ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 27/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

التدين في الجيش الإسرائيلي

المستقبل - الاحد 26 أيلول 2010

العدد 3782 - نوافذ - صفحة 16

"ما من داع للخوف من تزايد أعداد المتدينين في الجيش"، هذا ما قاله الأسبوع الماضي نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي "بني غنتس" في تطرقه للارتفاع في عدد الضباط المتدينين الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي. غنتس الذي تحدث في "مؤتمر المتدينين والعلمانيين في الجيش الإسرائيلي" الذي أُقيم بمبادرة الجامعة الأكاديمية كنيرت ومركز بغين- سادات في جامعة بر إيلان، قال إن الزيادة ليست ظاهرة طبيعة تحصل في جميع مفاصل المجتمع الإسرائيلي. "أنا أرغب بإتلاف هذه الخرافة.. قائد لواء غولاني، قائد مغلان وأي صاحب منصب آخر لم يتم اختيارهم لمناصبهم بسبب قبعاتهم إنما بسبب كفاءاتهم وخبراتهم".

وقال غنتس، "في قسم كبير من الحالات أنا حتى لا أعرف ما كانت لديهم قبعات على رؤوسهم... هذه ظاهرة سليمة لمجتمع ديناميكي حيث في كل مرة مجموعة أخرى من السكان تقوم بالانتقال. في الماضي كانت حركة الكيبوتسات واليوم القبعات المطرزة".

وأوضح غنتس أن "دمج الجمهور الديني في الجيش الإسرائيلي ليس استثناء، هذه نزعة موجودة في كل تشكيلات النظام العام وفي القطاع الخاص. وهذه الظاهرة في الجيش الإسرائيلي هي انعكاس للمجتمع الإسرائيلي. وطالما أن الحكومة هي مصدر الصلاحية، لا داعي للخوف من انفصال عسكري داخلي أو من عمليات التزايد الديني. هذا أمر طبيعي أكثر، ومبارك، وأنا واثق من أن الجيش يعطي اهتماماً لهذه المسألة".

بدوره تطرق ضابط التعليم الرئيسي، العميد "إلي شرميستر"، إلى المشكلة في المناسبة نفسها، وقال إن: "الظاهرة التي تبدأ فيها مجموعة عسكرية بالغناء ويبدأ بالمقابل جنود متدينون يغادرون الحفل هي ظاهرة مرفوضة ومقلقة". علينا العمل بالمعايير المناسبة وان نكون على حذر لكي لا ندع الأيديولوجيات تؤثر على الجدول اليومي في الجيش، وفي المكان الذي يوجد فيه تصادم- سيكون من الواضح أن الأمر وروح الجيش هما اللذان يسيطران". كما أضاف شرميستر أنه لا يوجد "سيطرة" لضباط متدينين على الجيش.

=====================

التحريض ضد المسلمين في الولايات المتحدة

محمد حجيج

الشرق الاوسط

26-9-2010

لا أعتقد أن لدى العرب والمسلمين - بشكل عام - أي مشكلة مع الشارع الأميركي والنموذج الأميركي الذي كان إلى وقت قريب محل إعجاب، ليس من قبل العرب والمسلمين وحدهم لكن من طرف شعوب أخرى كثيرة.

المشكلة تكمن في عدد من دعاة الكراهية، أو لنقل «الإرهاب الفكري»، الذين يديرون مؤسسات إعلامية واقتصادية وسياسية كبرى لها دورها السلبي في توسيع الهوة بين أميركا والمسلمين على وجه الخصوص خدمة لسياسات إسرائيلية أو لمصالح انتخابية أو اقتصادية داخل الولايات المتحدة. هؤلاء المزدوجو الجنسية (Double national) في مجملهم، ومعهم عدد من «الأصوليين المسيحيين» أو «المسيحيين الجدد» (New Christians)، هم سبب الخلل في العلاقة بين أميركا والشعوب الإسلامية، بالطبع من دون إغفال دور بعض المسلمين الذين تخدم أقوالهم وأفعالهم خطط الجماعات التي تسعى لتوسيع الهوة بين الجانبين.

يرى عضو سابق في الكونغرس الأميركي، ومسؤول عن السياسات والاستراتيجيات في مجلس النواب (نيوت غينغريتش)، أن «الشعب الإسرائيلي يواجه خطر هولوكوست نووي (Nuclear Holocaust)»، ويربط مصير الشعب الأميركي بالدولة الإسرائيلية بقوله «إن الولايات المتحدة الأميركية قد تفقد عدة ملايين من شعبها، كما قد تفقد عددا من مدنها بسبب هجوم إرهابي محتمل بأسلحة الدمار الشامل». فماذا يمكن أن نسمي ذلك غير نوع من البروباغندا الكاذبة المفضوحة الأهداف؟

يرى هذا النائب الإسرائيلي الهوى - في الشق الأول من الاقتباس أعلاه - أن إسرائيل مهددة نوويا، وذلك تحريض واضح ضد المسلمين الشيعة في إيران التي تساعد للأسف ببعض سياساتها وخطابها الإعلامي مروجي هذه الأكاذيب، ويرى كذلك - في الشق الثاني من كلامه - أن ملايين الأميركيين مهددون بالإبادة، وأن عددا من المدن الأميركية مهددة بأن تمحى من الخارطة في حال وقوع هجوم إرهابي بأسلحة الدمار الشامل من قبل «القاعدة»، وهذا تحريض واضح ضد المسلمين السنة الذين يُربط بهم عادة تنظيم القاعدة، ذلك التنظيم الذي يستفيد من خطابه الإعلامي أمثال نيوت غينغريتش الذي وبخ الرئيس أوباما لأنه يعرض وجود إسرائيل للخطر بسبب رؤيته لإقامة دولة فلسطينية. وهو الذي قال يوما إن «الشريعة (الإسلامية) في طبيعتها قائمة على مبادئ مرعبة بالنسبة للعالم الغربي.

ويناقض غينغريتش الرئيس أوباما الذي يرى أن الخط الأول ل«الحرب على الإرهاب» هو في الجبهة الأفغانية. يقول غينغريتش عن فكرة أوباما السابقة «إنها خطأ».. ويضيف «في اعتقادي أن هناك ثلاث جبهات للحرب على الإرهاب: الأولى هنا في الولايات المتحدة، والثانية في أوروبا، والثالثة في الشرق الأوسط». والهدف واضح بالطبع وهو ربط قضية الشرق الأوسط أو حرب إسرائيل ضد العرب بالحرب ضد الإرهاب في أميركا - كجبهة أولى - والحرب ضد الإرهاب في أوروبا على اعتبار أنها الجبهة الثانية في هذه الحرب التي أصبحت تعني في قاموس الاعتذاريين الإسرائيليين في واشنطن الحرب على الإسلام.

دانيال بايبس، أحد الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن إسرائيل، وهو الذي قال - في ثقة مطلقة - أثناء الحملات الانتخابية الأميركية إنه إذا فاز أوباما فإن بوش سوف يضرب إيران في الأسابيع العشرة المتبقية من ولايته، لعلمه أن أوباما لن يقدم على ضرب إيران. وقد كان قوله أمنيا أكثر منه تحليلا علميا.

وغير بعيد عما ذكر في صدر هذه المقالة حملات التشويه التي تتعرض لها بلدان مثل المملكة العربية السعودية من قبل أنصار إسرائيل، تارة باسم حقوق المرأة، وأخرى باسم حقوق العمالة، وثالثة ضد صفقات بيع السلاح الأميركي لتسليح الجيش السعودي بالأسلحة الأميركية الحديثة، ورابعة بالدعوة إلى مقاطعة السعودية وعدم استيراد النفط السعودي.

تركيا كذلك نالها نصيب من نيران جماعة إسرائيل في واشنطن ونيويورك.. يقول بايبس إن رجب طيب أردوغان يحمل أجندة خفية، وإن عددا من رفاقه يحملون عقيدة تخالف حراس العلمانية التركية الذين قال إنهم يتكونون من «العسكر والقضاة والسلك الإداري» في المؤسسات التركية. وأضاف بايبس أن أردوغان يسعى لتقويض الثورة العلمانية التي قام بها أتاتورك وإحلال الشريعة مكانها، وأن النتيجة النهائية لمخططات حزب العدالة والتنمية هي «الجمهورية الإسلامية التركية» (The Islamic Republic of Turkey).

والغريب أن هذه العناصر الاعتذارية في الوقت الذي تحذر فيه أوروبا من تنامي الدور التركي في دعوة إلى إقصاء تركيا ومنعها من دخول «النادي المسيحي»، فإن العناصر ذاتها تحذر من ابتعاد تركيا عن الغرب وتوجهات الأتراك نحو العرب والمسلمين.

وقد نجح أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة في أن يوهموا الأميركيين بأن مصير أميركا وإسرائيل مشترك، وأن إسرائيل جبهة من جبهات الحروب الأميركية ضد الإرهاب، وأن الجيش الإسرائيلي يدفع ضريبة الدم من أجل أن يوفر للأميركيين السائل الأسود الذي لا بد منه لاقتصادهم. كما نجحوا في إخفاء أنفسهم إلى حد ما، وإخفاء أهدافهم الحقيقية في ضرب أميركا بالعرب والمسلمين وضرب المسلمين بأميركا لصالح إسرائيل. كما نجحوا في منع وضع الدعم الأميركي لإسرائيل محل المساءلة، وكذا نجحوا في الضغط لتجنب انتقاد إسرائيل في وسائل الإعلام الأميركية. وقد قال أحد مسؤولي شبكة «سي إن إن» إنه يتلقى في بعض الأحيان 6 آلاف رسالة إلكترونية ورسالة نصية قصيرة في يوم واحد تشكو من أن خبرا ما كان معاديا ل«إسرائيل» أذيع على الشبكة. ويتجلى النجاح الأكبر لهؤلاء في السيطرة على مجلسي الكونغرس الأميركي إلى درجة يخيل للمرء معها أن الكونغرس الأميركي بات مكونا من ثلاث غرف بدل غرفتين، وهي: مجلس الشيوخ ومجلس النواب والكنيست.. وأن الكنيست هو الأكثر اعتدالا بين الغرف الثلاث.

وعلى الرغم من محاولات هؤلاء للظهور بمظهر الباحثين المخلصين للشعب الأميركي وللقيم الأميركية، فإنهم أحيانا يصرحون بهدفهم الحقيقي وهو حماية المصالح الإسرائيلية أو اليهودية داخل الولايات المتحدة وخارجها. يقول دانيال بايبس «إن تزايد الوجود المسلم وقوة تأثيره في الولايات المتحدة سيشكل خطرا حقيقيا على اليهود الأميركيين»، وهو ذاته الذي عندما عين في إدارة المعهد الأميركي للسلام قال عنه كريستوفر هيتشنز الصحافي الأميركي من أصل إنجليزي في مقالة بعنوان «بايبس ليس رجل سلام»: «لماذا يريد بايبس أن يعين في المعهد الأميركي للسلام ما دام المعهد قد أنشئ للبحث عن الحلول السلمية للصراعات؟»، في إشارة إلى أن أفكار بايبس معادية لتوجهات المعهد في إحلال السلام.

ورغم النجاحات التي حققها أنصار إسرائيل على مدى العقود الماضية فإنه يبدو أن اللوبي الإسرائيلي بدأ يحس بأنه لم يعد اللاعب الوحيد في الساحة، وإن كان لا يزال هو اللاعب الرئيسي. نقطة الخطورة على هذا اللوبي هي في تبلور حركة أكاديمية أميركية بدأت تهتم باللوبي ودوره، هذه الحركة بلغت جهودها الذروة في عمل الباحثين الأميركيين جون مرشيمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، اللذين كشفا بشكل دقيق عن حجم جماعات الضغط الإسرائيلية والأثر الذي تحدثه في السياسة الخارجية الأميركية، والمردود السلبي لأعمال هذه الجماعات على المصالح القومية الأميركية. كما تبلورت هذه الحركة في عدد من الدعوات لمقاطعة إسرائيل على جانبي الأطلسي. ولعل الرافد الأكبر لحركات مقاومة النفوذ الإسرائيلي في واشنطن هو سياسات إسرائيل الفجة التي تحرج أصدقاءها وتقوي حجة الخصوم.

* كاتب يمني مقيم في بريطانيا

=====================

بيان المثقفين المائة ومستقبل الثقافة في مصر

علي سالم

الشرق الاوسط

26-9-2010

أحدث البيانات السياسية الثقافية في مصر هو بيان المائة مثقف (الواقع هم 102) الذي يحمل وزير الثقافة مسؤولية تدهور الأوضاع في كل ميادين الثقافة المصرية، مما أدى إلى إهمال عام هو السبب في سرقة الآثار وسرقة لوحة فان غوخ من متحف محمد محمود خليل. البيان لا يكتفي بتحميله المسؤولية فقط؛ بل يطالبه بالاستقالة وربما يطالب الحكومة أيضا بإقالته هو وكل مساعديه في الوزارة، وهو الأمر الذي يراه البعض من رابع المستحيلات.

وكان رد الوزير عليهم هو أنه لا يعرف مثقفين بهذه الأسماء، وأنه سأل عنهم اتحاد الكتاب وجاءه الرد بأن خمسة منهم أعضاء في الاتحاد، هكذا بدا الأمر وكأن عضوية اتحاد الكتاب شرط للحصول على لقب مثقف، وهنا يذكرنا الموقف بنكتة قديمة عن أبو العربي البورسعيدي الذي قال له أحد أصدقائه: «أبو العربي.. أنا شفت البت فتحية خطيبتك ماشية مع الواد عبده الميكانيكي..».

فرد عليه: «وهو ده ميكانيكي..؟ ده لا ميكانيكي ولا يفهم حاجة في الميكانيكا».

بلع المثقفون المائة الطعم واندفعوا بعيدين عن أرض المعركة ليثبتوا بكل ما يملكون من حجة أنهم مثقفون فعلا، وتحولت القضية إلى سؤال: ما تعريف المثقف؟ بمعنى أدق.. هل الواد عبده الميكانيكي الذي يمشي مع البت فتحية خطيبة أبو العربي، ميكانيكي فعلا؟ أم انه نصاب ليس له صلة بالميكانيكا؟

ولكن الملاحظ أن «بيان المائة» تجاهل تماما دور الوزير الذي لا ينكر في مقاومة التطبيع الثقافي، كما أنه هو أيضا لم يذكرهم بهذا الدور، وكأن الطرفين اكتشفا فجأة أن هذا الدور ساهم في دمار الثقافة المصرية أو في القليل لم يسهم في انتعاشها، أو لعل الطرفين اكتشفا أنه لا يكفي أن تكون ضد الشياطين، بل عليك أن تثبت للناس بكل وضوح أنك مع الملائكة. غير أن الحسنة الوحيدة لإثارة هذا الموضوع في الصحافة المصرية كان السؤال القديم الجديد الذي سيظل قديما - جديدا إلى الأبد: ما الثقافة.. ومن هو المثقف؟

لعل أهم التعريفات («الشروق» 14 سبتمبر/ أيلول) كانت: المثقف كما يقول الدكتور جلال أمين هو الشخص المهموم باستمرار بقضايا فكرية، أي لديه هم دائم بكل شيء حوله، فيعمل على تحويله إلى قضية تشغله طول عمره. والمعرفة الواسعة ليست شرطا للثقافة أو لوصف المثقف؛ إذ ان الشخص الذي لديه معرفة واسعة ولكن لا يحولها إلى هموم فكرية لا يستقيم أن نطلق عليه لفظ «مثقف».

تعريف الدكتور أمين أقرب لوصف حالة الاكتئاب المرضية، لا يكفي أن تكون مهموما بقضية، لا بد من أن تكون قادرا على معرفة طريق أو طرق لحلها وأن تعلن عن ذلك. ويقول الدكتور عاصم الدسوقي، وهو مؤرخ مختص في التاريخ المعاصر: التعريف البسيط للمثقف، أنه هو ذلك الشخص الذي يعرف من كل شيء شيئا، وشيئا عن كل شيء، ولا بد من أن يكون له موقف واضح. الواقع أننا إذا أخذنا بهذا التعريف فلا بد من أن يكون الكومبيوتر هو أعظم مثقف على الأرض ويكون لصاحب أي كومبيوتر الحق في أن يقدم له طلبا لعضوية اتحاد الكتاب أو المجلس الأعلى للثقافة.

أما الدكتور مراد وهبه أستاذ الفلسفة فيقول: المثقف هو الذي يبحث عن جذور الوهم في المجتمع الذي يعيش فيه ويحاول أن يجتث هذه الجذور، هذا هو دوره ولا يجب أن يعتمد على أي سلطة أخرى.

مع اعترافي بأن تعريف الدكتور هو الأقرب إلى قلبي وعقلي، غير أني في حاجة إلى معرفة، ما طبيعة تلك القوة داخل العقل أو النفس التي تقف خلف الرغبة في اجتثاث الأوهام عندما تتجذر داخل عقول الجماعة وتشكل خطرا عليها؟ هل هو الإلزام الخلقي؟ هل هو الإيمان برسالة ما تفرض نفسها على المثقف؟ وإذا كان من السهل اجتثاث الجذور الضارة في الأراضي الزراعية، فهل الأمر بالسهولة نفسها عند اجتثاث الأوهام الضارة من الطبقات التحتية في عقول البشر؟ أم ان الأمر يتطلب صلابة روحية عالية تساعد المثقف على دخول معارك مع من زرع هذه الجذور في عقول البشر؟ أم إن الأمر يتطلب درجة سامية من اعتبار الذات من ذلك النوع الذي دفع جاليليو للإصرار على فكرته بأن الأرض كروية وليست مسطحة فتكون النتيجة أن يسجن لمدة أربعة عشر عاما ثم يخرج عجوزا محطما ليعلن تنازله عن فكرته؟ أم ان القرار الصحيح من باب الدفاع عن النفس في مواجهة وحوش أوغاد هو: «مين..؟ فين..؟ كروية..؟ مين اللي قال الكلام الفارغ ده..؟ لأ طبعا.. هي مسطحة.. ومنبسطة..».

أنا أعتقد أن عاطفة اعتبار الذات القوية هي ما يجعل من المثقف مثقفا، ولكني لست مع أن يكون المثقف بطلا أو محاربا، دوره فقط هو إلهام المحاربين في الثبات في أي معركة دفاعا عن حقوق البشر في الحرية والحياة الكريمة. أتصور أن دور المثقف هو أن يعلن ما يفكر فيه في تهذيب بغير رغبة في استفزاز خصومه، ثم يتحمل كل ما ستجلبه عليه أفكاره من متاعب.

كل الحسابات السياسية تقطع بأن المرحلة القادمة تحتم على مصر في ميدان الثقافة أن تتخذ نهجا جديدا في علاقاتها مع دولة فلسطين ودولة إسرائيل على الأقل لإعطاء المثقف المصري فرصة للتحقق على المستوى الإقليمي والدولي، وماكينة الثقافة الحالية بكل تروسها عاجزة عن ذلك، من المستحيل أن يفكر كل العاملين في وزارة الثقافة على نحو مختلف وبالتالي سيكون دورهم المقبل كما كان دائما تعطيليا بحتا، للأبد سيعجزون عن فهم المتغيرات في المنطقة، وبالتالي طريقة التعامل معها. ستكون البطولة عندهم إلى الأبد هي معاداة الغرب وأميركا واتفاقية السلام المصري الإسرائيلي، سيفعلون ذلك لأنهم لم يقرأوا في الصحف أن مصر فيها مؤسسات للسلام ومعهد للسلام وظيفته الأولى هي الترويج لثقافة السلام، والجهد المبذول في هذه البطولة يغفر لهم أن تكون الكاميرات وأجهزة الإنذار في متاحفهم معطلة. لن يتغير شيء في وزارة الثقافة، فسرقة لوحة من متحف ليست نهاية الدنيا كما صرح وزير الثقافة في أولى جلسات المحاكمة المتهم فيها رئيس قطاع الفنون التشكيلية وآخرون (الجرائد المصرية في 15 سبتمبر). الله يرحمك يا ماكيافيللي، كان أول من قال: «على الأمير أن يغير طريقته عندما تتغير الظروف، غير أنه لن يفعل، فدائما ما كان ينجح بها». نعم.. لن يستطيع الأمير تغيير طريقته.

=====================

بعد غزوة مطار بيروت!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

26-9-2010

خفت حدة التوتر الداخلي نسبياً في لبنان. لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن ما حصل قد حصل وأن «حزب الله» كرّس واقعاً جديداً، وان موقتاً، على الأرض فحواه أنه أقوى من مؤسسات الدولة اللبنانية انطلاقاً من بيروت ومطارها.

في مطار بيروت الدولي، مطار رفيق الحريري، انتصرت دويلة «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، على الدولة اللبنانية وكأن الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على إسرائيل. الانتصار على لبنان ليس نهائياً بعد، بل هو أقرب الى معركة في سياق حرب طويلة يتعرض لها الوطن الصغير منذ العام 1969 تاريخ توقيع «اتفاق القاهرة» المشؤوم، وحتى قبل ذلك عندما بدأ السلاح غير الشرعي الفلسطيني وغير الفلسطيني يتدفق على لبنان عن طريق جهة معروفة.

كثيرون مرّوا على مطار بيروت... ثم رحلوا. لم تكن تلك المرة الأولى التي تجتاح فيها إحدى الميليشيات المطار لتأكيد أنها تتحكم بمفاصل الدولة وببوابة لبنان على العالم. سبق للمسلحين الفلسطينيين أن فعلوا ذلك على طريقتهم وإن ببعض الخفر والحياء. كذلك سبق للسوريين، كنظام وليس كشعب طبعاً، أن فعلوا ذلك واستخدموا كل الرموز، بما في ذلك الحواجز الأمنية التي تدقق في هويات المسافرين اللبنانيين، لتأكيد أن المطار تابع لهم. رفعوا لمدة طويلة الصور والشعارات التي تشير من دون لبس إلى أن المطار خاضع للسيادة السورية وأنه مطار تابع، أو ملحق بمطار آخر ليس إلاّ.

لا جديد، إذاً، في ما يخص المطار. كل من يريد وضع يده على الدولة اللبنانية فعل ذلك انطلاقاً مما هو متوافر لديه. في هذه الأيام، المتوافر ضابط لبناني متقاعد موضوع في الواجهة في المعركة التي يخوضها «حزب الله» ومن هم وراءه في دمشق وطهران مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. المهم وسط كل ما يجري، أن المطار رسالة موجهة إلى كل من يهمه الأمر فحواها أن على المجتمع الدولي التعاطي مع «حزب الله» في شأن كل ما له علاقة بالمحكمة الدولية وأن المعادلة المطروحة في غاية البساطة: إما لبنان وإما المحكمة الدولية. لن يكون وجود للبنان والمؤسسات اللبنانية في حال تابعت المحكمة الدولية، التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى التي سبقت الاغتيال وتلته، القيام بالمهمة المنوطة بها.

بعد غزوة المطار بحجة أن من الضروري أن يكون ضابط سابق هدد رئيس مجلس الوزراء فوق القانون، يمكن القول ان «حزب الله» أقدم على خطوة تصعيدية جديدة تندرج في سياق تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية وتأجيج الفتنة الطائفية والمذهبية في الوقت ذاته. ما يفترض بكل لبناني ألا ينساه أن تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية مستمر منذ ما قبل اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005. فرفيق الحريري مُنع من الاقدام على اي خطوة تصب في خدمة بناء المؤسسات بما في ذلك السعي إلى إرسال الجيش اللبناني إلى جنوب لبنان في مرحلة معينة. فجأة وبعد حرب صيف العام 2006 واستنجاد «حزب الله» بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة الشرعية، وهي حكومة مقاومة حقيقية، صار إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب ضرورة وطنية ولم يعد الجيش «حارساً» للحدود مع إسرائيل لتبرير منعه من تأدية مهمته الوطنية... وهي المهمة التي وجد من أجلها أصلاً.

من سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي جاءت مباشرة بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وصولاً إلى الأحداث الأخيرة في الجنوب اللبناني حيث بات ممنوعاً على القوة الدولية، بواسطة ما يسمّى «الأهالي»، تنفيذ مهماتها بموجب القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الامن، مروراً بافتعال حرب صيف العام 2006 لتمكين إسرائيل من تدمير جزء من البنية التحتية للبلد ثم الاعتصام في وسط بيروت وتعطيل الحياة فيها لاستكمال ما عجز العدوان الإسرائيلي عن القيام به، هناك خيط رفيع يجمع بين كل هذه الأحداث. انه الخيط ذاته الذي يربط بين أحداث مخيم نهر البارد وغزوة بيروت والجبل الدرزي في السابع والثامن والتاسع والعاشر من مايو 2008 وصولاً إلى غزوة المطار وقبلها الصدامات ذات الطابع المذهبي الفاقع والمستهجن في منطقة برج ابي حيدر. هذا الخيط اسمه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

لم تعد هناك اسرار في الوطن الصغير. اللعبة صارت مكشوفة. هناك حرب متجددة على لبنان من أجل الغاء المحكمة الدولية. السؤال هل يستمر الشعب اللبناني في مواجهة الحرب وحده، أم هناك بين العرب من هو على استعداد لقول كلمة حق، بما في ذلك أن المعركة معركة عربية أيضاً، بل معركة عربية بامتياز؟

ما يتعرض له لبنان حالياً ليس أمراً طبيعياً يمكن المرور عليه مرور الكرام. انها عملية وضع يد من الدويلة الإيرانية القائمة داخل الأرض اللبنانية على الدولة اللبنانية. تشمل هذه العملية تدمير المؤسسات الواحدة تلو الأخرى مع تركيز خاص على القضاء وعلى الاجهزة الامنية. ينفذ هذه العملية حزب لديه امكانات مالية ضخمة وميليشيا قادرة على اجتياح مناطق لبنانية واسعة وادوات كثيرة لا تحصى بينها اداة مسيحية اسمها النائب ميشال عون. هذا النائب الذي لا يخجل من وضع نفسه في تصرف من أقدم على غزوة مطار بيروت وتوفير غطاء لكل من يخرق القانون.

الأدهى من ذلك كله، ان كل ما نشهده اليوم في لبنان يصب في خدمة فتنة مذهبية يمكن أن تؤدي الى تفجير المنطقة كلها. تكفي نظرة إلى ما تتعرض له الكويت والبحرين والعراق، على سبيل المثال وليس الحصر، لادراك مدى خطورة الوضع الإقليمي الراهن. أكثر من ذلك، تكفي نظرة إلى كيفية توظيف الخلافات المذهبية في تهميش العرب، للتأكد من ان الحرب على لبنان حرب على العرب أيضاً.

نعم هناك حرب على لبنان. هناك من هو على استعداد لالغاء لبنان في حال لم تلغ المحكمة الدولية. لماذا لا يكون هناك موقف عربي واضح، ولو لمرة واحدة، يسمي الأشياء باسمائها ويقول أن من المعيب ترك لبنان وحده في مواجهة من يعتبرون أن منطق الدويلة اقوى من منطق الدولة وان مسلسل الاغتيالات الذي بدأ في العام 1977 بكمال جنبلاط يجب ان يستمر من دون حسيب أو رقيب وأن منطق العدالة لا وجود له في بلاد الارز.

=====================

الخليج العربي: بين الطائفية والتوازن مع إيران

الأحد, 26 سبتمبر 2010

خالد الدخيل *

الحياة

إذا كان خروج العراق من التوازنات الإقليمية، وسقوطه بين الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني يضع على السعودية أولاً، ثم دول الخليج العربية، المسؤولية المباشرة لتحقيق التوازن مع إيران، فإن هذه مسؤولية كبيرة، ولأنها مسؤولية كبيرة، فهي تتجاوز، كما ذكرنا من قبل، معادلة التوازن العسكري وحسب. من ناحيتها تعتبر إيران، وضمن معادلة التوازن ذاتها، أن سقوط العراق تحت الاحتلال يمثل مكسباً سياسياً كبيراً لها، وبالتالي فهي معنية بالمحافظة على هذا المكسب بكل الوسائل.

من حق إيران كدولة أن تفكر على هذا النحو. لكن ما هو النموذج السياسي الذي تمثله، ويسمح لها بتحقيق مثل هذا الطموح، الجامح أحياناً؟ والسؤال الثاني يتعلق بماذا ستقابل دول مجلس التعاون مجتمعة، وفي مقدمها السعودية، هذا النموذج، وكيف ستحقق التوازن مع دولة ترى أن من حقها أن تكون هي المهيمنة في المنطقة؟ وهل تستطيع هذه الدول أن تحقق هذا التوازن بمعزل عن عمقها العربي؟ ما يفرض مثل هذه الأسئلة أننا أمام صراع سياسي بين قوتين إقليميتين. وفي هذا الصراع يلعب النموذج السياسي للدولة دوراً بارزاً.

تحتل مسألة النموذج السياسي الإيراني أولوية هامة، وهي أول ما يجب أن يحظى بالاهتمام. وذلك لأسباب عدة. أولها أن إيران تقدم نموذجاً دينياً فريداً للدولة، وله تأثيره على المنطقة. ثانياً، على رغم الأهمية والأولوية المباشرة للتوازن العسكري، إلا أن التأثير الأعمق والمقيم لمسألة التوازنات يعود على المدى الطويل الى العوامل الاقتصادية والسياسية والايديولوجية. أما السبب الثالث، وربما الأهم، فهو ما يحصل في بعض دول الخليج العربي، وبخاصة في البحرين والكويت، حيث يلاحظ في الآونة الأخيرة أن التوتر الطائفي في هذين البلدين أخذ يتصاعد في شكل لافت، ويفرض نفسه كتطور سياسي جديد، يبعث على القلق. مثل هذا التطور إذا تُرك سيؤثر سلباً على الجبهة الداخلية، وبالتالي قد يفت من عضد القدرة على تحقيق التوازن المنشود. الطائفية تعني شيئاً واحداً، وهو أن يفكر الفرد في نفسه وفي دوره، وفي علاقته مع الآخرين ومع الدولة، وبالتالي في مصالحه من خلال انتمائه وموقعه في الخريطة الطائفية للمجتمع. وهذا يتناقض تماماً مع مفهوم المواطنة الذي يعني أن يفكر الفرد في كل ذلك من خلال رؤيته لنفسه كإنسان أولاً، وكمواطن ثانياً، له حقوق إنسانية وسياسية، تحفظها له الدولة التي ينتمي إليها.

ماذا يعني ذلك؟ وماذا يقول عن الدولة في الخليج كنموذج مقابل للنموذج الإيراني؟ ثم ما علاقة ما يحدث في البحرين والكويت بالنموذج السياسي الإيراني؟ لنبدأ بالسؤال الثاني. عندما نتحدث عن إيران فنحن نتحدث عن نموذج سياسي تقابله نماذج أخرى: النموذج العربي، والتركي، والإسرائيلي. النموذج الأخير هو النموذج العدو، لكن هذه نماذج سياسية في حالة صراع وتفاعل على مستوى المنطقة، وعلى علاقة مباشرة بمصالح وقوى دولية. في حالة إيران نحن أمام أول دولة في التاريخ الإسلامي ترتكز إلى مفهوم «ولاية الفقيه»، وهي بذلك تنحاز إلى نموذج الدولة الدينية، انطلاقاً من هيمنة طبقة رجال الدين على الدولة، وقبل ذلك أن أعلى سلطة في هذه الدولة تعود دستورياً إلى الولي الفقيه، أو مرشد الثورة. وبما أنها دولة دينية، فهي دولة طائفية أيضاً، وهو ما يؤكده دستورها الذي يحصر الترشيح لمنصب رئيس الدولة، مثلاً، بالفرد الإيراني الذي ينتمي للمذهب الجعفري. لكن إيران في الوقت نفسه دولة تستند إلى تاريخ حضاري إمبريالي، وتستشعر مسؤولية المحافظة على مصالحها أولاً، وعلى هذه المكانة التاريخية التي ورثتها، والتي تتداخل مع هذه المصالح. في هذه الحالة، ليس غريباً أن تتداخل الأيديولوجيا الشيعية بكل مخزونها الثقافي والتاريخي، مع الإرث الحضاري الفارسي لتشكل الركيزة الأيديولوجية للدولة، لأن كليهما يشكل المكون الحضاري والوطني لإيران حالياً. من ناحية أخرى، وفي إطار التاريخ المعاصر حيث الدولة الوطنية هي المفهوم السائد، تعاني إيران من أنها تفتقد لعمق استراتيجي، جغرافي وبشري يمكنها الاستناد إليه. هي دولة محاطة بما تعتبرها دولاً مخاصمة أو منافسة لها. ومن هذه الزاوية تقدّر إيران حجم المكاسب السياسية التي حصلت عليها بعد سقوط العراق على يد الأميركيين.

مرة أخرى، ما علاقة ذلك بما يحدث في البحرين والكويت؟ بما أن الطائفية ليست طارئة، وأنها ظاهرة ثقافية وسياسية شاملة، ولها تاريخ طويل، يمكن القول بأن علاقة ما حصل في البحرين والكويت بإيران ليست علاقة سبب ونتيجة، وإنما علاقة تفاعل وتثاقف بين الداخل والخارج، في لحظة سياسية مفصلية وحرجة. الطائفية مكون أيديولوجي راسخ في الثقافة الدينية للمجتمعات العربية والإسلامية، ومن ثم فهي دائماً تنتظر العامل المحفز الذي يحرك مكامنها. قد يكون هذا العامل داخلياً، أو خارجياً، أو تضافراً بين الاثنين. في الحالة البحرينية والكويتية، وفي هذه اللحظة تحديداً، يلاحظ المراقب أن هناك تزامناً بين تصاعد التوتر الطائفي في هذين البلدين وبين توتر العلاقة بين إيران ودول المنطقة، على خلفية الوضع في العراق، والملف النووي الإيراني. في أيار (مايو) الماضي مثلاً، كشفت الكويت عن وجود شبكة تجسس مرتبطة ب «الحرس الثوري» الإيراني. وقبلها تحدثت البحرين عن شيء مماثل على أراضيها.

لكن ما يحصل في الكويت تحديداً مثير للدهشة. فهذه دولة دشنت تاريخها السياسي بعد الاستقلال بدستور كان حينها من أكثر النصوص استنارة وديموقراطية. وها هي الآن وبعد ما يقرب من نصف قرن على هذا التاريخ تعاني من القبلية والطائفية. بل وصل الأمر حداً أن الطائفية أخذت تتمأسس من خلال قيام مؤسسات مجتمع «مدني» وصحف ومحطات تلفزيونية، على أساس طائفي صرف ومعلن. لماذا سمح بذلك؟ كان لافتاً أن رئيس الوزراء بالنيابة ووزير الدفاع، الشيخ جابر المبارك، وفي إطار تحرك الحكومة لمنع التجمعات العامة والندوات المثيرة للنعرات الطائفية الأسبوع الماضي، وجد نفسه يقول كلاماً لم يُسمع من قبل. من ذلك قوله: «يجب ألا نسكت ونحن نرى وطننا يحترق»، مضيفاً أن «السكين وصلت إلى العظم، وعلينا التكاتف». رئيس الوزراء بالنيابة كان يقرع جرس الإنذار بصوت مرتفع، وبصراحة لافتة. أن يصل الأمر بالكويت إلى هذه الحال يعني شيئاً واحداً: وهو أن تجربتها السياسية والثقافية لنصف قرن لم تكن في العمق كما كان الأمر يبدو عليه. بل هي مهددة برياح الطائفية والقبلية. وهذا تطور يعني أن هذه التجربة تعاني من أخطاء وثغرات كبيرة: في التعليم، وفي الثقافة السياسية، والممارسة الانتخابية، وفي مسيرة التنمية التي واكبت التجربة السياسية.

تتصرف إيران كدولة وطنية تتبنى الأيديولوجيا الشيعية. ودول الخليج العربية، وغالبية الشعوب فيها، تعتبر نفسها سنية. من هنا يكون الطرفان (العربي والإيراني) يضعان على الطموح الإيراني في المنطقة قبعة شيعية. لماذا ليس العكس؟ لأن إيران هي التي تحاول التمدد إلى داخل العالم العربي، وليس العكس. الطموح الإيراني مؤشر آخر على حالة الضعف العربية، والسلوك العربي على الضفة الأخرى من الخليج شكل من أشكال مقاومة هذا الطموح. الإشكالية أن الفعل ورد الفعل في هذه الحالة، كلاهما ينطلق من منطلقات طائفية.

يمكن الاستنتاج من ذلك بأن على السعودية ودول الخليج العربي الأخرى أن تقدم على تطوير نموذجها السياسي بما يؤكد ليس فقط اختلافه، بل وتناقضه مع النموذج الإيراني. وهي الأكثر تأهلاً لتحقيق ذلك. هي دول سنية. هذا صحيح، لكنها ليست دولاً دينية، وبالتالي فهويتها السنية متعلقة أكثر من أي شيء آخر بالفقه والقانون. بعبارة أخرى، فكرة الدولة في دول مجلس التعاون هي فكرة قانونية، وحاجة سياسية أكثر منها مبدأ دينياً، والتزاماً عقدياً صارماً، كما هو الحال مع دولة «ولاية الفقيه» في إيران. ثم إن هذه الدول تتمتع بتاريخ طويل من الاستقرار السياسي، ومن التناسب مع تركيبة مجتمعاتها، وبمصادر مالية مريحة، وبالتالي تمتلك من المرونة، وتمتلك مساحة كافية تسمح لها بأن تذهب بعيداً في برامجها الإصلاحية. وأكثر ما ينبغي العناية به في هذا الإطار هو تحييد البعد الطائفي في علاقة الفرد بالدولة، لأن هذا عنصر أساسي في تأكيد الهوية الوطنية الجامعة للدولة.

الطموح الإيراني للهيمنة على المنطقة مرفوض ليس لأن إيران دولة شيعية. العراق أيام صدام حسين لم يكن دولة شيعية، ومع ذلك تمت مقاومة طموحه للهيمنة، على رغم أنه كان يمثل دولة سنية بالمعنى نفسه الذي تمثله الدولة في دول الخليج العربية.

=====================

رغبة المصالحة والضرورات الاقليمية

الأحد, 26 سبتمبر 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

لم يفصح البيان الصادر عن محادثات وفدي «فتح» و «حماس» في دمشق ليل اول من امس عن النقاط التي قال انه تم الاتفاق عليها، ولا عن تلك التي لا تزال موضع خلاف بين الجانبين. لكن الجديد في اللقاء انه، بحسب البيان، «جرى في اجواء اخوية وودية ورغبة صادقة من الطرفين في انهاء الانقسام» وانه تم الاتفاق على «لقاء قريب للتفاهم على بقية النقاط والوصول الى صيغة نهائية» من أجل «التوقيع على ورقة المصالحة» المصرية في القاهرة.

وهذا يعني ان كلاً من الجانبين يرغب في اظهار نفسه بمظهر الحرص على انهاء الانقسام، من دون ان يقول كيفية ترجمة هذه الرغبة في ظل الاوضاع الفلسطينية الداخلية المتزايدة التعقيد، بفعل التعارض الكبير بين رؤيتين وواقعين في كل من الضفة الغربية حيث السيطرة الميدانية للسلطة وعمودها الفقري «فتح» وفي قطاع غزة حيث السيطرة ل»حماس». وفي ظل معاودة المفاوضات المباشرة الفلسطينية - الاسرائيلية التي تفرض على السلطة و»فتح» التزامات ترفضها «حماس» بالكامل وتتعارض مع أيديولوجيتها وسياستها الحالية.

فإنهاء الانقسام الفلسطيني لا يفترض وقف «الاعمال العدائية» بين «فتح» و»حماس»، وهي أعمال تتداولها الأنباء يومياً سواء في الضفة او القطاع، ولا يفترض إيجاد صيغة لتقاسم السيطرة الميدانية على الاراضي الفلسطينية فحسب، انه يفترض الهيمنة الحالية للحالتين «الفتحاوية» و «الحمساوية» في كل من الضفة والقطاع لمصلحة صيغة جديدة تعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، بجوانبه التحررية والسياسية والاجتماعية ايضاً.

تتلازم معاودة المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مع عملية بناء مؤسسات هذه الدولة. أي يرتبط مصير إقامة الدولة، في ذهن الراعي الاميركي وحتى السلطة الفلسطينية، ليس فقط بنتائج المفاوضات مع اسرائيل وانما ايضاً بطبيعة المؤسسات التي ستتولى شؤون هذه الدولة. وهذا يعني ان هذه الدولة ستقوم من دون أي مشاركة ل»حماس»، ليس فقط لأنها غائبة عن عملية التفاوض فحسب وانما ايضاً لأن هذه المؤسسات تشكل نقيضاً للمشروع «الحماسي» في الأساس.

وأي محاولة لاستعادة مشاركة «حماس» في عملية البناء تقتضي تراجع السلطة عن كثير من الالتزامات، بما يهدد المفاوضات ووجودها ايضاً.

ويبدو الوضع الحالي في القطاع حيث أقامت «حماس» مؤسساتها وتطبق أحكامها الخاصة على السكان، أكثر تجذراً وصعوبة في العودة عنه لمصلحة المشروع الوطني المشترك. فإلى الموقف السياسي للحركة، هناك سعي حثيث الى انشاء وضع اجتماعي واقتصادي غير قابل للتراجع عنه من دون التخلي عن أسس تقوم عليها «حماس» وتبرر بها سيطرتها على القطاع. وأي تقارب مع «فتح» سينعكس بالضرورة على هذه الأسس. ولا يبدو في الافق ما يشير الى ان الحركة مستعدة عن التخلي عن هذه «المكاسب»، خصوصاً ان أي تسوية للانقسام ستكون على حسابها.

الاكيد ان الطرفين الفلسطينيين يدركان هذه الوقائع، ويعرفان ان الاسباب التي ادت الى الانقسام وتلك التي حالت دون المصالحة في السابق لا تزال قائمة. ومع ذلك، التقيا وتباحثا وأصدرا بياناً عاماً، باستثناء الاستعداد لانهاء الانقسام.

ويبدو هنا ان مكان الاجتماع هو الذي يوحي بطبيعة الاجتماع. فالظرف الاقليمي، من منظور دمشق المؤثرة في موقف «حماس»، يفترض التهدئة عموماً في انتظار انقشاع الغيوم المتلبدة في المنطقة ومصير المواجهات السياسية الحادة فيها. ولذلك تبدو هذه المحادثات المرشحة للتمدد في الزمن نوعاً من تقطيع الوقت تفرضه الضرورات الاقليمية.

=====================

صفقات التسليح ومؤشرات السلام

آخر تحديث:الأحد ,26/09/2010

محمد السعيد ادريس

الخليج

على الرغم من أهمية ما يجري من تفاعلات هذه الأيام تتعلق بآفاق التطلعات والتطورات المحتملة على صعيد المفاوضات المباشرة الحالية الفلسطينية “الإسرائيلية”، خاصة تداعيات هذه التفاعلات على خرائط توازن القوى والتحالفات والصراعات الجديدة، سواء كان النجاح أو كان الفشل هو مصير هذه المفاوضات، فإن صفقات السلاح التي يجري توقيعها والأخرى التي يجري إحباطها بين العديد من الأطراف الإقليمية والدول الكبرى التي تحتكر سوق مبيعات السلاح سوف تسهم بدرجة لا تقل، بل ربما تفوق، في تحديد معالم تلك الخرائط ومستقبل الصراع والسلام في الشرق الأوسط .

 

فعلى الرغم من حالة العسكرة غير المسبوقة التي أضحت أهم معالم الشرق الأوسط، سواء من ناحية صفقات بيع السلاح الهائلة التي تعقدها دول الإقليم، أو من ناحية كثافة الوجود العسكري الأجنبي، شهدت الأسابيع الأخيرة نشاطاً محموماً في اتجاه عقد صفقات الأسلحة المتطورة ومبالغ ضخمة أبرزها الصفقة السعودية مع الولايات المتحدة لشراء طائرات “إف-15” وطائرات وأسلحة أخرى تبلغ قيمتها 60 مليار دولار، وصفقة الأسلحة “الإسرائيلية” الجديدة مع الولايات المتحدة أيضاً لشراء طائرات “إف-35” الأحدث والأكثر تطوراً في العالم كله، وأخيراً نجاح سوريا في الحفاظ على صفقتها من الأسلحة التي أبرمتها مع روسيا لشراء صواريخ من طراز “ياخونت” المضادة للسفن الحربية تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار كانت قد وقعتها في عام ،2007 فإذا أضفنا إلى هذا كله ما تنتجه المصانع الحربية الإيرانية من أسلحة متعددة ومتنوعة ومتطورة لتكشف لنا بعض معالم صراعات المستقبل، وبعض مؤشرات سلام المستقبل أيضاً .

 

وإذا كانت هذه الصفقات العسكرية مهمة بالنسبة لمستقبل الصراع والسلام معاً، فإن الصراعات التي تدور من أجل وقف أو إحباط أو منع حدوث صفقات أخرى لا تقل أهمية، فقد نجحت “إسرائيل” ونجحت الولايات المتحدة في إفشال إتمام صفقة بيع صواريخ من طراز “إس-300” الروسية إلى كل من إيران وسوريا، وهي صواريخ دفاعية مضادة للطائرات، وهذا النجاح “الإسرائيلي” الأمريكي في منع وصول هذه الصواريخ إلى سوريا وإيران يعطي ل “إسرائيل” قدراً أعلى من الأمان في شن هجمات بالطائرات ضد سوريا وإيران عندما تنوي القيام بمثل هذه الهجمات . وكان “الإسرائيليون” قد حذروا روسيا علانية من بيع هذه الصواريخ للبلدين، بحجة أنها سوف تحدث إخلالاً في التوازن العسكري بالمنطقة، أي التوازن الذي يهدد التفوق العسكري “الإسرائيلي” النوعي الكامل على كل دول المنطقة والمدعوم من الولايات المتحدة، حيث تحصل من واشنطن على كل أنواع الأسلحة التي تمكنها من الحفاظ على هذا التفوق، ولكن يبدو أن الحصول على الأسلحة الأمريكية المتطورة لا يكفي وحده لضمان هذا التفوق الذي لن يكتمل إلا بتمكن “إسرائيل” من منع أعدائها من الحصول على أي أسلحة متطورة من أي أطراف أخرى .

 

المثير هنا أن “إسرائيل” تقول هذا علناً وهي تتحدث عن السلام في المنطقة، قالت إن حصول سوريا على صواريخ “إس-300” الروسية سوف يضع طائراتها في وضع خطر، ويهدد سلامتها، أي أن المطلوب هو أن تصول وتجول طائرات “إسرائيل” في الأجواء السورية، وتعربد كما تشاء، على نحو ما اعتادت أن تفعل في الأجواء اللبنانية من دون أن تتصدى لها دفاعات سورية، وهذا الأمر هو أحد معالم السلام “الإسرائيلي” .

 

الأمر نفسه قالته بالنسبة لحصول إيران على هذا النوع من الصواريخ الدفاعية المتطورة، وساندتها الولايات المتحدة، واعتبرت نجاحات البلدين في منع روسيا من إتمام صفقة بيع تلك الصواريخ إلى إيران خطوة ضمن خطوات تهيئة ظروف النجاح لأي عمل عسكري قادم ضد إيران .

 

والآن يصرخ “الإسرائيليون” في وجه روسيا بعد أن أعلن وزير الدفاع الروسي منذ أيام نيتها تسليم سوريا صواريخ “ياخونت”، وهددوا بتسليح أعداء روسيا مثل جورجيا، حيث كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن توجيه “إسرائيل” رسالة إلى روسيا هددت فيها بأنه “إذا خرجت الصفقة إلى حيز التنفيذ فإننا لن نأخذ بالحسبان طلبات روسية بعدم إرسال أسلحة متطورة إلى مناطق حساسة بالنسبة إليهم (روسيا) مثل جورجيا” . ونقلت الصحيفة عن مسؤول “إسرائيلي” رفيع المستوى قوله تعقيباً على صفقة الصواريخ تلك “إن هذا القرار هو دليل متواضع على حس المسؤولية من جانب بلد يريد أن يكون مؤثراً، ويدعي العمل على خدمة استقرار المنطقة” . ورأى أن “تزويد سوريا بأسلحة متقدمة ومتطورة، وهي إحدى الدولتين الداعمتين الرئيسيتين لحزب الله، ليس خطورة تشجيع للمعتدلين في الشرق الأوسط، وإنما هي جائزة للدول المتطرفة” .

 

اللافت هنا أن هذا المسؤول “الإسرائيلي” الرفيع تعمّد أن يشير إلى تزامن هذه الصفقة مع المفاوضات الجارية، ما يعني أن بيع الأسلحة موقف سلبي من تلك المفاوضات، وبما يعني أن المفاوضات جرت ضمن معادلة اليأس العربية من تحقيق توازن قوة مع “إسرائيل”، وأن العودة إلى تسليح العرب ليس له غير معنى واضح لدى “الإسرائيليين”، هو عودة العرب إلى خيارات بديلة لذلك التفاوض .

 

كل هذا يحدث بعد أن وقع إيهود باراك الشهر الماضي صفقة طائرات “إف-35” مع الولايات المتحدة، وهي الطائرات الأكثر تطوراً في العالم، والقادرة على التحليق لمسافات طويلة جداً، والتهرب من الرادارات بحيث يصعب رصدها أو اعتراضها بواسطة أية دفاعات جوية أرضية .

لم يكتف “الإسرائيليون” بذلك، فهم يريدون الحصول على السلاح الكافي والمتطور وأن يضمنوا حجب كل أنواع القوة عن العرب، لأن هذا بوضوح هو أحد أهم شروط السلام الذي يريدونه، وأحد محددات صنع المستقبل الذي يريدون أن يمتلكوا مقاليد إخضاع الآخرين له .

=====================

مِن داخل المنطق النووي الإيراني

آخر تحديث:الأحد ,26/09/2010

جاريث إيفانز*

الخليج

تُرى هل نستطيع أن نزعم أن إيران عاقدة العزم حقاً على التحول إلى دولة مسلحة نووياً؟ أم أنها قد تكتفي باكتساب القدرة النووية الكفيلة بتمكينها من إنتاج الأسلحة النووية وتختار ألا تنتجها؟ وهل يشكل الفارق بين الأمرين أي أهمية؟

 

الواقع أن قِلة من القضايا الدولية قد تشتمل على قدر أعظم من المخاطرة مقارنة بهذه القضية . ومصدر القلق المباشر هنا يتمثل في انتشار التشاؤم العميق بشأن النوايا الإيرانية، وتصاعد احتمالات إقدام “إسرائيل” على توجيه ضربة وقائية إلى المنشآت النووية في إيران، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع حرب كبرى أخرى في الشرق الأوسط وما سيترتب على ذلك من عواقب مأساوية محتملة بالنسبة للاقتصاد العالمي .

 

وينبغي ألا يستخف أحد بصعوبة تقييم نوايا إيران الحقيقية . فالإشارات المختلطة المتضاربة الصادرة عن مراكز القوى المتنافسة لا تساعد على التوصل إلى تقويم دقيق في هذا السياق، ولا يساعد أيضاً ذلك التباين الواضح بين التصريحات العامة الصاخبة التي يلقيها المسؤولون الإيرانيون عادة والأحاديث الخاصة المعتدلة في أغلب الأحيان . ويشير المتشائمون والمتشككون إلى سجل إيران الطويل في وضع العقبات وتبني سياسة حافة الهاوية في التعامل مع المخاوف الدولية المشروعة إزاء برامجها النووية .

 

ورغم ذلك فقد سارع العديد من صناع القرار السياسي والمعلقين إلى إصدار الأحكام، والإصرار على أن إيران عاقدة العزم على إنتاج الأسلحة النووية، أو أنها راغبة في اكتساب القدرة على إنتاجها، وهو أمر لا يقل خطورة .

 

وهناك في واقع الأمر سبب وجيه يجعلنا نعتقد أن الوضع أقل خطورة من هذه التصورات وأكثر قابلية للاحتواء . ورغم صعوبة التوصل إلى تسوية مقبولة من جانب إيران وبقية المجتمع الدولي من خلال التفاوض، فإنها ليست بالمهمة المستحيلة .

 

والواقع أن المرء لا يحتاج إلى بذل جهد كبير في البحث عن الأسباب التي قد تدفع إيران إلى اختبار حدود التسامح الدولي: التعويض عن مذلة عهد مصدَّق وما بعده، واستعراض القدرات التكنولوجية المتفوقة أمام المنطقة والعالم ككل، والتأكيد للقوى الغربية التي بلغت بها ازدواجية المعايير حد التغاضي عن الحرب الكيماوية التي شنها صدّام حسين على إيران في أواخر الثمانينات على أنها لن تتنازل عن “حقها” في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية .

 

وفي المقابل، لم يكن من السهل بالنسبة للمراقبين أن يستوعبوا الأسباب التي قد تدفع إيران إلى الامتناع عن إنتاج الأسلحة النووية التي قد تكتسب القدرة على إنتاجها قريباً . ولكن في العديد من مناقشاتي غير الرسمية مع مسؤولين كبار في إيران وبلدان أخرى على مدى السنوات القليلة الماضية استمعت إلى خمسة من هذه الأسباب التي عُرِضت بقدر كبير من الوضوح والاتساق، والتي تستحق أن تؤخذ على محمل الجد .

 

السبب الأول يتلخص في خشية إيران من أن تنظر “إسرائيل” إلى وجود قنبلة إيرانية أو اثنتين باعتباره تهديداً لوجودها يستلزم شن هجمة عسكرية وقائية بمساعدة الولايات المتحدة أو من دون مساعدتها، ولكن بالاستعانة في كل من الحالتين بموارد تدرك إيران حق الإدراك أنها غير قادرة على مضاهاتها . ويعتقد الإيرانيون أن مثل هذه الهجمة غير مرجحة إذا لم يتجاوزوا الخط الأحمر المتمثل في التسلح النووي الفعلي .

 

والسبب الثاني أنه من المفهوم للجميع أن روسيا والصين لن يسمحا على الإطلاق بوجود قنبلة نووية إيرانية، وأن القدر الذي أبدته هاتان القوتان من التسامح مع إيران في مجلس الأمن سوف ينقلب إلى النقيض تماماً في حالة سعي إيران إلى الإنتاج الفعلي للقنبلة النووية . وكان هذا المنطق شديد الوضوح بعد الجولة الأخيرة من المفاوضات الخاصة بتشديد العقوبات المفروضة على إيران .

 

ويرجع السبب الثالث بالتالي إلى تصور واضح في إيران مفاده أن امتلاك القنبلة النووية فعلياً من شأنه أن يؤدي إلى عقوبات اقتصادية شديدة الصرامة على أقل تقدير . والواقع أن العقوبات المالية الحالية، المباشرة منها أو غير المباشرة، كانت مؤلمة بالفعل بما في ذلك العقوبات المفروضة على الحرس الثوري ومصالحه الاقتصادية الضخمة ولكنها كانت محتملة في سياق التأكيد على حق إيران في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة منع الانتشار النووي . ولا شك في أن إيران تدرك بوضوح أن المشاركة العالمية في عقوبات أكثر صرامة تشكل احتمالاً مؤكداً في حالة قيامها بانتهاك واضح لمعاهدة منع الانتشار النووي .

 

والسبب الرابع، أن الإيرانيين يقرون بأن أي محاولة لفرض الهيمنة الإقليمية بالاستعانة بالتسلح النووي من المرجح أن تجهض سريعاً . وهناك شكوك بشأن قدرة مصر، أو المملكة العربية السعودية، أو تركيا، على التحرك السريع لصنع قنابل خاصة بها، هذا فضلاً عن الضغوط الدولية وخاصة من جانب الولايات المتحدة التي ستتعرض لها هذه البلدان لمنعها من سلوك هذه السبيل . ولكن هناك أيضاً رؤية واضحة مفادها أن التوترات العربية الإيرانية، أو التوترات بين القوى الإقليمية عموماً، من شأنها أن تجعل من سباق التسلح النووي أمراً لا مفر منه . وأخيراً، هناك سبب ديني: ألا وهو أن استخدام أسلحة الدمار الشامل يشكل ببساطة انتهاكاً صارخاً لتعاليم الإسلام . صحيح أن قِلة من أهل الغرب قد يجدون في هذا حجة مقنعة، ولكنها كانت ذات صدى قوي في كل مناقشة جمعت بيني وبين أي من المسؤولين الإيرانيين، كباراً كانوا أم صغاراً . والواقع أن هذه الحجة لا تخلو من الصحة: فقد امتنعت إيران رغم كل شيء عن الرد بالمثل عندما قصفتها العراق بالأسلحة الكيماوية .

 

سوف يستمر الإحباط، كما أحبطت على مدى العام الماضي الجهود الخلاقة التي بذلها أعضاء مجلس الأمن ثم الجهود التي بذلتها البرازيل وتركيا مؤخراً لإيجاد حلول مؤقتة لبناء الثقة، لأن قادة الحركة الديمقراطية في العام الماضي رفضوا تأييد الرئيس محمود أحمدي نجاد الميال إلى إيجاد حل وسط . ولكن هناك قاعدة صلبة من العقلانية تسمح بإبقاء الباب مفتوحاً للمفاوضات .

 

إن إيران دولة بالغة التعقيد . ولكن كما لا يجوز لنا أن نستخف بقوى التطرف التي لا تزال قائمة هناك، فينبغي لنا أيضاً ألا نعرض أنفسنا للخطر بالتقاعس عن محاولة فهم واستيعاب تيارات ضبط النفس والحس السليم التي تعمل داخل البلاد، بما في ذلك على مستويات رفيعة بين جهات صنع القرار السياسي هناك .

ـــــــــ

*وزير خارجية أستراليا الأسبق، وأستاذ زميل بجامعة ملبورن، والرئيس الفخري لمجموعة الأزمات الدولية، والرئيس المشارك للجنة الدولية لمنع الانتشار النووي ونزع الأسلحة النووية . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت” .

=====================

التسلح والفقر

بقلم :د. محمد سلمان العبودي

البيان

26-9-2010

المنطقة على سطح صفيح ساخن. المنطقة تتسارع فيها الأحداث. المنطقة تدخل مرحلة التسلح السريع بصفقات بمليارات الدولارات... المنطقة ولا شيء غير المنطقة على صفحات الأخبار الأولى.

 

العديد من البسطاء يعتقدون أن المنطقة كانت في الماضي تعيش في سلم مع نفسها ومع جيرانها، حتى تم اكتشاف النفط. وهذا اعتقاد خاطئ. فالمنطقة عاشت كما تعيش اليوم دائرة من الشد والجذب مع أطراف مختلفة داخلية وخارجية، مع نفسها ومع جيرانها، واحترقت هي أيضا بنيران الحرب العالمية الأولى والثانية. وبقراءة سريعة لتاريخ الجزيرة العربية وما حولها نجد أنها لم تتمتع يوما ما لا بالأمن ولا بالطمأنينة ولا بالاستقرار.

 

ونحن اليوم في القرن الواحد والعشرين نشكل حلقة جديدة في هذا التاريخ وفي هذا الصراع. وتحول الصراع مع الوقت ومع اكتشاف النفط من نزاع داخلي محدود إلى لعب دور أكبر شمولية واتساعا. أي أن منطقتنا وما حولها اتجهت لا إراديا إلى مشاركة الأمم الكبرى في اللعبة السياسية العالمية. وكأن هذا الأمر لا مفر منه. وبالفعل هو أمر لا مفر منه.

 

فأنت إما معي أو ضدي. وأصبحنا ندور في فلك الدول العظمى حيث تدور. وأصبنا بالغثيان. وأصبحنا لأسباب تعود إلى خوفنا وحجمنا المتواضع، وتخلفنا الصناعي، وعدم تطبيق شريعة الأمر شورى بينهم، واعتمادنا اعتمادا شبه تام على منتجات وصناعات الغرب غير قادرين على الخروج من هذه الدوامة.

 

هل يكفي أن نلقي باللوم على اكتشاف النفط في هذا التحول؟ لا شك. فهو السبب الرئيسي في معظم حروب وصراعات العالم المتحضر. ولكنه ليس الوحيد.

 

والموقع الاستراتيجي هو أيضا يلعب دورا لا يقل أهمية، وما عدا ذلك فليس هناك ما يشجع على تحولنا إلى بئر أطماع العالم. وفي المقابل نحن نبيع النفط بأبخس الأثمان مقارنة بأهميته الإستراتيجية والصناعية ومحدوديته في الكم والزمن، لا لشيء سوى لدرء عداء الدول الصناعية وغضبها علينا لأننا نضع العصا في دولاب الصناعة الغربية. ولكن حتى مع أسعار البيع الزهيدة ؟

 

فيما لو اكتشف واستخرج وبيع واستخدم من قبلنا لتطوير صناعاتنا ؟ مع كل ذلك تدخل في خانات ميزانياتها أرقام خيالية من العملات الصعبة تكفي لبناء مدن كاملة بجميع مرافقها وخدماتها الأساسية. وهذه الأرقام التي تدخل ميزانياتنا (يوميا) من هبة النفط، هي أيضا أصبحت محط أطماع العالم. فالكل يريد حصته من فتات حصتنا.

 

ومن الوسائل السهلة لتشغيل الأيدي العاملة الغربية العاطلة عن العمل وخفض البطالة التي تكلف ميزانياتها أرقاما باهظة، هي بيع منتجاتها التي لا غنى عنها. وأهم تلك المنتجات هي الآلة الحربية.

 

والصفقات تبلغ مليارات الدولارات تكفي لبناء مدن جاهزة لعشرات الآلاف من المواطنين. فلنتخيل مخازن الأسلحة في المنطقة منذ خروج الاستعمار وبداية الصراع العربي الإسرائيلي. هذا يعني أن هناك جبالا ووديانا من الحديد الخردة تملأ المخازن العربية .

 

المشكلة الثانية هي أن تلك الأسلحة الحديثة لم تستخدم في أي حرب من الحروب ضد أخطر عدو واجهته الأمة العربية والإسلامية طوال تاريخها الحديث والقديم. وجميع الحروب التي خاضها العرب ضد إسرائيل خسروا فيها. أما آخر تلك الحروب فقد حدثت في المنطقة وكانت للأسف بين دول مسلمة ومتجاورة.

 

وهناك دراسات مفصلة عديدة صادرة من الدول الصناعية ذاتها تبين ضخامة ومهولة الأرقام التي تخصص لشراء الأسلحة، وكلها تبين بالأرقام والنسب بأن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على الخصوص تستحوذ على حصة الأسد فيها.

 

ولا أحد يعرف إلى أين يذهب كل هذا السلاح المتقدم من الناحية التقنية بعد تسلمه، وماذا يصنع به بعد نهاية صلاحيته. ومن ضمن هذه الصفقات الصفقة الأخيرة التي أبرمتها أو ستبرمها مصانع الولايات المتحدة مع حكومة المملكة العربية السعودية بقيمة 60 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل 225 مليار ريال سعودي. وهذا رقم فريد من نوعه.

 

إننا لا نلوم حكامنا على هذه السياسة. إن التوترات المتزايدة في المنطقة والشعور بعدم الأمان والأمن والأخطار التي تحدق بها من قريب وبعيد والإحساس بالهلع الداخلي، هي سبب تلك الصفقات المخيفة. وبالفعل، لو ألقينا نظرة على خارطة غوغل لوجدنا أننا في منطقة الخليج محاطين بأخطار وتهديدات جمة، خلقناها نحن وليس أعداءنا.

 

فهناك إيران وتسلحها النووي المتواصل وإمكانية نشوب حرب، وهناك العراق والحرب الأهلية المسلحة وهناك لبنان والخلافات الطائفية التي قد تنفجر فجأة، وهناك اليمن والنزاعات المذهبية المسلحة وتزايد وجود القاعدة وهناك دول خليجية عضو في مجلس التعاون لا ناقة لها فيها ولا جمل يراد جرها بالسلاح إلى نزاعات داخلية تعود جذورها إلى العصور الإسلامية الأولى ما بين شيعة وسنة وكلها نزاعات مسمومة وضعتها المصانع الغربية والسياسة الغربية في الكعكة التي تقدمها لنا بالمجان بعد كل عملية تفاوض على الأسلحة مثمرة.

 

المضحك المبكي في المسألة أن يعلن قبل أيام بعض زعماء الدول الغربية المتقدمة جدا في صناعة الأسلحة وبكل جرأة من على منصة الأمم المتحدة في كلمته فيما يسمى ب (مؤتمر القمة لمكافحة الفقر) عن استعداده لتقديم يد العون للدول الفقيرة، وهم يعلمون كل العلم كم عانى هؤلاء الفقراء من استعمارهم.

 

والآن من بيع ملابسهم لشراء الأسلحة الغربية لتسوية حساباتهم القبلية، وبعدها تعيد الدول الغربية نسبة من أرباحها من صفقات الأسلحة على شكل كعكات إلى تلك الدول الفقيرة لتشتري به من جديد أسلحة أخرى بأثمان أعلى، وهكذا دواليك....

إن أسهل الطرق إلى فقر الدول هو التسلح غير المجدي.

جامعة الإمارات

=====================

سوريا وصواريخ «ياخونت» الروسية

بقلم :جانا بوريسوفنا

البيان

26-9-2010

عقب تصريحات وزير الدفاع الروسي أناتولي سيرديكوف التي أدلى بها في واشنطن، والتي أعلن فيها عدم وجود مبررات لعدم تنفيذ عقد وقعته موسكو مع دمشق عام 2007، يقضي بتسليم سوريا صواريخ «ياخونت» المضادة للسفن.

 

أعلن مصدر رسمي من المجمع الصناعي العسكري الروسي أن روسيا ستقوم بتوريد صواريخ «ياخونت» المضادة للسفن الحربية والأسرع من الصوت إلى سوريا ضمن منظومات «باستيون».

 

ويبلغ طول الصاروخ المجنح «ياخونت» 8 أمتار، ويصل وزن حمولته من متفجرات إلى 200 كيلوغرام، فيما يصل مدى الصاروخ إلى 300 كيلومتر، وسرعته تزيد على 750 مترا في الثانية. وتضم منظومة «باستيون» 36 صاروخا من طراز «ياخونت» التي صممت لحماية السواحل وتدمير السفن الحربية. وتزيد قيمة الصفقة عن 300 مليون دولار حسب المصدر.

 

وقد أثار إصرار موسكو على تسليم دمشق هذه الصواريخ ضجة كبيرة في إسرائيل، بل وأجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو عدة اتصالات مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين يطلب منه إيقاف تنفيذ هذا العقد.

 

وقام وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بزيارة إلى موسكو وقع خلالها اتفاق تعاون على أمل إقناع روسيا بالتراجع عن هذا العقد. إلا أن الرد الروسي كان واضحا.

 

بل ان مؤسسات المجمع الصناعي العسكري الروسي بدأت في تنفيذ بقية الاتفاقات الموقعة مع سوريا والتي ستحصل سوريا بموجبها على منظومات «ستريليتس» للدفاع الجوي المزودة بصواريخ «إيغلا  س»، وتسليمها منظومات «بانتسير  س1» الصاروخية المدفعية للدفاع الجوي.

 

واللافت أن السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى روسيا آنا ازاري لم تخف أهداف الدبلوماسية الإسرائيلية التي تعمل من أجل إيقاف التعاون العسكري الروسي مع الدول العربية، ما يعني أنه قد تكون روسيا تراجعت عن تسليم سوريا منظومات صواريخ «س  300» وصواريخ «اسكندر أ» وأسلحة أخرى في أوقات سابقة بسبب إسرائيل.

 

في نفس الوقت لا ترى إسرائيل مانعا من مواصلة تدريب وتسليح الجيش الجورجي، وإعداده ليخوض حربا ثانية ضد روسيا بعد أن قدمت للقوات الجورجية مساعدات كبيرة خلال حرب ساكاشفيلي الأولى في القوقاز عام 2008.

 

ويقال إن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يكتف بتدريب وتجهيز القوات الجورجية لحرب أغسطس عام 2008، بل شارك فيها. وأسقطت منظوماته الدفاعية المقاتلات الروسية، خلال المعارك التي دارت حول مدينة تسيخينفالي عاصمة إقليم آوسيتيا الجنوبية.

 

ولعل تهديد رئيس فريق الائتلاف الحاكم في البرلمان الإسرائيلي زيف ألكين، باستئناف التعاون العسكري مع جورجيا في حال تنفيذ صفقة بيع صواريخ «ياخونت» إلى سوريا يوضح طبيعة التعاون الذي تريده إسرائيل مع روسيا.

 

المشكلة أن استئناف التعاون الإسرائيلي  الجورجي العسكري لن يحقق نقلة نوعية يصعب على القوات الروسية مواجهتها. لقد قامت إسرائيل بتحديث الترسانة الجورجية وتدريب العسكريين الجورجيين قبل حرب 2008، وماذا كانت النتيجة، انهيار كامل للقوات الجورجية، ولا تستطيع لا إسرائيل ولا واشنطن دعم جورجيا بالدرجة التي تعطيها القدرة على مواجهة روسيا ولا ليوم واحد.

 

ولا تدرك إسرائيل والولايات المتحدة أن روسيا دولة ذات نفوذ ومصالح، ومطلوب منها توفير الحماية لمصالحها. وكما يجب عليها تأمين الحماية الكاملة لمحطة بوشهر الكهروذرية في إيران من أية ضربات عسكرية متوقعة، لابد أن تؤمن الحماية لقاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السوري، والتي توفر التموين والصيانة لسفن الأسطول الروسي في البحر المتوسط، والتي يمكن أن تكون خط متقدم في مواجهة الزحف الغربي.

 

ثم لماذا لا ننظر من الزاوية الإيجابية لتدعيم الجيش السوري. وقد يكون حصول سوريا على هذه الصواريخ سببا في ابتعاد أطراف النزاع عن التفكير في الحلول العسكرية، وهذا بحد ذاته أمر جيد.

 

ويخرج بمنطقة الشرق الأوسط من مخاطر تفجير الصدامات العسكرية والحروب المتواصلة على مدار أكثر من ستين عام، إلى مرحلة اعتماد مبدأ الحوار السلمي كسبيل وحيد لتسوية أزمات المنطقة. هل هذه النتيجة سيئة وغير مقبولة؟

 

قد يكون من الأفضل التفكير جدية بالدور الإيجابي لمبدأ الردع المتبادل بين إسرائيل والدول العربية، بدلا من الحرص على إبقاء إسرائيل متفوقة على جيرانها العربية عسكريا، ما يجعل الحكومات الإسرائيلية المتشددة تلجأ لاستخدام القوة في تسوية ما تعتبره خلافات. وهو ما يجلب على المنطقة المزيد من الدمار والخراب.

=====================

هذا الغول سيدمر العالم

محمود ابراهيم الحويان

الدستور

26-9-2010

 استفاقت الولايات المتحدة الامريكية ذات صباح ، على غبار خنق الفضاء ، فغابت الشمس عنها لايام ، بعد ان اصبحت ابراجها قاعا صفصفا ، وكانت الصدمة فوق توقعها ، بل فوق احتمالها.

 

تسعة اعوام ، وليس في القاموس الامريكي كلمة تتلى اناء الليل واطراف النهار سوى(الارهاب) ، رغم ان هذا الغول ، كان ينهش لحمها في كل ولاياتها الخمسين ، وبايدْ أمريكية الصنع وهي تعلم ذلك جيدا.

 

بل ان القتل اليومي ، المرتبط احيانا بالعنف ، او الناتج عن المخدرات ، كان ولا يزال ، مادة دسمة لوسائل الاعلام الامريكية ، فلا ابسط من ان ترى وانت تيسر في احد الشوارع هناك ، ان مهووسا دخل مدرسة ، وقتل عددا من التلاميذ. او ان ضابطا سابقا فجرّ مبنى فدراليا ، وتسبب بقتل العديد من زملائه وزميلاته ، بدم بارد ، بعد ان جهز المتفجرات ، وانتظر بعيدا عن المبنى ، ليأخذ نفسا عميقا ، وهو يرى الجثث تتطاير في الفضاء ، وقد اصبح المبنى اثرا بعد عين.

 

لكن الحادي عشر من سبتمبر الفين وواحد ، هو تاريخ ميلاد الغول ، وكأن لعنة البرجين ، يراد بها ان يصل الدمار الى الشرق باسره ، وليس الاوسط فقط ، وهذا ما حصل ، ولم يكذب توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق في حديثه الاخير للصحافة.

 

"عندما اضطر للحديث عن العراق ، وطريقة غزوه وتدميره ، فانني احتاج لعدد من الزجاجات احتسيها ، لان ما فعلناه هناك ، لا يمكن للعقل ان يتقبله"

 

"لقد كنا على ثقة ان العراق ، ليس له علاقة بالقاعدة ، ولا يملك اسلحة دمار شامل لكننا سرنا خلف امريكا".

 

اذن تم اقتياد القطيع باكمله ، بعد ان اشار الراعي ، الذي لا يبطن خيرا ، بان الغول يسكن في الشرق ، وعليكم به ، ولا يهم كم تقتلون من البشر ، فالاسعار هناك رخيصة ، بل ان العدد كثير ، وكلما خففتم ودمرتم ، ستحصلون على جوائز.

 

وقبل ان تنفض امريكا غبار تلك الابراج المهدمة ، حتى صاح صائحهم ، انه الاسلام وانهم الارهابيون من اتباعه ، فكانت الوجبة الاولى العراق باكمله ، حتى لم يبق منه الا الاسم ، اللهم الا من بعض ابنائه ، الذين طابت لهم لعبة المناصب ، ناسين ان المسرح خال من الحضور.

 

وتعقد المؤتمرات واللقاءات والجلسات السرية ، ويجلس رب الاسرة الدولية الامريكي على راس الطاولة ، يلقي باوامره ، سنقضي على الارهاب ، وسننسف مغاير تورا بورا ، وسنلقي القبض على راس الشر بن لادن.

 

وترسل ادوات القتل ، التي خرجت للتو من مصانعها ، تلقي القنابل على العزّل من الافغان ، فتذيب اجسادهم ، وتحولها الى رماد برمشة عين ، بينما تعجز كل وسائل التجسس الامريكي ، عن العثور على صديقهم القديم بن لادن.

 

تلك الوسائل ، التي تملك احدث انواع التكنولوجيا ، من القضاء على ما اسموه (ارهابا) ، الذي يراد له ان يبقى عالقا في اذهان العالم ، لكي يستمر التدمير الممنهج على مراحل ، وهل تاكل الكعكة الا بعد تقطيعها؟.

 

تسعة اعوام ، والغول يقضم الشرق بطرق مختلفة ، فتم زعزعة الامن في الباكستان ، ووضع القنبلة الذرية في اسلام اباد في الثلاجة ، بعد ان تأكدوا ، انها لن تؤذيهم ، وقد نزع الصاعق ، فهي تغط في نوم عميق.

 

بل ان الوقت الحالي ، يتطلب ان يتم نزع انياب ايران ، ومخالبها ، وذلك لانها زعيمة الشر الجديدة بالنسبة لهم ، وعدوة العالم الغربي واسرائيل ، فعليها ان تذعن ، او لنجعلها عبرة لمن يعتبر.

 

بالمناسبة هل في الشرق من يعتبر؟ او ليس الشرق مهد الروايات ، ومنتج كليلة ودمنة؟ او ليس مهد حضارات الدنيا ، قبل ان يكتشف ذلك الرجل كريستوفر كولومبس الامريكيتين؟ وليته لم يفعل.

 

بل ليت تلك السفينة ، التي كان على ظهرها غرقت ، وغاصت في اعماق المحيط ، ولم يعرف العالم ذلك العالم ، الذي يريد ان يهدم كل بيوت الشرق ، من اجل غول صنعه بيديه ، وكان هو اول ضحاياه.

 

بالامس ، وانا اتابع كلمة الملك ، على منصة الامم المتحدة ، ادركت حجم الكارثة ، ولمست حجم الخوف والقلق ، على السلام والسلم العالمي ، وان نذر الشر هي القادمة ، وان الجهود التي نراها ونسمع بها ، من اجل السلام ، ما هي الا اوهام ، وان العالم سيستفيق ذات صباح ، على دمار اخر ، ياخذ في طريقه الاخضر واليابس.

 

كان في القاعة الكثير من الوفود العالمية ، التي لم يكن اعضاءها ، ليحتاجوا ترجمة للخطاب ، وكانت الايدي تسند الرؤوس ، وكان الطير يقف على اكتاف الحضور ، وكان التحذير في كل جملة من الخطاب ، وان الفرصة بدأت تذوب وتتلاشى ، فاحذروا قبل ان لا ينفع الندم.

 

الغول الذي صُنع قبل تسعة اعوام هناك في امريكا ، يراد له وبايدْ خفيه ، ان يجعل من الشرق كل الشرق ، ادناه ، و اوسطه واقصاه ، هشيما تذروه الرياح ، وان يجلس الغرب مقادا من الصهيونية العالمية الداعمة لاسرائيل ، يصفق للغول ، والدماء تسيل من بين انيابه.

 

نؤمن نحن اهل الشرق ، بان الغول من المستحيلات الثلاثة ، مضافا الى العنقاء والخل الوفي ، وها نحن نرى ان الثلاثة ، اصبحت حقيقة ماثلة في هذا الزمان امام اعيننا ، فالعنقاء تصيح فوق العراق وافغانستان وفلسطين ، وقريبا في مكان اخر.

 

وها هي امريكا ، لم تعد الخل الوفي لاحد ، بعد رفضت الاستماع للنصح ، وبُحّ صوت الداعي ، ان حي على السلام والامن ، ليعيش الناس في سلام وامن ، وان يرتاح سكان الشرق المتعبون.

لكن المؤسف ، ان من في الشرق لم ولن توقظهم طبول الحرب ، التي اصبحت خلف الجبل ، بل ان بعض الرماح ، قد بدأت تلمع ، وان الذئاب على حافة الوادي ، تنتظر الاشارة بالبدء ، وان كثيرا من الدماء ستسيل ، وان المنطقة كلها ، مقبلة على ليل اخر طويل.

=====================

صعود اليمين الأوروبي المتطرف

افتتاحية صحيفة الإندبندنت البريطانية

الرأي الاردنية

26-9-2010

يمكن للمرء أن يتناول نتائج الانتخابات غير الحاسمة في السويد بعدة طرق. فبمقدوره أن يرصد النجاح المستمر الذي حققه يمين الوسط في البلاد. ويمكنه أن يلاحظ في النتيجة مزيدا من الأدلة على تراجع الديمقراطيين الاجتماعيين، وهو الحزب الذي هيمن على السياسة السويدية منذ الحرب العالمية الثانية.

 ويمكن للمرء أن يميز الجمود الناجم عن نتيجة التصويت، باعتبارها آخر حلقة في سلسلة طويلة من نتائج الانتخابات الأوروبية غير الحاسمة.

 أو بوسع المرء أن يسجّل المؤشرات القاتمة، وهي موجودة في الدول الاسكندنافية أيضا، على أن اليمين المتطرف يطالب بمكانه في نطاق السلطة، ومع مع كل ما ينذر به هذا بمستقبل سباق العلاقات العرقية والاستقرار الاجتماعي في السنوات القادمة.

 جميع هذه التفسيرات تنطوي على عنصر من الحقيقة، رغم أنه من السهل المبالغة في التغيير في مجتمع أساسه التوافق كالمجتمع السويدي.

 لكن من المحتم أن صعود اليمين المتطرف هو الذي سيستأثر بأكبر قدر من الاهتمام في العالم الخارجي.

ونجاح الحزب المعارض للهجرة وهم «الديمقراطيين السويديين» في الحصول على أكثر من 5% من الأصوات والحصول على 20 مقعدا في البرلمان الجديد، يأتي على سلسلة متتابعة من إنجازات اليمين المتطرف المناهض للإسلاميين، التي حققها في هولندا وبلجيكا وإيطاليا والنمسا والمجر والنرويج وسويسرا.

 وبشكل عام، فإن نصيبهم من الأصوات لا يزال متواضعا نسبيا. ومن السابق لأوانه عقد مقارنات مع صعود الفاشية في أوروبا بين الحربين العالميتين. ولكن في الوقت الذي شهد نتائج متوازنة بشكل دقيق في الانتخابات الأوروبية، يمكن أن تحقق حصة قليلة من المقاعد لليمين المتطرف تأثيرا كبيرا، كما هي الحال في هولندا وإيطاليا.

 ويعكس صعود هذه الأحزاب قلقا حقيقيا ومتزايدا بين الكثير الناخبين البيض إزاء تأثير الهجرة على وظائفهم ومجتمعهم التقليدي. فالركود الاقتصادي والزيادة السريعة في معدل البطالة - بما في ذلك السويد- يعمل على تفاقم الاضطراب، الذي يتصاعد منذ بعض الوقت (بشكل أكبر في مجتمعات، مثل هولندا والسويد، وتعتبر متسامحة).

 وبحسب الرئيس الوزراء السويدي والفائز في هذه الانتخابات، «فريدريك رينفلدت» أنه رفض تشكيل، أي ائتلاف يأتي بحزب «الديمقراطيين السويديين» إلى السلطة. ولكن في ظل الموقف الصارم لحزب الخضر ضد أي تحالف مع «رينفلدت»، فإن الطريق إلى المستقبل لن يكون سهلا.

 الأحزاب المناهضة للهجرة تشكل الآن جزءا من المشهد السياسي في أوروبا، وفي بريطانيا، كما في أماكن أخرى، والسياسيون من الأحزاب التقليدية سوف يتعين عليهم أن يكونوا على دراية بهذا التحدي الديمقراطي. هناك أمر واحد واضح، يتمثل في أن إنكار هذه الحقيقة سيكون خطأَ فادحا.

 وربما يضعون نصب أعينهم الضرر الذي يلحقه اليسار المتطرف في أماكن مثل بريطانيا على سبيل المثال. ما هو الأمر المقيت بشدة بشأن اليمين المتطرف؟ ومن أين يبدأ اليمين المتطرف؟ ولماذا لا يكاد اليسار المتطرف يذكر؟

 وإذا كان كذلك، فلماذا لا يشار إليه على غرار الإشارة إلى الخصم؟. فكلتا الفئتين المتطرفتين تشكلان خطرا كامنا بالدرجة نفسها، وكلاهما موجود على الساحة بسبب اتجاهاتهما المتضادة.

 والمشكلة الكبرى تكمن في تعرض اليمينيين دائما لخطر الانزلاق السريع إلى فكر اليمين المتطرف، وأنهم أكثر براعة في أن يصبحوا وحوشا وأكثر عنفا، من اليساريين. والنطاق السياسي لا يعكس الطبيعة.

 اليمين يعتبر مجالا أيديولوجيا ضئيلا يبدأ فقط بعد الأساس الوسطي، وبعد ذلك ينزلق نحو التطرف، بينما يعتبر اليسار أفقا واسعا يلحق به التطرف بشكل طفيف عند أبعد نقطة فيه.

=====================

لماذا تزداد النقمة على الولايات المتحدة؟

د. معن أبو نوار

الرأي الاردنية

26-9-2010

لا بد أن كل سفير أمريكي في البلاد العربية والإسلامية قد لاحظ باهتمام النقمة الشعبية المتزايدة على السياسة الخارجية الأمريكية نحو النزاع العنيف الذي يزداد عنفا كل يوم في أفغانستان ؛ وباكستان ؛ وحول قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة؛ والذي سيؤدي إلى المزيد من المآسي والأحزان ؛ بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي البربري الذي لا يتورع عن قتل صياد سمك أعزل يجاهد لتغذية عياله مما يصطاد . حتى الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين العزل أصيبوا بنيران الدبابات والمروحيات الأمريكية التي أهدتها إلى إسرائيل.

 

ولن يستطيع أي باحث أن يعرف حقيقة موقف الرئيس أوباما من كل الذي يجري على الأرض المقدسة ؛ طالما يحاصره رهط من الموظفين الأمريكيين الصهيونيين الذين « يراجدونه « كل يوم بالدعاية الكاذبة لإسرائيل بأنها تدافع عن نفسها ضد « الإرهاب الفلسطيني « .

 

الموجع للعقل الإنساني في عصر الانفتاح العولمي والاتصالات الفورية أن الولايات المتحدة قد عارضت إرسال هيئة تقصي الحقائق من قبل هيئة الأمم المتحدة إلى الديار المقدسة بحجة كما قال مندوبها الدائم : « هل يتناسب إرسال هذه اللجنة مع مبدأ الإنفاق المالي الحكيم لأموال هيئة الأمم المتحدة ؟؟؟. « ولا يمكن هذا الباحث أن يعلق على هذا القول مع احتفاظه بأدب الكتابة....!

 

لقد تطاولت الحرب النفسية في أمريكا ضد الإسلام والمسلمين إلى المدى الذي لا يقبله قانون الأعراف الدولية ؛ والأخلاق الدولية العامة ؛ كأن قتل مليون من العراقيين المسلمين لا يكفي انهم صهيونيي أمريكا ؛ ها هم بكل قواهم العسكرية مشاتهم ودروعهم ومقاتلاتهم ومقنبلاتهم يلتهمون أرواح الأفغانيين بلا رحمة أو شفقة.

 

يقال بلا حياء أو تردد من قبل من يشنون الحرب النفسية ضد الإسلام والمسلمين بأن أمريكا تستمد مبادىء سياستها الخارجية من أفكار وعقائد آدم سميث ؛ وأرسطو ؛ وجورج إليوت ؛ والبابا بولص الثاني ؛ وإبراهام لنكولن ؛ والآباء المؤسسين طوماس جيفؤسون ؛ وجورج واشنطون. « ونسوا أو تناسوا أفكار أفلاطون ولوك وهيغل ، في مسعاهم لإقناع شعوب العالم بحقدهم الدفين ضد الإسلام والمسلمين في العالم كله. ولعل في نواياهم نحو إيران والسودان وسوريا ولبنان والصومال ما يكفي دليلا على ذلك.

 

لقد قرأ هذا الباحث غالبية أفكار الفلاسفة الذين سبق ذكرهم ولم يجد منها ولو تلميحا حول السكوت على مثل العمليات الإجرامية البشعة البربرية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ؛ مما يدعوه إلى التضرع إلى الباري عز وجل أن يحمي الشعب الفلسطيني من عدم إكتراث كل أمريكي محب للسلام وحقوق الإنسان بالدماء التي ستسيل في الديار المقدسة ، وقد تمتد إلى بقية المنطقة نتيجة لفلسفة الرهط الصهيوني المندس بين صفوفه البريئة .

====================

أزمة "كاميليا شحاتة".. فضائح بعضها فوق بعض!

علي حسن فراج

الألوكة

23/9/2010

تَشغَل الرأي العامَّ المصري أزمَةُ المُواطِنة "كاميليا شحاتة" التي أعلنَتْ إسلامَها مُؤخَّرًا، وليس سبب الأزمة هو تخلِّي امرأةٍ عن عقيدةٍ واعتناق أخرى، ممَّا يَعقُبُه - عادةً - أزماتٌ على نِطاق ضيِّق بين الشخص الذي يترك النصرانيَّة ويعتنق الإسلام وبين أسرة ذلك الشخص، والتي ترفُضُ هذا الاختيار وتُحاوِل الوقوف في وجهه بضُغُوطات شتَّى تقوم بممارستها عليه.

 

السببُ الحقيقي للأزمة هو التَّصعِيد السياسي للأزمة، وتبنِّي دولة "وادي النطرون" التي استقلَّتْ حديثًا عن جمهوريَّة مصر العربيَّة لهذه القضيَّة، ومراهنتها عليها، وإلا اتَّخذت الإجراءات والتدابير اللازمة ضد الدولة المصريَّة، والتي لن يكون من بينها سحْب سفير دولة النطرون من القاهرة، ولا طرْد السفير المصري من وادي النطرون، فمثل هذه الإجراءات الروتينيَّة لا تتَّخِذها دولة وادي النطرون القويَّة ذات البطش والبأس، فهي أقوى بأسًا وأطول يدًا من أنْ تلجأ لهذه الوسائل السلميَّة التي هي وسائل الضُّعفاء!

 

وإذا كانت الدولة الصِّهيَوْنيَّة التي تقع شرق الدولة - على قلَّة عددها - دولة قويَّة باطشة في المنطقة بعتادها العسكري، ثم بالمؤازرة الدوليَّة والرعاية الأمريكيَّة، فالدولة القبطيَّة التي تقع غرب مصر - مع قلَّة عددها مقارنةً بالدولة المصريَّة - لها بقوَّتها الماليَّة وتمتُّعها بنفس المؤازَرة الأمريكيَّة للدولة الصِّهيَوْنيَّة مثلُ ذلك النُّفوذ والقوَّة والبطش والسيطرة في أراضي الدولة المصريَّة.

 

ومع اللوم الشديد الذي يُوجِّهه الشارع المصري للحكومة المصريَّة جرَّاء الرُّضوخ المُخْزي للبلطجة النطرونيَّة، مع ما جَرَتْ به العادة من أنَّ الدولة الصغيرة المستقلَّة عن الدولة الأم تكون مُستَضعَفة مُستَذلَّة، ثم هي تقع عادةً تحت تحرُّش وضغْط الدولة الأم واستفزازها المستمر، كما هو الحال مثلاً في حالة الصين وتايوان، وحالة إثيوبيا وإريتريا، لكنَّ هذا اللوم يَذهَب سريعًا عندما تُبدِي الحكومة المصريَّة عذرها بأنها صارَتْ بين فكَّي الأسد بالدولة الإمبرياليَّة الصِّهيَوْنيَّة الشرقيَّة والدولة الإمبرياليَّة النطرونيَّة الغربيَّة، وكلتاهما له "لوبي" في أمريكا، وكلتاهما يسعى في السيطرة والتوسُّع الحدودي!

 

قصة المواطِنة "كاميليا شحاتة" تتلخَّص في أنَّ إعلان إسلامها يعني أنها طلبتْ لجوءًا سياسيًّا إلى الدولة المصريَّة، ولَمَّا كانت دولة النطرون غير راضيَة على مثل هذه القرارات الشخصيَّة، ولا تُعطِي لِمُواطِنيها هذه الحقوق، ولا تعتَرِف لهم بهذه الحريَّة - فقد طلبتْ - أو في الحقيقة أمرتْ - وأمرها لا يُعصَى كما هو معلوم - تسليمَ المواطِنة المذكورة إلى دولة وادي النطرون، وقامَتْ حكومة مصر بتسليم المواطِنة لحكومة دولة النطرون التي تحفَّظت على "كاميليا"، كما تتحفَّظ سائر الحكومات على المطلوبين لديها.

 

ومع أنَّ حالة كاميليا ليست هي الأولى في مسألة تبادُل "المطلوبين أمنيًّا" بين الدولة المصريَّة ودولة وادي النطرون، بل سبقَتْ أنْ تسلَّمت الدولة النطرونيَّة أكثر من فتاةٍ أعلنت إسلامَها، ومع أنَّ هذه العمليَّة لا تقع إلا من جانبٍ واحد دائمًا، فلا يمكن ولا يُتصوَّر أنْ تسلِّم دولة وادي النطرون متَنَصِّرًا واحدًا إلى الحكومة المصريَّة، وإلاَّ لَقامَ اللوبي القبطي في واشنطن بدقِّ طبول الحرب إيذانًا بحرب صليبيَّة تشنُّها دولة وادي النطرون المتسلِّطة على الدولة المصريَّة المُستَضعَفة بِمَن فيها من مسلمين وأقباط.

 

أقول: ليس مجرَّد تسليم كاميليا لدولة وادي النطرون هو الذي أشعَلَ الأزمة، بل الذي أشعَلَها وأجَّج نارَها هو الحماقة والغطرسة النطرونيَّة في إدارة هذه القضيَّة، بخلاف سابقتها من حالات احتِجاز الأسيرات التي يُعلَن إسلامهنَّ والقبض عليهن، وإيداعهن سجون دولة وادي النطرون، حيث لا تراهن عين إلا عين السُّجَّان.

 

فالعادة كانت جاريةً أنْ يتمَّ ذلك بين الدولتين بعيدًا عن الأضواء وفي ظلام الليل؛ حتى لا يقعَ احتقانٌ داخلي بالدولة المصرية، التي لا تريد أنْ يقف شعبُها على ما وصَلَتْ إليه الأمور من حالة الذل والإهانة والاستِفزاز المتلاحِق الذي يَحدُث لها من قِبَل الدولة النطرونيَّة، وفي الوقت نفسه فالدولة النطرونيَّة وإنْ كانَتْ لا تُلقي بالاً ولا تقيم اعتبارًا لحكومة الدولة المصريَّة، إلا أنها لا تريد أنْ تدخل في مواجهة مع الشعب المصري بالدولة المصريَّة، الذي سَئِمَ من هذه الإهانات المتتالِيَة التي تُشبِه إلى حَدٍّ كبير ما تقوم به الدولة الصِّهيَوْنيَّة مع المُستَضعَفين الفلسطينيين!

 

أمَّا في أزمة "كاميليا شحاتة"، فالطريقة الهمجيَّة الفجَّة التي اتبعتها دولة وادي النطرون في إدارة الأزمة، حتى ندَّد بعض الأقباط ممَّن يتبع الدولة المصرية بما فعلته الدولة النطرونية، كانت هي السبب الرئيس في حدوث الغليان في شوارع الدولة المصريَّة؛ ذلك أنَّ الدولة النطرونيَّة أرسلَتْ قوَّاتها في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع - ممثَّلةً في قساوسة وكهَنَة - إلى أعرق هيئةٍ إسلاميَّة في العالم وهي الأزهر الشريف؛ لتأخذ "كاميليا شحاتة" التي كانت قد لجأت إليه لتُعلِن إسلامها، لكن كاميليا التي كانت قد أسلمَتْ قبل أكثر من عام وذهبت إلى الأزهر لتُشهِر هذا الإسلام وتوثقه رسميًّا وقانونيًّا وجدَتْ أنَّ قوَّات وادي النطرون كانت قد وصَلتْ إلى المكان نفسه لتُلقِي القبْض عليها، غير مُنتَظِرة قيام قوَّات الأمن المصري بهذه المهمَّة، ولَمَّا شعرت كاميليا بالخطر رجَعتْ هاربةً من مكانٍ كانت تنتظر أن يكونَ فيه أمنُها بعد إعلان إيمانها، فقد تَحوَّل الرمزُ الإسلامي العريق إلى موطن إرهاب ورعب بعد احتِلاله من قِبَل القوَّات النطرونيَّة، ثُم تولَّت قوَّات الأمن المصريَّة مهمَّة البحث والقبض على كاميليا شحاتة نيابةً عن القوات الغازية للأزهر، فهي تعرف دولة مصر وشوارعها وأزقَّتها أحسن بكثير من القوات الغازية!

 

وبالفعل نجحَتْ قوَّات الأمن المصري - في أخسِّ مهمَّة قامت بها في تاريخها - في القبْض على المسلمة الهاربة بدينها من نكال دولة النطرون، ثم سلَّمَتْها لدولة وادي النطرون التي تحفَّظت عليها إلى هذه اللحظة، ومارَسَتْ عليها ما شاءَتْ من الضُّغوط، دون أنْ تنجح في ردِّها على قرارها الحر باعتناق الإسلام.

 

ولَمَّا ثارَتْ ثائرة الناس أثَّر شعورهم بالإهانة في عُقْرِ دارهم وهي دارٌ مسلمةٌ بنصِّ الدستور والواقع السكاني، جعلت الدولة النطرونيَّة الباطشة تحيك الدعاية الكاذبة كما تحيكها الدولُ الإمبرياليَّة كالدولة الصِّهيَوْنيَّة؛ حيث تقتل وتُشرِّد ثم تستغيث وتستنجد، وترهب وتنكل ثم تدَّعِي أنها مُضطهَدة!

 

وكان المأزقُ الحقيقي للدولة النطرونيَّة أنَّ حبل كذبها كان قصيرًا، ثم هي لم تُحكِم ربطَه فانتَشَط عليها! فإنها لَمَّا اختفَتْ كاميليا في أوَّل الأمر أعلن المتحدِّث باسم الدولة النطرونيَّة أنَّ مواطنة تابعة للدولة النطرونيَّة اختُطِفتْ مِنْ بيتها، وقام بهذا العملِ الإجراميِّ جماعةٌ من المسلمين بالدولة المصريَّة، ثم أوزَعَت الدولة النطرونيَّة إلى بعض رَعاياها بتنظيم مظاهرات بالدولة المصريَّة لإرجاع المرأة المُختَطَفة، ولَمَّا علمت الدولة النطرونيَّة بتوجُّه كاميليا للأزهر لإعلان إسلامها أرسلَتْ قوَّاتها إلى هناك لاستِلامها، وصمَتَت الدولة النطرونيَّة الإرهابيَّة عن التعليق على ظهور كذبها باختِطاف المرأة وتسييرها المظاهرات للتنديد بذلك!

 

ثم لَمَّا وقعَتْ كاميليا في أسْر الدولة النطرونيَّة صرَّح المسؤولون بأنها لم تُخطَف، ولكن غُرِّرَ بها وخُدِعت، فأسلَمتْ لَمَّا غسل المسلمون مُخَّها، وأنَّ الدولة النطرونيَّة ستغسل المغسول، ولم ينتَبِهوا إلى الفضيحة الكبرى بتَكذِيبهم لأنفسهم فيما زعَمُوه مِن خطفها.

 

وقبعت الأسيرة في أحد سجون دولة وادي النطرون الذي يقع في عُقْرِ دور المصريين، وسكتت المنظمات الحقوقيَّة المصريَّة والعالميَّة التي تَزعُم أنها مَعْنيَّة بحقوق الإنسان والمحافظة على الحريَّات عن هذه المهزلة والطريقة القمعيَّة المتوحِّشَة التي اتَّبعَتْها الدولة النطرونيَّة مع المُعتَقَلة المصريَّة، ولو أنَّ هيئةً إسلاميَّة في الدولة المصريَّة كالأزهر قامَتْ بهذا العمل نفسه مع أحد المتنصِّرين واحتجزَتْه في الأزهر، لقامَتْ قيامة تلك المنظَّمات الحقوقيَّة المحليَّة، واتَّصلَتْ بنظيرتها الدوليَّة، ولَطالبَتْ منظمة العفو الدوليَّة باعتِقال شيْخ الأزهر؛ باعتِبارِه مجرم حرب، ولا يبعد أنْ تنزل قوَّات "المارينز" الأمريكيَّة يتقدَّمها أقباط المهجر على سواحل الإسكندريَّة لتحرير المُتنصِّر المُعتَقَل في الأزهر!

 

ومَضَت الأيَّام على الأسيرة الصابرة ولم يُفلِح جلاَّدو دولة النطرون ولا كهنَتُها في غسْل المغسول كما وعَدُوا، ولا في هزيمة الأسيرة العزلاء وردها عن الإسلام.

 

ولَمَّا طالَ الأمرُ، وأصبَحَ وجْه الدولة النطرونيَّة قبيحًا أمام الرأي العامِّ بما لا يُشبِهه ولا يتفوَّق عليه في القبح إلا وجه الدولة المصريَّة التي سلَّمت إحدى رَعاياها لدولةٍ أخرى مُعادِية لها، قامت حكومة الدولة النطرونيَّة الغاشمة بتَلفِيق شريط فيديو "لدوبليرة" تُشبِه الأسيرة المضطهَدة؛ لتُؤَكِّد نصرانيَّتها، فصارَتْ فضيحة الدولة النطرونية أكبر وأكبر، فمُخرِج الفيديو يبدو أنَّه كان مُتعجِّلاً، فترك فروقًا جوهريَّة واضحة بين كاميليا والدوبليرة لا تخفى على أحدٍ، ثم إنَّ السيناريو الذي حكَتْه يُؤَكِّد كذبها مائةً بالمائة، فلو أنَّها قالت - بعد كونها نَفَتْ تعذيبها في سجن الدولة النطرونية - أنَّها رجعت إلى النصرانية مُختارَةً راضيةً، وأنها أخطَأتْ بإسلامها، وكلُّ بني آدم خطَّاء، لكان لتصديق كذب الدولة النطرونيَّة وجه محتمل، ولكنَّ الدوبليرة الكاذبة وقعَتْ في شرِّ أعمالها، عندما نَفَتْ إسلامها من الأصل، وأنها تعجب ممَّا يُشاع عنها في ذلك، وأنها كانتْ دائمًا وأبدًا نصرانيَّة ولم تُسلِم قطُّ.

 

ولم يلتَفِت مخرج الفيديو أنَّه سجل على الدولة النطرونيَّة كذبة جديدة وفضيحة أخرى؛ إذ لسائلٍ ساذج أنْ يقول: ففيمَ كانت الدولة النطرونيَّة تُخاصِم كلَّ الأيام السابقة؟ وأين ولِمَن الغسل والكي الذي وعدَتْ به؟!

 

ولَمَّا انتَبهَت الدولة النطرونيَّة للفضيحة بعد وقوعها خرجتْ تتبرَّأ مِن شريط الفيديو، وتَزعُم أنَّه ليس لها ولا علاقة به، لتُضِيف فضيحةً جديدة إلى فضائح سابقة في جدٍّ يُشبِه الهزل، وهزل يُشبِه الجد.

 

ولا ندري ما الذي تَحمِله الأيَّام القادمة من فضائح أخرى في ظلِّ بطْش الدولة النطرونيَّة وهيمنتها وسكوت الدولة المصريَّة واستخذائها.

 

ولَكَمْ صدَق أبو الطيب المتنبي حيث قال قبل قرون:

وَكَمْ ذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ

وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكَا

======================

أخطاء اسرائيل والاستيطان والمفاوضات مع الدول العربية

دانيال فريدمان

يديعوت 24/9/2010

بعد حرب الأيام الستة مباشرة عقدت الدول العربية مؤتمرا في الخرطوم وأقرت اللاءات الثلاث المشهورة: لا للسلام ولا للاعتراف ولا للتفاوض مع اسرائيل. لكن كان لاسرائيل أيضا لاءات خاصة. أحدها: لا للعودة الى حدود 67 والثانية لا لانشاء دولة فلسطينية.

كان لمعارضة انشاء دولة فلسطينية أسباب ثقيلة الوزن لم تزل حتى اليوم. كان على هذا الشأن اجماع وطني خالفوا عنه في اليسار المتطرف فقط. سأبحث في البدء أسباب معارضة انشاء الدولة الفلسطينية، وبعد ذلك السبيل التي مضت فيها اسرائيل في واقع الأمر والتي أفضت الى انشاء هذه الدولة في مسار ما زال لم يستكمل.

معارضة الدولة الفلسطينية

كانت سلسلة من الاعتبارات الثقيلة الوزن في أساس معارضة انشاء دولة فلسطينية. أحد الاعتبارات يقارن مشكلة القدس: فقد سيطر المسلمون على أرض اسرائيل والقدس أكثر من 1000 سنة، ولم يجعلوا القدس عاصمتهم قط. قطع سلطان المسلمين في أرض اسرائيل الذي بدأ مع الاحتلال العربي في القرن السابع للميلاد مدة ما بالحملات الصليبية. سيطر الصليبيون في أثنائها مدة نحو من مائة سنة على القدس نفسها وجعلوها عاصمتهم.

عندما احتل القائد الكردي صلاح الدين القدس من الصليبيين، عاد الى العادة الاسلامية وامتنع عن جعل القدس عاصمته.

لم يتغير الوضع عندما احتلت الدولة العثمانية أرض اسرائيل في 1517 وسيطرت على البلاد 400 سنة. لم تبلغ القدس في أثناء هذه المدة كلها الى أكثر من كونها عاصمة اقليم (سنجق)، كان في الحقيقة اقليما "مستقلا" واشتمل فقط على جزء صغير من أرض اسرائيل. وكانت أجزاء كبيرة أخرى في نطاق أقاليم أخرى: سنجق عكا (الذي اشتمل على حيفا وصفد وطبرية والناصرة) وسنجق نابلس.

عندما احتل البريطانيون أرض اسرائيل من الأتراك في 1917 في أواخر الحرب العالمية الثانية، جعلوا القدس عاصمة الدولة استمرارا على تقليد المسيحيين (الذي يشابه في هذا الشأن التقليد اليهودي).

بقيت السيطرة على القدس الغربية في حرب الاستقلال في يد اسرائيل، اما البلدة الشرقية فاحتلها جيش عبدالله ملك الاردن. جعلت اسرائيل عاصمتها في القدس لكن الاردن استمرت على التقليد الاسلامي الطويل وامتنعت عن جعل القدس عاصمتها. كانت عمان وما تزال عاصمة الاردن.

كان الاتفاق مع الاردن في شأن الضفة الغربية يقتضي التوصل معها الى تسوية تتعلق بالأماكن المقدسة لكن سؤال جعل القدس عاصمة الدولتين لم يثر، وكان الاختلاف أقل شدة مما هو مع الفلسطينيين. فهم يرون أن جعل القدس عاصمتهم شرط لا يتجاوز. وهكذا، لأول مرة في التاريخ، نواجه مطلب جعل القدس عاصمة الدولتين.

كانت اعتبارات اخرى ثقيلة الوزن لمعارضة الدولة الفلسطينية. كان واضحا ان الفلسطينيين سيعرضون ما يسمونه "حق العودة" في رأس سلم أفضلياتهم، وهذا المطلب يعرض وجود دولة اسرائيل للخطر. والى ذلك يوجد خوف يشك في أن يستطيع اتفاق مع الفلسطينيين (اذا احرز) ملاشاته وهو أن يطلبوا العودة الى حدود التقسيم التي أقرتها الأمم المتحدة في ذلك الوقت. وهذا أيضا مطلب ليس بعيدا من مطلب القضاء على دولة اسرائيل.

من الجهة الاخرى، المساحة المخصصة للفلسطينيين، اذا حظوا بدولة، ستكون ضيقة بالضرورة، والضغط الذي سيستعملونه على اسرائيل – فيما يتعلق بالمساحة وفيما يتعلق باستيعاب السكان – سيأخذ في الازدياد.

ينبغي أيضا أن نذكر مشكلة نزع السلاح. توافق الدول في الأكثر على نزع السلاح عن بعض ارضها. يمكن افتراض أن الأردن كانت توافق على نزع السلاح عن الضفة الغربية لو سلمت اليها. أما من وجهة نظر الفلسطينيين فان نزع السلاح عن الضفة وقطاع غزة يعني نزع السلاح عن دولتهم كلها. وحتى لو وافقوا فهنالك الخوف من ألا يفوا بذلك.

إزاء هذه الاعتبارات كان يمكن افتراض أن تفعل اسرائيل كل شيء للتوصل الى تسوية مع الأردن لكن ما جرى في الواقع هو العكس. فبرغم معرفة المعطيات والأخطار فعلت اسرائيل كل ما استطاعات لتعزيز الشعب الفلسطيني ولتدفع نفسها الى وضع يكون الاختيار فيه بين دولة فلسطين ودولة ثنائية القومية.

ديان يوحد الشعب الفلسطيني

في 1948 كان الفلسطينيون مشتتين في عدة دول: في الأردن واسرائيل ومصر وسورية ولبنان. المساحة التي خصصت لدولة فلسطين بقرار الأمم المتحدة قسمت بين الأردن ومصر (التي فازت بقطاع غزة) واسرائيل.كان أفضل استيعاب للفلسطينيين في الأردن. وحظوا في اسرائيل بجنسية وحقوق تصويت لكننا لم ننجح للأسف الشديد في ادماجهم وجعلهم يشايعون الدولة. ربما كنا ننجح على السنين، لكن نشبت في تلك الأثناء حرب الايام الستة التي غيرت وجه المنطقة. احتلت اسرائيل مناطق واسعة أكثر من مساحتها الاصلية بأربعة أضعاف.

لأول مرة منذ فترة الانتداب كانت أكثرية الجمهور الفلسطيني تقع تحت سلطة دولة واحدة هي اسرائيل.

في الحقيقة لم تضم اسرائيل الضفة (ما عدا شرقي القدس) والقطاع، ولم يجر القانون الاسرائيلي عليهما لكن وزير الدفاع آنذاك، موشيه ديان، فتح المنطقة كلها على اتساعها، ومحيت الحدود في واقع الأمر، ومن انتقل مثلا من القدس الى بيت لحم لم يشعر بأنه موجود خارج مساحة دولة اسرائيل الرسمية.

كان شعور الاتساع عند الاسرائيليين مريحا ولذيذا في السنين الاولى على الاقل لكن كان لذلك معنى عميق عند الفلسطينيين: فلأول مرة بعد عشرات السنين أمكن لقاء مريح مباشر بين سكان القطاع وسكان الضفة وعرب اسرائيل. قويت الصلة ونشأت علاقات زواج أيضا. وكان معنى ذلك تعزيز الشعور بأنهم شعب واحد ذو مطامح سياسية.

كان لكل ذلك ظواهر مصاحبة: فقد رفه ذلك على البدو في النقب. كان وضعهم الاقتصادي أفضل من وضع عرب الضفة والقطاع واستطاعوا امتلاك عرائس من هذه المناطق. وفي غضون سنوات غير كثيرة انتشرت ظاهرة تعدد الزوجات ومعها زيادة كبيرة هي الأسرع في العالم لعدد سكان البدو في النقب.

وإلى ذلك اعتادت اسرائيل قوة عاملة رخيصة من المناطق. تعلم عرب المناطق معرفة اسرائيل وهو أمر استعملته المنظمات الارهابية حينما حان الوقت.

المستوطنات في المناطق

بعد حرب الايام الستة فهمت حكومة اسرائيل جيداً مشكلة السيطرة على مناطق ذات سكان عرب مزدحمين. اقترح يغئال ألون خطة تسيطر في نطاقها اسرائيل على المناطق غير الآهلة في الضفة، وتعيد الى الاردن المنطقة الآهلة. لكن حسيناً ملك الاردن لم يكن مستعداً لذلك وفشل التفاوض معه.

بحسب منطق خطة ألون ربما كان مكان لاستيطان المناطق غير الآهلة بكثافة والتي لم تر اسرائيل إعادتها، لكن تبين أنه لا يوجد لاسرائيل سياسة واضحة ولا يعلم أحد ما هي المناطق غير المرشحة للاعادة. وتبين ثانيا أن السيطرة على الأمر خرجت من يد حكومة اسرائيل. ففي فصح سنة 1968 استأجرت جماعة يهود متدينين فندقا في الخليل، ورفضت بعد العيد اخلاء المكان. أيد ألون، خلافاً لخطته هو نفسه هذا الاستيطان، وافضى هذا الاستيطان الى انشاء كريات أربع، في قلب السكان العرب المكتظين في منطقة الخليل.

كانت تلك خطوة واحدة من كثيرات أتت بعدها حينما كان المستوطنون يبادرون وتوافق الحكومة – راغبة او غير راغبة – على ما تم.

 في مقابلة ذلك بدأت حكومة غولدا مئير تستعمل خطة الاستيطان في قطاع غزة. كان ذلك الماحا الى أنها لا تنوي اعادة القطاع الى مصر. وبقي سؤال ماذا نفعل بالسكان الفلسطينيين الكثيرين هناك مفتوحا، وبدا أنه لم يكن لأحد علم بكيفية مواجهة ذلك. ربما لم يشاؤوا فهم وجود مشكلة.

أثقل استيطان المناطق الآهلة جدا على احراز اتفاق مع الأردن. وسبب تعزيز الشعور القومي عند الجمهور الفلسطيني الذي شعر بأن اليهود يدفعونه عن أرضه.

رابين يرفض اتفاقا مع الحسين

بدأت ولاية اسحاق رابين الأولى لرئاسة الحكومة في 1974، بعد استقالة غولدا مئير رئاسة الحكومة على أثر موجة الاحتجاجات بعد حرب يوم الغفران. في ذلك العام بدأت مباحثات في اتفاقات مرحلية مع مصر ومع الاردن ايضا.

في تشرين الاول من ذلك العام كان يوشك ان يعقد مؤتمر قمة عربي في الرباط في المغرب. أراد الحسين حضور المؤتمر وفي يده إنجاز يمكنه من مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية وأن يبين أنه قادر على التوصل الى تسوية مع اسرائيل ويحظى باعادة المناطق. كان من الافكار الممكنة اتفاق فصل قوات مع الأردن يشتمل على تسليم أريحا للحسين لكن رابين كان معنيا بائتلاف مع المفدال الذي عارض بشدة تسليم أجزاء من أرض اسرائيل، ورفض الفكرة.

حضر الحسين بيدين فارغتين، وقرر المؤتمر أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثل الفلسطينيين الوحيد.

في السنة التي تلت ذلك تم احراز اتفاق مرحلي بين اسرائيل ومصر، اشتمل على انسحاب من منطقة كبيرة في شبه جزيرة سيناء ونقلها الى مصر. وأزيل اتفاق الفصل مع الأردن الذي كان سينقل اليها منطقة أريحا ويعطيها موطىء قدم في الضفة عن جدول العمل في ضوء قرار الرباط وموقف رابين.

كان ذلك أكبر خطأ استراتيجي لاسرائيل.

بعد نحو من 20 سنة في آيار 1994 في القاهرة، وقع رئيس الحكومة رابين، في مدة ولايته الثانية في رئاسة الحكومة، على اتفاق مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.عرف الاتفاق الذي عقد على اثر اتفاق اوسلو باسم "غزة وأريحا اولا"، وفي نطاقه سلمت السلطة الفلسطينية غزة وأريحا التي أنشىء فيها بعد ذلك الكازينو الشهير. والسؤال ألم يكن أفضل من ذلك نقل أريحا قبل ذلك بعشرين سنة الى سيطرة الأردن، ما يزال هو بعينه.

إتفاق السلام مع مصر

في التفاوض السلمي مع مصر التقى رئيس الحكومة آنذاك، مناحيم بيغن، أنور السادات الزعيم الأكثر موهبة وحكمة في الشرق الاوسط بعد بن غوريون. وللأسف الشديد كان في الجانب الآخر من المتراس. في اتفاق السلام في 1979 نزلت اسرائيل عن سيناء كلها حتى آخر سنتيمتر وأزالت جميع مستوطناتها من هناك. وكان "انجاز" اسرائيل الوحيد من حيث المناطق هو قطاع غزة الذي بقي في يدها. فرح السادات لخلاصه من هذه المشكلة، أما بيغن ففرح بضمها اليه.

بعد ذلك بأكثر من 25 سنة بقليل، في صيف 2005 تخلت اسرائيل عن القطاع في نطاق الانفصال. وبقي سؤال أما كان أفضل أن نطلب الى مصر إعادة القطاع مع جميع الرزمة بدل التخلي عنه بعد ذلك لسلطة حماس، بقي هو نفسه.

التزمت اسرائيل أيضا في اتفاق السلام مع مصر انشاء سلطة منتخبة للفلسطينيين ومنحهم حكما ذاتيا. كانت تلك خطوة حادة نحو انشاء دولة فلسطينية وإن يكن الحديث في تلك المرحلة عن مشاركة الأردن في التفاوض. لم تحقق اسرائيل اتفاق الحكم الذاتي واستمر بيغن على سياسة الاستيطان. وعلى أثر ذلك ترك موشيه ديان وعيزا وايزمن حكومته.

شامير يرفض تفاهمات لندن

بعد انتخابات 1984 أنشئت حكومة وحدة وطنية بنيت على التناوب. تولى شمعون بيرس في السنتين الأوليين رئاسة الحكومة وبعد ذلك اصبح اسحاق رابين رئيس الحكومة وحل بيرس محله في وزارة الخارجية.

في نيسان 1987 التقى بيرس الحسين وتوصلا الى تفاهمات على مؤتمر دولي تجري في اطاره اسرائيل والاردن تفاوضا في احراز اتفاق سلام – كان يفترض بطبيعة الأمر أن يتناول شأن الضفة الغربية. أولى بيرس التفاهمات التي تم احرازها معنا عظيما. ربما لو كانوا استمروا على هذا المسار لنضج الأمر ليصبح اتفاقا برغم انه لا يقين من ذلك. على كل حال رفض رئيس الحكومة شامير الأمر رفضا باتا وأزيل الموضوع عن جدول العمل.

الانتقاضة واتفاقات اوسلو

في كانون الأول 1987 بعد أشهر معدودة من رفض تفاهمات لندن، نشبت الانتفاضة الأولى. استمرت سنوات وكان فيها زيادة على تأثيراتها في اسرائيل والفلسطينيين ما يضائل مطمح الحسين الى العودة الى المناطق التي أصبحت ذات شعور قومي وقدرة عسكرية. كان يبدو أن الخيار الأردني الذي أضيع في ولاية رابين الأولى قد انتهى.

هكذا توصل بيرس ورابين في ولايته الثانية الى اتفاق اوسلو مع عرفات والد الارهاب الفلسطيني. عاد عرفات الذي طرد من الاردن في "ايلول الاسود" وطرد من لبنان في حرب لبنان الاولى الى مركز المنصة مع المنظمات الارهابية. وافقت اسرائيل على انشاء دولة فلسطينية. وتم التخلي عن المبدأ الاساسي الذي أيدته بعد حرب الايام الستة.

نحو المستقبل

اقتنعت دولة اسرائيل بأنها لا تستطيع الاستمرار على الوضع الذي تسيطر فيه على مئات آلاف الفلسطينيين الذين ليست لهم حقوق مواطنة، وكان كثيرون أدركوا ذلك منذ البدء.

بدا حل انشاء الدولة الفلسطينية لحينه هو الحل الأسوأ والأخطر. بقي من وجهة نظر اسرائيل بمنزلة حل صعب بيد أنه نجمت حلول أصعب منه فجأة.

تلوح في الأفق "رؤيا" الدولة الثنائية القومية وتبين أن الفلسطينيين أيضا غير متعجلين. إن الزمن الذي مر، وربما ما فعلته اسرائيل منذ الأيام الستة لم يكونا في صالحها. ربما كان الزمن في صالحهم، من وجهة نظر المطامح الفلسطينية.

تواجه اسرائيل مرة أخرى قرارا (إن عدم الفعل أو تجميد الوضع الراهن هما بمنزلة قرار أيضا). دلت التجربة منذ حرب الايام الستة على أنه عندما تواجه اسرائيل في هذا الشأن عدة إمكانات. فانها حرصت بغير شذوذ تقريبا على اختيار الامكان الأسوأ لها. يجب أن نؤمل ألا يكون هذا إشارة الى ما يأتي في المستقبل.

===========

لصوص عربات اليد

أبيرما غولان

هآرتس 24/9/2010

أتذكرون حكاية العامل السوفياتي الذي كان يخرج كل يوم مع نهاية العمل مع عربة يد، ويفتش عند الخروج ويوجد نقياً، وتبين في النهاية أنه سرق طوال السنين من المصنع جميع عربات اليد ببساطة؟

هذا بالضبط ما يفعله افيغدور ليبرمان بالمجتمع الاسرائيلي. فهو أيضا لا يضيع أية فرصة للجري مع عربة يد فارغة وليحرض على مواطني اسرائيل العرب، فما إن بدأت محادثات السلام المتلعثمة وما زال لم يحدث شيء حتى قفز مع شعار انه يجب طرد العرب غير المخلصين للدولة.

وكالمتوقع بدأ الساسة العرب يشاجرونه من الفور. نحن كنا قبله، يقولون، وهو مستوطن ومهاجر جديد، والعرب هم الذين أنفقوا على استيعاب الروس، وغير ذلك. أحرز ليبرمان غايته: فالعرب يصرحون تصريحات شديدة، واليهود في ذعر، ومحادثات السلام التي لم تعد تشغل أحداً تنسى، وليبرمان الذي كان في الماضي الهامش الحالم، يقترب خطوة أخرى الى مركز الوعي الشرعي. لكن ليس العرب هم الذين يهمون ليبرمان بل المجتمع اليهودي الذي يريد تغييره من الأساس. لنفرض أننا نمضي معه حتى النهاية فنرمي بحنين الزعبي الى غزة، ونرسل محمد بركة وأحمد طيبي الى ليبيا او السعودية، ليفهموا بمرة واحدة والى الأبد ما هي حرية التعبير، ونبقي في اسرائيل فقط العرب الذين يقفون صمتاً في يوم الذكرى وينشدون نشيد "الأمل" بأعلى صوت ويحدثون الجميع عن المعجزة التي حدثت لهم في 1948.

ستنشأ عندنا آخر الأمر دولة يهودية كاملة طاهرة (وفي أثناء ذلك ايضا سينجح ايلي يشاي في طرد جميع الأجانب وتهود المؤسسة الدينية جميع المهاجرين من "الأممين")، ويكون من الممكن التفرغ الى الشيء الحقيقي. من أراد أن يتخيل ما الذي يجري الحديث عنه، فلينظر الى روسيا فلاديمير بوتين، وسيدرك من أين يستمد ليبرمان الهامه. قد لا يوجد العرب لكن شعار "لا مواطنة بلا ولاء" سيقوى فقط وسيعرف ليبرمان ورفاقه "الولاء" كما يعرفون "القومية" و "اليسارية".

إن العرب هم خطة ليبرمان المحكمة لصرف الانتباه، وكما هي الحال في تلك الحكاية سنستيقظ نحن ايضا ذات يوم لنرى فجأة أن مصنعنا قد سرق في وضح النهار بموافقتنا التامة وأنه فارغ تماما.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ