ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 07/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

تحولات الهوية في الاستفتاء التركي

المستقبل - الاربعاء 6 تشرين الأول 2010

العدد 3792 - رأي و فكر - صفحة 19

نظام مارديني

لا يمكن النظر إلى الاستفتاء التركي بشأن التعديلات الدستورية (عددها 26)، إلا بوصفه المثل الحداثوي - الديموقراطي الأعلى، الذي أدخل تركيا ومعها الشرق الإسلامي في مستقبل جديد ستترتب عليه تداعيات كبيرة في مسألة الهوية، وبعدما تحول هذا الاستفتاء في عمقه الحضاري، إلى معركة بشأن هوية الدولة، الأمر الذي ضع حزب العدالة والتنمية برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وجهاً لوجه أمام معادلة جديدة ليس الصراع بين الإسلام السياسي والعلمانيين إلا جزءاً منها.

ورغم أن الكثير من التعديلات تبدو متماشية مع هدف الدولة التخلص من ثغرات في أنظمتها الشرعية والسياسية في إطار مساعي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن أردوغان وأنصاره متهمون بتوجيه السياسات التركية بعيدًا عن الغرب باتجاه العالم الإسلامي، وتمهيد الطريق لكسب الانتخابات البرلمانية العام المقبل وتأمين فترة حكم ثالثة لحزب رئيس الحكومة، وبالرغم من ان بعض التعديلات تبدو متناغمة مع التوجهات الديمقراطية التي ترضي القادة الغربيين ومنظمات حقوق الإنسان.

صحيح ان الجيش حرر أردوغان من شوكة في خاصرته، وهي المتمثلة بجعل الجيش أكثر عرضة للمساءلة من قبل المحاكم المدنية ومنح القضاة العاديين صلاحيات أوسع لانتخاب كبار القضاة، إلا ان الاستفتاء أكد حقيقة ان مبدأ " العودة إلى الشعب" هو مبدأ صائب في الدول الديمقراطية، ولذلك أدلى الشعب برأيه بنسبة 58% مقابل 42% قالوا لا. وعلى هذا النحو يمكن رؤية هوية الدولة المستقبلية تكرست عبر أربعة اضلاع متوازنة: الديمقراطية بمعيارها الغربي. والعلمانية المتحولة من عنوانها الآوروبي، والفرنسي تحديداً، إلى عنوانها الأميركي المتصالح مع "حجابه". والضلع الرابع مرتبط بالإسلام السياسي المعتدل، والمتصالح بدوره مع القيم والمبادئ الأساسية للجمهورية وفي مقدمها العلمانية ليس بوصفها متطرفة بل بوصفها مؤمنة.

منذ الاستقلال وقيام الدولة التركية على أنقاض السلطنة العثمانية فرض العسكر وحلفاؤه في الدولة قبضة قوية على السلطة وتمكنوا من إحباط الكثير من الجهود التي بذلها الحكام المنتخبون ديمقراطيًا للتشويش على السياسات الخارجية المؤيدة للغرب، وعلى الفصل الكامل بين الدين والدولة.

واللافت في هذا الاستفتاء هو اختياره الذكرى الثلاثين للانقلاب الدموي الذي قام به العسكر بقيادة الجنرال كنعان إيفرين في 12/9/1980، وأعدموا على اثره آلافاً من النشطاء السياسيين، واعتقلوا آلافاً آخرين، ثم قاموا بحظر الأحزاب السياسية، الأمر الذي يوحي بأن الاختيار هو محاولة من أردوغان لتصفية تركة العسكر الثقيلة، ووضع نهاية لتحكم العسكر في الوضع الداخلي التركي، بما يفضي إلى حسم مخاض الصراع الدائر منذ سنوات، بين العسكر والمدنيين لمصلحة الحكم المدني، وهو ما أكدته صحيفة صباح الموالية للحكومة في اليوم الثاني للاستفتاء: "تركيا تنظف عار الانقلاب".

وبهذا المعنى، عكست رزمة التعديلات التي تم التصويت عليها، محاولة لإنهاء أزمة بنيوية تطاول طبيعة النظام التركي وتركيبته وآلياته، وتمس نقاطاً حساسة، وهي ليست مجرّد عملية تعديل لبعض مواد الدستور التركي فقط، بل تعبّر عن صراع بين نموذجين أو نهجين للدولة والمجتمع والخيارات والتوجهات السياسية للبلاد.

ولا يعني فوز أردوغان في معركة الاستفتاء بتاتاً أن تركيا لم تعد تواجه تحديات داخلية وخارجية كبرى، فهي بالتأكيد تواجه تحديات كهذه. فما زالت مطروحة فيها بقوة، قضية التعامل بشكل مناسب مع تطلعات قطاع كبير من السكان الأكراد والعلويين والكنيسة الارثوذكسية في ما يتعلق بالحقوق الثقافية.

وبمعنى آخر، فإن على المجتمع التركي الحيوي والمتجدد ان يبحر قدماً مع الثقافة السياسية من حيث تبني القيم الإصلاحية والاجتماعية الحديثة. وان يعمل التمدين والعولمة الاقتصادية والتقدم الديمقراطي على تغيير المنظور المجتمعي والتقاليد الاجتماعية، بصفة عامة. خصوصاً وان تركيا لا تزال، على رغم ديناميتها التقدمية، التي قد تكون معطّلة أحياناً، تصنّف كدولة مفعمة بالنزاعات، بين الأتراك والأكراد، والإسلام والعلمانية، أو الشرق والغرب. ويمكننا مشاهدة الجدل المستفحل حول تخلّي تركيا عن تحالفاتها التقليدية الغربية لمصالحة توجهاتها التاريخية الشرقية.

تحاول تركيا، في خضمّ التردد الأوروبي تجاه انضمامها إلى العضوية الأوروبية، رسم خط سير بنيوي، من خلال تعزيز ممارستها الديمقراطية العلمانية، والازدهار الاقتصادي. إلا أنه يتعين عليها، أيضاً، التحرّك خطوة إضافية إلى الأمام ومساءلة الحقيقة البديهية الشائعة بأن مصيرها بدون أوروبا سيثير الكثير من التساؤلات ودواعي القلق على مستقبل وحالة لا شيء فيهما مضمون على وجه التحديد.

يدرك الاتحاد الأوروبي ان تقليص اعتماد تركيا على الحلم الأوروبي سيؤدي إلى تجاوز أسطورة أن أوروبا فقط هي التي تستطيع دفع عملية تحويل تركيا إلى الليبرالية، ومثلها دول الشرق الأوسط العربية.

لقد اعتدل الإسلام السياسي في عهد أردوغان وجاء اعتداله بما يلبي شروطاً ومطالب كثيرة لممثلي النظام العلماني، وللاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وإذا نجحت الديمقراطية التركية، بفضل هذا الاستفتاء التاريخي، في درء المخاطر الداخلية والخارجية، فإن نجاحها قد يؤسس لحل "التناقض التاريخي" بين الإسلام والعلمانية. خصوصاً وان الثقل الشعبي لخيار أردوغان وتوجهاته، التي تقوم على نبذ التطرف في وجهيه الإسلامي والعلماني توصلاً إلى حل للتناقض بين الإسلام والعلمانية في عالمينا العربي والإسلامي، وعلى ان يفهم هذا الخيار "الأردوغاني"، تحريراً للدولة من قبضة الدين، وتحريراً للدين من قبضة الدولة.

=================

لا تقلقوا.. المحور السوري ـ الإيراني بخير!

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

6-10-2010

كانت تلك رسالة القمة السورية - الإيرانية، التي عقدت في طهران يوم السبت الماضي بين الرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد، وبمشاركة من المرشد الأعلى علي خامنئي. الزيارة الخامسة للرئيس الأسد لإيران منذ تولي أحمدي نجاد الرئاسة، تجيء في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية، والعراقية، وكذلك الفلسطينية تعقيدات كبيرة. ولعل اللافت أن الزيارة لا يفصل بينها وبين زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى دمشق إلا قرابة العشرين يوما، وهي تأتي بعد أقل من أسبوع على لقاء كل من وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون بنظيرها السوري، وكذلك لقاء الرئيس السوري بالمبعوث الأميركي، جورج ميتشل، ورئيس القائمة العراقية إياد علاوي، مما يعني أن سورية لا تزال نشطة في لعب دور الوسيط بين إيران والعالم الخارجي، وأنها عربيا الأكثر قدرة على التأثير على إيران.

الرئيس الأسد وصف العلاقات بين البلدين الحليفين بأنها «عميقة وجذرية». وأضاف أن سورية وإيران «في خندق واحد ولديهما أهداف مشتركة»، ولم يفوت الرئيس الفرصة في التنبيه على فشل مشروع المفاوضات الذي تديره الولايات المتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه «لم يأت بجديد». أما الرئيس أحمدي نجاد فقد أكد نجاح مشروع «المقاومة»، وطالب قوى الاحتلال الأجنبية - الأميركيين بالطبع - بالرحيل، مرحبا بأي أمة تنضم إلى مشروع «المقاومة».

لعل المتابع للشأن الإقليمي يسأل: لماذا توقع البعض أن بالإمكان فصل سورية عن إيران، أو أن تضحي سورية بتحالفها التاريخي مع إيران؟ ومن أجل ماذا؟

في أواخر عام 2003، اتهم الأميركيون سورية بأنها تسمح بدخول الإرهابيين والأسلحة إلى العراق مستهدفة بذلك تقويض الوجود الأميركي في بغداد. نتيجة لذلك عملت الولايات المتحدة على التضييق على سورية، ونجحت في إقناع عدد من السياسيين اللبنانيين بالدفع في اتجاه استصدار القرار 1559 في سبتمبر (أيلول) 2004، الذي طالب بانسحاب القوات الأجنبية - السورية - من لبنان، ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية - حزب الله -. بعدها بشهور تم اغتيال رفيق الحريري، واتهمت سورية علنا من عدد من الأطراف اللبنانية بالمسؤولية. تعقدت العلاقات بين سورية وعدد من الدول العربية الرئيسية، واضطرت تحت ضغط من مجلس الأمن إلى الانسحاب من لبنان. حينها قررت أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وعدد من الدول العربية الرئيسية عزل سورية وإيران، لا سيما بعد تداعيات المشروع النووي الإيراني، وانتخاب أحمدي نجاد من قبل المحافظين في طهران. مضت بعد ذلك خمسة أعوام، افتعل فيها حزب الله حربا مع إسرائيل في 2006 أضرت بالاستقرار اللبناني كثيرا، تلا ذلك اعتصامات وإضرابات في بيروت حتى انتهت بغزو قوات حزب الله لبيروت والجبل في عام 2008. أما فلسطينيا، فقد انشقت حماس في حرب داخلية عن حكومة الوحدة مع حركة فتح في 2007، وخاضت حربها هي الأخرى مع إسرائيل نهاية عام 2008.

خلال تلك المرحلة التي قاربت الخمسة أعوام، التزمت إيران وسورية تحالفهما، واستطاعتا دعم حلفائهما في كل من: لبنان، والعراق، والأراضي المحتلة. بيد أن سياسة عزل سورية وإيران من قبل بعض الدول العربية والأوروبية قد بدأت بالتغيير خلال العامين الماضيين، إذ بدأت العلاقات السورية - العربية في المصالحة، وشمل التقارب كلا من أميركا وأوروبا بدعوى أنه يمكن فصل سورية، أو تحييدها على الأقل عن طهران.

في الوقت الراهن، لا يبدو أن هذه السياسة تؤتي ثمارها المرجوة. صحيح أن التقارب مع سورية قد نجح في استعادة قناة الاتصال (السورية) مع إيران والجماعات المحسوبة عليها في المنطقة، ولكن ليس أكثر من ذلك. بعبارة أخرى، فإن المنطقة تعود للحالة التي كانت عليها قبل أواخر عام 2003، بلا زيادة أو نقصان.

الاعتقاد الأميركي - على سبيل المثال - بأنه يمكن تحييد سورية عن إيران قد ثبت كونه وهما، وقائما على حسابات براغماتية مرحلية لا تتواءم مع طبيعة التحالفات في المنطقة.

في كتابه «سورية وإيران: التحالف الدبلوماسي وسياسة القوى في الشرق الأوسط»، يوضح يوبن جودرزي (2006)، أن الكثيرين لا يدركون مقدار الترابط العميق بين المصالح الاستراتيجية السورية والإيرانية، بحيث أن ضمانة الاستقرار لنظاميهما باتت تعتمد على الآخر. جودرزي يشير إلى أن النظامين على الرغم من اختلافهما الآيديولوجي لا يزالان حليفين منذ ثلاثين عاما، على الرغم من كون سورية «بعثية عربية»، وإيران جمهورية رجال دين. لقد وقفت سورية إلى جوار إيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية، وفي ذات الوقت دعمت إيران الوجود السوري في لبنان، وأعطتها اليد العليا في تقرير السياسات هناك. ولهذا، فإن فكرة أن تتقبل سورية إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل في مقابل التخلي عن طهران ليست واردة، لأن سورية تعتمد على طهران بشكل أساسي للمحافظة على بقاء نظامها في وجه أي تدخلات أجنبية بعد انهيار تحالفها مع مصر بعد حرب 1973، ناهيك عن أن إيران تستفيد من تحالفها مع سورية بوصفها طريق العبور الأساسي لها إلى منطقة الشام ولبنان لدعم حلفائها. لقد جنبت إيران سورية مخاطر اعتداء العراق في الثمانينات والتسعينات، ولولا وقوف إيران بجانب سورية لتمكنت الولايات المتحدة من إجبار سورية على التخلي عن أوراقها في المنطقة. حزب الله - المرتبط بإيران - استطاع المحافظة على المصالح السورية في لبنان، والدفاع عن سورية في أشد لحظات التوتر، بل يمكن القول إنه لولا حزب الله لما تمكنت سورية من العودة إلى لبنان، وانتزاع الاعتذار من الساسة اللبنانيين، وينطبق ذات الشيء على حركة حماس التي نجحت في أن تكون لسورية الكلمة الأولى فيما يتعلق بعملية السلام، والتفاوض مع أميركا.

هذا لا يعني أن المحور السوري - الإيراني ينجح، وأن الآخرين يفشلون، ولكنه يكشف أن محور «المقاومة» - كما يقال - ما زال قادرا على تجاوز الصعوبات التي تواجهه، وتقويض فرص السلام والاستقرار الحقيقي في المنطقة، وأن كثيرا ممن راهنوا على وجود محور حقيقي معارض للمحور السوري - الإيراني باتوا يواجهون خيبة أمل.

يقول البروفسور دانييل بايمن من معهد بروكينغز بواشنطن إن التحالف السوري - الإيراني على الرغم من اختلافهما الآيديولوجي يجعل متيرنيخ فخورا بصواب نظريته في أن توازن القوى - لا الأفكار - هو سر ديمومة العلاقات بين الدول. برأيي، أن التحالف السوري - الإيراني سيظل قائما ما دامت خارطة التحالفات الإقليمية مع أميركا ثابتة من دون تغيير، وأننا لسنا بصدد طلاق سوري - إيراني قريبا ما لم تتغير الظروف الداخلية في أي من البلدين. وحتى ذلك الحين، كل عام والمحور السوري - الإيراني بخير.

=================

أفغانستان: حرب بلا نهاية أو أسس منطقية

يوجين روبسون

الشرق الاوسط

6-10-2010

أيمكن لأحدكم أن يذكرني بما حققناه في أفغانستان؟ لا تتسرعوا في الإجابة، فما عنيته: ما النتائج الجيدة التي حققناها؟

حقيقة، أنا لا أدري، فكلما سمعنا بشأن تطورات الحرب سواء من أفغانستان حيث أرض المعركة أو من البيت الأبيض زاد إحباطنا. الصورة التي تبرز هنا هي لعملية عسكرية فاشلة حدد مسارها الزخم لا المنطق. ويبدو أن الجميع يدرك جيدا هذه الحقيقة، لكن لا أحد يرغب في وقف هذا الجنون، وهكذا نمضي.

لعل الأمر الذي أثار دهشتي إلى حد بعيد في كتاب الصحافي الكبير بوب وودورد «حروب أوباما»، مدى إدراك المسؤولين الذين يخططون وينفذون هذه الحرب لصعوبة إنهاء الحرب على النحو المطلوب.

ولنبدأ بالرئيس أوباما، الذي ترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة متعهدا أن ينهي الحرب في العراق ليحول الانتباه والموارد إلى أفغانستان، التي سماها «حربا ضرورية». وما إن وصل الرئيس إلى البيت الأبيض وافق في الحال على طلب عاجل للبنتاغون بإرسال 21000 جندي إضافي، لكنه قبل أن يلزم نفسه بمزيد من التعهدات أمر بمراجعة شاملة لأهداف الحرب والإستراتيجية والتوقعات. وهو ما كان جيدا في حينها.

لكن حينئذ، ووفق رواية وودورد، بحث الرئيس خيارين رئيسيين طرحا عليه، لكنه رأى أنهما لا يصلحان للتطبيق ومن ثم عمد إلى ابتكار إستراتيجيته الخاصة. كان الجنرالات يرغبون في الحصول على 40000 جندي إضافي لمتابعة عملية مكافحة التمرد الشاملة التي تقوم على كسب النوايا الطيبة وولاء الشعب الأفغاني. وحاول المتشككون في الخطة يتقدمهم نائب الرئيس جوزيف بايدن طرح خطة «هجين» - تتركز في الأساس على استراتيجية مكافحة الإرهاب وتدمير «القاعدة» - بإرسال 20000 جندي فقط.

إلى هذه النقطة ستلاحظ أن القضية تطورت إلى كيفية تصعيد الحرب، لا إمكانية تصعيدها أم لا.

كان الرئيس أوباما يبدي قلقا بالغا إزاء التكلفة، سواء من الناحية البشرية أو المادية لالتزام عسكري مفتوح. ومع استيائه من الطريقة التي يحاول بها البنتاغون التلاعب في المناقشات أخذ الرئيس على عاتقه كتابة «بنود اتفاق» من ست صفحات وصفها وودورد بأنها «تسوية قانونية»، حيث عنون زيادة عدد القوات 30000 جندي باستبدال كلمة «مكافحة التمرد» بعبارة جديدة هي «الهدف والتدريب والتحويل»، وأصدر قرارا بعودة القوات من أفغانستان في يوليو (تموز) 2011. كل ذلك كان من شأنه أن يزيل أي «مساحة للتذبذب».

لكن البنتاغون يجيد اللعب على كل الحبال، فبدأ وزير الدفاع روبرت غيتس والجنرالات على الفور في إطلاع الجميع بأن يوليو القادم هو مجرد موعد لبدء الانسحاب - وربما عدد قليل نسبيا من الجنود وإذا سمحت الظروف بذلك. واقتبس وودورد كلمات ديفيد بترايوس، قائد القوات في أفغانستان، في جلسة سرية: «يجب أن تدرك أيضا أنني لا أعتقد أنك تفوز في هذه الحرب.. هذا نوع من القتال الذي سنمضي فيه بقية حياتنا وربما حياة أبنائنا».

هل يمكن أن يفسر لنا أحد كيف يختلف ذلك عن الالتزام الأبدي الذي زعم أوباما أنه رفضه؟ لا أعتقد أن أحدا قادر على ذلك. هذا الخليط من التناقضات ربما يبدو منطقيا إذا كنا ننجز شيئا ما، لكن حكومة الرئيس كرزاي غارقة في الفساد حتى أذنيها كعادتها ولا تزال طالبان قوية ووسعت من نطاق علمياتها وحتى أكثر المتفائلين بشأن الحرب يرون التقدم الذي حققناه محدودا وهشا. ينتقد الصقور الرئيس على وضع موعد زمني محدد - طالبا من العدو أن ينتظر خروجنا - لكن إذا افترضت أن القوات الأميركية ستغادر في يوم ما، فإن الموعد المحدد ضرب من الخيال، فهذه أرض العدو لا أرضنا.

لكن هذه الحرب هامشية فقط بالنسبة لأفغانستان، فالمشكلة الحقيقية هي باكستان التي تملك السلاح النووي، وحليفنا المفترض التي تلعب لعبة مزدوجة - قبول المليارات من الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في الوقت الذي تمد فيه طالبان بالدعم والمشورة سرا وتغض الطرف عن وجود تنظيم القاعدة على الأراضي الباكستانية. حكومة باكستان ضعيفة ومؤسستها العسكرية تركز بصرها على غريمتها الهند لا أفغانستان أو تهديد الإرهاب الدولي.

قال أوباما خلال مراجعته الاستراتيجية، بحسب كتاب وودورد: «نحن بحاجة لأن نبين للشعب أن السرطان في باكستان»، لكن إذا كان الهدف من الحرب فعلا هو التأثير على الأحداث في باكستان، فمعنى ذلك أننا لا نقوم بعمل جيد.

ولعل السؤال الأخير هنا هو: ألم يحن الوقت لمراجعة أخرى للإستراتيجية؟

* خدمة «واشنطن بوست»

=================

لبنان: العنف وسيلة السياسة

الاربعاء, 06 أكتوبر 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

لقي «اتفاق الدوحة» إجماعاً من الأطراف اللبنانيين المتنازعين المجتمعين في العاصمة القطرية بعد أعمال حربية شهدتها بيروت والمناطق المحيطة بها في السابع من أيار (مايو) 2008، بفعل تضمنه بنداً يستبعد العنف من العمل السياسي. وكان هذا البند الذي تعهده الأطراف، بمن فيهم قوى «8 آذار» وقوتها الضاربة «حزب الله»، وراء التنازلات السياسية التي قدمها فريق «14 آذار» في هذا الاتفاق، خصوصاً أنه كان عاجزاً عن مواجهة العنف بالعنف، رغم حيازته حينذاك غالبية برلمانية.

في مقابل التخلي عن العنف، استطاعت قوى «8 آذار» أن تحصل على مكاسب في السلطة، وحتى في النظام السياسي، بما شكل خروجاً عن التسوية التاريخية المعروفة باسم «اتفاق الطائف».

وأدركت هذه القوى حجم هذه المكاسب حتى بات «اتفاق الدوحة» مرجعيتها في نظرتها الى السلطة، وحكم تمسكها بالبنود السياسية فيه التوافق على رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات النيابية التي أحرزت فيها قوى «14 آذار» تقدماً في التمثيل، وكذلك مرجعيتها في إدارة شؤون الدولة.

وربما كانت هذه الطريقة وكيفية تقاسم السلطة وراء فقدان العمل الحكومي فعاليته، وزيادة تدهور الوضعين الاجتماعي والمعيشي، بعدما باتت البلاد تواجه معضلة بين التوافق المستحيل والمواجهة الداخلية. وجرى، عملياً، تحييد دور رئيس الجمهورية وتعطل عمل مجلس الوزراء ورئيسه. وبات كل وزير صاحب «اقطاعية» يعمل فيها ما يشاء مستمداً قوته ليس من صفته الوزارية، ووقوف الحكومة ورئيسها معه كما يقتضي العمل الوزاري الدستوري، وانما من انتمائه السياسي أو الطائفي، كما يفرضه ميزان القوى على الأرض.

وبدا خلال الشهور الأولى من عمر الحكومة الحالية، وحتى بدء مصالحة رئيسها مع السلطة السورية، أن الجميع في لبنان باتوا قابلين بحدود اللعبة التي ارتسمت بعد «اتفاق الدوحة»، رغم ما تركه من سلبيات على عمل الدولة. لكن هذه المصالحة لم تصل بعد الى حدود التراجع عن المحكمة الدولية لمقاضاة المشتبه بهم في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. لتصبح هذه القضية، وما تفرع عنها من مطالب متعلقة بإلغائها وشهود زور وإستدعاءات، المبرر للتخلي عن بند العنف في «اتفاق الدوحة»، ما دام المعترضون على المحكمة يخيّرون مؤيديها بينها وبين السلم الأهلي.

أي إن السياسة فقدت قيمتها كوسيلة لحل الخلافات وأصبح العنف هو وسيلتها. وفقدت التسويات والتوافقات صفتها كأدوات لإرساء السلم الأهلي، ما دامت مهددة دائماً بالعنف ما لم تستجب لرغبات الطرف الأقوى على الأرض.

هذا العنف لا ينحصر في إدارة الوضع الداخلي فحسب، وانما يتجاوزه الى كل العلاقات الدولية للبلد التي تصبح مرهونة لمساعي تفادي المواجهة، وتالياً غير خاضعة للمصالح التي يمكن أن تنتج منها، خصوصاً تلك المتعلقة بالحماية التي يمكن أن توفرها الشرعية الدولية للبلدان الضعيفة المعرضة للتهديد، مثل لبنان.

في هذا المعنى، يُفرض على البلد نمط آحادي وسياسة فئوية، من دون الأخذ في الاعتبار التنوع والتعدد اللذين يُنظر إليهما في هذه الحال على انهما تهديد تنبغي مواجهته بالعنف، بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه هذا العنف وصولاً الى أعلى مراتبه، أي القوة المسلحة المتوافرة والمتزايدة.

=================

القضاء السوري وإلغاء المحكمة الدولية

الاربعاء, 06 أكتوبر 2010

رندة تقي الدين

الحياة

بعض اللبنانيين وحلفائهم الإقليميين يطالبون رئيس الحكومة سعد الحريري بإلغاء المحكمة الدولية والقرار الظني وبإقناع المحافل الدولية بضرورة دفن الحقيقة. فالمطلوب نسيان الزلزال الذي ألمّ بلبنان مع اغتيال رئيس حكومته رفيق الحريري ورفاقه وسائر الاغتيالات التي تلت مقتله. فكيف يقنع سعد الحريري محافل دولية ودولاً كبرى ديموقراطية بذلك وهي تصرّ على أن المحكمة لها مسار مستقل بينما لا يستطيع النظام السوري التدخل لإيقاف 33 مذكرة توقيف صادرة منه بسبب شكوى من مواطن لبناني الى القضاء السوري؟

فالسفير السوري في لبنان يقول إنه أمر قضائي وليس مرتبطاً بالعلاقة السورية - اللبنانية. وماذا عن المحكمة الدولية؟ أليست أمراً قضائياً؟ اليست تحقيقاً في من يقف وراء سلسلة اغتيالات استهدفت بعض خيرة رجال لبنان من رفيق الحريري الى باسل فليحان الى سمير قصير وجبران تويني الى بيار الجميل ووليد عيدو وابنه الخ؟... غريبة هذه المعادلة! رئيس حكومة دولة ضعيفة يُطلب منه إلغاء قرار دولي تبنته الدول الكبرى من أجل إيقاف الاغتيالات والإرهاب ونظام سوري يتطلع الى تحسين علاقته بلبنان لا يمكنه التأثير على قضائه! فكيف يُعقل ذلك؟ ومن يصدق مثل هذه المعادلة؟

البعض في الغرب اعتقد أن خروج سورية من عزلتها وفتح أبواب أوروبا وفرنسا لها والحوار الأميركي معها سيريحها وستسعى الى علاقات جيدة ومساواة مع لبنان. فتبادل السفراء بين البلدين تطوّر وهي خطوة كثيراً ما يحب الرئيس الفرنسي التذكير بأنها من صنعه وأن سياسته نجحت. فالرئيس الفرنسي مصر على المحكمة الدولية وأكد ذلك لأكثر من زائر عربي حاول إقناعه بتأخير القرار الظني. ولكن الرئيس الفرنسي له اهتمامات عدة ولبنان ليس أولوية في انشغالاته العديدة. فهو مهتم بدور على المسار السلمي ويدرك أن لبنان الضعيف لا يمكنه أن يقرر الدخول في مفاوضات سلام. وحاول ساركوزي في بداية عهده مع الرئيس ميشال سليمان وسرعان ما أدرك أن القرار اللبناني في سورية. فهو طامح للعب دور على المسار التفاوضي بين سورية وتركيا وإسرائيل، وهذا لن يحدث إلا اذا كانت علاقة فرنسا ممتازة مع سورية. فحماية العلاقة الفرنسية - السورية تمثل مكاسب أكبر وأولوية للرئيس الفرنسي لأنها قد تعطيه دوراً لو وافقت سورية على ذلك. ولكنها مصرة على الدور التركي. وفي كل الأحوال لا سلام في الأفق. فإسرائيل بحسب ديبلوماسي غربي معتمد فيها ليست مهتمة بالسلام مع سورية لأنها في حالة لا حرب ولا سلام معها بل اقرب الى حالة سلم والحدود الشمالية هادئة. وعاد لبنان الى المعادلة الماضية: تراجع السيادة مع موافقة الدول الكبرى في ظل سلطة ضعيفة وهيمنة قوى المعارضة.

فالمحكمة الدولية مهمة لمليون لبناني من جميع الطوائف نزلوا الى الشارع غداة سلسلة الاغتيالات التي استهدفت أبرياء ناضلوا بالكلمة والقلم من أجل السيادة. فقد قتلوا للاشيء! والمعركة القائمة حالياً حول المحكمة الدولية والقرار الظني ليست في الواقع على موضوع المحكمة. فالجميع يعرف أن لا معركة التمويل في لبنان ولا الضغوط على سعد الحريري ستلغيها. فهي بالأحرى معركة على أخذ المزيد من النفوذ وتغيير موازين القوى دستورياً. فتعديل اتفاق الطائف هو فعلياً ما تتمناه القوى التي تحرّك معركة المحكمة، فالقوى المهيمنة على الأرض بسلاحها وانتصارها على إسرائيل بحاجة الى دور أكبر مشرّع.

أما قتلة الحريري وبقية شهداء لبنان فلا أحد يعرف بعد جنسياتهم طالما لم ينته دانيال بلمار من تحقيقه. فقد تحوّل كل لبنان منذ فترة الى محقق مثل دانيال بلمار، من أمين عام «حزب الله» الذي استبق القرار الاتهامي ودافع عن الحزب متهماً إسرائيل الى رئيس الحكومة الذي أقر بأنه اتهم سورية خطأ. ولكن مَن يعرف ماذا لدى بلمار؟ لا أحد. فالكل في لبنان يتخوّف من مخاطر القرار الظني. ولكن التخوف فعلياً هو من مخاطر تراجع سيادة دامت لفترة وجيزة وأصبحت وهمية بفضل بعض اللبنانيين، والدول الكبرى تغيّرت وتريد القطيعة مع ما سبقها، خصوصاً أن مصالحها هي مع الدول القوية حتى ولو لم تكن ديموقراطية.

فرحم الله قتلى لبنان والشهادة من أجل السيادة والاستقلال، فقد اغتيلوا وقلوب أهلهم وأحبائهم معهم! وخسر لبنان معركة السيادة!

=================

اجراءات الإصلاح المالي لم تعالج عين الداء

الاربعاء, 06 أكتوبر 2010

جوزيف ستيغليتز *

الحياة

قبل عامين، أسهم افلاس «ليمان براذرز» في اندلاع اكبر ازمة مالية في العالم منذ الانهيار الكبير. وبُذلت مساعي كثيرة لتفادي تكرار ما حصل. ولكنها غير كافية. فعلى سبيل المثال، أقر الكونغرس الأميركي قانون دود- فرانك لتحسين تنظيم القطاع المالي، وضبط عمله. ولكن الإصلاح هذا تشوبه ثغرات. فهو، شأن جُبن الـ «غرويير»، مليء بالثقوب. والتزمت الإصلاحات معايير الضبط، ولكن المصارف حملت الكونغرس على القبول باستثناءات كثيرة. ومن أبرز بنود الإصلاح انشاء مصلحة حماية المستهلك أو المتعامل المصرفي لمكافحة اساليب المؤسسات المالية المارقة. ولكن قرض السيارة، وهو يتصدر أولويات قروض معظم الأميركيين، استثني من رقابة المصلحة هذه.

وخطت الرقابة على المشتقات المالية خطوات كبيرة. ولكن عدداً كبيراً من المشتقات هذه بقي خارج الرقابة. ولا تحول الإصلاحات دون فرض فائدة تعسفية على مستخدمي بطاقات الائتمان قد تبلغ قيمتها 30 في المئة، في وقت تستدين المصارف بفائدة لا تتجاوز الـ0 في المئة. وأهمل الإصلاح معالجة أبرز المشكلات، وهي مشكلة «المصارف الكبيرة التي هي أكبر من أن تفلس». وعُوِّمت هذه المصارف، وسمح لها بتوزيع المكافآت من أموال المكلفين.

ولم يكن أداء أوروبا افضل، على رغم انها أنجزت اصلاحات في مجالات مهمة، مثل المكافآت وصناديق المضاربة. وعلى ضفتي الأطلسي، لم يُقدم مشرّعو الضوابط على ما يبعث ثقة المراقبين فيهم. فهؤلاء الأشخاص لم يستبقوا الأزمة السابقة. ولا شيء يحدوني الى وضع ثقتي في بن برنانكي، رئيس الاحتياط الفيديرالي الأميركي. فهو لم يتوقع اندلاع الأزمة، واستخف بنتائجها حين وقعت.

وضيّع أوباما فرصة المبادرة الى الإصلاح يوم كانت الأزمة في ذروتها. وهو اليوم في وضع حرج. فشأن عموم الأميركيين، ينظر أوباما مستهجناً الى تقاضي المصرفيين مكافآت باهظة القيمة، في وقت شارف معدل البطالة على بلوغ عتبة الـ10 في المئة. ولكنه حين يحاول معالجة المشكلة، تندد أوساط الأعمال بسياساته، وتصفه بـ «الاشتراكي»، وتتهمه بـ «معاداة الأعمال». وأراد أوباما أن يكون رئيساً توافقياً يجسر هوة الانقسام السياسي الحاد الموروثة من عهد الرئيس جورج بوش. ولكن المصالحة تفترض طرفين. والجمهوريون ومصرفيو وول ستريت لا يرغبون في المصالحة.

والنمو الاقتصادي ضعيف بالولايات المتحدة، ولا يسهم في تقليص معدلات البطالة، والتقلص رهن انبعاث النمو الى عتبة 3 في المئة، على الأقل. ولا يُتوقع أن يُبلغ مثل هذا النمو، قبل 2012.

وتراجعتُ عن توقع «اختفاء» اليورو. فالاتحاد الأوروبي انتهج سلسلة إصلاح بنيوية، على غرار إنشاء صناديق تثبيت العملة. والوقت يمتحن نجاعة الإصلاح هذا الذي لم يطمئن الأسواق بَعد. فالدين ارتفع 19 نقطة قياساً على الناتج المحلي، في ارلندا. وأُسيئت ادارة عملية إنقاذ المصارف من الإفلاس، وإجراءات التقشف ترمي بثقلها على النمو، فيتبدد أثرها في تقليص العجز.

ولا تملك الدول الصغيرة ترف الاختيار بين انتهاج سياسة تقشف أو تركها. ولكن حرّياً بدول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا ألا تقلص النفقات تقليصاً اعتباطياً، وأن توجهها (النفقات) الى الاستثمارات المنتجة التي تعود بالأرباح، وتسهم في تخفيض الدين العام. والسوق تفتقر الى المنطق. ومثل هذه الاستراتيجيا الاقتصادية لا تطمئنها. فمحرك السوق هو الأرقام «الخام». وإجراءات تقليص النفقات في الدول الكبيرة تبطئ حركة النمو في أوروبا. وارتكبت ألمانيا خطأين. فهي ترددت في مساعدة اليونان، واسهمت في تعاظم الأزمة. وانتهجت سياسة تقشف مؤذية وضارّة.

وتتهم الولايات المتحدة سياسات الصين بالوقوف وراء الخلل التجاري من طريق مراكمة فائض تجاري كبير، وترك تحفيز حركة الاستهلاك. ولكن ألمانيا هي مسؤولة عن خلل تجاري اعظم. وكلتا الدولتين يرد على الاتهامات رداً يعظم فضيلة الادخار. وهذا لا يصح في وقت الأزمات. فعندما تتعثر حركة الطلب في العالم، ترتفع معدلات البطالة.

والمؤسسات الدولية التقليدية عاجزة عن تذليل المشكلة الناجمة عن ضبط حكومات «محلية» الاقتصاد العالمي. والمسألة معقدة ومركبة. ومن يريد إبقاء الأمور على حالها ينادي بـ «حل المشكلة حلاً عالمياً». وأدرك عدد كبير من الاقتصاديين أن أولويات الدولة تفترض حماية مواطنيها. وما يترتب على المسؤولية هذه هو اجراءات اقتصادية «وطنية» وغير دولية. ويبدو أن تنسيق تنظيم عمل الأسواق لن يبقى على حاله، وأن التفاوت في التنظيم من غير تنسيق سيتعاظم. فالأسواق المندمجة تواجه مخاطر كبيرة. فعدوى مصاب الواحدة منها تنتقل الى الأسواق الأخرى انتقالاً سريعاً. وكادت الأمراض التي اصابت الأسواق المالية الأميركية أن تطيح الاقتصاد العالمي كله. وعليه، تبرز الحاجة الى انظمة وقاية تسمح بعزل مؤسسة أو سوق مصابة ووضعها في محجر صحي.

واقترحت انشاء مجلس تنسيق اقتصادي عالمي لتنسيق السياسات الاقتصادية والإجراءات المالية. فمجموعة دول العشرين تمثل الدول الغنية وحدها. وفي وسع كل قارة انتداب ممثل لها الى المجلس يدافع عن مصالحها. ودعوت الى ابتكار عملة دولية جديدة تستخدم في مشاريع تخدم مصلحة عالمية عامة، مثل مكافحة الاحتباس الحراري ومساعدة الدول الفقيرة. فمفارقة القرن الواحد والعشرين هي أن الدولار، وهو عملة وطنية محلية، يؤدي دور الاحتياطي العالمي. ومع الأزمة، وتبدد الثقة في القيادة الأميركية السياسية والاقتصادية، بدا ان عجلة النظام الراهن لا تدور. فالنظام هذا غير منصف، ويسهم في اختلال الاقتصاد العالمي.

والمصارف الخاصة لا تؤدي عملها على احسن وجه. وشغلها الشاغل هو أعمال المضاربة، عوض إقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وأُنفقت بلايين الدولارات على إنقاذ المصارف الكبيرة على شرط اضطلاعها بدعم الاقتصاد، ولكنها لم تفعل. ولذا تبرز الحاجة الى إنشاء مصارف عامة. وتعاظم هوة التفاوت أسهم في اندلاع الأزمة. ففي العقود الثلاثة الماضية، تعاظمت الفروق الاجتماعية في الدول المتقدمة، خصوصاً في الولايات المتحدة. وعوض معالجة المشكلة هذه، دُعي الناس الى الاستدانة من غير احتساب النتائج. وفي الأزمة الأخيرة، تبدد الثراء الوهمي جراء انفجار فقاعة القروض. وفاقمت اجراءات معالجة الأزمة الأخيرة في الولايات المتحدة مشكلة اللامساواة. فأكثر المتضررين من عصر النفقات هم الفقراء والطبقات غير الميسورة. وحريّ بالولايات المتحدة الغاء قانون اعفاء الأثرياء من الضرائب، وانتهاج سياسة الضرائب الموجهة. فتمنح حوافز ضريبية الى الشركات التي تسهم في الاستثمار.

* حائز جائزة نوبل للاقتصاد، عن «لكسبريس» الفرنسية، 22/9/2010، اعداد منال نحاس

=================

عين واشنطن على ايران وعين موسكو على القوقاز

الاربعاء, 06 أكتوبر 2010

اندريه تيريخوف *

الحياة

الولايات المتحدة عاجزة عن صوغ حل يحمل ايران على وقف مساعي حيازة السلاح النووي. وتوجيه ضربة الى منشآت ايران النووية ممكن سياسياً وتقنياً. وقد تبادر الولايات المتحدة أو اسرائيل الى مثل هذه الضربة. ولكن أحداً لا يرغب في أن تأخذ الامور هذا المنحى.

ومرد المشكلة الى ضعف تجاوب ايران مع المساعي الديبلوماسية، وضعف تأثرها بالعقوبات الاقتصادية. ويبدو أن الإدارة الأميركية تسير في «الاتجاه الخاطئ». فهي تراهن على تعاظم سخط الايرانيين نتيجة إحكام الضغط الاقتصادي الخناق عليهم، ما يحمل طهران على اعادة النظر في أولوياتها. ولكن الهدف هذا قد لا يبلغ في القريب العاجل.

ويلقي الاميركيون اللائمة على موسكو، ويتهمونها بتجاهل تحذيرات واشنطن من مترتبات ايران نووية، وتجاهلها المترتبات هذه حفاظاً على مصالحها التجارية مع إيران. وثمة دواعٍ كثيرة تحمل روسيا على الحذر في مقاربة ملف ايران. والحق ان دوافعها ليست تجارية فحسب. وتعارض موسكو حيازة ايران السلاح النووي وانتشار اسلحة الدمار الشامل، ولا تثق بطهران، وتجد صعوبة في التفاهم مع القيادة الايرانية الحالية. ولكنها لا تعتبر ايران نووية نهاية العالم. فهي على يقين من أن طهران لن توجه السلاح النووي اليها.

وتدرك روسيا ان في وسع طهران أداء دور سلبي في الشيشان وطاجيكستان. وتتخوف من ان يؤدي توتر العلاقات مع ايران الى بروز تعقيدات ومصاعب كبيرة في القوقاز الشمالي وآسيا الوسطى. والتعاون الروسي - الايراني ناجح في منطقة القوقاز الجنوبي وآسيا الوسطى. وقناة التعاون هي منظمة شنغهاي. فإيران تساهم في إعداد قرارات المنظمة.

والإيرانيون عززوا موطئ قدمهم في بعض المناطق الروسية، ومنها تتارستان. وليست الاستهانة بتوسل ايران العامل الديني لزعزعة الاستقرار في القوقاز وتأجيج النزعات الانفصالية فيه وفي المناطق الروسية الاخرى، في محلها. وتحاول موسكو الموازنة بين مصالحها التجارية مع ايران في مجال الاسلحة والتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية من جهة، ومصالحها الداخلية والدولية، من جهة أخرى. فهي لا ترغب في مساعدة طهران ولا في القتال ضدها.

وثمة من يحسِب في اميركا ان روسيا تتوقع تقاضي ثمن لقاء مجابهتها ايران. وهذا الثمن قد يكون ابرام اتفاق تعاون روسي – اميركي في مجال الطاقة السلمية، أو تيسير بيع موسكو دولة خليجية بارزة كميات من الاسلحة الحديثة مقابل امتناعها من التعاون العسكري – التقني مع ايران. ولكن اشراف رئيس الورزاء الروسي، فلاديمير بوتين، وحده على الملف الايراني، واحتكاره اتخاذ القرارات المهمة، يُعقّد العلاقات بين واشنطن موسكو. فعلى خلاف الرئيس ميدفيديف، لا يثق بوتين بالغرب، على رغم انه يريد تحسين العلاقات بأميركا. ولكنه يرهن تحسين العلاقات باحترام واشنطن مصالح روسيا في جوار الاتحاد السوفياتي السابق.

ويتفهم كثيرون في واشنطن دواعي حذر موسكو من ايران. ولكن واشنطن لن تراعي مشاغل روسيا كلها. فهي مضطرة الى تسوية حساباتها مع الكونغرس ومع مجموعات الضغط (اللوبي)، والى تذليل مشكلات أوضاع أفغانستان وباكستان. ومناورات روسيا الديبلوماسية مع ايران تحمل واشنطن على الطعن في صدقيتها. فهي تواجه شريكاً صعباً يتوسل تكتيكاً حاذقاً. وخير مثال على الحذاقة الروسية ارجاء الروس انجاز محطة «بوشهر» النووية الايرانية الى ما بعد الموعد المحدد، وإلزام طهران إعادة الوقود النووي المستخدم الى روسيا خلافاً للعقد. فظهرت أظافر الايرانيين «مقلمة». وترى معظم القيادات الايرانية ان ايران ورقة تلعب بها موسكو في علاقتها بأميركا، في وقت لا يخفي المراقبون الروس انزعاجهم من رفض ايران تقديم تنازلات في الموضوع النووي، ويرون أنها عبء على روسيا يجب التخلص منه.

* صحافي، عن «نيزفيسيميا» الروسية، 29/9/2010، إعداد علي ماجد

=================

حرب يقترب أوانها

آخر تحديث:الأربعاء ,06/10/2010

ميشيل كيلو

الخليج

لو أجرينا جردة سريعة لبؤر التوتر والصراع القائمة في عالمنا الراهن، لوجدنا أن القسم الأكبر منها يتركز في منطقتنا العربية وجوارها، أو هو على صلة معهما . ولو تأملنا السياسات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي لوجدناها تتمحور في معظمها حول منطقتنا وجوارها، لأسباب تتعلق بمستقبل جميع الدول، كبيرها وصغيرها، قويها وضعيفها، منها موقع وطننا الاستراتيجي، الذي يمسك بالقسم الأكبر من نقاط الفصل والوصل الكونية، وما تختزنه أرضه من ثروات طبيعية ومعدنية كالنفط واليورانيوم والحديد والذهب، ويمتلكه من مياه وأرض زراعية وقوى بشرية، وفوائض مالية ضرورية لحل مشكلات الاقتصاد العالمي، وتنمية التجارة الدولية واستكمال الثورة العلمية/ التقنية ودفعها قدما إلى الأمام .

 

ولعله من اللافت أن النظام العالمي الجديد، الذي أسموه نظام القطب الأوحد، لم يقم في أي مكان من العالم إلا عندنا، وأنه سارع، بمجرد أن اختفى السوفييت، إلى اقتحام مجالينا الوطني والقومي، وحذف بعض توازناتهما التقليدية، التي تأسست مع اتفاق سايكس  بيكو إبان الحرب العالمية الأولى، وبعض دولهما، ورفع أو خفض مكانة وقوة ودور غيرها، بينما دفع بجيوشه إلى داخل بلدان عربية وطوق غيرها بقوات بحرية وجوية متفوقة، وأعلن على لسان جورج بوش الأب رغبته في تطهير المنطقة من خصوم وأعداء أمريكا، وعزمه على منع دخول أية قوة أخرى إليها: منافسة كانت أم شريكة، وكذلك منع ظهور أية قوة إقليمية يمكن أن تبلبل خططه وسياساته .

 

لا عجب أن حدة النزاعات في بقية مناطق العالم خبت أو تراجعت بالتدريج، أو بدلت أشكالها ومضامينها، بينما تفاقمت النزاعات في منطقتنا وجوارها إلى درجة غير مسبوقة، وبدا وكأن الحرب الباردة التي انتهت في كل مكان، قد انتقلت إلينا في شكل حرب شديدة السخونة، زادتها استعاراً المطامع والمنافسات الدولية والإقليمية والمحلية، ومراكز القوة والعدوان القائمة على أطرافها وفي مراكزها، حتى صار السؤال الذي يتردد يوميا على ألسنتنا هو: متى ستنشب الحرب؟ وليس: هل ستنشب؟

 

إنه سؤال تسوغه وقائع كثيرة هذا بعضها:

 

  كثرة بؤر التوتر والصراع والعنف القائم أو المحتمل، المبثوثة في كل مكان من وطننا: من الصومال إلى العراق، ومن موريتانيا إلى لبنان . وكثرة ما هو موزع ومخزن من سلاح في أيدي الخواص والدول، وكثرة المشكلات التي تؤلب المتنازعين بعضهم ضد بعض وتجعل خلافاتهم عصية على الحل، خاصة بعد أن حمّلت بمضامين مذهبية أضيفت إلى ما كان قائماً من مشكلات مزمنة، تفاقمت بدورها وتحولت إلى ألغام يمكن أن تنفجر في أي وقت، بينما زج بالتاريخ والجغرافيا في الصراع، وحلت محل المشتركات خنادق ومتاريس فاصلة تقدم التغطية الضرورية لمذابح مروعة، لا نهاية ولا حدود لها، يمكنهم القيام بها متى أرادوا، أو إذا ما تلقوا أوامر بتنظيمها، ضد أي مختلف .

 

 كثرة الجهات والدول المتصارعة، وتنوع وتعدد موضوعات صراعها . وهي جهات ودول متناقضة السياسات متنازعة المصالح، يستغل الإقليمي منها ضعف العرب وافتقارهم إلى دولة أو محور دول يلتفون حولهما، ويتبادلون بالتنسيق معهما أو تحت إشرافهما حماية بعضهم البعض وحفظ حقوقهم . ضعف العرب، بعد أن عجزوا عن إجبار “إسرائيل” على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، واحتل العراق، وتفتت ما كان قائماً من علاقات عربية، وتراجع دور الجامعة العربية، وتحالفت معظم دولنا مع فصائل وزمر تنشط ضد دول أخرى، وبرزت أسس للاختلاف بين العرب لم تكن معروفة أو مهمة من قبل، ما أتاح للخارج فسحة تدخل واسعة في شؤونهم، أقنعته أن بوسعه تعميق هوة الخلافات والصراعات العربية، والاستيلاء، في نهاية المطاف، على قرار العرب وإرادتهم، وإدخال المنطقة في متاهة لا يعرف أحد دروبها، ولا يعلم إلى أين تقود، وإن كان ثمة هناك اقتناع عام بأن السير فيها سيكون وخيم العواقب بالنسبة إلى الجميع .

 

 كثرة الجهات والقوى الدولية التي تتنافس وتتصارع على منطقتنا، ودخولها مؤخراً إلى مجال من العلاقات كان خارج الصراع خلال العقدين الماضيين، ورغبة بعضها في استغلال ضعف أمريكا نتيجة حربي العراق وأفغانستان، واندفاعها الصريح إلى حرب باردة جديدة فيها، تقف كل قوة منها على متراس، محاولة استغلال انقسام العرب والإفادة من وضعهم الراهن، مما يترجم نفسه إلى صراعات محتدمة بينها قد تنقلب في أية لحظة إلى حرب ساخنة، لا تبقي ولا تذر .

 

في هذا الوضع المعقد والشديد الخطورة، تبرز سمات خاصة ستقرر وقوع الحرب أو استمرار السلام، منها:

 

 تفاعل العلاقات المحلية مع الإقليمية والدولية بطريقة تجعل من المحال بقاء أية حرب محدودة أو مقتصرة على دولة بعينها . اليوم، تتداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية إلى الحد الذي يلغي الحدود بينها، ويجعل من الصعب التحكم بأية أزمة تنشب في أي مجال أو مكان . وبالنظر إلى كثرة السلاح وسعة انتشاره وكثرة حملته وضعف السيطرة عليهم، فإن بوسع أية قوة محلية إطلاق رصاصة الحرب الأولى، التي يمكن أن تنقلب حتماً إلى حرب شاملة ستطاول المجالات العربية والإقليمية وربما الدولية، على حد قول رئيس إيران أحمدي نجاد .

 

 لم يعد نشوب الحرب متوقفاً على أسباب داخلية ، وقد يكون لأسباب خارجية: إقليمية أو دولية، كأن ترى إيران أو أمريكا و”إسرائيل”، على سبيل المثال لا الحصر، بدء الحرب من لبنان أو غيره، على أن تمتد فيما بعد إلى مناطق أخرى، قريبة وبعيدة . من هنا، لا يوجد اليوم معيار يصلح لمعرفة حقيقة ما يجري، وقياس صحة الوقائع والمدى الذي بلغه تأزمها . يعني هذا أن الحرب قد تكون مستبعدة، وقد تفاجئنا، بالمقابل، في أية لحظة .

 

 لن تكون الحرب القادمة خاطفة أو سريعة أو محدودة، بل ستكون حرباً ضارية لن توفر بشراً أو حجراً . إن كثرة السلاح وحجم الأحقاد وطابعها، وتعقيد وتشابك صراعات المنطقة يجعل حلها صعباً إلى أبعد حد بوسائل السياسة والدبلوماسية . أما التحديات المصيرية التي تواجه الأطراف المتصارعة، فهي تتكفل بجعل الحرب عامة/ شاملة، يصعب حصرها في منطقة ضيقة أو إبقاؤها مقيدة بشرياً وجغرافياً . ولعل خير تعبير عما سيقع جملة لرئيس أركان جيش العدو وردت في خطاب ألقاه قبل قرابة خمسة أعوام، تقول: “يجب أن نحول جيشنا إلى جهة تحسن القتل، لا ترحم أحداً، وتقتل كل من تقع عينها عليه بدم بارد” .

 

تنضبط المنطقة الآن بالخوف من تحول أية حرب محدودة إلى حرب إقليمية ودولية واسعة، وبالرعب من حجم الدمار الذي سيلحق بجميع أطرافها . لكن الخوف لا يضمن سلاماً، بل قد يكون السبب المباشر لانهيار أعصاب حملة السلاح وقدراتهم العقلية، ولانطلاق رصاصة الهلاك الأولى .

حفظ الله مواطنينا وأمتنا وبلداننا .

=================

قراءات مختلفة للرسائل السوريّة والموقف من المحكمة الدولية

هل بات الحريري أمام خيارين أحلاهما مرّ؟

سمير منصور

النهار

6-10-2010

كان لافتاً أن اوساطاً قريبة من رئيس الحكومة سعد الحريري، لدى استيضاحها السبت الماضي حقيقة ما يحكى عن تراجع في علاقته بدمشق، بقيت تؤكد أن ثمة متضررين من تنامي هذه العلاقة يقفون وراء التسريبات، وأن الاتصالات مستمرة بين الحريري والرئيس بشار الأسد مباشرة وعبر قنوات مختلفة، وان آخر اتصال بينهما "كان قبل ثمانية أيام وجاء بمبادرة من الأسد". وبدا لاحقاً أن هذا التوضيح لم يكن يعني عدم وجود مآخذ سورية وتباينات في المواقف في أماكن مختلفة، ولا يعني في الوقت نفسه عدم المضي قدماً في العلاقة الجيدة والمتطورة مع القيادة السورية والتي بدأت من خلال "المصالحة التاريخية" بين الأسد والحريري في 19 كانون الأول 2009. وقد عبّر الحريري شخصياً، وفق بعض نوابه، عن اصراره على عدم التراجع عن هذه العلاقة حتى بعد صدور مذكرات قضائية سورية في حق 33 لبنانياً.

وكذلك الأمر فإن دمشق، بلسان سفيرها في لبنان علي عبد الكريم علي حرصت على الفصل بين الخطوة القضائية السورية والعلاقة "بين دولة الرئيس الحريري وسوريا". ولكن ذلك لا يعني في أي حال ان الخطوة لم تكن سمتها الأساسية رسائل سياسية سورية قوية الى الحريري، وربما أبعد، وقد تزامنت مع وجوده في زيارة مفاجئة للمملكة العربية السعودية. وابسط سؤال ممكن أن يطرح في هذا الصدد هو: "هل المذكرات القضائية السورية كانت لتصدر لو أن علاقة الحريري بالقيادة السورية تسير على ما يرام ووفق ما اتفق عليه في اللقاءات الخمسة الطويلة بين الأسد والحريري في ظل تكريم رئاسي سوري وآخرها كان في 30 آب الماضي؟

أن تكون هذه العلاقة "على ما يرام" يعني وفق الرسائل السورية التي تهطل كالمطر ومنذ فترة غير قصيرة، أن ثمة خطوات كان على الحريري القيام بها منذ المصالحة الكبرى بينه وبين الرئيس الأسد. وبات معروفاً أن هذه الخطوات تندرج تحت عنوان كبير هو المحكمة الدولية. وقد تدرّج الموقف السوري من دعم "حزب الله" ومؤازرته في التصدي للقرار الظني المحتمل للمحكمة على خلفية تسريبات متتالية تجزم بتضمنه اتهاماً لعناصر من "حزب الله"، مروراً بالدعوة الى محاكمة شهود الزور، وصولاً الى الدعوة الى الغاء المحكمة، بناء على الموقف الذي عبّر عنه وزير خارجية سوريا وليد المعلم في حديثه الى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

ويدرك المطلعون على أجواء دمشق، ان التسريبات المتتالية حول "ما هو مطلوب من الحريري" ومن خلال وسائل مختلفة، لم تأتِ من العدم. وقد سمع هؤلاء منذ اسابيع مواقف ديبلوماسية سورية واضحة حول "ضرورة محاكمة شهود الزور وإعادة الاعتبار الى الضباط الأربعة معنوياً، مثل اعادتهم الى مراكزهم" وتكرار الحديث عن تسييس المحكمة، وكذلك حول "التناقض بين المواقف الهادئة التي يعبر عنها الرئيس سعد الحريري ومواقف بعض نواب كتلته والقريبين منه حيال دمشق، (يومها ذكرت المصادر ثلاثة بالاسم نائبين حاليين ونائباً سابقاً). وقد انحسر هذا التناقض سريعاً ومنذ فترة غير قصيرة. وبعد ذلك بدأ الحديث عن "تناقض بين مصالحة الحريري والقيادة السورية واستمرار تحالفه مع من يجاهرون بخصومتها، وبعضهم يناصبها العداء، في اشارة الى الرئيس أمين الجميل رئيس حزب الكتائب ونجله النائب سامي، وبالتأكيد إلى رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، والذي لم ينفع ترحيبه تكراراً بمصالحة الحريري ودمشق وباعادة بناء أفضل العلاقات بين لبنان وسوريا، ولم يؤد الى تخفيف توجّس دمشق من موقعه السياسي ومواقفه. ولم يعد سراً أن المطلوب من الحريري وفق التسريبات الآتية من دمشق، الاختيار بينها وبين تحالفه مع "صقور" 14 آذار، وفي طليعتهم جعجع. وفي موازاة امتناع الحريري ومعاونيه الأقربين عن التعليق على الخطوة السورية المباغتة، فإن نواب كتلته يعكسون في تصريحاتهم أجواء استياء وأسف، ويبدون عتباً على دمشق لإقدامها على هذه الخطوة التي شكلت في رأيهم طعنة للعلاقات اللبنانية – السورية واستهدفت الرئيس الحريري شخصياً" وأن "لا قيمة ولا مفاعيل قانونية وقضائية لها" إذ انها "تتناقض والاتفاقية القضائية بين لبنان وسوريا".

ومهما يكن من أمر الخطوة السورية، فإنها شكلت صدمة حقيقية بكل معنى الكلمة. وعلى الرغم من ذلك يمكن أن تتحول صدمة إيجابية إذا خلصت النيات عند الجميع. ولم ينس اللبنانيون مذكرات مشابهة كان أبرزها ذات يوم في حق رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط، وقد سميت "مذكرات جلب" ومرّت... ومَنْ يدري. فقد تكون اليوم على طريقة "اشتدي أزمة تنفرجي" ولاسيما ان المنطقة تمر في زمن التسويات وقد بدأت بوادرها في العراق من خلال التفاهم حول الحكومة هناك واستبعاد أياد علاوي المقبول عربياً ورئيس الكتلة النيابية الأكبر، وفي وقت لا يزال الحديث جدياً عن تأكيد استمرار التفاهم السعودي – السوري وعدم تراجعه، أقله حيال لبنان.

وأبعد من المنطقة، ثمة حديث عن تسويات "يؤخرها عدم التفاهم على الثمن" وفق تعبير مرجع سياسي، والتفاهم مع سوريا هو أول "الدفاعات" لتجنيب لبنان تحمل الحصة الأكبر من هذا الثمن.

كان الله في عون سعد الحريري. قدره منذ الجريمة – الزلزال مواجهة الاستحقاقات والبقاء أمام خيارات صعبة معظمها يبدو في جوانب كثيرة وتحت العنوان الأكبر للأزمة، أي المحكمة الدولية، من النوع الذي يمكن اختصاره بخيارين، أحلاهما مرّ!

=================

النظام العربي يقدّم فلسطين هدية لأوباما و«السلطة» رهينة دولة يهود العالم..

طلال سلمان

السفير

6-10-2010

مع كل جولة جديدة من جولات التفاوض بين «السلطة الفلسطينية» وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، تحت الرعاية الأميركية، يضع الفلسطينيون ـ ومعهم معظم العرب ـ أيديهم على قلوبهم متوقعين إقدام هذه «السلطة» على ارتكاب تنازل جديد يمس جوهر الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في أرضه ومستقبله فيها.

أسباب التخوف مفهومة ومحددة، وان كانت متعددة، بينها:

اولاً ـ يتواصل تهافت موقف أهل النظام العربي، ويتحول تدريجياً الى أداة ضغط شديد ليس على «الإسرائيلي» الذي كان عدواً «فبات أقرب» الى «الحليف» بل على الطرف الفلسطيني الضعيف أصلاً، ولأسباب شتى بينها «الداخلي» وبينها «العربي» واستطراداً «الدولي».

وهكذا فإنه مع كل جولة جديدة للتفاوض، والتي غالباً ما تستدعي تنازلات إضافية من «السلطة الفلسطينية» نتيجة ضغوط عربية عليها، بوهم استمالة الإدارة الأميركية، وشراء تأييدها، يصير المفاوض الإسرائيلي القوي بما يكفي، أقوى بهذه «الرشى» العربية للإدارة الأميركية التي لا تجد والحالة هذه بداً من الانحياز الفاضح الى المطالب الإسرائيلية.

وفي حالات مشهودة تبدى موقف الرئيس الأميركي الأسمر ذي الجذور الإسلامية أقسى على الفلسطينيين، ومعهم أهل النظام العربي من الإدارات السابقة.

تكفي الإشارة الى ان الرئيس الأميركي أوباما قد اندفع قي تأييد شعار إسرائيل دولة يهود العالم الى أبعد مما ذهب اليه سلفه الرئيس السابق جورج.و.بوش أمام ارييل شارون في العام 2004، وأبعد مما قصده الجنرال كولن باول الذي كان أول مسؤول أميركي يستخدم تعبير «إسرائيل دولة يهودية» وذلك في العام 2001، والذي قال في ما بعد إنه لا يعرف كيف ومن دس هذا التعبير في خطابه الذي توجه فيه الى الفلسطينيين.

ثانياًـ ان هذه السلطة، بوضعها الراهن، مطعون في شرعيتها فلسطينياَ... حتى لو تجاوزنا موضوع «الانتخابات» وانتهاء مدة التفويض الشعبي، التي «منحتها» اتفاقات اوسلو لها: فغزة قد انفصلت، بالمليون ونصف المليون فلسطيني فيها، تحت «سلطة» أخرى، هي «حماس»، وبالتالي فهي خارج البحث، مبدئياً، ووضعها معلق على نتائج مفاوضات بين سلطة لا تمثلها (عملياً) والاحتلال الإسرائيلي... هذا فضلاً عن ان فلسطينيي الشتات وهم يعدون أكثر من إخوتهم في الأرض المحتلة، خارج البحث، حتى إشعار آخر.

ولعل شعور رئيس هذه السلطة بأن النقص في شرعيته كان بين أسباب اندفاع الإسرائيلي الى ذروة تطرفه، متكئاً في الوقت ذاته على انحياز الإدارة الأميركية، الذي بات مكشوفاً وان استمر أهل النظام العربي يرفضون الاعتراف بانحيازه، لأنهم أصلا لا يملكون خياراً آخر... وربما لهذا كله عاد من واشنطن خائباً، مملوءاً بالمرارة. وكعادته في مثل هذه الحالات فإنه بدأ يلوح بالاستقالة، مفترضاً أن استقالته ستزعج الأميركيين والإسرائيليين وأهل النظام العربي معاً، والمنتفعين من السلطة... وهذا كله قد يأتيه ببعض العون للادعاء انه حقق ما يبرر استمراره في السلطة!

ثالثاًـ ان الاحتلال الإسرائيلي يشترط الحصول على تنازلات فلسطينية مؤثرة عما كان موضوعاً للتفاوض في جولات سابقة، وكذلك على ضمانات إضافية ليس فقط من الولايات المتحدة الأميركية، بل من أهل النظام العربي أساساً.

وهكذا يدخل الإسرائيلي كل جولة جديدة من التفاوض وقد عزز موقفه سلفاً بمزيد من التنازلات العربية، ومزيد من الضمانات الأميركية، بحيث يغدو خارق القوة في الموقع التفاوضي بينه وبين «السلطة» المستوحدة والناقصة الشرعية، ويستحيل معه ان يسمي الجلوس من حول طاولة واحدة «تفاوضاً» بأي معيار أو مقياس.. فكيف تفاوض سلطة مهشمة سياسياً، وعزلاء عسكرياً، وناقصة الشرعية قانونياً حتى لو حظيت برعاية بعض أهل النظام العربي المتكأكئين على أبواب الإدارة الاميركية يطلبون حلاً بأي ثمن «للمشكلة» المزمنة التي تستعصي على الموت بالنسيان، عدواً مدججاً بالتأييد العالمي (ومن ضمنه التأييد العربي) قبل الحديث عن انعدام أي نوع من التكافؤ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعيا الخ.

ولقد تبدى فارق القوة حاسماً في الجولة الراهنة من «التفاوض بالإكراه» التي بدأت احتفالية في البيت الأبيض في واشنطن، وبرعاية عربية سامية تمثلت بالحضور الشخصي لرئيس أكبر دولة عربية ولملك دولة عربية أخرى أكثرية شعبها ممن شردهم الاحتلال الإسرائيلي من وطنهم الفلسطيني، فضلاً عن التأييد المعلن من أغنى الدول العربية وأوسعها نفوذاً مذهباً في العالم الإسلامي...

ففي هذه الجولة التي كان عنوانها الإقرار بيهودية دولة إسرائيل، كان على الراعي الأميركي أن يقدم لإسرائيل رزمة من الإغراءات تشمل تزويدها بترسانة كاملة من الأسلحة المتطورة، بينها عشرات من الطائرات المقاتلة الأحدث في العالم وكميات هائلة من الصواريخ البعيدة المدى العظيمة القدرة على التدمير، إضافة الى كميات خرافية من الأسلحة التقليدية... تحت القبة الفولاذية الاحتياطية التي يفترض أن تحميها من صواريخ المقاومة، أية مقاومة قائمة أو محتملة.

... وبالإضافة الى ذلك تعهد أميركي بضمان بقاء قوات الاحتلال الإسرائيلي في وادي الأردن.

وكل ذلك مقابل إرجاء البناء في المستوطنات الإسرائيلية لمدة شهرين!

على انه سرعان ما ثبت أن الحديث عن الإرجاء كان خدعة علنية بائسة لم يلبث أن تكشف كذبها على الأرض، فضلاً عن «الموقف التاريخي» الصريح الى حد الوقاحة الذي أعلنه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزير خارجية إسرائيل والمعبر الفعلي عن المناخ السياسي السائد فيها، وخلاصته أن إسرائيل ستبقى دولة لليهود، وان حركة الاستيطان لن تتوقف وان على الفلسطينيين أن ينتظروا أجيالا قبل أن يسمح لهم بإقامة كيانهم السياسي، اذا ما بقيت له مساحة كافية من الأرض!

لقد اختلفت الأحجام، وبالتالي المعايير تماماً منذ إطلاق المبادرة العربية في مارس/ آذار 2002 واليوم:

كان أهل النظام العربي على خلاف في ما بينهم، ولكنهم استطاعوا التوافق، بصعوبة، على المبادرة التي سرعان ما تراجع صاحبها عن تهديده «بأنها لن تبقى فوق الطاولة الى الأبد» فأعلن تأييده لجولة المفاوضات البائسة الأخيرة في واشنطن والتي جرت تحت راية التعهد الاميركي المعلن بإسرائيل دولة يهود العالم... حيث لا مساحة لدولة أخرى باسم فلسطين!

اليوم صارت المبادرة العربية طموحاً مبالغاً فيه، تذكر ـ اذا ما ذكرت ـ وكأنها الحد الأقصى للمطالب العربية التي يتوجب النزول منها الى الحل الوسط الذي يمكن ان يكون مقبولاً من الإدارة الاميركية أساسا، لكي تدعو اليه أو تتبناه.

لقد أخذت إسرائيل من المبادرة العربية الاعتراف بما تراه من «حقوقها»، كالاعتراف بها والتسليم بمبدأ التعامل معها كدولة أساسية، بل ربما الدولة الأقوى في المنطقة، لا هي دخيلة عليه ولا عادية، يسلم أهل النظام العربي بنتائج احتلالها أراضيهم في فلسطين، ويحاولون مساومتها على بعضها... وقد لا يشمل هذا البعض القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، كما دلت المفاوضات الأخيرة في واشنطن.

كانت المعادلة في واشنطن واضحة تماماً:

÷ أمن أهل النظام العربي مقابل التنازل عن جوهر القضية الفلسطينية: أعطونا الأمان فنعطيكم مع أرض فلسطين الاعتراف بيهودية الدولة، ونتخلى عن كل ما يلزم أمن إسرائيل من أرض فلسطين، ومن ضوابط تحفظ أمنها من دول جوارها...

÷ نوفر لإسرائيل مقتضيات التوسع والأمن والاستقرار كدولة يهود العالم، مقابل بعض البعض من أرض فلسطين (بما لا يتسع لدولة أو حتى لدويلة في بطن دولة يهود العالم) مع التعهد بأن نفتح أمام إسرائيل الحدود والسدود فنسقط المقاطعة ونبادر الى الاعتراف بها في طبعتها الجديدة وبوصفها الممثل الشرعي والوحيد للمصالح الأميركية ومن ضمنها الأمن الاستراتيجي لمشروع الهيمنة على المنطقة العربية من أدناها الى أقصاها.

÷ لتسقط غزة في البحر. وليذهب لاجئو الشتات الى الجحيم. ولتتصرف إسرائيل بفلسطينيي 1948، ولتنل إسرائيل ما يرضيها ويطمئنها من الضمانات لأمنها وازدهارها من دول الجوار، وبالذات من الأردن، وليكن غور الأردن بوابة الأمن الإسرائيلي.

الصفقة على الضفة وسلطتها بوصفها «فلسطين» مقابل إسرائيل دولة يهود العالم... والسلطة جيب في داخل الدولة الإسرائيلية (كما الكنغارو).

لم يسأل أهل النظام العربي عن بقية فلسطين والفلسطينيين، وبطبيعة الحال فإن إسرائيل وجدت الفرصة للمساومة على الأرض المقتطعة للسلطة... وها هي تزرع المزيد من المستوطنات فيها، وتوطن مئات ألوف الإسرائيليين ممن تحميهم دولتهم القوية فيها وتغريهم بالتمدد، مما يستوجب طرد المزيد من أهلها منها... وليس من يعترض، لا السلطة ولا من يتبنى هذه السلطة.

في كل جولة جديدة من المفاوضات تتصاغر الأرض المخصصة نظرياً للسلطة، وتتمدد مساحة إسرائيل لتتسع ليهود العالم جميعاً.

لم تعد إسرائيل تطلب اعتراف النظام العربي بها، هي تعرف أن أهل هذا النظام العربي مستعدون لان يقدموا حرية أوطانهم وسيادة دولهم من أجل شراء رضاها وتأمينهم على عروشهم واستقرار أنظمتهم.

مع ذلك، فلا أهل النظام العربي سيحرّضون رئيس السلطة على الخروج من المفاوضات، ولا هم سيدفعونه في اتجاه مصالحة شعبه، بقواه المختلفة داخل الأرض المحتلة وخارجها.

ولا الإدارة الأميركية ستبدل موقفها، وتسعى الى مراضاة السلطة ومعها أهل النظام العربي لأنها تعرف أن لا خيار آخر أمامهم...

وغداً تأتي الفتوى من لجنة المبادرة العربية... ثم تتعزز بقرار مائع تتخذه القمة الطارئة ونعود الى مفاوضات نخسر فيها ما تبقى من أرض فلسطين ومن كرامة الأمة.

ما أبأس من أقفل على نفسه دائرة العجز... ان مصيره ان يختنق فيها!

=================

نظرية القرارات في حكومة إسرائيل

المستقبل - الاربعاء 6 تشرين الأول 2010

العدد 3792 - رأي و فكر - صفحة 19

نحميا شترسلر

بعد وقت قصير على إعلان الفلسطينيين وقف المفاوضات مع إسرائيل " إلى حين استئناف التجميد"، رد بنيامين نتنياهو داعيا محمود عباس للعودة إلى طاولة المباحثات " بهدف التوصل إلى اتفاق إطار في غضون سنة". وأمس قال نتنياهو أننا نتواجد في ذروة اتصالات حساسة مع الأميركيين بهدف التوصل إلى حل يتيح العودة إلى المفاوضات وطلب من الوزراء عدم إطلاق التصريحات حول هذا الموضوع.

لكن وزير الرفاه، اسحاق هرتسوغ، لم يوافق على التزام الصمت. فقد اقترح هرتسوغ عقد جلسة عاجلة للمجلس الوزاري الأمني-السياسي من أجل بحث الوضع، وأشار إلى " إننا نتواجد في نقطة زمنية حاسمة في كل ما يتعلق بمستقبل المحادثات مع الفلسطينيين، ولا يُعقل أن لا تتم مناقشة قضية مصيرية كهذه لمستقبلنا على مستوى المجلس الوزاري المصغر أو الحكومة".

الحقيقة هي أن هذا الوضع الغريب، المتمثل في عدم مناقشة موضوع حاسم، ممكن في إسرائيل. فقد تبين أنه على الرغم من وجود 30 وزيرا، ومن وجود المجلس الوزاري المصغر ومحفل السباعية الوزاري، إلا أن القرارات المصيرية يتخذها اثنان فقط: رئيس الحكومة ووزير الدفاع. فسائر الوزراء لا يشاركون في العملية. وهم يُستخدمون كالختم المطاطي. هكذا كان الوضع في السابق وهكذا هو اليوم أيضا.

في إحدى المقالات التي نُشرت في عيد المظلة، روى آريه درعي تفاصيل عن فترة حرب الخليج الأولى في العام 1991. وهو كان حينها وزيراً شاباً في حكومة إسحاق شامير، وبعد يومين على الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له إسرائيل، اجتمعت الحكومة من أجل حسم قرار مهاجمة العراق. وزير الدفاع موشيه آرينس كان مع الهجوم، وكذلك أرييل شارون، رفائيل إيتان، ورحبعام زئيفي ويوبال نئمان. وثمة وزراء آخرون عارضوا التدخل في العراق، لكنهم سكتوا. بعضهم خشي من إغضاب آرينس، وبعضهم لم يرغبوا في أن يُعتبروا " مرنين" في حكومة اليمين. لكنهم بهدوء، ومن وراء الكواليس، شجعوا درعي على الإعراب عن معارضته، وهكذا كان الوحيد الذي تحدث ضد الهجوم على العراق.

الخلاصة الكئيبة لدرعي كانت أن الحسابات الشخصية والسياسية عند الوزراء كانت متقدمة على مصلحة الدولة. ويروي درعي أيضا أن رجال الجيش الذين حضروا النقاش حاولوا إسكاته، إلى أن اضطر لأن يقول لهم أن الحكومة هي التي تقود الجيش وليس العكس.

وثمة مثال آخر على كيفية اتخاذ القرار عُرض أيضا في مقابلة مع الوزير ميخائيل ايتان أثناء عيد المظلة. فقد سُئل ايتان عن احتمالات شن إسرائيل هجوما على إيران، فقال أن الحكومة لم تبحث الموضوع الإيراني أبدا، ولو لمرة واحدة، على الرغم من أن مغزى الهجوم على إيران اندلاع الحرب، سقوط صواريخ على تل أبيب والكثير من القتلى. بحسب كلامه، قرار الهجوم سيُتخذ فقط بالتشاور بين نتنياهو وباراك، باشتراك المستوى العسكري، أما سائر الوزراء فلن يكونوا ضالعين في القرار أبدا. المدهش في الموضوع هو أن ايتان يؤيد نهج " اتخاذ القرارات" الغريب هذا ويقول أن هذا الوضع صحي وصحيح.

كذلك فإن قرار شن حرب لبنان الثانية في صيف 2006 اتخذه ايهود أولمرت لوحده. فقد قرر أولمرت أن يلقن حزب الله درسا بعد دقائق على إخباره أسر جنديين على الحدود مع لبنان. ولاحقا أعطته الحكومة غطاء وإسنادا تلقائيا لشن الحرب، ولم يُعرب أي وزير عن معارضته أو اقترح بدائل.

يدرس طلاب إدارة الأعمال كيف يتخذون القرارات بطريقة صحيحة: كيف يُعدون المعلومات ذات الصلة وتقديمها إلى الحاضرين في الوقت المناسب؛ كيف يديرون نقاشا يتم خلال إبداء كل الآراء وحتى تشجيع طرح الفرضيات المضادة والخارجة عن المألوف، التي تتحدى الرأي السائد.

لكن كما عرفنا من درعي، إيتان وأولمرت، فإن حكومتنا لا تحتاج إلى عملية منظمة لاتخاذ القرارات. كما أنها لا تحتاج لأن تسمع كل الآراء. القرار عندنا يُتخذ في جميع الأحوال بين اثنين، رئيس الحكومة ووزير الدفاع. إذا كان الأمر كذلك، لماذا نحتاج إلى الوزراء الثمانية والعشرين الآخرين؟

=================

إسرائيل ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية

د. أسامة تليلان

الرأي الاردنية

6-10-2010

تمكنت الدول العربية عام 2009 من المصادقة بفارق ضئيل على قرار اول غير ملزم ويحمل صورة رمزية يدعو اسرائيل التي تعد القوة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط، الى التوقيع على معاهدة الحد من الانتشار النووي. وقبل ذلك لم تفلح المساعي العربية في استصدار قرار ملزم بتوقيع اسرائيل على معاهدة الحد من الانتشار النووي، وقبل ايام تعرضت الدول العربية الى انتكاسة جديدة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث رفضت اغلبية الدول الاعضاء في الوكالة قرارا تقدمت به الدول العربية يدعو اسرائيل الى توقيع معاهدة الحد من الانتشار النووي.حيث صوتت 51 دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول اوروبية، ضد القرار الذي رفعته مجموعة الدول العربية ال22 في الوكالة.

 

يضاف الى ذلك ان الدول الغربية التي عارضت القرار منذ بداية المفاوضات في الجمعية العامة اعربت عن قلقها من احتمال انعكاسه سلبا على استئناف مفاوضات السلام في الشرق الاوسط مؤخرا ومتذرعة ايضا بان ذلك قد يعيق انعقاد مؤتمر مقرر عام 2012 من اجل شرق اوسط خال من السلاح النووي. بينما ربطت اسرائيل من خلال تصريحات سفيرها ايهود ازولاي للدول الاعضاء من ان «المصادقة على هذا القرار ستشكل ضربة قاضية لكل آمال وجهود التعاون المقبلة من اجل تحسين الامن الاقليمي في الشرق الاوسط» واضاف السفير الاسرائيلي ازولاي ان ايران وسوريا، خلافا لاسرائيل، «تشكلان اكبر خطر على السلام والامن في الشرق الاوسط وخارجه».

 

قد يكون التطابق في وجهات النظر بين اسرائيل وامريكا والدول الاوروبية مفهوم على اساس القاعدة التي نجحت اسرائيل دائما في تمريرها والتي تتركز على كونها تشكل نقطة صغيرة من عدة اعتبارات في وسط محيط عربي واسلامي واسع ومعاد وانها بحاجة الى عناصر حاسمة من اجل تحقيق امنها اضافة الى ما يبدية الجانب الامريكي والاوروبي في تحمل المسؤولية الكاملة عن امن اسرائيل. لكن ما هو غير مفهوم بصورة مباشرة الربط ما بين توقيع اسرائيل على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية وبين تقويض فرص السلام في الشرق الاوسط الا اذا كان هذا السلام لا يحتمل التحقيق الا عبر الرعب النووي وان اجلا ام عاجلا في ظل رفض اسرائيل التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية لن تبقى ايران وحدها من يسعى الى امتلاك الطاقة النووية.

من قوض وسيستمر في تقويض فرص السلام عقدة الامن لدى الجانب الاسرائيلي وهي عقدة لا علاقة لها بتوازن القوى في المنطقة بقدر ما ترتبط بعوامل نفسية لا تستطيع اسرائيل تجاهلها واولها انها دولة محتلة ومستمرة في تعطيل فرص السلام المقبولة في المنطقة.

=================

لا مفاوضات.. لا انتفاضة.. لا مصالحة

عبد الوهاب بدرخان

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

6-10-2010

مرَّت الذكرى العاشرة لاندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 في ظروف «تفاوضية» فاشلة، لكن أحداً لا يتوقع انتفاضة ثالثة، تحديداً لأن الشعب الفلسطيني لا يزال يعيش تداعيات «الثانية» التي استغلتها إسرائيل أيما استغلال تقتيلاً وتدميراً واستيطاناً و... تلاعباً بالواقع والوقائع على الأرض. فجدار الفصل أعدَّ للدواعي الأمنية، لكن خصوصاً لتعجيز أي اتفاق على الحدود. وبالإضافة إلى الجدار الذي أمعن في تقطيع المناطق الفلسطينية واستخدم لقضم مساحات إضافية من الأرض، زُرعت المستوطنات الداخلية لمزيد من تقطيع الأوصال.

 وفي غمرة التداعيات أيضاً، جرى الانسحاب من قطاع غزة، ليس رغبة في تحريره وإنما لتسهيل استخدامه هدفاً للتصويب والرماية.

 أما الضفة فعلى رغم أنها انضبطت إلى حد كبير أملاً في تفعيل البناء والتنمية وتحسين الظروف المعيشية فلا تزال تعامل، بشراً وحجراً، سلطة ومواطنين، بعدائية احتلالية منهجية، سواء بالإذلال على الحواجز والمعابر أو بالوحشية في الحملات الأمنية.

ومرَّ نحو عقدين على المفاوضات، نوقشت خلالهما الملفات كافة، نقّبت وقلّبت، حتى لم يعد هناك أي ملمح مجهول في ما سيكون عليه الحل النهائي.

 ومع أن إسرائيل دخلت التفاوض مرتين على أساس «إنهاء الصراع»، مرة أولى مع إيهود باراك في كامب ديفيد، وثانية مع نتنياهو في المحاولة الراهنة المترنحة، إلا أنها استغلت المفاوضات لمحاربة المفاوضات، بل لقتل أي حل نهائي يلوح في الأفق. ولم يعد أحد يجهل أن الاستراتيجية الإسرائيلية المتّبعة في التفاوض هي تيئيس الفلسطينيين من التفاوض ليقبلوا مع الوقت أي فتات يرمى إليهم.

وعندما نُشرت قبل أسابيع نتيجة استطلاع للرأي أجرته محطة فضائية عربية وتبين فيه أن القضية الفلسطينية تراجعت في اهتمام الرأي العام العربي، قفزت الأقلام والأبواق اليهودية لإشهار المناسبة بأنها معبرة وموحية، وبالتالي بالغة الطمأنة لإسرائيل. لكن منتهزي هذه الفرصة يعرفون أنه لا مكسب يرتجى من مجرد استطلاع للرأي يعبر عن الضيق من عقم المفاوضات وعبثيتها، ولا يمكن أن يعني بأي حال إنكاراً لحقوق الفلسطينيين في أرضهم، ولن يعني إطلاقاً تحبيذاً عربيّاً لدوام الاحتلال.

في اللحظة الراهنة تعتقد إسرائيل أنها بلغت مرحلة انتصار تاريخي غير مسبوق ربما في أي صراع شهده التاريخ المعاصر. فالشعب المضطهد، المطالب بحقوقه، يجد نفسه فاقداً ورقة المقاومة المشروعة المعترف بها دوليّاً وإنسانيّاً ضد الاحتلال والظلم. كما فقد في الوقت نفسه احتمال المفاوضات الهادفة والمجدية.

 قد يبدو انتصاراً للتيئيس. قد يبدو أشبه بنهاية التاريخ لهذا الشعب. لكنه قد يكون تأسيساً لنمط آخر من النضال من أجل التحرر.

 فالمرحلة التي حملت عنوان «عملية السلام» والمفاوضات دخلت نهايتها، بعدما أمعن الأميركيون في دعم الإسرائيليين على إفسادها وتلغيمها لتصبح عاجزة عن صنع أي حل أو أي سلام. فليس عند هذا الثنائي الأميركي- الإسرائيلي عرض للفلسطينيين سوى الاستتباع، وهو ليس خياراً.

مرَّت أيضاً أربعة أعوام على انقسام الشعب الفلسطيني على أرضه بين نهجين لا يبدو أن أيّاً منهما يملك الوصفة السحرية للخروج من النفق.

فحركة «فتح» لا تزال تدفع ثمن الانتفاضة الثانية بعدما نُكَّل بها وجرى تسميم زعيمها ياسر عرفات الذي أدرك العدو الإسرائيلي أن التخلص منه يعني إطاحة الحلقة الأساسية للمشروع الوطني الفلسطيني، فهو الوحيد الذي أمسك العصا من الوسط بين المقاومة والمفاوضة. وقد أدى رحيله إلى تداعي «فتح»، وإلى صعود «حماس».

ولعل أدقّ تقييم لدور «حماس» هو الذي قدمه فاروق القدومي حين قال إن مصلحتها تبقى في ظل «فتح». أي أن تتمرد من داخل «النظام» لا أن تنقضه من أساسه. لاشك أن أسوأ الخيارات أن يضع شعب نفسه أمام المستحيل، وها هو الانقسام يصنع العجز عن الانتفاضة وعن المفاوضة وعن المصالحة. أعوام كثيرة أخرى ستمرّ قبل أن يتبلور مشروع وطني آخر.

=================

تراجع صورة إسرائيل في العالم

محمد كريشان

2010-10-05

القدس العربي

محقون هم الإسرائيليون في القلق على تراجع صورتهم في الخارج فدولتهم لم تعد كما كانت دائما على حق وغيرها هم المعتدون. أشياء عديدة تغيرت في السنوات القليلة الماضية في إعلام كثير من الدول الغربية وفي رأيها العام الداخلي.

آخر ما سجل على هذا الصعيد ما حدث في اليومين الماضيين في مدينة برشلونة الإسبانية حيث عقدت تظاهرة عالمية ضخمة بعنوان'العيش المشترك في وقت الأزمات' نظمتها جمعية 'سانت إيجيديو' المسيحية الإيطالية وأبرشية برشلونة وضمت لفيفا كبيرا من المسيحيين والمسلمين واليهود والبوذيين والهندوس وذلك في إطار تقليد سنوي قائم منذ 1986.

محطتان تجلتا فيها بوضوح تقهقر المنطق الإسرائيلي الذي كان مستحوذا على المنابر العالمية وكان مجيدا فيما مضى في إقناع الناس بوجهات نظره مهما كانت:

المحطة الأولى كانت في جلسة الافتتاح الضخمة يوم الأحد وأمام كل الوفود الحاضرة من كل أصقاع العالم. كانت مناظرة نظمت بين الوزير الإسرائيلي للدبلوماسية العامة يولي يوال أدلستاين ووزير الأوقاف الفلسطيني في السلطة الوطنية محمود الهباش.

هذا الأخير بدا مقنعا تماما وصفق له الجمهور الكبير الذي امتلأت به أحد أضخم قاعات المدينة ثلاث مرات بينما لم يحظ مقابله إلا بواحدة.

الوزير الإسرائيلي ركز فقط على ضرورة مواصلة المفاوضات بين حكومته والفلسطينيين دون توقف مركزا على ضرورة تحسين حياة الفلسطينيين الاقتصادية ورفاههم الاجتماعي فيما نجح الوزير الفلسطيني في التأكيد بأن القضية الجوهرية هي احتلال يجب أن يزول ودولة فلسطينية يجب أن تقوم ولو على جزء بسيط مما يعتقد شعبه أنها ترابه الوطني. وحتى عندما ركز الوزير الفلسطيني على أن العرب أعطوا إسرائيل فرصة لم تحلم بها أبدا وهي التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل من خلال مبادرة السلام العربية فلم يقابلوا اليد العربية الممدودة بشيء، لم ير الوزير الإسرائيلي المحشور من مفر سوى مد يده لمصافحة الهباش مع أن ذلك ليس هو المقصود بطبيعة الحال!!.

المحطة الثانية كانت في إحدى جلسات النقاش العديدة المنظمة في إطار هذه التظاهرة.

كانت بعنوان القدس وحضرها رجال دين وساسة من الديانات الثلاث. مرة أخرى بدا الطرح الإسرائيلي متهافتا دينيا وسياسيا. كان كل من على المنصة يركز على أن للقدس مكانة فريدة في الديانات الثلاث ويجب أن تكون مفتوحة أمام الجميع إلا أوديد وينر المدير العام لمكتب الحاخام الإسرائيلي فهو لم يقل في كلمة مكتوبة وبلغة أنكليزية ركيكة سوى أن المدينة المقدسة لليهود فقط ويجب أن تظل كذلك، فيما أقحم السفير الإسرائيلي لدى الفاتيكان مردخاي لوي الحاضرين في متاهات لم يفقهوها عن عزوف الفلسطينيين عن المشاركة في الانتخابات البلدية للقدس ووضع المقبرة الإسلامية هناك. لم يبد أي من المتدخلين تعاطفا مع الطرح الإسرائيلي. حتى الذين دافعوا عن حقها في الوجود وفي الأمن أسهبوا في التنديد بالاستيطان وهدم البيوت والحواجز والجدار ومنع المصلين من الوصول إلى أماكن عبادتهم في القدس وحق الفلسطينيين في العيش بكرامة في دولة مستقلة يجب ألا تظل حلما بعيد المنال وهو ما أثار تصفيقا حادا عندما قاله أحد الزعامات الدينية الكاثوليكية على المنصة.

أما بطريرك الروم الكاثوليك لانطاكيا والإسكندرية والقدس غريغورس لحام فقال إنه لا يحق لأي كان أن يسيطر على القدس فهي عاصمة لعقيدة الديانات الثلاث ولا مجال لجعلها عاصمة سياسية فعلى الإسرائيليين والفلسطينيين أن يبحثوا عن عاصمة أخرى لدولتيهما. ومرة أخرى أبلى الوزير الفلسطيني بلاء حسنا في الحديث بلغة تصالحية ولكن غير متعصبة لجمهور قدر فيه ذلك.

مثل هذه المحافل هامة للغاية للوقوف على التغيرات في المزاج الغربي والعالمي تجاه إسرائيل وهو ما لا يجب التقليل من أهميته بل لا بد للفلسطينيين والعرب من دعمه بذكاء وقوة حجة واختيار فطن لمن يمثلهم فيها.

=================

آفاق وتحديات السياسة التركية الجديدة

زياد علوش

2010-10-05

القدس العربي

ارتفعت اسهم تداول المصطلح التركي واسم الطيب رجب اردوغان في بورصة التداول الاعلامي ومراكز البحث والقرار، كمؤشر على التأثير المتزايد للسياسة التركية في المنطقة والعالم، اضافة للكاريزما الشعبية التي تتمتع بها تلك التجربة ورموزها كلما اقتربت من فلسطين والعكس صحيح، يبدو السياق التراكمي الطويل في البحث عن الذات التركية التي غربتها الأتاتوركية منذ سقوط الخلافة العثمانية ظلت (عجفتها) كامنة في اصلاب الأتراك تبحث عن لحظة استيلادها التاريخية المناسبة قد حطت رحالها بداية مع حزب الفضيلة والطيب الذكر الآخر نجم الدين اربكان قبل ان يستلم رايتها الطيب الحالي رجب اردوغان وحزبه العدالة والتنمية، الذي بات اسمه مقيتاً للصهاينة بقدر عذوبة لحنه المشرقي، ادى اكتشاف الذات التركية عبر السعي الشامل للشعب الى الأفصاح عن قدرات كامنة قادرة على احداث التغيير المطلوب الذي استغرق سياقاً تراكمياً كماً ونوعاً، الا ان السياق اياه لا معنى له بغياب القيادة القادرة على اغتنام اللحظة التاريخية المناسبة بالاستلام السلس ليس فقط للسلطة بل (تسلم وتسليم) بين حقبتين وجيل لكل منها منظومتها الثقافية والحضارية المتكاملة لاحداث التغيير وصنع المعادلة والشخصية الوطنية عبر التنمية الشاملة والمستدامة، التي تستطيع تفويت الفرص لاجهاضها حيث تعمل دوائرها المعادية لاستدراجها للمغامرات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تذهب بالفرص البديلة او في ما معنى ذلك من الاستهدافات، كما حدث في الجزائر مع جبهة الانقاذ ومثيلاتها الاخوانية في مصر وغيرها.

والحديث عن اردوغان لا يلغي الحديث عن الترسانة المهيبة من رفاقه الكثر بمن فيهم عموم الشعب التركي نفسه في مختلف محطات ومواقع التغيير، في طليعتهم الرئيس الحالي عبدالله غول، تجلت قسمات الشخصية التركية الجديدة بداية ما عرف بحرب الخليج الثانية عندما قايض العرب العراق بوهم مؤتمر مدريد (للسلام) الذي اغتال عرفات والياسين والرنتيسي.. وصنع اوسلو وحربي تموز وغزة وانتهى للتفاوض المباشر الحالي، حينها رفض الأتراك مشاركة الأمريكيين مغامرتهم ومؤامرتهم على العراق والأمة، على الرغم من الاغراءات في ملف تركمان كركوك والعراق (ليبلغ مسارهم الجديد ويتوج بالاستشهاد واسطول الحرية) حيث الهدف يتخطى اسقاط صدام لصالح السيطرة الاستعمارية على المقدرات واقامة ما عرف بالشرق الأوسط الجديد تحت عناوين انسانية وديمقراطية زائفة بشهادة سجن ابو غريب وغوانتنامو وملجأ العامرية، مروراً بكل مجازر (الديمقراطية والحرية) التي اعلنت والتي لم تعلن، الذي تكون فيـه تركيا وامثالها ملحقات اسرائيلية.

جاء الرفض التركي الحليف التاريخي الاستراتيجي لأمريكا بعد اسرائيل بالمنطقة ليعبر عن خواء المناورات العسكرية المشتركة التي لا يمكن استثمارها في لحظات الحرج الأمريكي الصهيوني، خاصة ان العرب والمسلمين عموماً بل العالم كان يعتقد حينها استحالة رفض اوامر الكاوبوي التكساسي الشهير دبليو بوش لحظة هيجانه المدمر وهو يجلس على حافة فوهة بركان 11أيلول/سبتمبر، لقد حصد الأتراك نتائجهم الوفيرة في سلة صناعة شخصيتهم واكتشفوا ذاتهم بقدر تلك 'اللا' القوية وبقدر خضوع الآخرين خاصة العرب، واية لا اخرى بالنسبة للأتراك ستكون اقل كلفة لأن بداياتها كانت لحظة الذروة، وبالتالي دخل الأتراك المعادلة الجديدة من اوسع ابوابها وتركوا مهابة السوط للآخرين.

تحول الدور التركي من الاستلحاق للشراكة التي يعمل على تفعيلها بمنظومة متكاملة من الاداء الرصين، مزيد من الاصلاحات سيعزز ذلك الدور، على الرغم من سعي الأتراك نحو عضوية الاتحاد الأوروبي، الا ان الملحق القديم ما بعد الرقم ثلاثين لم يعد هاجسهم الأول، والاستراتيجية التركية البسيطة تقضي بعدم تعارض علاقاتها وتوجهاتها سواء الثنائي او الجمعي منه الا انها تملك سلم اولويات يمكنها الصرف من بنك الأهداف الذي يراعي الدور الجديد بما يحقق ترتيب تلك الأولويات، فالتوجه المشرقي التركي لا يعني بالضرورة ان تدير ظهرها للأوروبيين وغيرهم، العكس صحيح مقدمة للانتقال بالدور التركي من العرض الى الطلب، بدأت العلاقة التركية بالانتقال من التموضع الاستلحاقي للمحاور الى تقاطع غير حيادي عام في المنطقة والعالم، مما يعني ابتكار دور جديد للدبلوماسية والسياسة، وفي هذا السياق يسجل لوزارة الخارجية كمؤسسة الكثير، شكل الدور التركي تقاطعاً اقليمياً عاماً لا سيما بين السوريين والايرانيين من جهة، ومع الغرب عموماً، في ظل العلاقة المتوترة بين اكثر من ثنائية كالتوتر الايراني مع السعوديين والمصريين واليمنيين والاماراتيين.. كذلك التوتر السوري المصري واشكاليته مع السعوديين، بما لتلك المشاحنات من انعكاسات على اكثر من ساحة عربية، في الوقت الذي يرفع فيه عموم الشارعين العربي والاسلامي رايات حزب الله اللبناني فان المقاومة في بيروت ترفع الأعلام التركية وتقيم مهرجانات التأييد لها وتؤبن شهداء اسطول الحرية في ضاحية بيروت الجنوبية معقل المقاومة ورمزها، من جهة اخرى حقق الأتراك تعديلات ديمقراطية بنيوية مهمة في فترة قياسية، كما يعتبر نموهم الاقتصادي الأهم في المنطقة والعالم 13، 5' والأهم ان الدور التركي بدأ يشكل حاجة للاستقرار الاقليمي، بحؤوله دون اندلاع الحروب المحتملة، ومطلباً سياسياً حيوياً للكثير من الملفات الشائكة بدفع الحوار بين المتخاصمين، كاشتراط السوريين للدور التركي في قضيتهم والعرب مع الاحتلال الاسرائيلي، كذلك الدور المميز في الملف النووي الايراني بما عرف بالاتفاق الثلاثي الايراني التركي البرازيلي، والذي يبدو مع التصريحات الجديدة للرئيس الايراني ورد الغرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية الجديد ان ذلك الدور والاتفاق مع بعض التعديل لا زال الاطار الأمثل لحل الملف النووي الإيراني، من المهم القول ان الدور التركي الجديد محل تأييد واجماع على مستوى القاعدتين الشعبية العربية والاسلامية، التي على الرغم من اختلافها على امور كثيرة في السياسة والطائفية والمذهبية والقومية والعرقية وغيرها الا انها تجمع على الموقف التركي الذي يعطيه هامشا واسعاً للمزيد من التأثير الفاعل لا سيما في موقفه المعلن وادائه العملي تجاه اسرائيل، والذي يأتي باتجاه متصاعد بلغ حدوداً مهمة في دافوس واسطول الحرية، حيث قدم الأتراك ثلة من شهدائهم عند شواطئ غزة ولا زالت مفاعيل الاعتداء الاسرائيلي تلقي بظلالها على ملف العلاقة الثنائية بين البلدين في ظل عدم تراجع تركي، حد منه مرحلياً الواقع الداخلي الذي اعطى اردوغان المزيد من التفويض عبر نسبة الاقتراع الشعبي على قضية التعديلات الدستورية 58' التي تقرأ بالمزيد من الثقة التي يمنحها الجمهور التركي ليس فقط لتعديلات دستورية نمطية، بل تجديد التفويض لحزب العدالة والتنمية خاصة بعد اعلان زعيمه قبيل التعديل انه سيعتزل العمل السياسي في حال رفضها الشعب، مما يعني فهماً راقياً ومسؤولاً لأصول القيادة التي تكون عبر ارادة الشعب نفسه بتوكيل شفاف وصريح، بمسيرته الجديدة باحداث تغيير جذري في منظومة الدولة والأمة التركية على كافة المستويات الداخلية والخارجية يتعلق بنمط حياة وأداء سياسي وثقافي، بل وحضاري مختلف عما كان سائداً بما يعني انقضاء مرحلة وبداية اخرى لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة على مستوى الكيان التركي بما له من مفاعيل اقليمية ودولية، الاستنتاج المهم ان السياسة التركية الجديدة على المستوى الداخلي والاقليمي، حيث تنهك المنطقة بصراع النظريات عبر الاستغلال العنصري بالمنظومة المعهودة ذات الوسائل المدمرة، فان تلك السياسة تذيب تلك الفروقات في اتون سياسة النهوض المقاوم الشامل، هناك اسئلة تطرح باتجاهات عديدة عندما يعتبر بعض المحللين انها بداية التحديات التركية اقلها الاقتصادية، الأول حول قدرة الغرب عموماً والصهاينة خصوصاً بقطع الطريق على التحول التركي، اما بجزرة الانضمام للاتحاد الأوروبي بالشروط الغربية او بعصا القضية الكردية وحزب العمال خصوصاً، كذلك ملف الابادة (الأرمنية) الكامن بالاضافة الى العديد من اوراق الضغط الأخرى التي لا تقل اثارة.. والثاني حول دور العرب والمسلمين الجدد المشبوه بالغمز من قناة التحالف الاعتدالي العربي مع الغرب واسرائيل في وجه ايران، حيث تقطع الطريق عليها بقيادة المشروع الاسلامي بدعوى التمذهب عبر مقولة تصدير الثورة، باعتبار ان النظام العربي برمته ينظر بريبة للتجربة التركية الديمقراطية الوليدة بين ظهرانيه لما يمكن ان تشكله من نموذج ديمقراطي تتطلع اليه الكثير من الشعوب العربية والاسلامية، على الرغم من عدم مثاليته الا انه المشروع الأكثر احتمالية، رغم ابتعاد تركية عن اي استفزاز بهذا الشأن بدليل فضائيتها العربية الوليدة التي ابتعددت عن تفاصيل الأحداث والسياسة في تلك البلدان وتركيزها على تقاطعاتهم الايجابية، رغم ندرتها.

كما ذهب العرض التلفزيوني الآخر نحو العادات والتقاليد والمطبخ التركي، ومع هذا يبدو الهلع الرسمي العربي والاسلامي بدليل الفتور السائد في تلك العلاقات الرسمية التي يطلب منها فقط عدم استخدام سلاحها التدميري الفتاك الطائفي والمذهبي والعرقي او القومي.. ومن دون الحؤول عبر الحدود او اية وسائل وآليات اخرى بترجمة العلاقة الشعبية الى المزيد من التلاقي وتبادل المصالح، خاصة الاقتصادية والثقافية.. فحجم التبادل والاتفاقات على تقدمه لا زال دون المستوى المطلوب مع العرب بشكل عام، حيث يخطط الايرانيون والأتراك لرفع سلة تبادلاتهم الى ما فوق 60 مليار دولار..

والسوأل الآخر حول قدرة تركيا مع القوى الاقليمية التي تشاركها الرؤية على انجاز تحالف اقليمي قادر على تعزيز المفاهيم المماثلة تستطيع مجتمعة مواجهة التحديات المختلفة كالتي يقوم بها الغرب تجاه اية محاولة نهوض شرقية، الا ان المتابعين للشأن التركي يثقون بقدرته على الصمود لدواعي عديدة ابرزها ان التوجه الجديد هو مسار ورغبة تركية عامة لم يسقط بالانقلاب المعهود او عبر الاستغلال السياسي او النخبوي الرخيص او اي من ادوات الاغتصاب والخداع السلطوي، فالتجربة بما لها من ثراء على مستوى الأفراد والجماعات والأفكار والتجارب وصدق العزيمة والنية افقياً وعمودياً بعد تجربة اغترابية عن الذات مادية ومعنوية، سواء عبر العلمانية الأتاتوركية او عبر الاغتراب الجغرافي والنفسي في الغرب، خاصة في مفخرته المانيا، ادرك من خلالها الأتراك ان روحهم لا يمكن ان تكون علمانية، بل غير مشرقية، كما لا يمكن لهم ان يكونوا ملحقين بأوروبا بعد خبرتهم الطويلة وعيشهم المديد في الغرب، حيث حافظ الأتراك على هويتهم فهل يعقل ان يتخلوا عنها في تركيا بعدما ذاقوا حلاوتها؟!

قوة التحول التركي الجديد انه يستمد قوته من قدرته الفائقة على اعادة احتكامه للشعب بشفافية مطلقة مما يعطيه المزيد من المناعة الكفيلة باستمرار المسيرة التي اعجزت بسلاستها الخصوم، من دون اكراه او تهديد الوسائل البديلة للوقوف في وجه التغيير. وينبغي الاشارة ربما الأهم لكل من يريد استلهام التجربة التركية التي يجب ان تعطى كامل الفرصة لاثبات ذاتها والتي نحاول الابتعاد عن وصفها بالثورة، خاصة بعد ان حمل هذا المصطلح الكثير مما لا يحتمله من بعض الكثيرين الذين ادعوه، انه عمل تغييري لا يرهق معتنقيه بالتصفيق ورفع يافطات الانتفاخ والنفاق السياسي والاجتماعي بقدر ما هو فعل جماعي جاد ومسؤول، ولأنه ببساطة لا يعتمد على البطل الفرد المنقذ الذي يصبح فوق القداسة نفسها فيعيث فساداً واسرته لاحقاً بفسادها، او المجموعة الصغيرة المغامرة (حيث تأكل الثورة ابناءها لاحقاً ويتحول الثوار الى تجار للقضية ونزلاء فنادق وقصور) على الرغم من بروز اكثر من نجم وطيب، بقدر ما هو خيار وسعي جماعي استنهاضي يتصف بالحكمة والاقدام والتنوير.

====================

توتر العلاقات الصينية  اليابانية وضرورة الواقعية الاستراتيجية

المستقبل - الثلاثاء 5 تشرين الأول 2010

العدد 3791 - رأي و فكر - صفحة 19

عبدالعظيم محمود حنفي ()

كانت العلاقات اليابانية الصينية تمر بوقت لم تعرف فيه العلاقات بين البلدين أفضل الأجواء منه منذ سنوات. ثم اتت الحادث البحرى ليعيد التوتر في علاقات البلدين. السلطات اليابانية قامت باحتجاز قارب صيد صيني، وعلى متنه 15 شخصاً من أفراد طاقمه، اثر اصطدامه بسفينة يابانية في 7 أيلول قرب جزر متنازع عليها. بين البلدين وتم اطلاق سفينة الصيد و14 من طاقمها بعد ضغوط الصين غير أن السلطات اليابانية أبقت قبطان السفينة قيد الاحتجاز. هذا الحادث البحري في المياه المتنازع عليها في البحر الاصفر تحول الى ازمة دبلوماسية النزاع حول جزر في تلك المياه وتقع هذه الجزر في منتصف المسافة الفاصلة بين تايوان واوكيناوا (جنوب اليابان). الاسم الصيني للجزر هو ديايو واليابان تسميها سنكاكو. تزامنت الحادثة مع مظاهرات صينية باعداد قليلة مع ذكرى 18 ايلول وهي ذكرى الاجتياح الياباني لمنشوريا عام 1931. الصين تقول بحقها في حقل غازشونخياو كانت هناك ازمة قد اندلعت بين البلدين في التوقيت نفسه تقريبا عام 2005، انتهت بمباحثات ادت الى اعلان المبادئ الذي تم عام 2008 الذي ينص على التنمية المشتركة لحقل الغاز وقد اقترح البلدان القيام بعمليات تنقيب واستكشاف مشتركة في المنطقة ولكن الخلافات بينهما تتركز في تفاصيل التنفيذ. ويعد هذا الموضوع أحد القضايا الرئيسية التي توتر العلاقات بين البلدين اللذان يسعيان لتأمين مصادر الطاقة من النفط والغاز، وكلاهما من الدول المستوردة للطاقة، مما تسبب في نشوب عدد من الخلافات بينهما حول حقوق التنقيب بسبب خلاف قائم منذ فترة طويلة حول حدود كل منهما البحرية. وتشير معاهدة الأمم المتحدة إلى أن كلا البلدين يتمتع بمنطقة بحرية خاصة به تمتد إلى 200 ميل بحري من شواطئه. ولكن الصين تطالب بتلك المساحة اعتبارا من مسطحات صخرية تقع مقابل شواطئها، مما يجعلها تدخل في حيز الحدود اليابانية. كما سبق ان توترت العلاقات بين البلدين أيضا حول موضوعات شائكة أخرى ففي شهر ابريل نيسان عام 2005 أقرت اليابان سلسلة من كتب التاريخ المدرسية يقول المنتقدون إنها تغفل سجل اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. وقد أدى ذلك الإجراء إلى اندلاع موجات من الغضب في الصين وقام المتظاهرون الصينيون بإتلاف عدد من المباني والممتلكات اليابانية في المدن الصينية الرئيسية. كما تصاعدت حدة الخلافات بعد ان سعت اليابان للحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن فضلا عن طلبات المواطنين الصينيين الناجين من الفظائع التي ارتكبها الجيش الياباني خلال الحرب

كذلك فإن احتياجات الصين المتزايدة من النفط تثير قلق اليابان، وهي ثالث اكبر مستهلك للنفط في العالم، وتظهر مؤشرات على امتداد المنافسة الصينية - اليابانية حول موارد الطاقة على الانتشار في الشرق الأوسط. ففي اوائل عام 2004 وقعت اليابان وايران عقدا قيمته مليارا دولار لتطوير حقل اذاديجان الضخم للنفط. ولكن مع تزايد التوتر الدولي حول برنامج طهران الدولي، اضطرت اليابان إلى التخلي عن حقل اذاديجان في اطار الضغط الدولي على طهران. ولمواجهة اليابان، حصلت الصين على حق الاستفادة من حقل يادافاران الايراني. ويشير العديد من المحللين إلى كما دخلت كل من الصين واليابان في مواجهة حول مسار خط انابيب نفط يمتد من انجارسك في سيبريا. فقد ارادت بكين ان يصل الخط الى داكينج في شمال الصين، بينما تدعو طوكيو إلى مسار أطول وأكثر كلفة يصل إلى ميناء ناخودكا الروسي بالقرب من فلاديفوستوك. وانتصرت وجهة النظر اليابانية بعدما عرضت تقديم مساعدات في تمويل الخط المقترح الذي تصل تكلفته الى 10 مليارات دولار.

وتعتمد اليابان على النفط والغاز المستورد في حوالي 80 في المئة من احتياجاتها للطاقة، وهو ما يترك اقتصادها الصناعي المتقدم عرضة لتقلبات السوق. وهناك صراع بين البلدين علاوة على الهند حول نفط الشرق الأوسط، وتيرى اليابانيون ان رغبة الصين في بيع معدات عسكرية، وهو أمر غير وارد بالنسبة لليابان التي يمنع دستورها تصنيع المعدات العسكرية، يمكن ان تمنح الصين ميزة على طوكيو في المفاوضات مع الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وقد بدأت اليابان في التركيز على آسيا الوسطى بعد استقلال تلك الدول مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. وبالرغم من ان اليابان تفتقر الي القوة العسكرية التي تتمتع بها الصين للتأثير على الاحداث في المنطقة، فإنها تغري تلك الدول عبر احتياطيها النقدي الهائل وسياسة الحوار التي اعطتها الحق في الحصول على احتياطات النفط والغاز. وتهدف طوكيو لبناء طرق وخطوط نقل نفط من اسيا الوسطى الى المحيط الهندي عبر افغانستان لنقل النفط والغاز الطبيعي الى اليابان.

واقع الامر ان الصين وهي إحدى القوى العظمى الصاعدة، وهى ذات علاقات باليابان، لكنها علاقات مركبة ومعقدة وتتميز بقضاياها المستمرة غير المنتهية، فمصالحهم الإستراتيجية غالباً ما تتعارض ومفاهيمهم الأمنية غالباً ما تتناقض. والعلاقات الأمنية بين بكين وطوكيو أضحت مع الوقت متوترة بسبب تلك الأحداث غير المحسوبة الى جوار الخلاف فى الرؤى الإستراتيجية بين البلدين. وعلى الصعيد الآخر، فإن طوكيو ترى في إستراتيجيات تحديث القوة التقليدية والنووية والمفاهيم الأمنية الصينية علاوة على ان العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وطوكيو المحللين تجعل بكين لا تنظر الى طوكيو على أنها شريك إستراتيجى لكن تنظر لها على أنها عائق إستراتيجى لطموحها الجغرافى. فبكين تملك القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية التى تمكنها من تحدى ذلك التحالف الاممريكي الياباني وتهديد مصالحهما القومية فى المنطقة على نطاق واسع، ومن ثم فبإمكانها أن تخلق فى المنطقة خللاً أمنياً طويل المدى.

والهدف القومى الأساسى للصين هو أن تصبح أمة قوية، غنية، موحدة، وذات صوت مسموع، ومعتبر فى آسيا. والصينيون يرون دولتهم على أنها دولة نامية ذات قوة نووية، ومقعد دائم فى مجلس الأمن. وتضاهى أعظم الدول وأكبرها فى العالم، لذا فهم يسعون الى تحقيق الفوز السياسى والاقتصادى والعسكرى على دول العالم الكبرى بحلول منتصف القرن الحالي.

بل وأكثر من ذك فإن الصين تسعى الى تكوين نظام اقتصادى سياسى، أمنى، عسكرى جديد يستند الى مراكز متعددة من القوى العظمى. ولأن الصينيين أدركوا أن قيام دولة عظمى فى المنطقة سوف يؤدى الى إضعاف القوة الأمريكية فى المنطقة، فإن المصالح الأمريكية ولاشك بات عدوها الأساسى الطموح الصينى. وقد يكون هنا هو بيت القصيد، فيبدو ان قضية الجزر المتنازع عليها وهي ليست بالقضية الجديدة وهناك ترتيبات متفق عليها بين الجانبين كما ان احتياطات النفط في هذه الجزر المتنازع عليها وتقدر ب92 مليون برميل فقط، لكن كل بلد يتمسك بها لاعتقاده أن الاحتياطات قد تكون أكبر، كما أن المنطقة غنية بمصائد الأسماك.

كما ان الدولتين تعززان روابطهما الاقتصادية اذ تحولت بكين الشريك التجاري الاول لطوكيو. بعد ان تجاوزت الصين الولايات المتحدة كأول شريك تجاري لليابان في عام، 2004 واليابان نجحت إلى حد بعيد في دفع الصين نحو تكامل اقتصادي عامودي، تحت المراقبة، ، في الوقت نفسه ما زال اليابان البلد الاول لجهة تقديم المساعدات العامة الى الصين منذ اقرار اولى المساعدات اليابانية العامة عام 1979، قدمت طوكيو 23 مليار و894 مليون يورو الى الصين، وفق تقرير لوزارة الخارجية اليابانية عام 2005. ومن هنا يمكن القول ان علاقة الصين واليابان تسير بين التوتر السياسي والتكامل الاقتصادي غير أن جغرافيتها هي مصيرها. وهناك نفور اليابانيين من جيرانهم الصينيين وشكوكهم ازائها.

ويبدو ان الصين رأت ان الفرصة سانحة لفرض امر واقع في الجزر المتنازع عليها نتيجة التغيير السريع في الحكومات اليابانية، والذي تراه بكين أنه يسفر عن نتائج عكسية، فهذا البلد تغيرت فيه 14 حكومة خلال العقدين الأخيرين، وفي الاثني عشر شهراً الأخيرة تغيرت ثلاث حكومات يابانية، أي أن تلك الحكومات لم تجد الوقت الكافي كي تقدم سياسات جديدة أو حتى تشرع في تنفيذها بفاعلية. هذه الظاهرة تجعل من الصعب، على أي حكومة إحراز تقدم وفي حين ينمو الاقتصاد الصيني بسرعة بالغة، فإن اليابان ما زالت يناضل كما ان توازن القوة الاقتصادية بين القوتين (الصين واليابان) آخذ في التغير الآن، وبسرعة. ففي هذا العام سوف يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين نظيره في اليابان فضلاً عن ذلك فإن البصمة الاقتصادية التي تخلفها الصين تنتشر بسرعة عبر آسيا وبقية العالم. وكانت الصين ترجو فوز ايشيرو أوزاوا الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي الياباني الحاكم فهو كان وراء السياسة الخارجية الأمنية التي تبنتها الإدارة الجديدة وهي كانت متعارضة على نحو متزايد مع السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة. في الواقع، كان هناك قلق متزايد على جانبي المحيط الهادئ من سياسة رئيس الوزراء (السابق) يوكيو هاتوياما الذي كان (ووراءه ايشيرو أوزاوا الأمين العام (السابق) للحزب الديمقراطي الياباني الحاكم عازماً على التحول بعيداً عن الهيمنة الأميركية المتدهورة والتقرب من الصين الصاعدة. بل لقد أعلن الثنائي هاتوياما وايشيرو أوزاوا عن رؤيتهما الأولية لبناء مجتمع شرق آسيوي يستبعد الولايات المتحدة. لقد حاول الثنائي العمل على عجل تلبية بيان الحزب الديمقراطي الياباني وتعهداته الانتخابية العلنية. وهذا يشتمل على عدم تجديد الدعم لعملية الحظر التي تقودها الولايات المتحدة في المحيط الهندي وهو ما تم بالفعل، والحد من دعم القوات الأميركية التي تستضيفها اليابان على أرضها، وإعادة النظر في اتفاقية وضع القوة الثنائية.

فضلاً عن ذلك فإن الثنائي كان عازما على فضح اتفاق نووي سري أبرم أثناء الحرب الباردة، وهو الاتفاق الذي فتح الموانئ اليابانية أمام سفن البحرية الأميركية والتي كانت تحمل أسلحة نووية، في انتهاك لمبادئ اليابان الثلاثة فيما يتصل بمنع الانتشار النووي، والتي أرشدت السياسة الرسمية اليابانية منذ ستينيات القرن العشرين. وأخيراً وليس آخراً، عمل الثنائي على تأجيل تنفيذ الاتفاق الثنائي مع الولايات المتحدة والذي يقضي بنقل قاعدة سلاح مشاة البحرية الأميركية على جزيرة أوكيناوا، من فوتنينما إلى هينوكو، وبالتالي إرباك الخطة الأميركية الرامية إلى نقل جزء من قواتها المتواجدة على جزية أوكيناوا إلى غوام. وهذا يعني قطيعة بين الولايات المتحدة واليابان مدفوعة بدوامة من عدم الثقة ومن هنا كان القلق الامريكي الكبير من احتمال فوز ايشيرو أوزاوا في انتخابات رئئاسة الحزب الحاكم.

الا ان التطورات التي اعادت التأكيد على مخاوف الاستراتيجية الجغرافية في اليابان واخفاقات اخرى للثنائي اطاحت به واتت ب"ناوتو كان" الذي انتخب يوم 14 أيلول زعيما للحزب ورئيسا للوزراء وهو رجل تراه واشنطن رئيس وزراء قادرا على كسب الدعم اللازم لسياسات اقتصادية من شأنها انتشال العالم من الركود، والحفاظ على تحالف قوي مع الولايات المتحدة.حيث احتفلت الولايات المتحدة واليابان أخيرا بالذكرى السنوية الخمسين لتحالفهما الأمني الذي مثل حجر زاوية للأمن في شمال شرق آسيا وأشاع الرخاء في جميع أرجاء آسيا. ولذا كان حرص الرءيس الامريكي أوباما على حضور قمة آبيك في اليابان في تشرين الثاني المقبل.

مثل سقوط ايشيرو أوزاوا وقبله هاتوياما احباطا كبيرا للصينيين. حيث ان رئيس الوزراء عقب فوزه مباشرة عين سي جي ميهارا وزير النقل السابق البالغ من العمر 48 عاما، والذي يوصف بأنه صاحب آراء متشددة ضد السياسة الصينية وزيرا للخارجية ليحل محل وزير الخارجية المقال كاتوسويا أوكادا. والوزير الجديد انتقد صراحة في اول مؤتمر صحفي له ازدياد نفقات التسلح الصيني التي تزداد بمقدار 10% سنويا منذ عقدين.

ومع ذلك فلا مفر امام بكين وطوكيو سوى الرضاء بحقائق تفرضها الواقعية الاستراتيجية، فالدبلوماسية والردع والتفوق العسكرى هى قلب سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة المتحالفة مع اليابان، كذلك فإن التحالف الأمنى الأمريكى مع اليابان هو قلب السياسة الأمنية الأمريكية فى آسيا. وهو الضامن لاستمرار الولايات المتحدة للوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها فى المنطقة.

كما أن هناك رسائل واضحة بين الطرفين بضرورة احترام كل طرف لمصالح الآخر. وهذا ما عبر عنه منتدى بكين - طوكيو السادس، الذي افتتح أعماله يوم 30 آب الماضي في طوكيو، حيث أن تبادل الآراء ووجهات النظر بين المسؤولين والمختصين من شأنه أن يعمِّق التفاهم المتبادل ويمنح زخماً جديداً للعلاقات الثنائية حتى تنمو وترقى إلى مستوى أعلى. ويُعد المنتدى، الذي تنظمه بشكل مشترك صحيفة "تشاينا ديلي" و"جينرون إن بي أو"، وهو مركز بحوث ياباني غير ربحي، حدثاً سنويّاً يُعقد بالتناوب في الصين واليابان منذ آب 2005. وهذا المنتدى عرف على مدى السنوات مشاركة شخصيات بارزة من الحكومة والوسط الأكاديمي؛ مشاركة تشير إلى أن كلتا الحكومتين تعلقان أهمية كبيرة على العلاقات الثنائية، وتضمن دور المنتدى كمنبر ليناقش المشاركون من الجانبين المواضيع الخاصة بالعلاقات الثنائية بعمق. ومثل هذه المنابر يمكن أن يساعد على تمتين العلاقات الصينية- اليابانية، ويساهم في التنمية الإقليمية.فالحوار بين الطرفين حتى بدون تفاهم كفيل بتجنب الحسابات الخاطئة والمغامرات غير المحسوبة لكل منهما. والعلاقات الدبلوماسية القائمة لا معنى لها دون الاتصال المباشر بين الطرفين.

() كاتب وباحث عربي من مصر

========================

انفجار العالم العربي

رفيق عبدالسلام

الشرق الاوسط

5-10-2010

إن اختيار مثل هذا العنوان المثير، للحديث عن الوضع العربي الراهن، لا يدخل ضمن خانة التهويل والتضخيم، بل هو في الحقيقة توصيف دقيق لما يعتمل في الجسم العربي من صراعات وانفجارات، بعضها بات محسوسا وظاهرا للعيان، وبعضها الآخر تتراكم عوامل انبعاثه من تحت الرماد في أي وقت وحين. يكفي أن يتأمل المرء ما يجري في مواقع كثيرة من العالم العربي، سواء كان ذلك على تخومه وأطرافه، أو حتى في مناطق القلب منه، حتى يدرك هذه الحقيقة جيدا.

الصومال في حالة انهيار كامل تقريبا، حيث لا تكاد تسيطر حكومة الشيخ أحمد شريف سوى على القصر الرئاسي، وبضعة أحياء في مقديشو وليس أكثر، في وقت تتمدد فيه حركة التمرد المسلح، التي تقودها مجموعات الشباب المرتبطة ب«القاعدة» في سائر أرجاء الصومال.

اليمن الذي يقف في موقع جغرافي بالغ الأهمية والحساسية، ينفتح على الخليج العربي، شمالا وشرقا، ويطل جنوبا على بحر العرب، وغربا على البحر الأحمر، فضلا عن إشرافه على مضيق باب المندب الاستراتيجي، يتخبط هو الآخر في ركام من الأزمات، لا قبل له على الخروج منها، اللهم إلا بمعجزة خارقة لقوانين الاجتماع السياسي. يخوض هذا البلد حروبا مفتوحة على ثلاث جبهات مترابطة، معركة أولى مع الحوثيين في جبال صعدة وما حولها، وأخرى مع جماعات «القاعدة» الهوجاء شمالا وجنوبا، وثالثة مع الحراك الجنوبي الذي يدفع في اتجاه الانفصال ونقض عرى الوحدة التي قامت سنة 94.

السودان الذي يمثل حلقة وصل رئيسية بين العالم العربي والامتداد الأفريقي، ويمتلك أكبر مساحة في أفريقيا والعالم العربي، بات اليوم في عداد اليقين أنه سيفقد الجنوب إلى غير رجعة في غفلة وتجاهل من الجوار العربي. هذا دون أن نتحدث عن أزمة دارفور المفتوحة منذ سنة 2003، وما زالت تتأرجح ما بين الحرب والسلم.

العراق ومنذ وقوعه فريسة للاحتلال الأميركي سنة 2003، ما زال عاجزا عن تشكيل حكومة، إلى حد كتابة هذه السطور، وبعد ما يقرب من ستة أشهر من الانتخابات، وهو يتخبط في حالة من الفوضى العارمة وما يشبه الحروب الأهلية الخفية والصامتة، في ظل تدخلات دولية وإقليمية، لا حصر لها.

لبنان يترنح وضعه ما بين استقرار هش وصدام طائفي محتمل، ولولا التنسيق السعودي - السوري المشترك لانزلق البلد مجددا في أتون التحارب الأهلي. تضاف إلى هذا الكم من الأزمات الظاهرة، سلسلة أخرى من المعارك «والتفجيرات الجزئية» التي لا حد لها، سواء داخل الأقطار العربية أو فيما بينها، من قبيل معركة الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر، التي شلت كل منطقة المغرب العربي واستنزفت إمكانيات البلدين لعقود متتالية. في مواجهة كل ذلك يقف العالم العربي فاقدا الرؤية ومشلول الإرادة، وكأن ما يجري فيه وما حوله يخص قارة أخرى من العالم لا صلة له بها.

لا شك أن مثل هذه الأزمات تعبر في وجه من وجوهها عن فشل الدول العربية في امتصاص التوترات والتوقي من الأزمات، جنبا إلى جنب مع الإخفاق الاقتصادي وتآكل شرعية النخب الرسمية، ولكن ما هو أهم وأخطر من كل ذلك هو فشل العرب الجماعي في صياغة الحد الأدنى من مفهوم أمن مشترك. نحن نرى أمام أعيننا اليوم نماذج حية ومجسدة لانهيار فكرة الأمن الحدودي للدولة العربية، أي اتجاه كل دولة عربية إلى ترتيب وضعها بصورة منفردة، وبمعزل عن المحيط العربي الأوسع، وفي ظل غياب الحد الأدنى من مفهوم عربي مشترك للأمن والمصالح العامة. من المؤكد أن حالة التفسخ السياسي العربي، وليدة سياقات بعيدة المدى، تعود إلى ولادة دولة ما «بعد الحماية»، وما أعقبها من فشل تنموي وسياسي ظل يكبر مثل كرة الثلج، ولكن المؤكد أيضا أن «العشرية الأخيرة»، شهدت تسارعا في وتيرة الانهيارات العربية أكثر من أي وقت مضى. ففي غمرة الاندفاعات العسكرية للمحافظين الجدد نحو تغيير خرائط المنطقة، رغبا ورهبا، التي تم تدشينها بأفغانستان، ثم أردفت في العراق سنة 2003، اتجه كل بلد عربي إلى تأمين وضعه وحماية رأسه بصورة منفردة، تجنبا لنذر العواصف الهوجاء التي أطلقها بوش الابن وفريقه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). في مثل هذه الأجواء الصاخبة تبلورت رؤية ضيقة وهشة، تعتبر أمن الدولة «القومي» يقف على الخطوط الجغرافية التي تفصلها عن البلد المجاور لها وليس أكثر من ذلك. وهكذا يكفي أن يتم إبعاد شبح الأزمات والحروب بضعة كيلومترات على الجهة الأخرى من الحدود، أو إقامة عوازل عن موطن الأزمة، حتى تطمئن الدولة العربية بأنها باتت في مأمن من مخاطر المحيط المضطرب. بيد أنه ما أن يتم إطفاء بعض الحرائق هنا أو هناك حتى تعاود الظهور على نحو أو آخر، ربما أشد ضراوة مما كانت عليه. طبعا مثل هذه الرؤية لم تتشكل كنظرية مدروسة وواعية بقدر ما تبلورت في أجواء الإكراهات المتأتية من بنية العلاقات الدولية والمحيط الضاغط الذي يدفع في اتجاه الانكفاء على الداخل الضيق. بل الأنكى من ذلك أن بعض الدول العربية تنحو بعامل الوقت إلى تشكيل «العقيدة العسكرية» لجيوشها في مقابل دول عربية أخرى مجاورة أو قريبة منها.

الواضح هنا أن الدولة العربية تسير في خط معاكس تماما لاتجاه تطور التاريخ ونظام العلاقات الدولية. ففي الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو التكتلات السياسية والاقتصادية الجهوية والقارية الكبرى، ينزع العالم العربي نحو مزيد من التفكك والتذرر. ففي عصرنا الراهن المعولم لم يعد من الممكن الحديث عن أمن ضيق بالمعنى المحلي والجزئي، خاصة في ظل تراجع مفهوم السيادة، وتزايد تأثيرات الخارج بشكل غير مسبوق. هذا ما دفع الأوروبيين مثلا إلى الانتقال من مفهوم الهوية القومية إلى الهوية القارية، ومن مفهوم الأمن المحلي إلى الأمن الإقليمي وما هو أوسع من ذلك. ويقينا أن الدول العربية بحكم هشاشة وضعها وترابط المصالح والمخاطر فيما بينها، هي الأحرى والأولى بأن تفكر في أمنها واستقرارها, ضمن هذا الأفق الأوسع.

أنا أعرف أن الكثير ممن سيقولون إن هذه المقولات هي من مخلفات الحقبة القومية التي عفى عليها الزمن، وما شابه ذلك، بيد أن هذه مسألة تتعلق بالمصالح البراغماتية، وحياة الدولة العربية نفسها قبل أن نتحدث عن الاعتبارات الآيديولوجية والعقائدية، مثلما تتعلق بقوانين التدافع السياسي وبنية العلاقات الدولية بالغة التركيب.

من الوهم تصور أن ما يجري في السودان مثلا من انهيارات، سيظل شأنا سودانيا خالصا من دون أن تمتد شظاياه إلى الجوار العربي والأفريقي، فهذا البلد الذي يمتد على حدود 9 دول ما بين عربية وأفريقية، (تعادل كل حدود العالم العربي مجتمعة تقريبا) وتزيد مساحته على مليونين ونصف المليون كيلومتر مربع، لا بد أن ينعكس وضعه خيرا أو شرا، صحة أو مرضا على المحيط الإقليمي من حوله. ما يجري في اليمن لا بد أن تمتد شظاياه إلى المحيط العربي الأوسع، كما أن هذا البلد يواجه أزمات أكبر من حجمه وقدرته على التحمل، ولا يمكن تصور خروجه من هذه المحنة الخانقة التي يتخبط فيها من دون جهد عربي أوسع، وخليجي منه على وجه الخصوص. وقس على ذلك مجمل الأزمات والملفات العربية الملتهبة من العراق إلى فلسطين إلى لبنان والصومال وغيرها.

بين يدي السفر الضخم، الذي دونه وزير الخارجية التركي داوود أوغلو، المترجم والصادر حديثا عن مركز الجزيرة للدراسات، الذي يعد حصيلة التراكم المعرفي والخبرة السياسية للرجل، حيث يتحدث هنا عما سماه العمق، أو بالأحرى الأعماق الاستراتيجية لتركيا التي تتراوح ما بين البلقان والقوقاز والشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وغيرها. كما أن الرجل لم يتردد في الحمل بشدة على ما سماه انحباس النخبة «الأتاتوركية» خلف مفهوم الأمن الحدودي الضيق، ليؤسس رؤية استراتيجية ترى في شبكة المصالح التركية، تمتد من موريتانيا إلى جبال الأوراس. وفعلا هذه ليست مجرد نظرية مدونة في بطون الكتب، بل إن داوود أوغلو وزملاءه يعملون ليلا ونهارا على ترجمة هذه الرؤية على أرض الواقع في سائر الفضاء العثماني السابق وما بعده.

الحقيقة أنه بقدر ما يشعر المرء بالفخر بوجود رؤية كبيرة وعقل يقظ يدير دفة السياسة الخارجية في بلد مجاور وشريك لنا، بقدر ما يشعر بشيء من «الغيرة» الممزوجة بالألم عما آلت إليه أوضاعنا نحن العرب من تيه وضياع في ظل ضيق الأفق السياسي وغياب الخيال الاستراتيجي، نتيجة انكباب النخب السياسية عندنا على العاجل من الأمور دون الآجل منها، وعدم الذهاب بعيدا، عما يعتمل في السطح السياسي الخارجي.

بيد أن السؤال المطروح هنا، أنه إذا كانت أوضاعنا على هذا النحو فما العمل؟ وما الخيارات المتاحة أمامنا؟

طبعا لا توجد حلول معجزة في عالم السياسة عامة، وفي الرقعة العربية، على وجه الخصوص، المحاطة بكم هائل ومتلاحق من الإخفاقات والأزمات، بيد أن هناك خطوات مطلوب قطعها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع العربي المأزوم. وأولى هذه الخطوات المطلوب قطعها هنا التخلي عن وهم الأمن المحلي، أي تصور أن أمن أي من الدول العربية يتم بمعزل عن الأخرى، ثم التحرك في اتجاه صياغة رؤية عربية مشتركة تضع على رأس أولوياتها، التخفيف من الأزمات وإطفاء الحرائق الملتهبة، ثم تمتين نسيج المصالح والروابط العربية. مثل هذا الأمر يفرض مسؤوليات خاصة على الدول العربية الكبرى، وفي مقدمة ذلك مصر والمملكة العربية السعودية وسورية لإعادة ترميم الوضع العربي وإدخال شيء من الانتظام في المجال السياسي العربي المفكك، ثم لسد الفراغ الإقليمي الحاصل، الذي باتت تلعب فيه قوى دولية وإقليمية كثيرة.

الحقيقة أن العالم العربي أمام خيارين، لا ثالث لهما: إما التمادي في مشروع انهيار جماعي، لا قدر الله، وإما المبادرة بمشروع إنقاذ عربي مشترك وهو ما نأمله.

========================

النضال المستمر على امتداد الحدود الباكستانية

ديفيد اغناتيوس

الشرق الاوسط

5-10-2010

خلال ذات الأسبوع الذي قتلت فيه طائرات مروحية أميركية بالخطأ ثلاثة أعضاء من فيالق الحدود الباكستانية بالقرب من الحدود مع أفغانستان، عكفت قوات أميركية خاصة على تدريب أعضاء بالقوة ذاتها على كيفية استغلال أجهزة الراديو وأسلحة القنص والأدوات الأخرى المستخدمة في جهود مكافحة التمرد داخل قاعدة نائية هنا.

لا يتحدث الباكستانيون والأميركيون كثيرا في شأن هذا المعسكر التدريبي الواقع شمال غرب بيشاور على بعد نحو 20 ميلا من أفغانستان. ومع ذلك، يشكل البرنامج رمزا للازدواجية الغريبة لهذه العلاقة - مزيج من التباعد على الصعيد العلني والتعاون على الصعيد الخاص يشكل قضية حساسة للجانبين. في هذا السياق، أكد كولونيل إحسان رضا، قائد المعسكر، عندما زرت المعسكر مساء الثلاثاء، أي قبل يومين من الهجوم الأميركي الفتاك قرب الحدود، أن «العلاقات بيننا طيبة للغاية، وتسير على ما يرام». ومع ذلك، حرصت القيادة العسكرية الباكستانية على عدم الظهور بمظهر قريب للغاية من أميركا، حيث شددت على أن المدربين الأميركيين كانوا يوفرون مهارات فنية، وليس يديرون جهود التدريب برمتها.

الملاحظ أن كلا الجانبين ينظر إلى البرنامج باعتباره قصة نجاح، لكن الجهود المشتركة تخفي وراءها توترا يتحرك نحو مزيد من التعمق خلال الشهور المقبلة. من ناحية، ترغب باكستان في استغلال قوة فيالق الحدود البالغ عدد أفرادها 70.000 جندي في تحقيق الاستقرار داخل المناطق القبلية الخاضعة لإدارة فيدرالية، ووقف حركة التمرد الداخلي التي تشنها طالبان. ومن ناحية أخرى، ترغب الولايات المتحدة، التي تناضل داخل أفغانستان، في أن تساعد باكستان في إحكام السيطرة على الحدود وتدمير الملاذات الآمنة التي تستغلها «القاعدة» وطالبان الأفغانية. ويتحدث الجانبان كما لو أن أهدافهما متطابقة، رغم أنها ليست كذلك، حيث تجلت الأولويات المتباينة خلال المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي مع قادة باكستانيين. ويبدو «وارساك» واحدا من المشاريع المفضلة لدى ميجور جنرال طارق خان، قائد فيالق الحدود. داخل مقر رئاسته في قلعة بالا هيسار القديمة في بيشاور، يدفعك الزي التقليدي ل«الكشافة» القبليين للتساؤل حول ما إذا كانت حقبة الراج البريطاني قد ولت حقا. خلف المكتب الذي يجلس عليه خان، توجد لوحة منقوش عليها أسماء من سبقوا خان حتى عام 1907.

وأشار خان إلى أنه حان الوقت كي تنتقل باكستان من الهجمات العسكرية الضخمة في المناطق القبلية إلى ما وصفه بإجراءات «حفظ الأمن». وقال: «لن تكون هناك عمليات كبرى». وأضاف: «لا تتوقعوا عمليات ديناميكية ضخمة جديدة».

ولا يُعدُّ هذا بالأمر المطمئِن بالنسبة إلى الجنرال ديفيد بترايوس، القائد الأميركي في أفغانستان، حيث يقال إنه خلص، بعد عدة شهور في كابل، إلى أنه من الحيوي لضمان النجاح الأميركي ممارسة مزيد من الضغوط الباكستانية على الملاذات الآمنة للإرهابيين. وهنا، يكمن التناقض الجوهري - أميركا تعاني انتشار قواتها العسكرية على مساحة مفرطة في الاتساع وترغب في تعزيز باكستان لنشاطاتها العسكرية في المناطق القبلية، بينما في المقابل ترغب باكستان التي تنتشر قواتها العسكرية هي الأخرى على مساحة مفرطة في الاتساع، في الحفاظ على السلام. وتعد استراتيجية خان نسخة منقحة من التوجه البريطاني القديم: العمل عبر زعماء القبائل للحفاظ على الطرق مفتوحة وإعادة أي عناصر متمردة إلى الصف. ويرغب خان في الحفاظ على النظام من خلال ثلاثة مستويات من القوة: الميليشيات المحلية، التي يتولى زعماء القبائل تجنيدها، وفيالق الحدود المنتشرة عبر المناطق الحدودية القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، والأسلحة الكبرى داخل الجيش الباكستاني. من خلال عمله مع مدربين أميركيين داخل «وارساك»، تمكن خان من صياغة بعض التكتيكات الذكية، مثل تزويد المركبات الخاصة داخل المناطق القبلية الحدودية بأقراص إلكترونية تسجل تحركاتها. ومن المقرر أن يخطر الكشافة بأي تحركات مريبة عبر أجهزة الراديو أميركية الصنع التي بحوزتهم، في الوقت الذي سيقضي القناصة على أي أوغاد باستخدام أسلحة قنص أميركية الصنع بحوزتهم. ومن أجل إظهار عودة النظام، قام خان، سليل عائلة بشتونية نبيلة، بجولة بسيارته الصيف الماضي عبر المناطق القبلية الحدودية الخاضعة لإدارة فيدرالية برفقة زوجته وابنته. والواضح أن حماس خان يعدي من حوله. وقد أكد خان أنه «ليست هناك ملاذات بالمنطقة الخاضعة لمسؤوليتي.. يمكنني اصطحابك لأي مكان بأي منطقة وفي أي وقت». لكن تبقى الحقيقية أن شمال وجنوب وزيرستان، نقاط التوتر الرئيسية، لا تزال تحت مسؤولية الجيش. عندما تقود السيارة عبر المناطق الحدودية، ينتابك شعور في بعض الأحيان بأنك انتقلت عبر الزمان إلى الوراء، لكن هذه الاستراتيجية المرتبطة بالعودة إلى الوراء لا بد أنها مؤقتة، لأن باكستان، بدعم من واشنطن، ينبغي أن تتحرك قدما نحو المستقبل، وليس العكس. وأعتقد أن سنوات الحروب مزقت النظام القبلي القديم، وينبغي أن يتمثل هدفنا على المدى الطويل في ضم المناطق القبلية داخل باكستان الحديثة، وليس ترك المجال أمامها لتقوى وتنمو بمفردها.

خلاصة القول أن الهجمات العسكرية الأميركية بطائرات من دون طيار وغيرها، بإمكانها دفع المتمردين نحو الهروب المستمر، لكنها لن تحقق الاستقرار. وكذلك الحال مع قناصة طارق خان. لذا، يتعين أن يشعر سكان هذه المنطقة بصورة ما بأن لهم مصلحة في التمتع بمستقبل يخلو من حرب مستمرة أبدا.

* خدمة «واشنطن بوست»

========================

«حماس» والهرب المستمر من الواقع

خيرالله خيرالله

الرأي العام

5-10-2010

لا فائدة تذكر من اللف والدوران، ولا من اجتماعات مصالحة تعقد في دمشق أو غير دمشق. ولا فائدة البتة من بحث عن مشروع سياسي جديد بديل من المشروع الواضح الذي يقبل به المجتمع الدولي ويدعمه. بدل الدوران على الذات تفادياً للتعاطي مع الواقع، يفترض في حركة «حماس» أن تفكر جدياً في الخروج من الطريق المسدود الذي بلغته عن طريق اعتماد قرارات شجاعة. ماذا يعني ذلك على الصعيد العملي؟ انه يعني أول ما يعني السعي إلى وقف عملية الهرب المستمرة إلى أمام، التي كلفت أهل غزة والقضية الفلسطينية الكثير، والانضمام إلى المشروع السياسي الوحيد القابل للحياة الذي اسمه البرنامج السياسي ل «منظمة التحرير الفلسطينية». هذا البرنامج الذي أقره المجلس الوطني في دورته التي انعقدت في الجزائر في نوفمبر من العام 1988.

الطريق إلى واشنطن معروفة، كذلك الطريق إلى المصالحة الفلسطينية. لا معنى لأي كلام عن دعوة واشنطن إلى فتح حوار مع «حماس» وإلى ممارسة ضغوط أميركية على السلطة الوطنية و«فتح» كي تتحقق المصالحة الوطنية الفلسطينية. مثل هذا الكلام إضاعة للوقت لا أكثر، خصوصاً أن قنوات الاتصال بين الفلسطينيين والأميركيين مفتوحة من جهة، وأن تحقيق المصالحة يمكن أن يتحقق في لحظة بمجرد أن تعلن «حماس» موافقتها من جهة أخرى على الوثيقة المصرية التي لم تعد تحتاج سوى إلى توقيع من شخص يمثل الحركة أكان من الداخل الفلسطيني أو من خارجه...

أن تعرف كيف تخسر في السياسة، أهم بكثير من أن تعرف كيف تربح. من لا يعرف كيف يخسر، لا يعرف كيف يربح ولا يستطيع أن يربح يوماً. لقد خسرت «حماس» في السياسة نظراً إلى أن رهانها كان دائماً على الشعارات الفارغة وعلى فشل أي مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية. حسناً، يمكن للمفاوضات أن تفشل، ماذا بعد ذلك؟ هل في استطاعة الجانب الفلسطيني، في حال كان يريد بالفعل المحافظة على القضية وإزالة الاحتلال يوماً، الرهان على شيء آخر غير التمسك بالبرنامج الوطني، والعمل في الوقت ذاته على بناء المؤسسات الفلسطينية كي تكون جاهزة لممارسة سلطة الدولة على أي أرض ينسحب منها المحتل الإسرائيلي.

قبل كل شيء، تكمن خطورة دعوة «حماس» الإدارة الأميركية إلى فتح حوار معها عودة إلى خلف. هناك حوار أميركي- فلسطيني منذ العام 1988، بعدما ألقى ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، خطابه الشهير في جنيف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نقلت جلستها إلى تلك المدينة السويسرية بناء على رغبة فلسطينية.

لم تكتف الإدارة الأميركية وقتذاك بخطاب «أبو عمّار»، فاضطر الأخير إلى ايضاح نقطة معينة في مؤتمر صحافي عقده لاحقاً فاتحاً الأبواب أمام بدء الحوار مع واشنطن عبر سفيرها في تونس. ثمة حاجة للعودة إلى التاريخ وأحداثه التي لم يمرّ عليها الزمن بعد لتوضيح أن الفلسطينيين في حوار مع الإدارة الأميركية وهم يعرفون جيداً ما هو المطلوب منهم كي يستمر هذا الحوار وكي يحشروا إسرائيل في الزاوية، أقلّه سياسياً. ما الذي تستطيع «حماس» تحقيقه أكثر مما تحقق حتى الآن عن طريق فتح حوار بينها وبين واشنطن، هل تريد العودة إلى أعوام طويلة من النضال أوصلت «منظمة التحرير الفلسطينية» إلى احتلال موقع عضو مراقب في الأمم المتحدة؟

في النهاية، هناك واقع ليس في استطاعة أي طرف فلسطيني تجاوزه، يفرض هذا الواقع على الفلسطينيين الانصراف إلى مهمة بناء مؤسسات الدولة، والعمل في الوقت ذاته على تجييش المجتمع الدولي من أجل متابعة ضغطه على إسرائيل كي تقبل خيار الدولتين وتنسحب من الضفة الغربية كلها، بما في ذلك القدس الشرقية. هناك صيغة معقولة ومقبولة لتسوية تؤمن للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه الوطنية. العالم كله يعرف ذلك. ليس صدفة أن يصدر قبل أيام بيان جديد عن اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والأمم المتحدة) يشدد على ضرورة انهاء الاحتلال وتجميد الاستيطان والسعي إلى سلام شامل في الشرق الأوسط. هناك رغبة دولية في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. لا يمكن التعاطي بشكل إيجابي مع هذه الرغبة عن طريق إطلاق الصواريخ من غزة أحياناً، أو عبر توجيه دعوات إلى الإدارة الأميركية كي تباشر حواراً مع «حماس». هذه مجرد تصرفات عشوائية تكشف افلاساً سياسياً بكل معنى الكلمة.

تستطيع «حماس» احراق منتجع سياحي في غزة. تستطيع أيضاً البقاء إلى ما لا نهاية آسرة الجندي الإسرائيلي الذي تحتجزه منذ يونيو 2006. تستطيع خصوصاً اعتبار أن الحصار الذي يتعرض له القطاع لا يهمها بمقدار ما أن ما يهمها تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني. ولكن أن يترافق ذلك مع الدعوة الجديدة إلى حوار مع واشنطن، فهذا مجرد وهم، خصوصاً أنه سبق للحركة أن طلبت من الرئيس السابق جيمي كارتر نقل رسالة إلى إدارة أوباما عندما زار غزة في يونيو 2009. ماذا كانت نتيجة تلك الرسالة، وهل من عاقل يراهن على جيمي كارتر الذي لم ينجز خلال رئاسته سوى اتفاقي «كامب ديفيد»؟

مرة أخرى، لا يمكن بناء سياسة على أوهام. الطريق إلى خدمة الشعب الفلسطيني وقضيته معروفة، كذلك طريق المصالحة الفلسطينية. الأوهام لا تولد سوى أوهام من نوع الاستعداد للانقضاض على السلطة الوطنية في الضفة الغربية على غرار ما حصل في غزة منتصف العام 2007 برضا إسرائيل وتشجيع منها. مثل هذه الأوهام موجودة في عقول مريضة لا ترى عيباً في استخدام الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك ذات طابع اقليمي لاعلاقة له بها من قريب أو بعيد!

========================

جددوا الفضيحة وستروا القاتل

آخر تحديث:الثلاثاء ,05/10/2010

فهمي هويدي

الخليج

هما فضيحتان وليست واحدة، الأولى أن السلطة الفلسطينية تواطأت مجدداً على تمكين “إسرائيل” من الإفلات من العقاب على ما ارتكبته من جرائم في عدوانها على غزة . الثانية أن الإعلام العربي تستّر على الجريمة، وأحاطها بجدار من الصمت والتجاهل .

 

(1)

 

وقعت الواقعة في الأسبوع الماضي أثناء انشغال الجميع بالمفاوضات المباشرة وإحباطاتها . إذ نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية من جنيف خبراً مفاده أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تبنى يوم الأربعاء 29/9 قراراً طالب الأمين العام والمفوض السامي لحقوق الإنسان بالاستمرار في متابعة تنفيذ توصيات تقرير القاضي الدولي ريتشارد غولدستون، حول ما جرى أثناء العدوان “الإسرائيلي” على غزة، على أن يعرض الأمر على المجلس بعد خمسة أشهر، في مارس/ آذار من عام 2011 .

 

هكذا تمت صياغة خبر الفضيحة التي أعنيها . وهي صياغة مسكونة بالتدليس والمراوغة، بمعنى أنها أعطت انطباعاً بأن أمراً عادياً حدث، محوره مطالبة الأمين العام لمجلس حقوق الإنسان بمتابعة تنفيذ توصيات تقرير غولدستون، وتأجيل إصدار قرار بشأنها إلى إشعار لاحق، وإمعاناً في التدليس تحدث القرار عن ترحيب المجلس بتقرير اللجنة الدولية القانونية المستقلة حول نتائج التحقيقات التي قامت بها الأطراف . وأشاد بتعاون السلطة الوطنية مع تلك اللجنة، في حين دان عدم تعاون “إسرائيل” وإعاقة جهودها، وحث المجلس في قراره السلطة الوطنية على استكمال تحقيقاتها بخصوص ادعاءات لجنة تقصّي الحقائق المتعلقة بقطاع غزة، كما حث “إسرائيل” على أن تقوم بما تمليه عليه واجباتها لإتمام التحقيقات في ما يخصها من الانتهاكات الخطرة للقانون الدولي التي أوردها تقرير غولدستون .

 

لا أستطيع أن أفترض حسن النية في صياغة الخبر على ذلك النحو، خصوصاً إذا لاحظنا أن تلك الصياغة صدرت عن وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) الخاضعة للسلطة الفلسطينية، التي وقفت وراء القرار . لذلك لا أتردد في القول إنها نموذج للتستر على الفضيحة التي ارتكبت، واستهدفت تمكين “إسرائيل” من الإفلات من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبتها على الجرائم التي ارتكبتها أثناء عدوانها على غزة، وهو ذات الموقف المدهش الذي تبنته السلطة الفلسطينية منذ اللحظات الأولى لعرض تقرير غولدستون على مجلس حقوق الإنسان في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي (2009) . ولذلك قصة مخزية ينبغي أن تروى .

 

(2)

 

في البدء كانت فضيحة “إسرائيل” التي كشف عنها تقرير لجنة تقصّي الحقائق التي شكلت بتفويض من الأمم المتحدة برئاسة القاضي اليهودي الدولي ريتشارد غولدستون (من جنوب إفريقيا) . إذ دان التقرير “إسرائيل” في عدوانها الذي استمر 22 يوماً على غزة (آخر عام 2008 وبدايات عام 2009)، ومارست خلاله انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، كان أبرزها استخدام الفوسفور الأبيض الذي يلتهم الجلد البشري فور تعرضه للأكسجين . وهو العدوان الذي أسفر عن قتل 1400 فلسطيني، وإصابة (5000 آخرين) . في ذات الوقت فإن التقرير الذي وقع في 575 صفحة سجل عدة انتهاكات بحق السلطة المختصة في القطاع . وأوصى بأن تحول نتائجه إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا فشلت “إسرائيل” وحماس في إجراء تحقيقات ذات مصداقية في ما نسب إلى كل منهما . وقد رفضت “إسرائيل” التقرير واعتبرته منحازاً، كما رفضت التعاون مع لجنة تقصّي الحقائق الدولية .

 

هذا التقرير كان يفترض أن يعرض على مجلس حقوق الإنسان في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، تمهيداً لاتخاذ إجراءات المضي في الالتزام بتوصياته . ولكن مفاجأة لم تخطر على بال أحد وقعت وقتذاك في جنيف، حين تبين أن السلطة الفلسطينية طلبت من مندوب منظمة التحرير لدى مجلس حقوق الإنسان أن يدفع بتأجيل مناقشة التقرير إلى الدورة التالية للمجلس في شهر مارس/ آذار ،2010 ولم يكن هناك من تفسير لذلك المطلب سوى أنه يهدف إلى رفع الحرج عن “إسرائيل” وإخراجها من المأزق الذي وقعت فيه، وهو موقف صدم الجميع وأثار غضباً عارماً في الأوساط الفلسطينية والعربية على الأقل . الأمر الذي دفع السلطة إلى التراجع عن قرارها، فسحبت طلب التأجيل وعرض التقرير على مجلس حقوق الإنسان (الذي يتمتع فيه العرب والمسلمون ودول العالم الثالث بأغلبية كبيرة) . وكانت النتيجة أن المجلس تبنى تقرير غولدستون وتوصياته وأحال الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2009 التي أيدت بدورها التقرير (بالتصويت)، وأعطت مهلة لكل من “إسرائيل” والفلسطينيين لإجراء تحقيقات عادلة في شأن ما نسب إلى كل منهما، ترقى لمعايير العدالة الدولية .

 

شكلت الأمم المتحدة لجنة من الخبراء المستقلين لرصد وتقييم التحقيقات الداخلية التي قامت بها “إسرائيل” والجانب الفلسطيني، وقبل الاجتماع الأخير في جنيف قدمت اللجنة تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان، وذكرت على لسان رئيسها البروفيسور كريستيان توموشات أن التحقيقات التي تجريها “إسرائيل” تفتقد إلى الشفافية والنزاهة، مشيراً إلى أن الحكومة “الإسرائيلية” فشلت في التحقيق مع من خططوا وأشرفوا على الهجوم . ذكرت اللجنة أيضاً أن الجانب الفلسطيني فشل بدوره في إجراء التحقيقات الداخلية الخاصة بها . وكان تقرير غولدستون قد أوصى بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا فشل الطرفان في إجراء التحقيقات اللازمة فيما نسب إلى كل منهما .

 

كان مقرراً أن ينتهي الطرفان من تحقيقاتهما في شهر مارس/ آذار من العام الحالي . ولما لم يحدث ذلك مددت الأمم المتحدة المهلة إلى شهر يوليو/ تموز، ولما لم يقع أي تقدم في هذا الجانب، كان على مجلس حقوق الإنسان أن يحسم الأمر المعلق . علماً بأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” ظلتا تطالبان طول الوقت بإغلاق الملف ودفن تقرير غولدستون بشكل نهائي اكتفاء بالتحقيقات التي أجريت، بزعم أنها لم تنته إلى نتائج ملموسة . ولذلك اتجهت الأنظار إلى الاجتماع الأخير الذي عقد في جنيف يوم 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث توقع الناشطون في مجال حقوق الإنسان أن تأخذ الإجراءات مسارها الطبيعي، بحيث يقرر المجلس إحالة الملف إلى مجلس الأمن، لكي يوجهه بعد ذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية . ولكن ما حدث لم يكن في حسبان أحد .

 

(3)

 

صحيفة عربية سربت الخبر، إذ نشرت صبيحة يوم الأربعاء 29/9 خبراً ذكرت فيه أن “مصادر حقوقية فلسطينية كشفت النقاب عن فضيحة جديدة للسلطة الفلسطينية، تتعلق بطلبها تأجيل إحالة تقرير غولدستون إلى الأمم المتحدة . مجددة بذلك موقفها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي الذي تبنى الدعوة إلى إرجاء النظر في التقرير . وهو ما أثار انتقادات حادة . وكانت له نتائجه الخطرة على الوضع الفلسطيني برمته . وكشفت المصادر عن أن البعثة الفلسطينية لدى مجلس حقوق الإنسان في جنيف تقدمت بمشروع قرار إلى المجلس يسهل إفلات “إسرائيل” من العقوبات التي يمكن أن تواجهها جراء الحرب العدوانية على قطاع غزة . الأمر الذي يعد فضيحة كبرى جديدة، وحذرت المصادر من خطورة التصويت لمصلحة القرار، الذي من شأنه إجهاض تقرير القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون، الذي أشار إلى ارتكاب “إسرائيل” جرائم حرب أثناء عدوانها على القطاع” .

 

في الخبر المنشور عرضت الصحيفة خلاصة لمشروع القرار الذي تقدم به ممثل منظمة التحرير قبل أيام قليلة إلى مجلس حقوق الإنسان، وكانت أخطر فقراته مادة نصت على أن “يطلب المجلس من المفوض السامي لحقوق الإنسان أن يقدم تقريراً عن تطبيق القرار إلى مجلس حقوق الإنسان في جلسته السادسة عشرة في شهر مارس/ آذار عام 2011” .

 

في التعليق على هذه الخطوة نقلت الصحيفة عن المصادر الحقوقية الفلسطينية قولها إنه طالما أن “إسرائيل” رفضت بإصرار إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في العدوان على القطاع، فهذا يلقي الكرة إلى ملعب المجتمع الدولي لإجراء مثل هذا التحقيق، وليس التسويف والمماطلة والبحث عن مخارج لها من قبل السلطة الفلسطينية” .

 

في مساء اليوم نفسه، في الساعة السادسة والنصف مساء، بثت وكالة الأنباء الفلسطينية من مقرها في رام الله الخبر بعد صياغته بالصورة الملتبسة التي أشرت إليها، حيث استهلته بالجملة التالية: تبنى مجلس حقوق الإنسان قراراً مهماً قدمته المجموعة العربية والمجموعة الإسلامية، يطالب الأمين العام والمفوض السامي لحقوق الإنسان بالاستمرار في متابعة تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير غولدستون . أخفى الخبر أن القرار قدم بإيعاز من ممثل السلطة في المجلس، ولم يشر إلى أن موضوعه الأساسي هو الحيلولة دون إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما قد يعرض “إسرائيل” للعقاب .

 

المدهش أن الخبر لم يحدث أي صدى في العالم العربي، على الرغم من الصدى العنيف الذي حدث في المرة السابقة . إذ باستثناء بيان أصدره مركز القاهرة لحقوق الإنسان مع منظمات حقوقية فلسطينية أخرى، ندد بالتواطؤ العربي على دفن تقرير غولدستون، فإن عملية التعتيم على القرار لم تتح لأحد أن يتابع ما جرى في جنيف، وبالتالي فقد تم تمرير ودفن القرار في هدوء ومن دون أن يشعر أحد .

 

(4)

 

لم ينتبه كثيرون إلى الفضيحة التي حدثت في جنيف، ليس فقط جراء الصياغة الملتبسة التي قدمته بها الوكالة الفلسطينية، ولكن أيضاً لأن القرار قدم وحسم وسط أجواء ضجيج الحديث عن أزمة المستوطنات التي عوقت المفاوضات المباشرة، وعن تداعيات أزمة “أسطول الحرية” التي قتل “الإسرائيليون” فيها تسعة أتراك، وأخبار تحرك “قافلة شريان الحياة”، التي انطلقت من إنجلترا في طريقها إلى غزة . ولا بد أن يلفت نظرنا في هذا السياق أنه في الوقت نفسه الذي طلبت فيه السلطة الفلسطينية تأجيل إحراج “إسرائيل” وعقابها أطلقت أخبار معطرة عن تجدد جهود المصالحة بين فتح وحماس، ولا أعرف ما إذا كان ذلك قصد به صرف الانتباه عما حدث في جنيف أم أن التزامن مجرد مصادفة .

 

من المفارقات أنه في الوقت الذي قدمت فيه السلطة هذه الهدية إلى “إسرائيل”، فإن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تعامل معها بمنتهى الصلافة والاستعلاء، حين رفض أن يتراجع خطوة واحدة، ولو على سبيل التمثيل، عن موقفه بشأن استمرار بناء المستوطنات .

 

حين وقعت الفضيحة الأولى في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، كتب الدكتور عزمي بشارة المثقف والسياسي الفلسطيني البارز مقالين نشرا في 4 و5/9 تحت العنوان التالي “العار يمشي عارياً” تحدث فيهما عن التهديدات السياسية والاقتصادية التي وجهها نتنياهو لقيادة السلطة، وتهديدات وزير خارجيته ليبرمان بالكشف عن تورط السلطة في دعم الحرب “الإسرائيلية” على غزة، ما أدى إلى تراجع السطة علناً عن تأييد القرار . وذهب إلى أن موقف السلطة في حقيقته هو محاولة لإفشال القرار، وفي هذه الحالة، فإن صاحب الشأن حين يتراجع عن القضية، فإنه يصبح بإمكان الآخرين أن يتحرروا من العبء، لينتقل صاحب الشأن بعد ذلك إلى الاختباء وراء تحرر الآخرين من العبء .

 

إن الصمت العربي على ما جرى يبعث على الحيرة، ذلك أن السلطة إذا كانت قد تسترت على الجريمة “الإسرائيلية” تحت التهديد وساعدت على أن تفلت من العقاب، فإن ذلك يثير تساؤلنا حول ما إذا كان العالم العربي قد تلقى ذات التهديد، أم عواصمه الكبرى اختارت الصمت لكي تتحلل من عبء القضية وتتخلص من الصداع الذي تسببه لها . إن السلطة والأنظمة التي تقف معها أصبحت تقف علناً في صف تصفية القضية وإغلاق ملفها . وغدت الأزمة وحدها مسؤولة عن مواجهة التحدي وإدارة الصراع .

========================

أين إدوارد سعيد؟

آخر تحديث:الثلاثاء ,05/10/2010

يوسف أبو لوز

الخليج

تبدو الحالة السياسية الفلسطينية وهي على هذه الصورة الراهنة مشبعة تماماً بلغة يومية يطرحها - وبشكل تكراري - رجال يعملون في السياسة أو أنهم في سلك السلطة وبعض التنظيمات، أو أنهم على الحوافّ المباشرة للسياسة والسلطة والتنظيمات، وهؤلاء يقدّمون للمواطن الفلسطيني والعربي وللعالم أيضاً مجموعة من الخطابات المباشرة التي هي في أقصى عمقها مجرد تعليق تلفزيوني عابر على ما حدث وما يحدث .

 

هذه النماذج السياسية التي تتابع الحدث وتحلله في كل المشهد الفلسطيني بلا استثناء من غزة إلى رام الله، أو من البحر وحتى اليابسة بلغة شعرية تعطي دائماً وجهات نظر في اتجاه متعاكس على شكل حرب سياسية أو حرب كلامية مشدودة في الطرفين إلى الانحياز الكلي عند كل اتجاه، وبكلمة ثانية، سوف يغيب الفكر السياسي كما تغيب الثقافة السياسية في هذه التجاذبات اليومية التي يتلقّفها أو على الأقل يتلقاها العالم وتتلقاها النخب الفكرية والثقافية في العالم بالكثير من الاستهجان والعجب . . معتبرة هذه النخب المجرَّبة والمعجونة بالتجارب والخبرات العميقة أن المعلّق الفلسطيني بهذه الطريقة الكلامية، وفي هذه المرحلة البالغة الحساسية في تاريخه وفي قضيته، إنما يذهب بكل تراث هذه القضية إلى التسطيح، ولا كلمة غير التسطيح .

 

نعم . . كل ما يدور من كلام ومن سلوك أيضاً يتعلقان بفلسطين اليوم، وعبر ألسنة الفلسطينيين أنفسهم أو بعضهم إنما هو دوران يومي على السطح .

إذن، أين العمق؟

أين الخطاب الثقافي السياسي الفكري الذي يتجاوز التعليق والانحياز والتعصب والعصبية وأيضاً المبالغة والغضب إلى ما هو أرفع وأعمق وأكثر برهانية وأجدى تحليلاً بأدوات فكرية سياسية ثقافية قبل وبعد أي شيء؟

أين هذا الخطاب؟ . . الجواب سريعاً . . غير موجود .

ولأن هذه اللغة الإقناعية التي يصغي إليها العالم في نماذجه الرفيعة بكل احترام غير موجودة . . نتذكر الآن، وفي هذه اللحظة الفلسطينية الحرجة البروفيسور إدوارد سعيد بشكل خاص .

من المؤكد لو أن صاحب كتاب “الاستشراق” ما زال على قيد الحياة ومعه فريق عمل ثقافي في مثل خلايا دماغه، وفي مثل رؤيته وتوصيفه للمرض الفلسطيني، لما تلقى ويتلقى الفلسطينيون والعرب والعالم يومياً هذه العقاقير “التعليقية” الفاسدة .

========================

كيف نفهم التاريخ الأميركي؟

بقلم :سيار الجميل

البيان

لقد سجلت بعض «الملاحظات» التي أزعم أنها مهمة، أثناء تدريسي لهذه المادة في إطار تاريخ العالم الحديث، وكم وجدت أن الضرورة تقتضي في مجتمعاتنا التعّرف على التاريخ الأميركي، والتعمّق في مجالاته، وهو يغطي مساحة التاريخ الحديث منذ القرن السادس عشر حتى يومنا هذا.

 

ذلك أن كلا من القارتين الأميركيتين لا تمتلكان أي تاريخ للعصور الوسطى، وعليه فإن تاريخهما يكاد يكون امتدادا لتاريخ أوروبا الغربية. ولقد ازدادت الإصدارات الأكاديمية على امتداد العقدين الأخيرين، التي توغلت ضمن مدارس واتجاهات مختلفة في الرواية الرسمية والتاريخ الشعبي للولايات المتحدة، سواء ما يتعلق بالهنود الحمر، أو طبيعة الحراك الاجتماعي والطبقات، فوجدنا أنها تمتلك تاريخين متناقضين، يتوجب الفصل فيهما بين ما هو رواية رسمية أو ذاكرة شعبية!

 

لقد برز بعض المؤرخين الأميركيين الذين لهم رؤاهم المتباينة، ليقوموا بفضح نهج التاريخ الأميركي، مستخدمين مباضع نقدية في حفرياتهم له، لاستكشاف السياسات الأميركية التي مورست في القرن العشرين.. وثمة إضاءات لجوانب حقيقية من التفكير بسياسة القوة الأميركية، التي اتبعت على امتداد حياة الإدارة الأميركية. وربما نختلف مع بعض المؤرخين الأميركيين في رؤيتهم للعالم، ولكن دون شك فهم لهم نهجهم الواضح..

 

وقد نختلف معم أيضا في عملية اختيارهم لوثائق دون أخرى، لكنهم يتمتعون، دون شك، بالمصداقية والثقة والرؤية الواضحة. ربما صادفوا تعتيما وانزوى بعضهم بعيدا لبعض الوقت، لكنهم زرعوا في طلبتهم وجيل كامل على امتداد ثلاثين سنة منذ انتهاء الحرب الثانية، أفكارا غاية في الأهمية والوضوح.

 

علينا أن ندرك أهمية معرفتنا العربية بالتاريخ الأميركي وموضوعاته، شريطة عدم إسقاط الذات والطابع الشخصي على قراءته.. وأن ندرك المناهج والأدوات المستخدمة في الحياة الأميركية، كي نخاطبهم بنفس المنطق الذي يخاطبوننا به، أو على الأقل ندرك الطريقة التي يفكرّون بها نحو مجتمعاتنا كلها، فضلا عن كشف التشكيلات الجديدة في المجتمع الأميركي، والتي تترجم فوضى الأفكار والاتجاهات التي تعج بها الساحة الأميركية، سواء ما يخص المسلمين أو الصينيين أو الأفارقة أو المسيحيين الجدد.. الخ.

 

والموقف من الاسترقاق، و فكر التعامل الجديد، وفلسفة الاحتلال، ومنطق الارتدادات (أو: الانسحاب) من أماكن حربية، أو ساخنة، أو التمرد والديمقراطية، والإرهاب والفوضى الخلاقة.. فأميركا تمتلك مسلكين في التاريخ، وليس تاريخا واحدا، وهذان المسلكان تبلورا بين الانقسام والانسجام، وبين الاكفهرار والنضوج، فليس كل التاريخ الرسمي لأميركا له مسارات صائبة، وليس كل تاريخها الاجتماعي على ما يرام

 

لقد مرّت أميركا بفترات سياسية زاهية عدّت خلالها مثلا أعلى للعالم، وخصوصا أيام الرئيس ولسن مطلع القرن العشرين، عندما كانت تستلهم مبادئها الأولى في الحرية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب في الاستقلال وصنع الإرادة الوطنية، ولكنها اتخذت لها مسارات متباينة اثر تفاقم الخطر الشيوعي  كما كانت تصفه  واندلاع الحرب الباردة، إثر تقاعس أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

 

إن مشاريع الولايات المتحدة السياسية في العالم جعلتها عرضة للنقد الصارم من قبل شعوب العالم وأحراره، وخصوصا بعد أن غدت السيدة الامبريالية الأولى في العالم لما قبل حرب فيتنام وما بعدها.. وكان عليها أن تسلك سلوكا معتدلا اثر سياسات الوفاق بينها وبين السوفييت من طرف، وبينها وبين الصين من طرف آخر..

 

ولكنها مضت إلى حيث انتصرت على الاثنين اثر سقوط الأول وتغير الثاني.. وكان عليها التنّبه إلى سياساتها في الشرق الأوسط التي مالأت فيها علنا إسرائيل وخططها، ولكن مضت إلى أن تعلن أنها ستجعل الشرق الأوسط واحة سلام وجنة أحلام، فنقلته من بؤرة انقلابات أميركية إلى ساحة هزائم إزاء إسرائيل.. ثم أحرقته بالحروب الإقليمية مباركة التيارات المتشددة، لكي تجد نفسها معه فريسة لما تسميه ب«الإرهاب»، وجاءت مشروعاتها في كل من أفغانستان عام 2002 والعراق عام 2003 لتدخلها طورا جديدا من التاريخ..

 

إن التاريخ الشعبي لأميركا، لا يمكن فصله البتة عن تاريخها الرسمي، ذلك أن الاثنين قد تنوعا تنوعات واسعة. فالشعب الأميركي يتركب من أصول وأعراق متباينة، ولكن الثقافة الأميركية نفسها ترتبط ارتباطا عضويا بالتاريخ الرسمي الجديد، فلا وجود لأي تاريخ شعبي أميركي بمعزل عن الإرادة السياسية التي تعبر عنها إعلاميات أميركية، ولم يبق إلا أصوات نشاز من هنا وهناك تخالف كل ما هو سائد.. لقد كانت حركة السود تمتلك تاريخا من النضال مفعما بالآلام والحرمان نتيجة التهميش والإقصاء، ولكن تحللت تلك الحركة وذابت بعد مصرع زعيمها مارتن لوثر كنغ..

 

أما ما تبقى من بقايا الهنود الحمر، فقلة ضئيلة في بحر من السكان المختلطين المهاجرين، الذين يعبرون عن قوتهم في ظل كائن إمبراطوري شديد المراس! وثمة تيارات سياسية معارضة لا تمّثل حقيقة الرأي العام، منها تيارات لجاليات ولوبيات وأحزاب تنتمي إلى اليسار أو إلى هذا الطرف أو ذاك من المجتمع، عقائديا وسياسيا وثقافيا..

 

إن مسار التاريخ الأميركي الحديث، يحاكي الدولة في كل تطورها وسياساتها التي تتناقض هي نفسها من عهد لآخر، ولكنها انتصرت بعد أن رسمت لها دستورا وخلقت منها آلة تعمل من تلقاء نفسها.. ولكن هذا لا يمنع من فضح ما يكمن في الشرائح الأخرى، وخصوصا في المجتمع الذي اعتقد أنه لا يمكن له أن يحيا أبدا دون هذه الدولة، التي تطورت بشكل خارق على مدى مائتي سنة فقط من التاريخ الحديث.

========================

تمرد الديمقراطية

بقلم :صحيفة «الباييس» الإسبانية

البيان

5-10-2010

لا بد أن المواجهة المسلحة بين مؤسستين رئيسيتين من مؤسسات الدولة  الجيش الشرعي والشرطة المتمردة  التي شهدتها شوارع العاصمة كيوتو، قد أحالت تفكير الكثير من الإكوادوريين إلى ماض مضطرب ليس بعيداً، ماضي بلاد بعشرة رؤساء تعاقبوا خلال عقد واحد من الزمن فقط، وآخر ثلاثة منهم خلعوا عن طريق حالات تمرد أو ثورات. والاستقرار المدهش للإكوادور في ظل حكم رفائيل كوريا، تهشم مؤخراً.

 

صحيح أن الرئيس، ضحية الانقلاب الدرامي الذي استمر لساعات، وتم بثه عملياً على الهواء مباشرة عبر شاشة التلفزيون، خرج سالماً ومنتصراً من تمرد بوليسي أسبابه اقتصادية، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، لكن وضعه السياسي بات حالياً أضعف مما كان عليه قبل الأزمة الكبرى التي اندلعت أثناء ولايته.

 

وسواء كان احتجاجاً بوليسياً خرج عن السيطرة أم محاولة انقلابية منظمة، مثلما يعتبر كوريا، فإن الاعتداء المرفوض على النظام الديمقراطي، المدان من قبل الجميع، يحدث في إطار تدهور سياسي واستقطاب متناميين. ومنه يتشكل جزء من المواجهة بين الرئيس الإكوادوري، المتهم بالاستبداد، وبرلمان محاصر وممتنع عن النظر بعين التعاطف مع إصلاحاته التشريعية، بينما يهدد زعيم الدولة بحله وحكم البلاد بصورة مباشرة حتى يحين موعد إجراء الانتخابات، الأمر الذي يجيزه له الدستور كيفما يريد، والذي تم إقراره قبل عامين واعتبر نصراً للرئيس.

 

مشاكل الزعيم الإكوادوري، اليساري المؤمن بيساريته، رغم أنه على الأرجح لا يمكن أن يكون زعيماً ثورياً بسبب منشئه الاجتماعي وتكوينه الأميركي، هي مشكلات اقتصادية في المقام الأول. فالإكوادور تعاني بشكل خاص من هبوط أسعار النفط، وتوقيف الإنتاج من قبل الشركات الأجنبية التي تشعر بأنها مهددة، وكذلك الركود الناجم عن تحويلات مليوني مهاجر يعيشون في البلاد، ونقص الاستثمارات الأجنبية.

 

ونتيجة لكل ذلك، انتهت الفرحة في انفاقات اجتماعية جلبها معه الرئيس، إثر مخور السفينة في المياه الشافيزية الفنزويلية وارتفاع أسعار النفط عام 2008، والتي راكمت على البلاد أكثر من ثلاثة مليارات دولار من الديون على مذبح التقدمية. بينما يسعى الرئيس، وفقاً لشعبويته التي يحاول فرضها، إلى تمرير برنامج تقشفي في مجلس الشيوخ يرفضونه حتى في حزبه، علماً بأن عرس مداخيل الشرطة وتوظيفها عموماً يشكل جزءاً من ذلك المشروع.

 

إنه أكثر من محتمل أن يساير الرئيس اتجاه الرياح، والإكوادوريون يتبعونه داعمين، على الرغم من أن ذلك الدعم أصبح أقل مما كان عليه قبل عام، والجيش أظهر له إخلاصه أثناء ساعات الشؤم، والمعارضة ضعيفة ومنقسمة على نفسها.

 

لكن يبدو واضحاً أنه سيتعين عليه التفاوض مع خصومه، والتغزل بنعومة أكثر بكثير في معاملة الجنرالات الحاسمين، الذين طلبوا إليه بالفعل أن يتنازل عن فرض الاقتطاعات التي أطلقت شرارة التمرد.

 

وفي جميع الأحوال، فإن شهر العسل بين الاشتراكي المسيحي ومواطنيه، الذين وعدهم بحياة أفضل بكثير من حياة النيوليبرالية الميتة، قد انتهى إلى غير رجعة.

========================

هل إضعاف الحريري مطلب دولي ؟

غسان حجار

النهار

5-10-2010

تبرز، حتى تاريخه، مؤشرات أولية الى جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من دون ان تتوافر المعطيات الكاملة للتأكد من الغطاء الذي سهل العملية – الجريمة، وما اذا كانت خطوط دولية أوقعت أطرافاً، محليين أو اقليميين، في الفخ، كما في حال الرئيس العراقي صدام حسين قبل اجتياحه الكويت.

قد يكون الغطاء الدولي أو الإقليمي ذاته هو الذي يسعى الى اضعاف الحريري – الابن، أي رئيس الحكومة سعد الحريري، وتعمل جهات عدة، بقصد او بغير قصد، (حتى لا ننفي حسن النية) في الاتجاه عينه. صحيح ان للحريري – الابن مواقف وقرارات قابلة للاختلاف حولها، كما في السياسات المتبعة لدى كل الأطراف، خصوصاً في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، والمنطقة كذلك، والعلاقات الشائكة بين مختلف الأطراف الإقليمية، لكن إضعاف الحريري – الابن، في موقعه الوطني كرئيس للحكومة، وموقعه السياسي والسني كرئيس لتيار سياسي معتدل ومتعدد ومتنوع، يساهم في تقوية آخرين، في السياسة أولاً وفي "الجهاد" الديني ثانياً.

والمستفيدون من اضعافه كثر، ومنهم:

- اسرائيل أولاً، لأنها تراهن على الفتنة المذهبية، وقوامها حالياً، بعد سقوط الطرف المسيحي من المعادلة العسكرية، الطرفان السني والشيعي. ولا إمكان لحرب مذهبية حقيقية مع تيار الحريري. أما في حال تراجع الحريري وانكفائه، فإن التيار السني المتشدد سيطل برأسه مجدداً، من المخيمات أولاً، ومن بؤر فقر وحرمان ثانياً، وستصير المواجهة أقرب الى الواقع.

- سوريا التي لا تريد للحريري الابن ان يلعب دور والده في السياسة ويصير متقدماً ومؤثراً لدى المراجع الدولية، ويصير نداً لها في السياسة الخارجية، ويصبح "مزعجاً"، كما كان الرئيس الشهيد مرات ومرات، لذا فهي تفضل ان يظل مقيداً بحسابات مجموعات تحرك الجزء الأكبر منها.

- ايران التي تراهن على تمدد النفوذ الشيعي في المنطقة، وربما من بوابته الأبرز لبنان، لأنه الحلقة الأضعف، ولأنه الأكثر حرية، وبالتالي الساحة الأسهل لحراك أجهزتها، ان موطئ قدم، أو لتوجيه رسائل الى سوريا الحليفة، أو تهديد لإسرائيل العدوة.

- تنظيم القاعدة الذي ساهم آل الحريري، مرة في التصدي لإفرازاته ومحاصرتها، ومرات في استيعاب عناصر متعاونة معه، ببرامج مساعدات صحية وتربوية تعيد هؤلاء الى الداخل اللبناني أكثر، ومراراً بإعطاء الضوء الأخضر للقوى الأمنية للقضاء عليها.

- المنظمات الإسلامية المتشددة في الداخل والخارج على اختلافها، في لبنان وعبر العالم، والتي تبلغ علاقتها بآل الحريري حد التكفير، لأن "الحريريين" منفتحون على الغرب، وعلى المسيحيين، وعلى الأنظمة العربية "الفاسدة والكافرة" وفق التصنيف الأصولي.

- المجموعات الفلسطينية المتشددة، في الداخل والخارج، والتي اعتبرت ان "تيار المستقبل" برئيسه وفر الغطاء لضرب مخيم نهر البارد والتضييق على مخيمات أخرى، رغم علاقات الود التي تنسجها النائبة بهية الحريري معها على الدوام.

ماذا بعد؟ لن نتحدث عن أطراف الداخل، وخصوصاً الذين تحركهم أدوات استخباراتية تارة، ومصالح مالية واقتصادية نفعية تارة أخرى. السؤال الذي يهمنا هو من يدعم الحريري في الخط السياسي العريض الذي ينتهجه، وليس فقط في موضوع المحكمة؟ وهل يعمل المجتمع الدولي، عبر أميركا وفرنسا خصوصاً، على توفير الدعم الحقيقي، أم ان مصالحهما مع إيران وسوريا وتركيا هي التي تحدد السقف وترسم التوجهات؟ وهل ما تقوم به في المقابل المملكة العربية السعودية كاف؟ لا نملك الجواب حتى الآن.

========================

إيران خطرة... لكنها لا تقلق مصر!

سركيس نعوم

النهار

5-10-2010

تعرف الولايات المتحدة وخصوصاً الادارة الديموقراطية الحاكمة حالياً فيها ان في منطقة الشرق الاوسط حيث تتجمع للمرة الاولى اخطر الازمات في العالم وعليه محورين اقليميين يتصارعان بشراسة. وتعرف ايضاً ان واحداً منهما وهو مكوّن من الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بشار الاسد، ومعهما "حزب الله" الذي يكاد ان يختصر لبنان او الذي يمكن ان يختصره في وقت غير بعيد، وحركة "حماس" الفلسطينية التي جعلت من ايران طرفاً مباشراً ليس في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي فحسب بل في الصراع الفلسطيني – الفلسطيني ايضاً - تعرف ان لدى هذا المحور استراتيجيا معينة وشاملة اقليمياً على الاقل، وخطط تنفيذية لها، وامكانات تسهل هذا التنفيذ. وقد اثبت ذلك بالأدلة القاطعة ولا سيما في لبنان والعراق وقريباً جداً في افغانستان. وتعرف ثالثاً ان ثاني المحورين المكوّن من مصر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والاردن مُلتزِم مقاومة المحور الاول المذكور اعلاه الى النهاية. لكنها تعرف في الوقت نفسه القدرات المحدودة لدوله، وتالياً قلة حظ في مقاومتها الا طبعاً اذا اعتمدت كلياً على حلفائها الكبار في العالم وفي مقدمهم اميركا. اي اذا قامت اميركا بعملهم اي بحمايتهم ومشروعهم الاقليمي اذا كان لهم مشروع كهذا.

هذان المحوران يقول متابعون مزمنون للسياسة الاميركية وتطوراتها في المنطقة ليسا تحالفين رغم شيوع استعمال كلمة الحلف او التحالف عند الحديث عنهما في وسائل الاعلام. بل هما معسكران او فريقان، ذلك ان العلاقات التي تربط دول كل منهما تشبه كثيراً ما يُسمَّى "زواج المصلحة". ومثلما ينتهي هذا الزواج عند انتفاء المصالح سواء بعد تحقيقها او بعد الاخفاق في تحقيقها، فإن العلاقة بين الدول المذكورة قد تنتهي او تنهار عند انتفاء الحاجة اليها. ويقول هؤلاء ايضاً ان المحور الثاني قلق جداً من ايران الاسلامية وطموحاتها ومشروعاتها. وقلق من "حزب الله" اللبناني ودوره داخل بلاده وقوته التي تهدد حلفاءه اللبنانيين. ويقولون ثالثاً ان سوريا، وهي جزء من المحور الاول، تشعر بهذا القلق نفسه وإن كانت لا تعبّر عنه صراحة وعلناً، بل وإن كانت تعبّر عن عكسه في المواقف الرسمية لقادتها وللمسؤولين الكبار فيها. ويقولون رابعاً ان المحورين ينتظران الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي بمجلسيه بقلق. ذلك ان نتائجها قد تؤثر سلباً او ايجاباً على قدرة الرئيس باراك اوباما على انتهاج سياسات معينة داخلية وخارجية وعلى النجاح في تطبيقها. ويقولون خامساً ان المحورين تقلقهما ايضاً المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية التي بالكاد بدأت، والتي تقف على مفترقين واحد يقودها الى الفشل النهائي، وآخر يقودها الى النجاح على صعوبته. ذلك ان احدهما يتمنى نجاحها لأن انعكاسه على مصالحه ومشروعه في المنطقة سيكون ايجابياً، في حين ان الآخر يحتاج الى فشلها لانه لا يزال في حاجة الى فسحة مهمة من الوقت لاستكمال استعداداته لتنفيذ مشروعه الاقليمي الواسع.

كيف يرى المتابعون والمطلعون الاميركيون انفسهم حال المحور الثاني الذي يصفه العرب وغير العرب بمعسكر الاعتدال او بالاحرى بمعسكر اميركا؟

يعتقد هؤلاء واستناداً الى معلوماتهم ان لمصر هموماً عدة. منها الخلافة في ضوء تقدم رئيسها حسني مبارك في السن واعتلال صحته، رغم نفي القاهرة خطورة هذا الاعتلال. فهناك من جهة رغبة عنده في إحلال نجله جمال مكانه في سدة الرئاسة. او كانت هناك رغبة عنده كما يُقال. وهي الآن رغبة عند جمال وأركان في "الحزب الوطني" الحاكم. وهناك من جهة اخرى رفض لذلك من جهات سياسية وحزبية وشعبية اساسية في مقدمها "الاخوان المسلمون". ومن الهموم ايضاً تصاعد نفوذ التيارات الاسلامية الاصولية في مصر. ومن الهموم ثالثاً الدور الذي سيقوم به جيش مصر سواء في مواجهة الاسلاميين او في مواجهة الخلافة اذا تحولت ازمة. علماً ان كل التجارب السابقة تشير وفي وضوح الى دوره الاساسي في الاستقرار الداخلي وكذلك الى دوره الاساسي وربما الأول في اختيار الرئيس الجديد لمصر اذا دهمت "الخلافة" ابناء الشعب المصري. ومن الهموم رابعاً فشل المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية، مع انها لا تزال في بداياتها. طبعاً، يستدرك المتابعون والمطلعون الاميركيون انفسهم، تهتم مصر ورئيسها بلبنان والاوضاع المقلقة السائدة فيه تماماً مثل العربية السعودية. لكنها تعرف تمام المعرفة انها لا تستطيع ان تفعل شيئاً في حال قرر "حزب الله" بدعم من حلفائه الاقليميين السيطرة الكاملة على لبنان رغم وعيها الكامل لانعكاسات عمل كهذا على اكثر من صعيد وينطبق ذلك على السعودية. الا ان الاولوية عند مصر تبقى في رأي هؤلاء، للمفاوضات على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي. وهي تتمنى نجاحها لأن من شأن ذلك تمكينها من ادارة ظهرها لاخوانها العرب اذا جاز التعبير على هذا النحو والتركيز على الغرب. وفي هذا المجال يعتبر حكامها وفي مقدمهم الرئيس مبارك ان مستقبل مصر انما هو مع دول حوض البحر الابيض المتوسط واوروبا.

ماذا عن ايران؟ وهل تخشاها مصر مثلما يخشاها عرب آخرون؟ عن هذا السؤال يجيب المتابعون والمطلعون اياهم بأن قيادة مصر لا تقلقها ايران رغم اخطارها الكثيرة على المنطقة لأنها واثقة ان "اللغز الايراني" هذا ستتكفل بحله يوماً ما إما اسرائيل وإما اميركا.

ماذا عن بقية دول المحور الثاني في المنطقة؟ وماذا عن دول المحور الاول؟

========================

في ظل العولمة.. الفقراء يزدادون فقراً

المستقبل - الثلاثاء 5 تشرين الأول 2010

العدد 3791 - رأي و فكر - صفحة 19

جيروم شاهين

الفقر ليس ظاهرة غير مألوفة، طارئة، عابرة، إستثنائية، هامشية، بل هو ظاهرة عرفتها وتعرفها كل الشعوب والحضارات منذ بداية التاريخ حتى أيامنا هذه، وسواء كانت هذه المجتمعات متقدمة أو متخلفة.

يختلف مفهوم الفقر باختلاف البلدان والثقافات والأزمنة نظرا لتداخل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على تعريف الفقر، أو اقله على نسبية اهميته وآثاره ومندرجاته. ولكن هناك اتفاق عام حول اعتبار الفقر على انه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد إلى الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم وكل ما يعد احتياجات ضرورية لتأمين مستوى لائق من الحياة.

وهناك حدود في الفقر يختلف واحدها عن الآخر لذلك هناك ما يسمى فقر مطلق، وهناك ايضا فقر مزري أو مدقع وهناك ما يسمى بفقر الرفاهة. ويعنون بفقر الرفاهة الفقر الذي تتعرض له بعض الشرائح الاجتماعية وخاصة في المجتمعات الغربية، اي البلدان المتطورة اقتصاديا والتي يتمتع افرادها بالمنجزات الحضارية الحديثة. فعلى سبيل المثال، نعرف ان متوسط الدخل في اليمن هو 260 دولارا للفرد، بينما متوسط الدخل في الكويت فهو 17000 دولار للفرد. بالتالي، وقياسا الى متوسط الدخل الفردي لا يتشابه كليا الفقير في اليمن مع الفقير في الكويت.

من جهة اخرى فرق علماء الاجتماع في انواع الفقر ورأوا ان هناك نوعين رئيسيين: النوع الاول هو فقر "التكوين" والنوع الثاني هو فقر "التمكين". فقر التكوين يمثّل مظاهر الفقر الناتجة بسبب المعوقات والصعوبات الواقعية كالعوامل البيولوجية/ الفسيولوجية والتي في مقدمتها الاعاقة البدنية والعقلية والنفسية باشكالها المختلفة والتي تمثل قصورا في القدرات الشخصية للافراد، وكذلك الاعاقة الاجتماعية/ النفسية ممثلة في الانوثة مقارنة بالذكورة، والشباب مقارنة بكبار السن..اما النوع الثاني، اي فقر التمكين فانه فقر مؤسسسي يفصح عن نقص في قدرة مؤسسات المجتمع على تلبية احتياجات الناس وحثهم على استثمارها. وعلى الرغم من نسبية الفقر، فان الهيئات الدولية قد قامت بتحديد عتبة الفقر حسب مستوى المعيشة في كل بلد، مقدرة هذه العتبة بمعدل دخل فردي لا يتجاوز الدولارين في اليوم، اما دون الدولار الواحد في اليوم فهو علامة على الفقر المدقع. وهكذا فان نصف سكان العالم تقريبا يضطرون للعيش بما يعادل اقل من دولارين في اليوم لكل شخص، بل ويضطر ّخمس سكان العالم الى العيش في بؤس لان كل واحد منهم يعيش بما يعادل اقل من دولار واحد في اليوم.

مع دخولنا القرن الواحد والعشرين، واذا تأملنا في التقدم الكبير والسريع الذي حققته البشرية ولاسيما في حقل التكنولوجيا المتطورة جداً، وفي إخضاع الانسان للطبيعة وتكييفها لتلبي حاجاته، أي في عصر العولمة، قد يخطر على بالنا ان الفقر في العالم يجب ان يتراجع كثيراً وان يعيش الناس في وفرة اقتصادية كبيرة.

إلا ان مشهد الفقر في عالم اليوم هو على عكس ما يمكن ان نتخيله أو يخطر على بالنا. فالاحصاءات الرسمية في هذا الشان هي مقلقة للغاية، ونذكر هنا بعضاً منها:

افادت منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (الفاو) ان عدد الجياع في العالم سيسجل رقما قياسيا هذه السنة إذ سيصل الى مليار و20 مليون نسمة.

واوضحت في تقرير ان تفاقم الجوع على نحو لو يسبق له مثيل لا يأتي نتيجة لبوار المحاصيل أو فشل المواسم الزراعية، بل يترتب على ازمة إقتصادية عالمية استتبعت انخفاض مستويات للدخل وتلاشي فرص العمالة، وهو ما أدى بدوره الى تناقص فرص الفقراء في ضمان الغذاء. وقال المدير العام ل"الفاو" جاك ضيوف ان" هذا المزيج الخطر من التباطؤ الاقتصادي العالمي، مقرونا بالارتفاع المتواصل لأسعار المواد الغذائية في العديد من البلدان، قد دفع نحو 100 مليون آخرين، مقارنة بارقام العام الماضي الى براثن الفقر والجوع المزمنين". من ناحية اخرى، وعلى مستوى نسبية الفقر في العالم بالارقام: عرّف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل، أي الفقيرة، بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار، وعددها 45 دولة معظمها في افريقيا منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنوياً.

أما برنامج الإنماء للامم المتحدة فهو يضيف معايير أخرى تعبّر مباشرة عن مستوى رفاهية الإنسان ونوعية الحياة. هذا الدليل وسّع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم. اي ان هناك نحو 45 في المئة من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، اي ان هناك فقراء في بلدان الأغنياء. ونكتفي هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة الأميركية (15 في المئة من السكان).

اذا اتسعت الدائرة وفقاً لمعايير التنمية البشرية لشملت 2 مليار فرد من حجم السكان في العالم، منهم مليار فرد غير قادرين على القراءة والكتاب 1، 5 مليار لا يحصلون على مياه شرب نقية. وهناك طفل من كل ثلاثة يعاني من سوء التغذية. وهناك اكثر من مليار فرد يعانون الجوع، ونحو 13 مليون طفل في العالم يموتون سنوياً قبل اليوم الخامس من ميلادهم لسوء الرعاية أو سوء التغذية أو ضعف الحالة الصحية للطفل أو الأم نتيجة الفقر أو المرض.

========================

المستوطنون كقوة ضاغطة في عملية السلام

د. صالح لافي المعايطة

الرأي الاردنية

5-10-2010

يتسم الاستيطان الصهيوني بانه استيطان جماعي عسكري بسبب الهاجس الامني، والاستيطان الصهيوني ليس مشروعا اقتصاديا وانما مشروع عسكري استراتيجي ولذا فهو لا يخضع لمعايير الجدوى الاقتصادية و لابد ان يمول من الخارج ويدعم من وزير الخارجية والذي يقول انه لا يمكن وقف الاستيطان ولو دقيقة واحدة لان اسرائيل تهدف من الاستيطان لتثبيت الوطن القومي لليهود وجعله امرا واقعيا لتهويد كل فلسطين وكسر التوازن الديمغرافي في القدس ومحيطها وان بناء المستوطنات في القدس وما حولها ما هو الا مسلسل نهايته احداث انقلاب في التركيبة السكانية.

 

_ يرتبط الاستيطان باسئلة مصيرية وحاسمة مطروحة على اعمال الحياة اليومية للمجتمع الاسرائيلي ذلك ان موقف الحكومات والجيش متناغم ازاء الاستيطان ومتوافق مع الاحزاب اليمينية والدينية للدعم المطلق للاستيطان وخصوصا في ظل حكومة الائتلاف الحالية التي يقودها نتنياهو والذي يرضخ لمطالب اليمين المتطرف حتى لا يسقط الائتلاف الحاكم.

 

هناك تضارب ازاء الخيارات والبدائل في اوساط المؤسسة الرسمية الاسرائيلية بين رؤية المستوطنين ورجالات الجيش وقوى اليمين من جهة ورؤية حزب العمل واحزاب اليسار وبعض احزاب المعارضة بزعامة (ليفني) فالرؤية الاولى ترى الاستيطان خيارا استراتيجيا وحقا مطلقا له ميزاته الايديولوجية والسياسية وهدفه المركزي منع اقامة اي كيان سياسي مستقل على (ارض اسرائيل) بينما يرى الجانب الآخر انه لا بد من اخلاء المستوطنات في اطار تسوية اقليمية والفرق هنا واضح بين الرؤيتين.

 

لقد بات الاستيطان ليس مجرد فعل لمجموعات متطرفة ذات نزعات ايديولوجية توراتية فحسب بل انه حركة تمارس لعبة السياسة بفاعلية لها سطوة ونفوذ كبيران في مركز صناعة القرار الاسرائيلي فقد كان في الكنيست السابقة اعضاء من سكان المستوطنات والان في الكنيست 13 عضوا وهذا عدد مرتفع فالمستوطنون يمثلون 3% من مجموع الإسرائيليين وتمثيلهم في الكنيست يصل الى 10% لذلك اصبحت المستوطنات تعيش حالة فريدة كونها مستوطنات تمتلك دولة وليس دولة لها مستوطنات في اشارة واضحة الى ما يمثله المستوطنون من قوة ضاغطة في الحياة السياسية في اسرائيل وكونهم يمثلون حالة الصهيونية ما قبل الدولة ويريدون العودة بالدولة من الاسرلة الى الايديولوجيا.

 

المستوطنات جسدت واقعا ماديا يعد من اكثر عقبات تحقيق التسوية تعقيدا وصعوبة وقد مارسته كل الحكومات الإسرائيلية السابقة مع سبق الاصرار والترصد بهدف تضييق مساحة التسوية والوصول الى حل وسط إقليمي وخلق واقع تاريخي وجيوساسي جديد من اجل منع قيام دولة فلسطينية مستقلة ولا يوجد شعب في العالم يمكنه ان يقبل ذلك فإسرائيل أصبحت في حالة دفاع عن نفسها دوليا ونتنياهو أصبح متعلقا بالإدارة الأمريكية أكثر من أسلافه بسبب التهديد الإيراني وعلينا ان ندرك ان القادم اخطر بسبب سرعة متغيرات البيئة الاستراتيجية.

========================

أزمة الوعي في الحروب التقليدية

إبراهيم أبو عواد

2010-10-04

القدس العربي

إن الإشكالية الكبرى في الأداء السياسي الأمريكي هي غياب دلالات الوعي عن محيط الأداء الفكري الإمبراطوري . مما أدى إلى إدخال أمريكا في حروب متعددة الأشكال دون أن تفكر في كيفية الخروج منها. وهذا يعكس سوء التخطيط المعتمد على الارتجال والاستعجال .

والغريب أن دولة كأمريكا تملك أقوى جامعات العالَم، وأقوى مراكز البحوث والإحصاءات ، وأعظم علماء الدنيا ، لم تقدر على ضبط حساباتها على الأصعدة : الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية . وهذا يعكس حجم المأزق الوجودي .

وربما ظنَّت أمريكا أنها بغزو العراق وأفغانستان توجِّه رسالةً تحذيرية لباقي الدول أن ارتدعوا وإلا سيؤول مصيركم مثل العراق وأفغانستان . والذي حدث هو عكس هذا تماماً لأن أمريكا بعد غزوها للعراق وأفغانستان لم تعد قادرةً على أي عمل عسكري آخر ، على الأقل حتى تبنيَ قواتها العسكرية من جديد ، وتعيد حساباتها ، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً إن لم يكن مستحيلاً .

فغرق أمريكا في العراق وأفغانستان هو غرق حقيقي ، وليس حرباً إعلامياً يشنها أعداء أمريكا . وعدم قدرتها على الحسم العسكري صار العنوان الرئيسي في كثير من الدوائر، حتى لو لم يتم الإعلان عن ذلك من أجل الحفاظ على ماء وجهها.

فأمريكا إن بقيت على الأرض سوف تظل تنزف أرواحاً وأموالاً ، وإن انسحبت فهذه خسارة لأنها لم تحقق الأهدافَ المرجوة من الحرب ، فتكون قد دفعت ثمناً باهظاً من دماء أبنائها ، وأموالاً طائلةً من دافعي الضرائب دون أي مردود . فتكون بذلك كمن يرمي ممتلكاته في البحر ، ثم يعود إلى بيته رافعاً راية النصر . ففي كلا الحالتين أمريكا في مأزق ، وتعاني من أزمة حقيقية تتعلق بأهدافها وهيبتها ومكانتها وقوتها .

وبسبب التورط الحقيقي لأمريكا وعدم قدرتها على شن حروب أخرى لأن قواتها العسكرية منهكة تجرأت كثير من الدول على تحدي أمريكا جهاراً نهاراً ، ولستُ أعني الدول الكبرى كروسيا والصين . فهاتان الدولتان لهما ثقل عالمي يجبر الغربَ على احترامهما ، وليس مفاجئاً أن يعارضا . ولكني أقصد الدول الصغيرة نسبياً ( بالنسبة لحجم الثقل على المسرح الدولي ) كإيران ، سوريا ، فنزويلا ، كوريا الشمالية ، والمنظمات مثل حماس، و"حزب الله" وغيرها .

ونحن لا نقلِّل من قوة أمريكا العسكرية ، ولا نريد أن نصورها كدولة فقيرة لا تملك معدات عسكرية ، إلا أننا نقول إن أمريكا بعثرت قوتها في أرجاء العالَم ، وتورَّطت في حروب غير محسوبة ، كما أنها تخوض حروباً غير تقليدية، ففي العراق الذين يقاومون الاحتلالَ الأمريكي ليست " الدولة العراقية " ، وإنما حركات تخوض حرباً غير تقليدية ، والأمر كذلك في أفغانستان، وهذا بحد ذاته صعوبة بالغة ، لأن الجيش الأمريكي جيش نظامي مدعوم بسلاح جوي مُدمِّر، ينسف المرافقَ الحيوية لأية دولة من أجل تركيعها ، والضغط عليها لتستسلم . لكن الأمر في العراق وأفغانستان مختلف تماماً . فلا توجد دولة _ بمفهوم الكيان السياسي _ تقاوِم القواتِ الأمريكية . وهذا ينقل المشهد إلى مشاهد الحروب غير التقليدية ، وحروب العصابات والشوارع والكر والفر،خصوصاً أن المعارك تجري في بيئة قاسية للغاية من حيث شدة الحرارة أو وعورة التضاريس في حالة أفغانستان . وأمريكا غير معتادة على هذا الأنظمة الحربية. فبدت وكأنها تقاتل شبحاً يظهر هنا ويختفي هناك . كما أن هذه النوعية من الحروب تشتمل على اشتباكات مسلحة بين الطرفين وجهاً لوجه ضمن منظومة الاحتدام والاشتباك ، وهذا يُحيِّد سلاحَ الجوي تماماً فيصبح بلا فائدة ، لأنه لا يريد أن يقصف أهدافاً مخلوطة فيقتل جنوداً أمريكيين مشتبكين مع المقاوَمة . ومكمن الخطر في هذه الحرب عدم وجود أهداف ثابتة ليتم قصفها. فمثلاً لا يوجد قصر جمهوري للملا محمد عمر، ولا توجد وزارة داخلية للمقاومة العراقية . كما أن مصادر تمويل المقاومة غير معلومة ، فالأمر أشبه بالوقوف في غرفة معتمة لا ترى شيئاً ، وتتوقع ضربةً تأتيك في أي وقت دون معرفة مصدرها .

وفلسفة التشتت وتفريق القوى من الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ظناً منها أن نشر القواعد العسكرية في العالَم سيضمن تواجداً أمريكياً أمنياً في كل بقعة ، وبالتالي هذا يضمن سلامة أمريكا وعدم تعرضها لسوء .

وهذه الفلسفة غير المنطقية مبنية في بعض أجزائها على فكرة الحرب الاستباقية، لكن الإشكالية الحقيقية في التعامل الجيوسياسي أن أمريكا تخوض حرباً غير تقليدية، فليست حربها ضد جيش نظامي مستند إلى نظام سياسي متواجد في كيان محدود على شكل دولة . وهذا ما لا تدركه أمريكا ، أو تدركه لكنها تُكابِر لكي تبدوَ في صورة القائد المنتصر الواثق من نفسه في كل الأوقات دون الحاجة إلى معرفة العدو، وأسلوبه ، وحجم قوته. وهذا سبَّب تراخياً في الأداء الاستخباراتي الأمريكي عبر طائفة من التقارير غير الدقيقة التي انعكست سلباً على صورة أمريكا، وقاد ذلك إلى أحداث 11/9 .

فلأول مرةً في التاريخ تتلقى أمريكا ضربةً في عقر دارها،وهي غير معتادة على ذلك. فكل الحروب التي خاضتها، وكل الضربات التي تعرضت لها ، كانت خارج حدودها . فالموقع الإستراتيجي لأمريكا جعلها محصنةً جداً ، فهي أشبه ما تكون بجزيرة في وسط المحيط . فلم تتوقع أن يتم نقل المعركة إليها في قلبها النابض ، وهذا يكشف لنا أن المأزق الأمريكي الحقيقي يأتي من داخلها عبر أزمات خانقة تنبع من ذاتها تعصف بها .

ومن هنا يتضح لنا أن أحداث 11/9 أَدخلت العالَمَ في حروب من نوع خاص بلا أهداف محددة ، بلا كيانات سياسية على شكل دول ، بلا ميزانيات مكشوفة للحرب . لذلك فإن سمة القرن الحادي والعشرين ستكون حروباً أمريكية ضد المجهول ، وهذا ينهش في الجسد الأمريكي . وأعداء أمريكا يعملون في الظلام دون وجود كيان سياسي أو جيش نظامي، وهنا تكمن نقطة قوتهم، لأن العامل في الظلام أقدر على إنجاز عمله .

وفي هذا السياق يقول العالم الشهير أحمد زويل في كتابه عصر العلم ( ص 225) : (( وقد جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتقود إلى المزيد من اللانظام . فقد اهتزت الولايات المتحدة لما جرى ، اهتزت الحكومة كما اهتز الفرد الأمريكي نفسه ، ولم تكن الهزة لشدة وفداحة ما حدث فقط بل كانت _ وبالأساس _ لأن الشعب الأمريكي لم يشهد حرباً حديثة داخل أرضه ، فالولايات المتحدة أشبه بجزيرة تقع بين محيطين ، وقد خاضت كل حروبها خارج أراضيها ، في فيتنام والعراق والبلقان وأفغانستان ، وفي عملياتها العسكرية المحدودة كالتي جرت في ليبيا والصومال . لقد اهتز الشعب الأمريكي من جراء أحداث 11سبتمبر التي أطاحت بإحساسه بالأمن )) .

ومن خلال الاتجاهات المبنية على دراسة المشروع الأمريكي نستطيع استشراف الأسس العامة لعسكرة السياسة في الأطر التطبيقية، حيث إن أهم أساس في هذه الصيغ الفكرية هو لعبة التعميم المتعمد ، حيث يتم صبغ كل المخالفين للسياسة الأمريكية بالإرهاب دون تمييز ، وذلك وفق فلسفة " خير وسيلة للدفاع الهجوم"، وهذا يؤدي إلى إحداث حالة من اللامنطق عبر تفعيل التهم دون أدلة . والمتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وهكذا نكتشف أن قوانين الحرب قد تغيرت بخروجها من الإطار التقليدي الرسمي المعتاد إلى الإطار غير التقليدي الذي أسَّسه أعداء أمريكا في الشرق والغرب. فمثلاً وظيفة الطائرات الأمريكية أن تقصف أهدافاً محددة ( حرب تقليدية ، فمع اختفاء الأهداف ( حرب غير تقليدية ) غابت فاعلية الطائرات . ووظيفة طائرات التجسس والأقمار الصناعية وأجهزة التنصت أن تلتقط أي تذبذب ، أو تلتقط أي إشارات من جهاز معدني لتقبض على الهدف ( حرب تقليدية ) ، لكن زعماء تنظيم القاعدة وحركة طالبان لا يضعون في ثيابهم أجزاء معدنية، ولا يستخدمون وسائل الاتصالات التقليدية خوفاً من اكتشاف أمرهم ( حرب غير تقليدية ) ، وبالتالي غابت فاعلية الأجهزة الأمريكية المتقدمة . وهكذا نجد أن " الصندل" الذي يضعه المقاتِلون في أرجلهم قد تفوق على أكثر وسائل الاتصالات تقدماً ، لأن الصندل المصنوع من الخشب أو مواد بدائية أخرى لا يمكن التقاط أي إشارة تصدر منه، ولا يمكن التجسس عليه لأنه من مادة لا ترسل ولا تستقبل. وهذه هي نقطة قوة الحرب غير التقليدية.

وهذا يعكس المنعطف الحساس في الانتقالة النوعية للحروب غير التقليدية التي ستكون بصمةً مؤثرة في القرن الحادي والعشرين . فأمريكا متقدمة تكنولوجياً ولا يمكن مواجهتها تكنولوجياً لأنها هي المتفوقة . فلا ينفع معها فكرة تكسير العظام لأنها القوة الضاربة في هذا السياق ، ولكن أعداءها يواجهونها بالأساليب غير التقليدية ، وهذه نقطة ضعفها . فالطائرة العسكرية تُهزَم بالطائرة الورقية، والبريد الإلكتروني لا يتفوق عليه إلا الحمام الزاجل .

========================

الاختناق بالسلاح!

ميشيل كيلو

2010-10-04

القدس العربي

يقيس العقل العربي السائد القوة بالسلاح. بقدر ما تملك دولة من سلاح بقدر ما تكون قوية، فإن لم يكن لديها سلاح تستمد القوة منه، اعتبرت ضعيفة لا حول لها ولا طول، تغري خصومها بالاعتداء عليها.

في غير العقل العربي، تعد القوة العسكرية محصلة عوامل لا تقوم على السلاح وحده ولا تمت إليه بصلة حصرية، كالاقتصاد والتماسك الاجتماعي والتقدم الثقافي والتنوع السياسي والتفاعل الصحيح بين المجتمع والدولة، والتقدم العلمي والتقني، والمشاركة السياسية، والحريات الفردية والشخصية... الخ. في هذا الفهم، بقدر ما تكون هذه العوامل متقدمة ومتكاملة، بقدر ما تكون الدولة قوية، حتى إن كانت تفتقر إلى جيش كبير العدد ومزود بجبال من السلاح. يقول التاريخ الحديث: إن الدولة العثمانية ظلت متفوقة عسكريا على الدول الغربية حتى نهاية القرن السادس عشر، لكن هذه تفوقت عليها، خلال هذه الحقبة، في التعليم والرعاية الصحية والبحث العلمي والتقنية والاقتصاد والعدالة والمساواة والحريات، فكانت النتيجة هزيمة التفوق العسكري أمام التفوق المدني: السياسي والمجتمعي والاقتصادي والثقافي، وهزيمة الجندي أمام المواطن، والضابط أمام المهندس والعالم، والعبيد أمام الأحرار، واقتصاد السلطان وبطانته أمام اقتصاد الرأسمالي وعماله، والعقل على النقل، والتنوع على الأحادية... الخ.

واليوم، يكاد وطننا العربي يختنق بالسلاح دون أن يكون قويا، سواء على الصعيد العسكري أم على صعيد العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية، التي صنعت عصرنا الحديث، وتقدم المجتمعات، الذي يعتبر أرضية يستحيل في غيابها امتلاك قوة عسكرية ضاربة، تستطيع التدخل بفاعلية ساعة تواجه بلادها خطرا ما. يفسر هذا لماذا أدى افتقارنا إلى عوامل التقدم إلى بقائنا ضعفاء عسكريا، رغم ما اشتريناه وخزناه من سلاح خلال ثلاثة أرباع قرن من الصراع مع العدو الإسرائيلي، بينما جرد الحلفاء ألمانيا من السلاح بصورة شاملة، وحلوا جيشها إلى آخر جندي، ولاحقوا كبار جنرالاته وقادته، واحتلوا أراضيها، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، غير أن تقدم مجتمعها مكنها خلال نيف وعشرة أعوام ( 1928-1939) من بناء جيش أقوى بكثير من جيش الحرب العالمية الأولى، خاض حربا كونية ضد قوى العالم الرئيسية استمرت نيفا وخمسة أعوام، اكتسح خلالها معظم أوروبا وأقساما واسعة من روسيا (وصل إلى مسافة 19 كيلومترا من موسكو) وشمال أفريقيا ومعظم منطقة القوقاز.

بقدر ما تكدس الدول العربية من سلاح، بقدر ما يتعاظم عجزها عن الدفاع عن نفسها، وتطول الفترة اللازمة لتمكينها من خوض حرب. ومن يرسم خطا بيانيا لحروب العرب ضد إسرائيل، سيجد أنهم قاتلوا في الحرب الأولى، حرب عام 1948، حوالي عام، ثم قاتلوا خمسة أيام في حرب 1967، هي الفترة التي استغرقتها عملية تدمير جيوشهم، التي اختنقت بكميات من السلاح لم تستخدمها، ثم عشرة أيام في حرب تشرين، قبل أن تقلع منذ ذلك التاريخ عن خوض أي حرب، وتفقد الجرأة اللازمة للنظر بامتعاض إلى العدو، بينما قاتل حزب الله، بإمكانات أقل بكثير من إمكاناتها، طيلة أشهر وسنوات، وترك جراحا دامية في سمعة وجسد جيش إسرائيل، الذي هزمها مرات متتابعة!.

تقول الإحصاءات إن العرب ينفقون سنويا عشرات مليارات الدولارات على السلاح، الذي يشترونه من كل مكان ومصدر. ويقول الخبراء إن تأخر العرب يجعل استيعابهم للسلاح الحديث أمرا متزايد الصعوبة، إن لم يكن متعذرا، الأمر الذي يضمن تفوق عدوهم عليهم بأسلحة تماثل، معظم الأحيان، أسلحتهم. أما السبب في ذلك، فيعود إلى تقدمه عليهم في المجالات المتصلة بالتطور العام للمجتمع والاقتصاد والدولة والثقافة... الخ. عندما يتطلب تدريب الجندي والضابط العربي على السلاح الحديث أربعة أو خمسة أعوام، ويتقن الجندي العدو استخدام السلاح نفسه في عام أو عامين، فهذا يعني أن العربي يكون محروما من سلاحه الحديث في أية حرب تنشب خلال الأعوام الثلاثة الفاصلة بين فترتي التدريب، وأن العدو يستخدم ضده سلاحا لديه ما يماثله، لكنه عاجز عن استعماله، فكأنه لا يمتلكه!.

تطرح هذه المسألة المتعلقة بالسلاح أسئلة مهمة تتصل بغيره، أكثرها إلحاحا السؤال التالي:

هل الاختناق بالسلاح في حالتنا العربية مصدر قوة أم ضعف؟. سأسوق مثالا تبسيطيا يشرح هذا السؤال. إذا كان عندنا مواطن ضعيف البنية، هل من الأفضل أن نعطيه سكينا تتيح له قوته الجسدية استعماله بشيء من القدرة والمهارة، أم من الأحسن إعطاؤه رشاشا ثقيلا لا يستطيع حمله واستخدامه. بأي من هذين السلاحين يكون جندينا أفضل تسليحا وأكثر قوة؟. إن وضع مجتمعنا العربي، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وحالة مواطننا المقموع والخائف، المفتقر إلى أي حد أدنى مقبول من التعليم والخدمات الصحية والمعارف التقنية والعلم، والمحروم بصورة تكاد تكون تامة من حرياته وحقوقه، وإن أوضاع جامعاتنا المزرية، والطابع السلطوي لنظمنا، وانفصال التنمية عن مصالح الكتل الكبيرة من شعبنا... الخ تجعلنا نشبه الجندي العليل، الذي كلما كان سلاحه أكثر حداثة وتطورا، كان ضعفه أشد وعجزه عن القتال أوضح. هنا، في هذا الوضع العام، الذي لا ينتسب إلى السلاح والقوة المسلحة، تكمن النقطة التي تجعل سلاحنا ضعيفا وتجردنا من القوة الضرورية لمواجهة أقوياء زماننا. وهنا، يتفوق علينا عدو أقل تسليحا منا، بيننا وبينه فارق مذهل في الإمكانات والعدد والمساحة الجغرافية والموارد الطبيعية والخبرات التاريخية، لكن سيرنا على طريق السلطوية والاستبداد شل عناصر تفوقنا وعطلها، فلم تعد تنفعنا الأسلحة الكثيرة التي اشتريناها، وتمكن عدونا من تدميرها في كل حرب خاضها ضدنا، حتى ليصح القول: إن أسلحتنا كانت بالأحرى مجرد خردة، لذلك لم نحسن استعمالها ولم نتمكن من تحقيق أي انتصار بواسطتها، مع أنها لم تكن قليلة العدد كميا، ومتأخرة أو قديمة نوعيا.

أفضى اختناقنا بالسلاح خلال تاريخنا الحديث إلى اختناقنا بالهزائم. لو كنا من الذين يختنقون بالحرية والعدالة، لكان اختناق عدونا بسلاحه مؤكدا وقاتلا، ولعجز عن تحقيق أي انتصار علينا، أو عن البقاء في فلسطين.

يوم 15 أيار من عام 1970، التقى رؤساء تحرير أربع عشرة صحيفة أمريكية بوزير خارجية امريكا آنذاك هنري كيسنجر، للمطالبة بتكثيف معونات السلاح الأمريكية إلى إسرائيل. قال الوزير، بعد الاستماع إليهم: العرب أمة منشئة للحضارة لديها إمكانات يستحيل قهرها أو القضاء عليها بالسلاح، لذلك لا يكفي السلاح وحده لحماية إسرائيل، ولا يحميها شيء غير بقاء العرب متخلفين/متناحرين/متصارعين، وإخضاعهم لعمليات تفكيك وتفتيت لا تنتهي، تشل تفوقهم الشامل على إسرائيل، فيستطيع سلاحنا المقدم إليها إنزال هزائم متتابعة بجيوشهم ودولهم.

هنا، في هذه النقطة بالذات، نقطة التأخر والتناحر والتصارع، يكمن ضعف العرب، الذي لن تزيله أية كميات أو أنواع من الأسلحة، مهما كانت درجة تقدمها. إلى أن نتخلص من ضعفنا البنيوي، من استبداد نظمنا المعزز بتأخر مجتمعاتنا، سنكدس السلاح لأسباب داخلية ودولية متنوعة ومتشعبة، نعلم جميعنا أنه ليس بينها بالتأكيد والقطع الانتصار على العدو الخارجي: إسرائيليا كان أم غير إسرائيلي، ولن نقهر أحدا بسلاحنا غير شعوبنا: المغلوبة على أمرها والمقهورة إلى أبعد درجة يصعب تصورها أو تصديقها!.

' كاتب وسياسي من سورية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ