ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 09/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

ليبرمان ونتنياهو وجهان لعملة واحدة!

المستقبل - الخميس 7 تشرين الأول 2010

العدد 3793 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

من هو افيغدور ليبرمان الحقيقي؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال المتعلق بوزير الخارجية الإسرائيلي وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف الذي حقق نتائج باهرة في الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة، لا بدّ من الاشارة الى ان الرجل ليس سوى يهودي من مولدافيا انتقل الى إسرائيل حديثا. كان قبل ذلك مجرد حارس عند باب مقهى ليلي في عاصمة بلده الاصلي. من حق كل انسان ان يتطور وان يسعى الى الافضل. من حق كل انسان تسلق السلم الاجتماعي في اتجاه الترقي على كل المستويات. ولكن هل يمكن ان تكون قضية الشعب الفلسطيني في يد اشخاص من نوع ليبرمان الذي تحدث امام الجمعية العمومية للامم المتحدة، باسم إسرائيل، عن تبادل للاراضي والسكان في اطار تسوية تحتاج الى سنوات مديدة. لم يخف ليبرمان ان الهدف من كسب الوقت عن طريق مفاوضات طويلة هو التخلص في نهاية المطاف من عرب إسرائيل بحجة ان إسرائيل "دولة يهودية" لا مكان فيها لغير اليهود.

صحيح ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين، او بيبي نتانياهو، سارع الى التبرؤ من كلمة وزير الخارجية في حكومته امام اهم محفل دولي، لكن الصحيح ايضا ان بيبي لم يفعل شيئا ليؤكد انه مختلف عن ليبرمان وانه يريد بالفعل السلام والتوصل الى تسوية معقولة ومقبولة. ولذلك في الامكان القول ان بيبي هو ليبرمان الحقيقي وهو يستخدم وزير الخارجية من اجل متابعة استراتيجيته القائمة على مبدأ التفاوض من اجل التفاوض وهو مبدأ اخترعه اسحق شامير لدى اجباره، تحت ضغط ادارة جورج بوش الاب- جيمس بايكر، على التوجه لحضور مؤتمر مدريد في اكتوبر من العام 1991. وقتذاك، قال شامير صراحة، وكان رئيسا للوزراء، انه مستعد للتفاوض لسنوات بما يسمح لإسرائيل بفرض امر واقع على الارض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967.

شئنا ام ابينا، علينا الاعتراف بان إسرائيل فرضت امرا واقعا. الدليل على ذلك متابعة بناء "الجدار الامني"، وهو جدار عنصري يقسم الارض الفلسطينية المحتلة في العام 1967. اضافة الى ذلك، هناك اصرار على متابعة الاستيطان او على الاصح على اقامات مستعمرات جديدة في الضفة الغربية ومحيط القدس بغية عزل المدينة عن كل ما هو فلسطيني.

ليبرمان هو الوجه الوقح والاصيل لنتانياهو. ما لا يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله، يقوله وزير الخارجية الذي يمثل السياسة الحقيقية للحكومة الحالية. انها حكومة متطرفة لا تريد السلام وتعتقد ان الوقت يعمل لمصلحتها وان مجرد استفزاز الجانب الفلسطيني، كفيل بحمله على الانسحاب من المفاوضات المباشرة او غير المباشرة التي يرعاها الجانب الأميركي.

في حال كان على المرء ان يكون صادقا مع نفسه، عليه الاعتراف اوّلا ان الهدف الإسرائيلي يتمثل في الوقت الراهن في دفع الفلسطينيين الى التخلي عن المفاوضات والتخلص بالتالي من اي ضغط أميركي من اي نوع كان من اجل التوصل الى تسوية. من دون مفاوضات، لن يطرح الأميركيون افكارا جديدة او صيغة ما تؤدي في النهاية الى قيام دولة فلسطينية مستقلة "قابلة للحياة" عاصمتها القدس الشرقية.

في غياب الرغبة الإسرائيلية في السلام، ماذا يستطيع ان يفعل الجانب الفلسطيني؟ هل يستطيع الاستمرار في التفاوض في ظل الاصرار الإسرائيلي على الاستيطان بحجة ان الحكومة الإسرائيلية تضم متطرفين لا يقبلون باقل من ذلك؟

الجواب بكل بساطة ان الجانب الفلسطيني في وضع لا يحسد عليه. يكفي ان عليه ان يفاوض طرفا يعمل بكل الوسائل على تكريس الاحتلال لقسم من الضفة الغربية والقدس الشرقية. ولكن يظلّ على الرغم من ذلك ان على السلطة الوطنية الفلسطينية تفادي اي قطيعة مع الجانب الأميركي بغض النظر عن الاخطاء التي ترتكبها الادارة الحالية وضعفها داخل الولايات المتحدة نفسها. في النهاية، هناك نجاحات لا يمكن الاستهانة بها تحققت في الفترة الاخيرة. في مقدم هذه النجاحات استتباب الامن في الضفة الغربية ومنع "حماس" من الاستيلاء عليها. بفضل الامن الفلسطيني وجهود رئيس السلطة السيد محمود عبّاس ورئيس الحكومة الدكتور سلام فيّاض، لم تعد ارض فلسطين ارضا طاردة لاهلها. على العكس من ذلك، هناك فلسطينيون يعودون الى فلسطين ويستثمرون فيها. هناك ازدهار في كل الضفة الغربية. في اساس الازدهار استتباب الامن وممارسة سياسة انفتاح على كل المستويات.

في وقت يسير الوضع العربي من سيء الى اسوأ، ليس امام الفلسطينيين سوى مواجهة المشروع الإسرائيلي وحدهم. السبيل الوحيد الى ذلك تجنب العزلة الدولية عن طريق تفادي اي صدام مع الادارة الأميركية حتى لو تعلق الامر بمتابعة المفاوضات في ظروف مذلة. الاهم من ذلك عدم العودة الى العنف باي شكل من الاشكال ومتابعة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية من دون الاكتراث لاي مناورات سياسية يقوم بها هذا الطرف العربي او غير العربي او ذاك من اجل القيام بانتفاضة جديدة. لقد عادت الانتفاضة الاخيرة على الفلسطينيين بالويلات، بل اعادتهم سنوات الى خلف واستغلت إسرائيل الانتفاضة التي انطلقت في مثل هذه الايام قبل عشر سنوات لاعادة احتلال جزء من الارض ولاقامة جدار الفصل العنصري.

هناك سياسة إسرائيلية في غاية الخطورة. لا فارق يذكر بين ليبرمان ونتانياهو. انهما وجهان لعملة واحدة. ولكن حذار السقوط في فخ الخروج من المفاوضات من دون تنسيق مع واشنطن بغض النظر عن كل الشوائب التي في سياسة الادارة الحالية التي يصدر عنها كلام جميل لا قدرة لديها على ترجمته الى واقع!

====================

رغبة أميركية وعقبة روسية

وليد ابي مرشد

الشرق الاوسط

7-10-2010

من بلغ الطريق المسدود قبل الآخر: مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية أم حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية؟

واضح أن الجانب الفلسطيني دخل المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين متسلحا بضمانة عربية تتمثل بموافقة جامعة الدول العربية على مشاركته بهذه المفاوضات، وأخرى إسرائيلية تتمثل بتعهد أعطاه نتنياهو للرئيس الأميركي، باراك أوباما، بشأن تجميد عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.. وهذا يعني، ضمنا، أن الضمانة العربية لا تنفصل عن الضمانة الإسرائيلية، فإذا كان الجانب العربي قد توخى من «مباركته» قرار التفاوض الفلسطيني إضفاء مظلة عربية شاملة عليها، فإن التعهد الإسرائيلي بتجميد الاستيطان، «برعاية» أميركية، كان البادرة المقابلة للإيحاء باستعداد المفاوض الإسرائيلي للتوصل إلى تسوية مقبولة للنزاع.

انطلاقا من هذه الخلفية، لن يعتبر التاريخ سماح نتنياهو للمفاوضات بأن تتعثر - بداعي معارضة أحزاب اليمين الشوفيني والديني تمديد تجميد الاستيطان - مجرد تهرب من أزمة حكومية محتملة، بقدر ما هو تخلٍّ عن التزام إقليمي ودولي.

عمليا، يوم ذهبت إلى المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، تقبلت حكومة نتنياهو، بكامل تلاوينها الحزبية، فكرة التوصل إلى «تسوية». وإذا كانت التسوية تستلزم، بأي مفهوم تفاوضي واقعي، تقديم «تنازلات متبادلة»، فإن المنطق «التسووي» السليم يفترض أن تأتي المبادرة في التنازلات من «الأقوى»، أي في هذه الحالة الجانب الإسرائيلي المحتل لكل الأراضي الفلسطينية، وليس من الجانب «الأضعف».

ولكن السؤال يبقى، قبل الحديث عن «التنازلات»: هل يؤمن نتنياهو شخصيا بمنطق التسوية فيعمل على التحرر من شروط ممثلي اليمين في حكومته، أم أن أحزاب اليمين القومي والديني تمنحه «غطاء» سياسيا، وإن كان شفافا، لموقفه الرافض أصلا للتسوية؟

إذا كان نتنياهو يريد، فعلا، تحقيق وعده بالتوصل إلى «اتفاق سلام تاريخي» مع الفلسطينيين، فهذا الاتفاق يبدأ بالانعتاق من «الوصاية الروسية» على حكومته، والمتمثلة بهيمنة حزبهم اليميني الشوفيني، «إسرائيل بيتنا»، على القرار الحكومي، خصوصا بعد أن أظهر زعيمهم، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، استعداده لمعارضة أي تمديد جديد لعمليات الاستيطان، حتى لو أدت هذه المعارضة إلى حالة صدام مع الإدارة الأميركية.

من المبالغة الحديث عن تضارب مصالح روسية - أميركية في هذا المنعطف الدقيق من عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية. ولكن من الصعب إنكار أبعاد ما أفرزته هذه الهجرة من تحول ديموغرافي مؤثر داخل المجتمع الإسرائيلي، وتحديدا داخل خريطته السياسية، بعد أن وصلت نسبة اليهود الروس إلى 20% من مجموع سكان إسرائيل.

معظم المهاجرين الروس الذين تدفقوا على إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حولوا مشاعر نقمتهم الدفينة على دبلوماسية الاتحاد السوفياتي السابق، المحابية للعرب، إلى مشاعر عداء مباشر للعرب الفلسطينيين، فأفرزوا أكثر من تيار وحزب يميني مناهض لأي «تنازل» كان للسلام (تيار شارنسكي، رئيس الوكالة اليهودية حاليا، ثم حزب «إسرائيل بعليا»، وأخيرا لا آخرا حزب «إسرائيل بيتنا»). بالنسبة للكثير من اليهود الروس، خصوصا الذين تزامن وصولهم مع الانتفاضة الفلسطينية أو بناء جدار الفصل العنصري أو حرب لبنان، لا تختلف حركة المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي عن «العمليات الإرهابية» التي مارسها الشيشان في بلدهم السابق. وهؤلاء وجدوا بيئتهم السياسية الطبيعية في أحضان الأحزاب اليمينية الشوفينية التي أنعشوها في اقتراع أكثر من ثلثيهم لها، واضعين بالتالي نهاية سياسية لثقل حزب العمل على الساحة الداخلية.

من هنا صعوبة توقع إقدام زعيم يميني مثل بنيامين نتنياهو على «استعداء» الكتلة الناخبة الروسية اليمينية بامتياز.. إرضاء لرغبة أميركية قد تتراجع المطالبة بها مع الزمن.

====================

سباق بين التسلح والتهدئة في لبنان

سوسن الابطح

الشرق الاوسط

7-10-2010

المعركة تشتد في لبنان وتقسو. زلزال مذكرات التوقيف التي أصدرتها سورية في حق 33 شخصا بينهم شخصيات لبنانية عسكرية، ونيابية، وقضائية، وإعلامية، مجرد حلقة في مسلسل الزلازل الآتية على البلد. المؤشرات على الأرض خطيرة، والتصريحات عامرة. عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل مصطفى علوش هدد علنا بالتسلح في غمرة الكلام عن عمليات شراء سلاح بالجملة في عدد من المناطق اللبنانية، وقال صراحة: «إذا كان في لبنان حزب واحد يحق له التسلح، فبالطبع باقي الأحزاب ستقوم بتسليح نفسها». بعض العارفين بخفايا الأمور يؤكدون أن تسلح الأحزاب الخائفة من تطور الأوضاع بدأ بشكل جدي، علما بأن السلاح موجود في حوزة الجميع لكن ما يجري الآن هو تعزيز له وتأهب لمواجهة الأسوأ. وضع يذكر بما حدث أثناء أحداث 7 أيار واجتياح بيروت وما تبعها من معارك طويلة ودموية في طرابلس بين الموالاة والمعارضة. حزب الله وحلفاؤه في لبنان وخارجه لن يتراجعوا أو يهادنوا؛ بل على العكس، يتبعون سياسة هجومية وراغبون في استكمالها حتى النهاية. جميل السيد الذي بات يخبرنا بما سيأتي به الغد قبل أن تطل بشائره، يبلغ تهديده حدا سورياليًا حين يقول: «رأس عملية شهود الزور يدار من عند رئيس الحكومة سعد الحريري شخصيا بأمواله وكل شيء، وفي التحقيق قد يقول رئيس فرع المعلومات وسام الحسن أو المدعي العام سعيد ميرزا إنه قام (بفبركة) شهود الزور تلبية لرغبة الحريري، عندها قد يصبح مشمولا بمذكرات التوقيف». تهديد مباشر وغير مسبوق لرئيس وزراء لبنان بوضعه وراء القضبان ومحاكمته بتهمة التآمر لتضليل التحقيق في مقتل والده.

يتهكم أحد سياسيي «14 آذار» ويقول: «هل نفهم أنهم يتهمون سعد الحريري بقتل والده؟ هذه مسخرة». قد تكون مسخرة أو أكثر قليلا، لكن المعركة إلى تصعيد، والتسلح إلى مزيد، كما يؤكد من يعرفون الساحات القتالية جيدا. فالخلاف بين من كانوا يدعون في السابق، موالاة ومعارضة، هو على موضوع جوهري يصعب أن يتهاون في موقفه منه أي من الطرفين. حزب الله يعتبر أن رأسه مطلوب، والأداة هي المحكمة الدولية. وهو لن يسمح للقرار الظني الذي سيصدر عنها بإنهائه كحزب مقاوم وسيستخدم كل أسلحته لإلغاء المحكمة. أما «تيار المستقبل» فيعتبر أن هذه المحكمة، هي آخر ما تبقى له من أوراق ولن يسمح بإسقاطها أبدا من يده.

النائب مروان حمادة الذي طالته المذكرات الغيابية السورية شخصيا اعتبر أنها تساوي صفرا، أما عند جميل السيد الذي حركها، فقيمتها القانونية مدروسة 100%. وما بين الصفر والمائة تتأرجح الاحتمالات المفتوحة على مصراعيها. حزب الله يتبع استراتيجية التصعيد التدريجي، والكشف عن المفاجآت تبعا للمناسبات. بالأمس أشرطة تسجيل لإثبات تورط إسرائيل في مقتل رفيق الحريري، واليوم مذكرات توقيف، وغدا براهين مادية من نوع آخر. «كل شيء يكشف عنه في حينه» يقول نواف الموسوي من حزب الله. جريدة «الديار» نشرت خبرا عن تسجيل في حوزة حزب الله لشخصية مقربة من الحريري يتضمن حوارًا بين هذه الشخصية وأحد شهود الزور، عن كيفية الإدلاء بشهادته. هذا نموذج، ربما، عن نوعية المفاجآت التي يمكن لحزب الله أن يقدمها في المستقبل في غمار المعركة الضارية بين الطرفين.

يرى حزب الله أن موازين القوى الداخلية والإقليمية تسير لصالحه، في حين لا يرى سعد الحريري ضرورة للتنازل السريع الذي سيغضب قاعدته الشعبية، الغاضبة أصلا. سورية تشعر بأنها في موقع قوة يجب أن تستغله لتفيد منه حلفاءها وتشد أزرهم. ليس المطلوب بالنسبة لها أن يستولي حزب الله على السلطة ككل، لأن ذلك غير وارد في التركيبة اللبنانية، لكن رئيس وزراء طيع له مزاج متوافق مع توجهات حزب الله ليس بالأمر الصعب تحقيقه. فالموالون لسورية حين تحدثهم عن صعوبة تشكيل حكومة جديدة، بدلالة الجهود الجبارة التي بذلت لتبصر الحكومة الحالية النور، تجد جوابهم جاهزا. بعد انقلاب وليد جنبلاط على «14 آذار»، وتململ بعض النواب الموالين لتغيير مواقعهم، لم تعد كفة الأكثرية راجحة بالضرورة لطرف الحريري، في مجلس النواب. الانقلاب الذي يتحدث عنه تيار المستقبل لا يسعى إليه حزب الله لأنه أنجز أصلا، ولم تعد التركيبة الأكثرية كما كانت عليه بعد الانتخابات النيابية الأخيرة.

وصول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان في الثالث عشر من الشهر الحالي وزيارته للجنوب، كما تصريحاته النارية المعتادة، ستضفي مزيدا من الغليان على الساحة اللبنانية الفوارة. ثمة من يسعى للتهدئة من كل الاتجاهات، فالسفير السوري لدى لبنان يعتبر مذكرات التوقيف شأنا قضائيا لا علاقة له بالسياسة، والرئيس الحريري قبل أكثر من مرة تأجيل مناقشة بند تمويل المحكمة في الجلسات الوزارية، ورئيس الجمهورية لا يكف عن فك فتائل التفجير، في حين ينصح وزير العدل اللبناني إبراهيم نجار بما يتسم به من هدوء وحكمة، ب«عدم الرقص أسرع من الموسيقى». لكن الموسيقى صاخبة يا معالي الوزير، وإيقاعاتها مجنونة وملتبسة، ويكاد الراقصون لا يميزون النغمات، ويقفزون كالمهرجين في حلقات السيرك.

في السباق ما بين التسلح والتهدئة، يصعب التكهن اليوم، على الرغم من التشاؤم الذي يطغى على الأمزجة، بما سيحمله الغد من مفاجآت، لكن الأجواء خريفية والعاصفة لن تهدأ قبل أن تقتلع كثيرا من الشجر ليزداد تصحر البلد أكثر فأكثر.

====================

تحديات ثلاثة تهدد الدولة العربية بالانهيار

الخميس, 07 أكتوبر 2010

عمرو حمزاوي *

الحياة

تتعرض الدولة ومؤسساتها في مناطق مختلفة من العالم العربي لتحديات عميقة تتراوح بين خطر انهيار أو فشل مؤسسات الدولة وبين الحاجة إلى تحديث وتطوير أنظمة الحوكمة بهدف تلبية متطلبات المواطنين في القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، ثمة نزر يسير للغاية من الكتابات السياسية ومن النقاش العام حول هذه التحديات وما ينجم عنها من ضعف الدولة وتضعضعها. بدلاً من ذلك، ما لبث التركيز على مساوئ ونواقص نظم الحكم، خاصة في مجالي الديموقراطية والتعددية، طاغياً ويؤسس عليها للدفع بأولوية الإصلاح السياسي والاجتماعي. بيد أن مثل هذه المقاربة للدولة بوصفها ليست مأزومة وبكون جذور مشاكلنا تكمن فقط في النظم تحول بيننا وبين إدراك عمق التحديات الراهنة وحقيقة أنها لن تزول على المدى القصير عبر عملية دمقرطة أو إصلاح. ففي بعض الحالات القصوى، على غرار اليمن والسودان والعراق ولبنان، أُضعفت الدولة إلى الحد الذي لم يعد معه انهيارها أو فشلها احتمالاً قصيّاً. وفي حالات أخرى، وكما يدلل واقع المغرب ومصر وسورية والأردن وبعض دول الخليج، وعلى تنوع بيئاتها السياسية والاجتماعية، تواجه مؤسسات الدولة تحديات بالغة للقيام بوظائفها وللاستجابة لمتطلبات المواطنين بفعالية وبقدرة تنافسية في عالم متزايد التعقيد.

تحليليا يكمن في هذا السياق، وهو ما سيُشكّل العمود الفقري لمشروع بحثي جديد سنقوم أنا وزميلتي مارينا أوتاوي بإطلاقه في مؤسسة كارنيغي، تحديد ثلاث مجموعات متمايزة من التحديات التي تُواجه الدولة العربية. تتمحور المجموعة الأولى، الأكثر إلحاحاً وخطورةً، حول احتمالية انهيار أو فشل الدولة. اليوم، على الأقل في دوائر محللي وصانعي السياسة في الغرب، باتت القناعة بأن اليمن دولة تسير على درب الفشل لا تقبل المحاججة في ظل تراجع قدرة السلطة المركزية على السيطرة الأمنية على أراضيها وإدارتها ومع تنامي حضور ووزن طيف واسع من القوى اللادولتية القبلية والمذهبية والجهادية التي تصارع السلطة وتتصارع مع بعضها بعضاً على نحو كثيف ومتفاقم. بل ان بقاء الدولة اليمنية بكيانها الراهن، أي كما تبلور منذ الوحدة، لم يعد يبدو في قراءة هذه الدوائر محصلة حتمية.

أما السودان، فقد صار من المتوقع حدوث الانفصال بين الشمال والجنوب حين يتم إجراء الاستفتاء في الجنوب حول خياري الوحدة والاستقلال في 2011، بينما تواصل الحكومة في الخرطوم إساءة إدارة أزمة منطقة دارفور إلى الحد الذي أضحت معه مؤسسات الدولة غير قادرة على القيام بوظيفتي الأمن وتخصيص الموارد لسكان المنطقة. ومع أن مؤسسات الدولة العراقية قد تبدو أكثر تماسكاً وأقل عُرضة لخطر الانهيار الآن عما كان عليه الحال عامي 2005 و2006، إلا أنها ما زالت تعاني من تصارع قوى سياسية ومجتمعية على النفوذ بداخلها وتهافتها على السيطرة عليها انطلاقاً من رؤى متناقضة للدولة ووظائفها ووفقاً لأجندات سياسية متباينة. ففي حين يدفع الأكراد باتجاه إقامة نظام فيديرالي بالغ اللامركزية وأقلمة توزيع ثروات العراق الطبيعية، يخشى السنّة وأخيراً بعض الجماعات الشيعية أن فهماً كهذا للفيديرالية يُوازي تفكيك الدولة. ثم إن التحديات التي تُواجه الدولة العراقية تتصاعد باستمرار نظراً لتضارب أجندات القوى السياسية المؤثرة وهو ما رتب منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة حالة من الشلل الكامل أو شبه الكامل لمؤسسات الدولة والحكم. وبالطبع، يُمكن أن نضيف إلى اللائحة العربية للدول المهددة بالانهيار أو الفشل حالة الدولة التي انهارت بالفعل، دولة الصومال، والتي لم يعد هناك في محيطها الإقليمي ولا في المجتمع الدولي من يسعى إلى إعادة كيانها إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية.

المجموعة الثانية من التحديات التي تواجه الدولة العربية ترتبط بالحالات التي تنتزع بها القوى اللادولتية بعض الأدوار والوظائف التي عادة ما تضطلع بها مؤسسات الدولة وتشرع من ثم في ترسيخ ذاتها أمام المجتمع والمواطنين كبدائل فعّالة. ولا شك في أن لبنان يجسد هنا ومنذ أمد بعيد الحالة الأكثر وضوحاً، فالدولة فيه تخلّت تدريجاً عن دورها في الإدارة الأمنية والخدماتية للضاحية الجنوبية من بيروت وللجزء الجنوبي من البلاد، بحيث باتت الضاحية والجنوب تحت حكم «حزب الله» الذي بات مسؤولاً عن كل شيء فيهما، من تنظيم المرور إلى توفير خدمات التعليم والرعاية الصحية والتوظيف. ومع ذلك، لا ينبغي حصر صعود القوى اللادولتية ومنازعتها الدولة اللبنانية وسيادتها بمسألة قوة «حزب الله»، إذ إن الدولة ومنذ الحرب الأهلية نقلت عملياً الإدارة الأمنية والوظائف المتعلقة بالتمثيل السياسي وبتقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الى منظمات ومجموعات مذهبية المنشأ والهوى تعتني بفئات محددة من اللبنانيين وفقاً لمعايير الانتماء المذهبي والهوية الطائفية (ومن ثم يفقد اللبنانيون بالتبعية وضعيتهم كمواطنين ويزول رباط المواطنة بين الدولة والسكان). بل ان منطق «المذهبة» و «التطييف» يتجاوز الأمن والتمثيل السياسي والخدمات الى مختلف جوانب صناعة السياسات العامة، بما تتضمنه من تخصيص للموارد الداخلية والخارجية (المساعدات الإقليمية والدولية) ولمناحي الإنفاق الحكومي.

إلا أن لبنان ليس بالدولة المُتداعية، إذ إن ما يميّزه، وعلى رغم القيود الشديدة الواقعة على الدولة وسيادتها، عن دولة يتهددها الانهيار كاليمن، هو أن تقاسم السلطة وتوزيع الوظائف والأدوار بين القوى اللادولتية وبعضها بعضاً قد صار منهجياً ومقبولاً إلى حد بعيد ومكن من ثم لبنان كدولة بعد انتهاء الحرب الأهلية من الاستمرار والقطاعات الحيوية في المجتمع من العمل بطريقة ما.

أدرك أن الانفجارات الدورية للعنف الطائفي تُظهر أيضاً أن مثل هذه التفاهمات الضمنية التي تسمح للبنان بالحفاظ على مظهر الدولة هشة للغاية وقد تنزوي بسرعة في حال بدأت القوى اللادولتية أو بعضها على الأقل في التصرف استناداً إلى تعريفات متباينة حول ما يعنيه ما تبقى من سيادة الدولة. والمؤكد أن الوضع الحالي في لبنان يضيف إلى هذه الحقيقة معطيات مثيرة للقلق الشديد، فالمجابهة الدائرة بين قوى 14 آذار و8 آذار، والمتمحورة حول المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، تنطوي بين ثناياها على مجابهة أخرى بين المدافعين عن الدولة اللبنانية الراهنة وما تبقى لمؤسساتها من قدرة على ممارسة السيادة وبين تلك القوى التي تعتقد أنها لا تستطيع أن تنمو وتزدهر إلا عبر فرض كامل سيطرتها على الدولة الحالية ومنعها المطلق من ممارسة السيادة وفي خاتمة المطاف استبدالها بصيغة أخرى للدولة.

أخيراً، تتلخص المجموعة الثالثة من التحديات التي تواجه الدولة العربية في التفاوت البادي في الكثير من البلدان العربية بين حداثة التراكيب والبنى الاجتماعية والاقتصادية وبين تقليدية الأنظمة والمؤسسات المتوقع منها أن تدير الدولة وتضطلع بوظائفها وأدوارها إزاء المجتمع. وقد أفرز التفاوت هذا معضلة حوكمة، ليس فقط بمعنى غياب الحكم الرشيد الذي يحترِم حقوق المواطنين، بل أيضاً تراجع القدرة الأساسية للحكم على صناعة وتطبيق السياسات العامة. ففي بعض بلدان الخليج على سبيل المثال، تغيّر المجتمع والاقتصاد على نحو أعمق وأسرع في مجالي التعقّد المؤسسي والتعددية الوظيفية من أنظمة ومؤسسات الحكم ما أسفر عن جعل الأخيرة تلهث للّحاق بالركب وللتأسيس لترتيبات جديدة قادرة على إدارة الطبيعة المُتغيّرة للمجتمعات. وفي مجموعة أخرى من البلدان كالمغرب والجزائر ومصر، تبلورت في لحظات ماضية مؤسسات حكم قوية صنعت السياسات العامة بانفرادية وتميزت بقدرتها على ممارسة درجة معتبرة من السيطرة على المجتمع وتمكنت بالتبعية من إقامة أنظمة أوتوقراطية والحفاظ عليها. بيد أن المؤسسات هذه، وبسبب الكثير من التطورات الاجتماعية والاقتصادية، تعاني اليوم من تراجع حاد في قدرتها على الاضطلاع بالد ورذاته وتُواجه لذلك ممانعة شعبية متنامية خصوصاً مع رغبة النخب القائمة عليها في الإبقاء على الطبيعة الأوتوقراطية من دون تغيير.

====================

إيران والنموذج السوفياتي

الخميس, 07 أكتوبر 2010

حسان حيدر

الحياة

زيارة احمدي نجاد المقررة الى لبنان الأسبوع المقبل تعني بالنسبة الى كثيرين محاولة لتطويع هذا البلد رسمياً وضمه الى معسكر «الممانعة» الذي تقوده ايران وسورية بعد مقاومة استمرت خمس سنوات منذ اغتيال رفيق الحريري، وتعني بالنسبة الى آخرين نهاية طبيعية لمسار التحولات السياسية والعسكرية والديموغرافية التي طرأت على بلد الأرز منذ الدخول السوري الاول في 1976. لكن في كلا الحالين هناك نتيجة واقعية تعلن تمدد ايران الى حدود اسرائيل والبحر المتوسط ما يجعلها طرفاً رئيساً في معادلات المنطقة، بمشكلاتها وحلولها.

لكن التوسع الإيراني الحاصل في اكثر من اتجاه، يذكرنا بدور لعبه الاتحاد السوفياتي الذي سبق طهران الى الساحل السوري، والى تسليح الفلسطينيين، وعبرهم بعض اللبنانيين، واقام، في سياق مواجهته مع الولايات المتحدة والغرب، معاهدات صداقة وتعاون مع دول بينها سورية ومصر واليمن الجنوبي السابق، سمحت له بالتدخل في القرارات المتعلقة بالمنطقة وتشجيع هذا التوجه او معاداة ذاك، قبل ان يتفكك ويزول نتيجة دخوله في منافسات تفوق قدراته الذاتية وتتخطى التزاماته بالمحافظة على انظمة ودول تدور في فلكه، لم ترث روسيا الحديثة منها سوى صداقات رمزية لا تعني الكثير في السياسة التي تنتهجها حالياً.

وعلى غرار السوفيات السابقين، تجاهر ايران بعدائها للغرب، الاميركي خصوصاً، وتؤكد تكراراً على لسان قادتها ضرورة اخراج المصالح الغربية من المنطقة الممتدة من افغانستان الى اللاذقية مروراً ببغداد، وانها الوحيدة القادرة على ملء الفراغ، سياسياً وعسكرياً واقتصاديا، بالتعاون المرحلي مع تركيا.

ومثلهم ايضاً تتبنى طهران وتأخذ على عاتق اقتصادها المترنح تقديم مساعدات مالية وتسليحية كبيرة لحلفائها المباشرين (سورية و «حزب الله» و «حماس» والحوثيين وفصائل عراقية وافغانية) وتخصص استثمارات ضخمة لسباق تسلح تقليدي بهدف تأكيد تفوقها العسكري على دول المنطقة، واخرى لبناء قدرات نووية لا تنفع الفتاوى وتصريحات النفي في اخفاء طابعها النهائي.

افلست موسكو السوفياتية ولم تعد تملك ما يكفي لتسديد رواتب موظفي الامبراطورية الواسعة، عندما لم تعد تنتج بمقدار ما تنفق، وبعدما ورطت نفسها في برامج تسليح لمقارعة «حرب النجوم» الاميركية تتطلب موازنات هائلة، في الوقت الذي انخفضت فيه عائداتها من العملات الصعبة وزادت اعباء التزاماتها تجاه دول مثل المانيا الشرقية وكوبا وسائر اعضاء «حزام الأمان» الاوروبي الشرقي.

ومع ان ثروة ايران من النفط والغاز توفر لها حتى الآن فائضاً من العملات الصعبة، الا انه لا يمكن مقارنتها بالإمكانات الهائلة، بما في ذلك النفط والغاز ايضاً، التي كان يختزنها الاتحاد السوفياتي ولم تنفع في إنقاذه، خصوصاً ان آثار العقوبات الدولية المتصاعدة بدأت تظهر تدريجاً على الاقتصاد الايراني، يضاف اليها فشل السياسات الإنمائية الداخلية، وازدياد الإنفاق على التسلح والجماعات الموالية.

كل ذلك يجعل «الامبراطورية الاسلامية الفارسية» في وضع مشابه للذي عاشه المعسكر الشيوعي عشية انهياره، ذلك انها تحيط نفسها بعداوات كثيرة، وتتمدد بما يفوق قدراتها الفعلية، بحيث لن تتأخر مناطق النفوذ المستجدة في التحول الى اعباء قاتلة، وبينها بالطبع لبنان والعراق.

====================

دروس مستفادة من معركة العبور

آخر تحديث:الخميس ,07/10/2010

يوسف مكي

الخليج

في السادس من هذا الشهر أكتوبر/ تشرين الأول عام ،1973 أطلت علينا الذكرى السابعة والثلاثون لمعركة العبور العظيمة، حيث تمكن الجيش المصري من تحطيم خط بارليف، المقام شرق قناة السويس وعبور القناة، كما تمكن الجيش السوري من تدمير حصون العدو ومعاقله في مرتفعات الجولان .

 

تم اتخاذ قرار الحرب من قبل القيادتين المصرية والسورية، لمواجهة استمرار الاحتلال، والمشاكل الداخلية، والأوضاع الاقتصادية المتردية، بسبب انهماك الجيشين والحكومتين، في التحضير لإزالة آثار العدوان، وفشل الأمم المتحدة في إيجاد حل سلمي للصراع مع “إسرائيل”، والضغط الشعبي المتزايد في البلدين، المطالب بإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم .

 

لقد شعر الرئيس المصري محمد أنور السادات، والرئيس السوري، حافظ الأسد أن عليهما الدفع بالمفاوضات التي كانت تجري بطرق غير مباشرة للتوصل إلى تسوية للصراع، فكان قرارهما القيام بحرب محدودة ضد الكيان الغاصب، من أجل كسر حالة الجمود في الصراع العربي الصهيوني . وقد حدد الرئيسان خريف عام ،1973 موعداً للمواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني، وطرد القوات “الإسرائيلية” من سيناء والجولان . وفي السادس من شهر أكتوبر هاجمت القوات المصرية والسورية المواقع “الإسرائيلية” على الجبهتين .

 

في الأيام الأولى من الحرب، تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس إلى الشرق، كما تمكنت القوات السورية من عبور الخطوط “الإسرائيلية” في مرتفعات الجولان . وكان القصف المدفعي على طول الجبهتين المصرية والسورية، مفاجأة حقيقية للحكومة “الإسرائيلية” .

 

ومع أن القوات الصهيونية استطاعت بسرعة أن تستعيد سيطرتها على الموقف، وتفيق من الضربة الأولى، بعد إعلان الجيش المصري عن وقفة تعبوية، إلا أن الجيشين العربيين أثبتا قدرتهما على القتال والمواجهة . وفي الأيام الأخيرة للحرب، أجبرت القوات “الإسرائيلية” القوات المصرية على التراجع خلفاً، غرب قناة السويس، وأن تعزل وتحاصر الجيشين المصريين، الثاني والثالث، المنتشرين في الضفة الشرقية للقناة . وعلى الجبهة السورية، تمكنت القوات “الإسرائيلية” من دفع الجيش السوري إلى الخلف شرقاً، إلى أبعد من الخطوط التي كانت قائمة منذ حرب يونيو/ حزيران عام 1967 .

 

إثر انتهاء حرب أكتوبر، ساد عموم المنطقة العربية، إحساس لدى الشعب العربي، بهزيمة الجيش “الذي لا يقهر”، وبأن معركة العبور قد غسلت عار هزيمة حزيران . وكانت تلك هي المقدمة التي استثمرها النظام العربي الرسمي للدخول في مفاوضات مباشرة مع العدو لاستعادة الأراضي التي احتلها في حرب يونيو عام 1967 . إن العرب من وجهة النظر هذه، لا يتفاوضون مع “إسرائيل”، للتوصل لحل سلمي للصراع يتمكنون من خلاله من استعادة الأراضي المحتلة، من موقع ضعف كما كان الحال عليه قبل الحرب . وأن هول المفاجأة التي استيقظت عليها الدولة الصهيونية بشكل خاص، والصهاينة بشكل عام، لم تقم فقط بإعادة تشكيل تصور الدول العربية عن ذاتها، وإمكانات جيوشها، بل صاغت أيضاً رؤية جديدة لطبيعة الصراع مع الصهاينة، باختيار نهج المفاوضات بديلاً عن المقاومة والمواجهة العسكرية . خلال فترة الحرب، استثمر العرب سلاح النفط في المعركة، لأول مرة في تاريخهم، حيث قررت الدول المنتجة للنفط تخفيض نسبة الإنتاج، بشكل تدرجي، وحرمان الدول التي ساندت “إسرائيل”، من تصديره لها . في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة وهولندا وبريطانيا .

 

ما هي الدروس التي ينبغي للعرب أن يستفيدوا منها، في صياغة استراتيجياتهم المستقبلية لإدارة الصراع مع الصهاينة؟

 

في يقيني أن حرب أكتوبر ،1973 قدمت دروساً كثيرة، كان بالإمكان الاستفادة منها، لو لم يتحقق انتقال استراتيجي في سياسة بعض دول المواجهة، في موضوع السلم والحرب، وما ترتب على ذلك من تحالفات دولية جديدة .

 

أول الدروس، أن العرب اكتشفوا في معمعان المعركة ثقلهم الاقتصادي والسياسي، حين تتظافر جهودهم، ويلتزمون بالمعاهدات والمواثيق التي وقعوها، وبشكل خاص ما يتعلق منها بالدفاع العربي المشترك، والأمن القومي العربي الجماعي . وكانت مشاركة الجيوش العربية في جبهة المواجهة، حتى إن كان ذلك بنسب محدودة جداً، هي أحد تجليات الالتزام بالمعاهدات والمواثيق القومية . كما كان للدور الذي لعبته الدول العربية المنتجة للنفط أثره الواضح في لفت أنظار دول العالم، للصراع المحتدم شرق قناة السويس، وفوق هضبة الجولان، وأيضاً إعادة الاعتبار، على الصعيد الدولي، للقضية الفلسطينية .

 

الدرس الثاني، أن العرب شأنهم في ذلك شأن شعوب الأرض بإمكانهم القتال وتحقيق النصر، وكسب نتائج الحرب، حين يعدّون العدّة لمستلزمات المعركة، من إعداد إعلامي ونفسي ورسم للاستراتيجيات الصحيحة، إلى بناء شامل للقوة الذاتية، بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية والنفسية . وكانت الحرب مفاجأة الأمة للعدو ولذاتها أيضاً . وكشفت عن طاقات هائلة لدى المقاتل العربي . وعرّت زيف الإدعاءات العنصرية .

 

وكشفت الحرب أيضاً، أن الحروب هي صراع إرادات، وأنه لا يكفي أن يكون الأداء العسكري متميزاً، إن لم ترفده استراتيجية سياسية بعيدة المدى، لإدارة الصراع على طاولة المفاوضات . لقد تحقق في المفاوضات اللاحقة فصل تام بين نتائج معركة العبور، التي كان من المفترض أن تمثل جسراً للعبور من مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر . لكن ذلك لم يتحقق للأسف، بما يضع أمام المثقفين العرب مسؤوليات أخرى، لتناول مفهوم النصر والهزيمة من منظور آخر، لا يكتفي بما ينجز في مسرح المواجهة العسكرية، ولكنه يربط ذلك بما يتحقق من نتائج سياسية . إن ذلك يتحقق فقط، حين يجري التركيز على المواجهة، مع الكيان الصهيوني، ليس في جانبها العسكري فحسب ولكن في أبعادها السياسية والحضارية، واعتبارها صراع إرادات .

 

وأخيراً، وليس آخراً، كشفت الحرب بجلاء عن طبيعة المشروع الصهيوني، باعتباره مشروع استيطان غربياً، وأن هذا الكيان هو أسطول ثابت في خدمة مشاريع الهيمنة ضد الأمة، حتى إن إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لم تتردد في التلويح بإشعال فتيل حرب نووية ضد الاتحاد السوفييتي إذا لم يتراجع عن تهديده بالتدخل لصالح مصر، في مواجهة الكيان الغاصب . إن أهمية ذلك، ليس في تقدير ما يترتب على العرب فقط، من وجوب إعادة النظر في العلاقات والتحالفات بين الدول، ولكن أيضاً وذلك هو الأهم، تأسيس وعي آخر، ينطلق من القراءة الحقيقية لطبيعة المشروع الصهيوني .

 

معركة العبور ينبغي أن تكون نتائجها حاضرة أمام العرب والفلسطينيين، من أجل خلق رؤية أخرى، أكثر فاعلية وموضوعية وقوة في إدارة الصراع .

====================

مأزق "الندية" بين بيروت ودمشق

آخر تحديث:الخميس ,07/10/2010

فيصل جلول

الخليج

هل كان فريق 14 آذار/ اللبناني يرغب في تطبيع علاقاته مع دمشق؟ “نعم”، يقول أنصار هذا التيار، قبل أن يضيفوا شرط أن يكون “من دولة المؤسسات إلى دولة المؤسسات”، أي من الند إلى الند . في هذا الوقت كان النائب وليد جنبلاط “الدينامو” السابق للتيار الآذاري قد استكمل التطبيع مع الحكومة السورية بشروطها التي تنص على طي صفحة الخيار الغربي الساعي للمواجهة السورية اللبنانية، وإخراج بيروت من الصراع العربي “الإسرائيلي” . وكان الخيار الغربي قد انطوى في إحدى المراحل على استخدام لبنان كمنصة لإسقاط النظام السوري . بكلام آخر كان النظام اللبناني “الند” والسيد المستقل يستخدم كموقع للتصويب الغربي على النظام السوري “الند” السيد والمستقل . والندية هنا تعني القدرة على العداء والمساومة والتحالف معاً .

 

والراجح أن التطبيع الحقيقي في عرف السوريين كان يعني الانتقال من خيار إلى خيار، ومن موقع إلى موقع، حيث لا يكفي الامتناع عن المشاركة في مشروع أو مشاريع إسقاط النظام السوري التي هزمت خلال السنوات الخمس الماضية، وإنما الانخراط في المشروع المناهض ل “إسرائيل” وحماتها الغربيين عبر الالتفاف حول المقاومة اللبنانية . والراجح أن دمشق كانت تريد للحريري الابن الباحث عن “رأب الصدع” أن يستأنف على الأقل مسيرة أبيه بعد العام ،1996 حين كان سنداً جدياً للمقاومة وحامياً لها من الفتنة الطائفية وسائر النزاعات الأهلية اللبنانية . والحق أن وليد جنبلاط ما انفك منذ شهور ينصح “رفاقه” الحريريين بالسير على رسمه، وبالتالي الإقلاع عن اللغة “القديمة” وتبديل الناطقين بها والمصرّين على استخدامها، ويهاجم حليفه السابق سمير جعجع ساخراً من “فعل” إيمانه باستئناف مسيرة العداء للسوريين بدعم غربي وحرب “إسرائيلية” مظفرة .

 

واللافت في هذه اللعبة أن الحريري قرأ الانفتاح السوري والرغبة السورية في المصالحة مع فريقه من باب “الند” ل “الند”، أي المصالحة مع بقاء شروط التصادم والمساومة والتحالف قائمة مع دمشق، وربما اعتقد أيضاً أن المملكة العربية السعودية والدول الغربية توفر له المصالحة بهذه الشروط، بل حاول فريقه الإيحاء بأن سوريا مقبلة على فك الارتباط مع إيران، وأنها صالحت الحريري على هذه القاعدة التي تعني اصطفافاً سورياً مقبلاً مع 14 آذار في مواجهة حزب الله .

 

ثمة من أقنع الحريري بأن سوريا فعلت ما يشبه ذلك في السبعينات، عندما وقفت ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وأيدت الميليشيات اليمينية بزعامة آل الجميل وآل شمعون، وأن ما حصل بالأمس يمكن أن يتكرر اليوم .

 

لا تشي قراءة الحريري وفريقه للعلاقات السورية اللبنانية باحتراف سياسي مطمئن وإنما ببصيرة محدودة وعاطفية، قد تكون أخطر على هذا الفريق وعلى لبنان من أسلحة الدمار الجزئي أو الشامل، ذلك لأنها تفترض الندية في عالم القوة الأوحد والقوة الأعظم، وفي عوالم إقليمية لا ندية فيها بين القوي والضعيف، وبين الكبير والصغير، والغني والفقير، ولأنها تفترض أن الندية المؤقتة في مواجهة سوريا بدعم غربي يمكن أن تتحول إلى ندية دائمة، ولأن هذا الفريق يظن أن اللعب على حافة الفتنة يردع الخصم، ولأنه يتمنى أن يحصد نتائج الصراع الغربي مع المقاومة عبر المحكمة الدولية فتزول هي ويبقى هو ومن معه، إلى غير ذلك من التقديرات الخطيرة على مصير هذا الفريق ومصير لبنان بأسره .

 

تبقى الإشارة إلى أن الإنجاز الأبرز لثورة الأرز تمثل بتعيين سفير سوري في لبنان سمعناه بالأمس يقول للصحافيين إن الحريري يعرف “واجبه” تجاه سوريا، فيما “نده” اللبناني في دمشق يكاد يصاب بأزمة نفسية جراء العزلة المطبقة من حوله . يملي ما سبق القول إنه ربما كان على الرئيس سعد الحريري أن يصغي جيداً إلى وليد جنبلاط وليس إلى سمير جعجع، أو على الأقل ليس إلى الاثنين معاً، فجنبلاط كان على الدوام ناجحاً في قراءته السورية حتى في العام ،2005 في حين لم يربح جعجع معركة واحدة في مواجهة السوريين، وقد تسبب بالكثير من الخراب والأذى لفريقه ولبلده في الآن معاً . ربما كان على الحريري أن يدرك أن العيش الآمن مع سوريا في هذه المنطقة كان دائماً بشروطها وعلى رأسها الموقف من “إسرائيل”، وبالأخص الموقف من المقاومة، ولعل الوقت لم يفت بعد للاصطفاف مع جنبلاط الناجح وجعجع الفاشل .

====================

ليس على الصفحة نفسها

بقلم :صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية

البيان

7-10-2010

الكلمة المثيرة للتعجب التي ألقاها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أخيراً في الأمم المتحدة، تناقض سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بشأن صنع السلام في الشرق الأوسط.

 

المرء لا يسعه سوى التعجب مما إذا كان سيكون رد فعل رئيسي الوزراء الإسرائيليين الأسبقين آرييل شارون واسحق رابين، لو أن وزيري خارجيتهما قد ألقيا خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يتعارض مع سياساتهما المتعلقة بصنع السلام مع الفلسطينيين، كما فعل بنيامين نتناياهو أخيراً.

 

يسعى نتانياهو ظاهرياً إلى اتفاق شامل للسلام مع الفلسطينيين في غضون عام، وذلك من خلال المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة.

 

وقام وزير خارجيته «افيغدور ليبرمان»، وهو مستوطن من الضفة الغربية ويترأس حزب «إسرائيل بيتنا» القومي المتطرف، بإطلاع المنظمة الدولية على موقفه بأنه لا يوافق على هذا النهج.

 

فهو لا يقبل ب«مبادلة الأرض مقابل السلام» التي تشكل صلب المفاوضات، ويعتقد أنه سيكون من الأفضل ببساطة المتاجرة في الأراضي أو إعادة رسم الحدود، حتى ينتهي المطاف بمعظم الإسرائيليين في الضفة الغربية إلى البقاء داخل إسرائيل، ويكون العديد من عرب 1948 في الجانب الآخر.

 

ثانيا، كما يقول ليبرمان، فإن «المشكلات العاطفية» تجعل من المستحيل التوصل إلى اتفاق نهائي الآن، لذا فهو يفضل اتفاقا وسيطا يتم تنفيذه على مدى العقود المقبلة.

 

نتانياهو وليبرمان يشكلان جزءا من حكومة ائتلافية، يفترض أنها تتقاسم رؤية مشتركة لمستقبل إسرائيل. ولكن استجابة نتناياهو عندما انحرف ليبرمان عن السبيل، كانت ادعاء الجهل بالأمر، حيث قال مكتبه إن خطاب ليبرمان لم يتم إطلاع رئيس الوزراء عليه مسبقا، ونتانياهو هو الذي يترأس الجانب الإسرائيلي في المفاوضات، التي تجري على مائدة التفاوض، وليس في مكان آخر.

 

وما لم يفعله رئيس الوزراء، هو توجيه الأمر لليبرمان بالسير على النهج نفسه أو الخروج من الحكومة، وهو الأمر الذي سيبدو أنه الرد الجلي على مثل هذا التمرد. ونتيجة لذلك، فإن نتانياهو يبدو إما ضعيفا (وهو الشيء الذي لم يكن يقبل به شارون ورابين)، أو أنه غير مخلص لعملية صنع السلام.

 

يعتبر حزب ليبرمان ثاني أكبر عضو في الائتلاف، والمقاعد التي يستحوذ عليها في الكنيست ضرورية لبقاء الحكومة الحالية في الحكم. وكجزء من إرضاء حزب «إسرائيل بيتنا»، رفض نتانياهو تمديد مهلة تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية، في الوقت الذي يناشد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بألا ينسحب من المفاوضات.

 

وهذا يقوّض ثقة الفلسطينيين في المحادثات، ويضعف موقف عباس كذلك. وأفادت التقارير أن إدارة أوباما عرضت ضمانات أمنية وعتادا عسكريا، في مقابل تمديد المهلة لشهرين آخرين. وحتى الآن رفضت إسرائيل كل ذلك، نزولا إلى ما يسمى بالواقع السياسي.

 

من الواضح أن نتانياهو واقع تحت ضغوط لتهدئة شركائه في الائتلاف، ولكن ما قيمة الحفاظ على حكومة ائتلافية غير ملتزمة بصنع السلام، الأمر الذي ينبغي، في نهاية المطاف، أن يحتل الأولوية بالنسبة لإسرائيل وبقية المنطقة والعالم؟

إذا كان شركاء نتانياهو لا يتفقون معه حول طريقة صنع السلام، فربما حان الوقت للحصول على شركاء جدد.

====================

موسكو وواشنطن وطهران وعامل الثقة

بقلم : د. إينا ميخائيلوفنا

البيان

7-10-2010

بات واضحاً وجود مثلث دولي تتحرك أطرافه في اتجاهات مختلفة ومتباينة، وتتقارب أحيانا ثم تتباعد أحيانا أخرى، هذا المثلث هو: موسكو وواشنطن وطهران، حيث لم يمض وقت طويل على موافقة روسيا على العقوبات الدولية على إيران، حتى وصل الوقود النووي الروسي إليها وتم تدشين العمل في محطة بوشهر النووية.

 

ولم تمض على هذا الأمر بضعة أيام حتى صدر المرسوم الرئاسي الروسي بمنع تصدير الأسلحة إلى إيران، وعلى رأسها منظومة الصواريخ (إس ؟ 300)، الأمر الذي يتوقع معه الكثيرون قريبا خطوة معاكسة تدعم العلاقات الروسية الإيرانية.

 

في واشنطن، على المستوى غير الرسمي، هناك اللوبي المناهض لروسيا في واشنطن، والمصمم على أن كل ما يدور بين موسكو وطهران مجرد خدعة متفق عليها بينهما، بينما تعلن واشنطن رسميا على لسان ممثلي البيت الأبيض، عن نجاحات التعاون الوثيق مع موسكو على المحور الإيراني، وتصف السياسة الروسية تجاه طهران ب«الحذرة».

 

ويفسر البيت الأبيض أسباب هذا الحذر عند موسكو، بأنها تتخوف من النفوذ الإيراني الذي قد يزعزع الاستقرار في شمال القوقاز وآسيا الوسطى.

 

وقد صرح مصدر مقرب من إدارة الرئيس باراك أوباما بأن «الوضع خطير جدا، وذلك لتعذر إيجاد حل يعزز في الواقع فرص ردع إيران التي تسير قدما نحو امتلاك السلاح النووي، وتطور الأحداث يدل على أن الأمور تزداد سوءا من يوم لآخر»، ويرى المصدر الأميركي أن توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية أمر ممكن من الناحيتين السياسية والتقنية.

 

فكل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل قادرة على توجيه هذه الضربة، ولكن ما من أحد يريد أن تتطور الأمور على هذا النحو، أما إذا كان لا بد من الاختيار بين توجيه الضربة وإيران نووية، فإن احتمال اللجوء إلى القوة سيكون مطروحا بجد على جدول الأعمال، علما بأن ذلك لن يكون الحل النهائي للمشكلة، بل جزءا من الحل وحسب.

 

رغم هذا، يبدو أن إيران لم تتأثر لا بمحاولات الإقناع الدبلوماسي ولا بالعقوبات الاقتصادية. ومع ذلك تأمل واشنطن أن تشديد الضغط الاقتصادي سيثير استياء الناس داخل إيران نفسها، وسيرغم طهران على إعادة النظر في أولوياتها.

 

من يقرأ الصحف الأميركية تتشكل لديه صورة عن موسكو وكأنها مستعدة، في سبيل مصالحها التجارية والاستراتيجية مع طهران، لأن تتجاهل تحذيرات واشنطن من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن تحول جمهورية إيران الإسلامية إلى دولة نووية.

 

هذا مع العلم بأن موسكو هي أول من حذر من إيران النووية، حيث لفتت روسيا عام 1991 انتباه الأميركيين إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين المقلقة عن آفاق استخدام الذرة.

 

آنذاك لم يصغ الأميركيون لموسكو، أما الآن فلدى روسيا كل المبررات لإبداء الحذر بخصوص كل ما يتعلق بقادة النظام الإسلامي في إيران، الذين باتت تصرفاتهم تثير شكوك موسكو ومخاوفها.

 

يدرك المسؤولون الأميركيون أن دوافع روسيا ليست محض تجارية، إذ إنها لا تريد أن يكون لإيران سلاح نووي، لكنهم في الوقت نفسه يعلمون أن ظهور هذا السلاح لدى إيران لا يعني نهاية العالم بالنسبة لموسكو، فطهران في ظل احتمال كهذا لن توجه سلاحها النووي نحو روسيا.

 

لكن في نفس الوقت يأمل الأميركيون أن لا تنسى روسيا أن في وسع إيران لعب دور سلبي في الشيشان وطاجيكستان أيضا. لقد نجح الإيرانيون في تعزيز علاقاتهم مع بعض الأقاليم الروسية، وخاصة مع جمهورية تتارستان الروسية التي تربطها بإيران علاقات تجارية قوية.

 

يشير الخبراء الروس إلى أن من غير الجائز إغفال أن الإيرانيين قد يقدمون على استغلال العامل الديني، بغية زعزعة الاستقرار وتأجيج المشاعر الانفصالية في القوقاز وغيره من مناطق روسيا، ومن ناحية أخرى، فإن مصالح روسيا التجارية تشمل بيع الأسلحة والتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية.

 

وتحاول موسكو موازنة مصالحها على المحور الإيراني، فهي لا تريد مساعدة الإيرانيين بالشكل الذي يجعلهم أقوياء أكثر من اللازم، أو بالشكل الذي يغضب الغرب وواشنطن، وفي نفس الوقت لا تريد موسكو التخلي عن إيران وتركها وحدها فريسة للآخرين.

 

ويرى المسؤولون في واشنطن أن الروس يساومون في هذه المسألة، فهم يريدون معرفة الثمن الذي في وسع الأميركيين دفعه لروسيا، إذا جازفت وأقدمت على مخاصمة وقطيعة مع إيران.

 

المناورة الدبلوماسية التي تتبعها روسيا مع إيران، تسبب حيرة كبيرة لواشنطن التي لا تزال تضمر قدرا من عدم الثقة بموسكو كشريك صعب للغاية يستخدم تكتيكا بارعا.

رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي

====================

مذكرات التوقيف السورية لإقامة مشهد يوازي المحكمة الدولية

اتهام المحيط السياسي للحريري في مقابل اتهام "حزب الله"

روزانا بومنصف

النهار

7-10-2010

ما هو واضح وجلي من مذكرات التوقيف السورية وفق مصادر سياسية مطلعة هو اقامة مشهد سياسي يضع موضوع ما يسمى "الشهود الزور" في موازاة القضية الاساسية لدى المحكمة الدولية اي رفع هؤلاء الى مستوى ما سيصدر في القرار الاتهامي عن المحكمة الخاصة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري من حيث ان لهذه المذكرات تبعات ونتائج لجهة من تناولتهم مماثلة للتداعيات التي ستحصل في المقلب الاخر في حال طاولته الاتهامات. فاذا كان القرار الاتهامي سيطاول عناصر من "حزب الله"، فان مذكرات التوقيف السورية تطاول محيط الرئيس سعد الحريري بما يعني ذلك من تداعيات وتبعات على كل ما حصل منذ عام 2005 واثارة للشكوك والغبار لدى الرأي العام. لذلك فان الرسالة بهذا المعنى ليست تبسيطية وهي دفع الرئيس سعد الحريري الى التخلي عن المحكمة وتاليا مقايضة ما يمكن ان يناله في العمق من السعي الى اتهام محيطه بما يمكن ان يطاول عناصر من "حزب الله" ولو ان المقايضة ظاهريا هي بين من يقولون انهم ظلموا من خلال السجن في مواجهة من اغتيلوا بانفجارات في حين ان المسألة هي لتبرئة افرقاء يخشى اتهامهم باغتيال الحريري. فان يوازي القضاء السوري نفسه بالقضاء الدولي لجهة توجيه الاتهامات او اصدار مذكرات التوقيف تدفع ايضا الى تعميم مشهد يساهم في تضييع الامور في حين ان سوريا عادت الى التصرف كانها معنية مباشرة.

وكان سياسيون تساءلوا عما اذا كانت مذكرات التوقيف السورية هي على طريق استدراج مواقف سياسية غربية وغير عربية من اجل اعادة وضع المحكمة في اطار المواجهة السياسية في لبنان او عنصرا من عناصرها من اجل اظهار عامل التسييس فيها وخصوصا مع زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد المتوقعة لبيروت ام هي على طريق الضغط على القضاء اللبناني للاسراع في الامساك بملف ما يسمى "الشهود الزور" لقطع الطريق على صدور القرار الاتهامي في المدى القريب علما ان الطريق الى ذلك يمكن ان يكون سهلا ومن دون تعقيد وكان سيحصل في نهاية الامر او من اجل شمول التحقيق اللبناني كل فريق رئيس الحكومة من خلال مساواة المتضررين في السجن لبضع سنوات بمن قتلوا اغتيالا؟

وتعتقد مصادر متابعة ان ثمة اهدافا تطاول المحكمة واكثر منها اذ لم يفهم التصعيد الاخيرعلى انه يطاول موضوع ما يسمى "الشهود الزور" فحسب لان هذا الموضوع شبيه بموضوع المعطيات التي قيل انها تثبت تورط اسرائيل في الاغتيال ولم تقدم كل القرائن او المعطيات ذات الصلة. اي انها فصل من فصول الضغط والمواجهة ليس الا. اذ ان موقف الحريري حول الاتهام السياسي لسوريا وما يسمى "الشهود الزور" اعتبرته مصادر غربية ومحلية خطأ جسيما لم يكن في محله لاعتبارات متعددة. لكن "حزب الله" وسوريا ايضا لم يتلقفا هذا الموقف على النحو الذي يسمح بالقول ان المعنيين يسعون الى تسوية الامور بناء على ما تقدم. فالاول وفي معرض الضغط في شأن اسراع القضاء اللبناني في بت موضوع ما يسميه "الشهود الزور" وجه ضربة قاصمة الى القضاء اللبناني في الاستعراض الامني الذي قدمه في مطار بيروت. اذ ان يعجز القضاء عن تنفيذ استدعاء يجعل من توليه هذا الموضوع استخفافا كبيرا بعقول الناس وبسمعة القضاء باعتبار ان الحزب لم يحترم الحد الادنى اللازم من اجل تأمين الحصانة وحرية التحرك للقضاء ولو ان في العرض الامني الذي قدمه رسائل سياسية وغير سياسية في اتجاهات عدة.

اضافة الى ذلك فان "حزب الله" لم يتلقف كلام الحريري ايجابا ويفسح في المجال امام ترجمة ما قاله ميدانيا بل شن حملة جديدة ضاغطة سببت مزيدا من توتير الاجواء. وسوريا من جهتها لم توظف الايجابية التي ابداها الرئيس الحريري تجاهها على رغم الكلام على ترحيبها بما قاله رئيس الحكومة في شأنها في اتجاه افساح المجال لاعطاء الامور بعض الوقت للاستيعاب والانضاج. فالحزب يبدو في سباق مع الوقت من اجل ان يبدأ القضاء اللبناني التحقيق في موضوع "الشهود الزور" بحيث تغدو هذه القضية معرقلة او عائقا امام صدور القرار الاتهامي عن المحكمة في المدى المنظور. وبما ان التحقيق اللبناني لن يصل الى نتيجة، في حال وصل قبل سنتين على الاقل، فان المخرج هو في تأجيل القرار الاتهامي او منع صدوره حتى ما بعد القرار في موضوع "الشهود الزور" عن القضاء اللبناني. لكن سوريا لم تساهم في تهدئة الحزب وعدم الاستعجال في خطوات تصعيدية جديدة على النحو الذي حصل في حال ارتاحت الى كلام الحريري. فبدت معنية مجددا وفقا لتصريحات ادلى بها وزير الخارجية السورية وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد بالمحكمة، الامر الذي لا يبدو مستغربا بالنسبة الى متابعين غربيين باعتبار ان احدا لا يبرئ سوريا ولا يتهمها في انتظار القرار الاتهامي.

====================

لبنان "الدولة الفاشلة"

رندى حيدر

النهار

7-10-2010

لم تكن إسرائيل بحاجة الى التذرع بالزيارة التي ينوي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القيام بها الى لبنان، كي تصّعد لهجتها ضده، وتوجه التهديدات له. فالحرب النفسية والاستخبارية التي تخوضها ضد "حزب الله"، وضد الحكومة والشعب اللبنانيين لم تهدأ منذ توقف المعارك في صيف 2006. ولكن المختلف في رسائل التهديد والوعيد الإسرائيلية الأخيرة، أنها أقرب الى أن تكون تدخلاً إسرائيلياً سافراً في الحياة السياسية الداخلية اللبنانية المأزومة. الأمر الذي يدفع الى التساؤل هل نحن أمام عهد إسرائيلي جديد من التدخل المباشر في الحياة السياسية في لبنان؟

 لقد باءت محاولات التدخل الإسرائيلية في الصراعات المسلحة التي شهدها لبنان في السبعينات والثمانينات بالفشل الذريع، واضطر الإسرائيليون الى الاعتراف بعجزهم وفشل دورهم في تغيير معالم الحياة السياسية في هذا البلد، لكن ذلك لم يوقفهم يوماً عن متابعتها عن كثب، ومراقبة ما يطرأ عليها من تطورات ودراسة انعكاسات ذلك على إسرائيل.

 في رأي إسرائيل هناك خطران يتهددانها من لبنان: خطر سلاح "حزب الله"، وخطر تحول لبنان أكثر فأكثر نموذجاً "للدولة الفاشلة" (بحسب الدراسة التي كتبها يوآل جونزسكي وأمير كوليك في معهد دراسات الأمن القومي)، أي دولة غير قادرة على حل نزاعاتها من دون مساعدة وتدخل دول أخرى ذات مصالح وأهداف وغايات قد تشكل "خطراً استراتيجياً" على دولة إسرائيل.

من هنا تعتبر إسرائيل أن تصاعد النفوذ الإيراني في لبنان، العسكري والسياسي، يشكل تهديداً "استراتيجياً" مباشراً لها، لا سيما في ظل الخطورة البالغة التي توليها لمسألة امتلاك إيران للسلاح النووي، واعتبار ذلك يشكل تهديداً وجودياً لها. من هنا يمكن تفسير اللهجة التصعيدية الأخيرة لها تجاه زيارة أحمدي نجاد الى لبنان.

تعكف إسرائيل على ايجاد ما تعتبره الحل الناجع لمواجهة خطر سلاح "حزب الله"، إما بالوسائل العسكرية، أو بالوسائل السياسية. وقد قامت القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي باستخلاص دروس حرب 2006، ووضعت الخطط العسكرية التي تعتبرها كفيلة بضرب قوة الحزب العسكرية واضعافه، مما قد يؤدي الى تغيير المعادلة السياسية الداخلية في لبنان. أما على صعيد الحلول السياسية فقد جربت إسرائيل حتى الآن استخدام الضغوط الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، والضغط على الدولة اللبنانية، ولكن ذلك لم يثمر في رأيها عن أي نتيجة ملموسة تضع حداً لقوته العسكرية.

مع بدء المساعي الأميركية لتحريك مسار المفاوضات مع سوريا، وظهور تيار داخل قيادة الجيش الإسرائيلي مؤيد لها، برز مجدداً اقتناع اسرائيلي بإمكانية أن يؤدي التوصل الى إتفاق سلام مع سوريا الى احتواء مشكلة سلاح"حزب الله"، أو على الأقل الى وقف دعم سوريا لتزويد الحزب بالسلاح، هذا الى جانب اقتناعهم بأن التسوية السلمية ستؤدي حتماً الى ابعاد سوريا عن إيران، واضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.

حتى الان لم ينجح هذا الفريق في اقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن مصلحة إسرائيل تقضي بالعودة الى المفاوضات مع سوريا. والسبب كما يقول المقربون منه أنه لا يثق بأن مثل هذه المفاوضات قد تدفع سوريا الى وقف دعمها ل"حزب الله" أو ستجعلها تبتعد عن إيران. ولكن نتنياهو لا يستطيع من ناحية أخرى تجاهل المساعي الأميركية المبذولة لتحريك المسار السوري، والاستمرار في التمسك بسياسة الصمت. وعليه عاجلاً أم آجلاً عليه ان يبدي رأيه الواضح من الموضوع.

من المنتظر أن تواصل إسرائيل حملتها على زيارة أحمدي نجاد الى لبنان، سعياً الى توتير الوضع على حدودها الشمالية. ولكن الراجح هو أن يبقى هذا في حدود التوتير اللفظي مع أنها تسعى جاهدة لايجاد طريقة ليس فقط لإبعاد نجاد عن بوابة فاطمة، وإنما لوضع حد للنفوذ الإيراني السياسي المتنامي في لبنان.

====================

هل تعود الحرارة للمفاوضات السورية الإسرائيلية؟

يوسف الحوراني

الرأي الاردنية

7-10-2010

بعد الدخول السوري في مرحلة التفاوض مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد مباشرة، قال وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز «إنها أفضل عشرة أيام في تاريخ العلاقات السورية الإسرائيلية « ملخصا النتيجة الأساسية التي تم استخلاصها من الجولة الأولى من المحادثات في واشنطن، باعتبارها تشكل تطورا مهما وعلامة مميزة في مسيرة التسوية السياسية.

 

لعل ما جعل هذا الأمر يكتسب أهميته في حينه أنه تم مع عاصمة الممانعة وصاحبة الوزن السياسي الإقليمي الأهم في الصراع العربي الإسرائيلي مما جعل التقدم على الجبهة السورية يحتل سلم أولويات رئيس وزراء إسرائيل اسحق رابين وتتقدم على القضية الفلسطينية في محاولة لممارسة الضغط والعزل والاستفراد بسوريا.

 

بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، سيئة الصيت، قال اوري ساغوي من قيادات الموساد « إن سوريا هي الدولة الرئيسية في الشرق الأوسط وهي الأمل في الوصول الى السلام «، وسوريا التي دخلت المفاوضات على قاعدة استيعاب اللعبة السياسية كانت تدرك بأن مياه كثيرة جرت أحدثت تغيرا في أوضاع العالم بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي وإختلال التوازن الدولي لصالح القطبية الواحدة التي انعقدت للولايات المتحدة الأمريكية.

 

السوريون أدركوا المعاني السياسية للمتغيرات التي وقعت ما بعد حرب الخليج وتداعياتها وإحتلال العراق والحرب على الإرهاب وساد الاعتقاد بعزم واشنطن على تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وإيجاد حالة من الاستقرار تفرضها المصالح الاستراتيجية الأمريكية، حيث أبدت دول المنطقة استعدادا للتجاوب مع السياسة الأمريكية دفع السوريين إلى خوض جولات تفاوض غير مباشرة مع الإسرائيليين عبر الوسيط التركي دون التوصل إلى أي نتائج إلى أن توقفت المفاوضات نتيجة العدوان على غزة 2008/2009.

 

إعادة إحياء المفاوضات ليس مفاجئا فقد أعلن الرئيس السوري عن استعداد سوريا العودة إلى المفاوضات من حيث إنتهت بوساطة تركية، في وقت أعلن فيه أنه لا يرى أملاً في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكد وليد المعلم وزير الخارجية السورية في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة أن «سوريا مستعدة لاستئناف مفاوضات السلام عبر الوسيط التركي.. وهي تملك إرادة صنع السلام، بينما إسرائيل تتحدث عن السلام وتقوم بقرع طبول الحرب وابتلاع الأرض بالاستيطان وتهويد القدس» هذا الإعلان يثير تساؤلا على جانب من الأهمية، فهل الظروف الإقليمية والدولية باتت مؤاتية لمثل هذه الخطوة في وقت تشهد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية استعصاءات (حتى لا نقول طريقاً مسدوداً) والمنطقة عموما تمر في حالة من التوتر؟

 

واشنطن، التي أدركت أهمية الدور السوري كلاعب رئيسي في المنطقة، مهدت الى لقاء يجمع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بنظيرها السوري، بهدف توفير أجواء اقليمية تسهم في فك الإرتباط السوري مع إيران وحزب الله وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية المعارضة وهو ما تسعى إليه إسرائيل بالتأكيد.

 

الإسرائيليون على ما يبدو أدركوا أن تأجيل المسار السوري لصالح المسار الفلسطيني قد أثبت عدم جدواه لأن حجم العقبات والمشاكل التي تعترض المسار الأخير كثيرة وعميقة وصعب الوصول الى حلول سريعة وقد وجدت في وجهة النظر الأمريكية، التي ترى أن تأجيل المسار السوري يضر بالعملية السياسية، فيها الكثير من الصواب ذلك أن هناك اعترافاً أمريكيا وإسرائيليا للدور الإقليمي الذي تلعبه دمشق في المنطقة والذي يتعذر بدون حضوره الوصول إلى تسوية وحل للصراع إضافة الى ما يعني ذلك من إضعاف للمسار الفلسطيني ويصبح من السهل تحقيق اختراقات ضرورية ومهمة، ناهيك أن تحقيق أي تقدم على الجبهة السورية يعني تقدما على الجبهة اللبنانية وإعادة لرسم خارطة التحالفات السورية.

====================

كارثة الفساد المالي

محمد الدليمي

2010-10-06

القدس العربي

ليس جديدا اذا ما وصفنا معضلة الفساد المالي والإداري بأنها كارثة حقيقية حلت بالدول والحكومات المعاصرة في العقود الأخيرة عندما شرعت هذه الحكومات بتنفيذ العديد من الخطط والبرامج التنموية والتطويرية في المجتمعات، بهدف ارساء دعائم قاعدة صلبة للصناعة والزراعة والبنية التحتية والخدمات.

وهنا لا بد من تحديد الاشخاص الفاسدين لمعرفة نوعية الفساد المالي واساليب مواجهته، فهو يتعلق بانحراف الافراد المرتبطين بعجلة الدولة كمؤسسة ضامنة للعيش والتنظيم الاجتماعي والموكل اليهم مسؤولية تنفيذ ومراقبة المشاريع والبرامج المراد تحقيقها لفائدة الكيان الاجتماعي والبلاد، وأول مظهر للفساد يبدأ بانحراف اشخاص الدولة ممن يتولون المناصب الحكومية عن معايير وشروط تسلم المسؤوليات والمواقع الإدارية، هذه المعايير والاشتراطات تتعلق باعتماد قواعد العمل النزيه والمحافظة على المال العام.. الا ان العناصر الفاسدة تبدأ بتكديس الثروات الشخصية عبر استخدام طرق غير شرعية او اخلاقية في التهاون عند تطبيق مسطرة الدولة والتساهل في مهمة مراقبة الجودة للمشاريع ذات البعد العمومي بما يقود الى تدهور سمعة المسؤول والإدارة حينما يتفشى الفساد ويدب في مفاصل الهيئات والإدارات الحكومية.. ان هذه الظاهرة تعد بحسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية، من اخطر امراض العصر واشدها ضراوة في عرقلة جهود التنمية وتآكل خصائص المصداقية وضياع موارد مالية كبيرة من رصيد الدولة، تتحول الى أموال محرمة تذهب الى جيوب المسؤولين الفاسدين والمفسدين.

ان الفساد ونهب المال العام صار في عدد كبير من البلدان ينتشر مثل انتشار النار في الهشيم، وهو ظاهرة دولية لا تنفرد بها دولة او مجتمع معين بقدر ما ان الفرق هو في نوعية المكابح والصمامات التي تضعها الحكومات اليوم للحد من هذا البلاء المستطير.

صحيح كما يصف الكتاب بان فترات التحول السياسي والاجتماعي هي من انسب الفترات لازدياد حجم الفساد ونهب المال العام، وهذا ما حصل في بلدان المنظومة الاشتراكية في اوروبا حينما تغيرت نظمها السياسية والاجتماعية في اواخر عقد الثمانينات من القرن المنصرم، كما نلاحظ ايضا تفشي هذه الآفة في العراق بعد عام 2003.

بحسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية اصبح العراق في عام 2009 ينافس الصومال ومينمار على المرتبة الاولى في حجم وكمية الفساد والاموال المنهوبة.. الا ان الجديد في ظاهرة الفساد هو تعقدها وتشابكها الى درجة انها صارت تلتهم امال وطموحات المجتمعات في تحسن شروط الحياة والخدمات المقدمة للناس.

ان بروز الانحرافات الوظيفية بصورها المختلفة من رشوة وتزوير عقود الاعمال والمحاباة واستغلال النفوذ بهدف التكسب الشخصي قد زاد من حجم الفجوة بين الجمهور والعاملين في الإدارة، وكلما ترهلت الإدارة باعداد كبيرة من الموظفين وتأثر هؤلاء الموظفون العموميون بقلة مرتباتهم وانعدام افاق التطوير وتحسين شروط الحياة، ازدادت فنون الاحتيال والنهب تحت عناوين واشكال لا تخطر على بال أحد، والا كيف تفسر مثلا ان الموظف الذي بحسبة بسيطة لا يسد مرتبه الشهري حاجاته اليومية تجده خلال سنوات قليلة يصبح من اصحاب العقارات والفلل او ان يمتلك ويدير عبر اقاربه وابنائه مجموعات من الشركات والمؤسسات التي تدر دخلا صافيا وخالصا.. ان الفساد بصورته المعروفة ماليا واداريا اذا ما انشب مخالبه في جسد المجتمع سيصل تأثيره الى حد نسف كل البنى والقيم الاخلاقية والاجتماعية التي تقوم عليها فكرة الدولة، وان تفعيل التشريعات الإدارية والرقابية لتقليص ظاهرة الفساد يبقى نقطة جوهرية في مسلسل المكافحة، لان التشريعات القانونية والإدارية تشكل عنصرا مهما في تأمين البيئة الاقتصادية للموظف العمومي، ولذلك فان التساهل في تطبيق الجزاء على المسؤولين الفاسدين وعدم تقديمهم الى العدالة واخبار الإعلام بحجم هذه التجاوزات سوف يجعل من السلطة، من دون ان تدري راعية لانتشار ثقافة الفساد المالي والإداري.

ان مهمة التصدي لهذه الآفة المفترسة يتطلب من الحكومات ان تضع آليات قانونية ولوائح شفافة تحد من فرص استغلال النفوذ والتمترس بالسلطة لتحقيق مكاسب فردية بعيدا عن رسالة وشرف المسؤولية. فوجود اجهزة رقابية احترافية ومدربة بصورة فعالة تحظى كوادرها بالتشجيع والحوافز المناسبة سوف يسهم بلا شك في تحصينهم من الانزلاق والوقوع في آلاعيب شبكات الفساد والرشوة. ان مواجهة مرض الفساد الفتاك لا يمكن ان تصل بنا الى مرحلة يتم من خلالها القضاء بصورة كاملة عليه مهما كانت الاستراتيجيات المتبعة، فالمواجهة الحقيقية تكمن في ايجاد مقاربة تنظر الى المشكلة بمنظار شمولي يوازن بين الظروف وبين الامكانات المتاحة مع المتابعة الدؤوبة لاعمال الشركات والهيئات العامة المنوط بها تنفيذ مشاريع وبرامج الدولة في كل المجالات، وهنا لا بد من ان يتحصل الموظف العمومي على دورات تدريبية متخصصة في اخلاقيات وسلوكيات المنصب، كما ان تطوير التشريعات ذات البعد المالي للوظيفة صار مطلبا مهما كي تتلاءم مسطرة الوظيفة بما يحد المغريات الاقتصادية الجديدة ويتم من خلالها مراعاة المصالح المالية والمعيشية للموظف العام بما يعزز من حصانته وامانته .

' كاتب عراقي

====================

غولدا فكرت بخطوة 'مجنونة' ضد سورية

2010-10-06

القدس العربي

يونتان ليس: أمين سر الدولة سمح أمس بنشر 8 بروتوكولات اخرى توثق المداولات التي اجرتها رئيسة الوزراء الاسبق غولدا مائير، في الايام الاربعة الاولى من حرب يوم الغفران. وتوفر البروتوكولات إطلالة نادرة على الاستعداد العسكري والدبلوماسي في الساعات ما قبل بدء الهجوم العسكري المصري والسوري، وتفصل أمر وجود مصدر استخباري قدم معلومات ذات مصداقية عن الهجوم المتوقع في ذاك اليوم وسمح للقيادة السياسية في اسرائيل بالتفكير بهجوم وقائي مسبق على سورية ومصر، والعلاقة الوثيقة التي بين الحسين ملك الاردن والقيادة في اسرائيل عشية الحرب. وزير الدفاع في حينه، موشيه ديان، اقترح في تلك المداولات التجنيد حتى لكبار السن بعد سن الاحتياط واليهود من خارج البلاد. كما أنه اقترح الهجوم المسبق على سورية ومحيطها بشكل غير مسبوق حتى بثمن اصابة المدنيين والضربة المضادة على تل أبيب. وفكر المجلس الوزاري ايضا بالتجنيد للتدريب لشبان ابناء اقل من 18 كي يكونوا مستعدين للحرب اذا ما طالت جدا. غير قليل من الآمال علقت في تلك الجلسات بالذات على حلول الشتاء لتساعد على الاقل في الجبهة السورية. في كل الاحوال كان القرار لا لبس فيه: 'عنادا ممنوع الاستسلام'.

وتعود البروتوكولات لتكشف عدم الاكتراث الاسرائيلي تجاه القدرة العسكرية للجيوش العربية. رئيس شعبة الاستخبارات ايلي زعيرا قدر في صباح يوم الغفران بان انور السادات لن يتجرأ على شن حرب ضد اسرائيل. ورغم رأيه، وخلافا لتوصية وزير الدفاع موشيه ديان، قررت رئيسة الوزراء مائير تجنيد 200 الف جندي احتياط لوضع قوة ذات مغزى تحت التصرف احتمالا لاندلاع حرب.

لاحقا، بذلت مائير مع قيادة جهاز الامن جهودا عظيمة لتلقي مساعدات أمنية ذات مغزى من الولايات المتحدة، ل 40 طائرة مقاتلة و 400 دبابة، بل ان مائير فكرت بالسفر للقاء سري ل 24 ساعة مع الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون دون اطلاع الحكومة، في محاولة لاقناعه بمساعدة اسرائيل في المعركة.

6/10/1973، يوم الغفران، الساعة 8:05

 

رئيسة الوزراء، غولدا مائير، تعقد نقاشا طارئا في تل ابيب بمشاركة قيادة جهاز الامن. قبل ست ساعات من اندلاع الحرب يبدأ الاستعداد الاسرائيلي لهجوم شامل من الجيوش العربية. وشارك في النقاش وزير الدفاع موشيه ديان، رئيس الاركان دافيد اليعازار، رئيس شعبة الاستخبارات ايلي زعيرا، مساعد وزير الدفاع تسفي تسور والوزيران اسرائيل جليلي ويغئال الون. ويتضح من البروتوكولات ان في اسرائيل تعاطوا بجدية مع الانذار الذي نقله المصدر الاستخباري الاكبر لاسرائيل في مصر أشرف مروان، وكذا لحقيقة أن الروس يخرجون ابناء عائلاتهم من سورية ومن مصر.

وتطرق رئيس الاركان في النقاش للمعلومات الاستخبارية التي وصلت فقال: 'قرأت برقية رجل تسفيكا. الرسالة أصلية. بالنسبة لنا هذا انذار قصير جدا. اذا هاجموا بعد عشر ساعات، نحن جاهزون بشكل اقصى مع الجيش النظامي، ولكن لم نجند الاحتياط على الاطلاق'. الوزير جليلي قال في النقاش ان 'مصدر تسفيكا يقول انه يمكن احباط الحرب من خلال التسريب (الذي يكشف مؤامرة الهجوم ويحرج مصر وسورية، ي. ل). ويقترح تسفيكا محاولة ذلك'. رئيسة الوزراء مائير لم ترفض الامكانية: 'ماذا سيكون اذا حقا اخذنا بمشورة هذا الصديق؟ لماذا لا نبادر نحن إلى ان تعلن ال بي.بي.سي، ال سي.بي.اس وغيرهما بأن الروس يخلون سورية ومصر ونعطيهما تقديرا لماذا يفعلون ذلك؟ أي ان نهدم لهم وهم المفاجأة'.

عدم الاكتراث، في المراحل قبل اندلاع المعركة، كان واضحا من أقوال رجال جهاز الامن. هكذا، مثلا، يصف رئيس الاركان بانه 'من ناحية عملياتية نحن قادرون اليوم في الساعة 12:00 على ابادة سلاح الجو السوري بكامله. ونحتاج بعد ذلك الى 30 ساعة اخرى لنصفي منظومة الصواريخ. اذا كانوا يعتزمون الهجوم في الخامسة، في هذه الساعة سيعمل سلاح الجو بحرية ضد الجيش السوري. هذا يغريني جدا من ناحية عملياتية'. رئيس شعبة الاستخبارات ايلي زعيرا، أظهر شكا كبيرا بجدية نوايا الرئيس المصري أنور السادات. 'رغم حقيقة انهم مستعدون، برأيي هم يعرفون أنهم سيخسرون. السادات اليوم ليس في وضع يكون فيه مضطرا للقيام بحرب. كل شيء جاهز، ولكن لا يوجد اضطرار، وهو يعرف بان الميزان لم يتحسن'.

كما أن المملكة الاردنية شغلت بال هذا المحفل. لم يكن واضحا اذا كان الاردن سينضم الى المعركة ضد اسرائيل واذا كان سيستجيب للطلبات المصرية ويستخدم من اراضيه الرادارات التي تساعد القوات المصرية في القتال ضد اسرائيل. وقالت مائير انه 'بالنسبة للضربة الوقائية، من ناحية جوهرية لا يمكننا ان نسمح لانفسنا بعمل ذلك هذه المرة. فقط اذا هاجمت مصر، يمكننا أن نضرب السوريين'.

'وترددت مائير بين موقف رئيس الاركان الذي دعا الى تجنيد كامل للاحتياط، وبين موقف وزير الدفاع، الذي طلب تجنيد قوات قليلة فقط. وقال وزير الدفاع دغان لرئيسة الوزراء: 'اذا صادقتِ على تجنيد كبير للاحتياط، فلن استقيل، ولكن توصيتي هي تجنيد كل سلاح الجو، تجنيد فرقة للشمال وفرقة للجنوب. في الليل سنرى اذا كان يجب أن نجند وسنجند'.

7/10/1973، الساعة 9:10

 

رئيسة الوزراء مائير تجري نقاشا هدفه فحص كيفية ربط الادارة الامريكية بجهود المساعدة لاسرائيل في مجلس الامن في الامم المتحدة ومنع قرار بوقف النار يضر باسرائيل. مائير تسعى الى اقناع الادارة الامريكية بان تنقل الى اسرائيل معدات عسكرية. اللواء يريف يقترح ارسال اسحق رابين الى الولايات المتحدة، كي يشرح لوزير الخارجية هنري كيسنجر تقدم الحرب ووضع اسرائيل الصعب. في أثناء النقاش يفكر المحفل بامكانية ان يعرض على كيسنجر صورة جزئية وزائفة تقدم صورة غير حقيقية عن وضع اسرائيل الصعب، وذلك من أجل كسب عطف الادارة. مائير ترفض الاقتراح بحزم. وتقول: 'يجب أن نشعل له المصباح وان يحصل على الصورة الحقيقية. لا يمكننا أن نلعب معه لعبة الغماية'.

7/10/1973، الساعة 13:40

 

نقاش اضافي جرى لدى رئيسة الوزراء في وقت لاحق، بمشاركة مساعد وزير الدفاع تسفي تسور. يعرض تسور على مائير قائمة طويلة من المعدات العسكرية التي يطلب الجيش الاسرائيلي الحصول عليها من الامريكيين وعلى رأسها 30 طائرة فانتوم. وقال: 'طلبنا قوائم طويلة جدا ولا يزال لا يوجد رد. ليس لدينا ما يكفي من ناقلات الدبابات وعلى ذلك نحن نأسف الان جدا. تقنية كهذه لتجنيد 200 الف رجل في يوم واحد، ليس لدينا وسائل لها. كانت هنا فقط مشكلة مالية، ولكن ايضا طريقة تفكير. لم نرَ وضعا نحتاج فيه في نصف يوم انزال كل الدبابات'.

7/10/1973، الساعة 23:50

في نهاية ذاك اليوم جرى نقاش آخر بمشاركة الوزراء والقيادة الامنية لاسرائيل. اسحق رابين عاد من جولة في الجبهة الجنوبية وقال: 'كل موضوع القتلى والجرحى معقد. يوجد 400 جريح و 80 قتيلا ً. غورديش يقدر الى أنه حتى الانتقال الى الهجوم سيكون 150 200 قتيل'. واعترف رابين بانه ليس معروفا شيء عن الخسائر في اوساط القوات المصرية.

8/10/1973، الساعة 9:50

 

في ذاك الصباح طلب رئيس الاركان من رئيسة الوزراء مائير المصادقة على مهاجمة 4 اهداف مصرية في الشاطىء وغولدا مائير صادقت له. 'هذه أهداف جيدة'، يقول لها رئيس الاركان اليعازار. 'فلتكن لهم مصادر قلق. يجب الاثقال عليهم. فهم في النهاية بشر'.

8/10/1973، الساعة 19:50

 

حاييم بارليف والوزير يغئال الون بلغا رئيسة الوزراء بعد جولة قاما بها في الجبهتين. وحسب اقوالهما، فان وضع القوات الاسرائيلية بدأ يتحسن اما قوات العدو فبدأت تتضرر بشكل حقيقي. وقال الون: 'ما حققوه اليوم بالقياس الى أمس هو انجاز هائل. الجبهة امس كانت فالتة. لو كان السوريون اكثر جسارة، لحققوا انجازات هامة. بل وحتى غينوسار كانوا سيصلون'. حاييم بارليف يشرح للحضور في الغرفة بان انجازات السوريين والمصريين، نبعت، ضمن امور اخرى، من تفوقهم العملياتي حيال القوات الاسرائيلية: 'للسوريين وللمصريين على حد سواء توجد الدبابة السوفييتية الحديثة زائد الاشعة ما فوق الحمراء'.

ويحذر زمير من امكانية الا يتمكن الحسين من التجلد وان يدخل هو ايضا المعركة ضد اسرائيل. رئيسة الوزراء مائير قالت: 'هو (الحسين، ي.ل) ابلغنا اليوم مرتين بانه اسقط لنا طائرات. اعتقد أنه ينزل طائرات في (الكلام)، ولكنه لن يعمل. السادات يضغط عليه، الاسد يضغط عليه. آمل أن يكتفي ب (الكلام).

9/10/1973

 

في نقاش جرى لدى مائير في ذاك اليوم اعرب وزير الدفاع ديان عن ثقته في قدرة القوات الاسرائيلية على حسم المعركة مع سورية وطلب قصف أهداف في دمشق. 'توجد أوامر: لن ننسحب من الجولان. سنقاتل حتى الموت على الا نتحرك'. وهو يروي لرئيسة الوزراء ويضيف: 'ما أقترحه واطلب المصادقة عليه: قصف داخل دمشق'. مائير: 'داخل المدينة؟'، ديان: 'داخل المدينة وفي محيطها. لكسر السوريين'. وبعد ذلك أوضح: 'ليس لدى ددو القوة للسير برا الى دمشق. ليس لنا طابور، ولا حتى للتضليل. يوجد لنا الان ذات عدد الدبابات مثلما في الايام الستة. الدبابات تتآكل'. وشرح ديان قراره بالهجوم على اهداف مثل هيئة الاركان السورية او منشآت بنية تحتية في دمشق ويقول انه 'سرنا حتى الان ما يكفي على الحقول في دمشق. لم تعد توجد اهداف هامة. الهدف الاهم هو دمشق. لا يمكن ان نقول ان السكان لن يصابوا بأذى'. مائير تسأل: 'لماذا من الضروري كسرهم؟ هل قصف هنا سيكسرنا'؟ اليعازار يجيب: 'قصف كثيف هنا، على مقر القيادة العسكرية، في ريدنغ وفي رمات أفيف هذا يشوش جدا'. وفي سياق النقاش، تقترح رئيسة الوزراء مائير الخروج الى واشنطن في مهمة سرية ليوم واحد، من خلف ظهر وزراء الحكومة، في محاولة لاقناع الرئيس نيكسون تأييد الموقف الاسرائيلي. مائير: 'اريد أن أطرح فكرة مجنونة: ماذا سيكون، ولو بشكل سري، انا مع رجل عسكري مناسب نطير الى واشنطن ل 24 ساعة؟ ماذا اقصد بذلك؟ أن اضع نيكسون امام خطورة الوضع'. وحسب اقوالها 'يحتمل أن يقول: 'عطف فقط'. يحتمل ان تثور لديه العزة الذاتية، ما هم (الروس) يفعلون له. انا لا اعد نفسي بالنجاح، ولكن يخيل لي انه باستثناء العملية العسكرية، يخيل لي، دون تباه ٍ، بأن هذه هي الورقة الاساسية التي يمكننا ان نستخدمها مع الامريكيين، وهذا كفيل بان ينجح'. وتوضح مائير للمشاركين في المحفل بان هذه مبادرة سرية. 'اذا سافرت، فسأسافر بدون علم الحكومة. سأخرج وأعود دون علم. لدي شعور باني أقف في اللحظة التي احتاج فيها الى حديث معه، وشعور بانه سيفهم'.

====================

قصف الناتو لباكستان والتوتر مع واشنطن

افتتاحية صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية

الرأي الاردنية

7-10-2010

يعتبر القصف الذي شنته مروحية تابعة لقوات الناتو على باكستان، أخيرا، أسوأ من الجدل حول الهجمات من جانب الطائرات الموجهة عن بُعد.

والأمل أن تتجاوز واشنطن وإسلام أباد ذلك، من خلال المحادثات حول قضايا محددة، فضلا عن المصالح المشتركة.

في قائمة التوترات بين واشنطن وإسلام أباد، فإن الغارات التي قامت بها المروحيات على باكستان، تجاوزت الهجمات بدون طيار التي انتقدت كثيرا، على المناطق النائية في ذلك البلد بالقرب من الحدود الأفغانية.

وتنطوي إحدى هذه الغارات على عملية قصف بطائرة أميركية موجهة عن بُعد من طراز «بريديتور»، بينما تنطوي الأخرى على جنود أميركيين تابعين لقوات «ناتو»، في ما يعد أسوأ انتهاك لسيادة الأراضي من وجهة نظر باكستان.وإحدى هذه الهجمات تقضي على إرهابيين تشعر باكستان بالسعادة إلى حد كبير للقضاء عليهم، ولكنها في الوقت نفسه قد تقتل مدنيين أبرياء.

وأخيرا، لقي ثلاثة من أفراد حرس الحدود الباكستانيين مصرعهم، جرّاء قصف نفذته مجموعة من جنود أميركيين محمولة جوا، في إطار البحث المكثف عن المشتبه فيهم من المسلحين، علاوة على جرح ثلاثة آخرين. وهو ما يعتبر ضررا جانبيا على نطاق واسع.

وقال وزير الداخلية الباكستاني رحمان مالك عقب الهجوم: «سوف يتعين علينا أن نتبيّن ما إذا كنا حلفاء أو أعداء». في الواقع، المسألة ليست أعداء ولا حلفاء، بل إن الولايات المتحدة وباكستان محاصرتان داخل تحالف مضطرب، وتعانيان من عدم الثقة الذي يمكن أن يقوض الحرب في أفغانستان والحرب ضد الإرهاب العالمي.

وتود واشنطن أن تبذل إسلام أباد المزيد من الجهود، لاجتثاث حركتي طالبان والقاعدة من قواعدهما في باكستان.

ويتعين أن تحظى إدارة أوباما بتعاون باكستان، من خلال تقديم معونة عسكرية واقتصادية وتنموية كبيرة.

باكستان بحاجة إلى تلك المعونة، ولكنها تخشى تخلي الولايات المتحدة، والشعب الباكستاني يشعر بالاستياء تجاه التدخل الأميركي.

زادت حدة التوتر بين البلدين في الآونة الأخيرة. فقد صعّدت الولايات المتحدة من الهجمات المثيرة للجدل بالطائرات الموجّهة عن بُعد، ويستهدف ذلك في جزء منه تعطيل مؤامرات لشن هجمات على غرار عملية مومباي داخل أوروبا.

وحثت أميركا وشركاؤها في التحالف الذين يقاتلون في أفغانستان، باكستان على شن هجوم ضد الجماعات الإرهابية المختلفة في منطقة شمال وزيرستان القبلية التابعة لها. لكن باكستان تقول الآن إن قواتها منتشرة على نحو يضعفها، حيث اضطرت إلى التعامل مع أكبر فيضان في تاريخها.

وهذا الفيضان عرقل الإمكانات الاقتصادية للبلاد، وأبرز هشاشة الحكومة، وهذا كله ليس في صالح الجهود المشتركة لمكافحة لإرهاب.

الأمر الأكثر أهمية في هذا الصدد، هو أن كلا من الولايات المتحدة وباكستان تتبعان جداول زمنية متباينة.

ويشعر الرئيس الأميركي أوباما بضرورة ملحة لظهور علامات نجاح جهود مكافحة الإرهاب، فيما تمضي خطته لزيادة القوات في أفغانستان في مسارها. والرئيس الباكستاني آصف زرداري لديه حكومة لا تحظى بالشعبية يتعين عليه أن يضمن تماسكها، وعملية تطهير ما بعد الفيضان عليه أن ينجزها.

نأمل أن تكون لدى البلدين القدرة على تجاوز هذا الجدل المتعلق بعبور الحدود، كما فعلا في الماضي. وسيقتضي ذلك إجراء محادثات بينهما حول أمور محددة، فضلا عن تعزيز المصالح المشتركة، لا سيما أنهما شريكان استراتيجيان في هذا الركن الخطير من العالم.وإذا كانت باكستان تود أن ترى غارات حدودية أقل، فيمكنها أن تفعل شيئا حيال ذلك، من خلال تخصيص المزيد من الموارد للجهود المناهضة لطالبان.

=====================

وماذا بعد هُلْكِ «أركون»..؟

د. حسن بن فهد الهويمل

الجزيرة السعودية 26/9/2010

من العلماء والمفكرين وسائر حَمَلة الأقلام والإعلام مَنْ يشق على أمته، ويرهقها صعوداً، تحت أي مسمى، حتى إذا ادَّارك معها في الفتنة نكص على عقبيه، أو قضى نحبه تاركاً وراءه إرثاً يشقى به خلفه،

 

وعداوات الفكر وفتنة القلم واللسان امتدت عبر التاريخ، وراح ضحيتها نخب مكَّن الله لهم في سوح الفكر فما رعوا نعمة الله حق رعايتها. ويكفي أن نضرب مثلاً ب»فتنة خَلْق القرآن» في العصر العباسي.

 

وداؤنا الدَّوي يتمثل في العجز عن الفصل بين القدرة الذاتية والإخفاق في استغلالها، فالمخفق في نظر البعض مفلس جاهل وإن كان قد أوتي بسطة في الذاكرة والعقل والعلم، وداؤنا الأعمق أن هذا البعض يتكئ في مواجهاته على جاهزية الأحكام، وقد لا يقرأ المحكوم عليه بل يقرأ عنه، ويعتمد على الآخر في تشكيل الرؤية، وحين يكون معوَّلُ سوادنا الأعظم على الغير لا يشعر بالتبعية ثم لا يحيل إلى مصدرها، بل يدعي مبادرته ومسؤوليته عمَّا أفضى به، ولن تتحرر المسائل في ظل توارث المواقف وتهيُّب الخوض في لجج الفكر ومعضلات المسائل.

 

ولستُ بهذه الإشارات والتحفظات والملاحظات بصدد إنقاذ «محمد أركون 1928م - 2010م» المفكر الجزائري المتفرنس من تردياته الفكرية، ولكنني أودُّ أن نكون أكثر مصداقية مع من نُحب أو نكره، وأدق رؤية مع الموافق والمخالف، بحيث لا تجْرفنا عواطف الحب ولا يجرمنا شنآن الكره على عدم العدل. و(أركون) شئنا أم أبينا يُشكِّل منعطفاً في المسار الفكري التنويري كما يسميه مقترفو جناياته، وهو قد عول على إمكانات معرفية متميزة وتسهيلات غيرية، وجدت فيه مركباً موطأ الأكناف لتمرير رؤية ليست في عير الإسلام ولا نفيره. وهو إذ يكون عربي الأرومة فإنه غربي الفكر والمنشأ والهمِّ، استشراقي الرؤية، علماني المصدر والمورد، حداثي التوجُّه، وتبعيته المنحازة ضد قيم حضارته وفَّرت له تعاطفاً استشراقياً ودعماً غربياً مكَّنه من الإسهام في اختراق الفكر العربي المعاصر وطرد الغربة عن الفكر المادي العلماني الطارئ.

 

ولستُ أشك أنه ثالث ثلاثة خَبُّوا ووضعوا في فيافي الاستغراب: «الجابري» و»أبوزيد» و»أركون»، ولا شك أن موتهم بالتتابع سيترك أثراً في صفوف الفكر الاستغرابي، ولقد كان أركون الأمكن والأعمق أثراً وتأثراً والأقوى حجَّة، فلم يكن جمَّاعاً ك «الجابري» ولا نادلاً ندل الثعالب ك «أبي زيد»، والمؤكد أن النَّفَس الأكاديمي الذي قيد نفسه في هواه مكّن له من المنهجية والموضوعية، وأعطاه بُعداً آخر لم يكن متوافراً لدى صاحبَيْه، والثلاثة ذرعوا أروقة الجامعات، وأحدثوا صخباً في مشاهد النقد، وصنعوا الأعداء باقتدار بيد أنه فاق صاحبَيْه في تحقيق متطلبات البحث والتنقيب والتفكير العلمي الدقيق، وقُرْبُه من الخطاب الغربي مكَّن له من سوح البحث العلمي الرصين، فصاحباه سارحا ولكنهما لم يمارحا، أما هو فقد سارح ومارح وهُيِّئ له ما لم يتهيأ لغيره من الفرص في سائر الجامعات الغربية.

 

وقدري الأصعب أن «أركون» مات، ومكتبتي بعد لم تأخذ نفسها بعد الرحيل بها إلى مقرها الجديد، فحقول «أركون» و»أبي زيد» و»الجابري» مبعثرة، فإذا وجدتُ بعض ما كتبوا غاب عني ما كُتِب عنهم، وإذا ظفرتُ بآراء مناوئيهم لم أجد كتب مريديهم.

 

وما كان من عادتي الاكتفاء بمحفوظ الذاكرة؛ فلربما يند عنها ما لا تهواه، ثم يكون الجور الذي لا نريده بحق الآخرين، وما سخرت من شيء سخريتي من كاتب يستخف بقارئه، ولا يجد معرة من اجترار الكلام والاتكاء على الإنشاء.

 

ولقد كنتُ ولما أزل ألم بخصومي وأطوي بِيْد أفكارهم كطي السجل للكتب، وبخاصة «أركون» الذي تضلع من التراث والمعاصرة واستطاع التفاعل المقتدر مع الفكر الغربي بوعي، إلا أنه أعطى الدنية في فكره الأصيل؛ فلقد ارتمى في أحضان الثقافة الفرنسية واستجاب لنهمها السلطوي، وميله كل الميل حال دون الركون إليه؛ فمياهه وإن كانت غمراً إلا أنها لا تخلو من تلوث وأسن عصيَّيْن على التنقية، وتهافته على الاستغراب حمله على التوسل بآليات نقدية حديثة تقوض شواخص الحضارة الإسلامية لا رغبة في مزيد من الاكتشاف وإعادة البناء، ولكنه إصرار على الإحْلال والاستبدال، وأحسبُه أوتي قدرات خارقة على المخاتلة والمخادعة والمكر، لقد كان همه - بل مشروعه طويل الأجل - أنسنة المقدس لتفادي محاذير المساءلة والمحاكمة.

 

والغريب في أمر الذين استحوذ عليهم بريق الحضارة الغربية الأخاذ تفاوتهم في الولاء والبراء والتبني والانتقاء، وداء أترابه أن الثقافة الفرنسية كالعارية الكاسية المائلة المميلة ينجذب لها الراضعون من لبانها ويمحضونها جهدهم ونصحهم ومودتهم، ولقد راد للمتهافتين «طه حسين» الذي أخرج للناس كتابه التبشيري بالثقافة الفرنسية «مستقبل الثقافة في مصر» وكأني به يجعل من الثقافة الفرنسية قِبْلة المفكرين، الأمر الذي حدا ب (سيد قطب) إلى تأليف «المستقبل لهذا الدين»، ومراع الانتماءات باد للعيان منذ حملة (نابليون) التي جاءت والأمة العربية في سبات أهل الكف، وهو صراع مستميت فوَّت على الأمة ما كان يجب أن تكون عليه، فالذوبان في الآخر ومسخ الذات تولى كبره من يسمون أنفسهم ب «التنويريين»، وإذ لا نجد حرجاً من التنوير والتجديد للحاق بركب الحضارات فإن تلك الرغبة مشروطة باحترام محققات حضارة الانتماء، وإذ لا تعارض بين المعقول والمنقول في الرؤية الإسلامية فإنه لا تعارض أيضاً بين العلم والدين، وحين يتعانق العقل والعلم مع الدين يكون الخطأ في سوء التصرف من الناهضين بمهمة الإصلاح والتجديد والتنوير، ولو أدرك التنويريون خطأ المقدمات لتلافوا خطأ النتائج، وأخطاء الممارسة تولد عنها ردة فعل أعنف أدت إلى نسف جسور التواصل واستحالة الحوار البناء، ويقيني أن دعاة الاستغراب أسسوا لصنع العنف الفكري الذي تولد عنه ما هو باد للعيان من عنف مضاد، والعنف الفكري صدَّع وحدة الأمة وفرَّق كلمتها وشغلها عن عمارة الكون وهداية البشرية وعبادة الخالق وهي المهمات الثلاث المطلوبة من كل عالم ومفكر، وإذ أفل نجم الاستعمار التقليدي بثكناته ومناديبه فقد بزغ نجمُ نحسٍ أشد نكاية وأعمق أثراً، وهو ما يمكن تسميته ب(الغزو الفكري)، والذين استشرى في أدمغتهم داء التبعية وتضلعوا من ثقافة الفرار يستنكفون من ترويج مصطلحَيْ (الغزو والتآمر)، وإذا كنا نمضي معهم في بعض ما يذهبون إليه إلا أننا لا نجد بداً من الاعتراف بوجود غزو مكشوف وتآمر مفضوح لم نحسن التعامل معهما ولم نعالجهما بالتي هي أحسن، فالذين يلوذون بالفرار ويناصبون الغرب العداوة والبغضاء ويحملون الآخر إخفاقات الذوات يعمقون المآسي ويهيئون كل الإمكانات للمتكبر المهيمن، والذين لا يجدون بداً من الحوار الحضاري والتفاعل الإيجابي وتبادل المصالح والخبرات وبث روح الثقة ضاعت جهودهم بين شهوتَيْ الصدام والذوبان.

 

وخطاب التغريب الذي يتوارثه علماء ومفكرون ويتعهدونه بما أوتوا من قدرات ذاتية وتمكين غيري تنداح دوائره وتتعدد مواقعه ولو لم يكن هم الحضارات المهيمنة لما ظل في تجذر واتساع.

 

لقد كان «أركون» واحداً ممن أعادوا قراءة الإسلام بعيون غربية مرتهنة للعلم التجريبي والمادية الماركسية، ومن حق أي مفكر يتوفر على الآليات والمناهج وشروط الاجتهاد وضوابطه أن يعمل فكره وأن يقارب ما أنجزه العلماء والمفكرون الأوائل، وأن يتفق معهم أو يخالفهم، فالنص المقدس مشرع الأبواب لمزيد من القراءات، والنص الرديف:- شرحاً أو تفسيراً لا يحمل القدسية ولا العصمة التي يحملها النص الرئيس، على أن النص المقدس حمَّال أوجه وقابل لعدة قراءات، والتفكيك والتأويل بمواصفاتهما التراثية والمعاصرة قادران على توليد دلالات لا تخطر على البال، ومتى تناسلت الدلالات وكانت مرتهنة للمقاصد موافقة للضوابط فإنها تكون في إطار الخلاف المعتبر، غير أن قراءة «أركون» لم تنطوِ على هذه الضوابط وتلك الهواجس ضوابط الإثراء، وهواجس الاكتشاف، فالقراءات المشروعة هي القراءات التي تستصحب المقاصد وتحترم المحققات، فالحضارة - أي حضارة - لا يمكن أن تستوي على سوقها بالاستبدال. و»أركون» أراد أن يعيد صياغة الإسلام على هوى الاستشراق، ولم يرده على هدى المجددين الذين بشر بهم الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس كل مئة سنة. «وأركون» الذي قدم إلى ما قدم كانت له إلمامات صائبة ورؤى لا نختلف معه حولها، غير أنه مع ما ينطوي عليه من قدرات نثمنها وثقافة عميقة نكبرها وحضور فاعل لا ننكره يكاد يكون إثمه أكبر من نفعه؛ فهجومه السافر على سلف المفسرين والفقهاء واستخفافه بما خلفوه من بنية فكرية وعلمية لا يمكن القبول بهما ولا التسامح معهما، ولقد يكون من المفسرين والفقهاء من يقطع بالرأي المفضول ويصر عليه، وقد يعادي من أجله، غير أن «أركون» لم يكن ناقداً للمخالفات الظاهرة المحددة، وإنما يطلق أحكاماً تجمع بين الجور والتعميم، وإكبارنا لإمكانياته لا يحول دون أخذه بجرائره، وبخاصة حين تطاول على الثوابت والمسلَّمات المتفق عليها. إننا حين ننكر هذا الصوت النشز في سياق تداخل الأصوات ونكارتها ونتمنى لو وُئِد فكره معه في ضريحه لا نجرؤ على غمطه حقه في إمكاناته وإسهاماته وقدرته الفائقة على إيصال الخطاب العربي إلى أروقة الجامعات الفرنسية.

 

وحين نقف ضد فكره فإن مرادنا لهذه الحضارة المعقوقة من أبنائها أن تكون كما أُريدَ لها حضارة مادية روحية تقف جنباً إلى جنب مع سائر الحضارات؛ لتسهم بتشكيل الحضارة الإنسانية، ولن يتحقق لها الوجود الكريم والمقتدرون من أبنائها يمارسون المسخ والذوبان في الآخر.

 

وما قدمه «أركون» عين المسخ وذات الذوبان، فلنأخذه بحذر شديد ولنوفِّه حقه، وفي الحديث «لا ضرر ولا ضرار».

===================

رسالة العماد ميشال عون إلى قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر والسينودس من أجل المشرق

المنعقد بين 24-10 تشرين الأول / اكتوبر 2010

***

• "مشرقٌ دون مسيحيين إنتصار للشرّ في العالم ونأمل من الحبر الأعظم الضغط على إسرائيل".

• "مقاربة الواقع المشرقي من منطلق أقليات وأكثريات خطأ"

نص رسالة العماد ميشال عون إلى قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر والسينودس من أجل المشرق، المنعقد بين 24-10 تشرين الأول / اكتوبر 2010

قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر - غبطة الكرادلة والبطاركة - سيادة الأساقفة وحضرة الكهنة والرهبان - حضرة المشتركين في السينودس من أجل الشرق الأوسط - أيها المسيحيون والمسلمون المشرقيون.

بعد ألفي عام ونيّف على مجيء السيد المسيح وانطلاق بشارته من فلسطين وانتشارها في المشرق، مهدها الأوَّل، ومنه إلى العالم. وأمام هذا المنعطف التاريخي الذي يعيشه المشرق والأخطار التي تهدد وجوده ونسيجه الوطني، والمخططات التي تحاك لتغيير معالمه الحضارية والإنسانية يتوجب عليّ كمواطن مسؤول يتقاسم الهوية المشرقية الواحدة مع أخوة له في المواطنة والدين على هذه الرقعة من الأرض المقدسة، أن أتوجه إليكم بلغة بسيطة واضحة، بعيداً عن الاجتزاء والغموض حيال ما يعترضنا اليوم من واقع مرير، أشرتم إليه، مشكورين، في رسالتكم (آلية العمل) التي تتضمن خطوات السينودس من أجل الشرق الأوسط.

لقد كان دور المسيحيين المشرقيين عبر التاريخ طلاّعاً في الثقافة والعلم والمعرفة، وكانوا إلى جانب المسلمين مذ وطئت أقدامهم بلاد المشرق ووقفوا قرب الخلفاء كروّاد إدارة وعلوم وطب وترجمة حتى غروب العصر العربي الإسلامي وسقوط الدولة العباسية( 750 1258م)، لا بل تنكبوا مهمات تنويرية صعبة في عهود حالكة أتت على المشرق إبان انهمار البرابرة والتتار عليه ، لذلك لم يكن مستغرباً أبداً تنطحهم للتنوير الثاني خلال النزْع الأخير للسلطنة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في ما سمّي (عصر النهضة العربية) وكانوا الجسر المعرفي الذي أوصل المشرق الإسلامي إلى الغرب وأتى بمنجزات النهضة العلمية الغربية إلى البلاد المشرقية.

قداسة البابا

من الخطأ مقاربة الواقع المشرقي الحالي من منطلق أقليات وأكثريات، فهذه البلاد منذ فجر التاريخ هي ثمرة تراكم معرفي ثقافي لشعوب كثيرة وديانات شتى منذ ما قبل التوحيد . تراكم جمّعته الأقليات والأكثريات معاً في مزيج عزّ نظيره وتقلبات غيَّرت التوجهات السياسية وأبقت على التنوع المجتمعي والثقافي داخل الجغرافيا، ولطالما كانت هناك أكثرية باتت أقلية ، وبالعكس، وهذا نموذج فريد للغنى الروحي والثقافي والمعرفي، يقتضي منّا جميعاً المحافظة عليه وحمايته في إطار احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق الاختلاف، مع التشبث بهذا المشرق،..وهذه فحوى الإرشاد الرسولي لسلفكم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني.

ولطالما أثبت التاريخ في هذه المنطقة أن التشبث بالجذور والاقتراب من دعوة السيد المسيح في المحبة والسلام هو خشبة خلاص..ليس للمشرق وحده بل للعالم، وكلما اقتربنا من قريبنا في الوطن وأحببناه، كلما أفلَحنا، وكلما ابتعدنا عن محبة القريب كلما جنحنا نحو التقوقع أو السقوط أو الهجرة، ولذلك نأمل من قداستكم تعميم ثقافة الانفتاح لا التخويف والاقتراب لا الابتعاد، لنسير جميعاً إلى حيث يعمُّ السلام وتنتصر المحبة.

ولا يخفى على قداستكم أنه لا يوجد سبب واحد وحيد لنزوع المسيحيين إلى الهجرة، وأن مسؤولية النزيف البشري في المشرق لا تقع على الخوف من التطرف الديني فقط، بل إن الوضع الاقتصادي المتردي والسياسي المتقلب والحروب المتتالية منذ الحرب العالمية الأولى والفقر والجوع اللذين لحقا بالمشرق جراءهما، والحرب العالمية الثانية واستعمار المنطقة وتأسيس إسرائيل وتقسيم فلسطين والتطهير العرقي ضد سكانها العرب من مسلمين ومسيحيين، واستكمال الضغوط عليهم لتهجير ما تبقى منهم، ورفض حق عودتهم إلى بلادهم، شكّلت أسباباً أكثر من وجيهة للهجرة، وهنا يندرج مخطط توطين الفلسطينيين في البلدان التي هجّروا إليها، وهو ما نرفضه ونسعى لعدم وقوعه، لأنه يصبُّ في خانة تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وجعل مهد السيد المسيح من دون مسيحيين وشطب الهوية الجامعة للأرض المقدسة، فهل يمكننا تصوّر المسيح والمسيحية من دون القدس وبيت لحم والناصرة وكفرناحوم وطبريا؟ وهل من مسيحية من دون البشارة والمغارة والجلجلة والقبر المقدس وبولس الرسول والتلاميذ الذين انطلقوا ليبشروا كل الأمم؟، وهل من مياه تنساب إذا جف النبع؟.

إن الكلام والعمل على يهودية دولة إسرائيل سيجرّّ تهجيراً جديداً وحروباً ومآسٍ وويلات على أرض قال سيغموند فرويد إنها "مثقلة تاريخياً" بأقدس معالم المسيحية وأهم المعالم الإسلامية ومحجة الديانتين الكونيتين، هو إلغاء صريح لرسالتين سماويتين يؤمن بهما أكثر من 3 مليارات إنسان دفعة واحدة ، وتكريس أحادية دينية يؤمن بها حوالي 12 مليون إنسان ، ما يشكل طعنة للحضارة والإنسانية وتأسيساً لحروب مقبلة.

قداسة البابا

من قراءتنا لواقع المشرق الحافل بالتعاون الإسلامي المسيحي، فإن المشرقيين ينتظرون من الفاتيكان بما يمثله من سلطة روحية لدى المسيحيين الكاثوليك، ومعنوية بالنسبة للعالم، وحضور لكرسي بطرس في قلوب المؤمنين، كما ينتظرون من رؤساء الكنائس الأرثوذكسية والبروتستانتية، العمل لدى حكومات وإدارات العالم الغربي لوقف محاولة أبلسة الدين الإسلامي الذي يؤمن به أكثر من مليار إنسان، في تقاليده وعاداته. وأن تتم الدعوة إلى النظر بجوهره ونصّه الديني الأصلي فقط، لا من خلال أفعال مجموعات تكفيرية إرهابية، يرى المسلمون أنفسهم أنهم ضحاياها مثل بقية العالم، وأنها لا تمت إلى دينهم بصلة، لأن الاستمرار في إطلاق نعوت التطرف على الدين الإسلامي وتعميم مفهوم الرُهاب الإسلامي (الإسلاموفوبيا) سيؤدي حتماً إلى مزيد من الصدامات وعدم الاستقرار في المشرق والعالم ، وربما إلى صراع ديانات وحضارات لا نهاية له إلاّ التدمير الذاتي للعالم.

وكذلك ينتظر المسيحيون المشرقيون من الحبر الأعظم ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف تهويد القدس وإحلال السلام في المشرق بناء على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والسعي لوقف هجرة الأقوام التاريخية من آشوريين وكلدان وسريان. كما ينظرون إلى الكرسي الرسولي كمساعد على ترسيخ حضورهم في بلادهم ووقف تهجيرهم أو هجرتهم منها وبخاصة في فلسطين والعراق ولبنان، في ظل سياسات تديرها حكومات غربية ودولة إسرائيل للوصول إلى هذه النتيجة.

أما بالنسبة للكنائس المشرقية المتربعة على الكرسي الإنطاكي بمدلولاته التأسيسية لهويتهم المسيحية وتسميتهم كمسيحيين، وبقائه عاصياً في معناه العميق على كل الحروب والاجتياحات والزلازل، فإن المسيحيين المشرقيين يأملون من بطاركة المشرق والكنيسة، من حيث المبدأ، وحدة في النهج وتنسيقاً دائماً، كما أن المسيح واحد في الأناجيل، وعلى الأقل توحيد عيد الفصح في المشرق، ففي هذه الوحدة قوة لحضورهم وفعاليتهم في بلادهم. كما ينتظرون من الكنائس المشرقية انخراطاً أوسع في العمل الاجتماعي ودعم الشباب وتحفيزهم على الانخراط في العمل الوطني والاجتماعي ودعوتهم ومساعدتهم على البقاء في بلدانهم والابتعاد عن الهجرة ، والسعي لتأمين حضورهم الفاعل في المجتمع، وجعل المدارس التي تديرها الكنائس والرهبانيات موقعاً للوحدة الاجتماعية والتنوير، واستخدام سلطتهم لكتابة تاريخ واحد للمنطقة يؤكد على وحدة المجتمع ودور النشء الجديد في تنكّب مواقع ريادية، وأن الحياة المشتركة هي خيار واعٍ للجميع، وأن عليهم تحمّل ما يقع من أخطار على المجتمع كمثل ما يمكن أن يجنى منه، وعدم الهروب من مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بالهجرة، وأن يحملوا صليبهم ويتبعوا خطى السيد المسيح. كما يأمل المسيحيون المشرقيون من كنائسهم السعي لوقف التخويف من الشركاء في الوطن وإلغاء مفهوم الآخر المختلف، وذلك على أساس المواطنة.

وبالنسبة إلى السلطات الزمنية السياسية في الدول المشرقية فإن المسيحيين المشرقيين يأملون منها الحفاظ على نسيجها الاجتماعي والوطني وتاريخها المشترك وتراثها الروحي بالعمل على إلغاء كل معوقات التنمية والتقدم، والسعي لتثبيت الأقوام التاريخية في أرضها ووقف نزف العقول الشابة، وبخاصة المسيحيين، عبر الهجرة، فجميع مكونات المجتمع هم أبناء هذه البلاد، والعمل على محاربة التطرف الديني والحث ثقافياً ودينياً وسياسياً وإعلامياً على محاربة التطرف الديني، وبث روح القرابة والتراحم والمواطنة في المجتمع.

قداسة البابا

حضرة المشاركين في السينودس

إنها فرصة تاريخية يمكن أن لا تتكرر، فها أنتم تجتمعون مثل اجتماع الرسل بعيد العنصرة، وللمرة الأولى لبحث مآل المسيحيين في المشرق، ولذلك ننتظر منكم قرارات بحجم هذا الوضع، بحجم الصخرة التي بنى عليها السيد كنيسته، وكان مؤمناً بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، وهو الذي حث إيماننا، ولو كحبة خردل، على زحزحة الجبال...

لقد آمنا جميعاً أن المسيح معنا إلى أبد الدهر، ترك لنا رسالته وبُشراه فلا تدعوا أرضه نهباً للظُلم والظلام، وتصوروا للحظة واحدة مشرقاً من دون مسيحيين،..وقتها فقط سينتصر الشر في العالم ويبطل فعل القيامة، ويذهب الكون إلى مذبحة لا سابق لها. ولهذا أتوجه إليكم بما أمثل في هذه البلاد التي مشى عليها يسوع لأن تخرجوا بقرارات تبقي السِراج عالياً ومضيئاً وهادياً على العتبة..سراجاً للمشرقيين مسيحيين ومسلمين.

نقلاً عن : مركز الحوار العربي

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ