءها. اكد الموظف الرفيع نفسه ان ذلك قد يكون صحيحاً. فسألته: يقال ان "حزب الله" حصل على صواريخ مضادة للطائرات. الا ان اسرائيل لم "تصرخ" كالعادة ولم تهدد بالويل والثبور. علماً انها اعتبرت دائماً هذا الامر خطراً عليها. في حين انها هدّدت وتوعّدت حين اثير موضوع حصول الحزب على صواريخ "سكود". ما السبب في رأيك؟ اجاب: "اعتقد ان السبب كان الرغبة في منع تسليم سوريا الحزب في لبنان صواريخ "سكود" لأن اضرارها كبيرة. وكان السبب ايضاً ان ما تسلمه "حزب الله" من صواريخ مضادة للطائرات لا يشكل حتى الآن على الاقل خطراً كبيراً على طائراتها الحديثة.

هل تريد تركيا ان يطردها حلف شمال الاطلسي من صفوفه؟" سأل. اجبت: اعتقد ان تركيا لا تريد قطع علاقاتها مع اسرائيل ولا تستطيع قطعها، لاعتبارات كثيرة ومتنوعة. وربما يسري ذلك على الحلف المذكور. لكنها تبحث عن دور. علّق: "تحتاج تركيا الى اموال السعودية لتنفيذ امور عدة في المنطقة".

ماذا في جعبة عدد من العارفين في العاصمة الفرنسية باريس التقيتهم اثناء توقفي القصير فيها في طريق العودة الى بيروت؟

قال هؤلاء "ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مشغول بهمومه الداخلية، اذ ان عنده مشكلات كثيرة. يريد طبعاً ان يكون له دور شرق اوسطي مهم. علاقته ممتازة مع اسرائيل. يريد ان يخدمها. حاول ثلاث مرات، سواء مع الرئيس ميشال سليمان او مع الرئيس سعد الحريري، تشجيع لبنان على بدء مفاوضات سلام مع اسرائيل. لكنه فشل. لذلك لم يعد كثير الاهتمام (الفعلي) بلبنان. اهتمامه بسوريا اكبر. ذلك انها تستطيع ان تلتزم وان تعطي وخصوصاً ان دورها اللبناني قوي وكبير. صحيح ان سوريا لم "تمشِ" مع ساركوزي في موضوع اسرائيل وموضوعات اخرى. لكنها تتعاون مع فرنسا استخبارياً وعلى نحو جيد، وهذا امر مفيد".

ماذا عن السعودية وسوريا من باريس؟ اجاب هؤلاء: "حتى لو نشبت خلافات قليلة بينهما فإنها لن تؤثر على مصالحهما. لبنان لم يكن سبب هذه المصالحة بل ايران والعراق. السعودية "ساذجة" احياناً. ظنت انها قادرة على فصل سوريا عن ايران، وخصوصاً بعدما تناقضتا في العراق في اثناء الانتخابات التشريعية الأخيرة. لكن سوريا ستُبقي السعودية الى جانبها بوسائل عدة. وهي بارعة في ذلك. قد يكون لبنان "أُعيد" مجدداً الى سوريا من السعودية وغيرها من الدول الكبرى".

ماذا عن المحكمة "الدولية"، اي الخاصة بلبنان؟ اجابوا: "المحكمة الدولية صعبة. حتى الآن لا يبدو انها تملك قضية صلبة. ربما لديها اشتباه في عناصر من "حزب الله". لكن ماذا عن المُقرِّر والمُخَطِّط وسائر المنفذين؟ لن يقبل الحزب ان تُحصَر التهمة به او ان يتواطأ الجميع لإلباسه التهمة. وقد يفعل الكثير. الحرب الاسرائيلية على لبنان نوع من "البعبع". لكنها مستبعدة. اما الحرب مع ايران فلا احد يعرف شيئاً أكيداً عنها".

========================

إزالة إسرائيل أسهل بكثير من التسوية معها.. وأقل كلفة

احمد برقاوي

السفير

4-9-2010

«إسرائيل» بالتعريف: كيان عنصري استيطاني استعماري إجلائي عسكري، ذو أيديولوجيا صهيونية تمنح هذا الكيان عصبية عنصرية. كيان أخذ شكل الدولة التي لا تنتمي إلى المحيط الثقافي  الإثني العربي.

ليس هذا التعريف بأحكامه المختلفة تعريفاً قيمياً، بل تعريف وجود، لم نخترعه اختراعاً، ولا حملنا الانتماء إلى فلسطين لنضفي على «إسرائيل» من الصفات التي ليست لها.

إن جميع الأوصاف التي تحدد ماهية هذا الكيان، أوصاف موضوعية مترابطة، وإذا نزعت أية صفة من صفات هذا التحديد اختلفت ماهية «إسرائيل». فكل تعريف كما هو معلوم تحديد لماهية.

قلنا إنها أوصاف مترابطة وهذا يعني ما هو آتٍ :

أما أن «إسرائيل» كيان استيطاني  استعماري، فهذا يعني أنها ثمرة من ثمرات المرحلة الاستعمارية  الإمبريالية في التاريخ الحديث، ومن دون ردها إلى المرحلة الاستعمارية لا يمكن فهمها إطلاقاً. فعلاقتها بالاستعمار الأوروبي هي التي منحتها الوجود والاستمرار وما زالت تمنحها أهم أسباب وجودها واستمراره، والحركة الصهيونية لو لم تضع ذاتها في خدمة الاستعمار البريطاني  الفرنسي للمنطقة لما نالت من الاستعمار ما ناله أي كيان قائم في فلسطين.

إن زوال الاستعمار المباشر للمنطقة لا يعني زوال ماهية الاستعمار، وعلاقة أوروبا وأميركا بالعرب بوصفهم موضوع استعمار. ولهذا فإن «إسرائيل» ما زالت تقوم بوظيفتها كقاعدة استعمارية متجددة مع تجدد آليات المستعمِر، حتى لو بدا أن هناك مراحل تضعف من دور «إسرائيل»، لكنها تبقى  مع ذلك  قاعدة حربية إستراتيجية مهمة، واحتياطية لا يصيبها البلى.

هذه الظاهرة الاستعمارية التي أسست كياناً يهودياً  صهيونياً قام على أساس طرد السكان الأصليين بالقوة والعنف، هي استراتيجية إجلائية على الدوام، أي إجلاء الفلسطيني عن أرضه بشتى السبل. ذلك أن العنصر الفلسطيني يظل المهدد الأكبر لاستمرار هذا الكيان الاستيطاني  الاستعماري.

ولأن وجوده غير ممكن إلا بامتلاكه قوة عسكرية قادرة بالاشتراك مع الآلة الاستعمارية مواجهة خطر الاقتلاع، فإنه أسس وجوده على استراتيجية مفادها: أن «إسرائيل» يجب أن تمتلك من القوة ما يتفوق على قوة العرب مجتمعين.

غير أن كل ما سبق لا قيمة له من دون الملاط الأيديولوجي الذي يشكل عصبية من نوع العصبيات اللاهوتية المقدسة ذات الأصل الأسطوري.

يستقي الصهيوني عصبيته من كتبه «الدينية» ذات الصفة المقدسة بالنسبة إليه. ومعروفة هي الأسس الأيديولوجية الصهيونية: من أرض الميعاد، إلى شعب الله المختار... الخ فضلاً عن ذلك فإن العماء الأيديولوجي الصهيوني قد التقى بالنزعة «اللا سامية» الأوروبية، فكانت «إسرائيل». فاليهودي الصهيوني يعتقد أنه قد نال مكافأة أوروبية في قيام كيانه، ولكن الحقيقة عكس ذلك. لقد نال الغربي  الأوروبي المستعمِر مكافأة في قيام «إسرائيل» من دون النظر في حياة اليهودي في محيط يرفضه.

فالبريطاني يعرف حق المعرفة أن صراعاً سيدوم ويطول بين الغريب هذا وبين أهل المنطقة وسكان فلسطين الأصليين. وسيدفع اليهودي ثمن احتلاله فلسطين دماءً كما يدفع السكان الأصليون، ولكنه لم يكترث بهذا ولن يكترث بالمستقبل ، وهذا يعني أن «إسرائيل» هي ثمرة لا سامية الغرب المستمرة حتى الآن. تربت على أن «إسرائيل واقعة استعمارية ما هو أخطر بالنسبة إلى إسرائيل» ذاتها.

فإسرائيل ظلت وستظل مدينة لوجودها واستمرارها لعامل خارجي، انطلاقاً من ضعف قواها الداخلية لمواجهة نبذ المنطقة العربية لها، فهي بهذا المعنى وجود بغيره وليس بذاته، بل هي ليست وجود لذاته، لأنها يجب أن تقوم دائماً بالوظيفة التي أنيطت بها وعلى أنحاء مختلفة. وهذا الذي يجيب على السؤال: طالما أن «إسرائيل» ظاهرة استعمارية، فلماذا هي مستمرة مع زوال مرحلة الاستعمار؟؟

ولكن هناك ثلاثة عوامل تهدد هذا الملاط الأيديولوجي هي :

1  وصول الأيديولوجيا الصهيونية إلى مرحلة تحقق هدفها الرئيس: احتلال فلسطين وقيام الكيان  الدولة. فكل أيديولوجيا تنتصر تبدأ بالذبول والانهزام، ولا تعود قادرة على لعب دور العصبية.

2  تعاقب الأجيال : فمن المعروف أن الجيل الأول المؤسس والمتأثر يكون ذا حماس أيديولوجي كبير، ثم تبدأ الأيديولوجيا بالضعف، حتى إذا ما ظهر جيل جديد بعدت المسافة بينه وبين الجيل الأول خبت نار الأيديولوجيا حتى الزوال.

3  الحقائق على الأرض التي تدحض القيل الأيديولوجي مع الأيام، فوجود كيان مضى على نشأته أكثر من ستين عاماً وما زال يعيش حالة البدء في صراع مع أهل المنطقة والسكان الأصليين واقعة تدحض كل قيل أيديولوجي أسطوري.

لتجاوز هذه العوامل تسعى «إسرائيل» لتجديد هذه العصبية عبر إشاعة سيكولوجيا الخوف من الآخر والبحث عن الأمن. وضخ الحماس في الجيل الجديد عبر التذكير الدائم بالأسلاف والمحرقة وعدم الهزيمة أمام العدو.

إن «إسرائيل» هذه: وجود استعماري قائم بغيره ذو ملاط أيديولوجي، غير منتم إلى المحيط الإثني والثقافي، هي وجود لا يملك قوة استمراره الداخلية. والعوامل التي تراهن إسرائيل على استمرار فعلها بوصفها داعمة لوجودها هي عوامل بالأصل متغيرة.

تراهن إسرائيل على ثلاثة عوامل يجب أن تستمر :

1  نسيان الفلسطيني قضيته الوطنية مع مرور الزمن «أي أن عامل الزمن واحد من العوامل الكفيلة لبقاء هذا الكيان».

2  ضعف الجانب العربي وبخاصة المحيط بفلسطين، وقبوله وجود إسرائيل واستمرارها في المنطقة.

3  بقاء العامل الخارجي قوة استراتيجية مهمة أكثر أهمية من العوامل الداخلية لإسرائيل.

هذه العوامل الثلاثة هي كما قلت عوامل متغيرة، أما من حيث العامل الفلسطيني: فإن الفلسطيني قد كذب الوهم الإسرائيلي. فالأجيال الفلسطينية بدءاً من تلك التي عاشت النكبة إلى تلك التي ولدت في عالم اللجوء تخوض الآن صراعاً يبقي القضية الفلسطينية حاضرة في الوجدان. الفلسطيني اليوم، وهو الخطر الأكبر على وجود إسرائيل رغم اختلافه، متوحد على أمور كثيرة.

الفلسطيني ماهية بثلاث ظواهر:

أولاً: الفلسطيني الذي بقي على أرضه بعد عدوان 1948م، واحتلال فلسطين. هذا الفلسطيني يشكل :

أولاً: تهديداً ديموغرافياً ليهودية الدولة ليس في المستقبل البعيد بل وفي المستقبل القريب، إن ربع قرن كافٍ لظهور هذه المشكلة التي يناقشها العدو في كل مؤتمراته الصهيونية.

ثانياً: إنه يشكل قوة دائمة ضد عنصرية هذه «الدولة» و أي مكاسب له داخل هذا الكيان إضعاف شديد له. بل إن إسرائيل بلا عنصرية لا تعود إسرائيل ويصير وجودها نافلاً.

ثالثاً: الفلسطيني في الضفة وغزة: هذا الفلسطيني يقاتل من أجل مصير حر وإلغاء الاحتلال للوصول إلى دولة مستقلة وعاصمتها القدس.

كل نجاح في هذا الكفاح إضعاف للكيان والأيويولوجية معاً. كل نوع من الكفاح المسلح/ المدني/ يوصل العدو إلى قناعة بعدم قدرته على استمرار السيطرة.

رابعاً: اللاجئ الفلسطيني وهو محيط بفلسطين «سوريا  الأردن  لبنان» هذا اللاجئ لديه هدف رئيس إلى جانب أهداف الفلسطيني في فلسطين، ألا وهو العودة إلى فلسطين وممارسة حق العودة. إن عدد الفلسطينيين في فلسطين التي رسم حدودها الاستعمار البريطاني يساوي الآن تقريباً عدد المستعمرين لها. هذا العامل الديموغرافي الفلسطيني في الداخل وحول فلسطين من أهم العوامل التي تحدد مصير إسرائيل في حال استمرار كفاحه على الصعد الثلاثة وفي وحدة الصعد الثلاثة الآنفة الذكر.

هل يمكن أن يوصل الفلسطيني اليهودي المستعمر إلى مرحلة يطرح معها قيام دولة واحدة في فلسطين ثنائية القومية وديموقراطية؟ من حيث المنطق نعم. ولكن هذا يحتاج إلى زمن وكفاح يفرض على العدو تغيير نظرته إلى وجوده أولاً، كما يفرض عليه نوعاً من التعب وفقدان الأمل باستمراره على النحو الذي هو عليه. غير أن هذا الهدف إذا ما تحول إلى هدف فلسطيني فإنه قد يخلق مع الأيام  عبر الممارسة لتحقيقه بالقوة  واقعاً يصعب على المستعمر تجاهله. وهذا يعني: أن الفلسطيني هو المحدد الأساسي لمصير إسرائيل الذي سأعرض لما يجب أن يكون في الآتي من الحديث.

وكما تواجه إسرائيل الفلسطيني تواجه العربي.

العربي الآن: سلطة لا تشكل فلسطين بالنسبة لها أمراً ذا بال. وشعب ما زال يشعر العدد الأكبر من أبنائه بجرح في الكرامة الوطنية والقومية والأخلاقية. غير أن شروط القمع السلطوية تحول دون تحول الشعب العربي إلى قوة ضاغطة مؤثرة على سياسة السلطة العربية.

غير أن السلطة عامل متغير وليس ثابتاً، ولهذا لا يمكن التعويل على وجودها الراهن، بل إن إسرائيل تعرف أن السلطة العربية عامل متغير، ولهذا فإنها ما زالت ترى في مصر والأردن عدوين، وتعمل من وحي هذه الرؤية. ولأن المرء على هذا النحو فإن رفض «التطبيع» مع العدو يخلق القناعة لدى حكام الكيان الصهيوني ولدى الغرب باستحالة تحوّل إسرائيل إلى كيان طبيعي في المنطقة.

لكن الخطر السلطوي العربي مع قضية فلسطين لا يكمن في إقامة تسويات معه ومنع الشعب من الانخراط في الكفاح ضده فقط، بل في إضعاف الكفاح الفلسطيني عبر آليات قمعية ومالية. وهذا أمر يقوي من شأن إسرائيل . ولهذا فإن إسرائيل عملياً موجودة بفضل هذه السلطات وليس رغماًً عنها.

أما العامل الفاعل في قضية فلسطين، أوروبا وأميركا، فإن الحد الأعلى الذي يمكن أن يصله بالنسبة إلى الفلسطيني هو قيام شبه دولة للفلسطينيين في قطاع غزة وجزء من الضفة الغربية. وما زالت إسرائيل تشكل بالنسبة لأوروبا وأميركا نفس إسرائيل التي عملوا على إنشائها وولادتها واستمرارها. وأي تغير في نظرة أميركا وأوروبا لإسرائيل لا يكون إلا إذا وصل الكفاح الفلسطيني والعربي إلى مرحلة يهدد المصالح الأوروبية والأميركية تهديداً جدياً. وهذا أمر ممكن لكنه بعيد الآن.

الآن: في ضوء ما سبق ما مصير إسرائيل؟ للجواب على هذا السؤال هناك سؤالان.

كيف يجب أن يكون مصير إسرائيل؟ وهل هو ممكن؟ ما هو مصيرها الممكن دون الوجوب؟

جواباً على السؤال الأول: يجب أن تزول إسرائيل من هذه المنطقة. لا يجوز أخلاقياً وقومياً ووطنياً وإنسانياً استمرار دولة غريبة محتلة عنصرية داخل الوطن العربي.

أجل يجب أن تزول إسرائيل والعمل على إزالتها.

لا يجوز القبول بوجودها تحت أي حجة عقلية أو واقعية أبداً أبداً. ومن حيث منطق إمكانية تحقق هذا المطلب نقول: إن إزالة إسرائيل أسهل بكثير من التسوية معها. التسوية إسرائيلياً  يجب أن لا تؤدي إلى زوال حالة الحرب التي تشكل أساس عصبيتها الأيديولوجية. وبالتالي التسوية إسرائيلياً ليست مطلوبة إلا تحقيقاً للأمن كما تريده هذه الدولة.

فيما قليل من الكفاح مستمر على امتداد سنوات قليلة، سيوصل إسرائيل إلى حالة من اليأس والقناعة أن الثمن الذي تدفعه لاستمرارها أكبر بكثير من الثمن الذي يجب أن تدفعه لزوالها.

بل إن تكلفة زوال إسرائيل عربياً وفلسطينياً، أقل بكثير من تكلفة التسوية معها. حين التكلفة المادية والمعنوية تعزز من اللحمة القومية والوطنية في حال العمل من أجل إزالة إسرائيل . فيما التكلفة المادية والمعنوية التي ستدفع للتسوية معها ستكون إهداراً للكرامة والوطنية وانفصالاً مطلقاً  كما هو الآن  بين الشعب والسلطة/ وإضعافاً للسيادة الوطنية.

هل إزالة إسرائيل ممكنة؟ نعم وجداً إذا ما تقرر ذلك عربياً وفلسطينياً.

هذا مصير إسرائيل كما يجب أن يكون وهو ممكن التحقق، وهناك مصير آخر ممكن دون وجوب إزالتها، ولكنه ممكن بعيد. فيما زوال إسرائيل ممكن قريب.

وهو ممكن الدولة ثنائية القومية. فهذا رهن بتحولات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وسياسية طويلة الأمد عربياً وفلسطينياً. والتغيرات إذا ما حدثت ستكون بعد زمن لا أحد باستطاعته توقعه، لكنه طويل جداً. ونتائجه غير محددة أصلاً.

أما السؤال: هل يمكن أن تبقى إسرائيل؟ الجواب لا طبعاً. والمشكلة معها ليس في بقائها، بل في تقليل أمد بقائها أو تطويله.

إن إسرائيل التي هزمت ثلاث دول عربية عام 1967م، غير قادرة اليوم أن تهزم إرادة حزب الله.

المشكلة في اتخاذ قرار مواجهة في ظروف أفضل بما لا يقاس من الظروف التي أنشئت فيها هذه الدولة الغريبة.

ومعترض يقول: إن قيام دولتين في فلسطين، واحدة إسرائيلية وأخرى فلسطينية وتعايشهما إلى الأبد هو في طريقه إلى الحل، إلى الواقع. إنه لوهم ما بعده وهم، وهم أن ترضى إسرائيل  هذا الوقت وهي بهذه القوة والمنطقة بهذا الضعف  بأي حل يقوم على دولة فلسطينية في حدود عام 1967 أولاً، وفي إطار قانوني دولي، أي دولة ذات سيادة شأنها شأن دول المنطقة ثانياً، وعندي أن إسرائيل يجب  من زاوية رؤيتها السياسية أن تبقي على العصبية، وعصبية كهذه لا تستمر إلا بمناخ دائم من حالة عدوانية ومن قبلها بالذات.

ثم إن ذلك ليس حلاً واقعياً، بل سيفرض بالقوة، انطلاقاً من توازن القوة الراهنة، وهو توازن مؤقت في كل الأحوال.

إن إسرائيل في ورطة وجودية وليس في أزمة اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو أيديولوجية، وليس هناك من مخرج للورطة الوجودية إلا بالخروج منها والخروج منها يعني وجوداً من نمط آخر، والوجود من نمط أخر هو يهودي خارج فلسطين وخارج العصبية الأيديولوجية الصهيونية.

فيما العرب، في مأزق تاريخي، معلمه الركود الاجتماعي الذي يعني غياب قوى فاعلة الآن، والذي من شأن وجودها أن تنجز شكلاً ما من أشكال الدولة الأمة والتقدم وفق معيار الحرية الإنسانية. مأزق كهذا قد يطول لكنهم ليسوا في ورطة وجودية.

أسئلة العربي أسئلة وجود يتطلب صوراً تعيّن حريته: سلطة ديموقراطية، تقدم تقني، دولة أمة، نهوض ثقافي، تحرير فلسطين ..الخ لكن العربي لا يسأل نفسه: كيف أستمر موجوداً بالمعنى المادي للكلمة، إنه يبوح عن وجود فاعل في مقابل وجوده السلبي، فيما اليهودي الصهيوني في فلسطين لا يزال سؤاله: كيف السبيل إلى استمرار وجودي؟

وإحدى أهم المفارقات في الجواب على سؤال كهذا هو أن على العربي والفلسطيني أن يؤمن أهم شروط وجوده  أي اليهودي  إنها لأول مرة في تاريخ البشرية يطلب فيها المحتل من أعدائه أن يوفروا له الوجود وأسباب استمراره ووجوده الآمن.!

إن أية جماعة تعيش ورطة وجودية لا أمل لها في استمرار وجودها وفي الصورة التي هي عليها، فهذا أمر مستحيل تاريخياً ومنطقياً.

========================

مفاعل بوشهر.. رؤية أخرى

جيفري كمب ( مدير البرامج الإقليمية الاستراتيجية في مركز نيكسون في واشنطن)

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

4-9-2010

بدأت روسيا في شحن قضبان الوقود إلى منشأة بوشهر النووية التي ساعدت في بنائها، والواقعة على الساحل الشمالي الشرقي من الخليج. والمشروع له تاريخ طويل، حيث بدأ العمل في بنائه عام 1975 في عهد شاه إيران، بمباركة أميركية، ومشاركة مع شركة «كرافتويرك يونيون» وهي أحد فروع شركة «سيمنيز» الألمانية المعروفة.

وكانت الخطة الأصلية تهدف إلى بناء مفاعلين، ولكن اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 أدى إلى إيقاف العمل في المشروع. وخلال الحرب العراقية- الإيرانية التي استمرت من 1980 إلى 1988، تعرض المفاعل لأضرار جسيمة بسبب الغارات الجوية التي شنتها عليه الطائرات العراقية.

وعندما انتهت الحرب، اتخذ الملالي في طهران قراراً باستئناف العمل في المشروع، غير أن المشكلة التي واجهتهم حينئذ هي أن الشركات الألمانية لم تعد مهتمة بمواصلة التعاون معهم في بناء المشروع، وهو ما كان يرجع في جزء منه إلى الضغط الذي شنه الأميركيون عليها.

 ولم تجد إيران من سبيل أمامها في ذلك الوقت سوى اللجوء إلى الروس الذين كانوا متلهفين للحصول على عقود سخية لدعم اقتصادهم العليل، وتنشيط صناعة الطاقة النووية لديهم التي كانت قد وصلت إلى حد الإفلاس. ولكن نظراً لأن المفاعلات النووية التي كان سيتم بناؤها حسب التصميمات الروسية، كانت أكبر مما ينبغي مقارنة بالتصميمات الألمانية الأصلية، فإن الإيرانيين وجدوا أنفسهم مضطرين للبدء من جديد، وهو ما استغرق منهم 15 عاماً كاملة حتى يصبحوا قادرين على البدء في العملية التي ستسمح لذلك المفاعل بالوصول إلى المرحلة التي تجعله قادراً على توليد الكهرباء.

ومن ضمن الأسباب التي أدت إلى تأخر المفاعل تلك المفاوضات الشاقة التي دارت بين الروس والإيرانيين حوله. فلو كانت الدولتان قد عملتا مع بعضهما بعضاً بدرجة أكبر من القرب، والتعاون الوثيق، والحرص على المصلحة المشتركة، لما كان المشروع قد ابتلي بكل ذلك الكم من المشكلات، ولا ذلك القدر من الدعاية السيئة التي أحاطت به.

يشار إلى أن الأميركيين والأوروبيين قد طلبوا من الروس عندما يقومون بتوريد قضبان الوقود إلى مفاعل بوشهر، أن يعملوا بعد ذلك على إحكام الرقابة على تلك القضبان، لضمان إعادتها إليهم بمجرد استنفاد الغرض منها في المفاعل.

ومن المعروف أن قضبان الوقود المنضب تظل حتى بعد استخدامها منتجاً ذا درجة سُمّية عالية، بحيث يمكن -نظريّاً على الأقل- استخدامها مرة ثانية في استخراج البلوتونيوم المستخدم في إنتاج السلاح النووي.

ولكن مما يخفف من المخاوف المتعلقة بهذا الأمر أن هذه العملية شديدة التعقيد من الناحية التقنية، ولا يعتقد أن الإيرانيين يستطيعون القيام بها دون اكتشاف أمرهم، وخصوصاً أن المفاعل خاضع لأحكام معاهدة حظر الانتشار النووي، التي يتم بموجبها التفتيش عليه بشكل دوري من قبل المفتشين التابعين للهيئة الدولية للطاقة الذرية.

والحال أن المخاوف الأخرى المتعلقة بمفاعل بوشهر تتصل بدرجة الأمان. فلو حدث أي تسرب من المفاعل نتيجة لحادث، أو تخريب، أو نشاط زلزالي -وخصوصاً أن إيران من الدول المعرضة لمثل هذه الأنشطة- فإن الرياح والتيارات السائدة، ستحمل المواد المشعة إلى البلاد الواقعة إلى الجنوب من المفاعل مثل الكويت والسعودية والبحرين. وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة قد قررت عدم التدخل بشكل مؤثر، لفرض المزيد من تعطيل العمل في المشروع، مع الاستمرار في الوقت نفسه في استخدام الحجة التي يلخصها السؤال: إذا ما بدأ العمل في المشروع بالفعل.. فما هو السبب الذي يجعل إيران بحاجة عندئذ إلى برنامج تخصيب في المستقبل طالما أنها تحصل على وقودها من روسيا؟ والإجابة الإيرانية المتوقعة على هذا التساؤل الأميركي هي أن الإيرانيين لا يستطيعون الاعتماد بشكل كامل على روسيا، وأنهم يريدون -في كافة الأحوال- بناء العديد من مفاعلات الطاقة خلال العقد القادم بقدراتهم الذاتية.

وبمجرد بناء المفاعل وبدء العمل فيه فإن إمكانية قصفه ستصبح أمراً غير وارد، لأن الإشعاع الناتج عن ذلك، يمكن أن يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق في مختلف أنحاء المنطقة.

 ومعنى ذلك أن الانتباه سيكون مركزاً على منشأة التخصيب القائمة في «ناتنز « وغيرها من المنشآت التي يضطلع الإيرانيون بتطويرها ذاتيّاً.

والراهن أن مفاعل بوشهر هو أول مفاعل من مجموعة من المفاعلات الجديدة التي سيتم بناؤها في الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة، وخصوصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، ومصر، وتركيا، ومن الممكن أن تكون سوريا أيضاً من ضمن القائمة. والحجة التي تستند إليها جميع تلك الدول في بناء المفاعلات هي أنها بحاجة إلى المزيد من الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وأن بناء المفاعلات النووية هو الطريق المؤكد والمجرب للحصول على تلك الطاقة، وهي حجة تكتسب مصداقية متزايدة وخصوصاً أنها تقوم على نفس النهج الخاص بتنويع مصادر الطاقة المتبع في أميركا الشمالية، وأوروبا، وروسيا، وآسيا.

ولهذا السبب تحديداً يصبح من المهم للغاية أن يتم العمل على ضمان إخضاع جميع مفاعلات الطاقة في الشرق الأوسط لتفتيشات الهيئة الدولية للطاقة الذرية، والعمل على اتباع الخطوط الإرشادية التي حددتها دولة الإمارات العربية المتحدة أثناء تفاوضها على الشروط الخاصة ببناء مفاعلها النووي الأول.

والشيء النموذجي، هو التزام كافة الدول الجديدة المنخرطة في مجال إنتاج الطاقة النووية، بالامتناع عن تطوير قدراتها التخصيبية بشكل مستقل، لتجنب ذلك النوع من الأزمات التي ثارت بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وفي المدى الطويل، قد يكون إنشاء «كونسورتيوم» دولي خاضع لإشراف الهيئة الدولية للطاقة الذرية، ويعمل في مجال إنتاج الوقود النووي، هو الحل الأقل إثارة للخلاف.

========================

مسجد نيويورك .. والحقد الدفين ضد المسلمين!

عبدالله محمد القاق

 الدستور

4-9-2010

مرة جديدة تطفو قضية بناء المساجد او المآذن في الولايات المتحدة الاميركية او اوروبا ، بحجة ان ذلك ينافي الأوضاع الراهنة في هذه الدول "المتمدنة" ويسهم في مناوئة الأديان الاخرى ، بل يؤدي الى تظاهرات حاشدة يُشارك فيها نواب ومسؤولون اجانب ضد هذه الاعمال الانسانية والدينية والتي من شانها تقريب الحضارات والوصول الى فهم مشترك والخلاص من الحالة المرضية الخطيرة التي تسيء للاسلام والمسلمين ، واحترام التعددية من أجل ادراك وفهم الآخر لهدفين: الاول: ان نرى أنفسنا وعالمنا وجهة نظر الآخر والتعرف على حساسيته وجمالياته وما يمكن نقده او التغاضي عنه والتخلص من كل العوامل السلبية الموروثة ، لأن الآداب يمكن ان تكون الساحة الرئيسية لحل الأزمات المتصاعدة التي تواجه انسان اليوم لا سيما وأن الأدباء والمفكرين يحملون رسالة التحاور على كل المستويات ، وهم القادرون على معالجة التصورات الخاطئة والمشوهة التي يثيرها البعض جراء بناء دور العبادة او المآذن وانهاء لأزمة بين الانسان والآخر.. او بين الانسان والعالم ، لأن الآدب والمحاورة والتفاهم ، يجعلنا ندرك التحديات التي تواجهنا وتنشر الوئام والتفاهم وتبديد سوء الفهم والنزاعات والاقرار بالتنوع الثقافي والحضاري بين الشعوب والتي أسهمت عدة مراكز ثقافية عربية كمؤسسة الاستاذ عبدالعزيز البابطين للابداع الشعري ، ومنتدى أصيلة الثقافي ومؤسسة الفكر العربي والتي لعبت دوراً كبيراً في انجاز أعمال كبرى في التقارب بين الشعوب حيث اعدت مؤسسة البابطين حواراً ناجحاً في باريس منذ فترة شارك فيه الرئيس الايراني الأسبق السيد محمد خاتمي ، وعدد من علماء المسلمين والأجانب واستطاعت هذه المؤسسة أن تنجز أعمالاً عجزت عنها مؤسسات ومنظمات عدة من أجل تجسيد هذا الحوار ، باعتبار أن البيان والمنطق يشكلان نموذجاً يحتذى كما قال الاستاذ عبدالعزيز البابطين في هذه الندوة الكبرى لتحقيق التحاور ، باعتبار أن العقل والعاطفة يلتقيان في بناء صرح العلم والمعرفة والادب الشامخ القادر على أن يضفي لوناً انسانياً على العالم المليء بالمظاهر المفرقة والشاذة ويشذبها ويجملها.

 

كل هذا يقودنا الى الحملات والاصوات النشاز المعارضة لبناء المساجد في المدن والقرى الاميركية ، حيث يتظاهر مئات الآلاف في نيويورك خلال اسبوع واحد ضد مشروع ثقافي اسلامي اطلق عليه "غراوند زيرو" بحيث يضم مسجداً بالقرب من موقع برجي التجارة ، فضلا عما تعرض له مؤخراً مسلمو اميركا لبناء مساجد في منهاتن السفلى ، وبروكلين وتنسي وغيرها بحجة ان هذه المساجد "قد تكون مكاناً للاسلام المتشدد" وهو ما يُروجه الصهاينة عبر منظمة إيباك.. والمحافظون الجدد في الولايات المتحدة الذين يناهضون الاسلام والمسلمين انطلاقاً من دعوات الرئيس الاميركي بوش الرافض للتحاور الاسلامي - المسيحي والمتعصب لقضايا الاسلام والمسلمين.

 

فهذا المركز الاسلامي الذي تبلغ كلفته (100) مليون دولار سيضم مسجداً ومركزاً ثقافياً ومسبحاً ومعرض فنون ، خاصة وأن هذه التظاهرات التي قادتها المرشحة الجمهورية السابقة سارة بالين لنائب الرئيس الاميركي دعت الى وقف بناء هذا المركز ووضع حد لبناء المساجد في الولايات المتحدة ، داعية الى وضع نهاية لبناء هذه المراكز فضلاً عن كتابة مقال لها على موقع "توتير" تقول منه: "إن تشييد مسجد بالقرب من موقع برج التجارة العالمي السابق أمر يجرح القلوب ، وانه يمثل استفزازاً لا مبرر له ، لان بناء المساجد في رأيها الساذج وغير المنطقي يرتبط بالعنف والارهاب وهذا ما دأب علماء المسلمين على رفضه وعدم الخوض به ، لانه خطوة جادة في بناء الحضارات في ضوء التكتلات الاقتصادية الدولية المؤثرة في مسارات التنمية في كل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

والواقع أن هذه الأعمال المناوئة لبناء المساجد في اميركا واوروبا يؤكد بصورة جلية وواضحة أن مستقبل المسلمين في اوروبا واميركا وظاهرة الخوف من الاسلام او "الاسلام فوبيا" يدعو الى ترتيب البيت الاسلامي ، وذلك بأن يسود مناخ الهدوء والرصانة داخل المجموعة المسلمة في اوروبا ، وهو ما تبذله الهيئات والمنظمات الاسلامية لتجسيد هذا التعاون المنشود بين المسلمين والحضارات الاخرى لبناء عالم يسوده المحبة والوئام بعيداً عن الخلاف والاختلاف.

فهؤلاء المناهضون لبناء المساجد في اميركا او اوروبا ، يشعرون بحرية تامة في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم داخل مجتمعاتهم السكانية بينما المسلمون يحاربون لكونهم في نظر "الغرب متطرفين" فضلاً عن أن عبارات المسلمين تسهم في "اعاقة المصلمين للحركة المرورية" وهذه المعارضة الاميركية ضد بناء المساجد لن تجلب كما قال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي لهذه الدول سوى الانتقادات والتأكيد على انها تكره الاسلام والمسلمين،،.

وهذه الحملة الشعواء ضد المسلمين وبناء المساجد لم تكن قاصرة على الولايات المتحدة او الدنمارك بل انه في عام (2000) تظاهر في لندن ما يسمى ب "رابطة الدفاع الانجليزي" وهي منظمة يمينية متطرفى ضد بناء مسجد في مدينة (دولي) البريطانية حيث حطموا الاسلاك الشائكة ، ورفضوا بناء هذا المسجد ، كما وان هذه الحملة امتدت الى اسبانيا ، حيث دعا عمدة مدينة (ليدا) الاسبانية مؤخراً المسلمين الى الصلاة في منازلهم ، بعد اغلاقه المسجد الوحيد في المديمة باعتبار انه "مكتظ بالمصلين اكثر من اللازم".

واذا كانت هذه الاعمال العدائية لبناء المساجد وللمسلمين ايضا في اوروبا فانها تأتي تجسيداً للعولمة التي تسعى جاهدة في نظر ومفكريها - للسيطرة على العالم وفرض أنماط حياتها على الشعوب ، وقد وُجد ذلك فعلاً في آراء المفكرين والفلاسفة الغربيين في العصر الحديث من وضع الاسس الرئيسية التشجيعية للتوسع كما فعل بوش الاب وبوش الابن ، وريغان بتوسيع الحضارة الاميركية لفرض هيمنتها عن طريق العولمة والتي هي منسجمة مع تطلعات الحضارة الغربية بصفة عامة ومع تطلعات وآمال اميركا بصفة خاصة،،.

فالمطلوب موقف عربي واسلامي موحد حيال ما يجري للمسلمين في اميركا واوروبا بحيث يكون هذا الموقف تكاملياً ومنهجياً واعياً لرفض هذه الاعمال العدوانية ضد المسلمين في اميركا او اوروبا ورفض كل المسيئات لدينا ، والاستمرار في تقديم الافكار والطروحات والرؤى السالامية التي تؤكد حرصها على التفاهم والتسامح والوسطية والتي تسهم في انقاذ البشرية من العولمة المادية من خلال نموذج يلفت الانظار وجدير بالتطبيق والتنفيذ لتحقيق مصلحة الانسان وربطه بخالق الكون أمام هذه المشاهد والمعطيات المفجعة تجاه الاسلام والمسلمين فهل تقود منظمة الدول الاسلامي هذا المقوف،؟ لعل وعسى،،.

========================

هل استيقظ الأسد النائم ؟

محمد اشتيوي

2010-09-03

القدس العربي

قامت السلطة الفلسطينية على مدى ثلاثة اعوام بعملية امنية وحرب ضروس ضد المقاومة الفلسطينية في الضفة، وقد شهد لها العدو قبل الصديق، ولا يخفى على ابناء فلسطين ان الحملة الامنية المتواصلة قد اثبتت تطورا ملحوظا في كفاءة أجهزة امن السلطة في حربها الضروس ضد المقاومة الفلسطينية في الضفة بفضل الدعم المالي والتدريب والتنسيق الامريكي الاسرائيلي والاقليمي، تضررت خلالها البنية التحتية للمقاومة بشكل مؤلم، لكن في المقابل يبدو ان النواة الصلبة للخلايا النائمة لحركة حماس استطاعت الافلات من تلك الحملة، وحافظت على قوة معقولة للمبادرة، واضيف هنا شيئا يبدو أنه حقيقة الواقع: ان القوة الحقيقية لحركة حماس في الضفة الغربية لم تتأثر الا سطحيا وان كنا شهدنا تسليم كميات كبيرة من السلاح والأموال الطائلة تحت التعذيب.

لقد قلتها لأحد قادة الأجهزة الأمنية في مثل هذه الأيام من رمضان من العام الماضي، قلت له: تعلم اننا نقول بالعامية لمن يشارف على الجنون " بكرة هذا الشخص بنجن وبصير يلم ورق وحديد من الشوارع" قلت له ان ما قمتم به بحق المقاومة في الضفة انما هو جمع للحديد والورق، وما قمتم به هو في الحقيقة عمل مجنون وهو بالتاكيد لا أخلاقي سيحاسبكم عليه الله وسيحاسبكم عليه التاريخ وستذكرون في التاريخ بما لا تحبون، لقد جمعتم الحديد والورق، أقصد " السلاح والمال" من ابناء المقاومة لكنكم لم تجمعوا روح المقاومة وحب الاستشهاد لم تجمعوا قلوبا يمكن ان تحبكم، بل زرعتم الألم والخوف والكراهية والموت وقطعتم ارزاق الناس وعليه لن تحصدوا سوى الندم، انني والله ارى زوالكم بوعد رباني كما زال فرعون وكما ستزول من بعدكم اسرائيل.

ان ما قمتم به لا يختلف عما قام به فرعون ليحافظ على ملكه فقتل وعذب وروع الناس بحثا عن المولود الجديد من بني اسرائيل الذي سيقضي على ملكه، فكنتم تحسبون كل صيحة عليكم، وخرج المولود من قلب الضفة ليقضي على كبرياء اجهزة امن السلطة التي كانت تحاول اثبات الكفاءة العالية للراعي الامريكي ولي النعمة وللسلطان الاسرائيلي سيدهم ومانحهم سلطة التربع على عرش جماجم الناس وآلالمهم.

وهنا يجب التوضيح ان الحديث عن حرب على حركة حماس لوحدها كردة فعل على الحسم في غزة، لا يخدع اي مواطن فلسطيني، ان الحرب هي في حقيقتها على روح المقاومة للشعب الفسطيني لأنها تشكل النقيض الفعلي لمشروعهم التفريطي، لقد كان سلاح ومال حركة الجهاد الاسلامي في الضفة هدفا لأجهزة أمن السلطة، وكان سلاح كتائب شهداء الاقصى هدفا كذلك من خلال شراء الذمم، والتفريغات في الاجهزة وما لحق ذلك من تسميات العفو الامني بدرجات متفاوتة، كما ان بقية فصائل المقاومة الاخرى كانت هدفا لذلك ولكن بدرجات متفاوته، يفرضها الواقع الميداني على الارض حيث تعتبر حماس القوة الاولى في الضفة في جميع المجالات وهي حاملة لواء المقاومة وصاحبة أكبر أعمال نوعية مقاومة في فلسطين.

وهنا أستطيع أن اتحدث عن أمر مهم وهو أن السلطة الفلسطينية عملت من حيث لا تعلم على اعداد ابناء المقاومة وتربيتهم، فبعد فوز حماس في الانتخابات ظهرت مشكلة حقيقية في نفوس الناس وتراجعت الى درجة خطيرة روح المقاومة وحب الاستشهاد بفعل استلام حماس للسطلة وتشكيلها للحكومة وأصبح التنافس بين الناس من يحصل على وظيفة ومن يحصل على مدير وما الى ذلك، وذلك أثر في النفوس كثيرا، لكن ما جرى من حرب على ابناء حماس تحديدا شكل خدمة عظيمة للحركة، فعجبا لامر المؤمن فكله خير، كنت أشعر ونحن نكتوي بنار السطلة في اقبية التحقيق أن ما يقومون به هو كمن يضع الحديد الذي تأثر بالصدأ في النار فتتساقط حبات الصدأ أرضنا ويبقى المعدن الأصيل للناس، رغم ان البعض القليل احتفظ بالصدأ على جسده وسقط على جانب الطريق، فكانت الخدمة للحركة ان تميز الخبيث من الطيب، وزاد الطيب تأصلا بالطيبة، ان السلطة سيفلت منها قريبا زمام المباردة عندما يتوالى الفشل الأمني ويبدأ الناس يكسرون حاجز الخوف، وسوف يضيق السيد بالعبد، لقد سمعت من احد الأخوة عبارات تعبر عن واقع الناس في الضفة قالها لي: انني والله أشعر اليوم بأسعد لحظات عمري وانا أرى أنف أجهزة امن السلطة يتمرغ بالتراب ويثبت فشلها الذريع في حربها على المقاومة، وأقبل تلك الأيدي الطاهرة التي زرعت في اتباع السلطة الرعب من جديد، قبل أن تزرعه في الاحتلال وثأرت لآلامنا منهم ومن اسيادهم.

والان والناس يحتفلون في رمضان بالتاكيد يوجد اخوة لنا تحت سياط الجلادين في اقبية التحقيق وفي رمضان الماضي اذكر ما لاقاه ابناء حماس من تعذيب في سجونهم لقد كان الرجل صائما ويشبح وتسمع استغاثته وانينه، ولو اردت ان تتحدث عن جرائم ضد الانسانية في العصر الحديث لصنفت تعذيب ابناء المقاومة في سجون السلطة واحدة من أهم تلك الجرائم، انظرايها القاريء الى عدد من استشهد في سجونهم في اقبية التحقيق في فترة زمنية محددة ستجد اعلى رقم من الشهداء على المستوى العالمي في العصر الحديث انها حرب الاخوة ضد اخوانهم لكنها تفتقر الى الاخلاق وتفتقر الى الرجولة والانسانية، وهنا أقدم مجموعة من الاستنتاجات لما جرى:

* ان عمليتي الخليل ورام الله من حيث الزمان والمكان تشكلان أكبر نجاح أمني لحركة حماس في الضفة الغربية، وبالتالي أكبر فشل أمني لأجهزة امن السلطة، التي قالت: ان العمليتين وقعتا خارج نطاق سيطرتها الأمنية في محاولة للافلات من الفشل الامني الذريع، لكنهم كعادتهم يكذبون على انفسهم فهم يعلمون ان جميع مدن وقرى ومخيمات الضفة مستباحة لاجهزتهم وقد وصلوا في حملتهم الامنية الى كل بيت من بيوت أبناء حماس وبقية فصائل المقاومة في الضفة الغربية.

* ان عمليتي الخليل ورام الله تشكلان ردة اعتبار للمقاومة ورفع للروح المعنوية للناس المستضعفين في أرض الضفة وصفعة قوية للاجهزة الامنية كافة، وبالتاكيد عمل امني خطير على أجهزة أمن السلطة لا يقل خطورة عن ما تعرضت له المقاومة في الاهمية من قبل اجهزة السلطة على مدى السنوات الثلاث.

*بعد أن عملوا على تغيير اولويات الناس، وغرسوا صورة ذهنية اخرى عن المقاومة، تقول المقاومة اليوم ان الأولوية في الجهاد لتحرير البلاد.

* ان المقاومة الفلسطينية في الضفة ستستعيد عافيتها باذن الله، ولقد سبق ان تلقت حركة حماس ضربات شبيهه في السابق في غزة لكنها اليوم هناك بقوة يحسب لها الف حساب، وما جرى من حرب ضدنا في الضفة انما هي لتميز الخبيث من الطيب.

* ان المفاوضات العبثية تلفظ انفاسها الأخيرة وقد اعطيت ابرة مقويات في البيت الابيض اخيرا، لكن ماذا نقول عمن شاخ واصبح عقيما فمع أول جولة من استحقاقاتها ستنهار انهيارا مروعا هذه المرة وسيكون ملاذ نتانياهو الاخير باشعال حرب اخرى في المنطقة ربما تكون بداية تأسيس لمشروع نهاية الكيان الى الابد.

* ان ما جرى دليل على روح المبادرة للمجاهدين فهؤلاء الذين يمتلكون ارادة الجهاد من ابناء فلسطين سيجدون السلاح والمال الذي يحتاجون، ولو من مالهم الخاص ولو باعوا ارضهم.

* ان التخطيط للعمليتين احرج سلام فياض وشكل له صفعه قوية بعد أن دان العملية الاولى وأكد على العمل لمنع تكرار ما جرى، لكنها تكررت قرب مقر اقامته في رام الله البطلة الصابرة التي تئن تحت سياط الجلادين.

* ان الكلام عن توقيت العملية وكأنه يستهدف بدء المفاوضات في واشنطن وان ذلفك عمل غير اخلاقي مردود على المتحدث منهم، لأنه بكل بساطة متى كانت مفاوضاتكم اخلاقية اصلا وهي تتنازل عن أكثر من ثمانين بالمائة من الارض الفلسطينية، مع ذلك نقول اذا كان التوقيت يستهدف المفاوضات فانه خير لانه بالتاكيد يستهدف من يريد الشر لفلسطين.

* ما استطيع ان أفهمه لواقع المقاومة في الضفة عبر التاريخ الفلسطيني ان جذوتها تبقى مشتعلة ولن تخمد ابدا فالقضاء عليها وهم لانها فكرة ومبدأ متجذران في وجدان الناس هناك، ودائما في ظل التضييق على الناس ياتي الفرج من حيث لا نعلم... وهي في حماية ربانية فالجهاد ماض لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والان نحن بانتظار النهاية والسقوط المروع لكل المشاريع التي تستهدف القضية الفلسطينية من خلال استهداف روح المقاومة لهذا الشعب، نحن لسنا متعطشين للدماء، لكن دماء الاحتلال واعوانه ليس اغلى من دمائنا، ولتبكي كل عيون البشر قبل ان تبكي عيون امهاتنا.

* أخيرا أذكر كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يتسلم مفاتيح القدس من صفرونيوس وهو يبكي لحظة الاستسلام وقد قال له: لا تبك يا صفرونيوس فالدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك"، وأقول الان لمن فرح وتبجح وتفيهق بالقضاء على المقاومة وتفاخر بالارقام من حيث المال والسلاح الذي جمعه، عليك اليوم ان تشعر بالصدمه، لان في الضفة اسود كانت نائمة وبدأت تستيقظ، وعليك ان تحزن وقد سيئت الوجوه وعليك ان تشعر بالعار... اما انتم ابناء الضفة ففجر الخلاص قريب بعون الله لان وعد الله لكم بالاستخلاف والتمكين وتبديل خوفكم امنا واقع لا محالة.

مدير فضائية الأقصى في الضفة المحتلة

========================

العمليتان في الضفة تبشران باستراتيجية جديدة للفلسطينيين: صراع مركز ضد المستوطنين بدل الهجوم على الجبهة الداخلية الاسرائيلية

(5) دقائق من واشنطن

هآرتس 3/9/2010

2010-09-03

القدس العربي

المستوطنات في الضفة الغربية عادت هذا الاسبوع وبقوة الى رأس جدول الاعمال العام، الامني والسياسي. بدأ هذا بمقاطعة الممثلين اليساريين للقصر الثقافي الجديد في ارئيل، والتي اعادت الخط الاخضر الى الجدال السياسي؛ وتواصلت في عمليات اطلاق النار الموجهة ضد المستوطنين واعادت الارهاب الى الوعي الاسرائيلي؛ وبلغت حتى قمة واشنطن التي انعقدت في ظل تاريخ نفاد تجميد البناء، في عيد العرش، واطلقت المحادثات المباشرة التي يفترض أن تحسم مصير الاستيطان الاسرائيلي في المناطق.

بنيامين نتنياهو سافر الى واشنطن في توقع لتخفيف حدة الانشغال العملي بالمستوطنات وابراز رسائل السلام، المصالحة والحل الوسط بدلا منها. وقد أمل في أن يجري النقاش في تجميد البناء، والذي يعرضه الفلسطينيون كشرط للمحادثات، في الغرف المغلقة وليس في المناكفات امام الكاميرات. وقد سعى الى الحفاظ على التراص الداخلي والامتناع عن الخلاف العلني مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. خلاف كهذا، كان سيعرض قمة واشنطن كفشل ويحرج المضيف، الرئيس باراك اوباما.

مقاطعة الممثلين خدمت نتنياهو، الذي ندد بها في بداية جلسة الحكومة يوم الاحد وهدد بسحب الميزانيات من المسارح التي ترفض العرض في ارئيل. رئيس الوزراء اراد الدخول في نزاع مع اليسار كي يثبت مكانه في الوسط والا يبدو فقط كعدو للمستوطنين، جمد البناء والان يسافر الى 'حسين' اوباما كي ينبطح امامه ويتنازل عن بلاد اسرائيل الكاملة. في قراره شجب المقاطعة وابرازها اعلاميا، سعى نتنياهو الى أن يري بانه ليس متنازلا لا يكل ولا يمل، نوعا من يوسي بيلين الجديد، بل مفاوضاً عنيداً سيصر على الحفاظ على 'الكتل الاستيطانية' كجزء لا يتجزأ من اسرائيل.

نتنياهو اقلع يوم الثلاثاء صباحا، وفي حديث مع المراسلين في الطائرة حاول الاقناع بانه جدي ويمكنه أن يحقق اتفاقا مع الفلسطينيين. وانه جاء الى واشنطن لعقد الصفقات مع عباس وليس لمسابقة جدال ضده، وانه يجدر ترك المستوطنات والبؤر الاستيطانية الان والبحث في مصيرها كجزء من التسوية الدائمة وليس كشرط للمفاوضات.

وعندها، وبينما كان لا يزال في الطائرة، وقعت العملية في كريات أربع والتي قتل فيها اربعة اسرائيليين  فتغير جدول الاعمال فورا. فقد تبين مرة اخرى ان عملية ارهابية مركزة ومتزامنة يمكنها أن تشوش الخطط الجميلة للزعماء وان تحطم مبادرات دبلوماسية متزامنة بعدة طلقات من بندقية.

العملية وضعت حدا لفترة الهدوء، التي تمتعت بها اسرائيل منذ انتهاء حملة 'رصاص مصبوب' في غزة، وبينت ان الارهاب الفلسطيني لم ينتهِ ولم يباد، بل فقط خرج في مهلة، وان حماس يمكنها أن تخرق السور الواقي للجيش الاسرائيلي، المخابرات واجهزة امن السلطة الفلسطينية في الضفة. اوباما، الذي حتى الان تمتع بدبلوماسية عديمة العنف، علق في ذات الضائقة التي اثقلت على مسيرات السلام في عهود اسلافه. وبدا واضحا حرجه في الشجب السريع للعملية، والذي تحدد لساعة بث نشرات الاخبار في اسرائيل.

التحدي الذي يقف امامه اكثر تعقيبا من التحدي الذي وقف امامه بيل كلينتون وجورج بوش اللذان كانا حبيبَي الاسرائيليين. الجمهور الاسرائيلي يرى في اوباما رئيسا يتزلف للعرب. ويتعين عليه الان أن يقنع بان امريكا بقيادته يمكنها أن تزود اسرائيل بالأمن والا تتركها لمصيرها امام الارهابيين من حماس.

الارهاب ضرب مرة اخرى مساء يوم الاربعاء، في مفترق ريمونيم. العملية المزدوجة ذكرت بسفريات ارئيل شارون الى خارج البلاد في عهد الانتفاضة الثانية، والتي تعرقلت غير مرة وقطعت بسبب كثرة العمليات في الداخل. نتنياهو علق في مشكلة. في خطابه في البيت الابيض، قبل وليمة الافطار التي عقدها اوباما على شرف ضيوفه من الشرق الاوسط، اعلن نتنياهو: 'لن اسمح للارهابيين بسد طريقنا للسلام'.

يا لها من مفارقة تاريخية: نتنياهو تحدث مثل اسحق رابين الذي اراد ان يواصل المسيرة السلمية وكأنه لا يوجد ارهاب وان يقاتل الارهاب وكأنه لا توجد مسيرة سلمية. يمكن فقط أن نتخيل كيف كان نتنياهو، كرئيس للمعارضة، يمزق إربا كل رئيس وزراء آخر كان سيعلن من البيت الابيض عن نيته مواصلة المحادثات السياسية رغم العمليات.

نتنياهو حاول استغلال العمليتين لاقناع محادثيه في واشنطن بان يدعوا الان جانبا تجميد الاستيطان وانه يوجد مبرر للترتيبات الامنية المتشددة التي يطلب فرضها على الدولة الفلسطينية في المستقبل. ولكن المشكلة الصعبة الفورية لنتنياهو توجد في الميدان وليس في أروقة الدبلوماسية. قيادة المستوطنين استخدمت العمليتين كمبرر 'لاستئناف البناء' في اعمال رمزية سارع نتنياهو الى شجبها وكان هناك مستوطنون ردوا بعمليات 'شارة ثمن' مثل احراق حقل فلسطيني.

العمليتان في الضفة تبشران باستراتيجية جديدة للفلسطينيين: صراع مركز ضد المستوطنين، بدل الهجوم على الجبهة الداخلية الاسرائيلية مثلما في جولات العنف السابقة. اذا ما واظبوا على ذلك فسيضعون اسرائيل في مشكلة. 'العالم' سيرفض دعم خطوات رد اسرائيلية توجه ضد حماس في غزة  مثل استئناف التصفيات من الجو وتشديد الحصار الاقتصادي  بدعوى انها تستهدف تخليد المستوطنات الكريهة. اما نتنياهو فسيحصل على اسناد لحربه ضد الارهاب، فقط اذا ما لان في المفاوضات السياسية. وبالتدريج سينشأ في اسرائيل ايضا جدال داخلي حول مبرر وجود المستوطنات، مثلما في الايام التي سبقت الخروج من غزة. هذا بالضبط هو الوضع الذي درج شارون على تسميته ب 'الحشر'، مسار العجول في طريقها الى الذبح.

مصير المستوطنات يقف في قلب المسيرة السياسية التي يدفعها نتنياهو الى الامام. كل المسائل الاخرى، مع كل اهميتها الرمزية، ثانوية: فالمفاوضات ترمي الى ترسيم الحدود بين اسرائيل والفلسطينيين، والحدود تتأثر قبل كل شيء بانتشار المستوطنات في الضفة. نتنياهو يفهم ذلك ويتمزق بين المطالب اللازمة بين كل تسوية ممكنة وبين التخوف من أن اخلاء مئة الف مستوطن خلف جدار الفصل اكبر من قدرة الدولة.

لنتنياهو يوجد حل. فهو يقترح على اوباما ان يكون بوسع المستوطنين البقاء في الدولة الفلسطينية. وحسب نهجه، فان نماذج الماضي  الاخلاء التام للمستوطنات وتدميرها  لم تجلب الامن والحقت ظلما وألما بالمستوطنين. يجب التفكير باختراع آخر. جواب اوباما ليس معروفا ولكن من الصعب الافتراض بانه تحمس للفكرة وانه سيحاول الان تسويقها للفلسطينيين.

قبل أن يسافر الى واشنطن، وقف نتنياهو امام اعضاء الليكود وقال لهم انه يأمل ان يكون عباس 'شريكا شجاعا مثلما كان السادات شريكا لبيغن'. هذا قول بعيد الاثر. أنور السادات كان بالفعل سياسيا عظيما، ولكن زيارته التي شقت الطريق الى القدس لم تأت لاحتساء القهوة مع مناحيم بيغن. مقابل شجاعته حصل السادات من بيغن على كل سيناء، حتى آخر ذرة رمال. هل هذا ما يقصده نتنياهو؟ ولعله يقصد الصفقة الجانبية التي انطوى عليها السلام مع مصر  وسمح لبيغن ببناء عشرات المستوطنات في الضفة وقصف المفاعل العراقي، في الوقت الذي انتظر فيه المصريون بصبر استعادة اراضيهم؟ وفي التطابق مع الوضع الحالي، يمكن لهذا ان يظهر كانسحاب من ظهر الجبل في الضفة، مقابل ميناء مكثف في الكتل الاستيطانية ومهاجمة ايران، في الوقت الذي ينتظر فيه العالم بتوق شديد اقامة فلسطين.

الاستعارة لا تنتهي هنا. الصفقة التي يعرضها نتنياهو على الفلسطينيين يجملها في صيغة 'السيادة مقابل الأمن'. الفكرة ليست جديدة. فقد سبقت حتى زيارة السادات الى القدس. وقبعت في اساس اقتراح السلام الذي نقله السادات الى غولدا مائير بواسطة هنري كيسنجر عشية حرب يوم الغفران، واصطدم برفض اسرائيل (حسب 'سجل خدمة' لرابين عرضت الصيغة في حينه بترتيب معاكس  'الامن مقابل السيادة).

بيغن صارع حتى اللحظة الاخيرة في سبيل بقاء المستوطنات في سيناء، ولم ينكسر الا في قمة كامب ديفيد. فهل يقترح نتنياهو ابقاء المستوطنين في اماكنهم كموقف افتتاحي للمفاوضات ويأمل المتاجرة بإخلاء المستوطنات مقابل الترتيبات الامنية المتشددة التي يطلبها من الفلسطينيين؟ هكذا سيحاول بالتأكيد تنويم احتجاج المستوطنين حتى اللحظة الاخيرة، والحفاظ على تماسك ائتلافه.

ولكن المشاكل السياسية الداخلية لرئيس الوزراء لا تزال بعيدة. التخوف الاكبر وبالتأكيد مصدر القلق لنتنياهو، هو الحرب الاهلية التي ستنشأ في الضفة بين المستوطنين والفلسطينيين، فيما يكون الجيش الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية عالقين بينهما ويجدان صعوبة في فرض الهدوء. المستوطنون سيطالبون بوقف المسيرة السياسية، الامريكيون سيطالبون بمواصلتها بينما يتذبذب نتنياهو بينهما فيما تتبدد صلاحيته أكثر فأكثر.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ