ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 03/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

ألبانيا وصربيا: دور جديد للأقليات القومية

المستقبل - السبت 2 تشرين الأول 2010

العدد 3788 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد م. الارناؤوط

في منتصف أيلول الحالي قام السفير الصربي في تيرانا بافتتاح أول مدرسة صربية بقرية "رث ليبوفوشا" قرب مدينة فيير بوسط ألبانيا، وذلك في إجراء يعكس التغيرات في العلاقات بين الدولتين التي كانت تتسم بالتوتر طيلة القرن العشرين، وبالتحديد منذ نهاية الحرب البلقانية 1912-1913 وحتى حرب كوسوفا 1999.

فقد ورثت الدولتان الحكم العثماني في المنطقة التي كانت تتّسم بالتداخل بين السكان الصرب والألبان والتدخل الأوروبي للقوى المتنافسة عشية الحرب العالمية الأولى، ولذلك كانت الحدود الجديدة غير مرضية ومدعاة للتوتر الدائم. وهكذا فقد أدت التسويات الإقليمية إلى تقزيم ألبانيا وتضخيم صربيا (بضم كوسوفا) مما خلق لدى ألبانيا نزعة إلى استقطاب الألبان في كوسوفا لأجل ضمهم إلى "الدولة الأم" بينما خلق في صربيا نزعة لزعزعة استقرار ألبانيا لكي لا تكون مصدر تهديد لصربيا .

وقد تفاقم هذا التوتر بعد أن أخذ بعدا ايدولوجيا قويا في النصف الثاني للقرن العشرين حين تضامن النجم الشيوعي الصاعد في ألبانيا أنور خوجا مع الزعيم السوفييتي ستالين في نقده لقائد يوغسلافيا الجديدة تيتو و ل "التيتوية" في 1948 وتحولت الحدود بين البلدين إلى خطوط ملتهبة بسبب محاولة كل طرف استخدام ما لديه لدى الطرف الآخر .

ومع أن البعد الشخصي والإيديولوجي خفّ مع وفاة تيتو وخوجا في 1981 و 1985 إلا أن تصدع يوغسلافيا وبروز الموجة القومية الصربية مع سلوبودان ميلوشيفيتش أعاد الأمور إلى الأسوأ بين الدولتين وصولا إلى حرب كوسوفا 1999 التي قزّمت صربيا هذه المرة.

وبالمقارنة مع الدور الأوروبي السلبي في 1912-1913 ، حين كانت أوربا منقسمة إلى معسكرين متنافسين ومستعدين لخوض حرب شاملة ، فقد كان الدور الأوروبي مختلفا هذه المرة مع قيام الاتحاد الأوروبي وتوسعه ليشمل الدول المحيطة بألبانيا وصربيا (اليونان و بلغاريا و سلوفينيا ). فقد أصبح الاتحاد الأوروبي جاذبا قويا للدولتين بعد أن وصل للحكم فيهما الديموقراطيون ("الحزب الديموقراطي" الذي فاز في انتخابات 2005 في ألبانيا و "الحزب الديموقراطي" الذي فاز في انتخابات 2007 في صربيا) ، حيث أن الدولتين قدمتا طلبهما للانضمام إلى الاتحاد في 2009 ، وهو ما يرتب عليهما الأخذ بمعايير الاتحاد في أمور كثيرة ومنها احترام حقوق الأقليات.

ومع أن الأقلية الصربية في ألبانيا لا تتعدى الآلاف من أصل أربعة ملايين ألباني إلا أن الاحتفال الذي جرى بهذه المناسبة عبّر عن هذه الروح الجديدة للانتماء إلى الاتحاد الأوروبي. فقد صرّح السفير الصربي في تيرانا الذي شارك بهذه المناسبة بالقول إن "اندماج ألبانيا (في الاتحاد الأوروبي) يفترض فتح مدارس للأقليات". وكان السفير قد تحمس وقام بإلقاء الدرس الأول في المدرسة عن الأبجدية الصربية، وحين بدأ بالحرف الأول في الأبجدية (أ) أخذ مثالا لنطقه كلمة "ألبانيا".

وفي المقابل سؤل السفير عن مدى احترام صربيا لحقوق الأقلية الألبانية فيها ، التي تبلغ حوالى مئة ألف من أصل ثمانية ملايين نسمة ، فقال أن صربيا تحترم حاجات الأقلية الألبانية واستشهد بزيارة نائب رئيس الوزراء الألباني ايلير ميتا الذي زار صربيا مؤخرا، حيث تجول في مناطق تمركز هذه الأقلية وتأكد من ذلك بنفسه .

ان هذا التطور في العلاقات بين ألبانيا وصربيا يؤكد من ناحية على نجاح الاتحاد الأوروبي في امتصاص أهم بؤرة للتوتر في غرب البلقان ، التي كانت مستعرة طيلة القرن العشرين ، حيث أن استعداد الدولتين للانضمام إلى الاتحاد يرتبط بإقرارهما لمعايير الاتحاد ومنها منح الأقليات القومية حقوقها الثقافية بما يسمح لها بالتعبير عن نفسها ورعاية ثقافتها الخاصة. ومن ناحية أخرى يؤكد هذا التطور على ما كان يقال في البلقان طيلة القرن العشرين عن الدور المزدوج للأقليات، حيث إنها كانت توظف سابقا ضمن سيناريوهات "الحرب الباردة " (سواء بين الشرق والغرب أو بين الشرق الستاليني والشرق التيتوي) بينما الآن تخدم التواصل عبر الحدود و تعزيز العلاقات بين الدول المجاورة.

وربما يذكّر بهذا تعامل الدول المعنية بالأقليات الكردية في دول الشرق الأوسط خلال القرن العشرين و ما انتهى إليه الأمر الآن، وهو ما يحتاج إلى مقالة أخرى.

==================== 

أميركا وأسلوب التواصل الجماعي عبر الأمم المتحدة

بي جي كراولي

الشرق الاوسط

2-10-2010

أوضحت أحداث اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسلوب المغاير الذي سلكته إدارة الرئيس أوباما في الأمم المتحدة، والإنجازات التي تحققت من جراء هذا الأسلوب.

إن عالمنا اليوم مليء بتحديات دولية كثيرة ومعقدة. وتحت قيادة الرئيس أوباما اخترنا أن نتعامل معها عبر بناء قواعد قوية للتعاون الدولي. ونحن نعمل مع الدول الأخرى لحل المشكلات في الأمم المتحدة، وبذلك نعزز الحلول الجماعية للأزمات الدولية، وفي الوقت نفسه نعزز مصالح الأمن القومي للشعب الأميركي.

وكان من ضمن نتائج هذا التوجه تطبيق أشد العقوبات على إيران وكوريا الشمالية، والجهد المشترك مع شركائنا في اللجنة الرباعية لإيجاد حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي، واستعادة قوة الدفع ضد انتشار الأسلحة والمواد النووية، وتنسيق الجهد الدولي لمساعدة هايتي لإعادة الإعمار، وتأسيس مبادئ معترف بها دوليا لمعالجة مشكلة انعدام الأمن الغذائي، والمشاركة الأميركية المباشرة في جهود إصلاح الخلل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

لقد بلور الرئيس أوباما نظرة واضحة لعالم خال من السلاح النووي، مع أسلوب عملي لتحقيق هذا الهدف. وتحقق الكثير من الأهداف المهمة لهذه الإدارة عبر الأمم المتحدة.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) عام 2009، ترأس الرئيس أوباما قمة تاريخية حول حظر الانتشار النووي والتسلح، أدت إلى الموافقة بالإجماع على قرار مجلس الأمن رقم 1887 الذي أعدته الولايات المتحدة لتأكيد الالتزام الدولي بنظام حظر الانتشار العالمي المبني على اتفاقية الحد من الانتشار النووي. ووفقا لهذا القرار تتمتع كل الدول بحقوق ومسؤوليات، مع الإشارة إلى ضرورة التزام كل الدول بمواثيقها. وفي مواجهة مخالفة إيران لتعهداتها وفق الاتفاقية، صوت مجلس الأمن بقيادة الولايات المتحدة بالأغلبية الساحقة لفرض عقوبات على إيران لفشلها المستمر في الالتزام بتعهداتها. وفرض القرار 1929 أشد عقوبات شهدتها الحكومة الإيرانية، وبعث رسالة لا يمكن إساءة فهمها بأن المجتمع الدولي مصمم على وقف انتشار السلاح النووي.

وفي رد على اختبارات كوريا الشمالية لسلاح نووي، حصلت الولايات المتحدة على إجماع لتبني قرار عقوبات رقم 1874 من مجلس الأمن على كوريا الشمالية شمل جوانب مالية وتجارية. وسوف يستمر الضغط الأميركي باتجاه تطبيق العقوبات حتى يتحقق التقدم في خفض التسلح النووي الذي يمكن إثباته.وفي مايو (أيار) 2010 في مؤتمر مراجعة اتفاقية حظر الانتشار النووي 2010، تبنت 189 دولة من أعضاء الاتفاقية طريقا عمليا نحو تحقيق رؤية الرئيس أوباما للسلام والأمن العالميين، لعالم خال من الأسلحة النووية. وتضمنت الوثيقة تشديد عمليات التفتيش والالتزام والاعتراف باتفاقية «ستارت» الجديدة، والحاجة إلى خفض جذري للأسلحة النووية.

وأسفر المؤتمر عن نتائج واضحة تقوي الدعائم الثلاث للاتفاقية، وهي حظر الانتشار ونزع التسلح والاستخدام السلمي للطاقة النووية. وهذا الإنجاز الكبير يثبت صواب جهود الولايات المتحدة لوقف انتشار الأسلحة النووية مع السعي نحو السلام والأمن لعالم خال منها.

من الإنجازات الأخرى التي تحققت تحسين فاعلية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عقب مؤتمر استضافه الرئيس أوباما في سبتمبر عام 2009، واجتمع فيه مع قادة الدول المشاركة في قوات حفظ السلام. وعكس هذا اهتمام الولايات المتحدة بالمشاركة في عبء حماية المدنيين واتفاقات السلام الهشة لمجتمعات خارجة لتوها من حروب.

وفي هايتي، بعد الزلزال المدمر الذي أودى بحياة مائة من موظفي الأمم المتحدة، أسهمت الولايات المتحدة بالعمل الوثيق مع الأمم المتحدة لمساعدة حكومة هايتي في نشر الأمن وتوصيل الدعم الإنساني لشعب هايتي. كما عقدت الولايات المتحدة مؤتمرا في شهر مارس (آذار) الماضي استضافت فيه الدول المانحة لنجدة هايتي، ورصدت الولايات المتحدة 1.1 مليار دولار لبرنامج إعمار طويل الأجل في هايتي.

وفي السودان، بعد توجيه الاتهام من محكمة الجنايات الدولية لرئيسه، والرد بطرد أعضاء منظمات الإغاثة، ضغطت الولايات المتحدة من أجل إعادة موظفي الإغاثة وعارضت تأجيل قرار الاتهام. وساندت الولايات المتحدة بحذر التطبيق الفعال لحفظ السلام في جنوب السودان ودارفور، كما شجعت التعاون بين قوات حفظ السلام في المنطقتين، ضمن توجه شامل من إدارة الرئيس أوباما نحو السودان. وتستمر الولايات المتحدة في العمل مع كبار المسؤولين في الأمم المتحدة لتحسين الوضع الإنساني على أرض الواقع، والتأكد من أن ممثلي الأمم المتحدة سوف يدعمون الاستفتاء القادم. وقد حضر الرئيس أوباما اجتماعا رفيع المستوى حول السودان استضافه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وذلك من أجل جذب الانتباه والتركيز على الجهود لدعم الاستفتاء الذي يعكس إرادة الشعب السوداني. وأسهمت الولايات المتحدة في تبني القرار رقم 1888 بالإجماع حول النساء والسلام والأمن، والذي يدين العنف الجنسي ضد النساء أثناء الحروب، ودعت كل الأطراف لإنهاء أعمال الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء خلال النزاعات المسلحة. وهذه المبادرة تقوي الرد الدولي على العنف الجنسي في الصراعات، خاصة بعد تعيين ممثل خاص يتبع الأمم المتحدة.

وفي الصومال، أسهمت الولايات المتحدة في جمع الدعم الدولي لحكومة انتقالية، ولمهام قوة الاتحاد الأفريقي هناك. وأسهمت كذلك في دعم تمويل قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام لكي تبقى في الصومال. وكانت الولايات المتحدة هي أكبر داعم دولي بالمساعدات الإنسانية للصومال، بمساعدات قيمتها 150 مليون دولار في العام المالي 2009. كما قادت الولايات المتحدة جهود تجديد سلطة قوات الأمم المتحدة لمكافحة القرصنة على سواحل الصومال.

بالإضافة إلى ذلك، شاركت الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان على الرغم من بعض الخلل فيه، وهي تعمل الآن لإصلاحه من الداخل حتى يركز على انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم. وعلى سبيل المثال شاركت الولايات المتحدة في تبني قرار أدى إلى تأسيس منصب مقرر خاص من الأمم المتحدة للإشراف على حقوق التجمعات والجمعيات. وهذا المنصب الجديد سوف يوضح المخاطر التي تواجه هذه الحقوق وتواجه المجتمع المدني.

ومن القضايا الأخرى التي شغلت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة وبذلت فيها جهودا قيادية قضايا رفع شأن النساء داخل أروقة الأمم المتحدة، والالتزام بسداد كل مستحقات الولايات المتحدة للأمم المتحدة عن السنوات الماضية، وأخيرا وليس آخرا جهود إصلاح الأمم المتحدة من حيث زيادة كفاءتها وتحسين نظم المحاسبة فيها. وكل هذه المنجزات والأنشطة تشير إلى التزام الولايات المتحدة التام بتقوية الأمم المتحدة والعمل في شراكة مع المجتمع الدولي لبناء عالم أفضل تتاح فيه الفرص والحرية والعدالة للجميع.

* مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون العامة

====================

السلام... أحلام عربية وخيبة أمل أميركية!

السبت, 02 أكتوبر 2010

عيد بن مسعود الجهني*

الحياة

قبل عقد مؤتمر أوسلو أعلن قادة اسرائيل أن الطريق الى السلام هو المفاوضات المباشرة. كان هذا في عهد الحرب الباردة في الثمانينات عندما كان هناك توازن قوى، لكن قادة اسرائيل آنذاك مثل شامير وبيريز وضعوا العراقيل في وجه عقد مؤتمر دولي للسلام واستطاعوا ان ينالوا تأييد الإدارة الأميركية، وبقي الحال على ما هو عليه حتى انطلقت سفينة الحوار من أجل السلام من أوسلو في أوائل التسعينات من القرن المنصرم برعاية أميركية مئة في المئة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق!

واليوم وبعد مرور وقت طويل على القاطرة التي انطلقت من أوسلو وما تبعها من مبادرات ومنها مدريد وخريطة الطريق واللجنة الرباعية والمفاوضات غير المباشرة والمباشرة التي بدأت حديثاً نجد أن النتيجة (صفر) فعلى رغم بلوغ انطلاق المفاوضات سن الرشد (أكثر من 18 سنة) الا انها معاقة من أصحاب الاحتياجات الخاصة وستبقى كذلك ما دامت ماما اميركا تعتبر اسرائيل الولاية الواحدة والخمسين وتؤيد في شكل صارخ الممارسات الاستعمارية الاستيطانية التي تقوم بها في الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمها القدس الشريف. ومن يقرأ تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي منذ نشأة اسرائيل على ارض العرب عام 1948 مروراً بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحربها على العرب عام 1967 ثم حروبها على لبنان عام 1982، 1996، 2006، ومجزرة غزة عام 2008، وقبلها مجازر صبرا وشاتيلا وجنين وقانا وجرائمها ضد القدس الشريف والمستوطنات التي حولت ارض فلسطين والقدس الى كانتونات يدرك ان السلام مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء فإذا جاءه لم يجده شيئاً.

هذه هي حال السلام مع كيان عنصري ارهابي استيطاني يرفض السلام والصلح ويخاطبه العالم بصوت رخو يكاد يكون غزلاً، فها هي اللجنة الرباعية تناشد اسرائيل تجميد الاستيطان توسلاً وتضرعاً وقد جاءها الرد بالصوت العالي من نتانياهو وزمرته (لا) ثم (لا) كما فشلت رحلة الموفد الاميركي ميتشل فشلاً ذريعاً، بل ان الادارة الأميركية أعلنت خيبة أملها قبل مغادرته الى الشرق الأوسط، بينما الجانب العربي يؤكد انه لا بد من تجميد عملية الاستيطان في الضفة الغربية شرطاً لمسيرة السلام. ومن الواضح ان هذا لن يحدث بل ان العنصري وزير الخارجية ليبرمان يذهب الى ابعد من ذلك فطالب حكومته بترحيل الفلسطينيين المقيمين في اسرائيل الى الأراضي الفلسطينية، وهم أصحاب الأرض الأصليون، معلناً ان دولته يجب ان تكون يهودية، بينما يطالب رئيسه العنصري السلطة الفلسطينية بضرورة اعترافها بيهودية اسرائيل.

بيت القصيد والذي يجب ان يفهمه العرب ان الدولة العبرية ترفض السلام شكلاً وموضوعاً، فقد أكدت بادئ الأمر ان طريق السلام هو اعتراف السلطة الفلسطينية بوجودها وحصدت ما أرادت وعلى مدى حوالى العقدين لم يحدث سلام ولا من يحزنون، واليوم عاد العرب إلى المربع الأول إلى نقطة الصفر، ليطلب نتانياهو الاعتراف بيهودية دولته العنصرية، ولن تنتهي مطالبات اسرائيل العربَ بتقديم التنازلات الواحد تلو الآخر، هذا لأن القوة هي التي تفرض السلام واسرائيل تملكها وتملك دعم الادارات الأميركية المتعاقبة، وقد أجهضت الولايات المتحدة بالفيتو اللعين كل قرارات مجلس الأمن الذي تسيطر عليه والتي تدعو اسرائيل الى الانسحاب من أراضي العرب المحتلة وفي مقدمها القدس، ومن تلك القرارات القرار الشهير رقم 242 الصادر بتاريخ 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 والقرارات الكثيرة التي جاءت بعد حرب 1967 وفي مقدمها القرار 252 الصادر بتاريخ 21 ايار (مايو) 1968 في شأن القدس.

المهم ان منذ صدور تلك القرارات وغيرها أصبح مكانها (مزبلة) التاريخ فلم يتغير شيء على أرض الواقع، فالاحتلال الذي ترتب على العدوان بقي كما هو بسبب الصلف الإسرائيلي والدعم الأميركي وعدم التفات الدولتين الى قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والرأي العام العالمي بل والاستهانة بالمجتمع الدولي بضم القدس الشريف ومرتفعات الجولان الى السيادة الإسرائيلية، بل ان الوضع أصبح اليوم أسوأ بكثير بالنسبة الى العرب وأرضهم مما كان عليه في عام 1948 فإسرائيل ابتلعت ارض فلسطين وحولتها الى كانتونات وأقامت الجدار العازل ليقطع أوصال الأراضي الفلسطينية.

واذا كان السيد اوباما بنياته الحسنة التي أعلنها سابقاً في خطابه الشهير من جامعة القاهرة واعلانه أخيراً من على منبر الأمم المتحدة أنه يريد صنع سلام واقامة دولة فلسطينية خلال عام، فإن الرجل يكرر ما قاله سلفه بوش الابن الذي أعلن على الملأ ان إقامة الدولة الفلسطينية والسلام قادمان في عهده، ورحل الرجل عن البيت الأبيض غير مأسوف عليه وبقيت كلماته لا تسمن ولا تغني من جوع لكن بعض العرب يومها صدقوه وصفقوا له وبحّت حناجرهم بالثناء عليه وهكذا صدقوا من لا يصدق، وأظنهم لو جاءهم مسيلمة لصدقوه، وما سرعة تصديقهم كلَّ ناعق الا هروب من مواجهة الحقيقة وخداع لأنفسهم.

اليوم بتكرار المشهد في عهد السيد اوباما والسيدة كلينتون سيبقى المسرح مفتوحاً على مصراعيه، والعرب يبنون أمانيهم على هذا الرئيس ثم ذاك وعلى هذا الحزب ثم الآخر في الولايات المتحدة كما كانوا ولا يزالون ينشدون السلام في عهد حزب العمل الإسرائيلي والليكود حتى اليوم، وعلى العرب ان يدركوا قبل فوات الأوان ان أميركا مع اسرائيل قلباً وقالباً وان استبدال رئيس برئيس لن يغير من الأمر شيئاً، فالقرار في أميركا ليس قرار الرئيس وحده، فالرؤساء في أميركا مؤيدون لإسرائيل على طول الخط وضد المصالح العربية على طول الخط، فإن لم يكن بهواهم ورغبتهم فبالضغط الذي يتعرضون له وخوفاً على مستقبلهم السياسي. وهكذا فإن قادة اسرائيل وقادة الولايات المتحدة هم وجهان لعملة واحدة أهدافهم متطابقة ووسائلهم للوصول الى تلك الأهداف متشابهة واذا لم يدرك العرب هذه الحقائق فعلى فلسطين السلام.

ان هذا الظلم مصدره الحقيقي قوة اسرائيل المدعومة أميركياً سياسياً وعسكرياً ومن الدعم العسكري التي قدمته أميركا لإسرائيل أخيراً طائرات «أف 35» ودرع صاروخية (حديدية) ناهيك عن رؤوس نووية تمتلكها اسرائيل زادت عن 200 رأس نووي لتصبح متقدمة على بريطانيا العظمى في القوة النووية، مدعومة بترسانة بيولوجية وكيماوية وأسلحة تقليدية متطورة جدا تفوق ما تملكه دولنا العربية من أسلحة تقليدية. هذه القوة الاسرائيلية الضاربة هي التي فعلت فعلتها لتجعل اسرائيل تغض الطرف عن السلام، فكيف لدولة تملك القوة ان تفاوض من هو اضعف منها بكثير لتقدم له ما يريد فهي ترى انها هي التي تملك قرار السلام وقرار الحرب.

ان العرب أعلنوا في ما سلف من الزمن ان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وهم انفسهم الذين أصدروا لاءاتهم الشهيرة في مؤتمر الخرطوم عام 1967، وهم الذين صرخوا بقذف اسرائيل في البحر، وقال بعضهم «اللي مش عاجبه يشرب من البحر»، وهم الذين يتسولون السلام من اسرائيل اليوم. ان كل هذا الانكسار المعنوي انما مصدره الشعور بالضعف وقلة الحيلة، وسبب ذلك كله عدم امتلاك سلاح القوة ولذلك على العرب ان يدركوا ان (القوة) هي التي تفرض السلام وعلى الجانب الآخر والأكثر مرارة ان القادة الفلسطينيين ل «حماس» و «فتح» يتصارعون على سلطة وهمية فركب احدهم قطاراً اتجه به الى الشمال والآخر امتطى قطاراً وجهته الى الجنوب، وفي وسط تفكك القادة الفلسطينيين والعرب وتشرذمهم وتمزقهم وضعفهم فإنهم لن ينالوا سلاماً ولا عدلاً، فهم يحرثون في البحر ويحصدون السراب.

====================

6 دول عربية مرشحة للانفجار!

السبت, 02 أكتوبر 2010

سليم نصار *

الحياة

كانت الدول العربية تتوقع حصول مفاجآت على هامش اجتماعات الدورة السنوية للأمم المتحدة التي حضرها الرئيس الأميركي باراك اوباما. كما كانت تتوقع حدوث تقدم ملحوظ على الجبهات الساخنة المرشحة للانفجار والتفكك والانفصال مثل: جبهة السودان واليمن والصومال والعراق. ولكن النتائج العملية خيبت آمال المراهنين على ضبط التمدد الايراني، وتليين الموقف السوري وايجاد صيغة مقبولة لحل عقدة الاستيطان.

وبما ان القضية الفلسطينية تشكل الرحم السياسي الذي ولدت منه قضايا المنطقة، فان استحضارها يتطلب مراجعة سريعة لمَواطن الخلل في المفاوضات المباشرة. وتقضي هذه المراجعة بضرورة كشف الحقائق عن اهداف «حزب العمل» الاسرائيلي بعد حرب 1967. فقد قابل فكرة اقامة دولة فلسطينية مستقلة بمشروع بناء مستوطنات في الضفة الغربية تكون بمثابة عائق جغرافي لوحدة الدولة المرتقبة. وبما ان تغيير الواقع الديموغرافي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، سيخلق حقائق جديدة على الأرض، فإن المفاوضات الآن تتجه نحو الانهيار والفشل.

لماذا؟

لأن من دون تجميد مشروع الاستيطان يستحيل انشاء دولة فلسطينية متماسكة الأطراف، متكاملة الأجزاء، قابلة للحياة والاستمرار. ومن اجل انقاذ المفاوضات، اقترح الجانب الفلسطيني تمديد فترة تجميد الاستيطان ثلاثة اشهر اضافية، لعل الظروف الإقليمية المقبلة تساعد على تعبيد طريق التسوية.

مقابل تنفيذ هذا التعهد، طالب نتانياهو بثمن سياسي، اقله الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود. ورد الرئيس محمود عباس على هذا المطلب بالتذكير بأن الاعتراف المتبادل عام 1993 أقر بوجود دولة اسرائيل.

ولكن الإصرار على تعديل صيغة الاعتراف السابق، يهدف الى الغاء قرار حق العودة وتعويض اللاجئين بعد حرب 1948. كما يسلحها بالحجة لطرد السكان العرب الموجودين داخل اسرائيل (فلسطين سابقاً) منذ مئات السنين.

في مواجهة منافسه افيغدور ليبرمان الذي يحرض المستوطنين على التمرد والعصيان، اقترح نتانياهو مقابل التجميد، توقيع تعهد خطي يقدمه محمود عباس، وتلتزم الإدارة الأميركية بالإشراف على تنفيذه. ويقول التعهد، إن في حال فشل الفريقين في تحقيق تقدم سياسي من طريق المفاوضات المباشرة قبل 26 كانون الاول (ديسمبر) يتوقف رئيس السلطة الفلسطينية عن المطالبة بإحياء اتفاق السلام. ويستدل من هذا الشرط على ان نتانياهو يرمي الى تحميل الفريق الفلسطيني مسؤولية الفشل، مع الإصرار على ان تكون هذه الجولة آخر جولات اختبار النيات.

ويبدو أن الرئيس اوباما قد تنبه الى خطورة التورط في تعهد من هذا النوع قد يضعف شعبيته قبل انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). لذلك استنجد بالاتحاد الأوروبي لعله يساعده في إنقاذ المفاوضات قبل انفجار الانتفاضة الثالثة. لهذا السبب وصلت الى المنطقة كاثرين آشتون، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي، على امل ان تنجح في إحداث اختراق في جدار التسوية بالتعاون مع المبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل.

الأزمة الثانية المرشحة لاستنزاف الجامعة العربية، هي ازمة السودان وما ينتج عنها من مضاعفات خطيرة تؤثر في وضع مصر والدول الافريقية المجاورة. وقد اشار الرئيس الاميركي اوباما الى اهمية الالتزام بموعد استفتاء تقرير المصير المقرر في التاسع من شهر كانون الثاني (يناير) المقبل. ولما اجتمع في الامم المتحدة مع علي عثمان طه، نائب الرئيس السوداني، وسالفا كير، النائب الثاني، ادرك عمق الهوة السياسية التي تفصل الشمال عن الجنوب. لذلك حذر من مخاطر العودة الى خيار الحرب، مطالباً الفريقين بضرورة الامتثال الى اتفاق السلام الشامل.

وقال الرئيس الاميركي ايضاً: ان ما يحصل في السودان يهم كل افريقيا كونها تمثل حجر الأساس في «دومينو» هذه القارة الغنية. وكان بهذا الكلام يشير الى المزاحمة الشرسة بين بلاده والصين على استغلال محافظة «ابيي» الغنية بالنفط والمياه والثروات الطبيعية المتنازع عليها بين الشمال والجنوب.

وتلاه علي عثمان طه، مؤكداً ان حكومة الشمال ستوافق على نتائج الاستفتاء حتى لو اختار اهل الجنوب تقسيم البلاد. ورد عليه سالفا كير، مطمئناً بأن الجنوب يسعى لإقامة افضل العلاقات مع الشمال باعتباره الدولة الملاصقة والجارة الطبيعية.

وهكذا كشف حوار نائبي الرئيس السوداني امام امين عام الامم المتحدة والرئيس اوباما، عن إصرارهما على استباق النتائج بالإعلان عن خيار التقسيم وكأنه تحصيل حاصل.

السلك الديبلوماسي العربي في الخرطوم يحذر من احتمال اندلاع حرب ثانية في حال قرر اهل الجنوب الانفصال عن الشمال الفقير. وربما يضطر الرئيس عمر البشير الى اعادة الوحدة ولو بقوة السلاح. مع العلم أن الشعب السوداني دفع ثمناً غالياً في حرب الشمال والجنوب، حيث قتل منه اكثر من مليون نسمة، وشرد الملايين.

وتحاشياً لتكرار الحرب المدمرة، قدم زعيم «حزب الامة» المعارض الصادق المهدي، مشروع حل يمكن ان يتبناه الرئيس البشير، وتدعمه الامم المتحدة والجامعة العربية. وينص المشروع على اهمية معالجة ملف دارفور بعد مرور اكثر من سبع سنوات على النزاع. وفي رأيه ان المعالجة الصحيحة تؤسس لكونفيديرالية او لسوق مشتركة تجمع شمال البلاد بجنوبه، بدلاً من الاستسلام لخيار الانفصال البغيض. والبديل، كما يتصوره الصادق المهدي، هو الاحتراب واغراق السودان بمواجهات مدمرة يمكن ان تستقطب كل الحلفاء الاجانب. عندئذ قد يتحول السودان الى كونغو اخرى، اي الى ساحة مشرعة للنزاعات الطويلة.

العواصم الكبرى ترشح الصومال لخوض حرب طويلة، ما دامت «القاعدة» تؤمن السلاح للمتمردين «الشباب» الذين يقاتلون القوات الحكومية وقوة الاتحاد الافريقي. ويسيطر الاسلاميون في حركة «الشباب» على القسم الاكبر من وسط جنوب الصومال، حيث يشنون باستمرار هجمات ضد قوات الحكومة الانتقالية وجنود الاتحاد الافريقي. والثابت ان القوات النظامية فقدت سيطرتها على الكثير من احياء مقديشو. ومع ان الاتحاد الافريقي ارسل اكثر من ستة الآف جندي من اوغندا وبوروندي، الا ان المتمردين نجحوا اكثر من مرة في الوصول الى قصر الرئاسة. وفي آخر هجوم قاموا به نهاية شهر آب (اغسطس) الماضي، قتلوا اكثر من 35 شخصاً في احد الفنادق، كان بينهم سبعة نواب. ثم اندفعوا بقوة نحو قصر الرئاسة، الامر الذي اضطر القوات الحكومية الى استخدام الدبابات لصدهم.

وتزعم قيادة «القاعدة» انها في صدد شن هجوم واسع قبل نهاية السنة، بهدف السيطرة على العاصمة مقديشو والانطلاق منها للاستيلاء على كل شواطئ القرن الافريقي. وهي تضغط لتقسيم اليمن بواسطة الحوثيين والجنوبيين، بهدف اقامة مظلة دفاعية لمراقبة سير الملاحة في باب المندب.

وفي تطور ملحوظ أنشأت «القاعدة» منذ اربعة اشهر فرقة انتحارية تدعى «حركة الصومال المتمردة خارج البلاد». ويقتصر نشاطها على تنفيذ عمليات داخل كمبالا عاصمة اوغندا، بحيث تضطر حكومة اوغندا الى سحب قواتها من الصومال. وتشكل هذه القوة تسعين في المئة من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي وقوامها 6300 جندي.

وزير التنمية الدولية البريطاني حذر من مخاطر جسيمة في حال انهيار الدولة المركزية في اليمن، وقال ان مخاطر كبرى تنتظر المنطقة اذا ما انتصر تيار الانفصال بدعم من الحراك الجنوبي. وقد اثار هذا التحذير اهتمام دول الاتحاد الاوروبي التي رأت في هجمات «القاعدة» اعداداً لانقلاب شبيه بالانقلاب الذي شجعه عبدالناصر مطلع الستينات. يومها رأت الولايات المتحدة في ذلك الانقلاب التفافاً على منطقة النفط، وترويعاً لكل الدول المستهلكة.

والثابت ان تنظيم «القاعدة» باشر ضغوطه العسكرية داخل محافظتي عدن الجنوبية ومأرب الشرقية، بهدف احراج صنعاء وجرها الى محاربة «الجيش الاسلامي» في عدن، وهو الجيش السري المتهم بالوقوف وراء عمليات عنف، بينها اختطاف سياح واغتيال ضباط امن.

ويقول المراسلون في اليمن ان «القاعدة» اعتمدت تكتيكاً جديداً عبر الرسائل التي توجهها الى المواطنين من خلال خطب المساجد والمنشورات. وتشير هذه الخطب الى الاوضاع البائسة التي يعاني منها المواطنون، في حين تنعم السلطة الحاكمة بالثراء ومصادقة الاميركيين «الكفار». كما تشير ايضاً الى حالات القمع الاجنبي الذي يعانيه الناس في فلسطين والعراق وافغانستان.

من بين الدول العربية الاخرى المرشحة للتشرذم والانقسام، يشكل لبنان والعراق موقعين خصبين للانفجار، مع العلم ان الحرب اللبنانية التي اندلعت عام 1975 لا تزال ساكنة في النفوس والعقول. ومعنى هذا ان اتفاق الطائف واتفاق الدوحة، لم يولدا اكثر من هدنة طويلة استمرت نحو ثلاثين سنة، وانما بإيقاع متقطع لم يعرف خلاله المواطنون سوى الكدر والاغتيالات والمآتم والشعور بعدم الاستقرار. لهذا يتوقع السياسيون انتهاء الهدنة بإعلان حرب حاسمة تجذب الى اتونها كل المستفيدين من تجارة الحروب.

اما بالنسبة الى ازمة العراق المستعصية، فإن القوى المتآمرة ترى في هذا البلد ساحة مشرعة لإغراق ايران وسورية في مستنقع حرب مقاومة نفوذ الجارتين. خصوصاً ان نوري المالكي سيكون موزع الولاء بين انتمائه لحزب «الدعوة» الايراني الميول، والتزامه الحفاظ على الشرعية الوطنية بعد انسحاب القوات الاميركية آخر السنة المقبلة!

====================

التضامن في عصر التعددية

آخر تحديث:السبت ,02/10/2010

تشارلز تيلور

الخليج

إن التضامن شرط أساسي لابد من توفره في المجتمعات الديمقراطية، وإلا فإنها تنهار لا محالة . فهي تعجز عن العمل في غياب مستوى معين من الثقة المتبادلة أو في ظل شعور بعض أعضاء المجتمع بأن أعضاءه الآخرين قد تخلوا عنهم .

 

وينظر العديد من الناس إلى تنمية الإمكانات الفردية بوصفها أعظم تهديد ممكن للتضامن في أيامنا هذه . ولكن هذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتضاؤل الحس بالهوية المشتركة .

 

وليس من قبيل المصادفة على سبيل المثال أن يتم تأسيس دولة الرفاهية الأكثر نجاحاً في أوروبا في المنطقة الاسكندنافية المتجانسة عرقياً . فالناس في بلدان هذه المنطقة يتمتعون بحس القدرة على فهم جيرانهم وأبناء أوطانهم، وأنهم يشتركون معهم في رابطة وثيقة .

 

ويتمثل التحدي اليوم في الحفاظ على ذلك الشعور بالتضامن الشديد في خضم التنوع السكاني . وهناك وسيلتان لتحقيق هذه الغاية . الأولى تتلخص في العودة إلى أنماط التضامن القديمة، فالهوية الفرنسية على سبيل المثال تقوم على السمة الفريدة من نوعها التي تتمتع بها البلاد، ألا وهي العلمانية الجمهورية، ولكن الجهود الفرنسية الرامية إلى تعزيز التضامن من خلال الإصرار على العلمانية الجمهورية وإقامة سد ضد المهاجرين المسلمين غير فعّالة وهدّامة، وذلك لأنها تستبعد من حس الانتماء الكامل للدولة العديد من الناس المنتمين بوجدانهم إلى فرنسا بالفعل .

 

والوسيلة الأخرى للحفاظ على التضامن تتلخص في إعادة تعريف الهوية . إن كل المجتمعات الديمقراطية اليوم تواجه تحدياً متمثلاً في إعادة تعريف هوياتها في الحوار مع بعض العناصر الخارجية، وبعض العناصر الداخلية . ولنتأمل هنا التأثير الذي خلفته الحركات النسائية في الغرب بمختلف أنحائه، فهؤلاء ليسوا أناساً قادمين من خارج بلدانهم، بل إنهم أناس كانوا يفتقرون على نحو ما إلى حق المواطنة الكاملة، ولكنهم طالبوا بها، ونجحوا في إعادة تعريف النظام السياسي بالحصول على ذلك الحق .

 

واليوم تتلخص المهمة الكبرى في تهدئة المخاوف من احتمالات تقوض التقاليد الغربية، والوصول إلى الناس الذين يأتون إلى بلداننا من دول أخرى، وإيجاد الطريقة اللازمة لإعادة صياغة أخلاقياتنا السياسية حول نواة حقوق الإنسان، والمساواة، وعدم التمييز، والديمقراطية . وإذا نجحنا في هذه المهام فسوف يكون بوسعنا أن نخلق الشعور بالانتماء المشترك، حتى على الرغم من أن الأسباب التي تدفعنا إلى الاعتقاد بذلك قد تكون مختلفة .

 

ولكن تعاظم النزعة الفردية أو التركيز على طموحات المرء الشخصية ورخائه الاقتصادي في العديد من البلدان يشكل عقبة منيعة تحول دون تحقيق هذه الرؤية . والواقع أن الغياب الكامل لحس التضامن بين العديد من الناس وهو ما يتجلى على نحو مروع في النقاش الدائر في الولايات المتحدة حول مسألة الرعاية الصحية يعمل الآن على تقويض الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الديمقراطي الحديث .

 

إن شعور أي مجتمع بالتضامن من غير الممكن أن يدوم إلا إذا عملت كافة مجموعاته الروحية المختلفة على إعادة صياغة شعورها بالإخلاص لقضية التضامن، أي إذا نظر إليه المسيحيون باعتباره مركزاً لمسيحيتهم، وإذا نظر إليه المسلمون بوصفه محوراً لإسلامهم، وإذا نظرت إليه مختلف الفلسفات العلمانية باعتباره مركزاً لها .

 

إن الأديان توفر قاعدة قوية وعميقة للتضامن، وتهميش الأديان خطأ فادح، تماماً كما قد يشكل تهميش الفلسفات غير الدينية خطأً كبيراً . إن المجتمعات الديمقراطية، في تنوعها الهائل، تستمد القوة من محركات عديدة مختلفة تشترك جميعها في الالتزام بأخلاقيات مشتركة، ولا تملك هذه المجتمعات إيقاف أي من هذه المحركات ثم تأمل في الحفاظ على المجتمع السياسي .

 

وتاريخياً، كانت الأخلاقيات السياسية للمجتمعات الطائفية متأصلة في قاعدة أساسية منفردة . ففي أوروبا، حاولت أنواع مختلفة من المجتمعات الجمهورية العلمانية إعادة صياغة نفسها للخروج من تحت أنقاض المؤسسة المسيحية، ولكنها ارتكبت الخطأ نفسه بصورة أخرى، بالإصرار المتعنت على الديانة المدنية للتنوير .

 

حسناً، لم يعد بوسعنا الآن أن نعتنق ديانة مدنية ليست قائمة على الرب، ولا على الجمهورية العلمانية وحقوق الإنسان، وليس على أي وجهة نظر بعينها . إننا نعيش اليوم في منطقة مجهولة لم تستكشف بعد . ونحن نواجه تحدياً لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية ويتمثل في تكوين أخلاقيات سياسية قوية تستند إلى التضامن الواعي القائم على وجود وتقبل وجهات نظر مختلفة تماماً عن وجهات نظرنا .

 

ولن ننجح في تحقيق هذه الغاية إلا بالدخول في حالة من التبادل النشط في ما بيننا من أجل بناء ذلك النوع من الاحترام المتبادل لوجهات النظر المختلفة . والواقع أن القوة المتصاعدة للخوف المَرَضي من الإسلام في أوروبا والولايات المتحدة، وما يترتب عليه من محاولة اختصار التاريخ المعقد والمتنوع للإسلام في بضعة شعارات غوغائية، تمثل ذلك النوع من الغباء الجاهل المطبق لا أجد له وصفاً أفضل من ذلك الذي يؤدي لا محالة إلى سقوط المجتمعات الديمقراطية وانهيارها .

 

ولكن هذا يصدق على أي نوع من وجهات النظر الرافضة “للآخر” . ولن يتسنى لمجتمعاتنا أن تتماسك إلا إذا تحدث كل منا مع الآخر بانفتاح وصراحة، وحينما نفعل ذلك فإننا نعمل على إعادة خلق حس معين بالتضامن بين مختلف جذورنا وانتماءاتنا .

أستاذ فخري بجامعة ماكجيل في مونتريال، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

====================

سورية والمالكي والصلح الهش

بقلم :حسين العودات

البيان

2-10-2010

قررت كل من الحكومتين السورية والعراقية إعادة سفيرها إلى بلد الآخر، بعد أن استدعي للتشاور في أغسطس 2009، واحتاج هذا التشاور بقاء السفير في عاصمته عاما كاملاً، إلى أن التقى وزيرا خارجية كل من البلدين في نيويورك قبل أيام، وقررا الإفراج عن سفيريهما.

 

والعودة بالعلاقات إلى طبيعتها كما صرح وزير الخارجية العراقي، وبذلك انتهى عام من العلاقات السيئة بين حكومة نوري المالكي والحكومة السورية، كانت تختبئ تحت صمت كثيف من قبل الطرفين، وكف المسؤولون السياسيون والدبلوماسيون ووسائل الإعلام عن التعرض للخلاف، أو نقد الطرف الآخر، أو شن حملة عليه، كما هي العادة في الخلافات العربية.

 

إلا أن ذلك لم يمنع كلا منهما أن يكيد للآخر، ويعمل ضده، ما استطاع دون معارك كلامية معلنة، لكن حبل التواصل والأخذ والرد لم ينقطع كلياً بين المالكي والحكومة السورية بطريق غير مباشر هو الطريق الإيراني، حيث لعبت السياسة الإيرانية دور المهدئ وكاسر حدة الخلافات ثم العراب بين الطرفين، إلى أن توصلت قبل شهرين إلى ما لم يكن أحد يتوقعه.

 

وهو دعم السياسة السورية للمالكي لتشكيل الحكومة العراقية، أو باللغة الدبلوماسية بقاء هذه السياسة على مسافة واحدة من جميع المرشحين بمن فيهم المالكي، ولم يكن أي مراقب يتوقع قبل عام أو حتى قبل أشهر أن تتخذ السياسة السورية مثل هذا الموقف.

 

تعود أسباب الخلاف إلى أغسطس عام 2009، عندما اتهم المالكي تنظيم البعثيين العراقيين المقيمين في سورية بتفجيرات إرهابية حصلت في بغداد كان ضحيتها مئات القتلى والجرحى، وهي ما سميت في ذلك الوقت بتفجيرات الأربعاء الدامي، وأوحى المالكي أن أجهزة الأمن السورية تساعد هذه التنظيمات، وربما كانت على معرفة بنشاطاتها، وطالب الحكومة السورية بتسليم من اعتبرهم مسؤولين عن هذه التفجيرات.

 

وعندها شعرت السلطات السورية بالاستفزاز تجاه هذه الاتهامات وعبرت عن غضبها الشديد، وأنكرت صحة هذه التهم سواء منها الموجهة للبعثيين العراقيين اللاجئين في سورية أم للسلطات السورية، ورفضت  بطبيعة الحال  تسليم أحد من المطلوبين، وذكّرت المالكي أن سورية لا تسلم اللاجئين إليها لمن يطلبهم، وإلا لما كان هو الآن رئيساً للحكومة العراقية حيث كانت السلطات السورية قد رفضت تسليمه لحكومة صدام حسين وبقي لاجئاً فيها عدة سنوات.

 

واندهشت السلطات السورية المعنية من تصريحات المالكي، خاصة وأنه كان في زيارة لدمشق قبل أيام قليلة من التفجيرات، ولم يتعرض في محادثاته مع مسؤوليها لمثل هذه التهم التي أعلنها دفعة واحدة بعد ساعات من الأعمال الإرهابية، مما يشير إلى أنها اتهامات مبيتة. وقد تكون محاولات مبكرة من المالكي لإقامة تحالفات انتخابية داخل العراق، وكانت الانتخابات على الأبواب، أو حملات ضد سورية قد تلاقي هوى لدى الإدارة الأميركية.

 

ورغم سياسة الصمت التي اتبعتها السياسة السورية وتجنب الهجوم المباشر وشن الحملات الإعلامية ضد المالكي، إلا أن هذه السياسة أخذت تعمل كل ما يضعف المالكي، فبذلت جهداً كبيراً قبيل الانتخابات العراقية التي جرت في مارس آذار من العام الحالي، كي تستكمل القائمة العراقية أسباب قيامها بقيادة إياد علاوي، ونجحت في ذلك، وكانت هذه القائمة منذ اليوم الأول لإعلانها تشكل تهديداً واضحاً للمالكي.

 

كما بذلت السياسة السورية جهوداً كبيرة كي تقنع عمار الحكيم ومقتدى الصدر بالاتفاق على تشكيل قائمة واحدة، فتأسست قائمة مشتركة بينهما شكلت بدورها تهديداً آخر للمالكي، واستقبل الرئيس بشار الأسد في دمشق زعماء هذه القوائم، مقتدى الصدر، وعمار الحكيم، وإياد علاوي، كلاً على حدة.

 

وبذلت السياسة السورية جهوداً كثيفة لتحقيق الاتفاق أو التوافق بين هذه القوائم بعد الانتخابات، وساعدت على عقد اجتماعات بين قادتها في دمشق، وصار واضحاً أن موقف المالكي ضعيف، وأن عدم رضا السياسة السورية عنه ربما يودي به، فعاد وسمع الشروط السورية لقبول التصالح معه، وتقول بعض الأوساط الدبلوماسية المطلعة أن المالكي قبلها ثمنا لتغيير السياسة السورية موقفها تجاهه وتجاه ترشيحه لتولي السلطة في العراق.

 

كانت الحكومة السورية دعمت في الأشهر الأخيرة ترشيح إياد علاوي لتشكيل الحكومة العراقية، وكان تحالفها مع القائمة العراقية واضحا ومعلناً، وأوحت الصحف السورية بذلك مباشرة أومداورة، ثم فوجئ المراقبون في شهر أغسطس الماضي باستقبال الرئيس الأسد وفداً من حزب (ائتلاف دولة القانون) وهو حزب المالكي، الذي عبر عن سعادته بزيارة دمشق، وعن أهمية الدور السوري في استقرار العراق، وبعد ذلك بأيام أُعلن عن اتفاق بين سورية والعراق على تمديد أنابيب لنقل ما يقارب ثلاثة ملايين برميل من النفط العراقي يومياً إلى السواحل السورية، فضلاً عن تمديد أنابيب أخرى لنقل الغاز، وكذلك توسيع التبادل التجاري بين البلدين.

 

وفي الوقت نفسه، سرت إشاعات بأن المالكي قدم اعتذاراً للحكومة السورية عن اتهاماته السابقة لها، ولذلك فإنها لم تعد تمانع في تشكيله للحكومة العراقية، أي أنها تخلت عن دعم علاوي.

 

وقد نوه علاوي بدوره بتغير الموقف السوري، وقال أن لسورية حساباتها وتقديراتها، مما أكد هذه الإشاعات. وقيل عندها أن سورية لم تجد بداً من الموافقة على ترشيح المالكي بعد أن اتفقت الإدارة الأميركية وإيران على ترشيحه.

 

أكد الرئيس العراقي جلال طالباني قبل أيام هذا الاتفاق الثلاثي، وقال إنه ليس اتفاقاً مباشراً وإنما تطابقاً بالمواقف دون تنسيق مسبق أو لاحق، وهكذا أصبح لسورية موقف جديد من المالكي، وانعقد بين الطرفين صلح يراه المراقبون هشاً أملته الضرورة دون رغبة أي منهما.

====================

العدالة الدولية الغائبة !

بقلم :ممدوح طه

البيان

2-10-2010

في جل ما عقد من مؤتمرات واجتماعات أممية ودولية مؤخرا، وما صدر عنها من قرارات أو توصيات، وما ألقي فيها من كلمات نسمع لها رنينا ولا نرى طحينا، ومن تمنيات وشعارات بلا إرادات ولا تطبيقات، بدا للجميع أن ميزان العدالة الدولية مائل لصالح الأقوياء على حساب الضعفاء وللأغنياء على حساب الفقراء، ولدول الشمال على حساب دول الجنوب بما يجعل الحقوق الإنسانية والدولية المشروعة ضائعة في الكثير من مناطق العالم، بصورة بدت فيها سوءات النظام الدولي مكشوفة للجميع.

 

فلقد كشفت القمة العالمية لتقييم ما تحقق من الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة، التي عرفت ب«قمة مكافحة الفقر والجوع»، بعد عشر سنوات من إعلان هذه الأهداف وقبل خمس سنوات فقط من موعدها عن هوة كبيرة بين ما تحقق وما كان مفروضا أن يتحقق في عام 2015 لتخفيض معدلات الفقر والجوع السائدة في العالم إلى نصف ما كانت عليه عام 2000.

 

وتمخض العالم فولد قرارا بتوفير 40 مليار دولار فقط من الدول الغنية لمساعدة الدول الفقيرة وهو ما يقارب قيمة صفقة سلاح أميركية واحدة لإسرائيل ب30 مليار دولار، وبما لا يفي بتحقيق نصف تلك الأهداف الإنسانية النبيلة!

 

وأسوأ تلك السوءات هو غياب العدالة الدولية، وهو ما بدا لنا في تلك المؤتمرات متصلا بالمحاولات الأميركية والغربية المخالفة للمبادئ الإنسانية والدولية لإبقاء إسرائيل المتحدية لقرارات الشرعية الدولية والخارجة على القانون الإنساني والدولي خارج دائرة أي إدانة على احتلالها واعتداءاتها وجرائمها ليس ضد الفلسطينيين فقط ولكن ضد العرب والمسلمين، حتى تبقى غالبا فوق القانون الإنساني والدولي!

 

رأينا ذلك في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي سبقت اجتماعات قمة الألفية، وفيها تصدت الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية التي صدعت رؤوس العالم بضرورة منع الانتشار النووي، وبالمزاعم التي لا دليل عليها حول البرامج السلمية النووية لدول عربية وإسلامية مثل سوريا وإيران، لإجهاض مشروع القرار العربي والإسلامي الذي دعمته روسيا والصين والدول غير المنحازة والذي «يدعو» إسرائيل لتوقيع معاهدة منع الانتشار النووي، بما يعني رفض مجرد «الدعوة»، ومحاولة فرض «إسرائيل نووية» لتهديد كل العرب وكل المسلمين.

 

ورأينا ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تحدث فيها الرئيس الأميركي عن «إسرائيل يهودية» على أربعة أخماس فلسطين، بينما لا تزال تحتل الجزء الخامس وتواصل فيه الاستيطان المدان دوليا، أي أن أميركا والغرب تريد فرض «إسرائيل نووية ويهودية» في آن واحد بالمخالفة لكل المبادئ والمعاهدات والأعراف الدولية، بما يهدد أمن العرب والمسلمين وبما يبدد حقوق الفلسطينيين لفرض الأمر الواقع ظلما، بدعاوي ساذجة من حرص على «السلام» تحت مظلة المفاوضات المباشرة من أجل السلام برعاية أميركية وغربية !!

 

ورأينا ذلك في المجلس العالمي لحقوق الإنسان وفيه انكشفت المواقف الأميركية والأوروبية التي صدعت رؤوس العالم بمبادئ الحرية وحقوق الإنسان، برفضها تشكيل لجنة تحقيق عالمية في جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيونية مرتين، الأولى في العدوان الصهيوني الوحشي على غزة، والثانية في الاعتداء الصهيوني الإجرامي على «أسطول الحرية» التركي لكسر الحصار الظالم على مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني.

 

ومع ذلك باشرت لجنة جولدستون تحقيقها في القضية الأولى، مثلما باشرت لجنة تقصي الحقائق ولجنة الخبراء الدولية تحقيقاتها في القضية الثانية، وبينما رفضت إسرائيل التعاون مع التحقيقات لأنها فوق القانون، انتقدت الدولة الأميركية ما انتهت إليه اللجان الأممية من وجود دلائل على جرائم توجب ملاحقة إسرائيل.

 

ورأينا ذلك أيضا في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمشكلة بقرار تعسفي من مجلس الأمن، والتي استبعدت التحقيق في الفرضية الإسرائيلية، مثلما استبعدت التحقيق مع شهود الزور، فتضارب التحقيق الجنائي في قضية الشهيد الحريري مع الاستهداف السياسي، مرة باتهام كاذب لسوريا اعترف الرئيس الحريري أنه كان اتهاما سياسيا بناء على شهادة كاذبة لشهود الزور.

 

ومرة باتجاه حزب الله اللبناني بما يراه جل لبنان اتهام سياسي فتنوي ضد المقاومة ولصالح إسرائيل، مما دعا الرئيس اللبناني ميشيل سليمان للقول من نيويورك «إن المحكمة الدولية باتت بحاجة لاستعادة مصداقيتها التي أصبحت على المحك، وطالبها بتأكيد استقلاليتها بعيدا عن التسييس، والتحقيق في كل الوقائع والفرضيات بحثا عن الحقيقة وليس عن الاتهام السياسي».

 

وهو نفس ما رأيناه في المحكمة الجنائية الدولية التي ترفض التحقيق في الجرائم العدوانية الإسرائيلية بحجة عدم ولايتها على إسرائيل التي لا تعترف بها، بينما لا ولاية لها على السودان التي لم تعترف بها تتدخل عنوة بتخويل من مجلس الأمن في الشئون السودانية دون شرعية.

 

حيث وظفتها أميركا التي لم تعترف بها أيضا لتوجيه الاتهامات السياسية في ثياب قانونية ضد الرئيس السوداني، بهدف واضح هو الابتزاز السياسي والضغط الدولي لفرض انفصال الجنوب، تمهيدا لفرض فصل دارفور عقابا للسودان على مواقفه العربية والإسلامية من المشروعات الصهيونية والأميركية، مما دعي نائب الرئيس السوداني للمطالبة من على منبر الأمم المتحدة بسحب ملف دارفور من تلك المحكمة الدولية المسيسة.

 

ليبقى السؤال.. إلى متى يطول غياب العدالة الدولية ؟ وليبقى المطلوب من الأمم المتحدة الآن إصلاح ذاتها أولا حتى تتمكن من إصلاح شئون العالم، والوفاء بما جاء في ميثاقها من مبادئ وأولها عدالة دولية تضمن الحقوق الإنسانية والدولية بلا انتقائية ولا ازدواجية وبلا تمييز أو تسييس.

====================

رفض القرار الاتهامي... وقبول حكم المحكمة ؟

سركيس نعوم

النهار

2-10-2010

قبل ايام اتصل بي صديق أمضى اكثر من اربعين سنة في سلك القضاء، وليست له اي مصالح سياسية او فئوية أو شخصية، وانطلقت مواقفه السياسية دائماً من لبنانية صافية غير طائفية وغير مذهبية. قال ان لديه اقتراحاً يمكن بواسطته تجاوز "قطوع" القرار الاتهامي المتوقَّع صدوره بعد اسابيع أو اشهر قليلة عن المدعي العام الدولي دانيال بلمار في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولما طلبت منه أن يشرحه ضمن مقالة مكتوبة تنشرها "النهار"، وذلك امر كان يفعله في مناسبات سابقة، فضّل أن يثار الموضوع بطريقة غير مباشرة. ما هو اقتراحه؟ وماذا كان تعليقي عليه؟

الاقتراح هو ان يبادر مجلس الوزراء بإجماع اعضائه وفي جلسة رسمية الى اتخاذ قرار برفض القرار الاتهامي او على الأقل بالتحفظ عنه. وان يؤكد المجلس سواء في الجلسة نفسها او قبلها او بعدها عدم تخليه عن "المحكمة الخاصة بلبنان" (الدولية) والتزاماته حيالها وانتظاره نتائج اعمالها مستقبلاً، قريباً كان هذا المستقبل أو بعيداً. سألت عن الوقت الذي يراه مناسباً لاتخاذ الموقف الرسمي الذي اقترحه. فقال: "في اسرع وقت ممكن". رددت: يعني انك تقترح رفضاً لقرار اتهامي لم يصدر بعد عن "المدعي العام الدولي". وعلّقت بالاشارة الى ان هناك نقطتين تثيران التساؤل في هذا الاقتراح او بالاحرى تدفعان "أنصار المحكمة الدولية" الى التحفظ عنه. الاولى هي ان رفض مجلس الوزراء اللبناني قراراً اتهامياً قبل صدوره قد يكون عملاً سياسياً "حكيماً" في نظر البعض اذ يجنّب البلاد الأخطار التي يتحدث عنها الجميع منذ اسابيع، علما ان ذلك ليس مضموناً رغم تفاوت امكانات افتعال الاخطار عند الفريقين اللبنانيين الأساسيين. لكنه قطعاً ليس عملاً قانونياً. اذ انه ينطوي على موقف رفضي من قرار اتهامي لم يصدر بعد. وليس في ذلك شيء من الاحتراف القانوني ولا نقول السياسي، لأن في السياسة كل شيء يجوز حتى "تزويج الذكر على الذكر"، كما يقال في العامية. علما ان هذا "التزويج" صار "موضة" في عدد من دول العالم "المتقدم"، كما صار قانونياً في عدد آخر منها. اما النقطة الثانية فهي ان لبنان وتحديداً السلطة التنفيذية فيه، ممثّلة بمجلس الوزراء، لا تستطيع عملياً ان تقبل حكماً تصدره "المحكمة الدولية" وخصوصاً اذا كان مبنياً على نحو تام او شبه تام على قرار اتهامي سبق ان رفضته هذه السلطة. اذ كيف، من الناحية السياسية، يستطيع مجلس الوزراء أن يقبل حكماً يُجرِّم أفراداً من "حزب الله" بعدما كان رفض مجرد اتهام المدعي العام الدولي بلمار اياهم بالضلوع في جريمة الاغتيال. لا بل كيف يستطيع عملياً ان يجنب البلاد الوقوع في الأخطار من جراء قبول الحكم. اما من الناحية القانونية، وانا لست رجل قانون، فانني اعتقد ان التناقض الذي لا بد ان يدفع الاقتراح المشار اليه اعلاه لبنان وسلطته التنفيذية فدية الى الانتقاص من قانونية رفض القرار الاتهامي قبل صدوره ثم من قانونية قبول الحكم الصادر عن المحكمة بالاستناد اليه.

طبعاً انا اعرف تماماً النيات الطيبة للصديق القاضي بل للقاضي الطيب صاحب النيات الحسنة، لكن ذلك لا يكفي، وخصوصاً اذا كانت المشكلة في لبنان حالياً ليست فقط "المحكمة الدولية". فالمحكمة هي عنوان الازمة والمبرر لنشوئها ولاحقاً المبرر لحسمها في اتجاه او في آخر مناقض له تبعاً لموازين القوى في الداخل اللبناني ولتدخلات الخارِجَيْن الاقليمي والدولي.

اما جوهرها فهو متشعب وخطير في الوقت نفسه، ذلك انها صراع الشعبين الاكثر عددا بين الشعوب اللبنانية على السيطرة على البلاد، وعلى امتلاك الكلمة الاخيرة فيه سياسات ومواقف واستراتيجيات وحكماً وادارة. وصراع اقليمي – اقليمي على السيطرة على لبنان او على ادخاله في محورين متناقضين ومتعاديين. وكل من الاثنين له انصاره في الداخل بل شعوبه التي يمدّها بالدعم المتنوع اي السلاح والمال والرعاية السياسية. وصراع اقليمي – دولي يستعمل كل من أطرافه الشعوب اللبنانية ادوات وبلادها ساحة بغية حسمه لمصلحته.

وفي العنوان الكبير هذا عناوين فرعية لكنها مهمة وهي ما يجري التعرض لها الآن. اولها، هو تمويل المحكمة التي يخوض فريق 8 آذار بقائده "حزب الله" بحلفائه الاقليميين معركة وقفه سواء داخل الحكومة او داخل مجلس النواب. واهمية هذا العنوان الفرعي لا تكمن في ان تنفيذه يوقف عمل المحكمة بسبب افتقارها الى المال، بل يكمن في اعتبار الموقف اللبناني الرسمي للتمويل موقفاً سلبياً من المحكمة. وثانيها، الشهود الزور الذين يصر الفريق نفسه على محاكمتهم و"مصنعيهم" في لبنان بعد استنكاف المحكمة الدولية عن ذلك. واهمية هذا العنوان تكمن في ان المحاكمة بظروفها الراهنة ستُفقد فريق 14 آذار عن حق او عن باطل، صدقية عدد كبير من المنتمين اليه على تفاوت مستوياتهم. ولن يفيد هؤلاء قولهم ان بعض الشهود الزور أُرسلوا او دسوا على فريقهم من سوريا للتضليل والارباك. ذلك ان الفريق الآخر سيقول، مع اعترافه بذلك، ان "الزور" باقٍ لأن شهوده المُرسلين عمداً "صُنِّعوا و ومُوِّلوا" من 14 آذار لاتهام 8 آذار وحليفه الاقليمي. اما ثالث العناوين فهو التخلص من المحكمة بأي وسيلة ممكنة.

هل ينجح فريق 8 آذار بقيادة "حزب الله" في معركته الشاملة الداخلية - الخارجية التي عنوانها المحكمة الدولية والشهود الزور وما الى ذلك؟ ام ينجح فريق 14 آذار في مواجهة هذا "الاستهداف" الرامي الى ازالة مفاعيل "انقلاب" عام 2005 كما يسميه فريق 8 آذار؟

لا يملك احد اجوبة جازمة عن السؤالين. لكن ما يعرفه اللبنانيون ولا سيما منهم المتابعون يشير الى امرين. الاول، ان المحكمة الدولية لن تتوقف وسيبقى سيفها مصلتاً على الحزب وسوريا وربما ايران، وإن نجح هؤلاء في "ضرب" الشق اللبناني منها. والثاني، ان اللبنانيين سيدفعون الثمن من استقرار بلادهم ومن عيشهم المشترك ومن دستور الطائف على الثغر الكثيرة فيه وسيجدون انفسهم من جديد ولكن على الحامي ربما امام سؤال قديم – جديد هو: اي لبنان نريد؟ ولا احد يبدو واثقا انه يعرف جواباً عن هذا السؤال.

====================

تعليق المفاوضات يرتدّ سلباً على أوباما قبيل الانتخابات

هل تنجح واشنطن في إيجاد المخرج قبل 6 تشرين ؟

روزانا بومنصف

النهار

2-10-2010

تجاوب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع طلب الادارة الاميركية اعطاء الجهود التي تبذلها مع الحكومة الاسرائيلية فرصة بضعة أيام من اجل ثنيها عن معاودة الاستيطان واعطاء المفاوضات التي انطلقت أوائل ايلول في واشنطن فرصة. وقد توجه "ابو مازن" الى عقد لقاءات داخلية وخارجية وربط العودة الى المفاوضات بقرار من لجنة المتابعة العربية التي ستجتمع في السادس من تشرين الاول المقبل، علما انه كان في امكانه ان يفعل ذلك. وهذه المهلة التي تمتد حتى يوم الاربعاء المقبل يفترض ان تثمر عن نجاح الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة تحت وطأة اعلان رئيس السلطة الفلسطينية عدم قدرته على مواصلة المفاوضات بعد ذلك. فعلى الكتف حمال وفق المثل الشعبي ووضعه صعب ولا يمكن ان يسمح بتنازل اضافي في هذا الموضوع. اذ انه امام معادلة معقدة قضت بقبوله الذهاب الى المفاوضات المباشرة بناء على طلب الولايات المتحدة من اجل عدم اغضابها ولعدم رغبته في تحمل مسؤولية فشل المفاوضات، لكن في حال لم يكن في استطاعته وقف الاستيطان، فهل يمكنه الحصول على دولة فلسطينية؟

 وتقول مصادر متابعة انه ليس واضحا ما الذي يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة حيال اسرائيل مع عودة المبعوث الاميركي الى المنطقة جورج ميتشل من اجل محاولة طرح افكار مقبولة من الجانبين. ومع ان احدا من المتابعين الدوليين لم يول استئناف المفاوضات المباشرة امالا كبيرة لمعرفتهم بموقف الحكومة الاسرائيلية التي لا تسمح بالتوصل الى اي اتفاق سلام، فان الامال كانت معقودة على ايجاد صيغة تتيح معاودة المفاوضات وتجاوز موضوع الاستيطان، في حين تفيد معلومات ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اخلَّ بوعود اعطاها للرئيس الاميركي في شأن تجاوز هذه العقبة اي متابعة تجميد المستوطنات من دون الاعلان عن ذلك.

وانهيار المفاوضات فوراً بعد اسابيع من انطلاقها يضر الى حد كبير بادارة الرئيس باراك اوباما التي يسود اقتناع انها كانت تنوي احراج الجميع بها بحيث يكون متعذرا العودة عنها لاي سبب بما في ذلك موضوع الاستيطان، علما ان الضرر يلحق بجميع المعتدلين الذين قدموا الدعم لانطلاق المفاوضات اكانوا عربا أم غربيين. وهناك نوع من خيبة الامل ازاء الولايات المتحدة التي يعتقد انه كان يجب ان تبرز الخطة" ب" البديلة من احتمال كانت ستواجهه ومعروفة معالمه مع انتهاء مهلة تجميد المستوطنات في 26 ايلول، في حين انها تبدو تسير من دون مخطط واضح، علما انه من المبكر الحكم على جهود ميتشل المتجددة لانه على ضوئها سيكون الحكم اكثر على الجهود الاميركية. اذ بالنسبة الى كل المتابعين فان ثمة متضررين كثراً من وقف المفاوضات نتيجة التعنت الاسرائيلي في موضوع الاستيطان ابرزهم ادارة الرئيس اوباما وهو نفسه. فعلى رغم ان الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي، التي ستجرى أوائل تشرين الثاني المقبل، تتركز في غالبيتها على المسائل الداخلية الاميركية وليس على مواضيع السياسة الخارجية، فان توظيف النجاح في استئناف المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية يشكل عاملا مهما يضاف الى رصيد اوباما مع احتمالات استئناف التفاوض مع ايران حول ملفها النووي، بما يشير الى نجاح الضغوط الاميركية وفاعليتها في جر طهران الى طاولة المفاوضات من جديد. وعدم القدرة على المتابعة في هذا الملف سينعكس سلبا على اوباما لكي يضاف الى سجله المزيد من الاخفاقات التي يسجلها الاميركيون في خانته حتى الان.

ويترقب المتابعون التطورات على الصعيد الاسرائيلي وخصوصاً في ضوء الخطاب الذي القاه وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان امام الجمعية العمومية للامم المتحدة والذي تنصل منه نتنياهو. وهو موقف كان يفترض ان يترجم باستقالة ليبرمان على الاقل او بانهيار حكومة نتنياهو، الامر الذي يبدو ان ادارة اوباما ترغب في حصوله بقوة من اجل مجيء حكومة اسرائيلية جديدة تستطيع الموافقة على توقيع السلام مع الفلسطينيين. وهناك اراء تقول ان هذا هو الرهان الحقيقي للولايات المتحدة من خلال تحديد مدة سنة لانجاز المفاوضات بين اسرائيل والفلسطيينين، في حين ان الوصول الى نتائج لا يحتاج الى سنة لأن مواضيع التفاوض شبه محسومة. بل ان مهلة السنة هي للافساح في المجال امام تغييرات في الحكومة الاسرائيلية كما لتغييرات في السلطة الفلسطينية بحيث يكون الطرفان مهيئين للمضي قُدماً، في اشارة الى التطورات الاخيرة ايضا على الصعيد الفلسطيني وما يمكن ان تشير اليه في هذا المجال. واصحاب هذا الرأي يقولون انه ليس طبيعيا ألا تكون الولايات المتحدة توقعت كل ما يجري الآن. فهو كان امامها ومن ضمن احتمالاتها القوية، في حين ان امورا كثيرة قد تطرأ وليست في الحسبان. ومن بين هذه الاخيرة على سبيل المثال الزيارة المرتقبة للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان والتي تخشى دول عربية وغربية عدة ان تتحول الى حدث سياسي كبير يساهم في تعقيد الامور في لبنان وانطلاقا منه وخصوصاً في ضوء زيارته المتوقعة للجنوب. فالزيارة تثير توترا واضحا من اهدافها المتعددة ويخشى ان يوظفها البعض لاثارة المزيد من التوتر وخصوصاً مع الشعارات حول القضية الفلسطينية التي يرفعها الرئيس الايراني والذي سيكون عدم نجاح واشنطن في تأمين مواصلة المفاوضات فرصة ممتازة له للاستفادة من ذلك. ولا يبدو ان تطمينات المسؤولين اللبنانيين التي تضع الزيارة في اطار محدد تفعل فعلها في هذا الاطار.

====================

ليس الفلسطينيون بلا خيارات

فالح الطويل

الرأي الاردنية

2-10-2010

يقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العراء وحيدا هذه الأيام، كما لم يقف من قبل، حيث يُطلب منه اتخاذ موقف واحد لا بديل له، وهو الانسحاب من المفاوضات، ما لم يوقف قادة إسرائيل الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ويتخلون عن شروطهم بالاعتراف بيهودية إسرائيل، ويلتزمون بذلك التزاما يكون أساسا تستند إليه المفاوضات.

 

فاستمرار الاستيطان يعني، بالمنطق والحس السليم ، أن ثمة قرارا إسرائيليا بالبقاء في الأرض مهما كانت نتيجة المفاوضات؛ كما يعني استمرار حربهم على الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية في أرضهم؛ وهو ما يمثل تناقضا صارخا بين القول والفعل ويجعل من عملية التفاوض عبثا لا يجب السكوت عليه.

 

ويفترض منطق الأحداث، أيضا، أن هذا الأمر يجب أن يكون واضحا لدى قيادة السلطة؛ ومع ذلك فإننا نرى الرئيس الفلسطيني ينتظر ولا يحسم في تعريف موقفه تعريفا غير قابل لسوء الفهم. فلماذا يا ترى؟! لا ريب أن ثمة سببا يسوغ ذلك. لنحاول الفهم.

 

ليس الفلسطينيون الوحيدين المتضررين من سياسات إسرائيل. ثمة مصالح غير فلسطينية وغير عربية تتعرض لها إسرائيل وتُلحق بها الأذى. فهل ينتظر عباس نتائج المفاوضات بشأنها؟

 

قيل ان محادثات مطولة جرت بين هيلاري كلنتون ونتنياهو. وكان ثمة سؤال: ترى عن ماذا كان الحديث؟

 

من المؤكد أن كلنتون مهتمة بنتائج انتخاباتهم النصفية خريف هذا العام. ولذلك تحاول إقناع نتنياهو بتمديد تجميد الاستيطان حتى ما بعد تلك الانتخابات. وهي تعد بمساعدة إسرائيل وخاصة في تخفيف حدة الحملة الدولية عليها، وإمدادها بما يعزز أمنها.

 

لكنها من الجانب الآخر تهدد بموقف أمريكي صلب إذا رفض نتنياهو الاستجابة. فاستئناف الاستيطان حرب على أمريكا في الداخل الآن، وعلى مصالحها في المنطقة عموما.

 

ربما يتخوف نتنياهو من انفراط تحالف حكمه. وهنا قد ترى كلنتون في انفراط هذا التحالف فرصة إسرائيل لاستعادة موقعها السابق وفك حصار المجتمع الدولي عليها. فليبرمان غير مقبول دوليا، بل هو يساهم وحزبه في تأليب العالم على إسرائيل وسياساتها.

 

هل ينتظر عباس نتيجة المحاولة الأمريكية؟

 

ربما ينتظر أيضا أن تتدخل دول الجامعة العربية لدى أمريكا لجعل الجهد الأمريكي أكثر فاعلية وتركيزا؟ فالجامعة لا تقبل بالمفاوضات بشروط إسرائيل.

 

يرى عدد متزايد من الفلسطينيين والعرب بأن عباس ليس بدون خيارات، إذا أصرت إسرائيل على عدوانها، بل هو يستطيع بمساعدة الجامعة العربية والدول الإسلامية الطلب من الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية الموعودة، والعمل على تحريرها من احتلال أجنبي يرفض التقيد بالقوانين الدولية المقيدة لاحتلاله.

 

لقد سبق أن هددت إسرائيل الفلسطينيين باتخاذ إجراءات لا يتحملونها، إن هم فعلوا مثل ذلك، ولكنه تهديد فارغ. فقد استخدمت إسرائيل معهم أضخم هراواتها، حسب تعريف كلاوسوفتش، فلم تمتهم، فصارت هي تعيش وتعاني نتائج جرائمها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. فالعرب، بمجرد حتى انتظارهم السلبي تطورات المستقبل، أقدر على المطاولة.

====================

الحرب على الإرهاب.. وجهات نظر

محمد الشواهين

malshawahin@yahoo.com

الرأي الاردنية

2-10-2010

ثمة وجهات نظر متباينة فيما يخصً الحرب على الإرهاب، اذ بات العالم كله يدرك ان امريكا بعظمتها وصولجانها هي التي اطلقت هذا الشعار. من حيث المبدأ معظم دول العالم لديها رغبة في اجتثاث الإرهاب اينما وجد، بيد ان امريكا منفردة ولغاية يومنا لم تقدم للبشرية تفسيرا واضحا ومقنعا للإرهاب، ما ترك الريبة والشك في نفوس الكثير من زعماء العالم وقادة الرأي والفكر عن أي ارهاب يتحدثون؟ ام انهم يريدون تفصيل هذه التهمة وتوصيفها على من يشاؤون من عباد الله حسب مزاج سيد البيت الأبيض وزبانيته على ضوء اهوائهم ومصالحهم!

 

هناك من يتساءل هل ربحت أم خسرت أمريكا من حروبها على الإرهاب كيفما اتفق؟ فاذا ما عدنا بالذاكرة الى حربها على فيتنام التي خرجت منه مهزومة ذليلة وكذلك هروبها من الصومال بعد ضربات موجعة من المجاهدين وكذلك هرولتها المهينة من بيروت الى عرض البحر بعد التفجير الكبير الذي اودى بحياة العشرات بل المئات من رجال المارينز، وصولا الى افغانستان والعراق، وماهية علاقتهما بحادثة 11 ايلول / سبتمبر التي أطاحت ببرجي التجارة الدولية في حي منهاتن بمدينة نيويورك، والذي قيل ان تنظيم القاعدة وراء هذا الحادث الدموي  الله أعلم  الذي اسفر عن مقتل ما يزيد قليلا عن ثلاثة آلاف قتيل، ما دفعها( أي أمريكا ) وحلفاءها الى شن الحرب على الشعب الأفغاني ثم في وقت لاحق على الشعب العراقي دون إذن من الشرعية الدولية.

 

نحن ندرك ان الربح والخسارة في معظم الحروب هي عملية نسبية وليست بالضرورة ارقاما جامدة، سيما ان النتائج التي ما زالت موضع خلاف بين وجهات النظر المختلفة. فهذا الطرف من وجهة نظره ومصالحه يعتبرها ربحا وذاك الطرف من وجهة نظره يعتبرها خسرانا مبينا،لكننا في هذه العجالة نود ان نشير الى ما ذكرته أحد استطلاعات الرأي في هذا الخصوص، فمركز الدراسات العربي الأوروبي ومركزه باريس قال ان نسبة 76 % من الذين شملهم الاستطلاع ذكروا ان أمريكا لم تجن من حروبها على الارهاب سوى زيادة عداء وكراهية شعوب العالم لها وخاصة في العالمين العربي والاسلامي، ولم تحقق سوى الدفع نحو المزيد من التطرف والارهاب وزيادة نفوذ تنظيم القاعدة، وخسارتها فادحة في الارواح والمعدات علاوة على التكاليف الباهظة للحرب التي أرهقت ميزانيتها لدرجة العجز الواضح والتراجع الكبير في نموها الاقتصادي، مما تسبب في افلاس الكثير من مؤسساتها الاقتصادية والمالية العملاقة، واعتبروا ان استمرار حروبها يشكل خرقا للمواثيق الدولية واغتيالا للمنظومة القيمية السياسية والعسكرية والانسانية، بينما في الجانب الآخر فإن 12% فقط اشادوا بهذه الحروب واعتبروها مكسبا لا خسارة، اذ قللت من وجود الحركات الاسلامية المتطرفة، ودعمت تيار الوسطية والاعتدال في العالم، وعمقت جدوى التعايش السلمي وحوار الحضارات.

 

على أي حال ما يهمنا أن أمريكا ارتكبت خطيئة فادحة بغزوها العراق دون وجه حق، وتسببت في تدمير مقدراته، كما اثارت الفتنة الطائفية والمذهبية بين اهله، مما يتوجب عليها الخروج فورا من أرض العراق وعدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، وعليها ان تدفع التعويضات المجزية لكل عراقي وعربي لحقه ضرر من جراء هذه الحرب الإجرامية، التي سوف تبقى وصمة عار في تاريخ رؤساء أمريكا الذين اتخذوا قرار غزو العراق بل الأحرى ذبح شعب العراق، تحت حجج واهية ثبت بطلانها وباقرار علني على ألسنة قادة أجهزة مخابراتهم واستخباراتهم.

====================

بقاء المالكي بتوافقات إقليمية جريمة بحق العراقيين

د.عمر الكبيسي

2010-10-01

القدس العربي

لست معنياً بتفاصيل العملية السياسية القائمة في العراق إلا بقدر كشف زيفها ومخاطر سلوكياتها والمشاركة فيها منذ أن تم تأسيسها وفق المحاصصة الطائفية والعرقية، وهي الحال التي توصل إليها معظم العراقيين بعد أن خابت آمالهم بها وبعدم إمكانية أن تحدث أي تغيير حتى ولو جزئيا لصالح العراقيين وتحسين أوضاعهم.

سيناريو الانتخابات الأخيرة وما رافقه من إجراءات وأعقبه من صراعات ونزاعات وعدم وضوح في النوايا وتعقيد في المشهد وتسويف في الوعود وتأجيج للعنف والإقصاء واستقتال على السلطة وامتيازاتها والفشل الذريع في تشكيل سلطة بصيغة حكومة، كل ذلك كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وعرت هذه العملية ومن شارك فيها بشكل فاضح، وأدرك كل العراقيين أبعاد هذه العملية وزيفها وفساد المشاركين فيها على اختلاف مللهم وأحزابهم وكتلهم، ومع أننا نسمع تصريحات العديد من المشاركين فيها ومن كتل عديدة تهزأ بهذه العملية وتنتقدها وتصفها بالخرقاء والفاشلة؛ لكننا لم نسمع يوما أن واحدا منهم أعلن انسحابه منها أو حتى هدد بتصريح واحد سواء كان على مستوى الأفراد أو الكتل ينذر بالانسحاب منها. كما بات واضحا اليوم إن مفرزات العملية الانتخابية واستحقاقاتها لم تعد ذات دور مهم في تشكيل الحكومة العصية وان تشكيل الحكومة أصبح مرهونا بإرادة أمريكية وإيرانية وإقليمية.

يدرك العراقيون بعد معاناتهم القاسية وأحداث الغزو للعراق إن الطائفية كانت سلاح المحتلين الأمضى والأرخص كلفة، ولكونها صناعة محلية بغطاء ديني عدت الأضمن نتيجة لتقسيم العراق (والمنطقة) والهيمنة على إستراتيجيته الجغرافية وإضعاف بنيته الفكرية واستغلال ثروته النفطية، وشجعها على ذلك وجود نظام طائفي مجاور يتبنى الطائفية ويروج لها بكل إمكانياته، ولهذا أصبحت إيران نافذة متنفذة في العراق ومتحكمة بمصير حاكميه وتشكيلة حكومته، وتحرص أشد الحرص لتكون الحكومة احدى أدواتها لإحكام هيمنتها ونفوذها، ولها في ذلك كل المبررات لتختار من تنصبه ليرعى مصالحها، ناهيك عن إصرارها على عدم قبولها بمن تعتبره خطا احمر لتداول السلطة فيه مهما كانت نتائج الانتخابات واستحقاقاتها وبالتالي فهي تأتي بالمالكي وتقف بالضد من علاوي وفقا لهذه المعايير، ولا يخفي ذلك لاريجاني ومتكي عندما يسقط من علاوي وغيره خلفيتهم الشيعية بمجرد انهم يطرحون أنفسهم غير طائفيين لا يدينون بنظرية ولاية الفقيه .

أما الإدارة الأمريكية التي انكشفت تبريراتها المعلنة للغزو وانفضحت أبعاد مشروعها واضطرت للانسحاب العسكري وبالحجم المعلن بسبب ما ألحقته بها المقاومة الوطنية الباسلة من خسائر وتكاليف باهظة في الأرواح والكلف، مما اضطرها الى تغيير إستراتيجيتها ومواضع قواتها وقواعدها التي أبقتها لحماية مشروعها الذي ثبت أنها لن تتخلى عن المضي في تحقيقه عندما ستسنح لها فرص وضمانات نجاحه في ظروف مؤاتية، فلها هي الأخرى كل مبررات الإبقاء على النفوذ الطائفي الإيراني في العراق، الذي سيعمل لترسيخ أرضية المشروع من دون أن يشكل ذلك وجود تقاطع فيما يبدو وكأنه تناقض بين موقفها هذا وبين موقفها من قضية التسليح النووي، الذي تحسبه مصدر تهديد بإطار دولي حتى إن أدى إلى إضعاف أو إسقاط النظام الحاكم في إيران فإنه سوف لن يسقط الطموح الإيراني الفارسي الراسخ في المنطقة والذي يعد ثابتا منهجيا لا يتغير بمرور الزمن وتعاقب الأنظمة الحاكمة، وبالتالي فان تقسيم إيران وتركيا ولبنان وسورية في نهاية المطاف سيكون هو الملاذ الأخير من مراحل المشروع الشرق أوسطي الكبير الذي قد يلبي طموحات عرقيات وطوائف صممت تناحراتها وصراعاتها، فيما يهدف هذا التقسيم إلى إخضاع المنطقة بكل مواردها وفكرها وبنيتها تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وقطبها المتسلط والمتفرد .

الإدارة الأمريكية إذاً لها كل المبررات لتبقى نافذة القول والفعل لتسليم السلطة لمن يضمن لها التوجه الطائفي والتقسيمي وينفذ لها ما تلزمه بتنفيذه من نصوص ومعاهدات وامتيازات أطرت معالمها وسبل تنفيذها من خلال الاتفاقية الأمنية البغيضة والدستور التقسيمي الملغوم الذي سخر للإدارة الأمريكية ولاء الحزبين الكرديين المتناهي لضمان دورهم الضاغط في تنفيذ ادوار العملية السياسية الخرقاء المرسومة، من دون اعتبار لأي مفهوم وطني أو موقف ثابت راسخ إلا بما يمنح هذه الأحزاب من ضمانات اكبر بالامتيازات والتسلط .

ولعل المالكي ومجموعة حزب الدعوة التي يتزعمها أصبحوا من أكثر المجاميع السياسية المتحكمة بالسلطة اليوم استعداداً ليسلكوا سلوك الحزبين الكرديين بالولاء وتنفيذ مشروع الإدارة الأمريكية والمضي بسياسة طائفية تسندها إيران وتجعل المالكي وحزبه بمثابة الخيار الأفضل لكل من إيران وامريكا في آن واحد (الولاء المزدوج) والترسيخ لسلطة طائفية لأمد يضمن للأطراف الثلاثة استحقاقاتهم المستقبلية كل من وجهة نظره؛ من المؤكد أن لإسرائيل مردودها الأمني والتوسعي على خلفية وتفاصيل ما يحدث وفق مقولة (الأعمال بخواتيمها)، ومن هذا المنطلق يردد اليوم علاوي تصريحاته بتعجب ان المالكي أصبح خيارا أمريكيا وإيرانيا بحكم ما توفرت لديه من قناعات مستجدة لم تكن في حسبانه كالعادة! فيما لا يتردد المالكي وأنصاره بالحديث عن ترحيب وإسناد أمريكي وإيراني لتكليفه بتشكيل حكومة عصية أصبح بحكم ما آلت إليه الأوضاع هو الأجدر بتشكيلها بعد أن فشل الأخرون.

لكن المالكي ودوره وسلوكه السياسي الطائفي الدموي والتصفوي والتدميري للعراق والعراقيين لم يعد خافياً على كل الأطراف، وبضمنها دول الاقليم المجاورة في المنطقة، التي يبدو أنها أخيراَ انصاعت لضغوط أمريكية وإيرانية ولوعود مالكية عرقوبية! تحقق فيما يبدو صفقات اقتصادية ونفطية لهذه الدولة أو لتلك مع أن تفاصيل السلوك المالكي في المسرح العراقي الجاثم بكل تفاصيله للسنوات الأربع التي أمضاها في السلطة ليس سراً بكل خطوطه العريضة والدقيقة.

ولعل جميع دول الجوار المحيطة بالعراق باستثناء إيران التي أدرجنا مبررات موقفها كانت الأكثر تضررا وتناقضاً وانتقاماً طيلة فترة حكمه، إذ ان من المعروف أن قضية تصدير الإرهاب والعنف وتزايد اعداد اللاجئين العراقيين بحجمها المتفاقم واستبعاد إمكانية عودتهم أصبحت تشكل هما وثقلا كبيرين على كاهل الدول المستضيفة بكل أبعادها، كما يشكل النهج الطائفي لسياسة العراق اختراقا امنيا يعبث في أمن المنطقة كلها ناهيك عن تفاقم النزعة الكردية الانفصالية وصراعها على كركوك والموصل ونشاطات الكرد المسلحة في ظل الدولة العراقية المركزية الضعيفة وما يترتب عليها من مخاطر على أمن تركيا وسورية ناهيك عن النفوذ الإسرائيلي المتفاقم والمعادي فيما يسمونه إقليم كردستان عليهما .

المناهضون والمقاومون العراقيون لم يعد يهمهم أمر حكومة تتشكل بهذه المواصفات وضمن شراكات مصالح وامتيازات، لأن حكومة كهذه لن توحد ولن تحرر ولن تعمر ولن يطول عمرها؛ إن المناهضين والمقاومين ومعهم كل شعوب المنطقة هدفهم اليوم تحرير العراق وهويته ووحدته وإعماره وإفشال مشروع الاحتلال التقسيمي وتطويق أهداف الغزو في المنطقة وما سيلحقه بشعوبها وثرواتها .

في الوقت الذي يتطلع فيه المقاومون والمناهضون للاحتلال إلى إسناد ودعم إقليمي وعربي يساعدهم على التحرير والخلاص من خلال مواقف دولية ومراكز قرار أممية وإسلامية وعربية ويرون حيفا في اعتراف الجامعة العربية ودولها رسميا بحكومات الاحتلال المتعاقبة في بغداد، والترويج لعقد مؤتمر القمة العربي في بغداد على الرغم من وجود قوات الاحتلال فيها وفقدان استقلالية القرار والسيادة، ولا يجدون اليوم مبرراً ولا وضوحا وتفسيرا لأي جهد تسهم به حكومات وأنظمة إقليمية مجاورة لعودة المالكي إلى زمام السلطة في العراق ثانية لسنوات أربع كاملة قادمة تنحدر بالعراق إلى مزيد من الصراع الطائفي والتصفيات السياسية والترسيخ لهجرة أوسع وتقسيم منتظر ومرتقب ومستقبل مجهول وفق معظم تنبوءات مراكز البحث والتحليل. ألا يشكل الاصطفاف مع مشروع بقاء المالكي كرئيس وزراء وهو المعروف بطائفيته وارهابه وتصفياته وفساد حكومته واختلاسات وزرائه واعوانه وامتلاء سجونه ومعتقلاته بمئات الالوف من السجناء والمعتقلين؛ ألا يشكل ذلك جريمة قتل وتدمير للعراق وأبنائه؟ .

إذا كان هناك من تبرير (خاطئ) في الاستسلام أو الإسهام لتنفيذ مشروع تحرير العراق المزعوم وغزوه، لتحجيم نظام قوي حاكم في العراق قبل سبع سنوات بنظرية تحقيق أمن منشود للمنطقة وللعالم يهددها هذا النظام؛ فإن أحداث ونتائج هذا الغزو وما ألحقته من أضرار تدحض بوضوح زيف هذه الفرضية؛ إذ أن العالم كله والشرق الأوسط والمنطقة العربية لم تصبح أكثر أمناً أو انتعاشاً أو قوة أو توازناً بعد سقوط صدام والدمار الكبير الذي ألحق بالعراق .

لعله الدرس الذي يجب أن لا يغيب عن أذهان الأنظمة والشعوب إن كان لها أن تستفيد من الدروس التي برهنت إن العراق الواحد القوي والمحرر من الغزاة والمحتلين والحفاظ على بنيته وهويته وموارده وتنميته بقدراته وكفاءاته وثرواته هو السد الأمين والمانع الحصين لكل شعوب المنطقة وأمنها وقوتها بعد أن لمس الجميع ماذا يحمل لهم ضعف العراق وتقسيمه وغياب دوره واستغلال نفطه وثروته من ضعف وتهديد ومستقبل غامض؛ على مر العصور والدهور التي سطرها التاريخ القريب والبعيد كانت احتياجات العراق الطامعة به المتعددة ودمار بغداد المتكرر نذر شؤم ودلالات انكسار وهوان لكل شعوب المنطقة الإسلامية والعربية المحيطة به والقريبة منه.

كاتب عراقي

====================

هل المناورات الإسرائيلية في النقب تؤشر الى حرب وشيكة؟

واصف عريقات

2010-10-01

القدس العربي

لا يمر شهر وأحيانا اسبوع إلا ونقرأ خبر عبر وسائل الإعلام المتعددة منقول عن الصحف العبرية الورقية أو الإلكترونية .

أو نسمع عبر الفضائيات والراديوات بأن الجيش الإسرائيلي يجري مناورات واسعة النطاق تارة على الحدود مع لبنان وأخرى مع سوريا وثالثة في فلسطين ورابعة في رومانيا وخامسة في المجر وسادسة في مضيق جبل طارق، تحاكي أهدافا في ايران ولبنان وسوريا وفلسطين، ومع كل مناورة يختارون مسميات مثل كوبرا شجرة العرعر، نقطة تحول 1 و2 و3 وتوصيفات يختارها علماء نفس مختصين في التضخيم والتخويف والترهيب، ومن هذه التوصيفات المناورات الأوسع، الأضخم، الأكبر، غير مسبوقة، تمهيدا لاحتلال..؟؟، تحاكي حربا على..، استعدادا لضرب.؟؟، حتى تدريبات الإستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية حرفوها عن غايتها النبيلة ووظفوها في برامجهم الحربية والإستقواء بها كجزء من التباهي باستنهاض قدراتهم القتالية وسموها مناورات بدل تمارين او تدريبات.

آخر هذه المناورات التي تتداولها وسائل الإعلام المناورات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في النقب تحت عنوان تمهيدا لحرب قادمة.. جيش الإحتلال يتدرب على احتلال مدن فلسطينية بغزة والضفة، وفي المتن يقول الخبر أن الجيش الإسرائيلي أعد لهذه التدريبات مسرحا مماثلا للأهداف المذكورة وبكلفة مالية بلغت ملايين الشواقل، وعلى رأي المثل "اللي ببلاش كثر منه " ففاتورة الحساب يدفعها الحلفاء والأصدقاء.

لا أحد ينكر أن الوجود الإسرائيلي بذهنيته الإحتلالية التوسعية وكونه جسم غريب لايمكن له التأقلم في المنطقة ويرفض السلام وإعادة الحقوق يعتمد أساسا على القوة العسكرية ونهجهم السائد استمرارالعدوان وتكريس الاحتلال والسعي الدائم لاحراز التفوق وإضعاف الآخر، ومن أجل تحقيق ذلك لابد من استمرارالإستعداد والتدريب واجراء المناورات والإكثار من التهديدات والتلويح بالحرب.

هذه التدريبات والمناورات تقوم بها عادة الجيوش ضمن خطط وبرامج شهرية ونصفية وسنوية، فردية وجماعية، ليلية ونهارية، تحاكي الظروف والسيناريوهات الحربية كافة، لكن الفرق بين مناورات الجيوش والمناورات الإسرائيلية كبير من حيث عدم المبالغة في هذه المناورات وتوظيفها للتهديد والترهيب والتخويف في سياق حرب نفسية ودعائية وفي تعويم الغايات وتضليلها أو من حيث استغلالها لاستنفار الجبهة الداخلية وتحشيدها وراء قياداتها أو لتصدير الأزمات والتهرب من الإستحقاقات وخاصة استحقاق السلام، لذلك يلاحظ المتتبع بارتفاع وتيرة المناورات والتلويح بالحرب عند كل حديث عن السلام ومع ازدياد احكام الطوق والعزلة الدولية على اسرائيل وادانتها وفضح عورتها.

كما لا يمكن النفي أو استبعاد احتمال قيام اسرائيل بالعدوان في أي زمان ومكان، والإعلان عن هذه المناورات وتضخيمها أكبر دليل، وهي جزء من تعزيز القدرات القتالية تمهيدا لذلك، لاسيما وقد سبقها تهديدات لقيادات اسرائيلية بحرب تدميرية تغير وجه المنطقه، أيدتها مراكز أبحاث ودراسات أمريكية، لكن هذه القدرات الإسرائيلية كانت تستخدم في الماضي بدون قيود أو محددات، وكثيرا من الإعتداءات السابقة لم تنسق بها اسرائيل مع حلفاؤها إلا عند البدء بتنفيذها، لأن الظروف الدولية والمحلية كانت مهيأة ومسخرة لخدمتها، وكانت تخرج لتقاتل جيوشا على أرضهم في مواقع ثابتة مثقلة بمعدات غير متكافئة تستخدم ضدهم أحدث المعدات ومن خلالها تسحق وتدمر وتنتصر، وهناك من يدعم ويغطي أي خلل أو إخفاق، نتائج اعتداءات اسرائيل الأخيرة في لبنان وفلسطين برهنت على أن هذه الظروف خاصة القدرات القتالية والتغطية الدولية لم تعد موجودة، ولن نبالغ عند القول بأن الجندي الإسرائيلي مهما تدرب ومهما شارك في مناورات سيبقى بحدود الإستقواء على المدنيين الفلسطينيين العزل الذي تعود عليهم على الحواجز والطرقات اوعبراقتحام البيوت والمداهمات، وضعيفا في ميدان القتال لأن ثقته بنفسه ومعداته تراجعت، وهذه نتيجة حتمية لكل جيش يحرف عن مهمته ويستخدم اداة للقمع والقهر، وهو ما يشكل عامل أساسي رادع عند اتخاذ قرار الحرب، من هنا يكثر جيش الاحتلال من التدريبات والمناورات للتعويض عن العجز الحاصل الذي تم التعبير عنه عبر ازدياد حالات الانتحار والتمرد في الجيش الإسرائيلي وتدني رغبة الخدمة عند جيل الشباب رغم ما يقدم لهم من اغراءات، ليس هذا هو المتغير الوحيد في معادلة الحرب فأطراف الحرب الأخرى تغيرت وتطورت (واسرائيل هي من يكثر الحديث عن ذلك مع ادراكنا لحاجتها وتعمدها المبالغة، لكن هذه المبالغة أصبحت في ذهن الجنود حقيقة عكست نفسها على سلوك قيادتهم، وهو ما دفعها للشكوى الى مجلس الأمن على أثر اشتباكهم الأخير مع الجيش اللبناني)، ومن هنا يعزي الجيش الإسرائيلي النفس عند حديثه عن التدريبات بأنها تتم على ظروف وطبيعة مماثلة من أنفاق وهياكل وابنية وطرق داخلية وأحياء مشابهة للأهداف، لاسيما وان الجيش الإسرائيلي يتدرب على ذلك (في المخيمات والأحياء والقرى الفلسطينية) ويطبق ما تدرب عليه بالرصاص الحي والقاتل على الشعب الفلسطيني الأعزل وبشكل دائم.

من جانب آخر هي تعبير عن خوف وقلق حقيقين من خوض مواجهات ميدانية بهذه الأنماط القتالية، خاصة وأن الجندي الإسرائيلي تدرب عليها في ساحات التدريب لكنه لم يختبر نفسه في ميادين القتال الحقيقية، لذلك يحرص الجيش الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى على إخفاء نواياه في التوجه للحرب وإبقائها طي الكتمان، من أجل كسب عنصر المباغتة والمفاجأة للحصول على مبدأ التفوق وعدم تمكين الخصم من استيعاب الصدمة الأولى وليس العكس.

لذلك يمكن الاستخلاص بأن: ظروف التدريب للجيش الإسرائيلي مواتية، لكنها غير مواتية عند القيادة لخوض حرب لأنها ما زالت تراهن على الوصول لمبتغاها بالوسائل الأخرى، بل وتفضل ذلك على المغامرة بالحرب لتوقعها الخسائر الكبيرة وخسارتها لمواقعها، أما الإعتداءات فهي مستمرة ولم تتوقف.

خبير ومحلل عسكري فلسطيني

====================

القدس ليست بأيدينا

صحف عبرية

2010-10-01

القدس العربي

مرت عشر سنين منذ صعد الى الجبل رئيس المعارضة اريئيل شارون، ويبدو انه لم يتغير شيء. فباب المغاربة عالق في وضعه المؤقت ولا يجرؤ أحد على أن يحرك هناك لولبا. ساعات زيارة الجبل معدودة. يصعد يهود قليلون الى هناك تحت حراسة ثقيلة خاصة ليحظوا بنظرات عداء من مئات الفلسطينيين الذين يفعلون في الجبل ما يشاؤون. ان جزءا من الباحات في جبل الهيكل قد اصبح بالمناسبة ملاعب كرة قدم.

إن المبادرة المباركة (أو التحرش) لشارون قد دهورت في زمانه الوضع في الميدان وأسهمت في نشوب انتفاضة الاقصى التي كلفت الف قتيل اسرائيلي وفلسطيني. وما تزال علامات الخطر موجودة اليوم ايضا. نحن على شفا اخفاق سياسي مرة اخرى. في حي سلوان عند اسفل جبل الهيكل، أحداث شغب دامية يوميا على أثر موت شاب في الثانية والثلاثين والد لخمسة. ويوجد اليوم ايضا عنصر خارجي يحث الفلسطينيين من الخارج. كان ذات مرة حسن نصر الله الذي وعد بأن اسرائيل ضعيفة مثل خيوط العنكبوت. وهو اليوم احمدي نجاد الذي يعد بالقضاء على الكيان الصهيوني، وحماس التي تسخن جبهاته.

واليوم ايضا كما كانت الحال آنذاك بالضبط، فقد عين الرئيس بيل كلينتون لحينه السناتور جورج ميتشل رئيس لجنة دولية تبحث عن أحداث جبل الهيكل. قررت اللجنة أن توقيت زيارة شارون كان بائسا وإن لم يكن هو وحده الذي سبب الانتفاضة. وأوصى معرفتنا ميتشل آنذاك من جملة ما أوصى، بوقف اعمال العنف في الجانب الفلسطيني، 'ووقف جميع النشاط الاستيطاني في المناطق تماما وفي ضمن ذلك البناء في المستوطنات القائمة'، وطلب ايضا 'تجديد التفاوض السياسي على أساس الاتفاقات القائمة'. مرت عشر سنين ويجول ميتشل في هذه الايام في البلاد محاولا أن يحل ازمة التجميد. من المعقول ان نفترض ان توصياته لم تتغير البتة.

نشر المستشرق اسرائيل شيرنتسلر من جامعة تل ابيب، الذي كان من رجال الشاباك حتى سنة 2004، مقالة هذا الاسبوع. زعم أن اسرائيل ربما كانت تستطيع منع تلك الانتفاضة، وعلى كل حال فقد خرجت اليها غير مستعدة. ولا توجد اليوم توقعات سياسية ذات شأن بحيث ان خيبة الأمل لم تولد مواجهة في الحال. وتوجد ايضا قيادة فلسطينية مختلفة لكن كل شيء قد يتدهور سريعا. يقترح شيرنتسلر اعداد الارض لانتفاضة ثالثة. 'يمكن أن يتدهور كل شيء سريعا بسبب فعل شخص واحد'، يُحذر.

 

أصحاب البيت في القدس

 

صعد اريئيل شارون الى جبل الهيكل في الثامن والعشرين من ايلول (سبتمبر) 2000. ففي الساعة 7:55 دقيقة في الصباح، في يوم الخميس، وقف عند باب المغاربة مع ابنيه وروني سحيق (الابن المتبنى)، وعدة اعضاء كنيست من الليكود وجماعة صغيرة من علماء الآثار وخبراء القانون. كانت تلك الايام ايام التفاوض المتعثر بعد المؤتمر في كامب ديفيد، الذي اقترح فيه رئيس الحكومة آنذاك ايهود باراك على عرفات اتفاقا سياسيا اشتمل على تقسيم القدس والسيادة على جبل الهيكل بل تحقيقا ما لحق العودة. وفي تلك الايام ايضا اغلقت الشرطة ملف هدايا بنيامين نتنياهو، وأعلمت بذلك عودته الى السياسة ومنافسته القريبة في رئاسة الليكود، في مواجهة شارون نفسه. حمى عشرات من أناس حرس الحدود والشرطة شارون والجماعة التي جاءت الى الجبل من مئات الفلسطينيين، الذين رأوا هذا الفعل محاولة سيطرة اسرائيلية على المساجد. انتظر متولي ملف القدس في السلطة، فيصل الحسيني، مع مجموعة من اعضاء الكنيست العرب برئاسة عبد المالك دهامشة، شارون قرب باب الدخول في الجبل. 'لا تفكير عندما يأتي اليهود لزيارة أقدس مكان عندهم'، أعلن شارون.'جئت الى هنا مع رسالة سلام، بكوني مؤمنا بحياة مشتركة بين اليهود والعرب'. لكن النغمة التصالحية يبدو انها لم تقنع دهامشة الذي صاح بشارون 'يا قاتل، أخرج من المسجد الاقصى المبارك'.

سمع شارون تفسيرات من علماء الآثار الذين صحبوه. والتقى قبل ذلك بيوم المحامي الدكتور شموئيل باركوفيتش، وهو خبير بالاماكن المقدسة، والدكتورة ايلات مزار وهي عالمة آثار معروفة، وسمع منهما عن الاعمال التي تقوم بها الاوقاف في جبل الهيكل والتي تمحو كل ذكر للوجود اليهودي من عصري الهيكل الاول والثاني. 'خُطط للجولة بحيث نصعد من باب المغاربة، ونمضي على طول الباحة حتى الجانب الثاني لباب الرحمة ونطل من هناك على أكوام القمامة التي طرحتها الاوقاف مع جميع الآثار اليهودية'، يروي عضو الكنيست روبي ريفلين، وهو اليوم رئيس الكنيست الذي انضم الى شارون آنذاك. 'في الطريق كان يفترض أن ندخل المسجد الاقصى وقد بنى تحته أناس الاوقاف والحركة الاسلامية مسجدا جديدا هو اسطبل سليمان'.

أبدى شارون ثقة بنفسه وسيطرة عليها يستحقان الذكر في وجه العاصفة العنيفة التي نشبت حوله. التصق سحيق بشارون لانه أشفق من ان الفلسطينيين قد رصدوا له كمينا وأقاموا قناصة حوله لاغتياله. فأراد أن يتلقى الرصاص بنفسه. 'فعل الفلسطينيون في المدينة كل ما أرادوا في تلك المدة'، يتابع ريفلين حديثه، 'فالطيراوي رئيس الاستخبارات العامة، والرجوب رئيس الأمن الوقائي، تجولا كأنهما صاحبا البيت. وقد عرفا ايضا متى يصل شارون وما هو مساره. ومع ذلك كله قرر أن يُعيد الى المدينة سلامتها. لا يوجد شجاع مثله في تاريخ الدولة'. لكننا بسبب هذه الحادثة تلقينا الانتفاضة الثانية.

'أحمق من يقول هذا. فقد نشبت الانتفاضة على أثر الهرب من لبنان وخطبة نصر الله في النبطية عن خيوط العنكبوت. قال: 'نجحت في طرد الجيش الاسرائيلي بمئتي مقاتل' وسأل الفلسطينيين: 'أين أنتم؟'. هذا ما حرك استراتيجية عرفات'.

 

يؤيد تقسيم القدس

 

تقدم شارون ببطء مع رجال الحاشية نحو المسجد الاقصى. استلقى عشرات الفلسطينيين عند المدخل يريدون منع دخوله بأجسامهم. مزح عضو الكنيست جدعون عزرا، الذي اصبح بعد ذلك وزير الأمن الداخلي، شيئا ما. 'هل تمنحنا الحصانة اذن الدخول؟'، سأل ريفلين بوجه قلق. قرر ريفلين انقاذ الوضع. 'أردت أن أفحص بنفسي وتحدثت الى القائد العام للشرطة، يهودا فيلك'، يستعيد ذلك. 'أوصى فيلك بأن نظل في الخارج. جئت الى شارون وقلت له ان القائد العام للشرطة اقترح ألا ندخل الى الداخل. قال: 'لا توجد مشكلة سنمضي'. في الطريق الى خارج الجبل لم ينس شارون أن يصرح بأن 'جبل الهيكل بأيدينا'.

إن احداث الشغب التي بدأت في جبل الهيكل، مع الزيارة في الحال، انتشرت الى جميع أنحاء المناطق. نشر مكتب عرفات اعلانا جاء فيه ان شارون بدأ حربا دينية في المدينة وأن الجمهور مدعو للدفاع عن مقدسات الاسلام. وفي اليوم التالي في التاسع والعشرين من ايلول (سبتمبر)، قُتل سبعة فلسطينيين في الجبل. وفي مصادمات مع قوات الامن قُتل عشرات آخرون. نشبت الانتفاضة الثانية. وأشعلت قضية الولد محمد الدرة الميدان أكثر، فانضم عرب اسرائيل الى الكفاح وأثاروا أحداث شغب تشرين الاول (أكتوبر) التي قُتل في اثنائها 13 متظاهرا. أغرقت موجة ارهاب مخيفة الدولة مدة اشهر. وفي شباط اصبح شارون رئيس الحكومة. وبعد سنتين خرج في عملية 'السور الواقي'. يعتقد الاسرائيليون حتى اليوم ان صعود شارون الى جبل الهيكل لم يُحدث الانتفاضة. ولم يتمسك رئيس الحكومة باراك ايضا في تلك الايام بهذا الاحتجاج لبيان الهبة الفلسطينية. اعتقد كثيرون ان الصعود الى جبل الهيكل لم يكن له داعٍ. لم يفهم الوزير مريدور لماذا كان يجب الصعود الى جبل الهيكل بفترة حساسة كهذه. 'لم يصعد مناحيم بيغن قط الى جبل الهيكل'، تحدى مريدور. يقول روبي ريفلين ان استعداد باراك للمصالحة على جبل الهيكل شجع شارون على صعود الجبل ليثبت لمن تنتمي الاماكن المقدسة قبل ان يصبح الوقت متأخرا. هل يمكن أن تنشب انتفاضة اخرى اليوم ايضا؟ يعتقد ريفلين أن لا. وعنده تفسير آسر، يتعلق بتغير المواقف في الجانب الاسرائيلي، والذي يأسف له أسفا عميقا. 'الجمهور مستعد اليوم لتقسيم القدس ولم يكن هذا موجودا ذات مرة. يوجد وهن كبير عندنا. يستوعب الفلسطينيون أن هذا هو الوضع ويدركون أنه لا سبب خاصا يدعو للخروج في انتفاضة جديدة'، يقول ريفلين.

 

أعلام حماس وتركيا

 

سعيد أبو سند، وهو في السبعين من قرية سلوان لا يقبل تفسير ريفلين المدروس. فهو يرى ان الانتفاضة الثالثة قد نشبت منذ زمن. في يوم الاربعاء من الاسبوع الماضي صادم سامر سرحان، صهر أبو سند، أحد الحراس اليهود في الميدان الصغير قرب حي البستان. زعم الحارس أن طريقه سُدت وانه كان في خطر على حياته ولهذا قرر اطلاق النار. تدل كاميرات الحراسة التي وثقت الحدث على واقع مختلف شيئا ما. قُتل سرحان باطلاق النار. لم يمحُ سكان القرية منذ ذلك الحين آثار الرصاص وبقع الدم. القرية مغطاة بلافتات تمدح الشهيد وبرسومات جدارية تصور خريطة اسرائيل تُسحق بقوة سلاح المنظمات الفلسطينية. ولا يعوزنا هناك ايضا أعلام حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية وتركيا.

نجلس في خيمة تلقي العزاء للعائلة. يكشف أبو سند عن جسمه ويبدي آثار الرصاص المطاطي الذي اصابه كما يقول عندما اراد استدعاء سيارة اسعاف لزوجته هنية، التي اصيبت قبل ذلك باستنشاق الغاز. 'تعال الى هنا اليوم في الليل وانظر ماذا يجري'، يبلغ بفخر. 'يتجول الشبان ملثمين ويوجد هنا طوال النهار اطلاق نار وزجاجات حارقة. في يوم الجنازة مضى سبعة آلاف شخص الى الحرم الشريف مع جثة سامر. يستغرق ذلك على نحو عام 11 دقيقة واستغرق هذه المرة ساعات. استبدلوا أعلام اسرائيل بأعلامنا وأحرقوا سيارات جيب حرس الحدود. هرب رجال الشرطة. أمسكوا باليهود داخل السيارات وقالوا لهم 'خذوا حقائبكم وانصرفوا'. بعد ذلك أحرقوا السيارات. واندلعت حرب في جبل الهيكل ايضا'.

يعلم أبو سند ايضا ما الذي سيفضي الى الاشتعال العام ويجعل الانتفاضة الثالثة أشد من سابقتيها. 'في اللحظة التي تأتي فيها الى هنا الجرافات وتهدم بيتا واحدا سيحترق كل شيء'، يعد. يبدو له التفاوض السياسي، والمحادثات المباشرة وبعثة ميتشل المجددة مثل نكتة. 'الجميع يكذبون على الجميع'، يقول عن تجربة. 'كف الناس عن الايمان بالسلام'، يضيف فكري أبو ذياب، أحد النشطاء البارزين في القرية. 'الجميع على ثقة بأنهم سيهدمون لهم بيوتهم آخر الأمر. والامريكيون والاوروبيون الذين يساعدوننا الآن يفعلون ذلك عن مصلحة فهم يريدون هدوءا حتى يُنهوا الأمر مع ايران وبعد ذلك سيتركوننا'. كان أبو ذياب قريبا جدا من الأحداث على جبل الهيكل في ايام شارون.

'وطئنا شارون من ناحية دينية وداس كرامتنا'، يزعم. التحرش الميداني موجود في هذه اللحظة ايضا كما يقول وهو موجه من أعلى ويرمي الى تشجيع أعمال الشغب لوقف المسيرة السياسية مرة اخرى. يبدو أنه لا يوجد صدّيقون في القدس.

رأيت في يوم الاحد سيارة جيب لحرس الحدود تسد بلا أي سبب مدخلا ضيقا لروضة اطفال في مركز القرية. خاف الاولاد المذعورون من الخروج، واندفع عدد منهم الى الشارع الخطر فغضب الآباء وبدت الكارثة القادمة مضمونة. لم يكن عند رجال الشرطة الذين تلقوا الغضب والصرخات وطُلب اليهم أن يتحولوا عن المكان أي تفسير سوى 'هذا ما أمرنا قائدنا بفعله'.

كانت سلوان صورة مرآة الصراع كله. فهي حي عربي في شرقي القدس تقوم على اماكن مقدسة لليهود. يملك يهود نحو ثلث البيوت في القرية وربما أكثر. والتقسيم غير ممكن، فمن الصعب شيئا ما رسم حدود دولية بين ساحات البيوت. لا يريد العرب في القرية السلطة الفلسطينية: 'لأننا نكره الديكتاتورية'، كما يقول أبو سند. ولا يريدون الاسرائيليين ايضا. إن نير بركات والبلدية هما الأشد كرها عندهم بسبب خطة 'حديقة الملك' التي تشتمل على هدم بيوت. اذا أضفنا الى الوضع السياسي الوضع في القرية، التي تبدو مثل مزبلة كبيرة، يمكن أن نتفهم أبو ذياب الذي يقول: 'لا فرق عند الناس هنا بين الحياة والموت'.

في الخروج من سلوان يتلقى كل اسرائيلي مهما كان شتائم قوية من الشباب المحليين. قرب باب الخليل وقفت جماعة من الاولاد الذين يضعون القبعات الدينية وأنشدت آلاف السياح أناشيد حروب اسرائيل لأعدائها منذ ايام عمليق الى ايامنا. 'الجميع يتلقون منا الضرب على رؤوسهم'، أنشد الأولاد. أجل، يوجد مستقبل مشترك وعلى نحو قوي.

===================

الثوابت الفلسطينية سياسياً

د. إبراهيم علوش

السبيل 30/9/2010

في السياسة، كما في الرياضيات، تحكم حركة الواقع معادلات، فيها ثوابتُ وفيها متغيرات. أما المتغيرات فتأخذ قيماً (رقمية أو غير رقمية) مختلفة حسب اختلاف المكان أو الزمان أو الوضع أو الشخص. فاسمها متغيرات، لأن قيمها قابلة للتبدل، ولو بشكل غير عشوائي، مما قد يجعل معادلات الواقع تعطينا نتائج متغيرة. مثلاً، عدد قتلى المحتلين في عملية استشهادية من المتغيرات في معادلة المقاومة.

 

أما الثوابت في المعادلات فإنها تأخذ قيماً ثابتة، متى عرفناها أو افترضناها فإنها تبقى في المعادلة كما هي ولا تتغير حسب اختلاف الظرف أو الشخص... ومن الثوابت التي لا تنشأ مقاومة بدونها مثلاً الإيمان بحتمية النصر والاستعداد للتضحية عند المناضل أو المجاهد، فإذا غيرنا ذلك عنده أو أضعفناه، فإنه لا يبقى مناضلاً أو مجاهداً، وإذا لم يتساقط وبقي في مجال العمل العام بعدها، فإنه يتحول إلى انتهازي أو سياسي محترف (مقاول بالقضايا الوطنية) ولو لم يتورط في الخيانة.

 

ومن هنا فإن تحديد الثوابت التي تحكم معادلة النضال الوطني الفلسطيني يصبح في غاية الأهمية ولا يمكن الاستغناء عنه، خاصة عندما يكثر اللغط حول "الثوابت" من قبل بعض من يزعمون تمثيلها أو الحفاظ عليها، وهم ممن ينتهكونها. وقد سبق أن أشرنا تكراراً أن الثوابت الفلسطينية مشتقة من الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل، وثيقة الإجماع الوطني الفلسطيني الوحيدة في التاريخ المعاصر والحديث للقضية الفلسطينية (بعد الميثاق القومي)، وأساسها ثلاثة بنود: 1) أن فلسطين عربية من النهر إلى البحر، 2) أن اليهود الموجودين فيها غزاة، 3) أن تحريرها يكون بإستراتيجية العمل المسلح.

 

ويبدو أن البعض يظن أن الثوابت، ولو اعترف بها ظاهرياً، مجرد أيقونة يمكن أي يعلقها على صدره كوسام في مسيرته المخالفة للثوابت، فقط لكي يسكتنا، نحن "الشعب العاطفي"، دون أن يجعلها لجاماً لانحرافه، ليمارس المقاولة السياسية "على راحته" بعدها. وهنا لا بد من تثبيت ما يلي:

 

أولاً، الثوابت تؤخذ معاً، ولا تؤخذ مجتزأة. مثلاً، الحديث عن كفاح مسلح فقط، دون التمسك بعروبة كامل أرض فلسطين قد يحول الكفاح المسلح إلى أداة لنيل "الدولة" في حدود ال67، وهو النهج الذي تتبناه بعض الفصائل الفلسطينية للأسف، والذي يفرغ الكفاح المسلح من مضمونه. ف"الدولة"، و"الاستقلال"، مشروع تسوية لا مشروع التحرير... أما الحديث عن التحرير، دون اعتبار اليهود في فلسطين غزاة، ودون التمسك بعروبة فلسطين من البحر إلى النهر، فقد يؤول باعتباره مشروعاً للتعايش في ظل "الدولة الواحدة" أو "الدولة ثنائية القومية"، وهو طرح أكثر انتهاكاً للثوابت من "الدويلة" لأنه يضحي بعروبة فلسطين ويظهر التعايش مع الغزاة كبرنامج "وطني"! أما بعض القوميين الرسميين الذين يتمسكون بعروبة فلسطين، دون التمسك بالكفاح المسلح وأن اليهود فيها غزاة، فينزلقون إلى انتهاك الثوابت من منزلق تأييد "الشرعية الدولية" والمفاوضات والتسوية باعتبار أن الأمة لم تتهيأ للمعركة بعد، وأن التاريخ سيحسم المسألة في النهاية... الخ... حسب زعمهم، وهذا الصنف من المفرطين يدافع في الواقع عن مصالحه وجبنه وخنوعه.

 

ثانياً، الثوابت ليست زينة خطابية، بل خطوط حمراء من يخرج عنها يدخل في المحظور ويعامَل على هذا الأساس. مثلاً، نستنتج من الثوابت أن الاعتراف بمشروعية وجود الكيان الصهيوني هو انتهاكٌ لها طبعاً، وكذلك القبول بعدم مقاومته عسكرياً، أو عقد الاتفاقيات والمعاهدات معه (شروط الرباعية). لكن تلك ليست الأشكال الوحيدة لانتهاك الثوابت. وإذا كان الاحتلال غير مشروع، والاعتراف به وعقد الاتفاقيات معه جريمة، فإن الانخراط في مؤسساته، ومنها الكنيست مثلاً، يجب أن يعتبر جريمة أكبر، وكذلك المشاركة في وزارة للاحتلال أو السعي لذلك. ومن ثبت ارتكابه جرائم وطنية من هذا النوع، عليه أن يقدم نقداً ذاتياً على الأقل، وأن يراقَب سلوكه أمداً طويلاً قبل أن ينصب نفسه بطلاً للثوابت!

 

ثالثاً، من لا يزال يؤيد ياسر عرفات لا يمكن أن يكون متمسكاً بالثوابت، وكذلك من يتمسك بتأييد كل من وقع اتفاقيات خيانية مع العدو الصهيوني أو انخرط بالتنسيق الأمني والسياسي معه، أو هبط بسقف القضية الفلسطينية من مشروع تحرير إلى مشروع دويلة بالتفاهم مع الطرف الأمريكي-الصهيوني. وإذا كانت هذه النقطة بحاجة لشرحٍ أو لإثبات، فعلى الثوابت السلام.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ