ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 18/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

انزعاج إسرائيلي من النجاح التركي في البوسنة

المستقبل - الخميس 16 أيلول 2010

العدد 3772 - رأي و فكر - صفحة 20

محمد م. الارناؤوط

بعد الزيارة الناجحة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إلى صربيا في الشهر الماضي، التي جمع فيها الاقتصاد والسياسة والثقافة بعد أن شملت زيارته اقليم السنجق الذي تسكنه أغلبية بشناقية، جاءت الزيارة الناجحة لرئيس الجمهورية التركي عبد الله غول إلى البوسنة في مطلع أيلول الحالي لتؤشر إلى مدى الاختراق التركي للبلقان الذي يشبهه البعض ب "الفتح العثماني الجديد للبلقان ".

وكما ان الفتح العثماني الأول للبوسنة في القرن الخامس عشر وجد من يقاومه ومن يعارضه فان "الفتح العثماني الجديد" للبوسنة يجد الآن من يؤيده ومن يعارضه. وفي الحقيقة ان النقاش حول ذلك يمتد من تركيا إلى البوسنة وحتى إسرائيل.

ففي تركيا هناك من المحللين من يرى ان تركيا الاردوغانية تسعى لكي تكون "الدولة الأم" للمسلمين أو للبشناق في البوسنة انطلاقا من خصوصية البوسنة و الخطورة التي تمثلها في ظل اختلال موازين القوى بين المكونات الاثنية الثلاثة هناك. فصرب البوسنة يتصرفون بقوة لكونهم يتمتعون بوجود "الدولة الأم" (صربيا) في الجوار، وكذلك الكروات بوجود "الدولة الأم" (كرواتيا) في الجوار، بينما كان المسلمون يشعرون بفقدان "الدولة الأم".

وكما هو الأمر في تركيا، حيث يختلف الأمر بين الموالاة والمعارضة في النظرة إلى جدوى هذه السياسة بالنسبة إلى تركيا، فان النقاش في البوسنة حول ذلك يختلف من طرف إلى آخر. ففيما يتعلق بالمسلمين أو البشناق أنفسهم يختلف الأمر بين من يميل إلى الدور المتزايد لتركيا باعتبارها "الدولة الأم" لهم وبين من يسرّ لتدفق المساعدات التركية إلى البوسنة التي توحي للمسلمين هناك انهم ليسوا منسيين.

ولكن النظرة إلى هذا الأمر تختلف تماما لدى صرب البوسنة (33% من السكان قبل الحرب) الذين أعطتهم اتفاقية دايتون 49% من أراضي الدولة ليقيموا عليها "جمهورية الصرب"، كما أعطتهم صلاحيات كبيرة على مستوى السياسة الخارجية للدولة. ومع أن تركيا قامت باختراق كبير في البلقان مع تحسين علاقاتها مع "الدولة الأم" (صربيا) خلال 2009-2010 إلا أن هذا لم يؤثر في انزعاج قيادة صرب البوسنة من الدور المتزايد لتركيا في البلقان بشكل عام وفي البوسنة بشكل خاص. وفي هذا السياق لم يتوان رئيس "جمهورية الصرب" رايكو كوزمانوفيتش عن القول " لسنا سعداء لكوننا نرى تعاظم الدور التركي في البلقان"، كما أن رئيس الحكومة في "جمهورية الصرب" ميلوراد دوديك قد ذهب إلى أكثر من ذلك حين صرح خلال زيارته إلى إسرائيل مؤخرا بالقول " ان إسرائيل منزعجة من الدور التركي في البوسنة".

ويمكن فهم ذلك بالتباين بين القيادة الجديدة في صربيا ذات التوجه الأوروبي منذ 2008 التي يمثلها بوريس تاديتش والتي تريد لصربيا أن تنضم في أسرع وقت إلى الاتحاد الأوروبي وبين قيادة صرب البوسنة (ميلوراد دوديك) التي تمثل الخط القومي الصربي الذي لا يزال يعيش في الماضي. ومن هنا فان كل سياسة دوديك تنصب منذ سنوات على إفشال اندماج البوسنة على مستوى الداخل و على إفشال اندماج البوسنة كما هي كجمهورية فدرالية في الاتحاد الأوروبي. فدوديك يعمل كل ما في وسعه لإفشال العيش المشترك وصولا إلى استسلام الأوروبيين أمام "قدر البوسنة" كما يراه، الذي يتمثل في انقسامها واستقلال "جمهورية الصرب".

أما عن اختيار دوديك القدس الغربية للتصريح بما قاله عن "انزعاج إسرائيل من الدور التركي في البوسنة" فيمكن تفسيره أن هناك في إسرائيل من ينزعج أيضا للنجاحات التركية في المحيط الإقليمي ( في الشرق الأوسط والبلقان) في الوقت الذي تتوتر علاقاتها مع إسرائيل. وبعبارة أخرى هناك قاسم مشترك بين حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل وبين حكومة ميلوراد دوديك في "جمهورية الصرب" بالبوسنة يتمثل في إفشال أي نجاح تركي هناك.

ومن المفارقة هنا أن هذا الدور التركي في البوسنة لا يلقى الاعتراض نفسه من صربيا، لان ما يجمع تركيا وصربيا الآن هو السعي المشترك للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومن هنا فان المصلحة المشتركة لهما تكمن في استقرار واندماج البوسنة لكي تنضم بدورها إلى الاتحاد الأوروبي في أقرب وقت.

==========================

تركيا: الاستفتاء أبعد الجيش عن السياسة والقضاء

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

16-9-2010

اختار «حزب العدالة والتنمية» في تركيا إجراء الاستفتاء الذي استهدف السلطة القضائية، رغم تضمنه 26 بندا، في الذكرى الثلاثين للانقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 وتبعته أربعة انقلابات فيما بعد. الاستفتاء كان أيضا لتكبيل المؤسسة العسكرية سياسيا، ولمنع المحكمة الدستورية من أن تهدد حكومة مدنية بالحل. ولم ينس رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن المحكمة الدستورية منعت كل الأحزاب التي سبقت حزبه، أو بالأحرى التي غيرت من شكلها واسمها قبل أن تستقر على «حزب العدالة والتنمية» برئاسة من كان سابقا رئيسا لبلدية اسطنبول وزج به في السجن مدة 5 سنوات لنظمه قصيدة يعبر فيها عن حلمه برؤية المآذن تملأ مدينة اسطنبول: رجب طيب أردوغان.

كان من الضروري لأردوغان أن يفوز بنسبة مرضية، فهذه الإصلاحات جزء مهم من برنامجه. بذل جهدا كبيرا في حملته، كان يريد أن يكسب لأنه سيواجه انتخابات في شهر تموز (يوليو) من العام المقبل. ثم إن أسلوب قيادته يتعرض للكثير من النقد حتى من قبل أناس كانوا يدعمونه، فهو يُعتبر زعيما مقاتلا، له أسلوب تسلطي، وأثناء الحملة على الاستفتاء كان يهدد أصحاب المال والأعمال لأنهم رفضوا ببساطة أن يتخذوا موقفا مسبقا من الاستفتاء، وقد سبب له هذا الكثير من العداوات، ولوحظ أن الدعم له بدأ يضعف في السنتين الماضيتين.

الآن، والانتخابات المقبلة أمام عينيه، فإن نتائج الاستفتاء أعطته دعما مهما، التوقعات كانت على نتائج متقاربة، لكنه أنجز أكثر من التوقعات لأنه لا يزال يتمتع بدعم قوي في الريف التركي.

لكن ماذا سيفعل بهذا وكيف سيحسبه؟ بعد ثماني سنوات في السلطة لا يزال أردوغان عامل تقسيم حقيقي، إذ لا يثق به عدد كبير من الأتراك، وبالذات العلمانيون في المدن، وعجز عن إقناعهم بالعكس، ويتمنى كثيرون لو كان أكثر مرونة. وربما تكون الرسالة وصلته. ففي الكلمة التي ألقاها وهو يعلن نتائج الاستفتاء كان رحب الصدر، رفض أن يصور النتائج انتصارا لحزب واحد، بل قال إنها انتصار لتركيا، ووعد بالتحرك نحو المزيد من التعديلات الدستورية، وإنه في المرة الثانية سيبحث عن إجماع مع أحزاب المعارضة. وهذا اعتراف من أردوغان بأن الحملة التي سبقت الاستفتاء لم تكن الطريقة الفضلى لتحقيق تغييرات مهمة.

إن النظام القضائي التركي معقد أصلا، وضع عندما أنشئت الجمهورية. وتُعتبر المحكمة الدستورية حارسة الجمهورية العلمانية. وفي السنوات الثماني الماضية كان «حزب العدالة والتنمية» في الحكم، وبصفته حزبا إسلاميا يقول إنه من حق الناس أن يكونوا أحرارا في التعبير عن توجههم الديني، وإذا أرادت المرأة وضع الحجاب فهذا من حقها (الحجاب ممنوع في مؤسسات الدولة وأردوغان ركز في حملته ضد هذا المنع).

العلمانيون رأوا في الاستفتاء بداية إبعاد العلمانية عن الدولة، واتهمت المعارضة الحكومة بأنها ستتحكم بالقضاء، وهذا يكشف عن عدم الثقة العميق والانقسام القوي بين العلمانيين والمتدينين.

في اتصال مع النائب في «حزب الشعب الجمهوري» أونور أيمن قال إن حزبه يؤيد 24 من أصل 26 بندا في الاستفتاء، والبندان الباقيان سيضران بالمجتمع الديمقراطي وبدور السلطة التشريعية والقضائية. وأضاف أن الحزب طلب من الحكومة طرح هذين البندين فقط على الاستفتاء، لكنها أصرت على وضعهما في حزمة واحدة مع بقية البنود. وأضاف: «طبعا لا يمكننا تغيير هذين البندين إلا إذا وصلنا إلى السلطة، عندها سنقترح على الرأي العام التركي وضع مسودة كاملة لدستور جديد».

يعتقد الأتراك أن السلطة القضائية آخر معقل قوة للمؤسسة العسكرية، وأن الجيش يريد السيطرة على هذه السلطة ليضمن علمانية الدولة.

يعتبر الجيش التركي ثاني أكبر جيش في دول الحلف الأطلسي بعد الولايات المتحدة، لكن في الفترة الأخيرة لوحظ أنه انسحب من التعاطي بالسياسة، وهناك اعتراف من قبل الجنرالات الأتراك بأنه لم يعد باستطاعتهم التدخل في السياسة، كما كانوا يفعلون في السابق.

تعرضت المؤسسة العسكرية للكثير من النقد، والمحاكمات بحق بعض ضباط الجيش مستمرة لاتهامهم بمحاولات زعزعة حكومة أردوغان. وأمام قلة الخيارات، تبقى مواجهة «حزب العمال الكردستاني» همه الأول ويمكن للجيش لاحقا أن يتهم سياسة الحكومة تجاه الأكراد بأنها تعرض البلاد للخطر.

لكن لوحظ أن الاستفتاء لم يتضمن بندا يلبي طموحات الأكراد، على الرغم من أن أردوغان أعلن سابقا أنه سيجعل طلبات الأكراد أساسية في الاستفتاء، (الأحزاب الكردية قاطعت المشاركة في الاستفتاء). جرت محاولة في بداية هذا العام كي يتضمن الاستفتاء تغييرا في قوانين الأحزاب، فالقانون التركي يسمح فقط للأحزاب التي تنال 10% من الأصوات أن تتمثل في البرلمان، وفي تاريخها لم تحصل الأحزاب الكردية على أكثر من 8 إلى 9%، وهذا يحرمها من أن يكون لها وجود في البرلمان، ثم إن الأحزاب الممثلة في البرلمان تستطيع أن تشارك في القرارات التي تُتخذ لحل ومنع الأحزاب. ولهذا فإن الأحزاب الكردية تُمنع بصورة روتينية عبر قرارات تصدر من المحكمة. كان الأهم للأكراد أن يكونوا ممثلين في البرلمان، وأن يتضمن الاستفتاء خطوات تتعلق بحقوقهم الإنسانية. لكن الاستفتاء تجاهلهم كليا. قد يكون السبب أن أردوغان دفع إلى معاملة أفضل للأكراد في مبادرة سماها «المبادرة الكردية الكبرى»، لكنه ووجه بمعارضة «تركية وطنية» ضخمة، أخافته واضطرته إلى التراجع. لكن، قد يشعر «حزب العمال الكردستاني»، أن الاستفتاء منح قيادة «حزب العدالة والتنمية» سيطرة سياسية أكبر، فيختاره كمحاور له، في مواجهة المؤسسة العسكرية. المهم أن ينجح الحزب الحاكم في تمديد وقف إطلاق النار مع الأكراد الذي سينتهي مفعوله في العشرين من الشهر الجاري.

لكن، ماذا تعني نتائج الاستفتاء للعالم خصوصا للمجموعة الأوروبية؟ أوروبا رحبت بالنتائج لكنها دعت إلى إصلاحات ضرورية أخرى تتعلق بحرية التعبير والممارسات الدينية، وعبرت عن ارتياحها لأن الإصلاحات تتعلق بالسلطة القضائية وتقضي على سلطة العسكر. لكن المجموعة الأوروبية لن تقبل تركيا كعضو فاعل فيها، هناك معارضة قوية من فرنسا، والأتراك تعبوا من الجدار الأوروبي المسدود.

يقول الأوروبيون إنهم دعموا تركيا العلمانية، إذا انضمت ستكون من أكبر الدول الأوروبية وذات وزن كبير بسبب عدد سكانها (70 مليونا) حيث الأغلبية منهم فلاحون وليسوا من أبناء المدن، وهذا يمثل كل أنواع المشكلات، وبدأ الأوروبيون يعانون من مشكلات دول أصغر مثل رومانيا وبلغاريا، كما بدأت دول أوروبية تراجع التفكير (خصوصا فرنسا) فيما إذا كان من الأفضل للمجموعة أن تصبح كبيرة جدا.

في النهاية، قد لا تعني نتائج الاستفتاء الكثير حتى لتركيا ولطريقة حكمها حيث يشير الكثيرون إلى أن المشكلة ليست في الدستور إنما في طريقة تطبيقه. وإذا لم يكن هناك تغيير جذري في عقلية الشرطة والقضاة، فإن الأمور لا تتغير في بلاد دأبت منذ عقود على سجن رؤساء تحرير الصحف بسبب ما يكتبون. هذه الإصلاحات كان يمكن أن تكون أكثر جرأة وقوة لو أن أردوغان كان قادرا، كما خطط مرة، على إعادة كتابة الدستور التركي، وأجرى نقاشا حقيقيا مع كل الأحزاب. ولكن بصراحة لم يُقدم على هذه المغامرة؛ لكنه قد يضطر قبل الانتخابات إلى تقديم مبادرات للأحزاب العلمانية من أجل أن يهمش المتشددين من علمانيين ومتدينين.

==================

سطوة أصحاب المدونات

توماس فريدمان

الشرق الاوسط

16-9-2010

بكين - كانت تلك اللحظة محتومة، فمنذ أن بدأت الصين تنفض عن نفسها غبار الشيوعية وتتحول إلى قوة اقتصادية عالمية، عمد قادتها إلى اتباع استراتيجية «الصعود السلمي» - التي تقوم على ضرورة التحلي بالتواضع والتصرف بحذر وعدم إثارة الخوف في نفوس الدول المجاورة، وقطعا عدم تشكيل أي تحالف ضدنا. إلا أنه خلال السنوات الأخيرة ومع معاناة النموذج الاقتصادي الأميركي لصدمة محرجة وجهها لنفسه بنفسه، في وقت مضى فيه ما يطلق عليه «إجماع بكين» قدما، ظهرت أصوات في الصين تؤكد أن «المستقبل لنا»، وأنه يتعين على الصينيين دفع العالم بقوة أكبر نحو إدراك ذلك. في الوقت الراهن، تصدر هذه الأصوات في معظمها من جنرالات متقاعدين ومدونين منفعلين - في الوقت الذي احتفظت فيه القيادة الصينية بحذرها. إلا أن مشاحنة دبلوماسية اندلعت الصيف الماضي أثارت لدى جيران الصين، ناهيك عن واشنطن، التساؤلات حول إلى متى ستبقي الصين على سياستها الرقيقة الحالية. مع وجود قرابة 70 مليون مدون في الصين، يجد القادة الصينيون أنفسهم تحت ضغوط مستمرة حاليا لاتخاذ توجهات أقوى من جانب مدونين شعبويين وذوي ميول قومية، خاصة أنه في ظل غياب انتخابات ديمقراطية، تتحول هذه المدونات إلى الصوت الفعلي للشعب. وقعت المشاحنة الدبلوماسية سالفة الذكر خلال جلسة للمنتدى الإقليمي لاتحاد دول جنوب شرقي آسيا، المعروف اختصارا باسم «آسيان»، والتي انعقدت في 23 يوليو (تموز) في هانوي. وكان من بين الحضور 10 وزراء خارجية لدول أعضاء بالاتحاد، علاوة على وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الصيني يانغ جيتشي. وطبقا لما ذكره أحد الدبلوماسيين الذين حضروا الجلسة، فإن وزراء دول «آسيان» حذروا الصين بحزم حيال ضرورة تراجعها عن قرارها بإعلان «السيادة المطلقة» على بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد بأكمله، والذي يمتد من سنغافورة إلى مضيق تايوان مرورا بفيتنام، وتمر من خلاله قرابة نصف الشحنات التجارية العالمية سنويا. ومن المعتقد أن قاعه يضم مخزونات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي. الملاحظ أن الأسطول الصيني أصبح أكثر عدوانية في مصادرته لسفن الصيد التي يزعم انتهاكها للسيادة الصينية بالمنطقة. كما تورطت بكين في نزاعات بحرية مع كوريا الجنوبية واليابان.

ومع إقدام وزير تلو الآخر خلال اجتماع منظمة «آسيان» على التأكيد على مطالبها بالسيادة على قطاعات من بحر الصين الجنوبي أو المطالبة بضرورة تسوية أي نزاعات إقليمية على نحو سلمي وطبقا لما يمليه القانون الدولي، ازداد غضب وزير الخارجية الصيني، تبعا لما ذكره أحد المشاركين. وبعد إلقاء كلينتون كلمتها وتأكيدها على أن بحر الصين الجنوبي يشكل منطقة تحمل أهمية للولايات المتحدة باعتبارها «مصلحة قومية» تتعلق ب«حرية الملاحة»، طلب وزير الخارجية الصيني رفع الجلسة لفترة موجزة.

بعد ذلك، عاد يانغ ليتحدث ارتجالا من دون النظر إلى نص لمدة 25 دقيقة، مشددا على أن هذه القضية تحمل طابعا ثنائيا، وليست بين الصين و«آسيان». وخلال حديثه، تعمد النظر كثيرا باتجاه كلينتون، بما في ذلك تشديده على أن «الصين دولة كبيرة»، بينما تعد معظم الدول الأعضاء في «آسيان» «دولا صغيرة»، حسبما أوردت صحيفة «واشنطن بوست». وأشار الدبلوماسي سالف الذكر إلى أنه كان هناك إجماع داخل القاعة حول أن الوزير الصيني كان يحاول تهديد الحاضرين والفصل بين الدول المطالبة بحقوق سيادة داخل بحر الصين الجنوبي والأخرى التي لا صلة لها به، بحيث تعجز «آسيان» عن اتخاذ إجراء جماعي وتضطر كل دولة إلى التفاوض مع بكين على نحو منفصل.

ومع وصول أنباء سلبية عما أحدثته خطبة يانغ في بكين، عمد القادة الصينيون إلى التقليل من أهمية الأمر برمته، خوفا من أن يدفعوا جميع الدول المجاورة لهم إلى أحضان النفوذ الأميركي بعد عقد من تراجعه في المنطقة.

إلا أن قدرة قادة بكين على التلطيف من تداعيات ما حدث ستعتمد، في جزء منها، على طرف ثالث: «المدونين الصينيين»، حيث يملك جيل كامل من الصينيين الذي جرت تنشئته على يد الحكومة على فكرة أن واشنطن والغرب يرغبان في كبح جماح الصين ومنعها من الصعود، الآن مكبرات صوت خاصة يمكنهم من خلالها التنديد بأي مسؤول صيني يقدم تنازلات مفرطة، من وجهة نظرهم، باعتباره «مواليا لأميركا» أو «خائنا».

المثير أن السفارة الأميركية ببكين شرعت في محاولة التواصل مع هؤلاء المدونين - بل دعت مدونين إلى السفر برفقة السفير الأميركي جون هنتسمان، وعقد لقاء معه لدى زيارته للإقليم الصيني الذي يعيشون به - وذلك سعيا لنقل الرسالة الأميركية مباشرة من دون تنقيحها عبر وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة. وشرح هو يونغ، خبير شؤون المدونات بجامعة بيكينغ، أن «الصين للمرة الأولى أصبحت لديها مساحة عامة لمناقشة كل شيء يؤثر على المواطنين الصينيين. في ظل وسائل الإعلام التقليدية، كان أعضاء النخبة فقط هم من يملكون صوتا، لكن شبكة الإنترنت بدلت هذا الوضع». وأضاف: «أصبح لدينا الآن وسائل إعلام عابرة للحدود الوطنية، وأصبح المجتمع برمته يتحدث. وعليه، أصبح بإمكان أفراد من مختلف الأقاليم الصينية مناقشة ما يدور في قرى نائية. وتنتشر الأنباء في كل مكان». واستطرد بأن عالم الإنترنت «يتسم بطابع أكثر شعبوية ووطنية. وكان من شأن مرور سنوات طويلة على تلقيننا أن أعداءنا يرغبون في كبح جماحنا، إفراز جيل كامل من الشباب يفكر على هذا النحو، وأصبح أمامه متنفس للتعبير عن هذه الأفكار عبر الإنترنت».

وعلينا أن نراقب ما يجري على هذا الصعيد. لقد ولّت منذ أمد بعيد الأيام التي كان بمقدور نيكسون وماو خلالها إدارة هذه العلاقة سرا. وتتفاعل الكثير من العوامل غير المستقرة داخل بكين اليوم، بجانب ظهور عناصر أكثر بكثير قادرة على إشعال أو تلطيف الأجواء الأميركية - الصينية، أو بمعنى آخر فإن هذا الزواج يضم ثلاثة أطراف، وليس اثنين.

* خدمة «نيويورك تايمز»

============================

سياسات وأساليب المخابرات المركزية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين

كمال الهلباوي

القدس العربي

16-9-2010

(المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) تشتري ذمم بعض العاملين مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، بالتحديد أحد المستشارين الذي القي عليه القبض، ثم تدخل كرزاي شخصيا للافراج عنه وإطلاق سراحه).

كان هذا هو الخبر الذي تصدر اهتمام احدى الفضائيات مؤخرا، ولقد أصابتني الدهشة لأن وسائل الإعلام في العالم العربي تعاملت معه وكأنها اكتشفت شيئا جديدا.

ويجب ان أشير هنا إلى وثيقة نشرت في 'الواشنطن بوست' الأمريكية منذ أكثر من أربعين سنة، وبالتحديد في 26 شباط/فبراير 1967 وهي مجموعة دوائر بعضها حول بعض، وفي المنتصف كلمة CIA وهذه هي الدائرة الأولى، وعنوان هذا المقال: بيان كيف يدور المال؟ أو يمكن أن نقول: دورة الأموال في المخابرات المركزية الأمريكية؟ أما الدائرة الثانية فتشمل صناديق التمويل مثل تاور فاند وهيئات الوقف مثل واردن ترست، وراب الخيرية، وتشمل كذلك مؤسسات مثل فردريك فوينديشن، وهوبي فوينديشن.

- أما الدائرة الثالثة: فتشمل الاتحادات مثل: اتحاد التعليم الوطني

- واتحاد الطلبة الوطني

- ونقابة الصحف الأمريكية

- ومراكز البحث في السياسات والعمليات

- والمعهد الأمريكي الافريقي

- وأصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية

- والتبادل الثقافي الافريقي الأمريكي

- والمجلس الأمريكي للجنة الدولية للقضاة

 

وهناك مؤسسات كثيرة لا يحصيها هذا المقال.

ثم تأتي الدائرة الرابعة ومن بين ما تشمله:

- الكونفدرالية العالمية لمنظمات مهنة التدريس

- ولجنة العلاقات الدولية

- واتحاد الطلبة المجريين في أمريكا الشمالية

[ولعل هؤلاء الطلبة أو معظمهم أو على الأقل بعضهم كانوا طلائع التغيير والتغريب في المجر لمواجهة الخطر الشيوعي، وكانوا أول دعاة التبعية الرأسمالية.]

- وخدمة الأخبار العالمية وينضوي تحتها الاتحاد العالمي للصحافيين الأحرار

(تصور أيها القاري العزيز كيفية اختيار بعض الأسماء، وهذا الاسم يضم كلمة محببة للنفس الأبية هي كلمة الأحرار).

ولعل هذا يشرح لنا سبب تغير مواقف بعض الاعلامين والصحافيين الذين كانوا يوما ما أحرارا فعلا.

- ومؤتمر الحرية الثقافية، ويدخل في ذلك تمويل مجلات مثل 'أحرار' البيروتية.

- معهد الخدمات العامة الدولية (لندن)

- مركز الدراسات والتوثيق بالمكسيك

- معهد التعليم السياسي (كوستاريكا)

- جامعة هارفارد (منح للمشروعات)

- الهيئة الدولية للقضاة (جنيف)

ولذلك لا ينبغي أن نتعجب من قرارات هذه الهيئات الدولية ولا القضاة، ففيها بعض القضاة هم العملاء أو المجرمون الحقيقيون.

- خدمة البحث المستقلة

وهناك مؤسسات وهيئات ومراكز أبحاث اخرى في شتى أنحاء العالم من هذا القبيل وعلى هذا النمط. ولعل هذا الأمر من أسباب الهيمنة الأمريكية، والعمالات المنتشرة في العالم من دون أن ندري وأحيانا بصفات وأسماء وطنية مزيفة، ولافتات براقة خادعة لشبابنا. وبشكل عام فإن هذه الخريطة أو الدوائر تتحدث عن توزيع الأموال بمعرفة المخابرات الأمريكية المركزية (CIA) عن طريق الدوائر المتعددة التي لا يحس معها بعض من يتلقى تلك الأموال أنها عن طريق هذه الوكالة الرهيبة'(CIA) وتصبح الأموال من وسائل الضغط المباشر أو غير المباشرعلى أصحاب تلك المشروعات لا شك في هذا.

وهي تشمل للأسف الشديد:

- جميع القارات بما في ذلك أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وطبعا منطقة الشرق الأوسط

- الجامعات بما في ذلك الرائدة منها مثل: هارفارد وجنوب كاليفورنيا، حتى في أمريكا نفسها

وهي تشمل المحامين والعاملين في مجال المحاماة

- القضاة وخاصة في الهيئات الدولية

- الطلبة وبعضهم من النابهين والناشطين، لكنهم من المحتاجين للمال وتخلت عنهم بلادهم أو لم تكتشف مواهبهم

وفي القائمة أيضا:

- المعلمون والمدرسون والأساتذة في شتى مراحل التعليم

- المثقفون وخصوصا المحاصرين منهم واللاجئين

- رجال الاعلام والصحافة

- الفنانون والكتاب

- النساء والعمال

مراكز الأبحاث.

طبعا هذه الدوائر لا تشمل أهل الاستقلالية الحقيقية، ولا تشمل المجاهدين في شتى هذه المجالات ولا المقاومين للهيمنة الأمريكية، وكم تخلصت المخابرات المركزية الأمريكية'(CIA)، من أفراد ومؤسسات وقادة لم تستطع أن تسيطر عليهم.

ويمكنني أن الخص هذه السياسات الكئيبة وعمليات المخابرات المركزية الامريكية CIA في الآتي، ولعل الشباب الذين تعرضوا في سجن غوانتنامو وغيره من السجون الأمريكية العلنية والسرية لديهم ما يكتبون، وما يقولون، وما يشهدون به في هذا الميدان الحيوي.

نحن أحيانا نرى النتيجة ولا نهتم بالسبب أو المسبب ولا نفكر في إزالته أو مواجهته كما ينبغي، بل وأحيانا نجلس مع هؤلاء الخونة والعملاء نؤاكلهم ونشاربهم ونتسامر معهم، وقد يقارن بعضنا بين مشروعهم ومشروع المقاومة أو الجهاد، وتحلم الشعوب باللبن والعسل والمن والسلوى وتظل تحلم حتى تنتهي الحياة رتيبة ومملة، وأحيانا يكون الموت بطيئا بالسم البطيء الفعالية، ولكنه السم الفاعل، وقد يكون موت ياسر عرفات وغيره من قبل، من هذا القبيل الذي تدخلت فيه أجهزه مخابرات عدوة بالاستعانة بعملاء 'وطنيين' أو 'أحرار' حسب أسماء التنظيمات التي ينتمون إليها.

وأهم محاور استراتيجية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أل('CIA) تتمثل في:

جمع المعلومات والإحصاءات كلما أمكن ذلك وتحليلها وارشفتها لتكون سهلة الاستخدام، وهي معلومات وحصادات متنوعة: أمنية وعسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية ونقدية وشخصية ... الخ. ولو استطاعت أل'CIA أن تحصي على الناس أنفاسهم، وأحلامهم، لفعلت. وهناك معلومات قد لا يراها الشخص مهمة ولكنها تكون مهمة جدا ل'CIA ومنها مثلا مواعيد النوم والاستيقاظ للشخص المستهدف، أو سفره بالقطار أو الطائرة أو حتى على ظهر الماشية أو ما إلى ذلك.

الانتشار في العالم وتدريب العملاء بعد اكتشافهم وتطويعهم وتوريطهم في السوء والوحل، وهل هناك أسوأ من أن يعمل الإنسان في السوء ضد قومه وبلده وشعبه ودينه؟ سواء كان ذلك بعلم أو بغير علم.

الاغتيالات السياسية والأمنية والعلمية، وهذه تشمل الزعماء والجنرالات والعلماء الذين لا تستطيع أن توظفهم أو تستأنسهم ال'CIA للعمل معهم، وترصد ال'CIA لذلك إمكانات بشرية وفنية ومالية لا حدود لها.

خطف الزعماء وترويعهم وتهديدهم.

زعزعة الأمن والاستقرار قبل الاحتلال وتمهيدا له.

التعاون الوثيق مع أسوأ أجهزه الأمن والاستخبارات التي تسمى 'وطنية' واستغلال احتياجاتهم لتنفيذ المخططات الأمريكية المخابراتية الاجرامية.

رصد جوائز كبيرة للحصول على معلومات أو قتل أشخاص معنيين أو إلقاء القبض عليهم أحياء إن أمكن.

الضغط بشتى الطرق وتشوية السمعة والاتهامات الباطلة ثم المنع من السفر تمهيدا للترويض.

وقد شاركت في مؤتمر (العلاقات الأمريكية الاسلامية) الذي عقد في قطر في شباط/فبراير 2010 وهو المؤتمر السابع في سلسلة لقاءات ينظمها معهد بروكينغز سنويا، ذلك المعهد الشهير في أمريكا. وكنت أشارك في ورشة العمل المخصصة لموضوع الأحزاب السياسية الإسلامية فضلا عن الجلسات العامة. وكان يجلس معنا في القاعة رجل كبير السن، هادئ لا يتدخل كثيرا في النقاش ولكنه يتابع بدقة شديدة رغم أن الجلسات مسجلة، ولم يتخلف الرجل الهادئ دقيقة واحدة عن هذه الجلسات. وعندما تعرفنا عليه وقرأت بيان سيرته المنشورفي كتيب المشاركة في المؤتمرعرفنا أنه يسمى المستر بروس وقد قضى ثلاثين سنة من عمره في خدمة المخابرات المركزية الأمريكية، ثم تحول بقدرة قادر إلى مفكر أو باحث أو كلاهما في معهد بروكينغز. وقد ذكرني المستر بروس باللواء فؤاد علام من مصر، الذي قضى حياته في الأمن والتحقيق مع الإسلاميين من الإخوان وجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية وغيرهم، ثم تحول فؤاد علام على طريقة بروس رجل أل CIA، إلى مفكر وباحث في الجماعات الإسلامية وخبير في شؤونهم، شأنه شأن المفكرين والباحثين الذي قضوا حياتهم في البحث والدراسة والاستقصاء والاستقامة العلمية والحيادية والنظرة التحليلية الموضوعية.

وللأسف الشديد تلجأ إلى مثل هؤلاء وسائل الاعلام وخصوصا بعض البرامج المثيرة لتسويق الأفكار والتدليس على التاريخ والحقائق.

ذكرني بروس باللواء فؤاد علام، وكلاهما علامة ضعف شديد في برامج الأبحاث والدراسات أو التفكير المستقبلي، بما ارتكبوه من جرائم ضد الانسانية، كما أن هذا المنحى لا بد وان يشين مراكز الأبحاث والبرامج التي تستعين بهؤلاء الذين تلطخت أيديهم بالدماء ضد الانسانية وتلوثت عقولهم بمحاربة أهل الحق ومحاربة الوطنيين الشرفاء، ولا ندري ماذا كان يسمى بروس عندما كان في ال'CIA، وقبل أن يلتحق بمعهد بروكينغز. (و'للحديث صلة).

' مستشار مركز الحضارات في لندن

============================

إيران لا تستطيع إعطاء دروس لأحد

خيرالله خيرالله

الرأي العام

16-9-2010

الموضوع ليس موضوع تسليح إيران للجيش اللبناني أو امتناعها عن ذلك. الموضوع مرتبط قبل أي شيء آخر بأن تكف إيران عن التدخل في شؤون لبنان والعرب عموماً، وأن تتوقف عن إثارة الغرائز المذهبية، هذه الغرائز التي يتبين كل يوم أنها تمثل أخطر ما تتعرض له منطقة الشرق الأوسط. ما قد يكون أهمّ من ذلك كله اقتناع إيران، وغير إيران، بحصر التعاطي بمؤسسات الدولة اللبنانية نظراً إلى أن كل ما عدا ذلك يسيء إلى لبنان واللبنانيين، ويصب في مصلحة ضرب الاستقرار في البلد الصغير، وخدمة كل من يهمه تفتيت العالم العربي وشرذمته.

تبدو هذه المقدمة القصيرة ضرورية أكثر من أي وقت في ضوء الأحداث الأخيرة التي شهدتها بيروت وما تخللها من وجهات بين سلاح «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري الإيراني» وتنظيم، يُقال انه «سنّي» لبناني، معروف من يسلحه والجهة التي تستخدمه. قبل الخوض في الكلام الكبير عن أهمية تسليح الجيش الوطني، من الأفضل المباشرة في تحصين الجبهة الداخلية التي هي أهمّ بكثير من السلاح، أي سلاح، والتي من دونها لا صمود للمجتمع اللبناني في مواجهة المحاولات الهادفة إلى اخضاعه وتدجينه ومنعه من الانتماء إلى ثقافة الحياة وكل ما هو حضاري في هذا العالم.

في كل الأحوال، ليس لدى النظام في إيران أي دروس يعطيها للبنان في أي مجال من المجالات أو ميدان من الميادين، أقله في الوقت الراهن. إيران في أزمة عميقة وعليها أن تتصالح مع نفسها أولاً، ومع محيطها العربي قبل أن يوجد من يتحدث باسمها عن إرسال السلاح إلى هذا الطرف أو ذاك. إيران أمة كبيرة ذات حضارة عظيمة وقديمة لا يجوز لها ان تكون على عداء مع معظم جيرانها خصوصاً العرب منهم. على العكس من ذلك، يفترض في إيران أن تعمل على طمأنة العرب، خصوصاً في منطقة الخليج، وأن تشعرهم بأنها تتطلع إلى التعاون معهم من أجل مستقبل أفضل لكل دول المنطقة وشعوبها بدل التصرف بطريقة لا تنم سوى عن عجرفة لا حدود لها وكأن العرب ينتمون إلى حضارة أقلّ شأناً من الحضارة الفارسية ولا يصلح التعامل معهم إلا بطريقة فوقية.

تكمن مشكلة العرب مع إيران في أنهم يعرفون تماماً ما الذي تريده وما هي همومها الحقيقية. يعرفون مثلاً أنها خطفت القضية الفلسطينية بغية المزايدة على العرب واحراجهم، وأن آخر ما يهمها هو حصول الفسطينيين على حقوقهم الوطنية المشروعة. على العكس من ذلك، ليس مهماً، من وجهة النظر الإيرانية، أن تتقدم القضية الفلسطينية بمقدار ما أن المطلوب المتاجرة بالشعب الفلسطيني والمأساة الغارق فيها. الدليل على ذلك، أن اسرائيل تستخدم الشعارات التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون أفضل استخدام للتنكيل بالشعب الفلسطيني وتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

لا حاجة إلى الحديث عن الدور السلبي لإيران في البحرين، أو اليمن، أو مصر، أو السودان، أو المغرب... أو عن استمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث التي استولى عليها الشاه في العام 1971، ولا حاجة إلى الحديث عن الدور الإيراني في العراق ومساهمته في تمزيق البلد عن طريق دعم ميليشيات مذهبية فيه. يمكن وضع كل هذه الأمور جانباً والتركيز على البرنامج النووي الإيراني الذي يشكل في المرحلة الراهنة موضوع مواجهة بين «الجمهورية الإسلامية» والمجتمع الدولي.

تبين بعد تزويد روسيا إيران بما يلزم من وقود لتشغيل مفاعل بوشهر أن المجتمع الدولي ليس ضد حصول إيران على التكنولوجيا التي تسمح لها باستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية. لم يحصل اعتراض أميركي أو اوروبي على الخطوة الروسية. بدا أن هناك تنسيقاً بين موسكو وواشنطن والعواصم الاوروبية المعنية في هذا الشأن. ولأنّ الخطوة الروسية أحرجت طهران، رافق الاحتفال ببدء تزويد المفاعل بالوقود مع خطوات تصعيدية تركز على تطوير أسلحة جديدة بدل تقديم الضمانات اللازمة التي تؤدي إلى مصالحة بين إيران من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى.

بدا واضحاً أن إيران غير قادرة على وقف عملية الهروب المستمرة إلى أمام والاقتناع بأن عليها قبل كل شيء الاهتمام بشعبها الذي يعاني قسم كبير منه من الفقر والجوع، فليس سراً أن هناك نسبة كبيرة من الإيرانيين تعيش تحت خط الفقر، وليس سراً أن إيران التي تصدر النفط مضطرة إلى استيراد كميات كبيرة من البنزين نظراً إلى أنها لا تمتلك ما يكفي من المصافي بما يلبي حاجة السوق الداخلية.

باختصار شديد، ان إيران ليست في وضع من يعطي دروساً لأحد في أي مجال من المجالات، خصوصاً للبنان واللبنانيين. الأهم من ذلك، ان الاحتفال ببدء تزويد مفاعل بوشهر بالوقود لا يعني أن العالم سيتغاضى عن البرنامج النووي الإيراني، وعن الاصرار على تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة. ان كل من دخل الجامعة لدرس الفيزياء النووية يعرف أن من يصل إلى نسبة ال 20 في المئة يصبح قادراً على انتاج السلاح النووي. هل العالم على استعداد لقبول ايران نووية أم لا؟ هذا هو السؤال الكبير الذي لا علاقة لمفاعل بوشهر به. كلّ ما تبقى يمكن ادراجه في خانة البحث عن دور إقليمي يرتكز على حال الفراغ التي تعاني منها المنطقة في ضوء الضعف العربي وانهيار العراق، الذي كان ركيزة من ركائز النظام الإقليمي والمنظومة الأمنية في الخليج والمنطقة عموماً...

قبل إيران، حاول العراق في عهد صدّام حسين أن يلعب دوراً أكبر من حجمه معتقداً أن نظاماً قائماً على الأجهزة الأمنية والقمع قادر على أن يشكل قوة إقليمية. معروف كيف انتهى صدّام وكيف انتهى العراق؟ لماذا لا تستفيد إيران من تجارب الماضي القريب وتنصرف إلى معالجة مشاكلها الداخلية بدل أن تفكر في تغطية هذه المشاكل عن طريق المزايدة على العرب والتدخل في شؤونهم، واعطائهم دروساً في الوطنية وفي كيفية مواجهة إسرائيل.

============================

المفاوضات المباشرة و«يهودية» اسرائيل

الخميس, 16 سبتمبر 2010

نبيل السهلي *

الحياة

تسارعت وتيرة الحديث من جانب المسؤولين الاسرائيليين عن ضرورة قبول مصطلح «يهودية إسرائيل» من الطرف الفلسطيني المفاوض كشرط أساس لاستمرار المفاوضات المباشرة والقبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح. وفي هذا السياق يمكن التأكيد أن هذا المصطلح ليس حديث العهد، بل برز مع نهاية المؤتمر الصهيوني في نهاية شهر آب (اغسطس) عام 1897 في مدينة بازل السويسرية. فكرة «يهودية اسرائيل» كانت دائماً إحدى ركائز الفكر الصهيوني وبصرف النظر ايضاً عن ان درجة هذه اليهودية وبعض مضامينها، فقد كانت مثار جدل بين تيارات معينة في الحركة الصهيونية، الاّ ان هذه المقولة المتجددة تنطوي على خلفيات مهمة ومفصلية، وفي المقدمة منها نفحات عنصرية ضد الاقلية العربية داخل الخط الاخضر لجهة «أسرلتها» وتحويلها الى هامشية في كل مناحي الحياة داخل اسرائيل من جهة، فضلاً عن محاولة شطب حق العودة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.

لقد اتخذ الكنيست الإسرائيلي في 16/7/2003 قراراً بضرورة تعميق فكرة يهودية الدولة وتعميمها على دول العالم ومحاولة انتزاع موقف فلسطيني الى جانب القرار المذكور. وقدم مشروع القرار الأعضاء البرلمانيون لكتلة «الليكود» في الكنيست السابقة، وفاز بغالبية ‏26‏ صوتاً وعارضه ‏8.‏ وتضمن القرار أيضاً اشارات الى أن الضفة الغربية وقطاع غزة ليست مناطق محتلة‏،‏ لا من الناحية التاريخية‏،‏ ولا من ناحية القانون الدولي‏،‏ ولا بموجب الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل، وقد دعا القرار إلى مواصلة تعزيز المستوطنات الصهيونية وتطويرها‏،‏ وإلى التمسك بالخطوط الحمر الصهيونية وفي مقدمها السيادة المطلقة على القدس‏،‏ والاحتفاظ بالمناطق الأمنية.

وفي قراءة متأنية لمصطلح «يهودية اسرائيل» يمكن الجزم بأنه يحمل في طياته توجهاً الى طرد أبناء فلسطين من وطنهم بزعم الحفاظ على نقاء الدولة اليهودية، ويستوي في ذلك فلسطينيو أراضي‏ 1967 وفلسطينيو أراضي 1948 الذين فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية‏. ‏وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق – الميت سريرياً – أرييل شارون ممن عمموا المصطلح القديم الجديد، وذهب الى ابعد من ذلك، حيث اشار في أكثر من حديث الى أن إسرائيل من البحر إلى النهر لن تكون إلا دولة يهودية نقية، وطرح افكاراً لإسكان أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة في العراق وتجنيسهم بالجنسية العراقية. وأكد مراراً أن اسرائيل هي دولة لليهود في إسرائيل وكل انحاء العالم‏.‏

اضافة الى ما تقدم، لا يستبعد أن تعمل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في المستقبل على سن القوانين التي تؤمّن لها عملية الاقصاء الدائمة والتهميش المستمر للأقلية العربية التي يبلغ تعدادها نحو 1.4 مليون فلسطيني، وستعقد مؤتمرات بمسميات عدة لطرح أفكار حول الهاجس الديموغرافي الاسرائيلي من جراء التزايد الطبيعي المرتفع بين السكان العرب. وهذا ما حصل فعلياً خلال مؤتمرات هرتسيليا السنوية. وفي هذا الاطار بالذات، تأتي دعوة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان لمبادلة الاراضي الفلسطينية التي تقوم عليها الكتل الاستيطانية الكبيرة في التجمعات داخل الخط الاخضر مع «الدولة الفلسطينية القادمة» لتشمل منطقة المثلث ومنطقة وادي عارة. والثابت أن كل الاطياف السياسية الاسرائيلية، إضافة الى قادة إسرائيليين كثيرين باتوا يتحدثون في السنوات الاخيرة عن يهودية الدولة، وفي المقدمة بنيامين نتانياهو وايهود باراك وليبرمان وسواهم.

ومن الواضح أن مصطلح يهودية اسرائيل بات يمثل في الآونة الاخيرة جوهر ومضمون الغايات الأسمى والأهداف الكبرى لاسرائيل، وتحولت مقولة الدولة اليهودية بصورةٍ غير مسبوقة وغير معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات والكتل والاحزاب والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية في اسرائيل على حدٍ سواء، و «اكتشفت» اسرائيل فجأة ان تعميم شعار يهودية الدولة هو الشعار الانجع لإنهاء حق اللاجئين الفلسطينيين (5,5 ملايين) في العودة إلى وطنهم، وتصفية وإزاحة الأساس القانوني لهذا الحق والحلم والأمل من أجندة الامم المتحدة كبداية لشطب الحق الفلسطيني.

إن الخطاب السياسي الذي اخذ ينتشر بسرعة حول يهودية اسرائيل والإلحاح على مضامين هذا الخطاب في الداخل الاسرائيلي وفي المؤتمرات الدولية هو محاولة إسرائيلية لكسب مشروعية التطهير العرقي الذي مارسته اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في السابق، وتحمل في طياتها مخططات لتنفيذ ترانسفير إضافي بحق الفلسطينيين.

في مواجهة الخطاب السياسي الاسرائيلي حول يهودية اسرائيل، ثمة رفض فلسطيني من كل الاطياف السياسية الفلسطينية للمصطلح المذكور، وقد توضح الموقف الفلسطيني في مؤتمر انابوليس حين رفض الوفد الفلسطيني الذي شارك في المؤتمر القبول بطرح الوفد الاسرائيلي لفكرة يهودية اسرائيل أو التوقيع على وثيقة تتضمن ذلك، وجاء الرفض الفلسطيني لهذه الفكرة انطلاقاً من أن الاعتراف بيهودية اسرائيل يغلق الباب أمام حق العودة للاجئين الفلسطينيين ويساعد من جهة أخرى على تنفيذ سياسة اضطهاد عرقي بحق الاقلية العربية داخل الخط الاخضر. واللافت ان الوفد الاسرائيلي الذي حضر مؤتمر انابوليس تقدَّم باشتراط أساسي للتوقيع على وثيقة مشتركة مع الوفد الفلسطيني، بحيث تتضمن موافقة فلسطينية على فكرة يهودية الدولة، وذلك بغية خلق وحدة موقف في المجتمع الإسرائيلي الذي يرزح منذ زمن تحت وطأة وإشكالية الهوية. والآن وبعد انطلاقة المفاوضات المباشرة تحاول اسرائيل الضغط على المفاوض الفلسطيني لقبول فكرة يهودية الدولة كشرط مسبق لاتفاقات محتملة، الأمر الذي يعزز ضرورة دعم توجهات الفلسطينيين في رفض الفكرة لما تتضمنه من مخاطر جمة على القضية الفلسطينية برمتها.

* كاتب فلسطيني

============================

الدولة الفاشلة في واقع البلدان العربية

الخميس, 16 سبتمبر 2010

فايز سارة *

الحياة

ثمة اختلافات بينة بصدد السمات التي يقوم عليها تعبير الدولة الفاشلة، وهو تعبير يجرى إطلاقه على عدد من دول العالم بينها بعض الدول العربية. وكانت السمات التي تميز الدول الفاشلة في القرن الماضي، تقوم على انخفاض مقدار الدخل بحيث يقلُّ متوسّطُ الدخل عن الألف دولار في العام، كما تقوم على عَجْز السلطات عن نشر سيطرتها على كامل تُرابها الوطني بحيث ينتشر الاضطراب وتتعدد السيطرات، وتقوم على ضعف السلطات عن حماية مصالحها الوطنية واستتباعها لإحدى الجهات الإقليمية أو العالمية»، وقد أضيفت لاحقاً سمة أخرى، تتمثل في افتقار اهالي الدول الفاشلة إلى الحريات الأساسية، وضمانات المواطنة المعروفة في العالَم الحديث.

ومع أواخر القرن وبدايات القرن الحالي طرأ تطور على تلك السمات باتخاذها طابعاً اقتصادياً. اذ تحددت اسس جديدة من جانب المؤسسات المالية الدولية، تحدد نجاح الدول وفشلها من خلال نسْبة مَنْ هم تحت خطّ الفقر من المواطنين، فإذا تجاوزت الخمسين في المئة من المجموع، اعتُبرت الدولة المعنية في أزمة، وتستحق المساعدة والتسهيلات، ويمكنها الاستدانة من المؤسسات الدولية، ثم استقر وصف الدول الفاشلة بالاستناد الى سمتين أساسيتين: الأولى تزايد نسبة الفقر، والثانية وقوع الدولة في اضطراب أمني وسياسي.

واذا استندنا الى الخلاصات العامة للسمات التي يقوم عليها تعبير الدولة الفاشلة، وقارناها بواقع الحال في البلدان العربية لأمكن القول ان الكثير منها يندرج في سياق الدول الفاشلة. ففي غالبية الدول العربية، تنتشر حالة فقر شديد في اوساط شعبية واسعة تكاد تصل الى نصف السكان وربما تتجاوزها، وهذا الامر ملموس في المغرب والجزائر وصولاً الى مصر والسودان والصومال،

ثم الى اليمن وفلسطين والاردن وسورية، وفي الكثير من الدول العربية يسيطر الاضطراب الامني والسياسي، لا سيما في العراق ولبنان وفلسطين واليمن والسودان والصومال والجزائر، وفي مجال افتقاد الحريات الأساسية. وحقوق المواطنة، فإن غالبية الدول العربية تندرج تحت هذه السمة، حيث لا حريات اساسية ولا حقوق مواطنة بالمعنى السائد في عالم اليوم. أما في موضوع الاستتباع السياسي فالكثير من الدول العربية، تربطه علاقات استتباع سياسي واقتصادي مع مراكز اقليمية ودولية، ما يجعل هذه الدول مرتبطة بسياسات اقليمية ودولية، أكثر مما هي مرتبطة بسياساتها ومصالحها الوطنية المستقلة، او بالمصالح العربية المشتركة.

وباستثناء توافر السمات العامة للدولة الفاشلة في غالبية الدول العربية، فإن الواقع يشير الى وجود اختلاطات وتداخلات بين هذه السمات. ففي حالات مثل اليمن والسودان، يترافق انتشار الفقر مع الاضطراب السياسي والأمني، وفي العراق وفلسطين يسود الاضطراب السياسي والأمني مختلطاً مع الاستتباع السياسي والاقتصادي، ليس بسبب الاحتلال الاجنبي الاميركي في العراق

والاسرائيلي في فلسطين، وانما بسبب تأثيرات الجوار السياسي ايضاً، وفي الصومال والسودان، يتداخل الفقر الواسع مع الاضطراب السياسي وتتعدد مراكز السيطرة داخل الحدود الوطنية، وكلها ملامح تؤكد مطابقة حالة الدولة الفاشلة على هذه الدول.

ان الأسباب الأساسية في وصول بلدان عربية الى مرتبة الدولة الفاشلة، إنما تكمن في طبيعة الأنظمة القائمة وسياساتها، ويمكن ان تمتد الاسباب الى التدخلات الخارجية سواء كانت اقليمية او دولية. ولعل الطبيعة الاستبداية الاستئثارية والاقلوية للنظام السياسي في البلدان العربية، تمثل الاساس في ظهور الدولة الفاشلة، ذلك ان الاستبداد، يفرض انماطاً في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة من شأنها خلق ازمات في الحياة العامة، ثم تأتي سياسات النظام لتضيف تفاصيل في ترديات الحياة العامة، فتدفع الى بلورة بعض سمات الدولة الفاشلة أو أكثرها، وقد تأتي التدخلات الخارجية، فتخلق وتكرس سمات الدولة الفاشلة. ويمكن ملاحظة ان الدولة اللبنانية في سنوات الحرب الأهلية 1975 - 1990، جسدت حالة مثالية للدولة الفاشلة بسبب التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، فيما تمثل الصومال حالة مثالية اخرى للدولة الفاشلة التي تتداخل فيها السمات الداخلية مع التدخلات الخارجية.

ويؤكد المثال اللبناني، ان الدولة الفاشلة ليست قدراً نهائياً. إذ إن بالامكان الخروج من تلك الصفة عبر إعادة ترميم الأوضاع وبنائها بناء جديداً من خلال اقامة حكم رشيد، وتصويب السياسات في الجوانب المختلفة، وثمة كثير من التجارب التي استطاعت فيها دول الخروج من تحت لافتة الدول الفاشلة، وفي البلدان العربية بذل لبنان جهوداً كبيرة ولا يزال للخروج من صفة الدولة الفاشلة.

* كاتب سوري

============================

ما بعد الاستفتاء التركي

بقلم :خالد السرجاني

البيان

16-9-2010

وافق الشعب التركي على التعديلات الدستورية التي اقترحتها حكومة حزب العدالة والتنمية، وجاءت الموافقة لتعكس ثقة الشعب في هذه الحكومة، وفى رئيسها رجب طيب أردوغان.

 

والحاصل أن هذه الموافقة تجعل المراقب يسعى للتعرف على مستقبل تركيا في ضوء نتائج هذا الاستفتاء، خاصة وأنها أمام استحقاقين مهمين؛ الأول هو انتخاباتها التشريعية المقرر لها أن تجرى العام المقبل، ثم المحادثات بينها وبين الاتحاد الأوروبي من أجل أن تصبح عضوا كاملا فيه.

 

وهناك العديد من النقاط المهمة الخاصة بهذا الاستفتاء، تجب الإشارة إليها قبل تناول تأثيره على هذين الاستحقاقين. الأولى تتعلق بخطأ ما ذكره معظم المراقبين، حول أن تركيا أنهت مرحلتها العلمانية التي ترسخت مع تأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية التركية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.

 

والحقيقة أن نجاح العدالة والتنمية لم يأت لأنه حزب إسلامي، وإنما لأنه التزم بمبادئ الدولة العلمانية.

 

وما حدث في التعديلات الأخيرة لا يتعلق بعلمانية الدولة، وإنما يتعلق بتقليص سلطة الجيش في الحياة السياسية، أما المبادئ الخاصة بالقضاء، فما حدث بشأنها هو أن المحكمة العليا نقضت التعديلات التي رأت أنها تمثل تدخلا من الحكومة في شؤون القضاء.

 

وما يمكن قوله، هو أن علمانية تركيا تحولت من علمانية متخاصمة مع الدين، إلى علمانية أخرى تتصالح معه ولا تعاديه.

 

وثانية هذه النقاط تتعلق بأن الاستفتاء تم التعامل معه على أنه يعتبر في نفس الوقت استفتاء على شعبية الحكومة، خاصة وأن رئيس الوزراء التركي أعلن أكثر من مرة أن حكومته سوف تستقيل في حال رفض التعديلات الدستورية، وأنه ستتم الدعوة إلى انتخابات مبكرة في الشتاء القادم في هذه الحالة.

 

ونتائج الاستفتاء تؤكد ثقة الشعب التركي أو أغلبيته، في الحكومة التي يرأسها أردوغان، في الوقت الذي تؤكد أن ثقته في المؤسسة العسكرية تتراجع.

 

وهذا يرجع إلى عدة أسباب، في مقدمتها أن الناخب التركي سئم من تدخلات هذه المؤسسة في الشأن السياسي، وهي التي أدت إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي استمرت عدة سنوات، ولم تنته إلا بعد تولي حزب العدالة والتنمية مسؤولية الحكم.

 

وقد حقق هذا الحزب معدلات عالية من التنمية، فضلا عن تقليصه لمعدل التضخم، كما استطاع أن ينهي العزلة الإقليمية والدولية لتركيا.

 

وفضلا عن كل ذلك، فإنه قرب حلم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لدى المواطن التركي، وهو الأمر الذي مكنه من التصدي لنفوذ المؤسسة العسكرية.

 

وفى هذا الصدد نشير إلى أن العدالة والتنمية أجرى تعديلات قانونية سابقة، قلصت من نفوذ المؤسسة العسكرية، ولم يكن ليستطيع ذلك دون تأييد الشعب لأدائه على أكثر من صعيد.

 

وثالثة النقاط تتعلق برد الفعل الدولي على نتائج الاستفتاء، حيث رحب معظم الدول الغربية بهذه النتائج، ما ينفى عنها تهمة هدم العلمانية أو أسلمة تركيا. فقد رحبت كل من الولايات المتحدة وألمانيا بنتيجة الاستفتاء، والذي صوت 58% من المشاركين فيه لصالح التعديلات الدستورية التي اقترحتها الحكومة.

 

وأصدر كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير الخارجية الألماني جويدو فيسترفيله بيانا رحبا فيه بنتيجة الاستفتاء. وهذا الموقف الألماني بالذات، يؤكد أن دول الاتحاد الأوروبي في معظمها تؤيد هذه التعديلات، وهو الأمر الذي له دلالته على صعيد دور الإصلاحات الدستورية في تقريب تركيا من حلمها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

 

وإذا كانت نتائج الاستفتاء تعطي مؤشرات على أن الثقة التي أعطاها الشعب التركي لحكومة حزب العدالة والتنمية، بنسبه أعلى من تقديرات استطلاعات الرأي العام، سوف تمكن الحزب من الاحتفاظ بأغلبيته.

 

فإن هناك مخاوف من أن تسعى المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات وتكتلات النخبة العلمانية، لحشد تحالف قوي يستطيع أن يواجه العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المقبلة.

 

وقد يكون ذلك عبر عدة إجراءات، في مقدمتها السعي لعقد تحالفات واندماجات بين الأحزاب الليبرالية القوية، لكي يكون هناك حزب علماني ليبرالي واحد قوي، يستطيع أن يواجه حزب العدالة في الانتخابات، وهذا السيناريو مطروح منذ عدة أعوام.

 

لكن الاختلافات بين قيادات الأحزاب تحول دون تنفيذه، وبالتالي من الممكن أن تزداد ضغوط المؤسسة العسكرية على هذه الأحزاب، من أجل التوصل إلى هذا الاندماج قبل إجراء الانتخابات التشريعية.

 

أما الإجراء الثاني فيتمثل في زيادة الهجوم على الأكراد، من أجل دفعهم إلى عقاب الحكومة التي لم تنفذ وعودها لهم بإجراء إصلاحات ثقافية وسياسية لصالحهم، فضلاً عن تنمية المناطق التي يعيشون فيها. وقد جربت المؤسسة العسكرية هذا السيناريو جزئيا قبل الاستفتاء على الإصلاحات الدستورية.

 

وهناك سؤال آخر مهم وجوهري، يتعلق بما إذا كانت الإصلاحات سوف تساعد تركيا في مفاوضاتها من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أم أنها مجرد تحصيل حاصل، لأن القوى النافذة في الاتحاد تريد أن يظل الاتحاد ناديا مسيحيا.

 

ومن الواضح أن التصريحات التي صدرت عن دول في الاتحاد حول التعديلات، تؤكد أن القوى التي تؤيد الانضمام التركي، مثل ألمانيا، تستثمر أي خطوة من جانب تركيا تؤكد أنها تتجه إلى الديمقراطية والتعددية الحقيقية، من أجل إضعاف الجناح المناهض لانضمام تركيا للاتحاد. ولكن يبدو أن الموضوع لم يحسم بعد، وإن كانت الإصلاحات قد أعطت قوة دفع إضافية للموقف التركي.

كاتب مصري

============================

خطوة في اتجاه أوروبا

بقلم :صحيفة «اندبندنت» البريطانية

البيان

16-9-2010

من المؤسف أن تكون تركيا غير معروفة بالدرجة الكافية، وألا يكون وضعها مفهوماً في الغرب، وهي التي تسعى، منذ العام 1962، للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فسياستها الداخلية عصية على الفهم، وهذا هو السبب الذي جعل نتائج الاستفتاء على الدستور التركي الجديد، التي أعلنت مؤخراً، لا تثير اهتمام الكثيرين، خارج حدودها.

 

وهذا حقاً أمر مؤسف، لأن ما أسفر عنه الاستفتاء مؤشر مهم لتحول تركيا من دولة نصف ديمقراطية شديدة المركزية، تتخذ فيها مواقف الجيش قوة القانون، إلى ديمقراطية على الطراز الأوروبي إلى حد كبير.

 

وحتى الآن، من الصعب مقاضاة العسكريين أمام المحاكم المدنية، وفوق ذلك يمارس الجنرالات نفوذاً كبيراً على القضاة الذين يميلون لتنفيذ رغبات العسكريين، فيحظرون الأحزاب، سواء الدينية أو ذات النزعة الانفصالية، التي يمكن أن تشكل تهديداً لرؤية العسكريين لطبيعة الدولة العلمانية.

 

وقد طلب من الأتراك في الاستفتاء، الذي قدمه رئيس الوزراء المعتدل رجب طيب أردوغان، بين أمور أخرى، أن يوافقوا على إمكانية محاكمة قادة الجيش والعسكريين أمام المحاكم المدنية، ونقل سلطة حظر الأحزاب من القضاء إلى البرلمان.

 

ومثلما فعلوا في الماضي تماماً، يصر خصوم أردوغان على أن هناك أجندة سرية وراء تلك الإصلاحات التي يفترض أنها تقدمية، ويعتقدون أن الهدف من ورائها هو إلغاء النظام العلماني، الذي وضعه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك في العشرينات من القرن الماضي، إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية.

 

لدى أردوغان، دون شك، نزعة دينية، ولكن ليس هناك أي دليل حتى الآن على وجود أي نوايا لديه مضادة للديمقراطية. وعلى العكس، فإن معظم مبادرات رئيس الوزراء التركي، مثل التفاوض مع الانفصاليين الأكراد، تمثل تحسناً ملحوظاً عن السياسات القمعية التي كان يتبناها سابقوه الأكثر علمانية.

 

لطالما أيدت بريطانيا انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، معتقدة عن حق أن توثيق عرى الروابط بين الجانبين، سيجعل من أنقرة إضافة قوية للغاية للغرب، على المستوى الديمغرافي وعلى المستوى الأمني. ولكن، للأسف، لم تنجح هذه الرؤية في شق طريقها في أوروبا لأسباب عدة، بعضها يتعلق بالعنصرية، وبعضها يتعلق بكراهية الإسلام.

 

لكن هناك اعتراضات أخرى ذات أسباب معقولة، وهي تعتمد على اعتقاد بأن أوروبا يجب ألا تقلل معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان المقبولة لديها، لمجرد تسهيل ضم تركيا للاتحاد الأوروبي.

 

وبنجاح الاستفتاء تتراجع أهمية تلك الاعتراضات، وستصبح تركيا أفضل داخلياً، كما أنها ستكون في موقف أقوى عندما تواجه تلك الدول الأوروبية التي تريد إبقاء الباب مقفولاً في وجهها.

 

وقد بذلت حكومة أردوغان جهوداً كبيرة لإنجاح الاستفتاء، الذي جاءت الموافقة عليه بنسبة 58%، إذ دحض رئيس الوزراء دعاوى المعارضة، وأكد أن التعديلات الدستورية ستقوي مركز تركيا، وستجعلها أقرب إلى الديمقراطية الأوروبية. كما قال كبير المفاوضين الأتراك مع الاتحاد الأوروبي إيغمين باجيش، إن وطنية أي شخص يرفض التعديلات الدستورية، سيكون مشكوكاً فيها.

 

وتهدف التعديلات إلى تغيير تركيبة المحكمة الدستورية والهيئة المعنية بالتعيينات القضائية، والطريقة التي يتم بها اختيار أعضائها.

 

وكانت محاكم تركيا الرئيسية قد أغضبت الحزب الحاكم مراراً، بمنعها تمرير قوانين كانت تستهدف إرضاء جماهير الحزب المتدينة، ومن بينها مشروع قانون كان يهدف إلى رفع الحظر المفروض على ارتداء النساء للحجاب في الجامعات التركية.

 

كما تتضمن التعديلات منح الموظفين المدنيين حق المطالبة الجماعية بحقوقهم، باستثناء حق الإضراب، كما تتضمن دعم حقوق المرأة والطفل.

============================

عَوْلمة الصراع مع الصهيونية

آخر تحديث:الخميس ,16/09/2010

خيري منصور

الخليج

المسألة أشبه بهرم مقلوب، ففي البداية كان الصراع عربياً صهيونياً، ثم تمدد بفعل حرارة المناخات الثورية أثناء الحرب الباردة ليشمل إطاراً أوسع، لكن ما يحدث الآن يستحق التأمل والتريّث في قراءة المشهد لحساسيته أولاً، ولأن مستقبل هذا الصراع أصبح مهدداً بالتهجير من نطاق إلى آخر سواء على صعيد التاريخ أو الجغرافيا .

 

ولم تكن سفن الإغاثة التي حملت ناشطين من مختلف الجنسيات في العالم إلى شاطئ غزة هي أول مؤشر إلى عولمة الصراع . فما كتبه شعراء ومثقفون ومفكرون في مختلف القارات عن فلسطين باعتبارها التراجيديا الأهم في عصرنا الحديث كان يمهد الطريق أمام قوى شعبية وأحزاب وناشطين لإضاءة المشهد الذي شحّ عنه الضوء لأسباب عديدة منها انشغال العرب بحروب أخرى منها الحدودي والثأري وما انتهت إليه الحرب الباردة من سيطرة تقرب من الاحتلال لهذا الكوكب برمته، بحيث أصبح التواجد الأمريكي المباشر أو غير المباشر يغطي معظم تضاريس العالم . والأمر يتجاوز المصادفة عندما يصرح كاتب مسرحي عربي بأن الصهيونية ليست عدواً في الوقت الذي يخرج فيه كاتب مسرحي بريطاني هو هارولد بنتر من المستشفى إلى الشارع كي يندد بالصهيونية وما تقترفه من جرائم في فلسطين .

 

والأمر يتجاوز المصادفة أيضاً عندما يتزامن غناء مطرب عربي في إيلات يكيل المدائح لنتنياهو مع اعتذار فرقة فنية في إيرلندا عن عدم المشاركة في أي مهرجان يحضره صهيوني واحد .

 

ومقابل ما كتبه صحافي عربي اسمه منحوت من الأبجدية ولا سبيل إلى التمويه عن ديمقراطية الكيان الصهيوني، تعرض صحافي سويدي للتهديد بالقتل لأنه افتضح سرقة الجيش الصهيوني أعضاء الشهداء والأسرى في فلسطين .

 

تطول القائمة لو شئنا الاستطراد، لكن هؤلاء ليسوا سوى استثناءات لا تؤثر في القاعدة الذهبية أو تجرحها، إنهم نسبة الثلاثة في المئة التي قال عنها سارتر أثناء احتلال فرنسا وإعلان حكومة المارشال بيتمان في فيشي بأنها النسبة التقليدية للشوائب والشواذ، أو العرض الجانبي المصاحب للمقاومة والذي لن يتجاوز تأثيره نوبة عابرة من الغثيان .

 

إن ما نشر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة عن القضية الفلسطينية بلغات أجنبية يشكل انعطافة واضحة في الرأي العام العالمي، فالأقنعة سقطت تباعاً عن الذئب الذي يثغو ويتقمص دور الحمل المعتدى عليه، وما كان يتنامى وراء الكواليس والأكمات فاض وزكمت رائحته الأنوف، بحيث أصبحت إنفلونزا الاحتلال والاستيطان تنافس “الإنفلونزات” الأخرى بدءاً من الطيور حتى الخنازير .

 

للوهلة الأولى نشعر بالارتياح لعولمة هذا الصراع، فحلفاء الحق العربي في فلسطين من شتى الجنسيات والمستويات، لكن خطورة هذه العولمة المضادة هي في كونها تشعر العرب بأن هناك من ينوب عنهم لاسترداد الحق، وحين تصبح الضحية خرساء فإنها تفقد الرجاء في الحياة . ومن أرادوا تضييق مساحة القدس حتى حدود بلديتها وتصغير فلسطين حتى حدودها الجغرافية يفاجأون الآن بأنها تتسع وتتعولم، بحيث يتحولون إلى متفرجين .

============================

«إسرائيل هي العدو»

الافتتاحية

الخميس 16-9-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

عندما طرحنا الوحدة العربية أساس قوة يؤمّن البيئة الأفضل لمشروع النهضة العربية، متضمناً ذلك مقاومة الأطماع والتعديات واستعادة الأجزاء المغتصبة من الأرض العربية.. اعتمدنا الشرح السياسي والتربية العقائدية من أجل الوصول إلى الهدف.

دون شك إن المشروع لم يكن على تلك الدرجة من التوفيق.. لكنه خلّف مجموعة من المواقف العقائدية المنهجية التي عمل العرب بمقتضاها.. واعتبر الخروج عليها خيانة.. وقد تبلور ذلك بالشكل الأوضح بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر 1956.. والذي تلاه سقوط الأنظمة التي أظهرت أي مخالفة لهذه المواقف..‏

في مقدمة المواقف العربية الأساسية التي اعتمدت ولا خروج عنها، الموقف من القضية الفلسطينية وأن «إسرائيل هي العدو».. إضافة إلى التزام الدول العربية بالوقفة الواحدة عندما تتعرض إحداها إلى تعدّ من أي نوع كان.. حتى ولو كان تعدياً اقتصادياً معنوياً كما في رفض ميناء نيويورك إفراغ حمولة السفينة المصرية «كليوباترا» والتي ردّ عليها العرب بمقاطعة كل السفن الأميركية، حتى تم التراجع عن الموقف الأميركي.‏

بكل الأحوال الالتزام العربي الفعلي كان «إسرائيل هي العدو» لأنها بكاملها احتلال لأرض عربية «فلسطين» وعدوان مستمر.‏

استمر العداء لإسرائيل واسطة العقد الذي يجتمع العرب عليه ونصت الكثير من الدول العربية في تشريعاتها ومناهجها وسياستها على هذه العقيدة.‏

بعد كامب ديفيد «الاتفاقية المصرية مع العدو الإسرائيلي».. اهتز المبدأ.. فانتفضت مجموعة من الدول العربية اتصفت بامتدادها على كامل الوطن، ترفض التنازل عن العداء لإسرائيل أو التساهل بعودة فلسطين «الجزائر – ليبيا – اليمن – فلسطين.. وطبعاً سورية».. واستمرت إسرائيل هي العدو.‏

لكن..‏

بعد اتفاق أوسلو «تمر هذه الأيام ذكراه» تراجع الموقف العربي.. إلى حدود.‏

وبقي التصريح بإلغاء العداء لإسرائيل صعباً.. ومحاولة الهروب منه تتطلب جهداً.‏

هذا يعني، بقي العرب في حالة من الوحدة العقائدية على أساس العداء لإسرائيل.. وساهم في ذلك الموقف الشعبي.. وحتى اليوم لايجرؤ مسؤول عربي على إعلان انتهاء العداء لإسرائيل.. إنما يداور على الحكاية ويُلبس موقفه بما لا يستر ربما.. واستمر إعلان التعامل مع إسرائيل وقاحة سافلة وخيانة.. قولاً واحداً..‏

عندما ظهرت بعض الأصوات في لبنان، تعلن تساهلها في هذه المسألة.. سُئل قائد الجيش اللبناني وهو المؤسسة الوطنية الأهم في لبنان – كان قائد الجيش في حينه العماد ميشال سليمان رئيس الجمهورية اللبنانية حالياً- عن عقيدة الجيش فأجاب دون تردد: إسرائيل هي العدو..‏

وفي أكثر من موقع تكرر الموقف ذاته منه، وممن سبقه ولحقه في قيادة الجيش.‏

هذا لا يترك مجالاً للبناني يعرف بلده وجيش بلاده.. ويحترم كلاً منهما، أن يعلن بكل وقاحة صلفة، تعامله مع إسرائيل.. لأن ذلك تعامل مع العدو.. كما تقول عقيدة الجيش اللبناني.‏

إن استمرار التساهل العربي في إنشاء جهات عربية علاقات سرية أو علنية مع العدو.. يشكّل العنصر الأهم في خلل الائتلاف والتضامن العربي.. طبعاً أنا لا أجهل أنهم يعلنون أحياناً عبء العروبة عليهم.. لكن.. لا يمكن الهروب من التاريخ والجغرافية.‏

التعامل مع العدو الصهيوني موقف لا يمكن أبداً السماح به.. أما الذي يمنع فهو بلد المتعامل ذاته.. وليس غيره.. وفي كل البلدان العربية في كل الشوارع العربية هناك من يرد على الخونة.‏

ولن ينفعهم كثيراً محاولة تصنيع الأعداء ولا سيما من الدول الصديقة والشقيقة.. وما زال المعيار «إسرائيل هي العدو» عليه نجمع ونجتمع.‏

a-abboud@scs-net.org

============================

بين يهودية الدولة والمستوطنات

رندى حيدر

النهار

16-9-2010

ثمة تناقض جوهري بين مطالبة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالإعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وتمسكه بمواصلة البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بعد انتهاء مدة التجميد في نهاية هذا الشهر. فعلى الرغم من كل البروباغاندا اليمينية الإسرائيلية، فإن المطالبة باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة لا يعني فقط تخلياً عن حقوق الفلسطينيين في العودة الى أرضهم؛ بقدر ما هو أيضاً تعبير عن القلق الإسرائيلي الكبير على مستقبل هوية إسرائيل، وعن الخوف الحقيقي من تحولها خلال عقد من الزمن دولة ثنائية القومية، في ظل تراجع الهجرة اليهودية، والزيادة الديموغرافية الكبيرة لعرب 48 وللفلسطينيين في الضفة الغربية.

 لقد شهدت الأعوام العشرة الأخيرة تبدلاً مهماً وذا دلالة، في جدول أعمال المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. فبعد أن كان المفاوضون الإسرائيليون في الجولات الماضية يعطون الأولوية لمشكلات الحدود، والمستوطنات، والقدس، واللاجئين، ثم الأمن؛ إذا بهم يغيرون ترتيب أولوياتهم بحيث بات الاعتراف بيهودية الدولة يأتي في رأس المطالب. وإذا كان نتنياهو، وقبله إيهود أولمرت اعتبرا هذا المطلب بمثابة إثبات لتمسكهما بإيديولوجيا اليمين، فإنهما من جهة أخرى قد عبدا الطريق واسعاً أمام فكرة تخلي هذا اليمين عن مفهوم أرض إسرائيل- الكاملة، من أجل المحافظة على يهودية الدولة. إذ لا يمكن أن تبقى إسرائيل "يهودية" إذا كان يعيش تحت سيطرتها أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني مرشحين خلال الأعوام العشرة المقبلة لأن يصبحوا ضعف عددهم الحالي، والقضاء نهائياً على حلم إسرائيل في البقاء دولة لليهود.

ولكن من ناحية أخرى، فالمطالبة بالاعتراف بيهودية إسرائيل تحمل ضمناً الرفض الإسرائيلي المطلق لعودة اللاجئين الى فلسطين، وتحصر حل مشكلتهم في الدولة الفلسطينية العتيدة. وإذا كان مفهوماً اصرار نتنياهو على هذا المطلب، فإنه من غير المفهوم التجاوب الأميركي معه. فقول الموفد الأميركي الخاص جورج ميتشل بأن حل الدولتين يعني إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية ينطوي على مغالطة أساسية. إذ كيف يمكن في مقاييس الديموقراطية الأميركية اعتبار دولة تقوم على الدين، والانتماء القومي وتميز بين مواطنيها على هذا الأساس دولة ديموقراطية؟

وعلى الرغم من ذلك، فإن حصول إسرائيل على الدعم الأميركي لمطلب يهودية الدولة، لا يعني أنها سلّمت نهائياً بمبدأ الانسحاب من المناطق الفلسطينية التي ما زالت حتى اليوم خاضعة لسيطرتها، كما لا يعني إقرارها علناً بضرورة البحث منذ الآن بمصير المستوطنات اليهودية المعزولة التي يعرف الكل في اسرائيل أنها ستُخلى، ومع ذلك الكل يحاول تجاهل ذلك، ويطالب بالعودة الى البناء فيها.

لقد أضمر قيام إسرائيل ببناء الجدار الفاصل بينها وبين الضفة الغربية، أن هذا الخط سيشكل مستقبلاً حدودها الشرقية مع الدولة الفلسطينية العتيدة. أما اليوم فقد ساهمت سياسة الغموض التي ينتهجها نتنياهو من موضوع التسوية السياسية مع الفلسطينيين منذ وصوله الى السلطة، ومنذ خطابه الشهير في جامعة بار إيلان حين اعترف بحل الدولتين في إشاعة اقتناعات لدى الجمهور الإسرائيلي، بأن مستقبل المستوطنات اليهودية في الضفة سيبقى في منأى عن أية تنازلات مقبلة في المفاوضات مع الفلسطينيين، وذلك على الرغم من استعداد نحو 20 الى 30 في المئة من سكان المستوطنات التي من المنتظر أن تُخلى، على البحث منذ الآن في انتقالهم إلى إسرائيل والتعويض عليهم، وفق ما تحدثت عنه الصحف الإسرائيلية.

 إن الرؤيا المضللة لليمين الإسرائيلي من موضوع التسوية مع الفلسطينيين، جعلت الرأي العام العام هناك غير مقتنع باحتمال نجاح المفاوضات المباشرة، وعززت دعم مواصلة البناء في المستوطنات بعد انتهاء مدة التجميد. كما أن المحاباة الأميركية للإسرائيليين في مسألة يهودية الدولة من دون توضيح المغزى الحقيقي لمثل هذا الاعتراف، أي استحالة ان تكون إسرائيل يهودية من دون انهاء احتلالها لمدن الضفة الغربية واخلاء مستوطناتها من هناك، من شأنه أن يزيد الغموض والالتباس، ويعقد امكانية التوصل الى تسوية حقيقية للخلافات.

============================

إدامة الاحتلال لا تؤدي الى السلام

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

16-9-2010

ريح مبطن بالدلالات دعا نتنياهو الفلسطينيين للكف عن التركيز على مفهوم الدولتين كأساس للتسوية السياسية وتبني مفهوم دولتين بشعبين, وهذا يعني ببساطة دولة يهودية للشعب اليهودي ودولة لشعب فلسطين.

 

لكنه اضاف أن الاستيطان وتوسيع المستوطنات لن يتوقف لاسباب انسانية لحاجة المستوطنين الجدد لمنازل ولأن الاستيطان قضية ثانوية.

 

انشاء دولة لا يقوم الا بوجود ارض متصلة وشعب وكيان سياسي معترف بشرعيته, المشكلة ان اسرائيل لم تضع بعد حدوداً واضحة لدولتها, مما يعني أن حدودها زاحفة باستمرار, تحت عناوين امنية وأيديولوجية على حساب الحصة التي يفترض أن تخصص للدولة الفلسطينية من الارض والتي يفترض ان تكون حدود عام 1967 بما فيها القدس.

 

اذن الاستيطان مشكلة يتم فيها دفع حدود الدولة الاسرائيلية باستمرار على حساب جيرانها العرب, وهذه قضية خطيرة, لانها تعني اضفاء صفة الديمومة على الاحتلال, وهذا يتناقض مع مشروع الحل السياسي والتسوية الدائمة, لأن الاساس ان تختار اسرائيل بين استمرار الاحتلال والصراع وبين اقامة سلام يؤمن لها القبول والعلاقات الطبيعية في المنطقة.

 

ولهذا فالاستيطان والزحف الاستيطاني سيشكلان العقدة في المنشار التي تعيق الحركة باتجاه السلام الحقيقي.

 

العقدة الثانية هي عدم الاتفاق على مرجعيات واضحة للسلام تجعل التفاوض من جديد مرحلة مكملة لما سبق من مراحل تفاوضية على مدى تسعة عشر عاماً مع احترام الاتفاقات المبرمة سابقاً.

 

وبدون ذلك لا شيء يضمن بأن اسرائيل لن تتراجع عن أي اتفاق جديد, بمجرد حدوث تغيير حكومي أو انتخابات جديدة في اسرائيل, فتصبح المفاوضات ملهاة سياسية اسرائيلية لا تحقق نتائج ملموسة وتعود دائماً الى نقطة الصفر ولا يتحقق في اطارها الا تقطيع الوقت واحداث مزيد من العقبات التي تفرضها اسرائيل من خلال القمع والاستيطان.

 

اما مفهوم الدولة اليهودية فهوله اسئلة عديدة, هل المقصود دولة يهودية خالصة لليهود دون غيرهم ام دولة دينية وكيف ستكون الدولة الدينية ديمقراطية, وما هو مصير مليون عربي غير يهود يحملون الجنسية الاسرائيلية, وهل ستكون دولة اليهود دولة فصل عنصري, وهل سيتم احلال المهاجرين اليهود في المستقبل محل مواطني الدولة اليهودية من العرب, وهل الهجرة الى الكيان الفلسطيني ستكون مفتوحة على غرار الهجرة اليهودية أم مقيدة بشروط سياسية؟

 

واذا كانت اسرائيل تصر على الزحف الاستيطاني داخل مفاصل اراضي الدولة الفلسطينية ألا يقود ذلك الى اتفاق مرحلي تحت اسم الدولة الفلسطينية تكون فيه الدولة الفلسطينية المخترقة والممزقة بالاستيطان, دولة مؤقتة عملياً وبرسم الازالة.

 

ليس فيما يطرحه رموز الحكومة الاسرائيلية الحالية من مفاهيم ومصطلحات ومواقف مسبقة ما يبشر بخير ولا ما ينم عن جدية في طلب السلام, فاسرائيل تسعى لابرام اتفاق اطار يتم في عام واحد وينفذ في عشر سنوات, تترك فيه اهم القضايا كالقدس واللاجئين والحدود معلقة برسم التفاوض بين دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية, وقد تبقى هذه القضايا معلقة عشرات السنين, هذا لون جديد من ألوان الاحتيال السياسي لاضفاء صفة الشرعية والديمومة على مكتسبات وأطماع الاحتلال ولا اظن العرب والفلسطينيين سيقبلون به.

 

نأمل أن تأتي المفاوضات بغير هذه الطروحات وان يوظف الحضور والاهتمام الدولي في تغيير هذه المفاهيم التي تطرح كبالونات اختبار أو كألغام لنسف عملية السلام أو تعطيلها الى ما شاء الله..

============================

ساركوزي.. نموذج جديد للسياسي الفرنسي

ويليام فاف

(كاتب ومحلل سياسي أميركي)

تريبيون ميديا سيرفس

الرأي الاردنية

16-9-2010

استؤنف الموسم السياسي في فرنسا هذا الأسبوع على وقع طقس بات متداولًا ومعروفاً يطلقه «اليسار» الفرنسي مع انتهاء كل موسم صيف، هذا الطقس، أو العرف الفرنسي يتمثل في تنظيم إضراب عام تدعو له قوى «اليسار» في البلاد، كلما كانت السلطة في يد حكومة «يمينية».

وكما جرت العادة أيضاً خلال الإضرابات التي ينظمها «اليسار» تضاربت التصريحات حول عدد المشاركين في الاعتصامات والمسيرات التي عرفتها المدن الفرنسية الرئيسية يوم الثلاثاء الماضي احتجاجاً على ساركوزي وحكومته، ففيما قررت معظم حافلات النقل العام الاستمرار في تقديم خدمتها للجمهور قررت قطارات الأنفاق المشاركة في الإضراب وتعطيل خدماتها، أما المواطنون غير المضربين فقد استفادوا من الإجازة وقرروا البقاء في بيوتهم، أو الاستمتاع بالطقس المعتدل الذي خيم على فرنسا في الأسبوع الماضي، وبالنسبة للأجانب الذين يزورون فرنسا، فقد عبروا دائماً عن دهشتهم لهذا النزوع الفرنسي نحو الاحتجاج والخروج في مسيرات كبرى رغم ما تسببه أحياناً من متاعب للسياح بسبب تعطل المواصلات وانقطاع الخدمات الأساسية، لكن ذلك لا يعني أن مطالب الفرنسيين ليست شرعية، أو أنها تفتقد للجدية، فقد انصبت الاحتجاجات خلال العام الجاري على ساركوزي الذي أدانته جموع المضربين لأسباب تتعلق بأسلوبه في الحكم، فضلًا عن تصرفاته وسياساته التي أغضبت الفرنسيين ودفعتهم للتعبير عن استيائهم وإدانة تصرفاته بحماس منقطع النظير.

والحقيقة أن ساركوزي لا يتفق والنموذج التقليدي للسياسي الفرنسي، فهو بدا وكأنه غير مهتم بتحسين شعبيته لدى الفرنسيين، وغير معني بحبهم وتعاطفهم معه، كما أنه وطيلة الفترة السابقة عرف كيف يتفادى خطر نقمة الفرنسيين عليه.

وقد اتضحت شخصية ساركوزي مباشرة بعد توليه الرئاسة وإعلان فوزه في الانتخابات، حيث استعرض علاقته المميزة مع رجال الأعمال الفرنسيين وذهب مع أحدهم في رحلة على متن يخت فخم، وهو ما فسره البعض برغبة ساركوزي في الاحتفال بالمكانة التي وصل إليها، هذا بالإضافة إلى استخدامه لغة عامية دون أن ننسى قسوته السياسية.

لكن رغم هذه المثالب التي نفرت بعض الفرنسيين، لا سيما في الفترة الأخيرة بعدما عجز ساركوزي عن تحقيق الرخاء الذي وعد به وإرجاع المجد الفرنسي، فقد استطاع الاستحواذ خلال حملته الانتخابية والمرحلة الأولى من فترته الرئاسية على مخيلة الفرنسيين بعدما أصبح أحد أكثر الرؤساء الفرنسيين حركة ونشاطاً، بل أكثرهم نجاحاً خلال الثلاثين سنة الماضية، فقد تمكن بعد توليه الرئاسة من إذابة الجليد في العلاقة المتوترة تقليدياً بين الحكومات الفرنسية المتعاقبة وبين الاتحادات العمالية القوية في فرنسا، هذه الأخيرة التي مازالت متشبثة بظلال السلطة رغم انحسار زمن التعبئة الأيديولوجية وتناقص أعداد المنتسبين إليها مقارنة بالسنوات الماضية، بل إن النقابات تأقلمت بسرعة مع المعطيات الجديدة، وحافظت على قاعدتها الشعبية وسط الفئات العمالية والموظفين بعدما نجحت في استقطاب مثقفي التنظيمات الشيوعية واستفادت أيضاً من ناخبيهم.

ويرجع الفضل في تحسن علاقة النقابات مع السلطة إلى ساركوزي الذي سن سُنّة جديدة تمثلت في استدعاء قادة الاتحادات العمالية إلى الإيليزيه لعقد مشاورات دورية حول القضايا العامة.

لكن بعد مرور ثلاث سنوات على انتخابه رئيساً لفرنسا يعاني ساركوزي من تراجع كبير في شعبيته بسبب تصرفاته التي تنم في الكثير من الأحيان عن اعتزاز مفرط بالنفس ليهز بذلك أسس وهياكل الجمهورية التي وضعها ديجول من قبله عند تأسيسه الجمهورية الخامسة.

هذا بالإضافة إلى ما اتسم به ساركوزي من تذبذب في الأفكار، وهو ما دفع الفرنسيين إلى تغيير موقفهم من رئيسهم الذي أوصلوه بأصواتهم إلى سدة الحكم، فحسب الدستور الفرنسي يضطلع الرئيس بأدوار مهمة تتمثل في الإشراف العام على سياسة الدولة وتوجيهها.

وبموجب الدستور نفسه، فإن رئيس الوزراء يتولى مهمة التدبير اليومي للشؤون الحكومية، فضلاً عن وجود برلمان يناقش السياسات ويصادق عليها، لكن ساركوزي على ما يبدو أصر على القيام بالمهام جميعاً لأن ذلك يضعه وسط الأضواء التي يحبها، كما أن ميله إلى الاستعراض جعله بعيداً عن الجمهور، الذي لا يقبل بتغيير دور الرئيس من حام لقيم الجمهورية إلى مستعرض للثورة.

ولعل أكثر من التقط هذه الميول لدى ساركوزي وانتقدها المحلل السياسي الفرنسي «جون لوي بورلانج» بقوله إن ديجول جعل من رئيس الدولة الفرنسية «مدافعا عن الأساسي والدائم»، فيما ساركوزي حوله إلى ممثل «لكل ما يلمع ويختفي بعدما جمع بين الدائم والمؤقت وبين المهم والعرضي»، وهو زعزع المرجعية المؤسساتية التي اعتاد عليها الفرنسيون.

لكن بالإضافة إلى السلوك الشخصي لساركوزي، يبقى هناك سبب آخر مباشر يتمثل في قراره رفع سن التقاعد بالنظر إلى ارتفاع معدلات الأعمار من جهة والأزمة الاقتصادية التي يعيشها الغرب من جهة أخرى، وما يصاحب ذلك من عوامل متعلقة بالهجرة والتحولات الديموغرافية.

ففي فرنسا كما في باقي البلدان لا يعني التقاعد التوقف عن العمل بل فقط توقف الموظفين عن دفع استحقاقات التقاعد والبدء في استلام التعويضات، بحيث يعني رفع سن التقاعد الاستمرار في الاقتطاعات ومعها زيادة إسهامات المشغلين، وهو ما يعارضه العمال والموظفون.

============================

تسع سنوات من الحرب الخرقاء باهظة التكاليف

د. بشير موسى نافع

القدس العربي

16-9-2010

'نيوزنايت'، البرنامج الذي تبثه قناة ال'بي بي سي' الثانية مساء كل يوم، خمسة أيام من الأسبوع، هو بحد ذاته مؤسسة إخبارية. وقد كرس البرنامح مساء الجمعة الماضية (10 ايلول/سبتمبر) جزءاً ملموساً من الوقت للذكرى التاسعة لأحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001. ولم يكن هذا استثنائياً على أية حال، فقد أصبحت الذكرى مناسبة سنوية للمراجعات الإخبارية في العالم بأسره. وربما بدت المراجعة هذا العام أكثر إلحاحاً، ليس فقط لتصاعد العداء ضد المسلمين في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ولكن أيضاً لأن الحرب في أفغانستان تبدو وكأنها تمر بمنعطف حاسم. ما أدهشني، إذن، لم يكن الوقت الذي كرس لقراءة الحدث وآثاره، بل ما قيل في التغطية نفسها.

استضافت ال'بي بي سي' الصحافي الامريكي الشهير تيد كبل لإعداد التقرير الرئيسي الذي دار حول النقاش، وتضمن التقرير بدوره مقابلة ثاقبة مع السيناتور الديمقراطي السابق لي هاملتون، الذي يذكر دائماً للدور الذي قام به إلى جانب وزير الخارجية الامريكي الجمهوري الأسبق جيمس بيكر في إعداد تقرير 'بيكر  هاملتون' الشهير. التقرير الذي قدم لإدارة بوش الابن في كانون الاول/ديسمبر 2006، كلف به بيكر وهاملتون من قبل الكونغرس الامريكي، لقراءة وتقييم مجمل سياسة الحرب على الإرهاب، بعد أن تصاعدت مخاوف مؤسسة الحكم الامريكية من مؤشرات الفشل والتأزم التي واجهت السياسة الخارجية والنفوذ الامريكي في العالم وفي الشرق الأوسط. وينظر إلى كل من بيكر وهاملتون باعتبارهما من أعمدة السياسة الخارجية الامريكية، وليس من خلال الانتماء الحزبي لكليهما. المهم في الأمر أن تيد كبل وجه سؤالاً مباشراً إلى هاملتون حول ما إن كان رد الفعل الامريكي على أحداث ايلول/سبتمبر مبالغاً فيه إلى حد كبير، وما إن كان رد الفعل هذا قد كلف الولايات المتحدة الكثير. وقد جاءت إجابة هاملتون واضحة، وصريحة، وبدون أي تلاعب سياسي، مؤكداً على أن ذلك بالفعل ما حدث، وأن القاعدة استفزت الولايات المتحدة لتبني حرب غير محسوبة العواقب، تسببت في خسائر هائلة للولايات المتحدة وتكاد تصيب الاقتصاد الامريكي بالشلل، إضافة إلى الآثار السلبية التي تركتها على موقع أمريكا في العالم. أحد الذين شاركوا في النقاش بعد ذلك كان ديفيد فروم، كاتب خطابات بوش الشهير، الذي ينسب إليه اختراع مقولة 'محور الشر'، وأحد نشطاء معسكر المحافظين الجدد. دافع فروم في مداخلته عن سياسة بوش ببسالة، وذكر، مشيراً إلى النتائج الإيجابية لهذه السياسة، أن الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي في وضع أقوى الآن. ولم ينس فروم المقولات المعهودة حول الديمقراطية في العراق ...إلخ.

لنبدأ من النهاية، فالواضح أن فروم ينظر إلى 'شرق أوسط' آخر غير ذلك المتعارف عليه في الخرائط، لأن الشرق الأوسط الحقيقي لم يشهد انتصاراً للمعسكر الحليف للولايات المتحدة بأي حال من الأحوال. لحظة الانتصار الامريكي في العراق لم تستمر إلا لشهور قليلة، وبعد ذلك بدأت الأمور في التدهور من وجهة نظر السياسة الامريكية في المشرق. خلال سنوات إدارة بوش الأولى والثانية، أصبحت تركيا أكثر استقلالاً عن السياسة الامريكية، وبرزت إيران باعتبارها قوة إقليمية يعتد بها، ليس من جهة الاستمرار في تطوير البرنامج النووي فقط، لأن هذا لا يمثل سوى عامل صغير ومحدود في مكتسبات إيران الاستراتيجية. خصوم إيران الرئيسيون في المنطقة أطاحت بهم إدارة بوش، وحلفاء إيران في فلسطين ولبنان أكدوا مواقعهم في صورة غير مسبوقة؛ أما نفوذ إيران في العراق، فليس محل جدل. سورية، التي وضعت في خطاب بوش الشهير، الذي كتبه فروم، ضمن 'محور الشر'، خرجت من مأزقي احتلال العراق وأزمة ما بعد اغتيال الرئيس الحريري أكثر قوة ونفوذاً واستقراراً. كما إيران، شهد العقد الأخير صعوداً مستمراً لحلفاء سورية وأصدقائها؛ وبعد محاولة تقويض النفوذ السوري في لبنان، ووضع سورية في موقع المتهم في قضية اغتيال الرئيس الحريري، تشهد تطورات التحقيق في حادثة الاغتيال ما يشبه تبرئة لسورية، حتى قبل صدور القرار الاتهامي. وقد باتت سورية قاب قوسين أو أدنى من توثيق نفوذها اللبناني ليس في أوساط حلفائها السياسيين التقليديين وحسب، بل وفي أوساط السنة وقطاع واسع من المسيحيين. وبالرغم من أن التأثير السوري العربي لم يزل يواجه العقبة المصرية، فإن العلاقات السورية - السعودية عادت تقريباً إلى طبيعتها. وإلى جانب تعزيز أوضاع الدول غير الحليفة لواشنطن، شهدت الفترة نفسها انتصار حماس الانتخابي في فلسطين، وانتصار حزب الله الكبير في الحرب الإسرائيلية على لبنان. الانتصار الانتخابي أدخل حماس إلى دائرة السلطة والحكم الفلسطينيين، بغض النظر عن الانقسام اللاحق؛ وانتصار حزب الله، جعل من الحزب قوة سياسية رئيسية في خارطة الحكم اللبنانية.

وعلى الجانب الآخر، تبدو حظوظ حلفاء واشنطن في تراجع كبير. فباستثناء السعودية، التي استطاعت باعتماد سياسة ذكية من القوة والاستيعاب مواجهة الخطر الذي مثلته مجموعات القاعدة في منتصف العقد، فإن أوضاع مصر السياسية والاقتصادية ليست على ما يرام؛ وفي الوقت الذي تتسع الهوة بين النظام والشعب، فإن السياسة الخارجية المصرية تعاني من العجز وتراجع التأثير. في فلسطين، ثمة شكوك كبيرة حول شرعية سلطة الحكم الذاتي، وانهيار شبه كامل لقوة فتح الشعبية، التي تعتبر الأساس الذي أقيمت عليه سلطة الحكم الذاتي. أما في لبنان، حيث ربطت واشنطن بوش بين سياستها وتجمع 14 آذار وسياسة العداء لسورية، فالواضح أن مسوغ وجود 14 آذار لم يعد متوفراً، بعد أن عاد جنبلاط إلى أحضان دمشق، وبدأ الرئيس الحريري الابن مسيرة مصالحة حثيثة مع دمشق. هذه هي صورة الشرق الأوسط الحقيقية، الصورة التي شكلت ملامحها سياسة إدارة بوش. فأي إنجاز في هذه الصورة يمكن أن يحسب لإدارة بوش؟

خلال أيام قليلة من هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001، اكتسبت الهجمات صورة أيقونية ارتكزت إلى انهيار صرح أمريكي ورأسمالي هائل. ولكن بغير الصورة الأيقونية، لم تشكل الهجمات تهديداً حقيقياً للأمن القومي الامريكي. في أكثر من مناسبة، سيما خلال عقد الثمانينات، واجهت بريطانيا تهديدات ملموسة وكبيرة لأمنها، أكبر بكثير مما مثلته هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر. في حادثة شهيرة، استطاع الجيش الجمهوري الإيرلندي تفجير الفندق الذي استضاف رئيسة الحكومة البريطانية، مرغريت ثاتشر، وكبار وزراء حكومتها وقادة حزب المحافظين الحاكم. ولكن رد الفعل البريطاني على التحدي كان وضعه في إطاره الصحيح من الإجراءات الأمنية وسياسات التعامل مع جوهر المشكلة الإيرلندية. في الولايات المتحدة، استخدمت الهجمات البشعة لتبرير سياسات خطط لها مسبقاً لدى دوائر معينة في إدارة بوش، ولتوفير غطاء من الشرعية لهذه السياسات، بعد أن تحالفت حفنة من ديناصورات الحرب الباردة وأصدقاء الدولة العبرية الخلص في إدارة بوش لإقناع الرئيس قليل الخبرة في السياسة الخارجية لتبني سياسة حرب عالمية شاملة. بذلت جهود سياسية وإعلامية لتضخيم الخطر الذي تمثله القاعدة، وصنعت بالتالي صورة للتنظيم الصغير والهامشي، جعلت منه انعكاساً لواقع أنظمة لابد من تغييرها هي الأخرى، ومؤسسات تعليمية لابد أن يعاد بناؤها، ومجتمعات لابد أن تصنع من جديد.

أراد ديناصورات الحرب الباردة في إدارة بوش أن توفر الحرب الشاملة لأمريكا سيطرة مطلقة على الشأن العالمي، وأراد أصدقاء الدولة العبرية استخدام أمريكا لتخليص إسرائيل من خصومها الاستراتيجيين، وصنع هوة لا يمكن ردمها بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي، تشكل سياجاً أمنياً دائماً للدولة العبرية.

لم تبالغ إدارة بوش في رد فعلها وحسب، بل انتهجت سياسة كان من الواضح من البداية أنها لا تخدم المصالح والأمن القومي الامريكيين، لا داخل الولايات المتحدة ولا على مستوى العالم. وبالرغم من أن خطل هذه السياسة اتضح في شكل مبكر من الحرب، إلا أن أحداً في إدارة بوش لم يكن لديه أدنى استعداد للاعتراف بالخطأ الهائل أو التراجع عن سياسة كان واضحاً أنها لا تؤدي إلى أي هدف محدد. صحيح أن أفغانستان أثبتت في البداية أنها هدف سهل، ولكن منذ 2005، لم يعد هناك شك في أن طالبان قد عادت إلى الساحة بقوة كان من العبث تجاهلها، وأن النظام الذي وضع في كابل لم يكن قادراً على اكتساب الشرعية أو توفير بديل يعتد به لنظام حكم طالبان، بكل أخطاء الأخير وقصر نظره. أما في العراق، فلم تكد تمر شهور حتى انطلقت المقاومة للاحتلال، وقدم السياسون الذين عادوا مع القوات الامريكية ما يكفي من الأدلة على عجزهم عن إقامة عراق جديد، لا عراقاً ديمقراطياً ولا ليبرالياً ولا وطنياً. ولعل أحداً اليوم لا يعرف على وجه اليقين ما هو العراق الذي صنعه الغزو والاحتلال الامريكيين.

بدلاً من أن توفر سياسة الحرب والاحتلال مصادر قوة جديدة لتوكيد السيطرة الامريكية على الشأن العالمي، أتاح الغرق الامريكي في أفغانستان والعراق وعجز إدارة بوش عن إدراك حدود سياسة القوة والحرب لقوى مثل الصين وروسيا الفرصة لتعزز مواقعها السياسية والاقتصادية، في جوارها الإقليمي وعبر العالم. وفي النهاية، عندما اندلعت الأزمة الاقتصادية، كانت الولايات المتحدة أعجز عن أن تجد مخرجاً سريعاً وقليل الوطأة. لا المشرق العربي - الإسلامي أعيد رسمه على الصورة التي أرادتها إدارة بوش، ولا العالم خضع للإرادة الامريكية المتفردة.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

============================

الأمم المتحدة وتثقيف الشباب على تحالف الحضارات

مسعود ضاهر

السفير

16-9-2010

بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو) أتيحت لي الفرصة للمشاركة في أعمال المدرسة الصيفية الشبابية الأولى التي أعدتها «منظمة التحالف بين الحضارات»، التابعة للأمم المتحدة. تم تنظيم الملتقى في جامعة « أفيئيرو» البرتغالية، وأشارت الوثائق الرسمية الى مشاركة 44 دولة، وحضور 110 طلاب وطالبات من أعمار تراوحت ما بين 18 و30 سنة. وقدمت محاضرات على درجة عالية من الموضوعية والدقة العلمية ألقاها أساتذة جامعيون، ورؤساء منظمات ثقافية وإعلامية ودبلوماسيون.

وقد ألقيت محاضرة باللغة الانكليزية تحت عنوان: «دور تدريس التاريخ في الحوار بين الحضارات»، حظيت بحوار واسع بين الطلبة، نظراً لأهمية العامل التاريخي في بناء الذاكرة الثقافية، والحوار بين الحضارات. فقد شددت وثائق منظمة الأليكسو على أهمية التراث العربي ودوره في التفاعل بين الحضارات، واعتراف غالبية مثقفي العالم بما كان للتراث العربي المتفاعل مع الثقافات الصينية والهندية والفارسية واليونانية وغيرها من أثر كبير في التحضير لإطلاق النهضة الأوروبية الحديثة.

لكن التراث العربي والإسلامي يتعرض اليوم الى كثير من الطمس والتشويه في كثير من الدول العربية، خاصة فلسطين والعراق. كما أن المخطط الصهيوني الراهن الذي يقوده تحالف نتنياهو  ليبرمان لتهويد معالم القدس وعموم مناطق فلسطين ما زال يثير عاصفة من الاستنكار العربي والإسلامي والدولي. فهدم المساجد، والكنائس، وجرف المقابر، ومصادرة الأبنية الأثرية العربية والإسلامية أو هدمها، وتعريض الوثائق التاريخية لخطر التشويه، ومصادرة أملاك بدو النقب وتهجيرهم من ديارهم لإسكان المستوطنين اليهود على أراضيهم، وغيرها من أساليب القمع والإرهاب هي السمة الغالبة للسياسة اليومية التي تعتمدها حكومة إسرائيل لتنفيذ شعار «إسرائيل دولة يهودية».

تصدت منظمة الأليكسو لهذه السياسة بالدعوة إلى مؤتمر دولي مهم في مقر معهد العالم العربي في باريس خلال يومي 4 و5 آذار 2010. عقد المؤتمر تحت عنوان «القدس: مدينة وثقافة ومصير»، وضم نخبة متميزة من المثقفين الذين شددوا على أهمية حماية التراث كبعد إنساني يخترق جميع الحقب التاريخية ليلعب دوراً إيجابياً ومهماً في الحفاظ على الذاكرة الإنسانية لجميع الشعوب والحضارات.

استغرق الملتقى أسبوعا كاملا شهدت فيه المدرسة الصيفية الأولى حول التحالف بين الحضارات أعمالا ثقافية وفنية وسياحية متنوعة. وتضمن الحفل الختامي كلمات لممثلي الأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، في مدينة أفيئيرو، وبحضور رئيس جمهورية البرتغال السابق، سامباو، بصفته رئيس المنظمة الدولية للتحالف بين الحضارات.

ألقيت في الملتقى محاضرات مكثفة تناولت موضوعات متنوعة حول دور التربية في بناء أجيال المستقبل، والدبلوماسية وحقوق الإنسان الأساسية، ودور تدريس التاريخ في الحوار بين الحضارات، والتربية والدين والمواطنة على ضوء تعاليم الشريعة والممارسة في العالم الإسلامي، والإسلام والحداثة، والعالم العربي والدعوة إلى المتوسطية، والحوار الثقافي والتربوي بين ضفتي المتوسط، والدين كهوية في المجتمعات المتعددة، والسلام والثقافة والحوار ما بين الأديان.

كان عدد الطلبة كبيراً، والتحضير جيداً، والنقاشات مفتوحة وعلى درجة عالية من المسؤولية. وشددت ورش العمل الجانبية على كيفية تعزيز الحوار العقلاني بين الشباب، وطرق إدارة حوار المقهى الشبابي، والشباب وصناعة الشهرة، والصندوق الدولي لدعم الشباب وكيفية استفادة المنظمات الشبابية من دعمه، والتربية في خدمة الشباب المتفوق، والحوار بين المنظمات الشبابية في دول الشمال والجنوب، والاستفادة من الخبرات الناجحة في إدارة الحوار بين المنظمات الشبابية، وتدريب الشباب على التمييز بين المرويات والتاريخ العلمي، وكيفية الاستفادة من الدراسات التي ينشرها المجلس الأوروبي للثقافة حول كتابة تاريخ النزاعات والانتقال منها إلى مرحلة تاريخ ما بعد النزاعات لبناء الثقة المتبادلة بين الشعوب والدول. وتضمن الملتقى حوارات مكثفة حول تجارب المنظمات الشبابية في مناطق وجودها في الأرياف والمدن في بلدانها، ونقل خبراتها العملية في المستقبل لتعزيز الروابط بين المنظمات الشبابية على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي.

وبدا واضحاً أن الموضوعات المطروحة ذات أهمية استثنائية بالنسبة للشباب العربي. فهم يعيشون في عالم واحد. وعلى دولهم أن تهتم أكثر من أي وقت مضى بمستقبل الشباب العربي لكي يفهم كل منهم الآخر على حقيقته، ويعملون معاً على بناء عولمة أكثر إنسانية. وذلك يتطلب التعاون الوثيق بين المنظمات الشبابية العربية لإزالة أسباب التوتر، ومنع تجدد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تهدد مصير الشباب في جميع الدول العربية وفي الغالبية الساحقة من دول العالم.

فدور الشباب أساسي على مختلف الصعد لأن هذه الشريحة من الناس تمتاز بالتنوع، وتعدد وجهات النظر، والدينامية في العمل، والحركة الدائمة. ولديها خوف كبير ومشروع من المستقبل المظلم على المستوى الكوني، ورغبة في العمل على درء المخاطر المحدقة بهم. وهم مطالبون بمعرفة الآخر على حقيقته، وبالدعوة إلى الحق في المساواة حتى لو كان الآخر متفوقاً مرحلياً، وبحق الاختلاف حتى لو كان الآخر أكثر ثقافة، والإيمان والأمل بالتغيير حتى لو بدا صعباً ومستحيلاً في بعض الأحيان. وبناء المستقبل يتوقف على كيفية انخراط الشباب في التغيير، وبناء مستقبل أفضل من طريق بناء الإنسان أولا دون إهمال بناء القواعد الأساسية كالمشاريع والمدارس والجامعات والمصانع التي تؤسس لبناء شباب الغد وفق معايير أكثر ثقافة وإنسانية.

لقد ترددت خلال أسبوع كامل من أعمال هذا الملتقى مفاهيم على قدر كبير من الأهمية: التعارف، الحوار، الانفتاح، التغيير، العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص، المساواة، الاحترام المتبادل، الحق بالاختلاف، الرغبة في التعلم واكتساب المعرفة، الرغبة في العمل المشترك، مسؤولية الشباب تجاه مجتمعاتهم لبناء المستقبل أو الغد الأفضل وغيرها.

شارك العرب بنسبة عالية من الطلاب من دول عربية عدة، لكن التنظيم بين الوفود العربية كان ضعيفاً. حبذا لو يُستفاد من هذه المدرسة الصيفية التي نظمتها الأمم المتحدة للمنظمات الشبابية تحت شعار «التحالف بين الحضارات» لمزيد من التحضير الجيد في المناسبات المقبلة. فللشباب العربي دور كبير في الحوار بين الثقافات والحضارات. وهم قادرون على عرض مشكلات العالم العربي بأسلوبهم الخاص على أن يجري الحوار معهم قبل انعقاد الملتقى أو في اليوم الأول منه. فهل تعي الأنظمة العربية أهمية هذه الملتقيات الشبابية العالمية فتشارك في التحضير لها، وفي إعداد برامجها، واستضافة بعض دوراتها، وذلك انطلاقا من أهمية تلك الملتقيات في إعداد الشباب العرب وتدريبهم على كيفية تحمل مسؤولياتهم لبناء غد عربي أفضل؟

=======================

الجدل المُثار حول أراء تيلو زاراتسين المتعلقة بالمسلمين في ألمانيا: التلذذ باحتقار الآخرين!

روبرت ميزيك

ترجمة: صفية مسعود

مراجعة: هشام العدم

حقوق الطبع: قنطرة 2010

يرى روبرت ميزيك في هذا التعليق أن أطروحات السيد زاراتسين، عضو إدارة البنك المركزي الألماني والحزب الاشتراكي الديمقراطي، المتعلقة بالمهاجرين عامة، والعرب والمسلمين خاصة، في ألمانيا متعجرفة وجارحة وشاذة، كما أنها مطعّمة بالعبارات العنصرية والصياغات التي تنم عن احتقار غريب للمهاجرين.

إن النظريات التي أسهب تيلو زاراتسين في التحدث عنها في كتابه "ألمانيا تُلغي نفسها" وفي عدد لا يحصى من المقابلات الصحافية في الأسبوع الماضي لهي من السخف البالغ حتى إن المرء يجد نفسه غير قادر على إجراء نقاش موضوعي حولها. باستطاعة المرء إذاً أن يكتفي بالسخرية ويقول إننا لا نستطيع أن نكيل الاتهامات للسيد زاراتسين، إذا كان الغباء (كما يدعي) يمكن بالفعل توريثه. أما إذا أردنا أن نتحدث بجدية عن آرائه الشاذة، فسرعان ما سنجد أنفسها في مواجهة السؤال التالي: ألا نمنحها بذلك أهمية ظاهرية تدعي بأنها آراء جديرة النقاش عندما نحاول أن نعرضها وأن نتناقش حولها ونشير إلى لا معقوليتها؟

بالإضافة إلى ذلك فإن المؤلف لا يستعرض حججه ببساطة، كلا، إنها يسهب ويستفيض في شرحها، ثم يكررها ويتشبث بها أكثر كلما زادت لا معقوليتها. ليس هناك مقابلة صحافية لا يعود فيها مئات المرات إلى إدعائه بأن الذكاء موجود في الجينات الوراثية كما أن الغباء يورّث، وأن المجتمع سيواجه مشكلات عندما تكون نسبة الخصوبة لدى الأغبياء أعلى من المتوسط: "إذا كان الأشخاص الذين هم في المتوسط أقل ذكاءً يتمتعون بخصوبة أعلى، فإن متوسط الذكاء لدى السكان كلهم يقل."

 

خليط من ادعاءات مُبهمة

كل تلك الادعاءات يخلطها المؤلف بنظريات علم تحسين النسل وبأكثر التبسيطات الداروينية بلبلةً. ثم – نعم، لا يمكن أن نطلق عليها إلا كذلك – يأتي غباء الكاتب ويعلن عن نفسه بوضوح؛ الكاتب الذي ينفي الذكاء عن الآخرين لا يملك على ما يبدو أي ذرة من الذكاء الاجتماعي عندما يفيض ويسهب تحديداً في ادعاءاته المبهمة التي تقول بأن عدداً قليلاً من اللاأذكياء الذين يتكاثرون مثل الأرانب سيهدمون التركيبة الجينية لمجتمع ما.

 

هل نريد فعلاً أن نتناقش حول مثل هذه الترهات؟ إذاً، فلنفعل ذلك باختصار: السيد زاراتسين يدعي أن هجرة المسلمين تجعل ألمانيا أكثر غباءً. أولاً: لأن المسلمين جينياً ينتمون إلى "الأغبياء"؛ وثانياً: لأسباب ثقافية، لأن التعليم المدرسي الجيد لدى الأتراك والعرب مثلاً لا يساهم في الوجاهة ولا يرفع المكانة الاجتماعية (إنها "مشكلة ثقافية" إذاً).

وثالثاً، وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هناك علاقة سببية نلاحظها داخل الجاليات الإثنية الثقافية، كما أن هناك "علاقة إحصائية إيجابية بين الذكاء والخلفية الاقتصادية الاجتماعية ودرجة التعليم".

ليس معنى ذلك أن الألمان أذكى من المسلمين المهاجرين فحسب، كلا، إن النظرية صحيحة أيضاً بالنسبة للألمان أنفسهم، أي أن المثقفين والمقتدرين، باختصار: الطبقة العليا، أذكى جينياً من الطبقة السفلى. كان الأغبياء فيما مضى ينجبون أطفالاً أقل من الأذكياء، وهو ما أدى تركيبة جينية ملائمة. أما الآن فقد اختلف الحال: إذاً، نحن في طريقنا إلى العته، تقريباً.

 

داروينية اجتماعية فظة

لا يستخدم السيد زاراتسين إذاً خطاباً عنصرياً جديداً في النقاش الدائر حول الهجرة فقط، بل أيضاً في الجدل حول التعليم. إذا ظل مسلمون كثرٌ على حافة المجتمع، عاجزين عن أن يرتقوا السلم الاجتماعي، فإن هذا ذنبهم وحدهم، إنهم – ببساطة – أغبياء، وغباؤهم يمنعهم عن الصعود الاجتماعي. إذا ظلت الطبقات السفلى الجديدة في قاع المجتمع، وإذا ورث الأطفال الحالة الاجتماعية الدنيا للوالدين، أي عندما يُحكم عليهم بالفشل منذ الولادة، فليست تلك فضيحة اجتماعية وفضيحة في سياسة التعليم، لا، إنها النتيجة المنطقية لما يفعله الأغبياء عندما يوَرِّثون ذكاءهم المحدود لأولادهم.

النتيجة لذلك هي بالطبع - ليس السيد زاراتسين بحاجة إلى أن يقول ذلك صراحةً - أن كافة المحاولات التي تستهدف زيادة فرص معدومي الفرص عبر إصلاح التعليم والجهود التربوية محكوم عليها من البداية بالفشل. باختصار: الذين يعيشون في القاع يستحقون ذلك، بل وأسوأ من ذلك: إنهم يخلقون صعوبات في وجهنا نحن المثقفين، الراقيين، الأذكياء.

 

قيم اشتراكية ديمقراطية كلاسيكية؟

لو كان تيلو ذو الأفكار القذرة هذه عضواً في الحزب القومي الديمقراطي الألماني (اليميني المتطرف) لما اهتم بها إنسان، أو، على أقصى تقدير، سيتساءل المرء عندئذ بسخرية عن تقييم الكاتب لجينات الذكاء التي تسري في دم المتطرفين من حليقي الرؤوس المخمورين الذين يهللون لأقواله.

لكن السيد زاراتسين عضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ويريد أن يظل عضواً، وتحديداً لأنه يرى أن مواقفه – مثلما يقول – تعبّر عن قيّم "اشتراكية ديمقراطية" كلاسيكية. والسؤال يطرح نفسه بالطبع: كيف له أن يدعي هذا الادعاء الشاذ؟ فلنحاول هنا – على سبيل الاستثناء – أن نقوم بقراءة تفسيرية متعاطفة. ما الذي من الممكن أن يدور في رأس السيد زاراتسين لكي تخطر على باله مثل هذه الخواطر؟

هناك رأي اشتراكي ديمقراطي كلاسيكي يقول إن "العلم سلطة". ولهذا فإن من تقاليد الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن يسعى لتعليم الناس. انتشرت فكرة تمكين الناس عبر التعليم وأدت إلى رفع راية التعليم أيضاً في البيئات الاجتماعية الدنيا خلال حقبة ما، لنقل في الفترة من 1900 حتى 1980.

كان الآباء والأمهات آنذاك يقولون لأبنائهم: تعلم شيئاً، تصبح شيئاً! عبر التعليم – كان هذا هو الوعد – يمكن للإنسان أن ينجح في الصعود اجتماعياً. وبالفعل أوفى المجتمع بهذا الوعد طوال عدة عقود. غير أن الالتزام بالوفاء بهذا الوعد راح يتناقص، بل لقد تلاشى تقريباً في الأوساط الاجتماعية للمهاجرين على وجه الخصوص. إن الأطفال الذين يولدون في وسط طبقات المهاجرين السفلى الجديدة ينشأون بوعي آخر، وهو: حتى إذا جدّوا واجتهدوا، فلن يجنوا شيئاً. ليست أمامهم سوى فرص ضئيلة للغاية؛ وهو ما ينطبق – بالمناسبة – أيضاً على أطفال البلاد الأصليين من الطبقة السفلى.

على ما يبدو، إذاً، أن زاراتسين يرى أن الطبقة السفلى اليوم طبقة منحطة لأنها لم تعد تؤمن بالوعد الاشتراكي الديمقراطي الكلاسيكي: "الصعود اجتماعياً عبر التعليم". إن توجيه السباب للطبقات الدنيا التي لم تعد بذلك الوعد هو من الشيم الاشتراكية الديمقراطية في رأي زاراتسين. يا له من تحليل مبتكر للغاية للأفكار "الاشتراكية الديمقراطية".

 

مناطق مهمشة متطرفة

الأكيد والصحيح هو أنه هناك مشكلة اجتماعية، نعني أن "الخيوط الاشتراكية الديمقراطية" قد وهنت وانقطعت، وأن هناك اليوم مناطق مهمشة متطرفة لم تعد تشعر بالانجذاب إلى وعد الترقي عبر التعليم، كما أن هناك دائرة جهنمية من التهميش والتهميش الذاتي، هذا بالتأكيد صحيح. غير أن السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى النخبة السياسية العاجزة عن تجديد الأفكار الاندماجية في المجتمع. وعلى كل حالٍ فإن توجيه السباب لضحايا تلك العملية ليس بالاستراتيجية الذكية.

إن نظريات السيد زاراتسين مشوشة ومتعجرفة وجارحة، كما أنها مطعّمة بالعبارات العنصرية والصياغات التي تنم عن احتقار غريب من جانب النخبة تجاه "الفاشلين". إن الرجل مثقف على نحو ينبغي أن يستفز الإنسان على أن يطلق قهقهة مجلجلة.

من المضحك ضحكاً عبثياً أن يصدر من فم زاراتسين اتهام كالذي يوجهه للمهمشين بأنهم كسالى ويعيشون عالة على الدولة، وأنهم عموماً يفتقرون إلى الحِمية التي تدفعهم لإثبات ذواتهم في مواجهة دوامات عالم الاقتصاد الحر، لأن هذا الاتهام يصدر من رجل قضى حياته كلها في وظائف حكومية أو شبه حكومية؛ رجل يدين بالفضل في ترقيه المهنى – من الوزارة إلى السكك الحديدية وصولاً إلى منصب وزير المالية في برلين وأخيراً عضوية مجلس إدارة البنك المركزي – إلى رياح الحزب الاشتراكي.

 

فضيحة تلقي الكتاب

ليست نظريات زاراتسين بحد ذاتها هي الفضائحية إذاً. إن الأكثر إثارة للفضيحة هو بالأحرى كيفية تلقي تلك النظريات. لماذا تطبع مجلة كمجلة "دير شبيغل" هذه الترهات بدلاً من أن تهملها؟ لماذا تُنشر على الناس عبر البرامج التلفزيونية الحوارية؟ لماذا ينال رأس مشوش الفكر مثل زاراتسين شرف الظهور في مقابلة على صفحتين من أسبوعية "دي تسايت"؟

الإجابة بالطبع هي أن صنّاع الصحف يعرفون أن معاداة البشر بدم بارد – كما يجسدها زاراتسين - تلقى صدى اجتماعياً؛ لأن هناك أوساطاً اجتماعية يترعرع فيها منذ وقت طويل مثل هذا النوع من العنصرية؛ ولأن قادة تلك الأوساط الاجتماعية - الذين يعبرون في كل مكان عن رأيهم – لا يكلون الإعلان عن رأيهم المنحرف بأن "الصوابية السياسية" تلاحقهم، وأنهم لهذا ينسبون إلى أنفسهم صفة الشجاعة، شجاعة التعبير عن الآراء "المقموعة" وجرأة التحدث بصراحة ووضوح، وأنهم يتحلون بتلك الجرأة. شخصيات رائعة لا تخجل من قول شيء ولا تتستر على شيء. وكأن مجتمعنا ليس مفتوحاً على كافة الحماقات التي تُبث عبر برامج الشو المنحط القيمة إلي كل غرف النوم.

كلا، ليس على الإنسان أن يتحلى بالشجاعة لكي يسب الآخرين. وعبر الاستمتاع الواضح بالقدرة على إهانة الآخرين يستطيع الإنسان اليوم الوصول إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً. إذا لم يكن الغباء وراثياً، فهو على كل حال مدر للربح.

======================

إنْفاقْ المُدَّخَراتْ مِنْ أجْل ِالمُؤَخَّراتْ

الكاتبة أحلام مستغانمي

مجموعة نبيل القدس 17/9/2010

الهند تخطّط لزيادة علمائها ، وأعدَّت خطة لبناء قاعدة من العلماء والباحثين لمواكبة دول مثل الصين وكوريا الجنوبية في مجال الأبحاث الحديثة لم أفهم كيف أنّ بلداً يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر المُدْقِع ، يتسنى له رصد مبالغ كبيرة ، ووضع آليّة جديدة للتمويل ، بهدف جمع أكبر عدد من العلماء الموهوبين من خلال منح دراسيّة رُصِدَت لها اعتمادات إضافية من وزارة العلوم والتكنولوجيا ، بينما لا نملك نحن ، برغم ثرواتنا الماديّة والبشريّة ، وزارة عربية تعمل لهذه الغاية ، (عَدَا تلك التي توظف التكنولوجيا لرصد أنفاسنا )، أو على الأقلّ مؤسّسة ناشطة داخل الجامعة العربيّة تتولى متابعة شؤون العلماء العرب ، ومساندتهم لمقاومة إغراءات الهجرة ، وحمايتهم في محنة إبادتهم الجديدة على يد صُناع الخراب الكبير أيّ أوطان هذه التي لا تتبارى سوى في الإنفاق على المهرجانات ولا تعرف الإغداق إلاّ على المطربات ، فتسخو عليهنّ في ليلة واحدة بما لا يمكن لعالم عربيّ أن يكسبه لو قضى عمره في البحث والاجتهاد ؟ ما عادت المأساة في كون مؤخّرة روبي تعني العرب وتشغلهم أكثر من مُقدّمة ابن خلدون ، بل في كون اللحم الرّخيص المعروض للفرجة على الفضائيّات ، أيّ قطعة في هذا اللحم فيه من السيليكون أغلى من أيّ عقل من العقول العربيّة المهدّدة اليوم بالإبادة إن كانت الفضائيّات قادرة على صناعة النجوم بين ليلة وضحاها ، وتحويل حلم ملايين الشباب العربيّ إلى أن يصبحوا مغنين ليس أكثر ، فكم يلزم الأوطان من زمن ومن قدرات لصناعة عالِم ؟ وكم علينا أن نعيش لنرى حلمنا بالتفوّق العلميّ يتحقق ؟ ذلك أنّ إهمالنا البحث العلميّ ، واحتقارنا علماءنا ، وتفريطنا فيهم هي من بعض أسباب احتقار العالم لنا وصدق عمر بن عبد العزيز حين قال : إنْ استطعت فكن عالماً فإنْ لم تستطع فكن مُتعلِماً فإنْ لم تستطع فأحبّهم ، فإنْ لم تستطع فلا تبغضهم فما توقَع أن يأتي يوم ننكِّل فيه بعلمائنا ونُسْلِمهم فريسة سهلة إلى أعدائنا ، ولا أن تُحرق مكتبات علميّة بأكملها في العراق أثناء انهماكنا في متابعة تلفزيون الواقع ، ولا أن يغادر مئات العلماء العراقيين الحياة في تصفيات جسديّة مُنظمة في غفلة منا ، مع انشغال الأمّة بالتصويت على التصفيات النهائيّة لمطربي الغد تريدون أرقاماً تفسد مزاجكم وتمنعكم من النوم ؟: في حملة مقايضة النفوس والرّؤوس ، قرّرت واشنطن رصد ميزانيّة مبدئيّة تبلغ 160 مليون دولار لتشغيل علماء برامج التسلح العراقيّة السّابقين ، خوفا ًمن هربهم للعمل في دول أخرى ، وكدفعة أولى غادر أكثر من ألف خبير وأستاذ نحو أوروبا وكندا والولايات المتحدة كثير من العلماء فضّلوا الهجرة بعد أن وجدوا أنفسهم عزلاً في مواجهة الموساد التي راحت تصطادهم حسب الأغنية العراقيّة صيد الحمَام فقد جاء في التقارير أنّ قوّات كوماندوز صهيونيّة ، تضمّ أكثر من مئة وخمسين عنصراً ، دخلت أراضي العراق بهدف اغتيال الكفاءات المتميّزة هناك وليس الأمر سرّاً ، ما دامت مجلة بروسبكت الأميركيّة هي التي تطوَّعت بنشره في مقال يؤكِّد وجود مخطط واسع ترعاه أجهزة داخل البنتاغون وداخل ( سي آي إي) ، بالتعاون مع أجهزة مخابرات إقليميّة ، لاستهداف علماء العراق وقد حدّدت المخابرات الأميركية قائمة تضمّ 800 اسما لعلماء عراقيين وعرب من العاملين في المجال النووي والهندسة والإنتاج الحربيّ وقد بلغ عدد العلماء الذين تمّت تصفيتهم وفق هذه الخطة أكثر من 251 عالماً أما مجلة نيوزويك ، فقد أشارت إلى البدء باستهداف الأطبّاء عبر الاغتيالات والخطف والترويع والترهيب فقد قتل في سنة 2005 وحدها ، سبعون طبيباً والعمليّات مُرشَّحة حتماً للتصاعُد ، خصوصاً بعد نجاح عالم الصواريخ العراقيّ مظهر صادق التميمي من الإفلات من كمين مُسلح نصِبَ له في بغداد ، وتمكّنه من اللجوء إلى إيران غير أنّ سبعة من العلماء المختصّين في قسم إسرائيل والشّؤون التكنولوجيّة العسكريّة الإسرائيليّة ، تمّ اغتيالهم ، ليُضافوا إلى قائمة طويلة من العلماء ذوي الكفاءات العلميّة النادرة ، أمثال الدكتورة عبير أحمد عبّاس ، التي اكتشفت علاجاً لوباء الالتهاب الرئويّ سارس ، والدكتور العلاّمة أحمد عبد الجوّاد ، أستاذ الهندسة وصاحب أكثر من خمسمئة اختراع ، والدكتور جمال حمدان ، الذي كان على وشك إنجاز موسوعته الضّخمة عن الصهيونيّة . نحْنُ فِي المُؤَخرَة ْ وَهَمّنا المُؤَخرَة

=====================

الصحافة من اخطر المهن في العراق الجديد!

جمال محمد تقي

كنعان 14/9/2010

لا توجد مهنة آمنة في عراقنا المنكوب، فكل اصحاب المهن في خطر، بل لا يوجد عراقي واحد في مأمن، ان كان هذا العراقي من اصحاب المهن او بلا مهنة، ففوضى القتل الاحتلالي والطائفي والانتقامي تتعمد اتباع اسلوب الارهاب الجماعي، وعليه فهي لا تميز بين مهنة واخرى، ربة البيت قد تقتل وهي تنشر الغسيل باطلاقات طائشة من مرتزقة الحمايات الخاصة، والطفل الذاهب الى مدرسته قد يقتل في الطريق نتيجة مواجهات حية اثر عملية سطو ميليشياوي مسلح على بنك من البنوك، او محال للصيرفة، او لبيع المصوغات الذهبية، وقد يقتل صاحب التكسي لعدم توقفه اثناء مرور رتل عسكري امريكي او تجاوزه لموكب حمايات مسؤول عراقي كبير، وقد يقتل الباعة المتجولون اثر تفجير سيارة مفخخة موضوعة قرب مكان مزدحم او في مأرب دائرة حكومية!

ينفرد اصحاب مهنة البحث عن المتاعب في العراق بتوفر الاسباب المضاعفة والمزدوجة والمتواصلة لاستهدافهم وتصفيتهم، مرة لانهم كباقي العراقيين الذين يتعرضون للموت اليومي، ومرة اخرى لان طبيعة مهنتهم تستدعي البحث والتنقيب والمتابعة لهموم الناس وما يشغلهم وينغص عليهم حياتهم، وبالتالي فهم من يعكس ويؤثر في اتجاهات الرأي العام والخاص في المجتمع، من خلال كتاباتهم وبرامجهم ورسومهم الكاريكتيرية او من خلال لقاءاتهم وتحليلالتهم، والاخطر من كل ذلك، من خلال الصور الحية التي ينقلوها ومن مكان الحدث بحثا عن حقيقته.

الاعلام ان كان مقروءا او مسموعا او مرئيا هو واحد من ادوات الصراع المتعدد الاشكال والاطراف الجاري داحل العراق منذ احتلاله وحتى الان، وزحمة وسائل الاعلام وبكل وسائله لا تعني الانفتاح واحترام حرية الرأي كما يدعي المستفيدون من عملية التحرير الامريكي للعراق، فالشرذمة لا تعني التعددية، وحرية دعاة الملل والنحل في اطلاق ابواقهم الفضائية والاذاعية والصحفية هي متمم فعال لاعادة تشكيل المجتمع العراقي على اسس عرقية وطائفية ومذهبية باتجاه تقسيمه، وبالتوازي مع ممهدات العملية السياسية التي تدور رحاها بالتناغم مع المشروع الامريكي نفسه، عشرات الفضائيات والصحف والمجلات والاذاعات واغلبها ممول من احزاب وميليشيات العملية السياسية، ومن يعمل بها يجب ان يراعي مصلحة الخط السياسي والمذهبي الذي تمثله تلك الوسيلة الاعلامية، ومثلما تتقاتل احزاب السلطة الجديدة على غنائمها فانها تتقاتل اعلاميا ايضا من اجل تبييض صفحاتها وتسويد صفحات المنافسين، والتصفيات الجسدية للعاملين المختلفين في مجال الاعلام هي واحدة من معالم تلك المنافسة غير الشريفة. الاعلام المستقل وحده من يحاول الوقوف بوجه ماكينة الاعلام الطائفي والتقسيمي والاجتثاثي السائد رسميا في مجمل الخطاب المبثوث بين اهالي العراق، وهذا الاعلام يتعرض هو الاخر لاشد حملة تصفية وتنكيل من قبل القوى المتنفذة في السلطة، اما اعلام المقاومة الذي في مجمله اعلام غير مرخص فانه محظور ومطارد ويتعرض لتشويه مزدوج تشترك به وسائل اعلام ومخابرات المحتلين الى جانب وسائل اعلام وميليشيات احزاب العملية السياسية.

دشنت القوات الامريكية دخولها مركز بغداد بترويع الصحفيين والمراسلين الاجانب الذين كانوا يغطون الاحداث من مقرهم المعلن في فندق فلسطين، فقتلت وجرحت عدد منهم، مبررة فعلتها، بالخطأغير المقصود، وقبل هذا كله كان بوش وبلير يناقشان امكانية قصف قناة الجزيرة، لانها تغطي ماتراه بشكل مستقل وبما لايصب بالمصلحة الغربية!

كان الغضب ظاهرا على وجوه القادة العسكريين الامريكان في العراق من جراء التقارير الصحفية المصورة والمباشرة التي كانت قناة الجزيرة تبثها اثناء معارك الفلوجة، وطالب الامريكان وقتها بعدم السماح لاحمد منصورمن دخول العراق ثانية، لانه اعلامي لا يراعي المصلحة الامريكية فيما ينقله من تغطيات اخبارية.

350 اعلامي هم ضحايا مهنة المهالك، التي تدور عليها الدوائر بدوافع اسكات الاصوات التي لا تخدم اصحاب مشاريع دولة الطوائف والاعراق واسيادهم المحتلين، يحاولون مصادرة دور نقابة الصحفيين وتجريدها من استقلاليتها المهنية والنقابية، يعطلون اصدار قانون حماية الصحفيين، ويتلاعبون بموضوعات منح الرخص الاعلامية، يعملون على تعجيز الصحف المستقلة ذات النهج الوطني النقاد برفع دعاوى قضائية ضدها لتغريمها مبالغ كبيرة لا تستطيع دفعها بحجة القذف والتشهير، والغرض هو اسكاتها تماما، وهذا ما حصل مع عدد من الصحف الصادرة في بغداد واربيل والسليمانية، ولم يكتفوا بهذا وانما راحوا يبتزون الصحف والمجلات العربية التي تتناول الشأن العراقي بروح تناقض الروح الفاسدة السائدة في الاعلام الرسمي العراقي، ومثال رفع الدعوى القضائية على مجلة الاداب البيروتية بسبب مقال نقدي عن الاوضاع في كردستان العراق، ومطالبة المجلة بدفع غرامة مالية كبيرة، مثال حي على تمادي زمر المتأمركين في العراق.

اغتالوا نقيب الصحفيين السابق شهاب التميمي، وحاولوا اغتيال النقيب الجديد مؤيد اللامي، اغتالوا اطوار بهجت، وطواقم من محطات الشرقية والبغدادية، والعشرات من المراسلين والفنيين والمصورين، اعتقلوا العشرات من الصحفيين والاعلاميين، حتى اعتبر معسكر بوكا في البصرة نموذج لحالة الصحافيين في العراق، لانه اكبر سجن للصحفيين في الشرق الاوسط، حيث يعتقل فيه العشرات منهم ومن دون محاكمة.

رياض السراي كتب مقالة ينتقد فيها اداء القضاء في محافظة واسط، فأصدر احدهم أمرا قضائيا بأعتقاله ومن دون اي مسوغات قانونية، وقبله تم خطف وقتل الصحفي الشاب سردشت عثمان بسبب مقالة ينتقد فيها فساد الحكم العشائري للبرزاني وعائلته، سجاد سالم صحفي في قناة العراقية اغتيل في وضح النهار، والقاتل مجهول كما في كل الحالات، صفاء الخياط صحفي في قناة الموصلية اغتيل في وسط مدينته، وما زال الدم يسيل وبلا حدود!

في تقريرها الاخيراعتبرت منظمة مراسلون بلا حدود، ما يتعرض له الاعلاميين في العراق هو افظع مجزرة للصحفيين في العالم، لانها فاقت كل ما سبقتها من مجازرللصحفيين في اثناء الحروب والمنازعات، اما مرصد الحريات الصحفية المستقل في العراق، فانه قد سجل 252 حالة انتهاك فض ضد الصحفيين العراقيين خلال السنة الماضية فقط.

 ====================

خط مباشر بين بغداد وتل أبيب وموردخاي يؤكد تلقي اسرائيل هدايا ثمينة من مسؤولين عراقيين وشراء النفائس اليهودية من الجلبي والبيشمركة

مصحف بخط الامام علي بين خمسين ألف مخطوطة نقلها كولونيل أمريكي بالطائرة الى الولايات المتحدة

مجموعة العراق فوق الخط الاحمر 12/9/2010

كشف النائب العمالي موردخاي بن بورات احد المتحدرين من يهود العراق والباحث في مركز ارث يهود بابل الواقع قرب تل أبيب عن شراء اسرائيل لعدد من المخطوطات الاثرية الثمينة من عناصر المليشيات التي رافقت القوات الامريكية اثناء غزو العراق عام 2003. وكانت خلايا لأحمد الجلبي والبيشمركة الكردية قد سيطرت على مستودعات الاشياء الثمينة في المخابرات العراقية ومديرية الأمن العامة. وقال موردخاي حسب صحيفة هآرتس الاسرائيلية ان مسؤولين عراقيين قاموا باهداء اسرائيل بعضا من تلك النفائس اليهودية. واضاف اننا تمكنا من الحصول على تعليق نادر لسفر أيوب نشر سنة 1487 وقسم من كتب الانبياء المنشورة في البندقية سنة 1617 من مخازن حصينة لأجهزة الأمن العراقية في عهد صدام حسين وأوضح موردخاي انه ليس صعبا الحصول على اي شيء من اللصوص الذين ظهروا في اعقاب احتلال العراق.

وقال مصدر من خبراء الأثار العراقية من داخل بغداد أنه حتى الان يجري البحث عن كنوز آثارية ويجري تهريبها الى دول العالم وقال انه علم ان عددا من افراد الاسرة الحاكمة في الامارات حصلوا عن طريق وسطاء على بعض من هذه الكنوز العراقية القديمة وأردف ان الاسرائيليين يتحركون بجدية في داخل الامارات لتتبع اثار يهودية لم يتمكنوا منها وتسربت الى الخليج. وقال الخبير ان جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) تمكن من السيطرة على أكبر مكتبة يهودية أثرية في العراق، كانت محفوظة في دائرة المخابرات العراقية السابقة. وذكر أن فريقا متخصصا من الموساد قام بعد أيام من احتلال العراق، بالتعاون مع ضباط من وكالة الاستخبارات الأمريكية بالسيطرة على المكتبة اليهودية القديمة في بغداد، التي كانت تخضع لإشراف المخابرات العراقية. وتضم المكتبة تحفا نادرة لا تقدر بثمن من كتب التوراة “والتلمود” و”القبالة” و”الزوهار”، المكتوبة على لفائف البردي وجلد الغزال، ويعود تاريخها إلى أكثر من 2500 سنة، وبقيت في العراق منذ السبي البابلي لليهود، إذ قام كتبة يهود في ذلك الوقت بحفظ الكتب اليهودية في العراق، وقال المصدر إن القوات الأمريكية كانت قد اكتشفت الشخص المسؤول عن هذه المكتبة بعد احتلال العراق، وقامت باصطحابه إلى موقع المكتبة في قبو بدائرة المخابرات العراقية، حيث تم الغوص في الماء للوصول إليها بعد انفجار أنابيب المياه الثقيلة في القبو، وجرى انتشال الكتب من الماء، وكانت بحالة جيدة، ثم تم نقلها بوساطة طائرة في رحلة مباشرة من بغداد إلى تل أبيب.

وكان أسامة ناصر النقشبندي أكبر خبراء المخطوطات العراقية قد قال ان مسؤولين أميركيين نقلوا الى بلادهم مجموعة من المخطوطات العراقية منها لفائف جلدية لأسفار التوراة بعد احتلال العراق في ابريل (نيسان) 2003، غير مبالين بتحذيرات العراقيين من سعي اسرائيل لحيازتها

واضاف، ان القوات الأميركية عثرت بعد احتلال بغداد على كمية من المخطوطات والكتب منها لفائف جلدية لأسفار التوراة موضوعة داخل اسطوانات خشبية في أحد مخازن جهاز المخابرات السابق «فاستولت عليها ووضعتها في شاحنة كبيرة مكيفة».

وأكد النقشبندي الذي تولى منصب مدير عام المخطوطات العراقية منذ تأسيسها عام 1988 حتى عام 2002، أن خبراء من دار المخطوطات والمتحف العراقي قدموا تقريرا الى هيئة الآثار شدد على أنها «مواد تراثية يشملها قانون الآثار ويجب أن تسلم الى هيئة الآثار والتراث»، ولم يبال بهم أحد.

وقال في دراسة عنوانها (استهداف المخطوطات في العراق خلال الحرب 1991  2003) ونشرت الدراسة أمس في العدد الجديد من مجلة «تراثيات» نصف السنوية التي يصدرها مركز تحقيق التراث في دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، ان ممثل وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)الدكتور اسماعيل حجارة، وهو أميركي الجنسية «أرسل من أميركا للاشراف على هيئة الآثار والتراث كان وراء نقلها الى أميركا فحاولت اقناعه بعدم الموافقة لأن اسرائيل تسعى للاستحواذ على الاسفار اليهودية منذ السبعينيات وهي بأقلام مشاهير الخطاطين اليهود في بغداد فلم يكترت. ونقلت هذه المجموعة خلسة الى نيويورك».

وأضاف أنه بعد مرور شهر على نقل لفائف التوراة الجلدية الى أميركا «طلب مني الكولونيل مكدونس قائد مفرزة القوات الأميركية التي أرسلت لحماية المتحف العراقي بعد أن نهب، الكشف على المخطوطات الموجودة في الملجأ، فطلبت منه حضور بعض الفضائيات العربية والأجنبية لتصوير عملية فتح الملجأ والكشف عن صناديق المخطوطات المحفوظة فيه. واطلعوا على الكمية الهائلة من المخطوطات. تم تصوير بعضها للتأكد من أنها مخطوطات وليست صواريخ أو ما شابه ذلك لحماية الملجأ من التعرض للدمار».

وروى النقشبندي كيف استطاع الاهالي بحس فطري واع التصدي لمحاولات الاميركيين شحن المخطوطات بعد أن أوضح لهم أنها «تمثل تاريخهم وتراثهم الفكري والحضاري ومن بينها مصحف كريم نسبت كتابته للامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهاجت الجموع وبدأوا بالاحتجاج والهتاف».

وقال ان «الكولونيل أصر على نقل هذه المخطوطات التي تبلغ نحو 50 ألفا الى مقرهم، وعجز خبراء المخطوطات العراقيون عن منعه، وأحضر الاميركيون خمس شاحنات كبيرة وعددا من الدبابات والآليات العسكرية وعشرات الجنود الأميركيين، و تجمع أمام الملجأ مئات العراقيين، وأبدوا معارضتهم لتسليم المخطوطات الى الاميركان، فعرض الكولونيل مبلغ خمسة دولارات لكل شخص يشارك في نقل صندوق فرفض المواطنون

==================

الموجة الجديدة للعداء للإسلام في أميركا على خلفية قضية مسجد نيويورك

بقلم علاء بيومي

المصدر مدوّنة الكاتب – نقلاً عن مداد القلم 16/9/2010

في اعتقادي أن قضية مسجد نيويورك وما يثار حولها من جدل في الآونة الأخيرة هي مؤشر على موجة جديدة وخطيرة من موجات العداء للإسلام – أو الإسلاموفوبيا – في أميركا، موجة ظن المتابعون - قبل سنوات قليلة- أنها بعيدة عن شواطئ القارة الأميركية. الظاهرة التي أتحدث عنها هي صعود اليمين الراديكالي الجديد في الولايات المتحدة -والذي بات واضحا خلال العامين الأخيرين– مما هوى بحركة العداء للإسلام في أميركا حاليا إلى مستويات غير مسبوقة تثير القلق، فمن كان يتصور قبل عامين أو ثلاثة أن تشهد المدن الأميركية مظاهرات تعج بالمتظاهرين المطالبين بوقف بناء مسجد وترفع شعارات تهاجم الإسلام ذاته وتطالب بخروجه من أميركا تحت أعين الإعلام الأميركي، بل ويخرج سياسيون كبار لدعم تلك المظاهرات ومطالبها ونشرها في ولايات مختلفة، وذلك حتى باتت قضية مسجد نيويورك –والذي يسعى بعض المسلمين الأميركيين لتأسيسه بالقرب من موقع أحداث 11-9– قضية سياسية وطنية أميركية بامتياز استدعت تدخل الرئيس الأميركي، والذي دعم حق المسلمين الأميركيين في بناء المسجد، مما عرضه لهجوم واسع من الجمهوريين وعلى أعلى مستوي، قبل أن يتراجع باراك أوباما في اليوم التالي عن تصريحاته نسبيا، ويعلن انتقاده لفكرة بناء المسجد ذاتها كفكرة "غير حكيمة".

أكثر من ذلك باتت قضية مسجد نيويورك قضية انتخابية بامتياز حيث أعلن سياسيون جمهوريون في ولايات مختلفة عن معارضتهم لبناء مسجد نيويورك، مع أن قضية المسجد كان من المفترض أن تكون قضية محلية خاصة بولاية نيويورك ذاتها، ولا تمت بصلة لسياسي مرشح في ولاية جنوبية. كما أن مؤسس المسجد –الإمام فيصل عبد الرؤوف- سبق أن احتفلت به وسائل الإعلام الأميركية لسنوات وقدمته على أنه مسلم "معتدل"، نظرا لتوجهاته "الصوفية"، في مقابل التوجهات الإخوانية والسلفية وبعض التوجهات الإسلامية الحركية الأخرى التي عادة ما ينتقدها الإعلام الأميركي باعتبارها توجهات "متشددة".

كما بدأنا أيضا نسمع عن حملات إعلانية تحرض على "ترك الإسلام" وعن كنيسة أميركية تريد "حرق القرآن" في ذكرى 11-9، وعن تنامي متزايد لمنظمات معادية لوجود الإسلام في أميركا بشكل أساسي، وذلك على غرار منظمتي "أوقفوا أسلمة أميركا" و"تحرك من أجل أميركا"، وعن صلات تنظيمية تربط سياسيين أوروبيين متطرفين، ينتمون لليمين الأوروبي الراديكالي الجديد– كالسياسي الهولندي جريت ويلدرز- والمنظمات الأميركية سابقة الذكر.

أكثر من ذلك خرج سياسيون أمريكيين كبار على غرار نوت جينجريتش –قائد ثورة الجمهوريين في عام 1994، والطامح للتنافس على مقعد الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة (2012) -وسارة بيلين– نائبة جون ماكين في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة (2008) –لتأجيج الجدل الدائر حول مسجد نيويورك، على الرغم مما ينطوي عليه من إساءة للإسلام.

 

تطور حركة العداء للإسلام في أميركا

من يعتقدون أن التطورات الأخيرة عادية أو غير جديدة، وأن أنها مجرد ردة فعل لبناء مسجد بالقرب من موقع 11-9، أو أنها مجرد سوء فهم للإسلام والمسلمين، عليهم أن يعودوا بالذاكرة إلى الوراء بعض السنوات أو تحديدا لقبل أحداث 11-9، فمن خلال متابعتنا لظاهرة العداء للإسلام في أميركا على مدى أكثر من عقد، نعتقد أن تلك الظاهرة تنمو بمعدلات سريعة ومفاجئة، وربما صادمة، معدلات كان يصعب التنبؤ به في الماضي، مما يجعلنا نشعر بقلق جديد تجاه المستقبل. فقبل 11-9 لم تكن هناك "حركة" معادية للإسلام، ولم تكن هناك "إسلاموفوبيا"، فمستوى العداء للإسلام في تلك الفترة كان يدور حول مفاهيم وظواهر مختلفة تماما. كان الحديث في أوساط المنظمات المسلمة الأميركية المعنية والإعلام والأكاديميين عن بعض "الخبراء المتشددين" المعنيين بقضايا "الإرهاب" على غرار ستيفين إمرسون ودانيال بايبس والمرتبطين بأجندات خارجية واضحة، هذا بالإضافة إلى الحديث عن "صدام الحضارات" و"الخطر الأخضر" و"اندماج المسلمين الأميركيين" وربما "الإستشراق".

كان الأمر مختلفا تماما، ففي عقد التسعينيات كانت أميركا في زهو انتصارها في الحرب الباردة والقطبية الأحادية وثورة التكنولوجيا، كانت أميركا قوية لا تخشى أحدا، وعندما وقعت أحداث الهجوم على برج التجارة العالمي في 1993 وأوكلاهوما في 1995، توجه البعض للهجوم على الإسلام والمسلمين، وعكف البعض كإمرسون وبايبس على مهاجمة مسلمي أميركا ومنظماتهم ومحاولة ربطهم بقضايا السياسة الخارجية الأميركية كصراع الشرق الأوسط، ولكن ظل الجو العام هادئا و"تحت السيطرة"، وظل الإسلام والمسلمون في أميركا ظاهرة هادئة بعيدة عن دائرة الضوء، ظاهرة يقترب منها الخطاب السياسي الأميركي العام ببطء وتأنّي، فبعض المنظمات الحكومية والمدنية فتحت أبوابها أمام المسلمين وبعضها أغلقتها، لكن لم تكن قضية "وجود الإسلام والمسلمين في أميركا"، قضية رأي عام أميركي، فوجودها الرئيسي كان بدوائر محدودة مهتمة ومدفوعة بأجندة خاصة سلبية أو إيجابية.

 

قضية رأي عام

بعد 11-9 تغيرت الأمور كثيرا فقد تحولت قضية "العلاقة بين الإسلام وأميركا" إلى قضية "رأي عام أميركية" باقتدار، كما تبلور في الجدل الواسع الذي دار بعد 11-9 تحت عنوان "لماذا يكرهوننا؟"، فهجمات 11-9- والتي مثلت الهجوم الأكبر على الأراضي الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، دفعت الأميركيين إلى التساؤل عن أسبابه. وبالطبع لم يكن المسلمون داخل أميركا أو خارجها مستعدين أو حتى مؤهلين بشكل كافٍ للارتقاء إلى مستوى الحدث أو للإجابة على هذا السؤال إجابة صحيحة وواسعة وحاسمة داخل أميركا وبلغة يفهمها الأميركيون. وحتى الآن يمكن القول إن المسلمين لم يجيبوا على السؤال السابق، فكل ما نشاهده هي محاولات محدودة –حتى لو كانت كبيرة نسبيا– لتوعية الأميركيين بموقف الإسلام والمسلمين من أحدث 11-9.

بمعنى أخر فتحت أحداث 11-9 الباب على مصراعيه لكل من لديه أجندة معادية للإسلام والمسلمين لكي يروّجها مستغلا جهل الأميركيين بالإسلام، وتهور قادتهم السياسيين (كما ظهر في حربي أفغانستان والعراق)، وضعف قدرة المسلمين على الرد والتعامل مع الرأي العام الأميركي.

 

إرهاصات الإسلاموفوبيا الأميركية

في ذلك الوقت بدأت إرهاصات ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين في الظهور، وبدأت البيئة الأميركية تتشكل لاستقبال تلك الظاهرة ورعايتها.

على المستوى السياسي شنّت الإدارة الأميركية حربين خارجيتين على أفغانستان والعراق مما ضمن استمرار المواجهة الدامية بين أميركا ودول عربية ومسلمة لسنوات مقبلة، كما شن بوش ووزير عدله جون أشكروفت سلسلة حملات للتضييق على منظمات إغاثة مسلمة أميركية وبعض منظمات المسلمين الأميركيين، مما أسّس لظاهرة "الخوف من الإسلام الداخلي" أو "الطابور الخامس" كما يحلو للبعض تسميتها.

على المستوى الأكاديمي نشر برنارد لويس مقاله "لماذا يكرهوننا" ليؤسس لموجة أبحاث أكاديمية تنشر فكرة أن الخلاف بين أميركا والعالم الإسلامي قيمي، ذو جذور بعيدة وراسخة، كما انتعشت صناعة "خبراء الإرهاب" وباتت كتابات إمرسون وبايبس وغيرهم تدرس وتنشر على أوسع نطاق، وبالطبع تم ذلك برعاية المحافظين الجدد وبعض قيادات المسيحيين الصهاينة المقربين لبوش.

 

مرحلة الإسلام الفاشي

في مرحلة تالية بدأ تحالف نخبوي يتشكل في واشنطن ويساهم في نشر ثقافة الخوف من الإسلام على أوسع نطاق دون أن يروج لها علانية ودون أن يتحول إلى حركة سياسية واضحة المعالم في الشارع الأميركي.

هذا التحالف تكوّن من بعض كتاب المحافظين الجدد المشغولين بتبرير الحروب القائمة والمزيد منها، والمسيحيين الصهاينة المنتقدين للإسلام والداعين لسياسة أكثر تشددا في الشرق الأوسط، وخبراء الإرهاب الذي توغلوا وتوغلت كتاباتهم في المؤسسات الأمنية والسياسية الأميركية، وبعض قادة الحزب الجمهوري المنتمين للجناح الأكثر يمينية من الحزب. لذا أطلّ بعض التصريحات المسيئة للإسلام في خطابات الإدارة الأميركية مثل مصطلح "الإسلام الفاشي" و"الإسلام الراديكالي"، وكان ذلك إيذانا بتوغل أفكار قطاع متشدد من "خبراء الإرهاب" و"المحافظين الجدد" والباحثين اليمنيين في الخطاب الرسمي للدولة.

 

الجدل حول إسلام أوباما

يمكن القول إن أخطاء الإدارة الأميركية في العراق وداخل أميركا والتي صعدت على السطح بقوة -خلال الفترة من 2005 وحتى 2007- غطت على خطاب الفريق السابق خلال الفترة ذاتها، حيث تراجعت الإدارة الأميركية للدفاع عن نفسها وتراجعت معها أصوات اليمين الأميركي الأكثر راديكالية. ولكن خلال حملة انتخابات 2008 صعدت ظاهرة العداء للإسلام بقوة وتحولت لأول مرة لقضية رأي عام أميركي، وذلك من خلال الهجوم على جذور أوباما الإسلامية بسبب أبيه المسلم ونشأته في بلد مسلم (إندونيسيا)، حيث جعل تحالف الإسلاموفوبيا من خلفية أوباما الإسلامية هدفا لحملاته، والتي تعرضت للإسلام وجعلت منه "تهمة" تتطلب التنصل منها، كما تمكنّت ظاهرة الإسلاموفوبيا ومفاهيمها من الدخول في الخطاب السياسي الأميركي على أعلى مستوى دون اعتذار أو تخفٍّ، وبهذا أصبحنا أمام أزمة حقيقية جديدة تتمثل في تراجع ما يسميه الأميركيون بظاهرة "المقبول سياسيا"، وهي ظاهرة تحدّد ما هو مقبول أو غير مقبول على مستوى الخطاب السياسي الأميركي.

فنقد الإسلام بعد 11-9 كان يمثل ظاهرة "غير مقبولة" سياسيا لأنها تعرّض صاحبها لنقد شديد من قبل السياسيين والإعلام ومنظمات المجتمع المدني في أميركا، لذا عندما اعترض أحد القساوسة المقربين لبوش على وصفه الإسلام بأنه "دين سلام" بعد 11-9، كان من السهل انتقاد القسّ وتصريحاته لأنّ الخطاب السياسي الأميركي في تلك الفترة كان يرى أن وصف الإسلام -وهو دي-ن بهذه الطريقة هو "أمر غير مقبول سياسيا".

ويجب هنا الإشارة إلى أن تشكيل ما هو "مقبول" أو "غير مقبول" في الخطاب السياسي في دولة كبيرة كأميركا هو أمر في غاية الصعوبة، يتطلّب سنواتٍ وربما عقوداً من العمل السياسي والإعلامي المنظم وعلى كافة المستويات، فالتغير في الخطاب السياسي الأميركي تجاه الأفارقة الأميركيين –على سبيل المثال– احتاج لقرون لكي يتحسن.

 

اليمين الراديكالي الجديد

كان من المفترض أن يساهم فوز أوباما بالرئاسة الأميركية في تراجع ظاهرة الإسلاموفوبيا داخل أميركا بسبب تصريحات أوباما الإيجابية في حق الإسلام كدين وفي حق الشعوب الإسلامية، ولكن يبدو أن خطاب الإسلاموفوبيا ونخبه والقوى السياسية الداعمة له وجدت حليفا جديدا دفع بالإسلاموفوبيا إلى آفاق بعيدة أو هوة ساحقة كان يصعب تخيّلها من قبل، فقد حذرت منظمات حقوقية مختلفة من صعود جماعات كراهية تعدّ أكثر تطرفا من يمين الحزب الجمهوري.

الجماعات السابقة تضاعفت خلال العقد الأخير وانتشرت بقوة في العامين الأخيرين بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة بأميركا ومعدلات البطالة المرتفعة (حوالي 10 في المائة)، وهزائم أميركا في حروبها الخارجية، وتصاعد المنافسة الدولية لأميركا من الصين، وتراجع المكانة الأميركية في العالم بشكل عام، وهي عوامل انعكست على ثقة الأميركيين في أنفسهم. ويبدو أن الأزمات السابقة أخلت بتوازن أميركا والمواطن الأميركي، لذا وقع بعضهم فريسة "لجماعات الكراهية" والتي تتشابه كثيرا مع ما "جماعات اليمين الراديكالي الأوروبية".

الجماعات الأوروبية انتشرت بوضوح في أوروبا في أوائل العقد الحالي، وهي أحزاب تمثل امتدادا للأحزاب العنصرية والفاشية والنازية الأوربية التي انتشرت في فترة ما بين الحربين العالميتين. الجماعات الأوربية الجديدة تبنت شعارات يمينية وطنية متطرفة معادية للأجانب، ولكنها رفعت في نفس الوقت شعارات الديمقراطية وحرية الرأي وحقها في تمثيل نفسها. بمعنى آخر طالبت أحزاب اليمين الراديكالي الأوروبي الجديد بحقها في النزول إلى الشارع وتمثيل نفسها والعمل على السطح وخوض الانتخابات وفقا لمبادئ الديمقراطية، فلم ترفض الأحزاب الجديدة الديمقراطية أو تحاول الانقلاب عليها بل طالبت الديمقراطية الأوروبية بأن تضمن لها حقها في العمل على السطح وتنظيم المظاهرات وتعبئة الناخبين لأجنداتها المتطرفة.

 

أميركا ليست كفرنسا

الأميركيون كانوا ينظرون إلى تلك الجماعات على أنها بعيدة عن شواطئ أميركا، لذا عندما فرضت فرنسا قوانين تحد من حق مسلمات فرنسا في ارتداء الحجاب في المدارس العامة في عام 2004 كان رد الفعل الأميركي الرسمي والعام بالتندر والسخرية، بل عقد الأميركيون مئات المقارنات في وسائل الإعلام، وأرسلوا مسلمين أميركيين إلى أوربا ليشرحوا لمسلمي أوروبا والعالم كيف أن أميركا لا تقبل بهذا التمييز ولا تعرف علمانية كعلمانية فرنسا ولا جماعات معادية للأجانب والمسلمين مثل فرنسا وبعض دول أوروبا.

الأميركيون كانوا يرون أن علمانيتهم ليست معادية للدين، وأن الحقوق والحريات المدنية والدينية مكفولة بالدستور، وأن البيئة الأميركية لا ترحب بالأحزاب اليمينية الراديكالية، وأن النظام الحزبي الأميركي لا يعرف سوى حزبين رئيسيين هما الحزب الجمهوري والديمقراطي، وأن إمكانية ظهور أحزاب يمينية راديكالية صغيرة على غرار ما يحدث في أوربا هو أمر مستبعد إن لم يكن من رابع المستحيلات.

في المقابل رأى البعض أن ظروف الحزب الجمهوري الأميركي باتت متشددة بشكل يثير للقلق، وأن صعود الحزب الجمهوري خلال العقود الثلاثة الأخيرة جاء على حساب تنازله عن الوسطية والتحرك نحو مزيد من اليمينية والشعوبية والعداء للدولة.

 

حفلات الشاي الأميركية

خلال عام 2009 عرفت أميركا ظاهرة ما عرف بحركة "حفلة الشاي" الأميركية، وهي حركة يمينية تقع سياسيا على يمين الحزب الجمهوري بسبب أفكارها الراديكالية والتي تكاد ترفض الحكومة وسياسياتها بشكل كامل، وهي حركة جماهيرية عُرفت من خلال مظاهراتها وخلال قربها من سياسيين يمينيين -مثل سارة بالين- ومن خلال رفضها لمختلف سياسات الرئيس أوباما، وقد رأى البعض أن الحركة باتت تثمل الامتداد الراديكالي الأكثر شهرة لليمين الأميركي.

ما نراه حاليا، هو أن جماعات "كحفلات الشاي" الأميركي والتي تلعب دورا متزايدا في أوساط اليمين الأميركي وفي أزمة مسجد نيويورك، وأن بعض الجماعات المعادية للإسلام مثل "أوقفوا أسلمة أميركا" و"الحملات الإعلانية المسيئة للإسلام، هي جميعها مظاهر لدور اليمين الأميركي الراديكالي الجديد والذي كان يُخشى من ظهوره في أميركا.

ظهور تلك الحركات يعني أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تحولت إلى "حركة جماهيرية" لها وجود على الساحة السياسة الأميركية، وتخطت حواجز ظاهرة "المقبول سياسيا" والتي تحطمت خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة. هذا يعني أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أو "العداء للإسلام" تطورت خلال السنوات التسعة الأخيرة بسرعة كبيرة، حيث تحولت من كتابات وتصريحات إعلامية يطلقها بعض "خبراء الإرهاب المتشددين" قبل 11-9، إلى بعض المصطلحات في خطاب الإدارة الأميركية وكتابات الأكاديميين بعد 11-9، ثم إلى قضية سياسية في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، ثم إلى حركة سياسة جماهيرية في الوقت الراهن.

 

نظرة قلقة نحو المستقبل

تبلور الإسلاموفوبيا بهذا الشكل وفي فترة وجيزة نسبيا –لا تتعدى 9 سنوات- يعني أننا أمام "حيوان سياسي" ينمو بسرعة مقلقة، وإننا قد نشاهد قريبا تطورات أخرى أكثر خطورة لظاهرة الإسلاموفوبيا في أميركا. فدخول مرشحي اليمين الراديكالي للمؤسسات السياسية الأميركية الكبرى مثل الكونجرس وربما البيت الأبيض قد يساعد على تحوّل أفكارهم إلى سياسات معادية للإسلام والمسلمين في أميركا وخارجها عن طريق سن قوانين وتشريعات معادية للأقلية المسلمة الأميركية أو للمهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، ناهيك عن تبعاتها على السياسة الخارجية الأميركية.

وهنا يشير البعض أن موجة التشريعات السلبية الخاصة بالمهاجرين غير الشرعيين في ولايات مثل أريزونا قد لا تكون سوى مقدمة لحركات جديدة تستهدف الأجانب والمهاجرين، حملات بدأت بالأميركيين من أصل لاتيني وقد تضم المسلمين والمهاجرين من بلدان مسلمة في وقت قريب، كما نخشى أن تستفحل الظاهرة خلال حملة الانتخابات الأميركية المقبلة في نهاية العام الحالي، بأن تتحول ظاهرة بناء المساجد –على سبيل المثال.. أو أي مظهر إسلامي أخر– إلى قضية سياسية يتنافس عليها المرشحون، وبهذا قد نسمع قريبا عن مرشح مع بناء مسجد وأخر ضده، أو عن مرشح مع بناء مدرسة إسلامية وأخر ضده، أو مرشح يسيء للإسلام وأخر ضده.

نمو الإسلاموفوبيا بهذه السرعة يستدعي التدخل بكافة الوسائل لمواجهتها، وربما يكون أضعف الإيمان حاليا هو دراسة تلك الظاهرة وجذورها وعلاقاتها البينية، فنحن نعتقد أن دراسة العلاقات التي تربط بين الفاعلين الرئيسين في ظاهرة العداء للإسلام سوف يساعدنا على الأقل في فهم كيفية نمو هذه الجماعات بسرعة، وكيف تدعم بعضها بعضا، وكيف تتعاون مع نظيرتها الأوروبية. أما العمل على الأرض الأميركية لمواجهة تلك الظاهرة فسوف يحتاج لمؤسسات وجهد منظم وأموال طائلة نخشى من عدم توافرها بسهولة مما قد ينذر بمستقبل أكثر تشاؤما.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ