ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
العلمانية الغربية صورة
مثالية وواقع ملتبس المستقبل - الثلاثاء 21 أيلول 2010 العدد 3777 - رأي و فكر - صفحة 19 جيروم شاهين نقرأ كل يوم في عالمنا العربي أدبيات
تعالج مسألة الطائفية واستطراداً
مسألة العلمانية. ومعظمها ينطلق من
مواقف مبنية على استنتاجات شبه ثابتة،
وكأنها أصبحت من المسلّمات البديهية.
من هذه الاستنتاجات التبسيطية (وبالتالي
التشويهية): أن انتصار العلمانية على الدين قد اكتملت
فصوله، لذلك، بات المجتمع الغربي لا
يستلهم قوانينه وتشريعاته وقيمه من
الدين، بل من الفلسفة المادية والعلم
والتكنولوجيا والسياسة المؤسسة على
المنفعة والبراغماتية. في الواقع، لو اعتمدنا الموقف النقدي من
تلك الأطروحات الشائعة لوجدنا: أن فصل
السلطة الدينية عن السلطة الزمنية لم
يتم في الغرب إلاّ منذ وقت قصير، وبعد
مفاوضات، ومدّ وجزر. لا بل نذهب إلى
أبعد من ذلك ونقول: إن فصل السلطتين ليس
نهائياً، وليس محكماً، ومقفلاً، حتى
أيامنا هذه. فهناك اليوم، جيوب طائفية
ما زالت تعشش في قلب المجتمعات الغربية
الحديثة. من محطات مسيرة العلمنة الغربية ما هو
قريب جداً منّا تاريخياً: الولايات المتحدة الأميركية هي أول من
نزع الطائفية من دستورها. وكان ذلك في
العام 1776. لكنها استبْقت عبارات تنمّ
عن التديّن الرسمي، مثل "إله
الطبيعة"، "الخالق"، "العناية
الإلهية". ولكنها في العام 1791، عدّلت
دستورها بمنعها "إقرار أي قانون
يجيز إنشاء ديانة، أو يمنع ديانة من
إقامة شعائرها". وعلى الرغم من غموض
هذا التعديل، يبقى أن المعنى العام
المقصود هو اعتبار الدين شأناً خاصاً. أما في فرنسا، فإن ثورة 1789 الشهيرة، لم
تلغِ، كما يشاع، الدولة الدينية في
البداية، بل إنها هدفت، في مرحلة أولى،
الى تنظيم العلاقة بين الدولة
والإكليروس. بعد ذلك، عرفت فرنسا سلسلة من الاتفاقات (Concordats) بينها وبين الفاتيكان لتنظيم
العلاقة بين الدولة والكنيسة (وأشهرها
اتفاق عام 1801 مع بونابرت الذي عدّله
هذا الأخير، من طرف واحد في العام 1802).
وصحيح أن المجلس النيابي الفرنسي قد
أقرّ في العام 1905، "فصل الكنائس عن
الدولة"، إلاّ أن دستور عام 1945 هو
الذي جعل فرنسا، دستورياً، دولة
علمانية. إسبانيا، وفي عهد فرانكو، عادت إلى
تراثها الطائفي. وفي العام 1978، نصّ
البند 16 من الدستور على أنه لم يعد في
إسبانيا دين دولة. لكنه أضاف: على
السلطات الرسمية ان تأخذ بالاعتبار
معتقدات المجتمع الإسباني الدينية.. - الدستور البرتغالي نصّ، في عهد سالازار،
وفي العام 1933 أن الديانة الكاثوليكية
هي ديانة الأمة البرتغالية. قانون جمهورية ألمانيا الفيديرالية جاء
فيه، في العام 1949، "أن الشعب
الألماني واعٍ لمسؤوليته أمام الله"... إلى تلك الإشارات التي ذكرنا، يجدر
التنبّه إلى أن العلمنة الدستورية لا
تتطابق دائماً، وبشكل كامل، مع الواقع
السوسيولوجي. فمن كان يتصور أن
كاثوليكياً (الرئيس جون كيندي) كان
سيتمكن من الوصول الى سدّة رئاسة
الجمهورية الأميركية! واليوم، من لا
يعتقد أنه من الصعب أن يتبوأ السلطة
الأعلى: غير كاثوليكي في إسبانيا
والأرجنتين، وغير انغليكاني في
انكلترا، وغير بروتستانتي في النروج
والسويد. كما أن انكلترا هي دولة
علمانية، لكن ملكتها هي رئيسة الكنيسة
الانغليكانية. والولايات المتحدة
الأميركية هي أيضاً علمانية، لكن رئيس
جمهوريتها يبدأ ولايته بقسم بالله.
والدولار عليه شعار ديني!... وعديدة هي المشكلات التي تعانيها اليوم،
الدول المسمّاة علمانية. ومنها:
التعليم الخاص، وهو حقاً إسفين في سور
الدولة العلمانية. تشكّل تلك المدارس
الخاصة، في بعض الدول، قوّة "ضاغطة"
على سياسة الدولة. ففي فرنسا مثلاً،
استطاع مؤيدو المدارس الخاصة أن
ينظموا، في العام 1984، تظاهرة في شوارع
باريس ضمّت أكثر من مليون مواطن.. لا أحد يتخلّى بسهولة عن موقع السلطة، لا
سيما السلطة الدينية مع ما لهذه من
هالة قدسية تضمن ديمومتها. وهكذا
فالمجتمع الديني لن يتخلّى للمجتمع
العلماني عن سلطته بسهولة. وحين يضطر،
مرغماً، على ذلك، يسلك الطرق البديلة.
يتحايل. يخرج من الباب ليعود من
النافذة. يحلق لحيته ويخلع ثوبه الديني
ليعود بثياب العلماني. هذا ما نسميه
"تحولات الطائفية". فما معنى أحزاب "الديموقراطية
المسيحية"؟ ما هي أهدافها ؟ أليس لها
" مردود" تستثمره القوى الطائفية؟
أما النقابات المسماة مسيحية، فإنها
إذْ تستفيد من حياد الدولة العلمانية
الايجابي، تحتلّ، ما استطاعت إليه
سبيلاً، من مساحة القوة السياسية
الضاغطة لحمل السلطة التشريعية
المدنية على أن تطابق القوانين التي
تسنها مع مبادئ دين معيّن، بأخلاقياته
وتقاليده وتراثه... ولن نتحدّث عن مجموعة كبيرة من المنظمات
والحركات والمؤسسات الخيرية المسماة
مسيحية: كحركة الشبيبة العاملة
المسيحية، والطالبة المسيحية،
والكشافة، واتحادات الكتّاب
المسيحيين، والصحافيين المسيحيين،
والمياتم، ودور العجزة، والمستشفيات،
والمستوصفات، إلخ... ليست الطائفية، في الدول الغربية
العلمانية المتقدمة والحديثة، أسطورة
تنتمي الى الماضي. لا بل قد تكون معششة
في تضاعيف تلك المجتمعات، تظهر حيناً،
وتختفي أحياناً. تتقنّع تارة، وطوراً
تنزع قناعها، تتخذ أشكالاً محدثة،
ظاهرها علماني، وقد يكون باطنها
طائفياً. تلك بعض ملامح من الوجه الآخر للعلمانية
الغربية. إنه وجه عطوب. وليست
العلمانية نظاماً متكاملاً ،
متناسقاً، مترابطاً، يقف شاهراً سيفه
على الدين باسم الالحاد، أو باسم
الإنسان المعاصر الذي نصّب نفسه
مشرّعاً وحيداً في الكون. ======================\ أركون: ناقد التراث
الديني.. أغفل تقديم منهج «إصلاحي» بلال الحسن الشرق الاوسط 21-9-2010 أدهشني صائب سلام. فقد وجدت، على طاولته
في حديقة «فيلاّه» في الريف الفرنسي،
كتاب محمد أركون بالفرنسية (الفكر
العربي / La
Pensée Arabe). عجبت كيف وجد هذا السياسي
اللبناني الكبير وقتا لقراءة الفكر
والثقافة. وبصراحته المعهودة، أذكر أن
الراحل سلام شكا من أنه يجد صعوبة في
قراءة هذا المفكر الكبير المهتم
بالإسلاميات. ومع أني أعتبر هذا الكتاب
الأسهل والأكثر تبسيطا بين كتب أركون
الكثيرة، فقد وجدت في الشكوى مرآة تعكس
انصراف غالبية المثقفين والمفكرين
العرب عن قراءة أركون. مات أركون عن 82 عاما في ثلاثاء الأسبوع
الماضي. خلال إجازتي القصيرة، اعتزمت
أن أكتب عنه هذا الثلاثاء. لم أخش أن
يسبقني إليه الكثيرون. كعادتي، فأنا لا
أكتب تقريظا لراحل. ولا مدحا لمقيم.
إنما أحاول أن أقدم بصراحة وأمانة صورة
للسلبيات والإيجابيات. ولدهشتي أيضا،
فقد انصرف أركون فجأة، بلا استئذان. لم
يثر ضجة كبيرة، كتلك التي أثارها رحيل
إدوارد سعيد (2003)، أو نصر حامد أبو زيد
الذي رحل في يوليو (تموز) الماضي. لماذا هذا الانصراف العربي والإسلامي عن
أركون؟ السبب الأول كون أركون كتب
بالفرنسية المجهولة نسبيا لدى معظم
المثقفين والمفكرين العرب. لماذا كتب
بالفرنسية، وهو الجزائري الدارس
للعربية في جامعة الجزائر؟ لأن أركون
خرج من أسرته الأمازيغية (البربرية)
المتدينة إسلاميا، لينتمي إلى عالم
الثقافة الفرانكفونية. هذه الثقافة
المشتبه بعدائها، لدى المثقفين
والإسلاميين العرب، لعروبة المغرب،
وخصومتها للتعريب وللثقافة الدينية. تخرج أركون الشاب في جامعة الجزائر في عام
1954. لم يلتحق بالثورة الجزائرية ضد
الاستعمار التي ألهبت الجزائريين،
عربا وأمازيغ. آثر الذهاب إلى فرنسا
لمتابعة دراسته الأكاديمية المهووسة
بالإسلاميات. أركون، كمفكر عميق البحث
في تاريخ الفكر العربي والإسلامي، ظل
يكتب ويقول أكثر من أربعين سنة. بالغ في
نقد التراث. راح يكرر نفسه. مع ذلك،
كأستاذ جامعي في السوربون، لم يتمكن من
تشكيل قاعدة «شعبية» له من تلامذته.
لبقائه في إطار الثقافة الفرانكفونية /
الأمازيغية. امتلك أركون ذكاءً حادا. ركز نقده على
العقل والفكر في الإسلام. التزم الكلام
العام في نقد الأصول (القرآن. الحديث.
الشريعة). تركيزه على العقل جنَّبه
تكفير وزندقة الإسلاميين له. لكن صعوبة
قراءة أركون، في الفرنسية وتراجم
الآخرين له إلى العربية، تعود إلى
تطبيقه نظريات النقد والتفكيك
والتشكيك، في الفلسفة والعلوم
الإنسانية الحداثية الغربية، على
التراث الديني الإسلامي، بحيث كان
الإبهام والالتباس شديدا، بحكم كون
الإسلام ثقافة وحضارة مختلفة كليا عن
الثقافة والحضارة الغربية. في كل معالجة فكرية وثقافية نقدية، هناك
محصِّلة يبني عليها الباحث والمفكر
رؤية تفصيلية لمشروع بديل، أو على
الأقل لنهج إصلاحي، وتغيير معدِّل. ظل
أركون يقول منذ ثلاثين عاما إن لديه
نهجا لتطوير الفكر التراثي التقليدي.
بشَّر بعلم سمَّاه «علم التطبيقات
الإسلامية». لكن لم يقدم التفاصيل. لم
يرسم طرائق العلم الجديد. قال إنه ترك
المهمة لغيره لمتابعة المشوار! لماذا لم يستكمل أركون نقده بالبناء؟
امتلك الجرأة في الهدم. لم يمتلك
الجرأة في الإعمار. الأرجح أنه في
مأمنه وملاذه الغربي، خشي من غضبة
الإسلاميين التكفيريين و«الجهاديين»
وملاحقتهم له. كما فعلوا مع أمثال
سلمان رشدي الذي جاهر بالمحظور
والمحذور، و«بالذي لا يمكن التفكير أو
الحديث عنه»، على حد تعبير الخائف
أركون. وهكذا، لم يصل أركون إلى مرتبة المفكرين
الإسلاميين الذين قدموا مشروعا أو
نهجا إصلاحيا: الأفغاني في السياسة.
محمد عبده في التربية وتطوير المعاهد
الدينية. علي عبد الرازق في القضاء
وأحكام الشريعة. رشيد رضا وحسن البنا
في تحزيب الدين. ونفي الشيعة وغير
المسلمين من الانتماء إلى الحزب
الإخواني. شكيب أرسلان في الارتداد إلى
العروبة عن الخلافة الدينية (العثمانية).
سيد قطب وابن لادن في تكفير الدولة،
وزندقة المجتمع (الجاهلي). إدوارد سعيد
في كشف الاستشراق المعادي للعروبة
والإسلام. وأخيرا نصر حامد أبو زيد
الذي حاول قراءة وتفسير النص القداسي،
خلافا للاجتهاد التقليدي. بل وصم أركون مستشرقي القرن العشرين،
بالبعد عن معالجة واقع المجتمعات
العربية والإسلامية. غير أنه هو نفسه
لم يهتم بالقضايا التي تشغل الإسلام
الأوروبي: الهجرة. الإقامة. الفقر.
التخلف. بطالة شباب الضواحي غير
القادرين، أو بالأحرى، الممنوعين من
الاندماج في مجتمعات المدن (العنصرية). وكما لم تجتذب الثورة الجزائرية المفكر
أركون، فهو أدان الاستعمار، بشكل عام،
من دون أن يتأثر بما حدث لعروبة
فلسطين، وللاستيطان اليهودي الشبيه
بالاستيطان الأوروبي الذي اقتلعته
الجزائر، من دون أن يشارك هو في
الاقتلاع. أستطيع أن أصف أركون ب«المستشرق الآتي من
الشرق»، فيما كان أكثر مستشرقي القرن
العشرين أهمية آتين من الفرانكفونية (المستعربة)
المتعاطفة مع الإسلام العربي: لوي
ماسينيون اهتم بالتصوف. الماركسي
ماكسيم رودنسون اعتبر الإسلام الجديد
نوعا من الوطنية لحماية الهوية. وقرأ
المجتمع العربي قراءة تحليلية لآلامه.
جاك بيرك قرأ القرآن. ترجمه. ركز على
جمالية الأدب واللغة العربية. كلما قرأت أركون أشعر بأنه غير متعاطف مع
التراث الديني الذي أمعن في دراسته
ونقده. بل تجنب أمانة البحث العلمي
والأكاديمي عندما انحاز، من دون تقديم
تفاصيل واسعة، إلى المذهب الشيعي،
بحجة أنه أكثر انطلاقا وانفتاحا في
قراءة القرآن. بل أسند إلى التشيع
الفارسي «قوى الخيال الإبداعية». لعله
وجدها لدى «المبدع» نجاد. تجاهل أركون نقد نظرية السلطة والحكم في
التشيُّع. تجاهل حصرهما، احتكارا، في
آل البيت. تجاهل معصومية الإمامة عن
الخطأ والنقد. تجاهل الرؤى العينية
التي تراود «المبدع» نجاد. إذا كان أركون، في قراءته الإسلام، تأثر
بفلاسفة التفكيك وعلماء الاجتماع
الغربيين، فلعله تأثر، في قراءته
وانحيازه للإسلام الشيعي، بالمفكر
أدونيس وبطانته. فقد أحاطوا بأركون منذ
أواسط الثمانينات. أدونيس في نقده
التراث الديني، كان يستهدف، كأركون،
المرجعية السنية. أدونيس بدوره أيضا،
تجاهل نقد المذهب الشيعي، على الرغم من
أن هذا المذهب لا يعترف بشيعية
الطائفتين العلوية والإسماعيلية. في اغترابه الفرنسي، استفاد أدونيس من
أركون الذي قدمه إلى مفكري
الفرانكفونية الفرنسية، اعتقادا من
أدونيس أنهم يخدمونه في مشروع «نوبلته»،
فيما استحى أدونيس من تقديم أركون إلى
جمهوره «العلماني» العربي. رحم الله أركون. لم يفكر في «النوبلة» وهو
حي. ربما يخطفها وهو ميت من أدونيس. على
أية حال، لم يكن الراحل أركون يُداني
أدونيس في جمالية نثره العربي. يكفي
أركون فخرا أنه لم يقل شعرا منثورا. لم
يساهم معه في إتلاف ذائقة الشعر
الموسيقية في السمع العربي. ======================\ قراءة سياسية في
العقوبات الاقتصادية على إيران عبدالخالق عبد الحق الشرق الاوسط 21-9-2010 بعد مرور نحو أربعة أشهر على تطبيق
العقوبات الاقتصادية على إيران،
تتباين الآراء أشد التباين حول جدوى
هذه العقوبات، وتأثيرها في تغيير سلوك
طهران، وحقيقة موقف دول مجلس التعاون
من التشدد أو التساهل في تنفيذ قرار
مجلس الأمن رقم 1929 الصادر في 9 يونيو (حزيران)
الماضي. فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد،
المكابر دائما يدعي أن الجولة الرابعة
من العقوبات الاقتصادية «عديمة الجدوى
ولا قيمة لها ولن تؤثر في سياسات
حكومته، ولن تتراجع إيران عن برنامجها
النووي، وآخر همها الحوار مع واشنطن». في المقابل تحدث وزير الدفاع الأميركي
روبرت غيتس، متبجحا أن العقوبات
الأممية المفروضة على إيران «فعالة
وقوية وستحقق أهدافها وبدأت تأتي
بثمارها، بما في ذلك حدوث انقسام في
القيادة الإيرانية». من ناحيته حذر علي
أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس
الخبراء في إيران، الذي يمثل تيار
الاعتدال في القيادة الإيرانية، من «الاستخفاف
بالعقوبات»، ودعا إلى «أخذها على محمل
الجد»، وأكد أنه لم يحدث أبدا «خلال
الثلاثين سنة الماضية أن فرض على إيران
هذا القدر من العقوبات وصدر بحقنا هذا
العدد من القرارات من مؤسسات دولية». وجهات النظر الإيرانية والأميركية تجاه
الجولة الرابعة من العقوبات متباينة
أشد التباين، لكن المؤكد أنه ربما كان
من السابق لأوانه الحكم على جدوى هذه
العقوبات، وقياس تأثيرها على إيران في
الداخل والخارج. فالفترة الزمنية
قصيرة، ومن الصعب الجزم في هذه المرحلة
المبكرة إن كانت هذه العقوبات مؤثرة
وناجحة في تغيير سلوك إيران ومواقفها
من برنامجها النووي، أم أنها ستكون
عابرة وفاشلة وعديمة الجدوى كغيرها من
العقوبات الاقتصادية الدولية التي لم
تتمكن من تغيير السياسات مهما كان
عمقها وطالت مدتها. المؤشرات الأولية تظهر أن العقوبات
الاقتصادية ستزيد من التوترات
والاحتقانات في منطقة الخليج العربي،
وستكون مؤلمة بالنسبة لإيران وستزيد
من عزلتها السياسية والاقتصادية لكنها
لن تدفع إيران إلى الاستسلام ورفع
الراية البيضاء لواشنطن. والأهم من ذلك أن العقوبات ستضع دول مجلس
التعاون، وبالأخص دولة الإمارات،
الشريك التجاري الخليجي الأول والأكبر
لإيران في موقف صعب. فهذه الدول هي
الأكثر قربا من إيران جغرافيا،
والأكثر تأثرا بالتوترات الإقليمية
وستكون الأكثر تضررا اقتصاديا بحكم
عمق وتداخل علاقاتها التجارية مع
إيران وستحدد أكثر من غيرها نجاح وفشل
القرار 1929 في التأثير على السلوك
الإيراني. لا شك أن إيران هي الدولة المعنية مباشرة
بهذا القرار الدولي. وقد خسرت معركة
منع صدور هذا القرار وكانت حساباتها
خاطئة، واتضح أن رهانها على روسيا
والصين ولاحقا تركيا والبرازيل في غير
محله. ففي لحظة اللحظة، وعندما حانت
ساعة الحسم وقف المجتمع الدولي موحدا
ضد غطرسة طهران، وتعامل معها كدولة
مارقة وخارجة على القانون ولا تراعي
التزاماتها الدولية. العزلة السياسية التي تعيشها إيران حاليا
صعبة، لكن أهم بند في القرار 1929 هو
البند الذي يستهدف مؤسستها العسكرية
ويمنع تصدير الأسلحة الثقيلة وقطع
الغيار وصيانة المعدات وأي شكل من
أشكال التعاون الفني العسكري معها،
بما في ذلك تفتيش السفن في حالة
الاشتباه أنها تحمل معدات عسكرية
متوجهة إلى إيران. تطبيق هذا البند من
القرار سيؤثر على القوة العسكرية
الإيرانية التي تضخمت كل الضخامة في
الآونة الأخيرة. إيران كقوة عسكرية
ستتراجع على المدى المتوسط والبعيد،
مما يعيد موازين القوة في المنطقة إلى
وضعها الطبيعي قريبا، خاصة مع استعادة
العراق لبعض من عافيته وتحديث دول مجلس
لتعاون لقدراتها العسكرية الدفاعية
والهجومية، على نحو صفقة الأسلحة
الأميركية للسعودية بمبلغ 60 مليار
دولار. القراءة السياسية للعقوبات المفروضة على
إيران تشير إلى أن الهدف الاستراتيجي
للقرار 1929 هو عزل إيران دبلوماسيا
وإضعافها عسكريا وإنهاكها اقتصاديا
والحد من تمددها إقليميا. الغرب
السياسي، بما في ذلك روسيا، والمجتمع
الدولي بما في ذلك الصين يسعى حاليا
لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، وليس
أمام دول مجلس التعاون سوى المساهمة
بدورها في إنجاز هذا الهدف الذي ربما
سيعيد التوازن لموازين القوة في
الخليج العربي التي اختلت لصالح إيران
منذ غزو العراق عام 2003. رد الفعل الإيراني السريع هو المكابرة
وعدم الاستسلام، والسير في البرنامج
النووي والصاروخي، وتحدي المجتمع
الدولي علاوة على تمحور النشاط
الإيراني الداخلي والخارجي حول الخيار
النووي، وعسكرة المجتمع الاقتصادي في
إيران التي بلغت مستويات حرجة في ظل
إدارة أحمدي نجاد وفي مرحلة العقوبات. عسكرة المجتمع الاقتصادي الإيراني مرحلة
نوعية جديدة، ويمكن أن تكون تداعياتها
في غاية الخطورة للأمن والاستقرار
الإقليمي. كما أن تمحور السلوك
الإيراني الداخلي والخارجي حول الخيار
النووي سيدفع بدولة المنطقة نحو جولة
جديدة من سباق التسلح التقليدي
والنووي، مما سيزيد من التوترات في
الخليج العربي ويجعل التعامل مع إيران
الصعبة أكثر صعوبة. إن أحد أهم تداعيات
القرار 1929 هو احتمال زيادة التوترات
الإقليمية وجعل الخليج العربي المتوتر
أكثر توترا سياسيا وأمنيا. لذلك فإن السؤال السياسي الذي يواجه دول
مجلس التعاون في هذه المرحلة المبكرة
من مراحل تطبيق القرار 1929 هو هل
العقوبات الاقتصادية خطوة في اتجاه
حرب جديدة في المنطقة أم خطوة نحو
الابتعاد عن شبح مواجهة عسكرية رابعة
في الخليج العربي؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد الموقف
السياسي من العقوبات الاقتصادية على
إيران. فإذا كان الهدف العميق من
العقوبات الاقتصادية إضعاف إيران
عسكريا وسياسيا، فهو هدف مرحب به من
قبل دول مجلس التعاون التي لديها قلق
مشروع من التمدد الإيراني في الشأن
العربي. ليس أمام هذه الدول، وخاصة
دولة الإمارات، سوى التشدد وليس
التساهل في تطبيق القرار 1929. أما إذا
كان الهدف غير المصرح به من العقوبات
الاقتصادية هو التمهيد لارتكاب حماقة
عسكرية، فعلى دول مجلس التعاون
الابتعاد كليا ونهائيا من هذا الخيار
الذي يضر بمصالحها الوطنية. فخيار
الحرب هو خيار إسرائيلي حتى لو تم
تنفيذه أميركيا. المواجهة العسكرية لن
تضعف إيران بل ستفتح الباب لكافة
الاحتمالات السيئة، وستكون دول مجلس
التعاون الأكثر تضررا. * أستاذ العلوم السياسية ======================\ ماذا يدور داخل القمم
السياسية المغلقة؟ الثلاثاء, 21 سبتمبر 2010 السيد يسين * الحياة في إحدى زياراتي المنتظمة إلى باريس هذه
المدينة الساحرة التي عشقتها منذ أيام
بعثتي العلمية في فرنسا (1964-1967) تجولت
في مكتبات الحي اللاتيني الشهيرة لكي
أتابع أحدث المؤلفات الفرنسية في
الفلسفة والاجتماع وعلم النفس
والتاريخ، والتي لا تتوقف آلة الإبداع
الفرنسي المبهرة عن إنتاجها طوال
العام. ولفت نظري كتاب جديد لمفكر فرنسي معروف
يدور حول مؤلفاته الجدل دائماً وهو جاك
أتالي، وعنوان الكتاب المثير «ڤيرباتيم»
Verbatim أي طبق الأصل! هذا المفكر حقوقي
الثقافة وهو يعمل مستشاراً في مجلس
الدولة. ولكنه – على النمط الفرنسي
المتميز – مثقف موسوعي، ليس ذلك فقط بل
إنه ألف كتباً بالغة العمق في ميادين
علمية شتى. وقد تابعت مؤلفاته منذ أن
نشر عام 1973 كتاباً مهماً عنوانه «تحليل
اقتصادي للحياة السياسية». ولفت نظري
كتاب آخر عنوانه «العالم الثالث» صدر
عام 1981، غير أنه كتب في موضوع بالغ
التخصص هو «تواريخ الأزمان» الذي صدر
عام 1982. وهذا الكتاب بالذات أثار جدلاً شديداً
لأن عدداً من المعلقين والكتاب
المعنيين بمراجعة الكتب الجديدة
اتهموه صراحة أنه في هذا الكتاب سطا
على عديد من أفكار مؤلفين آخرين من دون
ذكر المصدر كما تنص أصول التأليف. بل
إنه – كما قال بعضهم- اقتبس بالنص
عبارات كاملة لعدد من المؤلفين
متجاهلاً ذكرهم. وبحكم اهتمامي الأكاديمي القديم بالبحوث
المستقبلية قرأت الكتاب باهتمام شديد،
غير أنني فوجئت بأن بعض الأفكار
الأساسية التي ساقها أتالي في الكتاب
باعتبارها أفكاره الخاصة صدى لأفكار
سبق لي أن قرأتها لمؤلف آخر هو رينيه
جيرار الناقد الفرنسي المقيم في
الولايات المتحدة. ومعرفتي بأفكار جيرار لها قصة تستحق أن
تروى، حيث كنت في بعثتي العلمية التي
أمضيت فيها عامين في مدينة ديجون أقرأ
كتاباً للناقد المجري الشهير جورج
لوكاش عن «نظرية الرواية» الذي صدر عام
1914 ولم يترجم إلى الفرنسية إلا في
الستينات. كتب مقدمة الترجمة الناقد الفرنسي لوسيان
غولدمان والذي قدر فيها أنه وجد
تشابهاً بين أفكار جورج لوكاش وأفكار
رينيه جيرار في كتاب صدر له ولفت إليه
الأنظار بنظريته المبتكرة وعنوانه «الكذب
الرومانتيكي والحقيقة الروائية». ويذكر لوسيان غولدمان أنه سأل جيرار
شخصياً عن مدى تأثره بنظرية جورج
لوكاش، فأكد له أنه لم يقرأ كتابه من
قبل، وخصوصاً أنه ظل حبيس اللغة
الألمانية ردحاً طويلاً من الزمان. هذه الإشارة جعلتني أقرأ كتاب رينيه
جيرار، وكنت وقتها مهتماً بعلم
الاجتماع الأدبي الذي ألفت بصدده
كتابي «التحليل الاجتماعي للأدب»،
الذي صدر لي في القاهرة عام 1970. واكتشفت
أن رينيه جيرار أبدع نظرية جديدة لفهم
الرواية والإنسان معاً هي نظرية
الرغبة المثلثة. وخلاصتها أن الرغبة
الإنسانية عادة ما تستعار من الآخر،
ويمكن تمثيلها بمثلث له رؤوس ثلاثة
تتكون من الذات (الإنسان الراغب)
والموضوع (الشيء المطلوب) والوسيط (الآخر
الذي يملي على الإنسان الرغبة). بعبارة
أخرى ليست الرغبات الإنسانية أصيلة
لأنها عادة ما تكون تقليداً للآخرين. هذه النظرية المبتكرة التي أصبحت بعد ذلك
من أشهر النظريات المعاصرة في العلم
الاجتماعي، وأصبحت لها تطبيقات مهمة
في علم الاقتصاد والسياسة، نسبها جاك
أتالي الى نفسه في كتاب «خطوط الأفق»
الذي أشرنا إليه، أو بعبارة أدق ذكر
عناصرها الأساسية لتحليل عدد من
المواقف باعتبارها من بنات أفكاره! عند ذلك تأكدت من الاتهام القديم الذي وجه
الى جاك أتالي بأنه في كتابه «تاريخ
الإنسان» سرق أفكاراً متعددة من
مفكرين آخرين من دون أن يذكرهم
باعتبارهم مراجع له بكلمة واحدة! ها قد طالت مقدمة المقال ولم أدخل بعد في
الموضوع! الموضوع هو ما الذي يدور بين
رئيسي دولتين حين ينفردان ببعضهما في
محادثات سياسية، وليس هناك من تسجيل
لما دار في اللقاء؟ كثيراً ما دار في ذهني هذا السؤال حين
أقرأ في الصحف مثلاً أن الرئيس ساركوزي
قابل رئيس الوزراء بوتين على انفراد.
كنت أسأل نفسي ما هي طبيعة هذه
الحوارات غير العلنية وغير المنشورة؟
هل تتسم بالصراحة المطلقة بعيداً من
التقاليد الدبلوماسية المعروفة؟ وهل
تكشف عن المواقف السياسية الفعلية
لرؤساء الدول بعيداً من الصياغات
المراوغة في التصريحات الرسمية؟ ما هي أهمية يومياته؟ تعود أهميتها إلى
أنه كان مستشاراً لفرانسوا ميتران
رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق، ليس
ذلك فقط بل كان هو الذي يعرض عليه
التقارير ويوافيه بالمستجدات، ويقدم
له انطباعاته عن المواقف الدولية
المختلفة، بل إنه – أكثر من ذلك – كان
هو الوحيد الذي سمح له ميتران أن يحضر
كل لقاءاته المنفردة مع رؤساء وزعماء
الدول. وقد سجل جاك أتالي نصوص
المحادثات التي دارت في هذه اللقاءات.
وهذه النصوص تتيح لنا كمحللين سياسيين
أن نطلع لأول مرة على ما يدور في الغرف
المغلقة بين الرؤساء والزعماء
السياسيين. كنت قد قرأت كتاب جاك أتالي منذ سنوات
وتمتعت بمعرفة كيف يدور الحوار
السياسي الصريح بين الرؤساء، غير أنني
تذكرته فوراً حين نشر الصحافي الفرنسي
فينسان جوفير Vincent
Jauver في المجلة الفرنسية «لونوفيل أوبزرفاتير»
(19 آب /أغسطس 2010) وثيقة بالغة الأهمية عن
الوثائق السرية للبيت الأبيض أفرج
عنها مؤخراً، وتتضمن المكالمات السرية
التي دارت بين الرئيس ميتران والرئيس
جورج بوش الأب أثناء حرب الخليج بعد
الغزو الذي قام به الرئيس السابق صدام
حسين للكويت. والنصوص المنشورة تلقي
الأضواء على طبيعة واتجاهات المواقف
الأميركية والفرنسية إزاء الغزو
العراقي للكويت وكيفية مواجهة الموقف. ومن الطريف ومن باب المفارقة أن جاك أتالي
أورد في كتابه «ڤيرباتيم» الذي
أشرنا إليه نص مكالمات هاتفية سبق
للرئيس ميتران أن تبادلها مع الرئيس
الراحل رونالد ريغان في 18 تشرين الأول (أكتوبر)
1981. ان تقاليد الإفراج عن الوثائق الرسمية
بعد حين من الدهر من ناحية، وما نشره
جاك أتالي باعتباره كان مستشاراً
للرئيس ميتران، تتيح للباحثين أن
يحللوا وأن يتأملوا منطلق الخطاب
السياسي غير العلني الذي مهد في الواقع
لعديد من القرارات الدولية المهمة
التي حددت مصائر دول وشعوب! * كاتب مصري ======================\ الفلسطينيون أمام
احتمال فشل المفاوضات الثلاثاء, 21 سبتمبر 2010 ماجد كيالي * الحياة تذكّر الجولة التفاوضية الجارية حالياً
بين الفلسطينيين والإسرائيليين
بمفاوضات «كمب ديفيد 2»، التي جرت قبل
عشرة أعوام (تموز/يوليو 2000)، ففي حينه
أجريت تلك الجولة تحت الرعاية
الأميركية المباشرة، وبناء على إلحاح
من الرئيس بيل كلينتون، في حين أن
الجولة الحالية جاءت بعد إلحاح
ومتابعة من الرئيس باراك اوباما. عدا عن ذلك فإن هاتين الجولتين افترضتا
التفاوض على قضايا الحل النهائي (اللاجئين
والقدس والحدود والمستوطنات
والترتيبات الأمنية)، من دون الانتهاء
من المرحلة الانتقالية (التي تفترض
انسحاب إسرائيل من غالبية الأراضي
المحتلة وفتح المعابر من البر والبحر
والجو وتمكين الفلسطينيين من التنقل
بين الضفة وغزة والإفراج عن كل
المعتقلين)، وفي وضع لم يكن فيه أي من
الطرفين المعنيين جاهزاً أو ناضجاً
للقبول بمطالب الطرف الآخر. لكن ينبغي لفت الانتباه إلى أن ظروف
الجولة السابقة كانت أفضل للفلسطينيين
من ظروف التفاوض الحالية. مع ذلك يمكن
ملاحظة معطيات جديدة ومغايرة في الوضع
الإقليمي، وبالنسبة الى مكانة
إسرائيل، ربما هي التي حثّت على عملية
التسوية، وحفّزت الأطراف الدولية
والإقليمية على السير في اتجاهها (على
رغم تعنت إسرائيل). ويأتي في مقدم هذه
المعطيات تدارك التعثّر الأميركي في
العراق، والحد من نفوذ إيران في الشرق
الأوسط، ولجم قوى الإسلام السياسي
المسلحة، ودعم الاستقرار في المنطقة،
وكذلك خلق الظروف الأنسب لمحاربة
الإرهاب في أفغانستان وباكستان.
ولعلنا نذكّر هنا اعتبار كثيرين من
أركان الإدارة الأميركية أن سياسات
إسرائيل باتت تشكل عبئاً على الأمن
القومي وعلى مصالح الولايات المتحدة
في المنطقة. ومعنى ذلك أن مصير هذه المفاوضات مرهون
تماماً بمدى الضغط الذي يمكن أن تمارسه
الأطراف الدولية على إسرائيل للمضي في
التسوية، وفق معايير الشرعية الدولية.
أما في حال ترك الفلسطينيون وحدهم في
مواجهة الاملاءات الإسرائيلية
المعروفة والمجحفة فهذا يعني أن مصير
هذه المفاوضات محكوم بالفشل، كسابقتها
في «كمب ديفيد»، وتالياً فإن ثمة
تداعيات خطيرة لهذا الفشل. وتبيّن عديد من مؤشرات التفاوض الحالية
أن إسرائيل مصرّة على عدم السير بمشروع
التسوية وفق المرجعيات الدولية، وأنها
ما زالت على مطالبها المتعلقة ببحث
الترتيبات الأمنية أولاً (قبل ترسيم
الحدود)، واعتراف الفلسطينيين بيهودية
إسرائيل، واعتبار اتفاق التسوية معهم
بمثابة نهاية لمطالبهم الوطنية. ومن تفحّص هذه الشروط يمكن ملاحظة أنها
بمثابة محاولة من نتانياهو للانقلاب
على عملية التسوية (حتى وفق اتفاق
أوسلو 1993)، ففي شرط الاتفاق على
الترتيبات الأمنية تتوخّى إسرائيل
ترسيم الحدود بناء على اعتباراتها
الأمنية، التي تتطلب ضم أجزاء من أراضي
الضفة (لا سيما في جوار القدس ومنطقة
الغور)، وليس وفق اعتبارات الاستيطان
فحسب (في نطاق تبادلي). وثمة تسريبات
تفيد بأن إسرائيل قد تذهب الى حد قبول
بقاء بعض المستوطنات ضمن أراضي السلطة
(مع ترتيبات معينة)، ما يعزز الانطباع
بأن الأنشطة الاستيطانية لم تعد
بمثابة العقبة الكأداء التي لا يمكن
التغلب عليها في هذه المفاوضات،
خصوصاً مع تسريب أخبار تتعلق بإمكان
تعليق البناء لثلاثة أشهر جديدة، أو
البناء فقط في المستوطنات التي يمكن أن
تكون ضمن إطار تبادل الأراضي. أما بالنسبة الى شرط «يهودية الدولة» فإن
إسرائيل تتوخّى منه شطب «حق العودة»
للاجئين الفلسطينيين إليها، باعتبار
اليهود والفلسطينيين بمثابة جماعتين
متمايزتين من الناحية «القومية»،
اختار كل منهما حق تقرير المصير في
أرضه، أو في إقليمه، على طريقة نحن هنا
(في إسرائيل) وانتم هناك (في الضفة وغزة)،
كما أن هذا الأمر يعني إنهاء المطالب
القومية / الجماعية لفلسطينيي 48 وحصر
مطالبهم بالشؤون الفردية والإنسانية
فقط. وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على
اعتبار مجرد إقامة دويلة للفلسطينيين
بمثابة نهاية لمطالبهم الوطنية. وبالقياس الى التجارب التفاوضية
السابقة، فإن إسرائيل، في ظل حكومة
نتانياهو تعمل فقط على المناورة على
المعطيات السياسية الحالية، وتحاول
كسب الوقت، للاستمرار في الضغط على
الفلسطينيين، وتقليص طموحاتهم
الوطنية. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه المقارنة
بين الجولتين السابقة والحالية: وماذا
بعد؟ أو ما هي التداعيات التي قد تنجم
عن انهيار هذه الجولة، إذا كان انهيار
الجولة التفاوضية السابقة أدى إلى
تصدع التسوية بين الفلسطينيين
وإسرائيل، ودفع إلى المواجهات
المسلحة، وقيام إسرائيل (في ظل حكم «الليكود»
بزعامة شارون) بالانقضاض على السلطة
وتقويض اتفاق أوسلو ومعاودة احتلال
الضفة؟ طبعاً لا نقصد من هذا الكلام الإيحاء
بإمكان اندلاع «انتفاضة ثالثة» أو
العودة إلى خيار المقاومة المسلحة،
فالظروف الحالية تستبعد هكذا خيارات،
لكن القصد منه التأكيد أن انهيار
المفاوضات الحالية سيأتي بتداعيات
ربما لن تكون آثارها اقل خطورة من
سابقتها، بغض النظر عن الشكل الذي يمكن
أن تتمظهر به. وبقول آخر فمن المعلوم أن ثمة إجماع، بين
المراقبين والمهتمين والمعنيين (لدى
كل الأطراف) بأن هذه المفاوضات تكاد
تكون بمثابة «غرفة الإنعاش»، أو
بمثابة «النبضة الأخيرة» لحل الدولتين.
وأنه في حال تمنّع إسرائيل عن السير في
هذا الاتجاه، بطريقة معقولة، فإنها
بذلك تكون كمن دفن هذا الحل، ما يفتح
الباب على حلول أخرى، من بينها استمرار
الأمر الواقع، على شكل وجود كيان
فلسطيني محاصر في قطاع غزة، تحت سيطرة
حركة «حماس»، مع استمرار الاحتلال
والاستيطان، ونشوء واقع من دولة «ثنائية
القومية»، في الضفة، لكن على قاعدة
علاقات قائمة على الهيمنة الاستعمارية
والتمييز العنصري (على أساس ديني). القصد مما تقدم القول إن انهيار الجولة
التفاوضية الحالية ربما يؤدي إلى
تعزيز ضمور المشروع الوطني الفلسطيني،
كما تم تظهيره كمشروع استقلال
للفلسطينيين (في الضفة وقطاع غزة)، لكن
هذا الضمور لن يعني اختفاء هذا المشروع
أو اضمحلاله، بقدر ما يعني اندراجه،
وربما انبثاقه مجدداً، ضمن التحولات
التي تحيط بظاهرة إسرائيل، من النواحي
السياسية والثقافية والديموغرافية،
وهي تحولات يصعب التكهن بمساراتها،
كما أنها ترتبط بالتحولات الجارية في
منطقة الشرق الأوسط. * كاتب فلسطيني ======================\ آخر تحديث:الثلاثاء ,21/09/2010 فهمي هويدي الخليج لو أن أحدا تحدث قبل عشر سنوات بما حصل في
تركيا هذه الأيام لاتهم بالسفه
والخرف، هذا إذا لم يقدم إلى القضاء
بتهمة الازدراء بالعلمانية . 1 أكثر من واحد في اسطنبول قالوا لي إن
تركيا عاشت فرحتين ونصفاً في شهر
سبتمبر/أيلول الحالي . الأولى فرحة عيد
الفطر والثانية فرحة تأييد الأغلبية
لتعديل الدستور . أما النصف فتمثل في
فوز تركيا بالمرتبة الثانية في مسابقة
كأس العالم في كرة السلة (الولايات
المتحدة احتلت المركز الأول) . بطبيعة
الحال فإن الفرحة من نصيب الذين أيدوا
التعديلات وصوتوا لها، وهم يطلقون على
الحدث أوصافا عدة . فمن قائل إنه بمثابة
ثورة صامتة، وقائل إنه انقلاب
ديمقراطي . منهم من ذكر أنه الإعلان
الشرعي عن ميلاد الجمهورية التركية
الثانية وطي صفحة دولة العسكر . أما
المعارضون فإنهم تحدثوا عن “رصاصة في
قلب الكمالية” وحذروا من “طوفان
الطغيان القادم”، ومنهم من أبدى أساه
معتبرا أن تركيا باتت “ذاهبة إلى
المجهول”، وأنها “فقدت حصانتها”،
وهذه العبارات التي ذكرتها كانت
عناوين لمقالات نشرتها الصحف خلال
الأسبوع الذي أعقب إعلان النتائج . لم يخل المشهد من رموز لها دلالاتها
الموحية، فتحديد موعد الاستفتاء في
الثاني عشر من شهر سبتمبر/أيلول أثار
الانتباه . ذلك أنه اليوم الذي تم فيه
أسوأ انقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية
بقيادة قائد الجيش كنعان ايفرين، وأدى
إلى قتل المئات والزج بالآلاف في
السجون . وهو من أمر بصياغة دستور جديد (صدر
في عام 1982)، ليضمن تشديد قبضة العسكر
على البلاد وتأييدها، وقد تضمن
الدستور آنذاك 170 مادة، وتعرض للتعديل
ومحاولة سد ثغراته 15 مرة من خلال
البرلمان خلال العقود الثلاثة
الماضية، لكن ما جرى مؤخراً كان أول
تعديل يتم من خلال استفتاء شعبي، وقد
اعتبر الاستفتاء في ذلك اليوم
بالتحديد بمثابة رسالة ضمنية تعلن طي
صفحة تلك المرحلة، وبدء مرحلة ما بعد
هيمنة العسكري . هذه الرسالة أكدها رئيس الوزراء رجب طيب
أردوغان في أول خروج له إلى مكان عام،
حين ذهب إلى صلاة الجمعة (يوم 17/9) في
مسجد الصحابى أبو أيوب الأنصاري
باسطنبول، حيث قام وهو في طريقه إلى
المسجد بزيارة قبر عدنان مندريس رئيس
الوزراء الأسبق الذي كان هو ووزيرا
الخارجية والمالية من بين الذين قرر
كنعان ايفرين إعدامهم بعد نجاح إنقلاب
عام ،1980 وكان عدنان مندريس رجلا
إصلاحيا وصالحا، ويذكر له أنه من أمر
بأن يتم الأذان للصلوات باللغة
العربية، بعدما قرر سابقوه رفعه
باللغة التركية . 2 المعركة كانت شرسة ومصيرية . هكذا قال
حيدر يلدز رئيس الحملة الانتخابية
لحزب العدالة والتنمية في اسطنبول،
مضيفاً أنها كانت شرسة لأن أحزاب
المعارضة اتحدت ضد حزب العدالة رغم ما
بينها من تباينات وخصومات (في تركيا 40
حزبا) . ليس ذلك فحسب وإنما انضم إلى
المعسكر ذاته غلاة العلمانيين من
مدنيين وعسكر وأصحاب رؤوس الأموال
والإعلام المناوئ والكاره . وكان
واضحاً أن الأصابع “الإسرائيلية”
والأطراف الموالية لها حاضرة في
الحملة المضادة، ومعهم جهات أمريكية
أقلقها موقف الحكومة التركية إزاء
الفلسطينيين ورفضها توقيع العقوبات
على إيران . وكان للإعلام دوره في
التخويف من حزب العدالة حيث استخدم
الحجة التقليدية التي تغمز في قناة
الحزب مشيرة إلى الخلفية الإسلامية
لقادته وتستخدم فزاعة “الأجندة
الخفية” التي لا يراها أحد ولا يستطيع
إثباتها . وإلى جانب الحملات الإعلامية
كانت هناك استطلاعات الرأي التي مال
بعضها إلى أن حزب العدالة لن يفوز
بأكثر من 50 أو 51% من أصوات الناخبين (مراسل
إحدى القنوات العربية ذكر أنه لن يحصل
على أكثر من 45%) . الأمر الذي يعني
احتمالين لا ثالث لهما . أنه في ظل ال50
أو 51% فإن ذلك سيعني انقسام المجتمع
التركي بما يفتح الباب لاحتمالات
الانقلاب العسكري . أما في الحالة
الثانية فإن النسبة ستعني هزيمة حزب
العدالة وإجراء انتخابات جديدة تمهيدا
لكسر شوكته ومن ثم إقصاؤه عن صدارة
الساحة السياسية . في مواجهة حملة التخويف وشيطنة حزب
العدالة، قرر المسؤولون عن حملته
الانتخابية أن يرفعوا شعار “الحاكمية
للشعب والقانون وليس للقوة” . وليس
سراً أنهم استثمروا أجواء شهر رمضان
لإيصال رسالتهم إلى أوسع دائرة ممكنة
من الناس، وكانت التعليمات التي صدرت
للقائمين على الحملة ألا يفطر أحدهم في
بيته طوال الشهر . وإنما على الجميع أن
يصطحبوا أسرهم كل يوم للإفطار مع الناس
في الشارع . وفي مدينة اسطنبول مثلا (9
ملايين ناخب) كانوا يغلقون شوارع
بأكملها ويدعون الأهالي للإفطار معاً .
بعضهم كان يسهم بإفطاره والبلديات
كانت تتكفل بالباقي (في مدينة اسطنبول
39 بلدية منها 26 فاز فيها حزب العدالة) .
حفلات الإفطار هذه جرى تقليدها في بقية
البلديات وتحولت إلى خيام رمضانية
مقامة في الهواء الطلق، وشهدت عديداً
من الأنشطة الثقافية والترويحية التي
استفاد منها حزب العدالة كثيراً . 3 حين رفع حزب العدالة شعار “الحاكمية
للشعب والقانون وليس للقوة”، فإن
دعوته كانت واضحة في التمرد على وصاية
العسكر والتطرف العلماني الذي احتكر
المؤسسة القضائية وتحصن بها . وهي
الوصاية التي ثبتها دستور عام ،1982 بحيث
جعل لهذين الطرفين اليد العليا في
إدارة شؤون البلاد . هذه الوصاية كانت
من أهداف أول دستور صدر في العهد
الجمهوري عام 1924 (بعد إلغاء الخلافة
الإسلامية)، حيث اتكأ عليها حزب الشعب
الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، وظل
محتكرا للسلطة حتى سنة ،1950 لكن قبضته
تراخت وصورته اهتزت في ذلك العام، لأن
تعديلا أدخل على الدستور في سنة ،1946
سمح بالتعددية الحزبية، وحين أجريت
الانتخابات على هذا الأساس ذلك العام
(1950) هزم حزب الشعب، أمام الحزب
الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس، وهو
ما أغضب العسكر الذين نصبوا أنفسهم
حراسا على تراث العلمانية الكمالية،
إذ اعتبروا أن هزيمة الحزب الذي أسسه
أتاتورك إهانة لمبادئه وتمردا على
مشروعه السياسي . وردوا على تلك
الإهانة بالانقلاب الأول الذي قاده
الجنرال جال جورسيل في عام ،1960 وطالبوا
بإعادة صياغة الدستور بحيث عززت
الصياغة الجديدة مبدأ الفصل بين
السلطات، ومن هذا الباب جرى توسيع نفوذ
القضاء، بحيث تم تشكيل المحكمة
الدستورية العليا، التي أريد لها أن
تصبح الذراع القانونية للعسكر . وتظل
أداة قمع الذين يناوئون الخط السياسي
المرسوم . بعد ذلك وقع الانقلاب الثاني
في عام ،1971 الذي لم يتطرق قادته إلى
تعديل الدستور، لكنهم أرادوا تصحيح
مسار الائتلاف السياسي الحاكم،
انطلاقا من الدور الوصائي الذي درج
الجيش على القيام به، وهو وضع استمر
نحو عشر سنوات لم تعرف تركيا خلالها
الاستقرار السياسي، فقام قائد الجيش
وقتذاك كنعان ايفرين بانقلابه الذي
صدر في ظله دستور عام 1982 . خلال الثلاثين سنة التي أعقبت انقلاب
كنعان ايفرين حدثت تغيرات مهمة في
المجتمع التركي، على الصعيدين السياسي
والاجتماعي . لكن مراكز الوصاية
والسيطرة ظلت جامدة في مواقعها . ولم
ترفض التعاطي مع تلك التغيرات فحسب،
ولكنها عمدت إلى تحديها ومحاولة قمعها
. فقد أجبر العسكر رئيس الوزراء
الدكتور نجم الدين أربكان ان يستقيل في
عام ،1997 وفي عام 2000 لاحق المدعي العام
ساجيت كاسابو الجنرال كنعان ايفرين
واتهمه بالمسؤولية عن الجرائم التي
ارتكبت إثر انقلاب 1980 الذي قاده . لكن
المحكمة الدستورية العليا ومجلس
القضاء الأعلى أقالا المدعي العام من
منصبه . وحين نقضت محكمة حقوق الإنسان
الأوروبية قرار إقالته، فإن المحكمة
الدستورية ومجلس القضاء رفضا الامتثال
لقرارها . وفي عام 2005 حين قامت مجموعة
من ضباط الأمن الذين تنكروا بلباس مدني
بالهجوم على إحدى المكتبات لتوجيه
الاتهام إلى حزب العمال الكردستاني،
فإن قائد القوات البرية الجنرال بيوك
آنيط أثنى على الهجوم وأيده . وحين هم
المدعي العام في المنطقة بملاحقة
الضباط فإن رئاسة الأركان منعت محاسبة
قائد القوات البرية، وتدخلت المحكمة
الدستورية ومجلس القضاء الأعلى لمنع
ملاحقة العسكر . الحالات الأخرى المماثلة لا حصر لها،
وكلها تدل على شيء واحد هو أن العسكر
والعصبة التي سيطرت على القضاء تصرفوا
كدولة فوق الدولة وفوق القانون وحكومة
حاضرة تتحدى الحكومة الشرعية المنتخبة
من الشعب . 4 خبرة السنوات الثماني التي خلت أقنعت
حكومة حزب العدالة أن الأغلبية التي
حصل عليها الحزب في البرلمان ليست
كافية في تنفيذ برنامجها، لأن “الحكومة
الأخرى” تقف لها بالمرصاد، لذلك فلم
تجد مفراً من إعادة النظر في صلاحياتها
لتمكين المؤسسات المنتخبة من الشعب من
مباشرة مهامها، وأدركت أنه لكي تصبح في
تركيا حكومة شرعية واحدة، فلابد من
إدخال بعض التعديلات على الدستور
الحالي لفتح الباب أمام صياغة دستور
مدني جديد يحل محل دستور العسكر الذي
صدر عام 1982 . كانت صحيفة “طرف” الليبرالية قد نشرت
قبل سنتين وثيقة تحدثت عن إعداد لإثارة
الفوضى يفتح الباب للقيام بانقلاب
عسكري . وتبين من التحقيقات أن نفراً من
كبار الضباط الحاليين والمحالين إلى
التقاعد ضالعون في العملية، بالتعاون
مع منظمة اركنجون السرية ذات التاريخ
الطويل في المؤامرات والاغتيالات
والانقلابات السابقة . ورغم أن قضية
الشبكة ما زالت منظورة أمام القضاء،
إلا أن اكتشافها سبّب إحراجاً لقيادة
الجيش، وأساء إلى سمعته أمام الرأي
العام، خصوصاً حين أدرك الناس أن
الحكومة التي صوتت الأغلبية لصالحها،
يعمل بعض قيادات الجيش على الانقلاب
عليها وإسقاطها، وكان ذلك ضمن العوامل
التي شجعت الحكومة على تقليص نفوذ
العسكر في المجال العام، خصوصا في مجلس
الأمن القومي، الذي لم يعودوا يشكلون
أغلبية فيه . وخطت الحكومة خطوة أخرى
مهمة في التعديلات الأخيرة حين حظرت
محاكمة المدنيين أمام المحاكم
العسكرية التي لا نظير لها في الدول
الديمقراطية، وأجازت محاكمة قادة
الجيش أمام القضاء العادي، إذا
ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون (كانوا
محصنين ضد المحاكمة) لا يقل عن ذلك
أهمية أن التعديلات أجازت الطعن في
قرارات مجلس الشورى العسكري، التي
كانت محصنة ضد النقض . وهو ما فتح الباب
أمام أكثر من 320 جنرالاً وآلاف الضباط
الآخرين لكي يتظلموا من قرارات فصلهم
في حالات “التطهير” المستمرة، (لميولهم
الإسلامية في الأغلب) . في التعامل مع مؤسسة القضاء نصت
التعديلات على زيادة عدد أعضاء
المحكمة الدستورية من 11 إلى 17 شخصاً .
يعين رئيس الجمهورية 14 منهم، من بين
المرشحين من جهات عدة، والثلاثة
الباقون يعينهم البرلمان، وتوسيع
العضوية يتيح الفرصة لتوسيع نطاق
التمثيل ويخفف من قبضة العناصر
المتطرفة . وفي السابق كان أولئك
القضاة يستمرون في عملهم إلى ما بعد
بلوغهم سن التقاعد (65 سنة)، إلا أن
التعديل الجديد حدد مدة العقوبة
باثنتي عشرة سنة فقط . نفس الأسلوب اتبع مع مجلس القضاء الأعلى
الذي يعين القضاة والمدعين العامين،
إذ كان يضم سبعة أعضاء أصلاء وخمسة
مؤقتين . ومن بين السبعة الأصلاء كان
وزير العدل ونوابه . وفي التعديل رفع
عدد أعضاء المجلس إلى 32 عضوا . منهم 22
عضوا أصيلا وعشرة نواب . وهؤلاء يحق
لرئيس الجمهورية تعيين أربعة منهم .
وأعضاء المجلس ينتخبون مباشرة من بين
العاملين بالهيئة القضائية في البلاد
الذين يصل عددهم إلى 11 ألف شخص . هذه التعديلات الخاصة بالجيش والمؤسسة
القضائية هي التي استأثرت بالاهتمام
وثار حولها الخلاف، من بين ال26 تعديلاً
التي جرى عليها الاستفتاء، ذلك رغم أن
التعديلات الأخرى التي اقترحتها
الحكومة عالجت أموراً أخرى مهمة،
تعلقت بإنشاء محكمة لحقوق الإنسان
وضمانات حرية الإضراب وحظر المنع من
السفر إلا بناء على حكم المحكمة وغير
ذلك، وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن
الاستفتاء الحقيقي كان على الاختيار
بين حكومة حزب العدالة والتنمية
المنتخبة، وبين حكومة العسكر وعصبة
القضاة الموازية . وهو ما فازت فيه
بجدارة الحكومة المنتخبة، الأمر الذي
يستدعي قراءة خاصة لمفاجآت الأرقام
ودلالاتها في الأسبوع القادم بإذن
الله . وحتى يحين ذلك فأرجو ألا يضيع
أحد وقته في المقارنة بيننا وبينهم،
لأننا أرحنا أنفسنا من البداية ولم
نعرف هذه الازدواجية، حيث ليست لدينا
أصلاً حكومة منتخبة . ............................. نذكّر بأن عدنان مندريس أعدم في
زمن مبكر من قبل غلاة العلمانيين ...
مركز الشرق العربي ======================\ آخر تحديث:الثلاثاء ,21/09/2010 سمير سعيد الخليج يبدو أن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من
اغتيال خبراء السلاح في الجيش الروسي
وعدد من القيادات الاستخباراتية
والعسكرية في أماكن تحاول روسيا مدّ
ودعم نفوذها فيها، وذلك بعد أن شهدت
الأيام القليلة الماضية حادثتي اغتيال
من هذا النوع في ظروف غامضة والفاعل
مجهول . فلم تكد تختال روسيا وتعلن بشكل
يومي على صدر صفحات وكالتها الرسمية عن
أخبار الأجيال الجديدة من السلاح
الروسي الذي سيغزو العالم في السنوات
المقبلة، إلى جانب نشر العديد من
الإحصائيات التي تكشف عن اتساع رقعة
الدول التي تُقبل على شراء السلاح
الروسي، حتى بدأت تتوارد أخبار الوفاة
الغامضة لبعض خبرائها في هذا المجال في
بعض الدول . فخلال أغسطس/آب الماضي توفي نائب رئيس
الاستخبارات العسكرية الروسية يوري
إيفانوف بالقرب من قاعدة عسكرية روسية
في سوريا في ظروف غامضة، وذلك خلال
زيارة رسمية لإتمام صفقات سلاح، وتفقد
قاعدة عسكرية روسية جديدة في مدينة
طرطوس الساحلية . وخلال الأسبوع الماضي توفي 3 خبراء
عسكريين روس من شركة “سوخوي” لصناعة
الطائرات في قاعدة “سلطان حسن الدين”
لسلاح الجو الاندونيسي في ظروف غامضة،
لتنطلق روايات عدة تفسر سبب الموت
الغامض، حيث عزت مصادر طبية اندونيسية
وفاتهم إلى نوبات قلبية، ثم قالت إنهم
قضوا مختنقين، بينما انطلقت شائعات
تقول إن الخبراء الروس قضوا مسمومين
بمادة كيماوية تتسبب في إيقاف القلب،
وقال مصدر أمني إندونيسي إنه تم العثور
على أحد المتوفين تحت السرير في غرفته
بالفندق، الأمر الذي طرح الفرضية
القائلة إنه ربما حاول الاختفاء عن خطر
يحدق به . ويمكن القول إن هناك بعض الأطراف التي تقف
وراء عمليات كهذه بحكم المصلحة،
فالولايات المتحدة، باقتصادها
المتداعي وبنوكها المفلسة وشركات
صناعة السلاح المهددة بتسريح عدد كبير
من عمالتها، تبحث عن أسواق جديدة
للسلاح لإنقاذ اقتصادها، لتجد نفسها
في مواجهة السلاح الروسي الأقل ثمناً
والأرخص تكلفة في الصيانة وقطع
الغيار، إلى جانب عدم التلاعب
بتجهيزات الأسلحة العسكرية على حسب
الدول كما يفعل الأمريكيون، ولذلك من
السهل اتهام الأمريكيين بالقيام
بعمليات الاغتيالات الأخيرة رداً على
توسع سوق السلاح الروسي . كما يمكن اتهام الصهاينة أيضاً بتنفيذ
الاغتيالات، على غرار عمليات اغتيال
الخبراء الألمان في مصر خلال الحقبة
الناصرية، وذلك لإرهاب روسيا، خاصة
أنهم هددوا روسيا هذا الأسبوع ببيع
أسلحة لأعدائها، مثل جورجيا، بعد
إبرام صفقة بيع صواريخ “ياخونت بي 800”
الروسية إلى سوريا، وتخوف “إسرائيل”
من أن بوارجها الحربية قبالة شواطئ
لبنان ستصبح في مرمى هذه الصواريخ متى
امتلكها السوريون . إذاً، وجد الطرفان الصهيوني والأمريكي
نفسيهما في مأزق كبير بفعل صفقات
السلاح الروسية الأخيرة فلم يجدا في
جعبتهما سوى سلاح الاغتيال الذي برعا
فيه بعد أن عدموا كل الوسائل من ترغيب
وترهيب، ما يعني أن الطرفين سينفذان
خلال الفترة المقبلة المزيد من
العمليات القذرة المتبادلة، والتي قد
تتوسع في المنطقة العربية، في إطار
الحرب على كعكة السلاح، وفي الوقت ذاته
الحفاظ على التفوق العسكري الصهيوني
في المنطقة . ======================\ بقلم :جانا بوريسوفنا البيان 21-9-2010 من المعروف أن روسيا هي ثاني أكبر منتج
ومصدر للنفط بعد المملكة العربية
السعودية، ونظرا لأن روسيا ليست عضوا
في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»،
فإنه لا بد من التنسيق بين الجهتين حتى
يمكن توجيه أسواق النفط العالمية. ولم
يكن لهذا التنسيق وجود في فترة
التسعينات من القرن الماضي، نظرا
للظروف التي كانت تمر بها روسيا بعد
انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن مع
الألفية الجديدة، ومع استرداد روسيا
لمكانتها. ومع استعادة الدولة سيطرتها على معظم
إنتاج النفط في روسيا، ومع تحسين ظروف
الإنتاج في روسيا واستخدام تقنيات
التنقيب والاستخراج والنقل الحديثة،
ظهرت روسيا كبائع أول للنفط في العالم
ينافس السعودية، وأحيانا يتفوق عليها
في التصدير كما حدث في مطلع العام
الجاري، الأمر الذي بات يشكل مشكلة
واقعية لمنظمة أوبك، رغم أن الطرفين لا
يصرحان بوجود أي مشاكل بينهما، وعادة
ما يكون لدى أوبك أمل في أن تستجيب
روسيا لطلباتها، ولكن الأمور على ما
يبدو ليست بهذه السهولة. وقد أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك
عبدالله سالم البدري، في منتصف سبتمبر
أثناء فعالية جسر تلفزيوني بين موسكو
وفيينا، أن روسيا قد تضطر مستقبلا إلى
تخفيض معدلات زيادة حجم استخراج النفط.
ولدى إجابته على أسئلة الصحافيين،
أشار البدري إلى أن معدل إنتاج النفط
الحالي في روسيا، لا يؤثر على عمل
الأوبك وخطط تحديد الحصص. وأضاف: «ولكن
في حالة استمرار زيادة حجم استخراج
النفط بهذه السرعة، فربما ستضطر روسيا
لتخفيضها بعض الشيء». ومع ذلك لم يشأ البدري أن يكشف عن أي
خلافات في الرأي بين المنظمة وموسكو،
حيث صرح بأن المنظمة لا ترى مشكلة
قادمة من روسيا حتى الآن. هذا التفاؤل
من قبل أمين عام منظمة أوبك، لا مبرر
له، حيث سبق لوزير الطاقة الروسي سيرغي
شماتكو أن تنبأ بأن يتجاوز حجم استخراج
النفط في روسيا في العام الحالي 500
مليون طن، وقد تم استخراج 494 مليون طن
من النفط في روسيا عام 2009، بزيادة
نسبتها 2. 1% مقارنة بعام 2008. وقد يندهش البعض بسبب عدم التزام روسيا
بما تقرره أوبك، ولكن تجارب الماضي
القريب هي التي دفعت لهذا، ففي الوقت
الذي كانت أسعار النفط فيه تنهار بشدة،
كان بعض دول «أوبك» يتعمد زيادة إنتاجه
من النفط، دون أي مبرر، وكانت روسيا
ترجو منهم أن يتوقفوا عن زيادة الإنتاج
حتى لا تنهار الأسعار أكثر، ولكن لم
يكن أحد يستمع إليها. ولم تكن الضغوط
الغربية وحدها هي التي تدفع هذه الدول
إلى زيادة إنتاجها، بل كان بعض هذه
الدول يتعمد من تلقاء نفسه زيادة
الإنتاج، بهدف تعويض الخسائر الناتجة
عن انخفاض الأسعار، دون مراعاة لباقي
المنتجين. وقد حاولت روسيا أن تقدم مشروعات للتنسيق
مع أوبك، بهدف استثمار نفوذها مع نفوذ
«أوبك» للتحكم في أسعار النفط
والصادرات النفطية، فقد سبق أن تقدمت
بمشروع تعاون مع الأوبك متعدد
الجوانب، يمكن أن يحقق مصالح للجانبين
في ما يخص ملفات أمن الطاقة العالمي،
والتشاور حول أسعار النفط، وهي ملفات
تضمن استقرار أسواق الطاقة من
التقلبات والهزات الحادة، ولكن على ما
يبدو فإنه كان هناك في الغرب من يضغط
دائما للحيلولة دون التقارب بين روسيا
وأوبك، وأيضا داخل أوبك نفسها هناك من
لا يرغب في التعاون مع روسيا. والمشكلة أن الدول أعضاء أوبك لا تفكر في
التنسيق والتفاهم مع روسيا في مسائل
الإنتاج والتسويق، إلا عندما تحتاج هي
إلى ذلك، دون مراعاة لمصالح روسيا، وقد
يكون نفس العيب موجودا لدى روسيا أيضا،
حيث إن موسكو لا تتحمس كثيرا للتنسيق
مع أوبك، إلا في حالة وجود مشاكل أو
تهديدات تضر بمصالحها في أسواق النفط. وهذه المسألة تشكل حلقة مفرغة بين
الطرفين يصعب ملؤها، وإذا لم يصل
الطرفان إلى تفاهم وتنسيق بينهما في
ظروف ملائمة لكليهما معا، فإنه من
الصعب عمليا الحديث عن تحكمهما معا في
توجيه أسواق النفط العالمية، التي ما
زال كبار المستهلكين فيها هم الذين
يملكون القرار ويفرضونه على كبار
المنتجين. ======================\ الزراعة الإفريقية
وثورتها الخضراء بقلم :توفيق المديني البيان 21-9-2010 لم يعد تحقيق الاكتفاء الغذائي، بل تحويل
إفريقيا إلى أكبر منتج للمواد
الزراعية على الصعيد العالمي حلماً،
إنه الهدف الذي حدّده المشاركون في
المنتدى من أجل ثورة خضراء في إفريقيا،
الذي أنهى أعماله في أكرا، عاصمة غانا،
يوم السبت 4 سبتمبر الجاري. ويجسد هذا المنتدى الذي يضم في صفوفه مئات
من الوزراء، ورجال الأعمال، وممثلين
عن المنظمات الزراعية، و الهيئات
الدولية، من أصحاب البنوك و الخبراء،
اهتماماً خاصاً بالزراعة الإفريقية.
وعرفت القارة الإفريقية تدهوراً
خطيراً في أوضاعها الغذائية خلال
العقد الأخير، على نقيض كل المناطق في
العالم. وليست قلة الأمطار هي العامل
المسؤول الوحيد عن هذا التدهور، بل إن
قائمة الأسباب تطول. إن القطاع الزراعي في العديد من البلدان
الإفريقية عانى من الإدارة السيئة
وفساد الحكومات، وفي الوقت عينه من
النقص الفادح في مصادر التمويل
والخبراء. فهناك برامج بالكامل
للتنمية الريفية، ألغيت تحت تأثير «برنامج
الإصلاح الهيكلي» المفروض من قبل
صندوق النقد الدولي، بداية من عقد
الثمانينات من القرن الماضي. كما أن
جهود الدول المانحة انخفضت كثيرا.
فالزراعة لم تعد تستوعب سوى 2% تقريبا
من المساعدات متعددة الأطراف في سنة 2002
مقابل 30% سنة 1980. والجهود لم تكن متركزة على البلدان التي
تعيش أوضاعا صعبة. فالبلدان التي يعاني
5% من سكانها من سوء التغذية، تحصل ثلاث
مرات من المساعدات عن كل عامل زراعي
أكثر من البلدان التي يعاني 35% من
سكانها من المجاعة. وإضافة إلى ذلك،
وعلى الرغم من كثرة مجاري الأنهار، فإن
إفريقيا هي القارة الأقل مروية في
العالم. وتعتبر المؤسسة الدولية للبحث في
السياسات الغذائية، أن 72% من الأراضي
الصالحة للزراعة و31% من المراعي «متردية».
وفضلا عن ذلك، فإن المساحة الصالحة
للزراعة للفرد الواحد، انخفضت بنحو 5.
24% بين 1980 و1993. وأخيرا، كانت إفريقيا
مجبرة على مواجهة ثلاثة عوامل خطيرة
بوجه خاص: أولاً؛ بلوغ إفريقيا رقما قياسيا في
النمو الديمغرافي. فما بين 1975 و2005،
تضاعف عدد سكان القارة الإفريقية أكثر
من الضعفين، منتقلا من 335 إلى 751 مليون
نسمة. وتظهر أحدث دراسة علمية أميركية
أن إفريقيا تجاوزت الآن مليار نسمة،
وحتى مع انخفاض معدل الخصوبة منذ عقد
التسعينات. ثانيا؛ عرفت إفريقيا أوضاعا غير مستقرة
مهمة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إذ
قام رئيس المفوضية للاتحاد الإفريقي،
الرئيس المالي السابق ألفا عمر
كوناري، بجرد حساب: لقد كانت إفريقيا
مسرحا لنحو 186 انقلابا عسكريا، و26 حربا
أهلية، خلال الخمسين سنة الماضية.
ويوجد في القارة الإفريقية 20 مليون
لاجئ. ثالثاً؛ إن انتشار مرض الإيدز الذي فتك
برؤساء العائلات في الأرياف، أحدث
اضطرابا في الإنتاج الزراعي. ومع ذلك،
فإن هذه العوامل كلها لا تحدد كليا
الأوضاع «الكارثية» التي تطفو على مدى
فترات منتظمة، فهناك آليات أخرى كانت
المتسببة في أوضاع الأزمة الغذائية. لقد تطورت فكرة أن الزراعة هي مفتاح
التنمية الإفريقية، في قمة رؤساء
الدول الإفريقية التي عقدت في مابوتو
عاصمة موزمبيق سنة 2003، حيث وعد القادة
الأفارقة بتخصيص 10 في المئة من
موازناتهم الوطنية للزراعة. وكان
التحالف من أجل تحقيق ثورة خضراء في
إفريقيا، قد تشكل في سنة 2006. العوامل التي أسهمت في إقناع القيّمين
بأهمية البدء في تنفيذهذا المشروع:
الثورة الخضراء، هي الأزمة الغذائية
التي حدثت في العديد من البلدان، بسبب
ارتفاع أسعار القمح والأرز والذرة،
مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد
الغذائية بشكل عام، بنسبة 83 في المئة
خلال السنوات الثلاث الأخيرة. الأمر لا يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي
للقارة الإفريقية، وإنما العمل على
تصدير المواد الزراعية. وهنا يلعب
القطاع الخاص دوراً مهماً في ذلك، من
خلال تقديم الأسمدة المحسنة
للمزارعين، وتوافر إرادة سياسية لدى
الحكومات الإفريقية، وتحسين الأسواق
الزراعية الإفريقية، وتأمين البنية
التحتية اللازمة كالطرقات، كي يتمكن
المزارعون من إيصال محاصيلهم إلى
الأسواق المحلية بأسرع وقت، وتطوير
البحث العلمي في مجال الزراعة. ======================\ حتى إجماع اللبنانيين
لا يوقف المحكمة ! راجح الخوري النهار 21-9-2010 ماذا يبقى الآن من ثلاثية: "الدولة
والشعب والمقاومة"؟ ربما لن يبقى شيء على الاطلاق، وخصوصا ان
هذا البلد البائس يبدو بلا افق ويسرع
الخطى ليكون مجرد دولة فاشلة، في حين
ترسم الازمة المحتقنة والمتفاقمة هذه
الايام، صورة وطن اشبه بقارب يتأرجح في
قبضة عاصفة، قبل ان يغرق في بحر من
الجنون والافلاس، كي لا نقول في بحر من
دماء ابنائه لا سمح الله! واذا كان هناك من يصر على القول ان الامور
لن تنزلق الى صفحة جديدة فاجعة ومؤلمة
للجميع على غرار ما حصل في 7 ايار من عام
2008، رغم التهديدات العلنية السابقة
والصريحة بان اي قرار اتهامي لعناصر من
"حزب الله" بالضلوع في جريمة
اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري،
سيدفع البلاد نحو سبعين 7 ايار، فان من
مصلحة الجميع لا ان يتذكروا الجروح
والمآسي التي تركتها الصراعات المسلحة
في البلاد وآخرها ما حصل في 7 ايار 2008
فحسب، بل ان يتأملوا في ذلك البركان
المذهبي الهدار في المنطقة كلها، من
العراق وبعض دول الخليج الى اقاصي
باكستان، لكي يدركوا ان لبنان مجرد
ورقة تحترق بسرعة امام عاصفة الجنون
اذا هبت! ❒❒❒ نعم ماذا بقي من تلك المعادلة "الدولة
والشعب والمقاومة"، التي كانت
بمثابة البحصة الضرورية لاسناد خابية
حكومة الوحدة الوطنية التي لم يتح لها
الغيارى فرصة لالتقاط الانفاس والعمل
بوحي الوحدة ولمصلحة الوطن، ربما لان
المعادلة كانت واضحة منذ البداية، ان
لا مجال لقيام حكم قادر او حكومة او
سلطة مقتدرة قبل طي ملف المحكمة
الدولية ووضعه على رف النسيان. اما عن الدولة، فانها تكاد ان تكون مجرد
اسم بلا معنى، مجرد حبر على ورق، لا لأن
هناك من يدعو الى ما يشبه العصيان على
المؤسسات والوزارات والوزراء
والرئاسات والسلطات فحسب، بل لأن هناك
من يصر على تقديم الاثباتات العملية
والميدانية المتلاحقة، سياسيا
وقضائيا وأمنيا، على ان الدولة غير ذات
هيبة او قيمة، وانها تدب في العجز
والوهن والضعف، وهي مجرد شعار عندما
تقتضي الحاجة ومجرد ممسحة عندما تتأزم
الاوضاع عليها ان تلحس قراراتها وتلوذ
بالصمت. واما عن المقاومة فإنها تفترض ان على
الدولة ان تتبع طريقها لا في مسألة
المحكمة الدولية والقرار الاتهامي وقد
قيل الكثير في هذه المسألة، التي قد
تدفع بالبلاد الآن نحو اتون الفتنة
المذهبية بعد التصعيد الاخير لا سمح
الله، بل في امور كثيرة اخرى تتصل
بادارة البلاد ومسالك السلطة وعمل
المؤسسات، وحتى في معالجة القضايا
الاقتصادية والمعيشية والاسلوب الذي
تفرضه قواعد التعاون في عمل السلطتين
التنفيذية والتشريعية. واما عن "الشعب"، فالأحرى الحديث عن
الشعوب بعدما تبين مدى الهوة التي تتسع
بين طوائفه والمذاهب ومدى الاحتقان
الذي يتزايد بين ابنائه، وقد كشفت
مجموعة متلاحقة من مواقف المقاومة
وآخرها ما سمي "عراضة المطار"
وكذلك مجموعة منسقة من ردود الفعل
المتشنجة من بيروت والشمال وعكار، ان
الوضع السني – الشيعي في لبنان ينام
على برميل من الحساسيات والاحتقانات
والكراهيات، وانه حتى وإن لم يكن هناك
احتمال انزلاق الى الفتنة فإنه ليس
هناك من احتمال ولو بسيطا لطي هذه
الصفحة البغيضة رغم لفح المآسي
الدموية المتصاعدة في جنبات هذه
المنطقة البائسة، التي تتقدم بعينين
مفتوحتين نحو الهوة الشيطانية
السحيقة، التي صنعتها اسرائيل لتجعل
منها بديلا مريحا من حروب تشنها او
تُشن عليها ولا من يتأمل او يفكر ويخاف
الله او يكتشف ان اعظم المقاومات عدم
السقوط في حبائل العدو الاسرائيلي! ❒❒❒ واذا كان هناك من يؤكد تكرارا ان المحكمة
الدولية تعمل كمفاعل مستقل بذاته، ولا
يمكن وقفها الا بقرار من مجلس الامن
الذي شكلها اساسا، وأن ليس في وسع سعد
الحريري رئيسا للحكومة ووليا للدم ان
يوقفها، ولا في مقدور اي دولة او رئيس
ان يقوم بمثل هذا، فلماذا الاستمرار
بمطالبة الحريري بما لا يقدر عليه،
ولماذا شن الحملات عليه واستهدافه
بهذه الطريقة، التي لن تخدم هدف وقف
المحكمة، بل تخدم في النهاية غرض المضي
في تهديم هيبة الدولة والمؤسسات وهو
امر لن يوقف المحكمة حتى لو سقطت
الحكومة غدا كما يعرف الجميع؟ لقد كان مثيرا للاستغراب القول ان الحملة
على سعد الحريري لا تستهدفه كزعيم
سياسي للطائفة السنية، بل كرئيس
للحكومة، على الاقل لان الاساءة اليه
كرئيس للحكومة، يسيء الى الدولة
ومؤسساتها ويدفع بها اكثر فاكثر نحو
الوهن الاضمحلال والتفكك، وهذه امور
لن تخدم احدا في النهاية، لانها تدفع
بنا جميعا من احضان "اللبننة"
التاعسة الى احضان "الصوملة"
البائسة او "العرقنة" التي تقطر
دما ونارا وجنونا. ثم ان رئاسة الحكومة لا تنزع عن الحريري
زعامته السنية على الاقل في نظر مؤيديه
من ابناء الطائفة السنية، وهنا تصبح
الاساءة مزدوجة تصيب الدولة وتصيب
الشعب ايضا وهذا امر لا يخدم المقاومة
قطعا، وخصوصا انها تعرف جيدا انها من
دون الدولة والشعب تصبح في النهاية في
العراء بلا سقف! ======================\ إسرائيل.. «تضغط» على
روسيا أم «تهددها»؟ محمد خرّوب الرأي الاردنية 21-9-2010 في الدبلوماسية, يصعب الجزم بأن خطوة ما
أو تصريحاً صحفياً, يمكن ادراجه تحت
بند الضغط أو التهديد, إذ هما في واقع
عالمنا اليوم, حيث تسود لغة القوة
والعربدة ومفردات الدولة العظمى
الوحيدة, ورهط الطامحين الى توزيع
للأدوار أو رؤية عالم متعدد الاقطاب
والرؤوس والقراءات, وجهان لعملة واحدة,
فتصريح واحد من هيلاري كلينتون - على
سبيل المثال - سيُقرأ لدى الدولة أو
الدوائر الأممية المعنية, وفق سياق
معروف وهو التنفيذ الفوري(...) إذ ليس
لدى واشنطن وجبات مجانية والدول
العديدة التي تدور في فلكها أو تنعم
بحمايتها ودولاراتها, تعلم أن طلباتها
اوامر وتمنياتها كذلك.. والدلائل عديدة
والنماذج أكثر من أن تحصى في مشارق
الارض ومغاربها, والشرق الأوسط أو قُل
على وجه الدقة المنطقة العربية خير
شاهد.. وشهيد(...). ماذا عن اسرائيل؟ ثمة في أفق العلاقات الاسرائيلية الروسية
أزمة, افتعلتها حكومة نتنياهو وتواصل
النفخ فيها, على نحو يصعب تجاهل لغة
الزعرنة والاستكبار التي تقارب بها تل
ابيب مسألة «بيع» موسكو دمشق صواريخ
مضادة للسفن من طراز ياخونت- بي 800,
وصفها نتنياهو «بالمشكلة» ولم يخجل من
ربطها بالصفقة الأخطر و»الأغلى» في
تاريخ اسرائيل, التي عقدتها حكومته مع
الادارة الاميركية لتزويدها بطائرات
مقاتلة من طراز f35 المعروفة بالشبح والطائرة
الاكثر تطوراً في العالم, والتي لم
يُسمح لأي دولة حليفة لواشنطن, حتى
داخل حلف شمال الاطلسي بامتلاكها.. الابتزاز والتضليل الاسرائيلي معروفان
تاريخياً, لكن «الحملة» الاعلامية
والدبلوماسية على روسيا لم تبدأ, بعد
أن حسمت موسكو رأيها وقررت المضي قدماً
في تنفيذ التعهدات التي التزمتها مع
دمشق عندما وقعت اتفاقية كهذه, وهي
بالمناسبة ليست الاولى من هذا الطراز,
إذ سبق لدمشق أن تزودت بصواريخ بحرية
كهذه, لكن الجديد في الصفقة الراهنة هو
ان نظام «باستيون» الجديد أكثر تطوراً
ودقة في إصابة الهدف من المنظومة
السابقة.. اللافت اذاً في الحملة الاسرائيلية انها
ترافقت مع رائحة تهديد تفوح من كلام
التضليل والتحريض, الذي يواصله
الاسرائيليون واعوانهم في أميركا, ليس
فقط في الاشارة الى تلميح تل ابيب
بأنها لن تأبه (بعد اليوم) لتمنيات
ومطالب موسكو بعدم تزويد اسرائيل
جورجيا وبعض الدول السوفياتية السابقة,
التي تناصب روسيا العداء.. بالأسلحة, بل
هي (تل ابيب) سترى في ذلك رداً مباشراً
على رفض القيادة الروسية الاصغاء (اقرأ
الرضوخ) لاسرائيل بتجميد هذه الصفقة,
إن لم يكن الغاؤها.. اصل الحكاية.. من السذاجة الاعتقاد أن موسكو ميدفيديف
وبوتين هي موسكو الاتحاد السوفياتي,
فالايديولوجيا والمبادئ التي قامت
عليها السياسة السوفياتية باتت جزءاً
من الذكريات الروسية, وما المكانة التي
تحتلها روسيا على قائمة الدول الخمس
الاولى في تصدير الاسلحة (اسرائيل في
المرتبة الثالثة), إلا تجسيد لواقع
المرحلة التي تلت سقوط الاتحاد
السوفياتي, واعتبار الصناعات العسكرية
جزءاً مهماً وحيوياً من الناتج القومي
الروسي, حيث لا نقض «فيتو» على بيع أي
سلاح (ما عدا النووي والاستراتيجي) الى
أي دولة كانت.. الصفقة الروسية السورية هي تجارية في
الدرجة الاولى, رغم العلاقات «التاريخية»
التي تربط موسكو بدمشق, لكن الاحوال
تغيّرت والتحالفات كما السياسات ايضاً..
أما اسرائيل فهي التي لم تتغير, ليس فقط
كشرطي للإمبريالية الاميركية, وانما
أيضاً في السعي لتكريس نفسها دولة
اقليمية كبرى تبدي استعداداً للاضرار
بمصالح الكبار (عدا واشنطن بالطبع),
الذين يبدون أي نوع من الانتقاد «الناعم»
لإرهاب الدولة الذي تمارسه ضد شعوب
المنطقة.. ولمن ينسى, فإن ايهود باراك ذهب الى موسكو
وعاد باتفاقية تعاون استراتيجي مع
روسيا, وقبله كان افيغدور ليبرمان قد
دعا ومن موسكو الى الارتقاء بالعلاقات
الاسرائيلية الروسية الى ما يشبه
علاقاتها مع واشنطن, واستكمل نتنياهو
عملية «اجتياح» روسيا فذهب في زيارات (احداهما
سرّية) للكرملين, حاملاً «سلّة» مطالب
من القيادة الروسية, احداها تتعلق
بتصويت موسكو لصالح عقوبات جديدة على
ايران وعدم تزويد مفاعل بوشهر بالوقود
النووي, وخصوصاً الغاء تزويد طهران
بصواريخ اس. اس 300 المضادة للطائرات
وكانت صفقة «ياخونت» من ضمن «السلّة»
هذه.. تجارب الثنائي ميدفيديف بوتين مع بعض هذه
المطالب, بدا وكأنه «رضوخ» ومؤشر على
ضعف الدبلوماسية الروسية, لكن
الاسابيع التي تلت تصويت روسيا والصين
لصالح النسخة الثالثة من العقوبات
الدولية على ايران, عكست رغبة روسية
بالخروج من «الزاوية» الذي تم دفع
موسكو اليها وتعريض مصالحها الحيوية
للخطر, فجاء قرار تشغيل مفاعل بوشهر
وتزويده الوقود حتى نهاية ايلول
الجاري, ثم المضي قدماً في تزويد دمشق
بصواريخ ياخونت البحرية, مؤشراً
جديداً ولافتاً على أن الكرملين بات
على قناعة أن دوراً دولياً «مأمولاً»
لروسيا أو استعادة بعض الدور
السوفياتي, لن يكون إلا بقرارات «سيادية»
كهذه وإلا فإن صورة نظام يلتسين تتكرر
على نحو يدعو للاسف وربما الشماتة (موسكو
مستبعدة عن الملف الفلسطيني
الاسرائيلي).. ======================\ يهودية الدولة والتطهير
العرقي الاسرائيلي عبدالله محمد القاق الدستور 21-9-2010 لم تكتف اسرائيل
برفضها قرارات الشرعية الدولية بتطبيق
قراري مجلس الامن الدولي 242 338و وقرار
الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194
بشأن اللاجئين الفلسطينيين وكذلك
خريطة الطريق واستمرارها في تحدي
العالم باقامة المستوطنات
الاسرائيلية والجدار العازل
الفلسطيني وزيادة العوائق والحواجز
بين المدن والمحافظات الفلسطينية
واستمرار الحصار على الشعب الفلسطيني
في غزة والضفة الغربية واستمرار
عمليات القتل والتهويد في مدن القدس
والضفة بل واصلت غطرستها وسياستها
الاحتلالية والقمعية بالتطهير العرقي
لفلسطين عام 1948 وباشتراطها باعتراف
الفلسطينيين في المفاوضات الحالية
المباشرة بيهودية الدولة الفلسطينية
الامر الذي يمثل نكبة جديدة لانه
يستهدف تهجير الفلسطينيين من الداخل. ان التصريحات الصادرة عن نتنياهو وعن
وزير خارجيته الفاشي ليبرمان تؤكد ان
اسرائيل لم ولن تغير سياستها بوقف
الاستيطان وطمس الهوية الاسلامية
والمقدسية في مدينة القدس الامر الذي
يتوجب على الفلسطينيين في السادس
والعشرين من الشهر الحالي التوقف عن
المفاوضات بمواصلة اسرائيل الاستيطان
ووقف الاتصالات العبثية في ظل استمرار
هذه السياسة وهو الموقف الذي يمثل موقف
الاجماع الفلسطيني ويحرك العديد من
الفعاليات الشعبية وهو الموقف الذي
ينسجم بشكل مباشر مع قرارات الشرعية
الدولية التي اكدت عدم شرعية
الاستيطان وعلى مطالبة اسرائيل بوقف
كافة الانشطة الاستيطانية بما في ذلك
في مدينة القدس وهذا الموقف المطلوب من
السلطة اتخاذه يجيء في ضوء انعقاد
الجمعية العامة للامم المتحدة وذلك
بالدعوة الى عقد جلسة عاجلة لمجلس
الامن الدولي او الجمعية العامة للامم
المتحدة حيث تنعقد دورتها الحالية
العادية وذلك لكشف مواقف الاحتلال
الاسرائيلي الرافض للسلام العادل
والدائم فضلا عن التأكيد ان الفلسطيين
ما زالوا متمسكين بمرجعية ملزمة
للمفاوضات تستدعي من الجانب
الاسرائيلي المدعوم من الولايات
المتحدة اتخاذ نفس الموقف بغية تقرير
حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة الدولة
الفلسطينية وعاصمتها القدس خاصة وان
هذا الموقف المطلوب اتخاذه يجب الا
يكون وقفة لمدة ثلاثة شهور لاعطاء
ذريعة لانتخابات امريكية نصفية جديدة
في منتصف شهر تشرين الثاني المقبل لان
هذا الاجراء المؤقت لا يشمل آلاف
الوحدات الاستيطانية التي وضعت
اساساتها والمباني الحكومية ، وما
يسمونه بالابنية الحيوية او النمو
الطبيعي للاستيطان وهو ما لا يمكن
قبوله لانه يستثني مدينة القدس وحي
سلوان والبستان والشيخ جراح وغيرها من
التجميد ، ما يعني تكريس سابقة وامر
واقع جديد يتم فيه اقتطاع القدس عن
سائر الاراضي الفلسطينية والدولة
الفلسطينية المنشودة كما يقول مصطفى
البرغوثي الامين العام لحركة المبادرة
الوطنية الفلسطينية. ولعل ما يتحدث عنه المفاوضون
الاسرائيليون والامريكيون حول اعداد
اتفاق اطار لمدة عشر سنوات بين
الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني يمثل
عاملا جديدا لمساعدة اسرائيل في
استغلال هذه الفرصة لاستكمال مخططاتها
الاستعمارية والتوسعية وتحويل فكرة
الدولة المستقلة الى كانتونات ومعازل
وبانتوستانات وهذا يعني انتقال
المفاوضات الى مجهول يرمي الى تجزئة
الحلول الشرعية الى مراحل لفرض الامر
الواقع بما في ذلك التوسع الاستيطاني. والواقع ان التساهل مع اسرائيل باستمرار
عمليات الاستيطان او التطهير العرقي
يخالف كل القرارات الدولية خاصة وان
اسرائيل قامت على الاحتلال في عام 1948
وفقا للقرارت الاممية.. وبالرغم من هذه
التوسعات الاستيطانية لليهود الا ان
هذه الاراضي لم تكن تابعة "للدولة
اليهويدية" وهذا يعني انه يجب ان لا
يورث هذا التوسع الاسرائيلي هذه
الدولة الغاصبة حقوقا جديدة في
الاراضي خاصة في مدينة القدس كما يتطلب
من الجانب الفلسطيني المفاوض ان يصر
دائما على عدم شرعية الاحتلال للاجزاء
التي كانت مخصصة للدول العربية وفقا
لقرار التقسيم 181 وهذا يعني انه لا يملك
احد من السلطة الفلسطينية او غيرها
للموافقة على حق الاعتراف باسرائيل
كدولة للشعب اليهودي لما في ذلك من
تفريط بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب
الفلسطيني سواء اولئك الذين ظلوا داخل
الخط الاخضر او الذين ما زالوا في
الشتات. فموضوع انشاء دولة يهودية او دولة اليهود
لم يكن التفكير في طرحه جديداً ، بل كان
عبر تيارين اسرائيليين احدهما "علماني"
والاخر "ديني" وذلك منذ اعلان
بلفور عام 1917 ، ولم يحسم حتى اليوم
المحتوى الديني للدولة ، غير ان كل
التوجهات تدل على ان نتنياهو رئيس
الحكومة الاسرائيلية المتطرفة
واليمينية ما زال مصراً قبل تحقيق اي
اتفاق مع الفلسطينيين على الاعتراف
بيهودية هذه الدولة والتي يرفضها
المجتمع الدولي والامتان العربية
والاسلامية ، خاصة وان الرئيس المصري
حسني مبارك قال في مقابلة مع القناة
"الاسرائيلية" العامة "ان مطلب
اسرائيلي بالاعتراف بها دولة يهودية
امر زائد ولا مبرر له داعيا لعدم تحويل
الموضوع لعائق جديد امام المفاوضات
محذراً من استمرار البناء الاستيطاني
كونه سيحبط مشروع الدولة الفلسطينية". والواضح ان اسرائيل بدأت عمليات التطهير
العرقي للفلسطينيين في النقب جنوب
الاراضي المحتلة عام 1948 حيث تقوم
بتدمير المنازل وطرد سكانها بالقوة
واتلاف مزارعهم ومحاصلهم الامر الذي
يشكل جريمة انسانية جديدة ترتكبها
اسرائيل وتتعارض مع مبادئ القانون
الدولي وبنود الميثاق العالمي لحقوق
الانسان ، وتخالف ايضا اتفاقية جنيف
الرابعة لعام ,1949 فاستمرار هذا النهج الاسرائيلي سواء في
النقب او الاغوار والقدس يكشف عن الوجه
القبيح والبشع والنوايا الحقيقية
القذرة لما تشرع به اسرائيل من اجل
تنفيذ خططها الرامية لاقامة الدولة
اليهودية المزعومة في ظل المفاوضات
المباشرة. وهذا الاستهداف لمواطني
النقب وخاصة قرية "العراقيب" اذا
ما نجح في تحقيق اهدافه وغاياته فانه
سيكون باكورة تنفيذ باقي المخططات
التوسعية الاسرائيلية لهدم عشرات
القرى العربية في منطقة النقب سعيا
للسيطرة على المزيد من الاراضي
العربية في الخط الاخضر وغيره. فالمطلوب من المفاوض الفلسطيني ان يكون
حذراً من المخططات الاسرائيلية
التوسعية ، الرامية الى يهودية الدولة
وعدم الرضوخ الى المطالب الاسرائيلي
التي تجهض قرارات الشرعية الدولية ،
وضرورة استخدام كل الوسائل
الدبلوماسية في الامم المتحد للضغط
على الكيان الاسرائيلي لالزامه بتطبيق
قرارات الشرعية الدولية. فطرح اسرائيل شرطها الاعتراف الفلسطيني
باسرائيل بوصفها دولة للشعب اليهودي
خلال هذه المفاوضات يهدف الى نسف جهود
السلام ويؤكد سعي اسرائيل لتعزيز
احتلالها للاراضي الفلسطينية وتهويد
القدس وابقاء الباب مفتوحا امام تنفيذ
المخططات لسياسة التطهير العرقي
والترانسفير بحق ابناء الشعب
الفلسطيني داخل الخط الاخضر ، لا سيما
وان اسرائيل لم يسبق لها ان طرحت بند
يهودية الدولة على جدول اعمال
المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية
السابقة ولا المفاوضات العربية
الاسرائيلية كما انها لم تطلب من قبل
هذا الاعتراف من اية دولة او من الامم
المتحدة التي حددت شكل الاعتراف
باسرائيل كدولة عضو فيها،. ======================\ العلاقات السودانية
الامريكية ورمزيتها في إطار
الازمة الحالية د. عبدالوهاب الأفندي 2010-09-20 القدس العربي أثناء حملته الانتخابية في نيسان/أبريل
الماضي، سخر الرئيس السوداني عمر حسن
أحمد البشير من معارضيه الذين قال إنهم
اشتكوا الحكومة السودانية ل 'سيدتهم'
أمريكا بعد أن اتهموا لجنة الانتخابات
القومية بأنها تتبع للمؤتمر الوطني (الحزب
الحاكم)، فرفضت أمريكا شكواهم، مما
جعلهم يقولون أن أمريكا أيضاً أصبحت
أيضاً من أنصار المؤتمر الوطني. واضاف
يقول: 'والحمد لله!' وخلال الأسبوع الماضي أطلق وزير الخارجية
السوداني علي كرتي تصريحات انتقادية
حادة ضد أمريكا وسياستها في السودان
رداً على تعليق لوزيرة الخارجية
هيلاري كلنتون وصفت فيه أوضاع السودان
بأنها قنبلة موقوتة. وجاء في تصريحات
كرتي أن الساسة الأمريكيين يميلون إلى
تضخيم المشاكل في السودان نتيجة
لجهلهم بأوضاعه، وأيضاً من أجل تضخيم
دورهم في حل هذه المشاكل المزعومة من
أجل خدمة أجندتهم السياسية الداخلية.
وقلل كرتي من قيمة المساهمة الأمريكية
في تقريب الشقة بين شريكي نيفاشا،
قائلاً إن المساهمة الأمريكية لم تضف
أي شيء إلى ما حققته اللجان المشتركة
بين الشريكين من تلقاء نفسها. وختم
بالقول بأنهم يرحبون بالمساهمات
الأمريكية إذا كانت صادقة في سعيها لحل
المشاكل، وترفضها إن كانت مدفوعة
بحسابات صراعات داخلية في أمريكا. وقد توحي هذه التصريحات الأخيرة بأن
أمريكا قد 'انشقت' عن المؤتمر الوطني
فيمن انشق عنه. ولكن تصريحات أخرى صدرت
عن نائب الرئيس السوداني علي عثمان
محمد طه الذي يقود وفد السودان إلى
القمة الأممية التي ستعقد حول أزمات
البلاد هذا الأسبوع انتهجت طريقاً
وسطاً، حيث طالبت الولايات المتحدة
برفع العقوبات عن السودان والتوقف عن
إضعاف الرئيس السوداني في الوقت الذي
تطالبه فيه بأداء مهام صعبة لتنفيذ
اتفاقية السلام والتعامل مع
استحقاقاتها المعقدة. وإذا أراد المراقب تلخيص العلاقات
السودانية- الأمريكية في عهد حكم
الإنقاذ، فإنه يمكن أن يقول إنها علاقة
قامت على الهوس المتبادل وسوء الفهم
المتبادل. فمنذ الأشهر الأولى لحكم
الإنقاذ، ازداد الاهتمام الأمريكي
بالشأن السوداني وتعمق على خلفية
تطورات متداخلة ومعقدة، بدءاً من
انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية
الحرب الباردة، وتداعيات غزو العراق
للكويت، وانهيار الأنظمة في الصومال
واثيوبيا، ثم مذابح رواندا ويوغسلافيا.
وكان من نتيجة كل هذا ظهور توجهات
جديدة في السياسية الدولية تبرر 'التدخل
الإنساني' في شؤون الدول الأخرى
والتعامل الاستباقي مع الأزمات
الإنسانية. وقد أدى هذا إلى حوار مكثف
في الأوساط الاكاديمية والسياسية في
أمريكا والغرب وداخل منظومات الأمم
المتحدة حول توجهات السياسة الدولية. فيما يتعلق بالسودان خاصة، فإن الحوار
قادته منظمات طوعية حقوقية وإغاثية
وكنسية، كان محور اهتمامها اتهامات
بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وقلق
من تداعيات الحرب الأهلية والمجاعات.
أما محور الاهتمام عند الإدارة
الأمريكية فكان القلق من دور النظام
السوداني في زعزعة الاستقرار في
المنطقة ثم الخوف من ظاهرة 'الإرهاب
الإسلامي'، وهو اهتمام عكس بدوره قلق
الأنظمة الحليفة مثل مصر والسعودية
وإسرائيل، التي تخوفت من التأثير
السالب لقيام نظام إسلامي في السودان
على استقرارها. أما بالنسبة لدول مثل
اثيوبيا واريتريا، استفادت أنظمتها من
دعم السودان لتصل إلى السلطة، تحديداً
لأن النظام السوداني تحدى أمريكا، فإن
قلقها كان مضاعفاً بعد خلافها مع
السودان لأنها خبرت فعالية دعم النظام
للحركات التي تواليه. من جانبه كان النظام السوداني شديد القلق
من الدور الأمريكي في المنطقة، خاصة
بعد التدخل الأمريكي العسكري المباشر
في الخليج ثم في الصومال، ثم غير
المباشر عبر دعم الأنظمة المعادية في
المنطقة وتقديم السند السياسي
والمعنوي للمعارضة. وقد بلغ الاهتمام
بتحركات أمريكا ومواقفها حد الهوس عند
كثير من المسؤولين والمقربين من مواضع
صنع القرار. وقد كنت رويت في مرة حكاية
لقاء لي مع شيخ بارز من مشايخ الدين،
كنت أسأله عن رأيه في تردي الأوضاع
الأخلاقية في البلاد نتيجة الفقر،
وعما ينبغي أن يقوم به المشايخ لمواجهة
هذه الأزمة، وكان يرد بروايات عن لقائه
مع هذا الدبلوماسي الغربي أو ذاك،
وبأسئلة عن موقف بريطانيا أو أمريكا من
النظام في السودان. فكان حوارنا بالفعل
أشبه بحوار الصم. وقد ظل الحال حتى
اليوم على حاله. فمن أصعب الأمور أن
تفاتح مسؤولاً سودانياً في شأن من شؤون
الداخل، مهما عظم، إلا إذا كان له بعد
عسكري أو أمني كما هو حال الجنوب أو
دارفور. ولكن إذا أردت أن ينشرح
المسؤول للحديث ويرهف أذنه للسماع،
فيكفي أن تذكر أمريكا أو بريطانيا.
وعندها ستكون مشكلتك هي كيف تتخلص من
ورطة الدخول في مثل هذا النقاش. بنفس القدر خبرت خلال لقاءاتي مع
الدبلوماسيين والمسؤولين الأمريكيين
في سنوات الإنقاذ الأولى هوساً
مقابلاً بالدخول في حوار قادة الإنقاذ.
فقد كان هناك من يشكو إغلاق الأبواب في
وجهه، وهناك من يحمل مبادرات يتوق إلى
نقلها لرجال الحكم، والكل متعطش
لترتيب مقابلة مع من يرى أنهم أصحاب
السلطة الحقيقية، كل هذا على خلفية
الهوس بأن السودان يلعب دوراً أكبر من
حجمه بكثير في شؤون المنطقة والعالم. ولكن هذا الهوس المتبادل كان يقابله سوء
فهم متبادل. فمن الجانب السوداني، ما
يزال هناك عدم فهم كامل (وأحياناً
تجاهل متعمد) لآليات صنع القرار في
واشنطن. ولنأخذ على سبيل المثال خطاب
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري
كلنتون أمام مجلس العلاقات الخارجية
في واشنطن في الثامن من ايلول/ سبتمبر
الماضي، وهو الذي كان موضع انتقادات
وزير الخارجية السوداني الأسبوع
الماضي. فعندما يعتزم مسؤول أمريكي
إلقاء خطاب أمام مؤسسة بمستوى مجلس
العلاقات الخارجية، المؤسسة الأبرز
بين مراكز الدراسات السياسية في مجال
العلاقات الدولية أمريكياً، فإنه يكون
كطالب يتقدم إلى امتحان. وهذا يعني أن
يحضر كلمته بعناية، ويودعها عصارة ما
لدى حكومته من معلومات، وأدق ما توصلت
إليه من تحليلات، ويختار كل كلمة بدقة
وحذر. فالأمر يختلف هنا عن تقديم شهادة
للكونغرس أو تصريح للإعلام، لأن
المسؤول يقف هنا أمام الخبراء، بدلاً
من أن يكون هو الخبير الأول. وعليه فإن
المطلوب من وزارة الخارجية السودانية
في هذه الحالة كان القيام بدراسة
متأنية لهذا الخطاب من أجل تفهم دوافع
واهتمامات السياسة الأمريكية ومصادر
معلوماتها حول السودان، بدلاً من
أسلوب التراشق الإعلامي، والتعليق على
الخطوط العريضة للخطاب التي تناولها
الإعلام، لا فحوى الخطاب وزبدته. بنفس القدر، ظلت مشكلة الإدارة الأمريكية
مع السودان تتمثل في مصادر المعلومات
غير الدقيقة أو المتحيزة، والتعامل مع
أوضاع السودان على أسس تكاد تكون
اعتباطية. على سبيل المثال، كان
التعامل الأمريكي مع السودان في عهد
النميري إيجابياً بسبب الانطباع العام
بأن ذلك النظام كان صديقاً لأمريكا في
الحرب الباردة، وعليه كانت كل ذنوب
النظام مغتفرة، ومعظم مطالبه مستجابة.
وبالمقابل فإن الانطباع السالب عن
حكومة الصادق المهدي أدى إلى تعامل
سلبي (بكل معاني الكلمة، من عداء ولا
مبالاة). وقد اعترف السفير الأمريكي
وقتها بأن حكومته خذلت الديمقراطية،
وأن السودان الذي كان يتلقى في عهد
النميري أكبر معونة أمريكية بين دول
افريقيا بعد مصر أصبح في عهد حكومة
الصادق المهدي يدفع لأمريكا من أقساط
سداد الديون أكثر مما كان يتلقى من
معونات! وعندما جاء نظام الإنقاذ، كان
الموقف الأمريكي منه لأول الأمر
إيجابياً بسبب عدم الرضا عن حكومة
المهدي، وأيضاً بسبب التزكية من مصر
وحلفاء أمريكا الآخرين في المنطقة. ثم
ما لبث الموقف الأمريكي أن انقلب إلى
عداء صارخ، خاصة بعد وقوف السودان ضد
التدخل الأمريكي في الخليج، وتصديه
لتعبئة الرأي العام العربي ضد أمريكا
من خلال المؤتمر الشعبي العربي
الإسلامي وغيره من المنابر، وأيضاً
بسبب الحملات ضد السودان من قبل منظمات
حقوق الإنسان والمؤسسات الكنسية. وقد
خلق هذا العداء وضعاً تسبب في عدم دقة
المعلومات حول السودان لدى الإدارة
بسبب الاعتماد السهل على المصادر
المتحيزة. ولكن التحيز لم يكن هو الإشكال الوحيد في
علاقات الطرفين، بل كان هناك ولا يزال
التناقض المحوري الذي يقترب من 'انفصام
الشخصية' في كلا جانبي العلاقة. من
الجانب الأمريكي ظل الخطاب الرسمي
الأمريكي يتميز بالحدة المفرطة تجاه
النظام السوداني المتهم أمريكياً بأنه
استبدادي يمارس الإبادة الجماعية
والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،
ويدعم الإرهاب ويزعزع الاستقرار في
المنطقة. وهذه كلها من الكبائر التي
تؤيد السعي بجدية إلى إسقاط مثل هذا
النظام، وهو أيضاً ما كان يوحي به
الخطاب الرسمي. ولكن عملياً فإن
السياسة الأمريكية كانت تتميز
بالواقعية، وتميل إلى التعامل مع
النظام، ودعم جهود السلام والاستقرار،
مما يعني عملياً دعم النظام. ولعل انفصام الشخصية كان صارخاً بصورة
أكبر في حالة النظام السوداني الذي لا
يفتأ يوجه الانتقادات ويكيل التهم
لأمريكا بحيث لو عثرت بغلة بشاطئ النيل
لتبرع مسؤول سوداني بالإشارة إلى
مؤامرة أمريكية-صهيونية تقف وراء
الحادث، وفي نفس الوقت يظهر الهوس
والحرص على التقرب من أمريكا بكل سبيل،
كما يظهر من العلاقات المخابراتية
الحميمة، وهي علاقة تعاون من جانب
واحد، يتطوع فيها الجانب السوداني
بتقديم الخدمات والمعلومات، ويتلقى
الشكر من الجانب الأمريكي سراً،
والانتقادات والإدانات والعقوبات
علناً. انفصام الشخصية المزدوج هذا ينذر بكارثة
قريبة للطرفين في الحقبة الحالية من
العلاقات التي تبدو ظاهرياً أكثر حقبة
واعدة، خاصة بعد أن قررت إدارة أوباما
تحت قيادة المبعوث الرئاسي سكوت قريشن
أن تتخلص إلى حد ما من هذا الانفصام،
وتنزع إلى سياسة التعاطي الإيجابي
والواقعي مع الحالة السودانية. وهذا
يعني السعي إلى تحقيق غايات الإدارة
عبر البوابة الدبلوماسية، مما يعني في
نهاية المطاف تقديم تنازلات مهمة
للجانب السوداني، بما في ذلك الوعد
برفع العقوبات واستئناف العلاقات
الطبيعية في حالة الاستجابة إلى مطالب
أمريكا الأساسية. ولكن هذه السياسة
تقوم على أرضية هشة. فمن جهة، تستند هذه
السياسة على التعاطي عبر قنوات خارج
المؤسسات الدبلوماسية والمخابراتية
التقليدية (قرايشن من الجانب الأمريكي
وغازي صلاح الدين من الجانب السوداني)،
في الوقت الذي يهيمن فيه الصقور من
الجانبين على تلك المؤسسات وتعبر قوى
سياسية فاعلة في البلدين عن انتقادها
لهذه السياسة وتشككها في نتائجها.
وبالتالي فإن فشل السياسة الحالية في
تحقيق النتائج المرجوة للطرفين ستواجه
بردة فعل حادة من قبل هذه القوى
الرافضة والمتربصة ترفع العداء بين
الجانبين إلى درجة غير مسبوقة. من وجهة نظر الإدارة الأمريكية فإن
النجاح يتمثل في تحقيق نتائج ملموسة
تتمثل في عودة شيء من الاستقرار في
دارفور وعدم انهيار اتفاقية السلام مع
الجنوب أو عودة الحرب هناك، وأن يحدث
ذلك بصورة تسمح للإدارة بتسويق هذه
كإنجازات تحققت في عهد إدارة أوباما
وبجهودها. وبالنسبة للجانب السوداني
فإن هذه على كل حال غايات في حق ذاتها،
حتى لو تكن مما يقرب من أمريكا ويجلب
ودها. والسؤال هو: هل سيتحقق هذا بحسب
المعطيات الحالية؟ وما هي النتيجية إن
لم يحدث ذلك؟ ' كاتب وباحث سوداني مقيم في
لندن ======================\ ميشيل كيلو 2010-09-20 القدس العربي إذا صدقنا ما تقوله صفات الواقع العربي،
كما تنشر بألف لسان في إعلام الضالعين
في إقامته، كان علينا أن نصدق أيضا آخر
أكاذيب صحافتهم، التي تزعم أن شعوبهم
تحتل المرتبة الأولى في السعادة بين
شعوب العالم، فهي أسعد الشعوب قاطبة. أما إذا ما نظرنا إلى الواقع، فإننا نجده
خلوا من أي نوع من أنواع السعادة، إلا
إذا كان للسعادة معنى الإفقار
والاستبعاد والكبت والتجهيل والإفساد!.
هنا، يكذب الواقع صفاته المنمقة،
وتاليا الكاذبة. إذا ما تفحصنا، على
سبيل المثال لا الحصر، العلاقة بين
واقع الوطن والإنسان والحب، وبين ما
يقال عنها ويلصق بها من صفات، وجدنا
تناقضا شبه تام بين الواقع وصفاته. لو أخذنا، مثلا، هذا الوطن الواقعي الذي
نعيش فيه، لوجدناه مختلفا كل الاختلاف
وغريبا كل الغربة عن الألفاظ التي
تصفه، فقد صار الوطن الواقعي مجرد
مصلحة، وترجم إلى مكاسب ومغانم جردته
بصورة متزايدة عن قيمته المعنوية،
وكانت إلى الأمس القريب تشد النفوس
إليه وتجمعهم حوله، فتجعل حياة
المواطن جزءا من حياته، وموته في سبيله
شرفا يطمح إليه المخلص والمضحي من
بناته وأبنائه. أما اليوم، فقد تقلص
هذا الوطن المعنوي إلى حد التلاشي،
وتعاظم عدد من يؤثرون مصلحتهم على
مصلحته، حتى صار من يضحي في سبيل وطنه
يعد حمارا، ومن يسرقه وينهب خيراته
يعتبر شاطرا يعرف كيف يدبر نفسه،
وتسابق الخلق إلى نتف ريش وطنهم وتكبير
حصصهم منه، فهو غنائم يتقاسمها أصحاب
الحول والطول، الذين إن حدثهم أحد عن
الوطن وذكرهم بضرورة الحرص عليه،
وحذرهم من نتائج أفاعيلهم فيه، نظروا
إليه باستغراب وازدراء، كأنهم يسألونه:
عن أي وطن تتحدث، أعن وطن الفقراء الذي
لا يعنينا أمره، أم عن الوطن الذي صار
لنا وحدنا، فحولناه إلى شيء ملموس
ومفيد جعل منه حسابات مصرفية مربحة،
وعقارات، ومزارع، وطائرات، وسفن،
وسيارات... فعن أي وطن تتحدث أيها الشقي
المسكين؟. يعتبر الإنسان الواقعي، الذي يشقى كثيرا
للحصول على لقمته، نقيض إنسان اللغة
الكلامي، الذي يزعم أنه يعيش في النعيم
وأنه أسعد إنسان في العالم. مع التمايز
بين البشر، لم يعد هناك مفهوم جامع
للإنسان، وانقسم الناس إلى فئات
وجماعات لا تشبه بعضها، تتصارع بحقد في
إطار روابط غدت شكلية صرفا، كالعيش في
بلد واحد أو أمكنة متجاورة، والعمل في
دوائر حكومية أو خاصة، والسكن في مدن
وقرى واحدة، والسير في الشوارع نفسها،
والتخاطب باللغة ذاتها... الخ. لا شك في
أن عندنا أفرادا هم بين الأسعد في
العالم. إذا كانت الصحافة تعني هؤلاء،
فهي صادقة بلا ريب، غير أن هؤلاء ليسوا
غير قبضة قليلة من مواطنينا، وهم لا
يمثلون الإنسان عندنا ، وإنما يشبهون
الإنسان غير العربي: إنسان أمريكا
وفرنسا وسويسرا والسويد...، الذي يتمتع
بمستوى مرتفع من العيش، ولا يرضخ
لعبودية الحاجة، على عكس إنساننا
العادي، الذي يمثل أغلبية مواطنينا،
ويعاني الأمرين من أجل الحصول على الحد
الأدنى من حاجات لا ينفك نوعها يتردى
وثمنها يرتفع وفرص الحصول عليها
تتضاءل. تقول الإحصاءات ان في مصر
فائضا سكانيا يبلغ 20 إلى 25 مليون
إنسان، وفي سورية قرابة خمسة ملايين،
أي أن هناك خمسة وعشرين مليون إنسان،
وهنا خمسة ملايين، ما كان يجب أن
يولدوا أصلا، وليس لديهم فرصة للحصول
على أي شيء، عملا كان أم رزقا أم خدمات
أم تعليما أم سكنا أم أرضا... الخ. مع
ذلك، لا تخجل اللغة من هذا الإنسان، بل
تعتبره أسعد إنسان في العالم!. نصل الآن إلى الحب، تلك العاطفة
المشبوبة، التي تعتبرها اللغة غرض
ذاتها، فهي منزهة عن أي نفع أو غرض. هذه
العاطفة لم تعد تعني في الواقع ما
تقوله عنها الألفاظ المنمقة، التي
يستخدمها مجتمع غدت معاييره وأنماط
علاقاته وعيشه استهلاكية، يقاس فيه كل
شيء بمقياس مادي صرف، فلا حب ولا عاطفة
ولا من يحبون ويعطفون، بل بيوت وسيارات
ومجوهرات ورحلات وأزياء... وعقود زواج
تشبه عقود الإيجار والرهن، كل شيء فيها
مدفوع الأجر: من السلام باليد إلى
المشاركة في الفراش. صحيح أن من يفعلون ذلك أقلية، إلا أنهم
موجودون في مجتمع عرف ذات عصر أجمل
أمثلة الحب العذري، علمّ أوروبيي
العصر الوسيط معنى الحب واحترام
المرأة وصدق العاطفة والفروسية، وجعل
الحب غاية الغايات، فلم يعترف بأية
غاية خارجها. لا أحد يسأل اليوم عن
الحب، فإن سأل لم يعتبره كافيا لإقامة
أسرة أو لنسج علاقة، وتتركز أعين وألسن
خلق كثير على ثروة الرجل والمرأة،
ودخلهما ونوع سيارتيهما، وكم سيرث كل
منهما ومتى...، فإن وجد الرجل أن المرأة
لا تستوفي شروط الربح، واعتبر الزواج
منها صفقة خاسرة، تزوجها إلى حين،
ليستمتع بها، أو اقلع عن الزواج منها.
وإذا وجدت الفتاة الرجل غير قادر على
تلبية متطلباتها، القصيرة والمتوسطة
والطويلة الأمد، رفضته، مهما ارتقت
صفاته وحسنت أخلاقه وبلغ علمه. تذهب اللغة التي تصف واقعنا في اتجاه،
ويذهب الواقع في اتجاه آخر، يكذب
الصفات التي تطلق عليه. ويسخر الناس
العاديون من صفات الواقع الجميلة
والشاعرية، التي تنهمر عليهم كالمطر،
لكنها لا تلطف قسوته أو تحد من انعدام
شاعريته، وتضيف إلى بؤسه الفعلي
والعام بؤس لغة يكذبها هو كما تكذبها
مبالغاتها الفجة. ينطبق هذا على كل شيء:
من الوطن إلى العمل إلى الحب إلى
الإنسان إلى الصديق والعدو.... أما
نتيجته فهي عزوف الناس عن تصديق اللغة
التي تصفه، وانعدام الثقة بمن
يستخدمونها، لأن الواقع لا يصير جميلا
بكلامهم وحده. يعيش من هم فوق في عالم كلماتهم الجميل،
ويعيش من هم تحت في واقعهم المرير،
الذي لا تجمله أوصافه. وبقدر ما يبالغ
من هم فوق في تجميل واقع من هم تحت
بالكلام، يبتعد هؤلاء عنهم ويصفونهم
بلغة تخلو من كلمات جميلة أو مهذبة، أو
يتعلمون الصمت. ليس تجميل الواقع بكلمات تكذبها صفاته
بالأمر الجديد، فقد لجأت إليه
الحكومات دوما، وخاصة خلال أزماتها.
حين يكون الواقع سيئا، وتعجز الحكومات
عن تحسينه بالأفعال، فإنها تحسنه
بالأقوال: الاسم السري للأكاذيب.
المشكلة عندنا أن عجز الحكومات صار
دائما، وأنها لا تعمل للتخلص منه،
وإنما تكتفي بتحسينه عبر كلمات تبالغ
في تزيينه من جهة، وطمس حقائقه من جهة
مقابلة، متجاهلة أن جماليات لغة
المبالغة تفشل دائما في ستر حقيقتها
ككذب صرف. بقول آخر: إذا استخدم غيرنا
لغة يكذبها الواقع خلال أزمة تفصل بين
وضعين طبيعيين، فإننا نستخدمها في
جميع الأحوال والأزمنة، فلا عجب إن
انقلبت من علاج متوهم لأزمتنا الدائمة
إلى مصدر خطر علينا، يماثل في شدته أي
مصدر آخر نواجهه. يكذب الواقع اللغة
الأيديولوجية التي تصفه، وتحول بيننا
وبين إصلاحه، في حين تفتك أمراض كثيرة
بنا، في رأسها مرض وصف واقعنا على غير
حقيقته... المحزنة جدا. ======================\ د . محمد صالح المسفر 2010-09-20 القدس العربي (1) في الواقع العربي هناك أكثر من القضايا
الثلاث التي سأتناولها اليوم تهدد
مصير امتنا العربية ومستقبل الكثير من
الأنظمة العربية. الأولى هي نذر الحرب
التي تتجمع سحبها في أجواء الخليج
العربي. دول مجلس التعاون الخليجي من
المقرر ان تنفق هذا العام على التسلح
ما يقدر ب100 مليار دولار مستوردة من
الدول الغربية والولايات المتحدة
الامريكية، قواعد عسكرية أجنبية تملا
الأرض العربية من مصر مرورا بالعراق
وانتهاء بسلطنة عمان، إيران هي الأخرى
تتسلح تصنيعا واستيرادا، إيران عبر
التاريخ تعمل لتمد مجالها الحيوي شرقا
لتصل إلى حدود الصين وتعمل بكل جهودها
مستخدمة كل السبل لوصول مجالها الحيوي
إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط (انظر
الغزوات الفارسية على اليونان في
القرن 6 ق. م)، يقابلها في ذلك النفوذ
الصهيوني الذي يقول بان حدوده شرقا
تتمدد إلى جنوب الباكستان وغربا إلى
موريتانيا وتتقمص إسرائيل اليوم مواقف
لاسكندر الأكبر. يقول الاسكندر: 'لن
يكون بوسعي الاطمئنان على امن جيشي في
مصر والبحر الأبيض المتوسط طالما مد
الفرس سيطرتهم على مياه الخليج' ويأتي
تصريح الإمبراطور المقدوني إشارة إلى
بدء الصراع الدولي من اجل السيطرة على
هذه المنطقة، وهذا الصراع ما برح
مستمرا حتى يومنا هذا. ما أردت قوله أن
كل الدول من حولنا لها مشاريع
استراتيجية تسعى لتحقيقها رغم كل
الصعاب إلا نحن العرب وخاصة في الحاضر.
لقد أصبحنا بلا أهداف ونجد لاسترضاء
الآخرين ولا ادري ما هو مستقبل أجيال
امتنا القادمة. الخليج العربي اليوم تعتصره أزمات معلنة
كما هو الحال في الكويت، والبحرين وما
يخفى في الدول الأخرى أعظم واخطر. نائب
رئيس أركان الحرب الإيرانية أعلن: أن
إيران على أبواب حرب وأنهم مستعدون لها.
في ذات الوقت تقول إسرائيل بأنها لن
تسمح لإيران بان تمسك بناصية السلاح
النووي، وإيران مصرة على ذلك، إيران
عمليا تتمدد نحو سواحل البحر المتوسط
والبحر الأحمر. أريد القول إيران لها
مشروع توسعي في الشرق الأوسط وإسرائيل
كذلك فما هو مشروعنا العربي في المنطقة
غير دبلوماسية الاسترضاء ؟!! ( 2 ) القضية الثانية إسرائيل والمفاوضات
المباشرة برعاية أمريكية بين مفاوض
فلسطيني مسلوب الإرادة مهموم
بالمحافظة على مكتسباته الذاتية
وعصبته، وصهيوني له مشروع يريد تحقيقه
ولو عن طرق القوة. المفاوض الفلسطيني
بكل أسف قفز في تفاوضه عن كل مقدمات فن
التفاوض، كان حريا به أن يبدأ من
المقدمات ومطالبة الاسرائيليين
بالاعتراف الواضح والعلني أولا أن
الضفة الغربية والقدس وغزة أراض عربية
محتلة بالقوة المسلحة في حرب معلنة،
وان كل ما تم من إجراءات نتيجة
للاحتلال عمل باطل بموجب الشرائع
الدولية ويجب إزالته. إن إسرائيل في
تفاوضها مع السلطة العباسية تنطلق بان
يهودا والسامرة أراض يهودية محررة وان
عاصمتها الأبدية هي مدينة القدس،
وإنها تعترف بوجود سكان فلسطينيين على
هذه الأرض لهم حق الإقامة الدائمة طبقا
لقانون إسرائيلي، وان أعلى ما يمكن
إعطاؤهم هو حكم ذاتي ضمن كنتونات
متفرقة وبموجب القوانين والنظم
الاسرائيلية وليس غير ذلك. إسرائيل
رفعت مطالبها من الفلسطينيين
بالاعتراف بيهودية الدولة تمهيدا لطرد
من تبقى من الفلسطينيين على ارض
فلسطين، مقابل ذلك كان على سلطة عباس
أن تبادر بالعودة إلى غزة كاسرة بذلك
الحصار والاعتراف بما ارتكبت من أخطاء
وجرائم في حق أهل غزة طيلة الاربعة
أعوام الماضية وإطلاق سراح كل
المعتقلين من حركتي حماس والجهاد
الإسلامي من قبل سلطة عباس، والعودة
الى ميثاق منظمة التحرير. إن البحث عن
دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس
بعقلية مفاوض السلطة هو هدر للزمن
الفلسطيني وضياع للأرض وكامل الحقوق
الوطنية ولن يتغير الحال إلا بانتفاضة
شعبية فلسطينية تقلب موازين التفاوض
وتجعل العالم أمام مسؤولياته
الأخلاقية والسياسية كما فعل شعب جنوب
إفريقيا، وفيتنام ومن قبلهم الجزائر . ( 3 ) الأمر الثالث والمخيف ما يجري في السودان
من إعمال ومشاريع لتمزيق وحدته وإنشاء
دول جديدة سيمتد سرطان هذا التمزيق
للسودان إلى دول عربية أخرى مرشحة لذلك
طبقا لمشروع صهيوني مبرمج ومعد منذ
أكثر من مئة سنة. مطلوب موقف عربي واضح
لا لبس فيه بالتعاون مع مجموعة من
الدول الإفريقية برفض قيام كيانات
جديدة على حساب وحدة التراب السوداني
ونناشد النظام السياسي القائم في
الخرطوم أن يدرك أن المرونة في زمن
العواصف السياسية تحافظ على بقاء
الأغصان على الشجرة ولو تساقط بعض
أوراقها. يجب أن يكون الهم السوداني
اليوم هو الحفاظ على وحدة التراب
السوداني رغم الصعاب وعلى كل العرب أن
يرموا بكل ثقلهم لتحقيق ذلك الهدف،
والا فان الحبل على الجرار. آخر القول: سيندم القادة العرب على ما
يفعلون بأنفسهم وأوطانهم واسترضاء
الطامعين في أرضهم وثرواتهم ما لم
يغيروا مواقفهم المتخاذلة . ====================== الارادتان الامريكية
والايرانية في توزيع البيادق
العراقية على رقعة شطرنج العملية
السياسية د. مثنى عبدالله 2010-09-20 القدس العربي من كبائر الاثم في السياسة العراقية
اليوم، أن البعض راح يسبغ بدون وجه حق
على من تسبب في دمار الوطن والمواطن،
صفات الوطنية والبطولة ويطوي صفحات
تاريخهم الاسود، لاغراض سلطوية ضيقة
ولمصالح ترتبط بتشكيل الحكومة وتوزيع
المناصب. انها الانتهازية في أبشع
صورها تلك التي تضرب جذورها في
أعماقهم، حتى أصبح الوطن بكل عمقه
الحضاري والتاريخي مجرد سلم لرغباتهم،
وباتت المأساة التي يعاني منها
المواطن مجرد شعارات يؤطرون بها
برامجهم السياسية، ويزوقون بها
تصريحاتهم التي أصبحت تزيد الطين بلة.
لكن صكوك الغفران عن الجرائم التي
ارتكبت بحق العراق والعراقيين والتي
راحوا يوزعونها في ما بينهم، وترتفع
أسهمها تبعا لما يقدمه هذا لذاك من
مناصب سيادية وغير سيادية، لن تغري
الذاكرة العراقية بالنسيان، ولن
يتسامح التاريخ في بناء مجد لمن لا مجد
له، كما أنه لا يقبل التزوير. فالكل
دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، لكنهم
خلدوا في صفحاته السوداء بعد أن
تشاركوا وتشاطروا في صنع المأساة مع
المحتل، كي يضيع الدم العراقي بين
أحزابهم وتتشكل دولهم وفيدرالياتهم
الاثنية والطائفية، ويتسلطوا على ما
يسمونه (المكونات) كي يسرقوا ويثروا،
في ظل غياب القانون والضمير، ورضى
مرجعهم الاعلى ان كان دوليا أو
أقليميا، فارادة الاخرين اليوم هي
التجزئة الى ما لا نهاية لانها الطريق
الوحيد لبقاء الهيمنة، بعد أن شهد
القرن الماضي اتفاقيات التقسيم التي
لم تعد تلبي طموحاتهم الاستعمارية. لقد مرت الاحزاب والكتل العراقية التي
وفدت أو برزت على أرض الواقع بعد 9
نيسان/ابريل 2003 بثلاث مراحل أساسية منذ
أن قدمت مع المحتل وحتى اليوم. فعلى
الرغم من أنها أنشئت على أساس طائفي أو
قومي وذات منهج أيديولوجي مستورد،
وقاسمها المشترك خدمة التوجهات
والاهداف الاجنبية، الا انها حاولت
الوفاء بالتزاماتها تجاه المحتل
الرئيسي وصاحب القرار الاول والاخير
وهم الامريكان في المرحلة الاولى،
فمال الاسلاميون والعلمانيون وغيرهم
الى الحضن الامريكي لانه كان مصدر
الشرعية الوحيد في تلك اللحظة، لذلك
وجدنا الحزب الاسلامي العراقي (السني)
يحابي بريمر ويدخل العملية السياسية
رغم اعتراض مرشدهم، والمجلس الاعلى
والدعوة والبيت الشيعي يتزلف له، على
الرغم من أن الفقيه يعتبره الشيطان
الاكبر، والحزبين الكرديين يهيمان
عشقا به. أما المرحلة الثانية فكانت بروز الاجندات
الاقليمية في الداخل العراقي بشكل
علني، بعد لجوء الامريكان لفتح حوارات
سرية مع دول الجوار لتحجيم الفعل
المقاوم لفصائل المقاومة الوطنية
العراقية الذي برز بشكل واضح على
الساحة، مما أعطى انطباعا بأن القبضة
الامريكية تراخت بعض الشيء، فراحت
القوى الاقليمية تتسابق للتكالب على
الغنيمة وتوقظ خلاياها النائمة، فحصل
من جراء ذلك فرز واضح للاحزاب التي لم
تتوان عن التصريح العلني بحقيقتها
الطائفية أو القومية، حيث عسكرت
الاحزاب السنية وشخصياتها الطائفية في
جبهة التوافق العراقية، كما تمترست
الاحزاب الشيعية وشخصياتها الطائفية
في جبهة الائتلاف الشيعي، ثم تلا ذلك
فض الاشتباك السكاني بين (الطائفتين)
بعد حرب أهلية مدمرة أشعلت فتيلها هذه
الاحزاب، لتنقسم العاصمة بغداد الى
قسمين، كل قسم يتبع جبهة سياسية محددة
منحت لنفسها حق التصرف والتمثيل
لطائفة معينة بدون وجه حق. وبعد أن عانى
الشعب من مصادرة ارادته الرافضة لكل
هذه التقسيمات، وذاق على أيدي من يدعون
تمثيله الطائفي والعرقي شتى صنوف
الاذلال والقهر والحرمان، وأيقن أن
هذه الاحزاب لا تبحث الا عن مصالحها
وتتاجر بهمومه والامه، شرع بنبذ هؤلاء
واعلان براءته منهم وغادر من كان مغررا
بهم مواقعهم، حتى تبين للطائفيين
والعنصريين عقم طروحاتهم وسذاجة
أفكارهم وعدم مقدرتهم على الوصول الى
عتبة الوعي السياسي والوطني الذي عليه
الشعب، وبما أنهم ليسوا ممثلين
لانفسهم بل لاجندات وجهات دولية
وأقليمية استأجرتهم لتنفيذ مصالحها،
وتحقيق ذاتها الاستعمارية على الارض
العراقية، فقد اضطرت تلك الجهات الى
القفز بأحزابها الى خانة الاتجار
بالشعارات الوطنية، والدعوات الزائفة
لوحدة الشعب والوطن، فتحولت الاحزاب
الطائفية الى اتحادات طائفية بعد أن تم
تطعيمها بممثلين طائفيين من الطائفة
الاخرى في محاولة لاعطاء صفة الوطنية،
وانطلقت أصوات كثيرة تتغنى بالوحدة
الوطنية وتهجو الطائفية التي هي زادهم
ومعينهم فكانت هذه هي المرحلة الثالثة
لهذه الاحزاب والشخصيات السياسية.
وهنا يبرز سؤال بصيغة اعتراض يسجله
البعض قائلين: اذا كان أصحاب العملية
السياسية مجرد بيادق بيد الاخرين اذن
لماذا لم تضغط تلك القوى على بيادقها
للاسراع بتشكيل الحكومة؟ ولماذا كل
هذه الزيارات المكوكية العلنية
والسرية الى المنطقة الخضراء ؟ لماذا
لم تستطع ايران جمع حلفائها في اطار
سياسي واحد ينهي الازمة منذ وقت مبكر،
اذا كانت أحزاب الاسلام السياسي
الشيعي هي من صنعها؟ ان مسرح الجريمة العسكرية والسياسية
والاقتصادية والاخلاقية والانسانية
في العراق، أصبح واضحا بما فيه الكفاية
للتدليل على أن استهداف الوطن لم يكن
خطأ استراتيجيا كما يحلو للبعض أن
يسميه، بل هو الصفحة الاهم في استهداف
المنطقة بغية التأسيس للشرق الاوسط
الجديد، وان الدلائل الجرمية مازالت
واضحة للعيان في مسرح الجريمة،
فالواقعة الجرمية التي حصلت في العام
2003 هي التي أنتجت الطائفية والقتل على
الهوية والتهجير والامية والفساد
المالي والاداري والدمار الاقتصادي
ونهب الثروات، ولو كانت الدعوات التي
بررت الغزو والاحتلال على قدر كبير من
حسن النية التي سمعناها لكان العراق قد
انتقل اليوم وبعد مرور سبع سنوات الى
وضع اخر غير الذي هو فيه الان، لكن
الواقع الحقيقي هو ان دول الغزو هي
التي أرادت الوصول بالعراق الى هذا
الدرك الاسفل من الانحطاط، لان
المصلحة الامريكية العليا تقتضي ايجاد
مصدر اضطراب دائم في المنطقة، فرمت
حجرها في العراق كي تستمر ارتدادات
التسونامي منه لتشع على دول الاقليم
سموم الطائفية وهجرات بشرية وعنف منظم
وغير منظم يقلق الجميع ويزيد من فرص
الارتماء في الحضن الامريكي، كما يزيد
من فرص حراك الاقتصاد الامريكي من خلال
صفقات السلاح التي تنهال عليه من دول
المنطقة. لقد عزز الامريكان المنهج الطائفي بين من
جمعوهم لتشكيل (المعارضة العراقية) قبل
الغزو، وأوعزوا لحاكمهم (بريمر) السير
على هذا المنهج في تشكيل المؤسسات
الحكومية العراقية، وكان الهدف هو
اضاعة وحدة القرار وانتاج عوامل
اختلاف واضطراب دائمين كي يسهل
التعامل مع الشراذم واستمرار احكام
السيطرة، لذلك فان الضغط على البيادق
لتشكيل الحكومة لا يصب مطلقا في
المصلحة الامريكية العليا، وان زيارات
المسؤولين الامريكان الى العراق ليست
سوى سيناريوهات لايهام المجتمع الدولي
بأنهم لازالوا ملتزمين بانتاج دولة في
العراق بعد أن لامهم كثيرا على
جريمتهم، بعد أن تكشف الكثير من
أسرارها واتجهت دول شاركت في العدوان
تحت المظلة الامريكية للتحقيق في
قانونيتها ودوافعها. أما الجانب
الايراني الذي أنتج أحزاب اسلام سياسي
شيعي ولدت من رحمه وترعرت في ظله
وقاتلت الى جنبه بالضد من العراق، فهو
غير قادر على جمع نتاجه لتشكيل حكومة
لعدم وجود وحدة قرار سياسي لديه في
الشأن العراقي، ولعدم توفر منبع واحد
تنهل منه أحزاب الاسلام السياسي
الشيعي، مواقفها، فهناك المنبع
المذهبي الذي يمثله الولي الفقيه،
وهناك المؤسسة الاستخباراتية التي
تمثلها اطلاعات، وآخر هو المؤسسة
السياسية، وكل هذه المؤسسات ذات وجهات
نظر مختلفة في الشأن العراقي، لذلك نجد
وفود هذه الاحزاب تكون وجهاتها مختلفة
عند السفر الى ايران لمناقشة الوضع
السياسي العراقي، فبعضها يذهب الى قم
مركز القرار الديني والبعض الاخر يذهب
للاتصال بوزارة الخارجية وثالث يتصل
بجهاز اطلاعات الاستخباري. ان ازدواجية الولاءات لدى البيادق
العراقية أدخلهم في نفق مظلم، فهمهم
الرئيسي كان هو الوصول الى السلطة
وتعويض سنوات (النضال) ماديا ومعنويا
بغطاء مظلومية الطائفة والقومية، وترك
البلاد الى الاحتلالين الامريكي
والايراني يديرانها حسبما تقتضيه
مصالحهم، لكن الكلف المادية والمعنوية
لهذا الاحتلال التي فرضتها أجندة
المقاومة العراقية فرضت على
الاحتلالين اعادة النظر بتوجهاتهم
فبدأ الصراع على التركة، وكان لابد من
مشاركة البيادق فيه مسيرين غير
مخيرين، فسطع نجم أياد علاوي وفتحت دول
الاقليم أذرعها لعناقه، وها هو نجمه
يخبو لصالح المالكي الذي سحبت دول
الاقليم اعتراضاتها عليه بعد أن أصبح
صفقة أمريكية ايرانية، في ظل تغييب تام
لكل الاصوات التي دخلت صناديق
الاقتراع والتي يبدو أن استحقاقها كان
مجرد لعبة سياسية. ان أحد الاسباب الخفية لسحب السفير
الامريكي (هيل) أنه أغفل اتحاد أحزاب
الاسلام السياسي السني في اطار واحد،
بينما المصلحة الامريكية تقتضي
تفرقهم، ويتم سحب السفير الايراني (قمي)
لانه فشل في توحيد أحزاب الاسلام
السياسي الشيعي بينما المصلحة
الايرانية تقتضي توحدهم، وعلى الرغم
مما في الحدثين من مفارقة فانها دلالة
واضحة على أن البيادق غير مسموح لها
بالسير خارج الاطار الخارجي. ' باحث سياسي عراقي ======================= حرّية التأويل، مفتاح
العلمانية في الإسلام اختلاف إشكاليّات العلمانية
بين أوروبا والعالم العربي جورج قرم* العلمانية التي ما انفكّت تثير سجالات لم
تهدأ في العالم العربي والإسلامي حتّى
اليوم، باتت بحاجة ماسّة إلى إعادة
نظر، بعيداً عن التبسيط والنمذجة التي
لحقت بهذا المفهوم وأضرّت به بشدة.
فالنقاشات التي تدور حول العلمانية في
الإسلام تنطلق من أداة قياس هي التجربة
الأوروبية، ولعلّ هذا أول إشكالات
التعاطي مع الأمر. فإذ تحيلنا التجربة
الأوروبية إلى حروبٍ دينيّة استمرّت
قرونا، فإن الاستقراء الدقيق للتاريخ
العربي والإسلامي يشير بوضوح إلى أن
القيمة الجوهريّة للعلمانية، ونعني
"حريّة الفكر" وما إليها من
احترام التنوّع الديني، كانت مزدهرة
في التاريخ الإسلامي المبكِّر قبل أن
تتبلور في أوروبا بعد قرونٍ من الحروب
الدامية. لماذا تُعتبر المجتمعات الإسلامية غير
مؤهّلة لاتّباع نظامٍ علمانيّ كالذي
طوّرته ومارسته المجتمعات الأوروبية؟
لنكتفِ بالتذكير بالصعوبات الضخمة
التي تمّت مواجهتها خلال تاريخ
أوروبا، ومنها الحروب الدينيّة
الرهيبة بين الكاثوليك والبروتستانت.
ولنذكّر أيضاً بالتاريخ الطويل
للمسيحية الأرثوذوكسية، البيزنطية
والروسية، وبالعلاقات المعقّدة التي
كانت قائمة بين الكنيسة والدولة على
مدى قرون، بما فيه خلال الفترة التي
أعقبت انهيار الشيوعيّة. تنتمي الأدوات المفهوميّة التي
نستخدمها، للحديث عن الدين والسياسية
أو عن الدولة والدين، إلى نموذجٍ خاصّ
بأوروبا، وهي علاقات لم تتّخذ طابعاً
سلميّاً فعليّاً إلاّ مع بداية القرن
العشرين. واستخدامها المباشر
والمُفرِط، لتحليل العلاقة بين السلطة
والدين في المجتمعات المسلمة، يشوّش
في الواقع طبيعة المشاكل الحقيقية
التي تخصّ تلك المجتمعات المسلمة. فالعلمانية لا تعني سوى غياب استغلال
السياسة من قبل السلطة الدينية،
والعكس أيضاً. وبهذا المعنى، تشكّل
العلمانية الركيزة الأساسيّة للحرّية
الإنسانية. وبغية تحقيقها، تفرِض هذه
الحرّية فصل المؤسّسات السياسية عن
المؤسّسات الدينية. لكنّ الإغراء كبير
في اللجوء إلى استغلال الدين من قبل
السياسة، والعكس، في إدارة المجتمعات.
علماً أنّ هذا هو ثمن الحرّية
الإنسانية، حتّى تلك التي تُوصي بها
النصوص المقدّسة الأساسية والمؤسّسة
للديانات السماوية الثلاث. إن كان الإنسان بحاجة إلى الشعور بما هو
مقدّس والتعبير عن روحانيّته، فهو
يحتاج بالقدر نفسه لتحكيم عقله وحرّية
قراره ، بعكس ما قد تؤكّد عليه بعض
المدارس الدينية التي تتذرّع
بالقدريّة في الديانات السماوية
الثلاث. لكن العلمانية ليست مفهوماً
مُطلَقاً يتحقّق على أساس عقيدةٍ
موحّدة ونموذجٍ مؤسّساتي محدّد. بل هي
خلاصة لتطوّرات تاريخية معقّدة، ككلّ
ظاهرةٍ بشريّة. لذا، لا يجب أن نبقى
رهينة الخصوصية التاريخيّة للنموذج
الأوروبي وتلاوينه المختلفة. لم يمكِن لأيّ ملكٍ أو إمبراطورٍ أو أميرٍ
الادّعاء بممارسته الحكم دون موافقة
البابا لقد طُبع هذا النموذج في الواقع بالنفوذ
التاريخي القويّ للكنيسة الكاثوليكية
الرومانية، الذي شكّل سابقة. فقد نُسخ
نظامها عن نظام الإمبراطورية
الرومانيّة التي ورثتها، بعدما تسبّبت
السلطات البربرية بانهيار المؤسّسات
الرومانية في أوروبا الغربية. حينها
بدت الكنيسة بمثابة المؤسّسة القادرة
على صون إدارة المجتمع والمحافظة على
الثقافة والمعرفة. وهذا ما سيكون الوضع
عليه على مدى القرون الوسطى. لقد عزّزت الكنيسة باستمرار سلطتها
الموحِّدة، من خلال محاربتها التي لم
ترحم، للوثنية، ولليهوديّة ولكافّة
أشكال الهرطقات المسيحيّة بالنسبة إلى
العقائد التي حدّدتها المجامع
الكنسية، والتي كانت تهدّد وحدتها
ووحدة المجتمعات التي أخذتها على
عاتقها. وإن كانت قد سمحت تدريجيّاً
بتطوير سلطاتٍ مدنيّة الطابع، فكانت
تُخضع أيّ سلطةٍ خارجةٍ عن سلطتها
لمراقبةٍ دقيقة من قبل البيروقراطيّة
الضخمة للإكليروس التي تستمدّ سلطتها
السياسية الدينيّة من قائد الكنيسة
الرومانية. فما من ملكٍ، أو إمبراطور
أو أمير أو دوق كان يمكنه الادّعاء في
أوروبا الإقطاعية بسط سيطرته على
منطقةٍ جغرافية ما، دون موافقة البابا
قائد الكنيسة، ودون مراقبةٍ مستمرّة
من قبل ممثّليه في المناطق، خصوصاً
الأساقفة؛ تلك الشخصيّات التي لعبت
دوراً سياسيّاً بارزاً في نظام مراقبة
السلطة المدنية لحساب قائد الكنيسة في
روما. وما احتفال التتويج الذي يخصّ به
البابا أيّ سلطةٍ سياسيّة إلاّ عنصر لا
غنى عنه لعمل أيّة سلطة مدنية. سيستمرّ هذا الوضع إلى حين اندلاع
الثورات البروتستانتية المختلفة التي
شهدها القرن السادس عشر؛ لكنّه سيظلّ
قائماً في الدول التي بقيت كاثوليكية
لثلاثة قرونٍ إضافية. ففي بداية القرن
التاسع عشر، شعر نابوليون بونابرت
بالحاجة إلى تتويج نفسه إمبراطوراً من
قبل البابا، في حين أنّ وجود الكنيسة
في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال
واليونان، سيظلّ يشكّل عنصراً مهمّاً
في الحياة السياسية والاجتماعية، خلال
القسم الأكبر من القرن العشرين. لنذكّر
هنا بأنّ مسألة العلاقات بين الكنيسة
والدولة، في فرنسا، خصوصاً فيما
يتعلّق بالنظام التربوي، لم تُحَلّ
إلاّ من خلال قانون 1905 الشهير الذي
سيثير السجالات حتى طوال القرن
العشرين [1]. بدءاً من أوائل القرن السابع عشر، ولّدت
الثورات المختلفة التي قامت ضدّ وصاية
الكنيسة الرومانية مئة وخمسين سنةً من
الحروب الدينيّة المروّعة فتكت
بأوروبا. إنّها أولى الحروب الحديثة
التي زرعت بذور التوتاليتارية
الشموليّة في أوروبا، لأنّها كانت
حروب إبادة للآخر، وليست حروب غزوٍ
عسكريّ لأراضي بغية توسيع نفوذ مملكةٍ
أو إمارةٍ ما [2]. فتعصّبٌ غير اعتيادي
كان يحرّك الكاثوليك والبروتستانت،
على حدٍّ سواء، المصمّمين كلاهما على
وضع حدٍّ لوجود الآخر. والعنف الذي
اتّسمت به بعض فصول الثورة الفرنسية،
لم يكن سوى استعادة لنموذج العنف نفسه
الذي ظهر خلال هذه الحروب الدينية. لم تهدأ تلك الحروب بالكامل إلاّ مع
معاهدة وستفاليا (1648) التي أقرّت مبدأ
"صاحب الملك هو صاحب الدين cujus regio egios religio" الشهير والمكروه، الذي فرض
ديانة الأمير أو الحاكم على كافّة سكان
المنطقة التي يحكمها؛ بحيث لم يبقَ
أمام معارضي هذا المبدأ سوى مغادرة
المنطقة. وخلال هذه الفترة من التاريخ
الأوروبي، فرض مفهوم "دين الدولة"
نفسه في التنظيم السياسي لأوروبا [3].
ووسط هذا المناخ، أرسى كالفين في جنيف،
حيث استحوذ على السلطة، حكماً
إرهابيّاً سياسيّاً دينيّاً، يمكن
اعتباره أول نظام توتاليتاري حديث
ومنظّم رسمياً [4]. لكن فترة الحروب الدينية في أوروبا
ستساهم أيضاً، بصورة متناقضة، في
تبلور ذهنيّة النهضة Renaissance.
فهذه الذهنية هي أيضاً ذهنية التسامح
والانفتاح، كما بشّر بها إيراسموس،
الشخصية البارزة. وهي أيضاً ذهنيّة
تطوّر الفنون والعلوم والعودة إلى
الإرث اليوناني الروماني القديم،
لتحويله إلى نموذجٍ للمستقبل المفتوح
على التقدّم ونشر قيم الكائن البشري
كمواطنٍ يتمتّع بكامل حقوقه ضمن حيّز
المدينة. لذا كانت الفلسفة الليبرالية
لعصر الأنوار قابلة للتفتّح بالكامل
في القرن الثامن عشر. بحسب الشرح الممتاز للمؤرّخ الإنجليزي
الكبير، أرنولد توينبي، ستترك أوروبا
النقاشات الدينية العقائدية التي
ولّدت حروب الدين العنيفة، لتتّجه
أكثر فأكثر نحو العلم وتطوير العقل [5].
وسيجسّد الموسوعيّون بالفعل هذه
الحركة؛ وكذلك سيفعل فكر مونتيسكيو في
فرنسا أو فكر إيمانويل كانط في ألمانيا.
فقد حرّر هذا الأخير الأخلاق من الدين،
من خلال بذله جهداً مذهلاً في التفكير
في قوانينٍ أخلاقية عالميّة، فرديّة
وجماعيّة على حدّ سواء. إنّ النزعة الإنسانية والمواطنيّة
العالمية اللتيْن تشكّلان الوجه
الأسمى للثقافة الأوروبية، تعبّران
جيداً عن هذا الرفض لأيّ تعصّبٍ دينيّ
سياسي، وعن الرغبة في تحرير الإنسان من
كافّة أشكال القمع وانعدام المساواة
الذي لا تيرتكز على الكفاءة والعمل
الفعّال إجتماعياً. هذا ما سيهدف إليه
الإعلان الشهير لحقوق الإنسان
والمواطن الذي أنتجته الثورة
الفرنسية، والذي لا يزال يُلهِم حتى
يومنا تطوّر العالم. فهذا الإعلان الذي
ينصّ على حرّية الاعتقاد المطلقة،
باعتبارها حقّاً إنسانياً أساسيّاً،
يشكّل أيضاً العقد المؤسّس للذهنية
العلمانيّة، لأنّه يهدف أيضاً إلى
تجنّب أيّ استغلالٍ للدين من قبل
السلطة السياسية أو أيّ إخضاعٍ لهذه
السلطة من قبل الدين. كما أنّه يحلّ
المبدأ المكروه الذي يرغم الرّعايا
على اتّباع ديانة أميرهم. هكذا، لم يتطلب الأمر أقلّ من أربعة عشر
قرناً لنشر ذهنية العلمانيّة وقبول
التعدّدية الدينيّة داخل حيّز المدينة.
وسيتطلّب تطبيقها في أوروبا قرناً آخر.
لكنّ المسألة لم تمنع تعرّض اليهود،
مرّةً جديدة، في القرن العشرين، وتحت
تأثير النظريات العنصريّة
للتوتاليتارية الهتلريّة القاتلة،
لإبادةٍ وحشيّة بشكلٍ إستثنائي، يُشار
إليها اليوم بعبارة ال"هولوكوست"
(المحرقة) الواردة في الكتاب المقدّس. تقدّمت النهضة في الإسلام على الانحطاط،
وهذا اختلافٌ أساسي مع أوروبا المسار التاريخي للديانة الإسلامية
مختلف تماماً. إذ اتّبعت هذه الأخيرة
تطوّراً معاكساً لتطوّر المسيحية.
وستتّسم خصوصيّتها أيضاً بتكيّفها مع
التركيبات الاجتماعية السياسية التي
ورثها الغزاة العرب. إنّها من جهة،
تركيبات الإمبراطورية البيزنطية التي
كانت مسيطرة على المحيط الشرقي
والجنوبي للبحر المتوسط مع ظهور
الإسلام، ومن جهةٍ أخرى تركيبات
الإمبراطورية الفارسيّة الساسانيّة
التي كانت تبسِط سيطرتها على بلاد ما
بين النهرين والهضاب الإيرانية
العالية. فالأهمّية المعطاة لسلطة
الإمبراطور في الشؤون الدينية، كما
كانت عليه الحال في بيزنطة، ستولّد
الممارسة السنّية للسلطة خلفاً لها؛
في حين سنجد اليوم السلطة الدينية
للكهنة الزرادشتيين في الإمبراطورية
الساسانية، متمثّلة في نفوذ
واستقلالية رجال الدين الشيعة بالنسبة
إلى السلطة السياسية. في كلا الحالتيْن، لا نشهد فقط على عدم
وجود كنيسةٍ في الإسلام، تمارس نفوذها
على السلطة المدنيّة، بل أيضاً على
خضوع الفقهاء والعلماء المسلمين
بصورةٍ عامّة للرقابة الوثيقة للسلطة
السياسية المدنيّة. لا شك أنّه من
واجبات السلطة المدنيّة الحرص على "الأمر
بالإحسان والنهي عن المنكر"
الإسلامية، وتحقيق العدالة استناداً
إلى المعايير والتعاليم التي تمّ
تطويرها من خلال النصوص المقدّسة
وتأويلاتها، إضافةً إلى النموذج
السلوكي الذي تمّ استنباطه من سيرة
الرسول (السنّة النبوية). غير أنّ
النفوذ المطلق للسلطة المدنيّة يسمح
لها بالتحكّم بالفقهاء والقضاة، حرّاس
القانون، وتوجيههم. فهؤلاء ليسوا
متنظمين أبداً ضمن تركيبةٍ هرميّة
قويّة للسلطة. والسلطة المدنية هي التي
تعيّن ممثّلي السلطات الدينية، القضاة
والشيوخ الذين يشرفون، من خلال
الفتاوى، على حسن تطبيق القانون
المُستنبط من النصّ القرآني. ولن تصبح السلطة المنظّمة رسمياً في
متناول الإسلام الشيعي الذي كان
يتعرّض للمحاربة والتهميش من قبل
الإسلام السنّي، سوى مؤخراً، بمناسبة
الثورة الدينية الإيرانية في العام 1979،
التي شكّلت تجربةً فريدةً من نوعها
ومحصورةً جغرافياً بإيران. حيث تمّ
إيجاد تسوية من خلال وضع تركيبةٍ
دستوريّة توفّق بين المبادىء الحديثة
للسيادة الشعبية وانتخاب ممثلين
للشعب، إضافةً إلى رئيسٍ للجمهورية
يتمّ انتخابه من خلال الاستفتاء
العام، وتنظيم مراقبة مؤسّساتية لرجال
الدين على هذه السلطة المدنية من خلال
نظام "ولاية الفقيه". بحكم ذلك، ستشكّل القرون الأولى لمسار
السلطة، في ظلّ الإمبراطورية
الأمويّة، ومن ثمّ خلال القرن الأول
للإمبراطورية العباسية، فترةً
إستثنائية تتميّز بليبراليّتها في
مجال حرّية الفكر وتأويل النصّ
القرآني. طبعاً انتفت بالكامل بقايا
الوثنية المتركّزة في شبه الجزيرة
العربية، في حين أنّ حرّية المعتقد لدى
اليهود والمسيحيّين وحتّى
الزرادشتيّين في بلاد الفرس، سيتمّ
تأكَّيدها بقوة. هذا في حين انتشرت
عشرات مدارس تأويل النصّ القرآنيّ
والسنّة دون أن يتمّ قمعها من قبل
السلطة المدنية [6]. لاحقاً، ستعود هذه
الليبرالية التي اختفت في الشرق
المسلم، لتظهر في الهند، بلد
التعدّدية الدينيّة بامتياز، أثناء
بناء إمبراطورية المغول. على أيّ حال، وخلال العصر الذهبي الأوّل
للحضارة الإسلاميّة، لم يكن هنالك من
مطاردة للزنادقة، ولا محارق، ولا
ثيوقراطية، كتلك التي سينشئها كالفين
في جنيف. حتى أنّ الفلسفة ستبدأ
بالازدهار، مُستعيدةً الإرث اليوناني
ومطوّرةً إيّاه من خلال طرح مسألة
العلاقة بين الإيمان والعقل [7]. هكذا
ستشكّل الإمبراطورية العبّاسية التي
كانت تُشعّ من بلاد ما بين النهرين
والتي أسّست بغداد، لكن أيضاً الأندلس
(الأمويّة) في شبه الجزيرة الإيبيرية،
نماذجاً لليبراليّة إسلاميّة كبيرة
استبقت الليبرالية الأوروبية بعدّة
قرون، وشكّلت في الوقت نفسه العصر
الذهبي لعلوم الفلك والطبّ وعلوم
النباتات والمياه [8]. هنا، تقدّمت
النهضة على الانحطاط؛ ما يشكّل
اختلافاً أساسياً مع التاريخ الأوروبي.
فقد أثار الإسلام، بعد فترةٍ قصيرةٍ
على ظهوره، نهضةً مدهشةً في المجتمعات
التي أصبح فيها هو الدين المُسيطِر. أمّا سخرية الأقدار، فتجلّت في أنّ هذا
الإرث التمديني الثريّ جداً قد خصّب
الفكر الأوروبي وزرع فيه بذور نهضته،
في حين شهد الشرق على الخسارة
التدريجية لهذا الإرث أو على حدّه
بقوّة؛ فمنذ بداية القرن العاشر تمّ
الإعلان عن إقفال أبواب التأويل
وتجميد العقيدة السنيّة التي أصبحت
مهيمنة [9]. ففي تلك الفترة، تمّ الإبقاء رسميّاً فقط
على أربع مدارسٍ فقهيّة، لتُشرِف على
التأويلات القرآنية، بهدف ممارسة
العدالة أو إصدار آراءٍ شرعيّة تتعلّق
بقضايا الحياة والمدينة [10]. وهكذا تمّ
تجميد العقيدة واعتبار الفكر الفلسفيّ
خطراً على الإيمان الديني. ترافق هذا الإقفال مع سلسلةٍ من الأحداث
التاريخيّة الأساسية والمأساوية،
كالحروب الصليبية التي استُتبعت فوراً
بغزوات المغول، وبالتدمير الكثيف
المادّي والاجتماعي الذي تسبّبت به.
وأصبحت مؤسّسة الخلافة مجرّد طيف، في
حين فرض الغزاة المحرّرون، أي الأتراك
السلاجقة، ومن ثمّ العثمانيون، هذا
التوحيد القسريّ للعقيدة لمصلحة
المذهب السنّيّ، الذي بات منوطاً
بمدارس الفقه الأربع هذه. وسيستمرّ
الوضع إلى حين استعادة الصلة بالثقافة
الأوروبية مع بداية القرن التاسع عشر. وسيكون للثورة الفرنسية صدى كبير في
العالم العثماني، خصوصاً في مقاطعاته
العربية. ففي مصر، سُلب الحكم من
المماليك الأتراك من قبل محمّد علي،
الألبانيّ الأصل هو أيضاً، والذي بادر
إلى عملٍ إصلاحيّ مهمّ في المؤسّسات
السياسيّة والاجتماعيّة وفي الاقتصاد
المصري؛ وقد امتدّت هذه النزعة
الإصلاحية إلى لبنان وسوريا اللذين
خضعا للسيطرة المصرية لبضعة أعوام
(1830-1840)؛ في حين أُرغم السلاطين
العثمانيّون في اسطنبول، وبضغطٍ من
أوروبا، على الانخراط بدورهم في
إصلاحٍ تحديثيّ من خلال ما سمي ب"التنظيمات". في المقاطعات العربية، اتّخذت حركة
النهضة هذه بُعداً لغويّاً، أدبياً
وثقافياً مهمّاً. حيث بدأ الإعجاب
بفلسفة عصر الأنوار ومبادىء تحرّر
الإنسان، وكذلك المرأة، يتجلّى في
أوساط النخب؛ حتى أنّه ظهر لدى العلماء
المتخرّجين من جامعة الأزهر الدينية
العريقة في مصر [11]. وستحتدم السجالات
بين المحافظين والمُحدثين
الليبراليين. وسيبدأ القانون الوضعيّ
الطابع، المُتسورد من أوروبا، يدخل
الحيّز الجزائي والتجاري والقضائي.
وستتطوّر الحركة في القرن العشرين،
خصوصاً في مصر وسوريا والعراق وتونس،
في حين سيفرض مصطفى كمال في تركيا، بعد
انهيار الإمبراطورية العثمانية
وإلغاء الخلافة، نظاماً سياسيّاً
ودستوريّاً مرتكزاً على مبادىء
العلمانية على الطريقة الأوروبية. حتى بداية سبعينات القرن الماضي، كانت
حركة التحديث الفكري والثقافي،
والدستوريّ أيضاً، تتقدّم بخطى كبيرة
داخل العالم العربي. وكانت كلّ من مصر
وتونس وسوريا والعراق، تمارس، بدرجاتٍ
متفاوتة الجرأة، علمانيةً متوسّعةً
راحت تثير استياء الأوساط المحافظة
التي كانت تعتبِر نفسها وصيّة على
العقيدة الإسلاميّة. وقدتأثّرت
القومية العربية، التيشهدت أوج
ازدهارها بعد الحرب العالمية الثانية،
هي أيضاً بمفهوم وضعيّ للأمة، وفق
النموذج العلماني الذي لا يتنكّر
للدين، لكنّه لا يجعل منه العنصر
الأساسي للهويّة الاجتماعية
والقوميّة العربية. وقد تجسّد هذ
المفهوم حينها في الأحزاب
الجماهيريّة، على غرار الحركة
الناصرية وحزب البعث في العراق وسوريا
[12]. ونحن نعلم بأنّ هزيمة الجيوش العربية في
مواجهة إسرائيل، خلال حرب حزيران/يونيو
1967، ومن ثمّ تصاعد النفوذ النفطيّ
والمالي والسياسيّ للمملكة العربية
السعودية، قد شكّلا العنصريْن
الأساسيّيْن للتداعي السريع جداً
للقوميّة العربية ذات الطابع
العلمانيّ. فالسعوديّة التي كانت
تشكّل القلب النابض للنزعة الدينية
المحافظة في المنطقة، منذ نشوء
المملكة في العام 1925، قد نشرت وصدّرت
العقيدة الوهّابية التي تُقصي الآخر،
أخذةً عنوان "الصحوة الإسلامية"
في منتصف السبعينات مستغلّةً الأوضاع
للاستفادة من الخيبة القومية الشاملة
نتيجة الهزيمة التي تكبّدتها الدولتان
العربيتان الرائدتان لهذه القوميّة،
مصر وسوريا، في مواجهة إسرائيل. وسيخضع
العالم العربي، والعالم المسلِم بصورة
أشمل، في الفترة السعوديّة، لسياسات
ناشطة تقوم على "إعادة أسلمة"
المجتمعات، كنذيرٍ للعودة الكبيرة
للدين إلى مجمل المجتمعات التوحيدية
[13]. منذ ذلك الحين، بدأ إرث النهضة يتداعى
تدريجياً. واعتُبرت العلمانية "مؤامرةً"
من قبل الغرب، لتجريد المجتمعات
المسلمة من ثقافتها وشخصيّتها ولمنعها
من استعادة "أصالتها". ومن خلال
استعادة الإشكالية الأوروبيّة لأخصام
العلمانية، أكّد هذا الإسلام المتصلّب
جداً على ضرورة الحفاظ على الدين في
كافّة مجالات الحياة في المدينة،
وتفسير تطوّر العالم ضمن إطارٍ دينيّ،
وبالتالي قذف الحداثة المقرونة بحضارة
وقيم المجتمعات الغربية المسيحيّة.
فكان العلماء أو المفكّرون الداعون
إلى الإسلام يُشبعون سامعيهم باستمرار
بأنّه لا يمكن للإسلام إطلاقاً
التكيّف مع نظامٍ سياسيّ يفصل الدين عن
الدولة، أو الزمني عن الروحي، دون
إدراكهم حتّى لولوجهم عالماً ثقافياً
وإشكاليّة خاصّة بالسجالات حول
العلمانية، شهدتها بالذات الأوساط
المسيحية الأوروبية، لا علاقة لها
بالمشاكل الاجتماعية السياسيّة
للمجتمعات المسلمة. في تلك الفترة نفسها، جاءت الثورة
الدينيّة الإيرانية بنموذجٍ جديدٍ
للحكم الإسلامي، يوفّق بين تقليد
الإرث الديني الشيعيّ والمبادىء
الدستورية الحديثة. مع العلم أنّ هذا
النموذج لم يرفض فقط من قبل السلطات
الدينيّة السنيّة كافّة، بل حتّى من
قبل العديد من أساتذة الفقه ضمن
المجتمعات الشيعيّة، بما فيه داخل
إيران نفسها. في الإسلام، تقضي العلمانية بإعادة حرّية
التأويل إنّ المشكلة الأساسية التي تعاني منها
المجتمعات المسلمة ليست إذاً الفصل
بين الزمنيّ والدينيّ، أو بين الدولة
والدين، بما أنّ الدولة لطالما كانت
بين أيدي سلطةٍ وحيدة، يترأسها
مدنيّون بصورةٍ حصرية، وهي بالتالي
مدنيّة الطابع. بالأحرى تقتصِر
الإشكالية الحقيقيّة للعلمانية في
الإسلام، على إدراجها ضمن إطارها
التاريخي الحقيقيّ (وليس الخيالي)
والإرث الثقافي والفكريّ للمجتمعات
المسلمة، وفي خوض معركة عامّة للعودة
إلى الممارسة القديمة للقرون الذهبية
التي شهدتها الحضارة الإسلامية، عندما
كانت السلطات تمارس حرّية مطلقة في
تأويل النصّ المقدّس، الأمر الذي سمح
بالازدهار الاستثنائي للفنون والآداب
والعلوم والفلسفة. فعوضاً عن استخدام مفاهيم وأفكار
الإشكاليّة العلمانيّة الأوروبيّة،
على المفكّرين في العالم العربي،
والعالم المسلم بصورةٍ أشمل، المطالبة
بالعودة إلى إرث الحرّية الفكرية الذي
شكّل فيما مضى عظمة المدينة المسلمة؛
وعليهم المطالبة بإعادة فتح أبواب
الفقه والتأسيس لحرّية التأويل في
النصّ المقدّس، التي تشكّل مسألةً
أساسيةّ وأوّليّة لتنمية حرّية الفكر
في نطاقها الواسع. وضمن الإطار
الإسلاميّ اليوم، يمرّ المنفذ إلى
الحرّيات السياسية، أوّلاً وأساساً،
بهذه الحريّة الأوليّة والأساسية التي
أسّسها العالم المسلم في الماضي،
والتي لم تكُن موجودة على الإطلاق في
أوروبا المسيحية أو في الإمبراطوريتين
البيزنطية والساسانية. إنّ دولة القانون، وحقوق الإنسان، وصون
كرامة كلّ كائنٍ بشريّ، هي أيضاً
مفاهيمٌ دُمِجَت بثقافة النهضة
العربية الحديثة. لكن هذه المفاهيم قد
فقدت معناها تحت تأثير "الصحوة
الإسلامية" المحافظة والسلطويّة [14].
تجدر إذاً المطالبة بإصرار بحرّية
التأويل، التي تشكّل الشرط الأوّلي
لتفكيك أواصر السلطويّة السياسية
والامتثالية الفكريّة المتصلّبة
والمعقِّمة السائدة منذ نصف قرن. إنّه النضال الأكثر بسالةً، وحتى الأكثر
خطورةً وسط المناخ السائد؛ ذاك الذي
يقضي بالمطالبة بإعادة التأسيس لحرّية
التفكير، ضمن إطار الوحي القرآنيّ
نفسه. وقد دفع البعض حياتهم ثمن ذلك [15]
أو اضطرّوا للعيش في المنفى [16]. وخلال
السجالات والمناظرات التي هزّت عصر
النهضة العربية حول هذا الموضوع،
غالباً ما كان الأزهريّون أكثر شجاعةً
من العلمانيّين أنفسهم، الذين نأوا عن
ساحة المعركة أو تخلّوا عنها بالكامل،
بما فيه خلال العصر الذهبي للقوميّة
العربيّة العلمانيّة. ومن المهمّ هنا التذكير بأنّ القرآن
الكريم نفسه قد تحدّث مرّات عدّة عن
التنوّع البشري الذي يريده الله،
والذي يجب بالتالي احترامه. حتّى أنّ
هنالك آيةً تقول بوضوحٍ تام أنّه: "لا
إكراه في الدين"، كما أنّ هنالك
عدداً كبيراً من الآيات الأخرى التي
تفرِض إجراء مناقشات لاهوتيّة مع
المسيحيّين أو اليهود، بروحيّةٍ من
التسامح والتهذيب [17]. في المقابل، إنّ الثقل الذي لا ينتهي،
ودوران السجالات حول الإسلام التي
تشهدها أوروبا والولايات المتحدة في
دوائر مفرغة، عدا عن العقيدة الواهنة
للتصادم المزعوم بين الحضارات والردود
على هذه العقيدة من خلال الدعوة إلى
حوار الحضارات والثقافات والأديان،
تشكّل كلّها عناصر إضافية في التشنّج
الانتمائي الذي تشهده المجتمعات
الإسلامية، والذي تستفيد منه السلطات
الدكتاتورية المتواجدة على تلك
المجتمعات [18]. فهي تشلّ أيّ فكرٍ
مُحدثٍ ونقديّ، وتجمّد كافّة الأفرقاء
في مواقفٍ دفاعيّة اعتذاريّة، وتغذّي
أيضاً ترسّخ إشكالية العلمنة الخاصّة
بتاريخ المسيحية الأوروبية في جميع
السجالات حول الإسلام. آن الأوان للنضال من أجل إرساء المعنى
العميق لمفهوم "العلمنة"، كعنصرٍ
أساسيّ في حرّية كلّ وعيٍ بشريّ [19].
وأيّ شكلٍ آخر من النضال ليس في محلّه
ويشكّل انحرافاً لا جدوى منه. ــــــــ * أستاذ في جامعة القديس يوسف -
بيروت. وزير المالية اللبناني الأسبق،
استشاري إقتصاديّ وماليّ من مؤلفاته: Orient-Occident,
la fracture imaginaire, La Decouverte, Paris, 2005, La Question
religieuse au XXIe siecle, La Decouverte, Paris, 2006, et Le
Proche-Orient Eclate. 1956-2006, Gallimard, Folio/histoire, Paris
2005. La Mediterranée. Espace de conflit, espace de reve,
L’Harmattan, Paris, 2002. "شرق وغرب. الشرخ الأسطوري"،
دار الساقي، بيروت، 2003؛ "المسألة
الدينيّة في القرن الواحد والعشرين"،
دار الفارابي، بيروت، 2008؛ "انفجار
المشرق العربي"، دار الفارابي،
بيروت، 2007؛ و"الفوضى الاقتصادية
الدولية"، دار الطليعة، بيروت، 1994. ــــــــــ [1] Mona OUZOF,
L’Ecole, l’Eglise et la République (1871-1914), Editions
Cana/Jean Offredo, Paris, 1982. [2] حول هذا الموضوع، الاطّلاع على كتابنا: La
question religieuse au XXIè siècle. Géopolitique et crise de la
postmodernité, La Découverte, [3] من العبث ربط دولةٍ ما، بصفتها نظامٍ
للسلطة البيروقراطية، بديانةٍ ما،
أيّاً كانت. فقد تلعب دوراً في الحرص
على حسن تطبيق الأخلاق والقيم، وحتّى
القوانين المنبثقة من الدين، ولكن لا
يمكنها اتّخاذ صفةٍ دينيّة إلاّ في حال
ترأسها رجال دين، كما كانت الحال عليه
بالنسبة إلى الحكومات الدينية،
النادرة جداً في التاريخ. وهذا المفهوم
هو، ببساطة، نتيجة حروب الأديان في
أوروبا. وقد أدّت الحداثة الأوروبية
إلى اعتماد هذا المفهوم في دساتير كافة
الدول المسلمة. [4] الاطّلاع على كتاب: Stephen ZWEIG, Conscience contre violence ou Castellion contre Calvin,
Paris, Le Castor Astral, 1997 (الذي تُرجم الى الألمانية في
العام 1935)، وهو قصة رائعة عن دكتاتورية
كالفين في جنيف، للروائي الذي يعتبرها
صواباً التجربة الأوروبية الأولى
للتوتاليتارية، ضمن إطار تصاعد
النازية. [5] Arnold
TOYNBEE, La Religion vue par un historien, Gallimard, Paris, 1963
(pp. 205-206) [6] يشهد على ذلك الكتاب الشهير لمحمّد بن
عبد الكريم الشهرستاني، "كتاب الملل
والنحل" (الذي قدّمه وترجمه جان كلود
فيرنيه لدى منشورات Geuthner باريس في العام 1984، والذي يصف
كافّة مدارس التأويل هذه. يعتبرها
المترجِم "هرطقات"، الأمر الذي
يشكّل بالطبع تفسيراً لا معنى له ضمن
الإطار التاريخي المسلم في فترة ما قبل
إقفال أبواب التأويل. زيظهر ذلك
الترسّخ القوي للإشكاليات المسيحية في
تحليل المجتمعات المسلمة. يمكن أيضاً
الاطّلاع على كتاب: Henri LAOUST, Les schismes dans l’Islam. Introduction à une étude de
la religion musulmane, Payot, [7] الاطلاع على كتب:Alain
DE LIBERA, Penser au Moyen Âge, Seuil, Paris, 1991 و Kurt
FLASCH, Introduction à la philosophie médiévale, Flammarion,
Paris, 1992 . إضافة الى السيرة الذاتية
للفيلسوف الشهير والعالم المسلم إبن
رشد الذي كان له تأثير كبير في الفكر
الأوروبي خلال القرون الوسطى، والتي
وضعها دومينيك أورفوي: Averroès.
Les ambitions d’un intellectuel musulman, Flammarion, Paris, 1998. وإقرأ: باتريك مكربنة وهوا هوي
فونغ: "هل فضح سرّ المعرّي؟، لوموند
ديبلوماتيك النشرة العربيّة، كانون
الأوّل/ديسمبر 2009، http://www.mondiploar.com/article.p... [8] هذا لم يمنع السجالات اللاهوتية
السياسية داخل السلطة من اتّخاذ منحى
عنيف، كما كانت الحال عليه بالنسبة إلى
الخصومة بين مختلف فروع عائلات مكّة
الكبرى التي خرج منها النبي، والتي
أدّت إلى المواجهة بين أنصار الخليفة
علي ابن أبي طالب وأنصار معاوية بن أبي
سفيان الخليفة الأموي، والتي ستكرّس
الاختلافات بين الشيعة والسنّة؛ أو
حتّى الخلاف حول منزلة القرآن بين
المعتزلة (أنصار تاريخية النصّ
القرآني ومقاربته بالعقل) والمحافظين
المؤيّدين لقراءة حرفية للنصّ الذي
يعتبرونه مُنزلاً لأنّه من صنيع الله. [9] لكن لا يجب ألاّ ننسى أنّ إنشاء جامعة
الأزهر في القاهرة قد جاء خلال الحقبة
الفاطمية، وهي خلافة شيعية. [10] إنّها المذاهب الحنبليةّ والمالكية
والشافعية والحنفيّة، التي تحمل كلّ
منها إسم مؤسّسها. وهي تدّعي انتماءها
للسنّة وتُعتبر جميعها شرعية، وتُطبّق
في مختلف أنحاء العالم المسلم. في حين
لا تزال الشيعيّة حتى يومنا هذا تسمح
بتعدّدية الآراء الدينية التي تصدرها
المرجعيات الدينية، المقيمة في مراكز
التعليم الشيعية الكبرى مثل "قم"
في إيران أو النجف في العراق أو في
لبنان. [11] يمكن مراجعة كتاب ألبرت حوراني
الكلاسيكي حول الموضوعArabic
Tought in the Liberal Age, 1798-1939, Oxford University Press,
Londres, 1967. [12] Georges CORM,
Le Proche-Orient éclaté 1956-2007, Gallimard, Folio/histoire,
Paris, 2007. [13] المرجع السابق وGeorges
Corm, La question religieuse … op. cit. [14] إن ممارسات الدول الغربية في قضايا
حقوق الإنسان، من الكيل بمكيالين إلى
العقوبات الدولية غير المسؤولة ضد
التجاوزات التي تحصل في الشرق الأوسط،
قد ساهمت كثيراً في إفقاد مبدأ
الديموقراطية الأساسي مصداقيته. حيث
يصار إلى التغاضي عن الأنظمة السياسية
"الصديقة" للغرب وأولها اسرائيل
بينما تتعرض الانظمة التي لا توالي
المصالح الغربية في سياستاها
الاقليمية لحملات إعلامية عدائية
مكثّفة. [15] خصوصاً محمود طه الواعظ المستنير
والمحدث في السودان، والذي حكم عليه
بالعدام شنقاً في ظل حكم النميري، أو
فرج فوده الذي اغتيل في مصر على يد
مجموعةٍ إسلامية متطرفة. حول محمود طه
وغيره من المفكرين الاسلاميين الذين
مارسوا حرية التأويل للنصّ القرآني
وفككوا بعض المفاهيم اللاحقة للقرآن
وهي من تطوير علماء الشريعة في ظروفٍ
تاريخية وصراعات محدّدة على السلطة،
راجعZiad
HAFEZ, Vers une refondation de la pensée religieuse musulmane:
quatre penseurs arabes d’aujourd’hui, en cours de parution aux
éditions Actes Sud/Sindbad, Paris. [16] هذه حال نصر حامد أبو زيد الأستاذ في
جامعة القاهرة والذي منعت مؤلّفاته
وأصدر بعض رجال الدين بحقّه فتاوى
بالقتل فعاش في المنفى الهولندي. دون
ذكر الإرهاب الذي تمارسه هذه الأفعال
على مثقّفين آخرين يمارسون الفكر
الديني النقدي. راجع Ziad
HAFEZ, Vers une refondation …, op. cit. . نلاحظ بأنّ المفكرين الذين
يمارسون الفكر النقدي من داخل التراث
الإسلامي نفسه ومن ضمن منطقه التاريخي
نفسه هم الذين يتعرضون غالباً للهجمات
الأكثر شراسةً، وحتّى إلى الاعتداءات
الجسدية وصولاً إلى الاغتيال. [17] Georges CORM,
Histoire du pluralisme religieux …., op. cit. [18] Georges CORM,
Orient-Occident, La fracture imaginaire, La Découverte, Paris, 2002
et L’Europe et le mythe de l’Occident. La construction d’une
histoire, La Découverte, [19] راجع مفهوم "علمنة العلمانية"
الذي حدّدناه داخل منطق النصوص
المقدّسة المسيحية والإسلامية في مقال
صدر في جريدة "النهار" اللبنانية
عام 1985 واستعدناه في كتابنا: "لبنان
المعاصر. تاريخ ومجتمع"، المكتبة
الشرقية، بيروت 2004؛ وقد طوّرنا هذا
المفهوم في كتاب Orient-Occident…,
op. cit.
حيث أشرنا إلى "العلمنة الخادعة"،
أي تلك التي تعتمد فقط على واقع
مؤسساتي صوريّ، في حين تبقى النظرة
الحقيقيّة إلى العالم مضبوطة بالإيمان
باعتلاء دينٍ أو حضارة على الآخرين،
وهذا ليس من العلمانية بشيء. تمّ عرض نسخة موسّعة لهذا المقال خلال
المؤتمر الذي عقدته جامعة الروح القدس
- الكسليك، لبنان، تحت عنوان "Vers une Laïcité Revisitée ". ==================== "إكشفوا لنا أسرار الطبيعة"
بقلم خوسيه موخيكا - رئيس
أوروغواي. (آي بي إس / 2010) وكالة انتر بريس سيرفس مونتيفيديو, أغسطس (آي بي إس) لقد كتب علينا أن علينا أن نعيش في زمن
تلاميذ السحرة والمشعوذين. زمن أطلقنا
فيه حضارة نجحت في الإتيان بتحسن
متواصل في حياة العديد من الناس، ولكن
ربما على عجل. فلم يكن في مقدورنا قياس
الآثار المترتبة على كل الأشياء التي
كنا نفعلها على كوكب الأرض. هذه السفينة التي نبحر بها في الكون هي
سفينة ذات تعقيداتها الخاصة بها،
فنتعلم الآن، وبشكل مؤلم، أن علينا أن
نغير الكثير من جوانب سلوكنا من أجل
الإبقاء على إستدامة الأرض كأمر لا
بديل له للحفاظ على كافة أشكال الحياة
عليها، بما فيها حياتنا نحن البشر. نحن لسنا أقوياء أو عقلاء بقدر ما نعتقد
أحيانا. ففي الحقيقة مازال الترابط
الوثيق بين الطبيعة والأنشطة البشرية
ينطوي علي أسرار عميقة الغموض. وهنا
علينا أن نسجل في المقام الأول
إمتناننا للعلماء الذين كرسوا حياتهم
للكشف عن أسرار الطبيعة، في تفاني عظيم
لا يمكن تفسيره إلا علي ضوء شغفهم
وإلتزامهم بقضية البشرية. لا يمكن لأي أحد في يومنا هذا أن يتجاهل
تحديات العيش وضمان إستدامة البيئة.
نحن جميعا مسؤولون. لكن ثمة مسؤولية
أكبر تقع علي عاتق أولئك الذين حظوا
قبل غيرهم بهبات الحضارة الحديثة
والمعاصرة. ليست هذه هي قضية وطنية،
وإنما قضية عالمية. لا أحد معفى. ولا
يوجد بلد، مهما بلغت قوته، قادر علي
ضمان استمرارية المسائل الحيوية
الموجودة على المحك. لهذا أصبحت الإتفاقيات العالمية لازمة
ضرورية أكثرا فأكثر، ولكن علي أن تضمن
ولاء وإمتثال كافة أعضاء المجتمع
الدولي لها وإستدامة الموارد اللازمة
وتضافر جهود العلماء والعالمات، بغية
التمكن من مواجهة تحديات مثل تحدي
التمادي في مجال الإرشاد الزراعي. الواقع أننا نعرف في الوقت الراهن الكثير
من الأشياء التي يتوجب فعلها، لكننا لا
نعرف تطبيقها جماعيا. ولذلك يكتسب
تثقيف الأهالي وتأهيلهم أهمية بالغة.
نحن في حاجة إلي إجراء المزيد والمزيد
من الأبحاث ولتطوير معرفة تكون ملكا
للبشرية جمعاء، وتحت تصرفها التام وفي
متناول كل الشعوب. لدينا في هذا الجانب من القارة الأمريكية
تحديات تستحق البحث فيها ببقدر كبير من
التعمق. فعلي سبيل المثال، نحن بحاجة
الى معرفة المزيد حول دورة الفوسفور،
فنحن لا نتسمم فقط بالزئبق، فلدينا
أيضا مشاكل خطيرة في مجال التسمم
بالرصاص والملوثات الضارة. وهذا يحدث في هذه المنطقة من العالم حيث
يتوفر واحد من أكبر مخازون المواد
الغذائية الزراعية في الأرض، وحيث
سنضطر إلي مضاعفة الإنتاجية لتلبية
الطلب العالمي المتزايد على الغذاء. ومع ذلك، فإن الأسمدة التي نستخدمها غير
ملائمة وغير مناسبة عندما يتعلق الأمر
بإحترام البيئة. وحتى الآن، لا نعرف
كيف يمكن التحكم في ظواهر التغذية
المتعددة. في هذه اللحظات، تخيم علي أوروغواي مرة
أخري حالة من الكرب تجاه ما قد يحدث أو
لا يحدث في المحيط الهادئ. فيمكن
لظواهر مثل ظاهرة "النينيو" أن
توثر علي هذا البلد بموجة جفاف تتكرر
بوتيرة متزايدة. نحن بحاجة لأن تتيح لنا الهندسة الوراثية
إمكانية تطوير نباتات أكثرة قوة وقدرة
على تحمل الجفاف ومقاومته. لكننا لا
نزال غير قادرين على أن نفعل ذلك.
فيتوقف إيجاد الحلول لمثل هذه القضايا
علي إجراء أبحاث تكون في خدمة البشرية
كلها. ليس هذا حلما، بل أمرا ممكنا
تماما. فمن ناحية، يعتبر الارشاد الزراعي أمرا
أساسيا. لكنه لا يكفي في حد ذاته.
فينبغي تكثيف البحوث لا بشأن القضايا
الآنية فحسب، وإنما لتوقع ما سوف يأتي.
لهذا نحن بحاجة إلى العلوم. كل هذه الجهود ترتبط بضرورة صيانة البيئة
حتي تستطيع البشرية الحفاظ علي حياتها
بل وتحسينها، بضمير إجتماعي، على
الأقل في هذه القارة التي تعد واحدة من
أغنى قارات العالم في الموارد
الطبيعية. لكنها أيضا القارة الأكثر
ظلما في الأرض لإنها تسيئ توزيع ثمار
ثرواتهم. فقد علمتنا الحياة أنه عندما
يكون هناك نقصا، تدفع الشرائح الأضعف
الثمن. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |