ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 18/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

ليست مسألة احتلال فقط إسرائيل دولة عنصرية وأصولية

المستقبل - الاحد 17 تشرين الأول 2010

العدد 3803 - نوافذ - صفحة 9

ماجد كيالي

تطرح مشاريع القوانين التمييزية التي تسنّها إسرائيل، أو تحاول سنّها، العديد من المشكلات. فعلى الصعيد الداخلي، مثلا، تكشف هذه المشاريع هشاشة مبنى هذه الدولة، وحيرتها في إدراك هويتها، وتخبّطها في تكييف أوضاعها مع محيطها.

ومع انحياز أغلبية المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين فليس ثمة توافق بشأن هذه القوانين، لا بما يتعلق بالتعاطي مع مواطني هذه الدولة من فلسطينيي 48، ولا بشأن التوافق على ماهية اليهودية؛ لاسيما أن العلمانيين يعتبرونها بمثابة رابطة "قومية"، في حين أن المتدينين يرون الأمر من زاوية دينية بحتة. ومعلوم أن ثمة خلافاً بين الإسرائيليين على تحديد من هو اليهودي؟ وثمة صراع بين مبنى الهويتين "اليهودية"، و"الإسرائيلية".

هكذا، يمكن النظر إلى النقد الذي لاقاه مشروع قانون الولاء (المواطنة) الذي أعدته الحكومة مؤخرا لعرضه على الكنيست، من بعض قادة حزب العمل والليكود وكاديما، وفي الوسط الثقافي والصحفي، الذين رأوا فيه إضعافا لصورة إسرائيل الخارجية، ولا حاجة أو مبرر له. وعند المحلل الإسرائيلي ناحوم برنياع فإن "إسرائيل تشتري بهذا القانون بطاقة خروج من عائلة الشعوب وبطاقة دخول إلى عائلة كهانا.. فالقانون المقترح لا يبدو عنصريا فقط بل انه عنصري حقا". ("يديعوت أحرونوت"، 8/10) وقد اعتبرت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها هذا القانون "زائدا وضارا.. أحدا لا يعرف ما هي الدولة اليهودية". ("هآرتس"، 10/10) أما جدعون ليفي المعروف بآرائه النقدية والجريئة ضد المؤسسة الحاكمة، فكتب قائلا: "من الآن فصاعدا، سنعيش في دولة جديدة، عرقية، دينية، قومية وعنصرية.. نتنياهو سيثبت اليوم بأنه ليبرمان.. وحزب العمل سيثبت بأنه ليس أكثر من خرقة بالية؛ وإسرائيل.. دولة يهودية.. لا يعرف أحد ما هي، ولكنها بالتأكيد غير ديمقراطية.. لعشرات السنين انشغلنا عبثا في مسألة من هو اليهودي، والآن لن تنتهي مسألة: ما هي اليهودية. ماذا يعني "دولة القومية اليهودية"؟ هل تنتمي هي ليهودها في الشتات..هل هم سيقررون مصيرها وهذا ما سيسمى ديمقراطية؟ وما هي اليهودية؟ أعياد إسرائيل؟ الحلال؟ يدور الحديث عن شعار فارغ وسخيف. لا يوجد ثلاثة يهود يمكنهم أن يتفقوا كيف تبدو الدولة اليهودية. غير أن التاريخ علمنا بأن حتى الشعارات العليلة من شأنها أن تؤشر لنا الطريق إلى الجحيم". ("هآرتس"ن 10/10).

طبعا لا يعني هذا النقد بأن هكذا مشروع قانون، أو غيره، لن يمر، ذلك أن ثمة أغلبية يمينية في الكنيست، لاسيما من أحزاب "ليكود" و"إسرائيل بيتنا" و"شاس" ستلقي بكل ثقلها من اجل إقراره، في هذه الظروف.

الآن من الواضح أن هذه القوانين تأتي في إطار محاولات إسرائيل التضييق على فلسطينيي 48، من مواطنيها، وتهميشهم في وطنهم، وصولا لوضعهم أمام خياري الحرمان من المواطنة، أو الذوبان في ما يعرف بمخططات "الاسرلة"؛ والتي هي بمعنى آخر نسيان الهوية القومية، أو القبول بحجبها. وربما أن هذه القوانين التمييزية والعنصرية تمهد الأرضية، أيضا، لإخراج قطاعات من هؤلاء الفلسطينيين من نطاق المواطنة، في سياق محاولات إسرائيل الحفاظ على طابعها كدولة يهودية، ودرء ما يسمى "الخطر الديمغرافي"، وأيضا ليّ ذراع المفاوضين الفلسطينيين، من خلال التلويح بترانسفير جديد، أو بحرمان فلسطينيي 48 من مواطنيتهم، لإجبارهم على إبداء التنازلات بما يتعلق بحق العودة للاجئين؛ وهذا هو التوظيف الإسرائيلي لمسألتي يهودية إسرائيل، وقانون الولاء والمواطنة.

ومع كل ما تحتمله هكذا قوانين من مخاطر (على الفلسطينيين) فإنها تلفت انتباه العالم، أيضا، إلى جذور القضية الفلسطينية، على الضد من مقاصد إسرائيل، التي يفترض أنها تتعمد اختزال هذه القضية في الأراضي المحتلة عام 1967؛ وكأنها تقول بأن المسألة أبعد وأكبر واعقد من قضية الاحتلال؛ ما يعزز وجهات النظر المعارضة للتسوية والمفاوضات، ويا للمفارقة.

المشكلة الثالثة لإسرائيل مع هكذا مشاريع أو سياسات تكمن في أنها تكشف أمام العالم طبيعتها كدولة يهودية، تعيش على التواريخ الخرافية، وتترجم ذلك بقوانينها وبمكانة التيارات الدينية فيها. ومعلوم أن إسرائيل باتت تطالب العالم بالاعتراف بها على أساس أنها دولة يهودية، برغم أن هذا العالم يعاني من الأصوليات الدينية المتطرفة, ويجاهد للحد من تأثيراتها السلبية.

طبعا لا تقف المسألة بالنسبة لإسرائيل عند حد الانتماء، أو الاعتقاد، الدينيين، فالمسألة هنا تطال النظام السياسي والحقوقي للدولة الإسرائيلية، لاسيما بشأن تعاملها مع مواطنيها من الفلسطينيين، في مناطق 48، كما في تعاملها كدولة استعمارية وقهرية، مع الفلسطينيين الذين يخضعون لاحتلالها في الضفة والقطاع.

فمن الواضح أن مسألة يهودية إسرائيل لا تطرح على اليهود الإسرائيليين، وإنما هي تطرح على الفلسطينيين، والعرب والعالم، بحيث تبدو إسرائيل أيضا وكأنها تصارع بالدين، والايدولوجيا الدينية، على المكان والزمان، أي على التاريخ والجغرافيا والرواية التاريخية. فبعد أن كانت إسرائيل تتذرع بالشرعية "الإلهية" باتت تريد أيضا أن تتذرع بالشرعية الدنيوية لتبرير شرعيتها، السياسية والأخلاقية.

على ذلك فإن العالم يخطئ بالتعامل مع إسرائيل كدولة احتلال فقط، مثلما يخطئ بالتعاطي مع القضية الفلسطينية وكأنها مجرد نتاج حرب 1967، فنحن هنا في الحقيقة إزاء دولة أصولية /دينية، وإزاء نظام تمييز عنصري، بمركبات دينية وثقافية. وقد قيل سابقا بأن إسرائيل هي آخر دولة استعمارية من نوعها، ويمكن أن نزيد بأنها آخر دولة استعمارية وعنصرية وأصولية، وأنه ينبغي مواجهتها على أساس طبيعتها تلك.

========================

إسرائيل تحارب الفلسطينيين بالقوانين العنصرية

بلال الحسن

الشرق الاوسط

17-10-2010

أقرت الحكومة الإسرائيلية يوم العاشر من الشهر الجاري، تعديل «قانون المواطنة»، بحيث يكون كل من يطلب الجنسية الإسرائيلية ملزما بأن يعلن الولاء لدولة إسرائيل بصفتها «دولة يهودية وديمقراطية». وثارت فورا حملة فلسطينية وعربية، وأحيانا إسرائيلية ودولية، ضد هذا القانون. تركزت الأنظار حول مبدأ «يهودية الدولة»، واعتبرت أنها الأمر الجديد الذي يستوجب الرفض أو الشجب أو الاستنكار، وزاد في تركيز الأنظار حول هذه القضية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، جعل من هذا الشعار قضية استراتيجية، حين وضعها شرطا لا بد أن يلتزم به المفاوض الفلسطيني سلفا حول التسوية، مقابل أن يوافق على وقف الاستيطان لمدة شهرين.

والحقيقة أن «يهودية الدولة»، و«دولة اليهود»، أمر مبتوت به إسرائيليا منذ تأسيس إسرائيل، ولذلك فإن تجديد الشعار لا يشكل جديدا بحد ذاته. إن ما يشكل جديدا هو ارتباط الشعار بقضايا إجرائية، أساسها أن طالب الجنسية يجب أن يقسم يمين الولاء ليهودية دولة إسرائيل. وأساسها أيضا أن الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو وحزب الليكود، وبتحالف الليكود مع أفيغدور ليبرمان وحزب «إسرائيل بيتنا» تسير وفق نهج قانوني سياسي متكامل، يتسم بالعنصرية ضد العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن والأرض، والمحكومين حاليا من قبل حكومة إسرائيل ودولة إسرائيل.

وينطوي القانون الجديد على قسم اليمين الذي يعنيهم هم بالأساس، مع كل ما يترتب على القانون سياسيا، وعلى المديين القريب والبعيد، من إجراءات عملية، تبدأ من إلغاء لم الشمل ذي الطبيعة الإنسانية، وتكاد لا تنتهي عند إلغاء حق العودة، أو عند التخطيط المتصل لطرد الفلسطينيين مجددا من بلدهم، وتعدادهم يقارب المليون ونصف المليون نسمة.

أما بالنسبة ليهودية الدولة، فهي مقرة ومؤكدة بالقوانين منذ الأيام الأولى لإنشاء دولة إسرائيل. إذ في أبريل (نيسان) 1952 أقر الكنيست قانون العودة (لليهود) وقانون الجنسية الإسرائيلي، وقال ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء آنذاك، شارحا، كما يلي:

«إن قانون الجنسية مكمل لقانون العودة اليهودي، وهذان القانونان يعنيان أن إسرائيل ليست دولة يهودية لأن أغلبية السكان من اليهود فقط، ولكنها دولة لجميع اليهود حيثما وجدوا. إن هذا الحق موروث لليهودي لمجرد كونه يهوديا. إن إسرائيل لم تنشئ لليهود حقا بالعودة إليها ولكنها أعلنته فقط، إن هذا الحق سابق لقيام دولة إسرائيل».

إن هذا الشرح ومن قبل بن غوريون بالذات، لا يترك مجالا للشك أو للتساؤل حول فهم الحركة الصهيونية لطبيعة دولتهم التي أنشأوها على حساب شعب آخر وطرده. فهي دولة يهودية، وهي دولة لليهود منذ اليوم الأول، ومن هنا يبدأ أساسها العنصري، وبخاصة ضد كل من هو موجود بالأصل فوق تلك الأرض وهو ليس يهوديا، وقد يكون مسلما أو مسيحيا بالدين، أو شركسيا أو أرمنيا بالانتماء القومي، وهو مع ذلك فلسطيني يعيش فوق الأرض الفلسطينية، وهو منذ لحظة قانون العودة اليهودي، وقانون الجنسية الإسرائيلي، يعيش حالة إشكالية مع تلك الدولة.

ولكن ثمة جديدا ينبع من ظاهرتين:

الظاهرة الأولى: أن الأحزاب الأساسية المؤسسة للحركة الصهيونية ولدولة إسرائيل في ما بعد، كانت أحزابا تدعي العلمانية واليسارية، وكانت تحرص بسبب ذلك على إضفاء صفة الديمقراطية على الدولة، وتعتبر أن تلك الديمقراطية تسري على من هو غير يهودي ويعيش فيها. وقد مارست ذلك ظاهريا، ولكنها مارست عمليا أقسى حالات الاضطهاد والعنصرية ضدهم.

الظاهرة الثانية: أن الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل، وبخاصة بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، أفرز منهجا شعبيا إسرائيليا يؤيد الأحزاب اليمينية الإسرائيلية ويدعمها. ومنذ عام 1977 الذي شهد نجاح حزب الليكود للمرة الأولى في انتخابات الكنيست، وبروز مناحم بيغن كرئيس لوزراء إسرائيل، بدأ هذا المنهج يتعاظم عاما بعد عام، وعلى حساب حزب العمل (العلماني اليساري)، وبدأ يدفع بالتيارات اليمينية والدينية المتعصبة، نحو عضوية الكنيست، التي كان من آخر تجلياتها، فوز نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، وتحالفه مع حزب «إسرائيل بيتنا» العنصري بزعامة ليبرمان، وزير الخارجية الحالي. إن يمينية وأصولية وعنصرية الأحزاب الإسرائيلية، وصلت بها إلى حد القول بأن مرحلة الصهيونية قد انتهت، وأنهم يعيشون الآن مرحلة ما بعد الصهيونية.

في ظل هذه المرحلة التي يسيطر فيها فكر اليمين والأصولية اليهودية، تطور المشروع ما بعد الصهيوني داخليا، نحو مخططات عنصرية يومية، تستهدف، ومن خلال فكرة يهودية الدولة، مواجهة ما يسمونه «الخطر الديموغرافي» الفلسطيني، وذلك من خلال تمهيد الأجواء لما يسمونه ب«الترانسفير»، ووجهه الأول التخلص من الفلسطينيين أبناء البلد/ الوطن الأصليين وطردهم خارج دولة إسرائيل. ووجهه الثاني صد موضوع حق العودة الفلسطيني، الذي هو موضوع أساسي مطروح فلسطينيا ودوليا، إنسانيا وقانونيا، وذلك من خلال رفض هذا الحق علنا، وكذلك من خلال رفض بعض الصيغ الإنسانية المرتبطة به، ومن خلال ما يسمى بجمع الشمل.

كيف تعمل إسرائيل من أجل هذه الأهداف؟

لقد بدأ العمل الأساسي لصياغة هذه الأهداف ضمن خطة استراتيجية في مؤتمر هرتسليا، الذي انعقد عام 2000، وحضرته جميع أطياف النخب الإسرائيلية، من اليسار ومن اليمين، من المدنيين ومن العسكريين، حتى قيل يومها إن من لم يحضر مؤتمر هرتسليا فهو ليس من النخبة. ناقش مؤتمر هرتسليا ما تتعرض له إسرائيل من أخطار، وخرج بنتيجة أساسية تقول إن الخطر الأساسي هو الخطر الديموغرافي. وخرج بنتيجة أساسية ثانية تقول إن مواجهة هذا الخطر لا تكون إلا بالترانسفير وبترحيل الفلسطينيين إلى خارج وطنهم. وتفننوا بالحديث عن الترانسفير، حتى إن بعض قادتهم تحدث عن الترانسفير الطوعي، وهو أمر يعني سن مجموعة من القوانين التي تجعل حياة الفلسطيني في وطنه مستحيلة فيقرر الهجرة طوعا.

بدأت بعد مؤتمر هرتسليا عملية سن القوانين في الكنيست. قوانين ضد لم الشمل من خلال الزواج مثلا. فالفلسطيني القادم من الضفة الغربية أو من قطاع غزة والمتزوج بفلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية يمنع من الحصول على الجنسية أو حتى على بطاقة الإقامة، وعليه أن يغادر ويترك زوجته وعائلته. ثم بدأت عملية سن القوانين ضد القيادات الفلسطينية الجديدة البارزة في الساحة، التي استطاعت أن توجد حالة فلسطينية فكرية وسياسية جديدة، تركز على الحقوق السياسية للأقلية الفلسطينية، وليس على الحقوق المطلبية فقط، وتقول من خلال هذه الحقوق: نحن فلسطينيون، ونحن عرب، ولنا حقوق سياسية من خلال ذلك كله. كانت القوانين تصدر في الكنيست بصيغة أولية، ثم يصدر في كل عام تعديل لها يزيدها وضوحا وقسوة، حتى وصل تعديل بعض القوانين إلى التعديل العاشر عليها. وقالت بعض التعديلات إن القائد الفلسطيني الذي يزور بلدا عربيا هو جاسوس، وهو خائن، ويجب أن يحاكم على أساس ذلك، مع حق المحكمة بأن لا تعلن ما لديها من تهم ومعلومات حول تلك التهم.

وحين جاء قانون يهودية الدولة الجديد، وضحت الصياغة التالية: من لا يتبنى مواقف إسرائيل لن يقبل للسكن، ولا للعمل، ولا للنشاط السياسي، والنتيجة النهائية طرده إلى خارج وطنه.

إنها حرب من نوع جديد. حرب خطرة، لا تقل خطرا عن حرب الجيوش.

========================

إيران وإشكاليتها مع العالم العربي

الأحد, 17 أكتوبر 2010

خالد الدخيل *

الحياة

حظيت زيارة الرئيس الإيراني لبنان باستقبال شعبي كبير. وإذا أخذنا في الاعتبار طبيعة المرحلة، وحجم إيران الإقليمي، وعلاقتها مع العالم العربي، فمن الطبيعي أن تحظى زيارة الرئيس الإيراني لبنان بهذا الاستقبال. فإيران دولة إقليمية مهمة، ودولة إسلامية، ومن دول الجوار العربي. لكن من بين أهم سمات المرحلة التي تمت فيها الزيارة، هو ما وصفه وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بالفراغ الاستراتيجي الذي يرخي بظلاله على الواقع العربي، وهو فراغ نجم عن تراجع الدور العربي في المنطقة. من هذه الزاوية، تأتي الزيارة امتداداً لجهود وسياسات تحاول ملء ذلك الفراغ. ومن الزاوية نفسها، تبدو مطالبة الرئيس الإيراني لبنان بأن يكون جبهة المواجهة مع إسرائيل، أمراً لافتاً، لأنها مطالبة تنطلق من واقع الفراغ الاستراتيجي، وتعبر في شكل عفوي عن سياسة تعمل على ملء هذا الفراغ وفقاً لما تستند إليه من رؤى، ولما ترمي إليه من مصالح. وهي مطالبة لافتة لأنها تغاضت أو تجاهلت سؤالاً يفرض نفسه عفوياً أيضاً: لماذا ينبغي لدولة صغيرة وضعيفة، ومنقسمة على نفسها، أن تكون جبهة المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وليس سورية، الدولة الكبيرة المجاورة، الدولة الأقوى والأكثر استقراراً، والتي تقع على خط المواجهة نفسه الذي يقع عليه لبنان؟

يستحق الرئيس نجاد الاستقبال الجماهيري الذي حظي به لأنه يمثل إيران بتاريخها الغني، وبمكانتها الكبيرة، لكن طغت على هذا الاستقبال نكهة واحدة، ولون واحد من ألوان الطيف اللبناني. وهذا ما يمكن أن يستشفه المتابع من التغطية الصحافية اللبنانية للزيارة، وهي تغطية تقول بأن الجماهير التي خرجت لاستقبال الضيف كانت في غالبيتها الساحقة من جماهير منظمة «أمل» و «حزب الله». أقرب مثال يمكن الأخذ به هنا كمرجعية للحكم والمقارنة هو زيارة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر إلى سورية عام 1958، وهي الزيارة التي جاءت حينه لتتويج اتفاق الوحدة بين مصر وسورية. كانت الجماهير التي زحفت إلى شوارع دمشق آنذاك تمثل على الأقل غالبية أطياف المجتمع السوري. ومع أن عبدالناصر لم يأتِ إلى لبنان، إلا أن عشرات الآلاف من اللبنانيين أيضاً، ومن مختلف الطوائف والمذاهب، زحفوا إلى دمشق للمشاركة في استقبال الرئيس المصري. الأرجح أن غالبية من زحفوا كانت من المسلمين، لكن الزيارة تمت حينه تحت شعار قومي، وهو شعار سياسي جامع، أو يفترض فيه أنه كان كذلك. لم تكن المذهبية، أو الطائفية، جزءاًَ من الخطاب السياسي. أما زيارة نجاد الآن، ولمنطقة الشام نفسها، فقد حصلت في أجواء مشحونة بالطائفية التي تعم المنطقة. وهي زيارة لرئيس دولة شيعية، ويتحدث بخطاب شيعي، وهو ضيف ليس على الدولة اللبنانية وفي شكل حصري، وإنما ضيف أيضاً على المنظمتين الشيعيتين («أمل» و «حزب الله»)، وغالبية الجماهير التي استقبلته تنتمي الى الطائفة الشيعية. يفصل زيارة نجاد عن زيارة عبدالناصر أكثر من نصف قرن، انزلقت خلالها المنطقة من خطاب سياسي كان يأخذ منحًى علمانياً، إلى خطاب تغلب عليه السحنة الطائفية.

ومن هنا تأتي إشكالية إيران الأولى مع العالم العربي في هذه المرحلة، وهي أنها تساهم بحكم طبيعة الدولة فيها، وبحكم علاقاتها وسياساتها، في تغذية التخندق الديني المذهبي، والتوجهات الطائفية في المنطقة. ليس مهماً أن إيران تريد ذلك، أو أنه يحصل ضد رغباتها وتمنياتها، المهم أن هذا يحصل على علاقة بها، وبطبيعة الدور الذي تضطلع به إقليمياً. وقد حاول نجاد، وحاول معه اللبنانيون، وحسناً فعلوا، التخفيف من طغيان الطابع الطائفي الذي فرض نفسه على الزيارة، إلا أنه أبى إلا أن يفرض نفسه. ففي خطابه في بلدة بنت جبيل خاطب نجاد الجماهير ووعدهم بتحرير فلسطين، وبأن «حفيد الرسول الأكرم المهدي الموعود والمنتظر سيأتي بإذن الله والسيد المسيح عليه السلام سيكون رفيقاً وعوناً له». وفي لقائه بالقيادات السياسية اللبنانية حدثه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن أهمية التعاون بين الرياض وطهران «لتطويق تداعيات القرار الظني...، وإلا فإن لبنان يمكن أن يواجه فتنة مذهبية نحن في غنى عنها...». الأمين العام للحزب الشيوعي، خالد حدادة، دعا إيران إلى أن تتعاطى «مع لبنان من خلال أحزابه وتياراته السياسية بدلاً من الطوائف». أضف إلى ذلك تأكيد الأمين العام ل «حزب الله»، حسن نصرالله، على إيمانه، وإيمان الحزب العميق ب «ولاية الفقيه»، المفهوم الذي تستند إليه الجمهورية الإسلامية. تعبر هذه الملاحظات، وغيرها، في شكل مباشر عن مخاوف، وهموم، وربما عن تطلعات تقف على حافة الخطاب الطائفي السائد.

حصل هذا أثناء زيارة الرئيس الإيراني. وإيران هي احدى الدول الإقليمية الثلاث التي تملك كل منها مشروعاً سياسياً واضحاً، والأكثر نشاطاً وحيوية في المنطقة. الدولتان الأخريان هما تركيا وإسرائيل. إيران وتركيا جارتان للعرب منذ فجر التاريخ، وتشتركان معهم في الهوية الثقافية الإسلامية. أما إسرائيل فلا يمكن اعتبارها دولة جارة، وإنما دولة عدواً. وهذا ليس بسبب ديانتها اليهودية، وإنما بسبب أنها دولة معتدية، ودولة محتلة ومغتصبة، وفوق ذلك تتبنى أيديولوجية صهيونية عنصرية. ولذلك فموضوعهاً ليس محل إشكالية بالنسبة الى العرب. وبما أن إيران هي موضوعنا، فقد يحسن مقارنتها بالدولة الأخرى، تركيا، للتعرف أكثر إلى الإشكالية التي تمثلها في هذه المرحلة الدقيقة.

تساند كل من تركيا وإيران القضايا العربية. لكن تتميز إيران بتبنيها للمقاومة «الإسلامية» في لبنان وفي فلسطين. ولذلك يطالب حلفاء إيران في منطقة الشام بعدم افتعال خصومات معها لا تخدم إلا أعداء الأمتين العربية والإسلامية. لن تسمع كلاماً مشابهاً من حلفاء إيران في العراق. هناك تجد أن المصلحة العراقية هي الرؤية التي ينظر من خلالها إلى الدور الإيراني. تسمع كلاماً كثيراً عن دور إيران في دعم العراق: دعمه إقليمياً ودولياً، ودعم الإستقرار فيه، ومساعدته على الوقوف في وجه البعثيين، والسلفيين الجهاديين، و «القاعدة»... الخ. في الشام ينحصر التركيز على دور إيران في دعم المقاومة، لكن ليس في العراق على رغم أنه تحت الاحتلال الأميركي لأكثر من سبع سنوات الآن.

وبما أن السياسة الخارجية امتداد للسياسة الداخلية، فإن الدور الإقليمي لكل من تركيا وإيران انعكاس لطبيعة الدولة في كل منهما. الدولة الإيرانية دولة دينية تستند إلى فكرة «ولاية الفقيه». وهذا أحد أسباب شعورها بأنها تفتقد عمقاً استراتيجياً يمكنها الاستناد إليه. ليس مهماً أن إيران دولة شيعية. الأهم أنها تتصرف على أساس أنها كذلك، وتبحث عن حلفاء خارجها يؤمنون لها ذلك العمق. ولعله من الطبيعي أن تأتي السياسة الخارجية الإيرانية إنعكاساً لطبيعة الدولة فيها. على العكس من إيران، فإن تركيا ليست دولة سنية. هي دولة علمانية غالبية شعبها من المسلمين السنة. الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا يتبنى المفهوم العلماني للدولة، وبالتالي يؤسس للمصالحة بين الإسلام والعلمانية. وتبعاً لذلك، لا تتصرف تركيا في سياستها الخارجية على أساس أنها دولة سنية.

تتميز السياسة الخارجية لتركيا حالياً بثلاث سمات: أنها منفتحة على جميع دول المنطقة من دون استثناء، وأن علاقتها مع دول المنطقة لا تتأثر بالانتماء المذهبي لشعبها، وأخيراً أن تعاملها مع هذه الدول محصور في إطار علاقات مباشرة مع كل واحدة منها، من دون وسائط محلية أو خارجية. يأخذ الدور التركي هنا طبيعة سياسية براغماتية، ويبتعد عن فكرة الأحلاف والشعارات الأيديولوجية. هدف الدور التركي خدمة المصالح السياسية والاقتصادية لتركيا على أساس علاقات سياسية تعطي تركيا وزناً في إدارة شؤون المنطقة، وتسمح لها بالاستثمار، وتنفيذ المشاريع، والاتفاقيات الاقتصادية.

يختلف الدور الإيراني عن ذلك في شكل كبير ولافت. تهدف السياسة الخارجية الإيرانية الى تحقيق هدفين: جعل إيران هي المرجعية الدينية والسياسية للشيعة في المنطقة، وتأكيد دورها دولةً إقليميةً كبرى. وهي لذلك ليست منفتحة بالدرجة ذاتها على كل الدول العربية. الأهم من ذلك أن تعامل إيران مع الدول العربية ليس محصوراً دائماً في العلاقة المباشرة مع كل منها، بل يمر أحياناً عبر تنظيمات سياسية محلية تمثل الانتماء المذهبي للدولة الإيرانية في بعض الدول التي تسمح ظروفها السياسية بذلك. حصل هذا في عراق ما بعد صدام حسين. وحصل في لبنان حيث «حزب الله» يمثل مكوناً أساسياً في الدولة. تحاول طهران تكرار التجربة ذاتها في اليمن من خلال الحوثيين. بعبارة أخرى، تعبر السياسة الخارجية لإيران عن الانتماء المذهبي للدولة فيها. من هنا صار التواجد الإيراني داخل العالم العربي مثيراً لقلق الدول، خاصة أنه يتجه لاتخاذ أشكال استخباراتية ومالية، وأحياناً عسكرية، من خلال أحزاب وتنظيمات محلية مرتبطة مباشرة بإيران، وتعتبر القيادة الدينية الإيرانية مرجعيتها الأيديولوجية والسياسية. تأمل إيران من خلال هذه التنظيمات ممارسة الضغط على بعض الدول بهدف التأثير في مواقفها وفي خياراتها السياسية. لا تمارس تركيا دورها بمثل هذه الآلية. السؤال: هل نجحت إيران على رغم الحاجز المتمثل بهويتها المذهبية في تحقيق ما تصبو إليه؟

* كاتب سعودي

========================

لا يمكن تحقيق السلام عن طريق الخداع

الأحد, 17 أكتوبر 2010

هنري سيغمان *

الحياة

يبدو غياب الدقة في وصف الحقائق ناهيك عن تشويهها ملفتاً في المقالات النقدية التي يكتبها عدد كبير من الصحافيين الإسرائيليين.

فقد أعلن آري شافيت في مقاله في صحيفة «هآرتس» في 7 تشرين الأول (أكتوبر) أنّ الرئيس الأميركي جورج بوش وفي رسالته الموجّهة في شهر نيسان (أبريل) 2004 إلى رئيس الوزراء أرييل شارون قد وعد بأنّ «كتل المُستوطنات ستبقى بيد الإسرائيليين وبأنّ اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلى إسرائيل».

يعتبر ذلك تلفيقاً ليس إلا، لأنّ بوش وفي رسالته الموجّهة إلى شارون قد وعد بأنّ هذه هي المطالب الإسرائيلية التي ستدعمها الإدارة الأميركية فقط في حال إحراز تقدّم في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية. كما أشار في رسالته إلى أنه يجب التفاوض على هذه المطالب مع الفلسطينيين وأنه لا يمكن أن تفرضها إسرائيل أو الولايات المتحدة.

وبالفعل وللتأكد على أنّه لن تتمّ إساءة فهم رسالة بوش على غرار ما حصل مع شافيت ناهيك عن معظم الصحافيين والسياسيين الإسرائيليين، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في 8 شباط (فبراير) 2006 عقب لقائها وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينها تسيبي ليفني أنه «يجب ألا يحاول أحد وبشكل أحادي تحديد نتيجة اتفاق الوضع النهائي». كما أكدت أنّ رسالة بوش الموجهة إلى شارون والتي تُظهر الحاجة إلى الأخذ في الاعتبار «مراكز السكّان الجديدة» في الضفة الغربية، لا تمنح تفويضاً لأيّ شخص كان «لتنفيذ هذا الأمر بشكل وقائي أو مخطط له سلفاً لأنّ هذه المسائل مطروحة في إطار المفاوضات على الوضعية النهائيّة».

لم يكن الصحافيون الإسرائيليون الوحيدين الذين تلاعبوا بتاريخ هذا النزاع وإنّما الزعماء الإسرائيليون أيضاً. فقد أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو خلال الأسبوع الماضي (6 تشرين الأول/أكتوبر) في إطار زيارته لمدينة اللد أنّ «الفلسطينيين انتظروا تسعة أشهر وأكثر من أصل عشرة أشهر لوضع شرط مُسبق من دون تأخير على رغم أنهم لم يلتزموا بأي شروط مسبقة». وما من سبيل لوصف هذا التصريح سوى بأنه كاذب. فلا يُعتبر إصرار الجانب الفلسطيني على أن تشكّل الاتفاقيات القائمة والموقّعة من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين نقطة انطلاق المفاوضات، «شرطاً»، بل يُعتبر إصرار إسرائيل على أن يتمّ تجاهل هذه الاتفاقيات شرطاً. وبالتالي، فإنّ إسرائيل هي التي تفرض شروطاً على المفاوضات وليس الفلسطينيين.

وقد روّج نتانياهو وحزب الليكود لشعار مفاده أنّ الفلسطينيين «يأخذون ويأخذون» في الوقت الذي تقدّم إسرائيل العديد من «التنازلات» التي لا يتمّ الاعتراف بها. وأصبح هذا الشعار أسطورة مُتجذّرة في خطاب إسرائيل الوطني. أما الحقيقة فهي على عكس ذلك تماماً. لقد قدّم الفلسطينيون تنازلات لا سابق لها إلى إسرائيل. وقد وافقت منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً عام 1988 على الاعتراف بشرعيّة السيادة الإسرائيلية ضمن حدود هدنة عام 1967 وهي منطقة تضمّ نصف الأراضي التي تمّ الإعتراف بها كإرث شرعي للفلسطينيين العرب وذلك بموجب خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة. وأدى هذا الأمر إلى تقليص الأراضي الفلسطينية من 43 إلى 22 في المئة في الوقت الذي توسعت الأراضي الإسرائيلية من 56 إلى 78 في المئة.

وصدر الاعتراف العلنيّ الأول وغير المتعمّد من قبل الحكومة الإسرائيلية بهذا التنازل الفلسطيني الذي لا سابق له (لا سابق له لأنّ قرار مجلس الأمن رقم 242 ينصّ على أنّه من غير الممكن اكتساب الأراضي كنتيجة لحرب وذلك بغضّ النظر عن هويّة المُعتدي) على لسان شمعون بيريز في بداية العام المنصرم. وعندما طُلب منه الدفاع عن تصريحاته المتعلقة بأهميّة اتفاقيات أوسلو والتي على أثرها فاز بجائزة نوبل للسلام، قال بيريز إنه «قبل أوسلو كان ينبغي أن يكون حجم الدولة الفلسطينية محدّداً وفق خريطة الأمم المتحدة الصادرة عام 1947. وفي أوسلو، نقل عرفات حجم الدولة من خريطة عام 1947 إلى خريطة عام 1967. لقد تخلّى عن 22 في المئة من أراضي الضفة الغربيّة. ولا أعرف أي قائد عربي قد يتخلّى عن 2 أو 3 في المئة من أرضه. أما عرفات فتخلى عن 22 في المئة منها».

وعوضاً عن الاعتراف بأنّ هذا التنازل يشكّل مساهمة فلسطينية عظيمة في عملية السلام، قام بيريز بوصفه على أنه «أعظم إنجاز له شخصياً». ولم يضع تصريحه حدّاً للافتراء الذي روّج له إيهود باراك وسائر الزعماء الإسرائيليين ومفاده أن نيّة ياسر عرفات الحقيقية تكمن في تجزئة الأراضي الإسرائيلية حتى القضاء عليها، وهو اتهام أطلقه باراك في الوقت الذي كان مُنهمكاً في مصادرة الأراضي الفلسطينية لمصلحة توسّع المستوطنات الإسرائيلية بوتيرة فاقت وتيرة التوسع الاستيطاني الذي أرساه نتانياهو. وقام أخيراً نائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الإستراتيجية موشيه يعلون بتوجيه هذا الاتهام مرّة أخرى إلى الرئيس محمود عباس.

يُضاف إلى ذلك تصريحات نتانياهو المتكررة التي تدّعي بأنّ اتفاق السلام يتوقّف على ملاءمة «تنازلات إسرائيل المؤلمة» بتنازلات الفلسطينيين المؤلمة. وفي الواقع، لم يطلب أحداً يوماً من إسرائيل تقديم أيّ تنازل للفلسطينيين سواء على صعيد الأراضي أو موارد المياه أو القدس أو السيادة. بل يُطلب من الجانب الفلسطيني أن يقوم بكلّ هذه التنازلات وفق حدود 1967ولم يُطلب من إسرائيل القيام بأيّ تنازل من جهة حدودها.

ولهذا السبب، يُعتبر عرض نتانياهو المتعلق بالتنازلات الإسرائيلية المؤلمة، مخيّباً للآمال. إلا في حال قصد نتانياهو تطبيق عبارة «تنازلات مؤلمة» على رغبته في إعادة جزء من الأراضي الفلسطينية إلى الفلسطينيين بموجب حدود 1967 وهي اراض مُعترف دولياً على أنّها خاضعة للاحتلال الإسرائيلي وبالتالي لاتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع وبشكل قاطع نقل شعب القوة المحتلة إلى هذه الأراضي. وفي حال كان هذا ما يقصده، فان ما يقصد نتانياهو أن يقوله لعباس إنّ إسرائيل تتوقع أن تتمّ مكافأتها لأنها أعادت بعضاً من الأراضي التي صادرتها بشكل غير قانوني من الفلسطينيين من خلال إجبار الفلسطينيين على التنازل عن حقهم في توازن الأراضي التي استولت عليها إسرائيل.

ومن خلال الحصول على تأييد الولايات المتحدة واللجنة الرباعية لهذا العرض، يمكن القول أنّ نتانياهو قدّم لديبلوماسية السلام ما قدّمه برنارد مادوف لصناعة الاستثمار.

* مدير مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط في نيويورك ومستشار في المركز النروجي للسلام في أوسلو.

========================

الفقر والجوع والضمير الإنساني

آخر تحديث:الأحد ,17/10/2010

محمد خليفة

الخليج

تواجه الأمة العربية واقعاً سياسياً مؤلماً منذ الدولتين الأموية والعباسية حتى عدوان 1967 وحرب الخليج العربي 1991 التي لم تزل آثارها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية باقية بالرغم من التغيرات التي طرأت على منظومات هذه البلدان حيث اشتد الفقر في الدول العربية المتنوعة الثروات، وسرى مفعول الجوع وفقدان الهوية الإنسانية كفقدان لقمة الخبز، فتداعت اللحظات الزمانية لوجوده الواعي إلى نطاق الوتر المشدود على الهاوية الفاصلة بالعدم المطلق .

 

فالفقر أصبح مشكلة إنسانية تواجه الإنسان العربي وتحدّ من قدرته في أكثر من منطقة، وينتقص الفقر من إنسانيته، ويُدمى كرامته، ويُسحق وجوده، حيث إن كبرياء الإنسان العربي يذله الفقر وبالتالي تقهره الحاجة، وتدمره الفاقة، ومنهم من ينتظر دوره نتيجة للجوع والمرض وعدم وجود المأوى الذي يقيم فيه ويواجه واقعاً أكبر من قدراته وإمكانياته المادية عندما يجري تطبيق نظريات الضرائب المباشرة وغير المباشرة على رقاب الناس الضعفاء ليتعقب مظان التفاوت بينهم، ودون مراعاة مصالح الجماعة وآثار الوقائع العملية من خلال رسم دقيق لواجب الفرد وواجب الدولة، وليس هذا يعني أن هناك من رعايا المصالح العامة، فكل فرد راع ورعية في المجتمع، والتعاون بين جميع الأفراد واجب لمصلحة الجماعة، والأمة مسؤولة عن حماية الضعفاء فيها، وهي مسؤولة عن فقرائها ومعوزيها أن ترزقهم بما فيه الكفاية، فتتقاضى أموال القادرين وتنفقها بقدر ما يسد عوز المحتاجين .

 

على هذا الأساس عارض الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشدة مساعي الجمهوريين لتمديد التخفيض الضريبي على الأغنياء، مؤكداً أن الولايات المتحدة لا يمكنها تحمل أعباء خفض الضرائب على الأغنياء الذي نفذته إدارة بوش والذي سينتهي العمل به في نهاية هذا العام . وأضاف أنه لا يؤيد ما دعا إليه جون بوينر زعيم الجمهوريين في مجلس النواب من تجميد شامل لمدة عامين لجميع الضرائب الأمريكية المعمول بها حالياً والتي تشمل الضرائب المفروضة على الأغنياء وعلى أفراد الطبقة فوق المتوسطة، موضحاً أن إدارته مستعدة لتمديد التخفيض الضريبي على الأسر التي يقل دخلها عن 250 ألف دولار سنوياً .

 

الضريبة هي مبلغ مالي تتقاضاه الدول من الأفراد والمؤسسات بهدف تمويل نفقاتها على كل القطاعات والسياسات الاقتصادية كدعم سلع وقطاعات معينة أو الصرف على البنية التحتية أو التأمين على البطالة، وتعد سمة للاقتصاد المعاصر، وتلاقي الضريبة تأييداً من دعاة اقتصاد السوق الحر على أساس المنفعة لأنها توطد الصلة بين الضريبة وانتفاع الفرد من تلك الخدمة أو السلعة، ويعتقد الاقتصاديون أن السياسة الضريبية أداة قوية لتحديد شكل اقتصاد البلاد والرفاه الاجتماعي حيث يعمل النظام الضريبي على استقرار النمو الاقتصادي، ويلعب دوراً في إعادة توزيع الثروة، فتحصيل الضرائب من الأثرياء يمكن استخدامه لتمويل خدمات الفقراء .

 

وقد أدى التطور الاجتماعي والاقتصادي الى تباين في ثروات ودخول الأفراد، وبالتالي توجهت الدول إلى فرض الضرائب على الأموال، سواء كانت ثروة أم دخلاً لاقتطاع جانب منها . وفي العديد من البلدان تفرض الضريبة على الذين يتحقق فيهم شرط دفع الضريبة وفقاً للقوانين المعمول بها دون حقوق مباشرة للدافع، وفي الأنظمة الديمقراطية يتم تحديد قيمة الضريبة بقوانين مصادق عليها من قِبل البرلمانات . فالضرائب يتم اقتطاعها مباشرة من دخل الفرد أو أرباح الشركات، وتشعرالأفراد بالعدالة وبمبدأ الحياد في التكليف، وتزيد من وعيهم الضريبي وإدراكهم بأوجه الإنفاق الحكومي وتؤثر في سلوك الأفراد وتعدل من خططهم في الإنفاق، لكنها قد تتسبب في شعورهم بثقل الضريبة، كما تفرض الضرائب على سلع وخدمات معينة ويدفعها المستهلك المستفيد من تلك السلع، وتعد من أكثر الأنواع تطبيقاً وذلك من حيث إنها سهلة في الجباية وتتسم بمرونة التكليف .

 

لكن فرض الضرائب قد أدى الى قيام اضطرابات وثورات في عدة بلدان . فعلى سبيل المثال، حينما وسع الملك تشارلز الأول ضريبة السفن التي فُرضت على الموانئ البحرية البريطانية عام 1635م لتشمل المدن الداخلية كان هذا التغيير أحد العوامل التي أدت الى الحرب الأهلية 1642 - 1651م . كما تمكن المتظاهرون في المستعمرات الأمريكية ضد دفع ضريبة رسم الدمغة لعام 1765م إلى بريطانيا من إلغاء هذا القانون في عام 1766م . أما في فرنسا فقد أسهم فرض الضرائب على الفقراء في اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789م . وفي الوقت الراهن تتسبب الضرائب المرتفعة في خفض الأجور وتسريح العاملين ونشر البطالة والتضخم ورفع الأسعار وقلة إنفاق المستهلكين ورفع الفوائد البنكية وخفض القيمة الشرائية للنقود وفساد الأفراد والمجتمعات .

 

وكان عالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون من أوائل من نبه للتأثيرات السلبية للجبايات المرتفعة، حيث تؤدي في قلة العوائد الى الخزينة وكساد الاقتصاد والأسواق واختلال العمران واضمحلال الدولة، في حين أن الجباية المنخفضة تؤدي إلى ازدهار الإنتاج وازدياد إيرادات الدولة . وقد استفاد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان من نظرية ابن خلدون في هذا المنحى بعد أن شهدت الولايات المتحدة انكماشاً اقتصادياً ومعدلات عالية من التضخم في السبعينات من القرن الماضي، وتمكن من تغيير هيكل الضرائب وتخفيضها بنسبة 25%، فحول بذلك مسار الاقتصاد الأمريكي من الكساد إلى الازدهار، وأصبح عائد الخزينة الأمريكية يفوق عائدها قبل التخفيض الضريبي، وارتفع الناتج القومي وتنامت الثروات وتحسنت الأجور، واعتدلت الأسعار، وتقلصت مستويات البطالة وتزايدت فرص العمل وتحسنت مستويات المعيشة لجميع المواطنين الأمريكيين وشعروا بالرضا والاستقرار واندفعوا نحو العمل الجاد والإبداع .

 

على الدول العربية ايجاد توازن وتعادل في مجتمعاتها، وتحقيق العدالة في الدائرة الإنسانية على أساس تعادل جميع القيم بما فيها القيمة الاقتصادية البحتة حين تتفاوت الأرزاق المالية بين الناس بحيث لا تفرض الضريبة الحرفية في المال، لأن تحصيل المال تابع لاستعدادات ليست متساوية، فالعدل المطلق يقضي أن تتفاوت الأرزاق من خلال العمل بأنواعه، ليرفع قهر دوافع الحياة وضغط العوز من ناحية وضغط الجهة التي تفرض موارد الضريبة من ناحية أخرى حتى لا تنشأ الفوارق في مستويات الحياة، ويتوقف فيها التكافؤ والتعادل والنماء عند الماديات والاقتصاديات حساباً لمصالح الدولة بما يعارض وحدة الأمة وتكافلها، ووحدة المعنويات المادية في الحياة، ووحدة الغاية بين الأمم الإنسانية، ووحدة الصلة بين الأجيال المتعاقبة على اختلاف المصالح القريبة المحدودة، وعلى هذا يتحدد موضوع العدالة الاجتماعية في القيم المتعلقة بالحق وبحكم الضمير .

========================

أمريكيون عقلانيون وأمريكا لاعقلانية

آخر تحديث:الأحد ,17/10/2010

سعد محيو

الخليج

أي أنموذج فكري (واستراتيجي) جديد يمكن للولايات المتحدة أن تتبناه كي تتمكن من مواكبة التغيرات الكبرى في الشرق الأوسط؟

أربعة مفكرين ومخططين استراتيجيين أمريكيين، هم مستشارا الأمن القومي السابقان بريجنسكي وسكاوكرفت، والخبيران البارزان في شؤون الشرق الأوسط روبرت مالي وبيتر هارلينغ، حاولوا الإجابة بعقلانية عن هذا السؤال . الأولان عبر تقديم نصائح إلى إدارة أوباما بضرورة انتهاج استراتيجية سياسة خارجية “تضع الولايات المتحدة في زورق واحد مع اليقظة السياسية الدولية التي تغيّر وجه العالم الآن”، والأخيران بالتركيز على تغيير كل التوجهات الأمريكية الراهنة في الشرق الأوسط .

المحاور التي اتفق عليها المفكرون الأربعة تتلخّص في التالي:

أطلّ الغرب طويلاً على الشرق الأوسط بوصفه منطقة جامدة وراكدة لا تتغير . الأوروبيون، قبل الأمريكيين، ارتكبوا هذا الخطأ في أواسط القرن العشرين فلم يفهموا معنى صعود الحركة القومية العربية، فدفعوا الثمن غالياً . والآن الأمريكيون مُهددون بالمصير نفسه إذا لم يفهموا التغيرات الكبرى التي تجري الآن في الشرق الأوسط، ويتصرفوا على أساسها .

واشنطن لاتزال تقارب المنطقة من منظور توازن القوى الإقليمي بين معسكرين متناقضين: معسكر معتدل وموالٍ لها يجب دعمه وتعزيزه، ومعسكر متشدد موالٍ لإيران يجب احتواؤه . بيد أن مثل هذه المقاربة مفارقة كلياً لواقع الأمر . إذ إنها تسيء فهم وتقدير أدوار لاعبين جدد بارزين مثل تركيا التي لا يمكن تصنيفها في أي من هذين المعسكرين، والتي تستند مبادئها الرئيسة إلى محو الحدود الفاصلة بينهما .

علاوة على ذلك، كيف، على سبيل المثال، يمكن فهم حوار السعودية المتجدد مع حركة حماس أو تحسّن علاقاتها مع سوريا، أو إبقاء خطوط الاتصال قائمة مع إيران المحاصرة دولياً؟ وكيف يمكن فهم نظام في دمشق يقوم في آن بشحن الأسلحة إلى حزب الله ويعمّق روابطه الأمنية والاستخبارية مع طهران، فيما هو يعارض أهدافاً إيرانية مهمة في العراق وربما أيضاً في لبنان؟ والأهم: في أي إطار يجب أن نضع دبلوماسية تركيا متعددة الرؤوس التي تقيم في وقت واحد روابط قوية مع الغرب وحلف الأطلسي وعلاقات مع سوريا وإيران وحماس؟

الطريقة الوحيدة التي يمكن بموجبها للولايات المتحدة أن تتأقلم مع هذه التغييرات، هي أن تتخلى عن أنموذج المعسكرين المعتدل والمتشدد الذي ورثته من الحرب الباردة وكرّسته بشكل حاد حروب بوش في الشرق الأوسط، وأن تستبدله بأنموذج جديد يستند (على سبيل المثال) إلى تشكيل “فريق عمل” يضم تركيا ومصر والسعودية وقطر لتحقيق المصالحة الفلسطينية، تمهيداً لإغلاق الملف الفلسطيني “الإسرائيلي”، وإقامة حوار استراتيجي مع سوريا للاتفاق على دورها الإقليمي، وفتح قنوات الاتصال مع حماس وحزب الله، وتشجيع الدول المحيطة بالعراق على إفساح المجال أمامه لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، ودعم دور الوساطة الذي تقوم به تركيا مع إيران .

بكلمات أخرى: المفكرون والخبراء الأربعة يدعون الولايات المتحدة إلى أداء دور المُسهّل للحلول في الشرق الأوسط لا المُعرقل لها، إذا ما أرادت أن يكون لها دور بنّاء في هذه المنطقة .

فهل سيكون بمقدور واشنطن المُكبّلة بمشكلاتها الاقتصادية الداخلية وحروبها في أفغانستان والعراق (وقريباً مع الكونغرس) أن تُحقق هذا الانقلاب الجذري في توجهاتها الشرق أوسطية؟

لاتسألوا الرئيس أوباما . ليس الآن على الأقل!

========================

روسيا والناتو.. تعاون بشروط

بقلم :جانا بوريسوفنا

البيان

17-10-2010

عاد الجدل في الآونة الأخيرة يدور حول إمكانية انضمام روسيا لعضوية حلف الناتو. وذلك في أعقاب تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسين الذي دعا إلى تحسين علاقات الناتو مع روسيا وتطويرها لأعلى مستوى، وأكد راسموسين على ضرورة إقامة تعاون واسع في مجال الأمن بما في ذلك لأغراض بناء منظومة أوروبية مشتركة للدفاع المضاد للصواريخ، ومكافحة الإرهاب والقرصنة، ومواجهة تهريب المخدرات، وكذلك في القضايا المرتبطة بأفغانستان.

 

لاشك أن ملف التعاون بين روسيا وحلف الناتو يحمل أهمية خاصة بالنسبة لموسكو باعتبار أنه يحقق مصالحها في حماية أمنها، ويمكنها من توسيع أعمال مكافحة المخدرات الأفغانية التي باتت تهدد أمن المجتمع الروسي. ناهيك عن أن هذا التعاون يضمن إحلال الأمن والاستقرار في المجتمع الأوروبي والعالمي بشكل عام.

 

لكن مشروع انضمام روسيا إلى الحلف لا يمكن أن يكون السبيل لتحقيق ذلك، وقد ألمح الرئيس ديمترى ميدفيدف إلى أن الحلف أو المنظمات الأوروبية بشكل عام أصبحت تحتاج إلى إعادة بناء فى المرحلة الراهنة، واعتبر أن هذه المنظمات غير قادرة على حل الخلافات والنزاعات بشكل فعال، وأن المبادرة الروسية لاستحداث هيكلية جديدة للأمن الأوروبي يمكنها أن تساعد على تصحيح الوضع.

 

وأكد ميدفيديف أن الوضع يتطلب تحركا وتغييرا بغية صياغة وإبرام معاهدة تشمل كافة الدول الأوروبية والأحلاف وجميع المؤسسات الأوروبية والدولية العاملة في أرجاء القارة الأوروبية.

 

لاشك أن روسيا تهتم بمسار أعمال الناتو وآفاقه المستقبلية، لذا تتابع باهتمام الجهود التي تبذل من أجل إعادة بناء الحلف وإعداد صيغة استراتيجية جديدة لنشاطه، خاصة بعد أن فقد مبرر وجوده التاريخي وهو مواجهة الاتحاد السوفييتي، وبعد انضمام روسيا إلى العالم الحر وانفتاحها الكامل على الغرب.

 

ويسود اعتقاد فى روسيا أن المخاطر والتهديدات الحالية تحمل طابعا عالميا ولا يمكن التصدي لها بجهود الناتو وحده، كما أنها تعارض توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً وتعتبر اقتراب الآلة العسكرية للحلف من حدودها تهديدا مباشرا لأمنها الوطني.

 

ويؤكد المسؤولون الروس أن هذا التوسع لا يعزز الثقة في التعاون بين روسيا والحلف، ولا يساعد على التحول إلى نوعية جديدة في العلاقات. وترفض روسيا الأفكار التي تدعو لمنح حلف شمال الأطلسي إمكانية استخدام القوة بدون تخويل من مجلس الأمن الدولي.

 

اهتمام موسكو بقضايا ألأمن في أوروبا وسعيها للمشاركة فيها ناتج عن قناعة الكرملين بقصور المنظمات الأوروبية في الأداء كما عبر عنها الرئيس ميدفيدف، والتي أيدها العديد من السياسيين الغربيين، فقد أعلن وزير الدفاع البريطاني الأسبق جيفري هون أن مجلس «روسيا- الناتو» لا يعمل بفعالية كافية. وأن قيادة الحلف الحالية تفتقد الفهم لكيفية عمل مجلس «روسيا  الناتو»، معبراً عن قناعته بأن هذا المجلس كان يمكن أن يصبح ساحة جديدة لتحسين العلاقة بين الحلف وروسيا.

 

ويمكن القول أن تطوير وتفعيل صيغة مجلس «روسيا  الناتو» على أسس إستراتيجية الحلف الجديدة هو أفضل الصيغ للتعاون الفعال بين الجانبين. أما فكرة انضمام روسيا إلى الحلف فلن تحقق النتائج المطلوبة، ناهيك عن صعوبة هذا الانضمام عمليا، وذلك لأسباب عديدة منها، أولا الانضمام للناتو يعنى التنازل عن السيادة الوطنية جزئيا لصالح هذه المنظمة الدولية.

 

وهذا الذي تقبله الدول أعضاء الحلف ما عدا الولايات المتحدة لا يمكن أن تقبله روسيا لأنه لا يصب في مصلحتها ولا يتناسب مع حجمها ومكانتها، روسيا يجب أن تحافظ على سيادتها وهويتها الوطنية وتقيم في الوقت نفسه علاقات شراكة مع الناتو من دون أن تنتسب إلى عضويته، ثانيا وهو الأهم أن الحلف يحتاج لإحداث نقلة نوعية في هيكليته وبنيته التحتية تتجاوب مع متطلبات المرحلة المعاصرة، ما يفرض عليه تقليص مساحات التسويات والتباينات الداخلية.

 

ومن المؤكد أن عمليات توسيع عضوية الناتو التي ترافقت مع تقديم تنازلات للأعضاء الجدد في شروط العضوية حملت الناتو أعباء كبيرة، منعته من إجراء نقلة نوعية في هياكله وأداءه للتجاوب مع احتياجات وتوجهات المرحلة المعاصرة.

إن التوسع دون إحداث تغييرات نوعية في أداء الناتو لتحقيق مصالح أعضاء الحلف بدلا من تحميلهم أعباء جديدة وإضافية تعيق حماية وصيانة أمنهم يعنى بالضرورة إنهاء هذه المنظمة الأورو- أطلسية.

كاتبة روسية

========================

بين طهران ودمشق والرياض !

سمير منصور

النهار

17-10-2010

لعل الزيارة المفاجئة للرئيس السوري بشار الاسد للمملكة العربية السعودية اليوم خطفت الاضواء في بيروت التي كان ايقاعها السياسي في حال ترقب "ترددات" زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد من زاوية ايجابية وامكان استمرار اجواء الهدوء السياسي النسبي التي رافقتها. وقد وصفت اوساط حكومية زيارة الاسد للرياض اليوم ب"الحدث الكبير" وهي في بعض جوانبها، ولاسيما في شقها اللبناني تؤكد استمرار التواصل السعودي – السوري الذي يشكل مظلة للتهدئة واعتماد الحوار سبيلا للخروج من السجالات السياسية وتداعياتها، بعدما بدا في مرحلة ما ان ثمة فتورا في هذا التواصل.

وفي ما يشبه التناغم بين زيارة نجاد للبنان ولقاء اليوم بين الاسد والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، فان مجرد انعقاد هذا اللقاء يعزز بوادر الانفراج في لبنان، في موازاة ترقب نتائج زيارة الرئيس الايراني وتأثيراتها الايجابية اقله على "الحلفاء" من خلال محطات ثلاث:

الاولى – جلسة مجلس الوزراء التي تعقد الاربعاء المقبل واجواء المناقشات التي ستسودها ولاسيما في حال طرح ما يتعلق بشهود الزور والمحكمة الدولية.

الثانية – الحملات الاعلامية والسجالات المتبادلة ومدى استمرار انحسارها تدريجاً وقد تراجعت حدتها خلال زيارة نجاد.

الثالثة – ترقب نتائج الاتصالات في شأن التحضير للقاء محتمل بين رئيس الحكومة سعد الحريري والامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وليس سرا ان انعقاد هذا اللقاء يعكس ايجابيات مشتركة بين زيارة نجاد اللبنانية ومعاودة التواصل السعودي – السوري ولاسيما في شأن لبنان.

واستنادا الى مصادر مطلعة، فان هذا الاحتمال تم التطرق اليه خلال اللقاء الليلي بين الرئيس الايراني والسيد نصرالله في مقر السفارة الايرانية وأنه كان من بين العناوين التي نوقشت لدى التطرق الى الوضع السياسي الداخلي.

وعلى هامش زيارة نجاد، بدا واضحاً أن أكثر العبارات تأثيراً في الخطب المتعددة التي ألقاها، كانت تلك التي تتعلق بالوحدة الوطنية اللبنانية وحمايتها، فقد كانت من الأهمية بمكان في ظل الانقسام الذي تعيشه البلاد والمنحى الطائفي والمذهبي المقيت الذي اتسمت به بعض السجالات والخطب والتصريحات والمنابر الاعلامية في الفترة الاخيرة. وكان من شأن التركيز على أهمية الوحدة الوطنية طمأنة كثيرين في لبنان، وكل من يدرك خطورة تداعيات هذا النوع من الخطاب السياسي والاعلامي والذي يمس الجميع دون استثناء.

وأما في الجوانب الاخرى من المواقف التي اطلقها الرئيس الايراني في لبنان، والتي كانت موضع تباين ونقاش، مثل حديثه عن محاور اقليمية وضع لبنان ضمنها، فلن تؤثر على انعكاسات ايجابية لمسها كثيرون وعبروا عنها بمن فيهم المختلفون مع السياسة الايرانية في أماكن كثيرة في المنطقة، وقد لاحظ بعض هؤلاء أن الاتصال الذي أجراه نجاد عشية توجهه الى لبنان بالعاهل السعودي عبّر عن لياقة وساهم في مزيد من الاحاطة بالزيارة والتعامل معها "بين دولة ودولة" لا لدعم طرف على حساب آخر في لبنان. ومن المفيد للبلدين أن تصبح ذات يوم بين دولتين بالمطلق. ولن تحول دون ذلك علاقة مميزة لايران، دينياً وعقائدياً مع فئة من اللبنانيين ومع "حزب الله" تحديداً، فهو جزء من المكونات السياسية والحزبية ومن المؤسسات، سواء في مجلس النواب أو الحكومة.

ولئن يكن من المبكر السؤال عن حوار سعودي - ايراني في المدى المنظور، فإن من البديهي السؤال عن دور يمكن ان يضطلع به الرئيس السوري في هذا المجال من خلال "علاقة استراتيجية" لسوريا بايران. ولعلها اللحظة السياسية الملائمة لمثل هذا الطرح!

========================

«ملايين القتلى».. تحذير أوباما أم حربه الجديدة؟

محمد خرّوب

Kharroub@jpf.com.jo

الرأي الاردنية

17-10-2010

لم نصل بعد الى التاسع من كانون الثاني 2011, بما هو الموعد «الموعود» لاستفتاء جنوب السودان, الذي نصّت عليه اتفاقية نيفاشا الموقعة في العام 2005 بين حكومة الجنرال عمر البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان.

طرفا التوقيع, لم يعودا كما كانا (وقتذاك) فالبشير الباحث عن الشرعية والاعتراف, منذ ان قام بانقلابه في الثلاثين من حزيران 1989, بات مطلوباً من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية, رغم أنه حصل لاحقاً على تلك الشرعية عبر انتخابات رئاسية قاطعتها معظم احزاب المعارضة, فيما الشريك الثاني (جون قرنق) قضى في حادث مروحية غامض, ما افسح المجال لجنرال آخر هو سيلفاكير ميارديت المعروف بنوازعه الانفصالية, للبروز في مقدمة المشهد, ليقود مقاربة اكثر خطورة من تلك التي كان يطرحها سلفه, بل هي متناقضة فالاول (قرنق) اراد سوداناً آخر ديمقراطياً تعددياً علمانياً, ولكن موحداً, فيما الزعيم الجديد أو «أبو» جمهورية الجنوب المستقلة, يريد فك ارتباط نهائياً ولا يستبعد ان يكون معادياً للشمال, وداعماً دعوات تفكيكه (دارفور وغرب السودان) كما صرّح, وعندما لم ينف امكانية اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل أو استضافة (...) قواعد اميركية أو غير اميركية على ارض جمهوريته العتيدة..

ما علينا..

فخامة الرئيس باراك حسين اوباما, وأمام منتدى شبابي اميركي, حذّر في لغة لا ينقصها الوضوح والبلاغة من سقوط «ملايين القتلى», في حال «تجدد» الحرب بين شمال السودان وجنوبه, اذا لم يجر «الاستفتاءان» على تقرير مصير الجنوب ومنطقة «ابيي» الغنية بالنفط في موعدهما المقرر (9/1/2011 كما هو معروف)..

التحذير الرئاسي الاميركي ينطوي على تهديد ولا يتوقف عند تخوم التحذير, والرجل يعلم قبل أي انسان في العالم بحكم «الدور الاميركي» المركزي في المسألة السودانية, وما يعرفه من معلومات وحقائق أن امكانية كهذه غير متوفرة, أقله في منطقة «أبيي» التي تشكل «لب ألباب» الصراع وأساسه, نظراً لما تحتويه من ثروة نفطية تعتمد ما نسبته 80% من مداخيل حكومة الخرطوم على ذلك النفط, مع قناعة (أميركية ايضاً) بأن الحزب الوطني الحاكم في الشمال قد «غسل» يديه تماماً من الجنوب, وصار يبني استراتيجيته (ان كان ثمة رؤى استراتيجية معلنة لديه) على أن الانفصال مسألة وقت جرى الاستفتاء أم تأجل, رغم ما قاله الجنرال البشير من انه «لن» يقبل بغير الوحدة, وهو كلام ربما يكون أمنّية اكثر مما يشكله الواقع الميداني المعيش سودانياً.. لكنه (الحزب الحاكم) في موضوع أبيي لن يستسلم مهما كانت الظروف والطروحات, اذا لم تتوفر له حلول ومقاربات تضمن له حصة معقولة من نفط المنطقة، وقبائل المسيرية (العربية كما ينبغي التذكير) جاهزة في هذا السيناريو، رغم ما قيل عن تعهد تلك القبائل للمبعوث الاميركي سكوت جريشين بالهدوء وانتظار ما ستسفر عنه جهوده في شأن مطالبهم بالمشاركة في الاستفتاء، الأمر الذي ترفضه الحركة الشعبية.

«ملايين القتلى» ليس زلة لسان من باراك حسين اوباما الذي يبدو انه نقل اهتمامه «المفترض» من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث حصد فشلاً وخيبة كبرى جراء صفعات نتنياهو المتتالية له، الى السودان, حيث يمكنه تسجيل بعض النقاط وارضاء اللوبيات العنصرية والمسيحية المتصهينة التي تدعم انفصال الجنوب وتبشر بدولة اخرى في دارفور مثل جمعية سيف دارفور (انقذوا دارفور) . لهذا... من السذاجة اعتبار ما قاله اوباما عابراً او للاستهلاك المحلي فالظروف باتت ملائمة حيث تستعد القوات الدولية (أنميس) للانتشار في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب رغم معارضة الخرطوم الخجولة لذلك عندما قالت ان اتفاقية نيفاشا «لم تنص» على ذلك فيما كان سيلفاكير ميارديت يطالب بانشاء منطقة عازلة على الحدود التي تمتد الفي كيلومتر (هل تذكرون المنطقة العازلة في شمال العراق؟).

من «غير» المبكر توقع ان تأخذ الاحداث في السودان منحى اخر اكثر تدهوراً, واحتمالات واردة لتفكيك السودان, على وقع طبول الحرب التي يقرعها اوباما فيما يلوذ عرب اليوم بالصمت ويكتفون بالمراقبة (بل ان بعضهم يتمنى تقسيم السودان) وكأن الأمر لا يعنيهم، لكن ما جرى طوال اربعة عقود وخصوصاً بعد رحيل جمال عبدالناصر يؤكد ان استراتيجية تفكيك العالم العربي (هل ثمة من يعترف بصفة كهذه؟) تسير وفق السيناريو المرسوم.

استعدوا للأسوأ... انهم يحفرون الخنادق ويجهزون الجيوش.

========================

قوة المال في الحياة السياسية الأميركية

تيم روتين (كاتب ومحلل سياسي أميركي)

 «إم. سي. تي. انترناشيونال»

الرأي الاردنية

17-10-2010

أثار صعود الحركات الشعبوية الجديدة، مثل «حفلة الشاي»، جدلا واسعاً لدى المراقبين والأوساط المهتمة الأميركية. لكن الأكثر إثارة للجدل من ذلك هو الصعود السياسي غير المسبوق، والذي سيتبدى بوضوح بعد انتخابات شهر نوفمبر المقبل، للشركات الأميركية وأصحاب الثروات الكبيرة في الحياة السياسية، ودورهم في تحديد نتائج الانتخابات! فعلى نحو لم نشهده من قبل، تضخ الشركات الكبرى والمستثمرون من ذوي الثروات الهائلة أموالا طائلة دفاعاً عن مصالحها الخاصة في السباقات الانتخابية.

 والحقيقة أن هذا الانتعاش اللافت للمال الانتخابي والتدخل السافر في تمويل الحملات الانتخابية للسياسيين المحسوبين على أحزاب بعينها تدافع عن مصالح الشركات، ناتج عن حدثين أساسيين كان لهما أثر بالغ في قلب الحياة السياسية الأميركية؛ الأول هو القرار المثير للجدل الذي أصدرته المحكمة العليا والذي بموجبه ألغت مشروع قرار كان قد رعاه الحزبان معاً في شخصي «ماكين» و»فينجولد» لتنظيم عمليات تمويل الحملات الانتخابية ومنع الشركات والاتحادات وباقي الجماعات الخاصة من أصحاب المصالح من تقديم أموال مستقلة إلى الأحزاب ومرشحيها بهدف التأثير على النتيجة النهائية للسباق الانتخابي. أما الحدث الثاني الذي كرس تدخل المال الخاص في حياتنا السياسية وتلاعبه بأصوات الناخبين من خلال التأثير والتضليل أحياناً، فيتمثل في التعديلات التي طالت القانون الضريبي والسماح بإنشاء جماعات سميت بلجان العمل السياسي يمكن للمتبرعين من خلالها أن يساهموا في تمويلها سراً دون الإعلان عن أنفسهم. ومع أنه يُفترض بتلك اللجان أن تخصص أقل من نصف أموال المتبرعين لأهداف سياسية وتوجه الباقي لأعمال خيرية، فإنه نادراً ما تتم مراجعة نشاط تلك اللجان بسبب السرية التي تحيط بها أعمالها وصعوبة تحديد المتبرعين، أو معرفة قيمة الأموال المتبرع بها.

وكما أفادت بذلك صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد أدى هذا الواقع الأميركي الذي يتيح فرصة إنفاق أموال طائلة وبسرية كاملة إلى «خلق جماعات خاصة مرخص بها تتوفر على ثروات كبيرة مستمدة من مصادر مجهولة» تنفقها على من تراه مناسباً من السياسيين والمرشحين استناداً إلى مدى انسجامهم مع مصالح المتبرعين واستعدادهم للدفاع عنها إذا وصلوا إلى سدة المسؤولية.

وقد أشارت الصحيفة أيضاً إلى أن الأموال «تصرف بشكل خاص لصالح الجمهوريين»، بل إن إحدى تلك الجماعات المسماة «كروسرودز» (تقاطع الطريق)، يديرها الاستراتيجي المخضرم في الحزب الجمهوري «كارل روف» ويمولها أشخاص مجهولو الهوية.

 وبالإضافة إلى ذلك تعتزم غرفة التجارة الأميركية التي يسمح لها القانون بعدم الكشف عن الشركات المتبرعة المسجلة لديها، إنفاق 75 مليون دولار على الإعلانات السياسة خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، تلك الأموال مخصصة جميعها تقريباً لمرشحي الحزب الجمهوري، وهو ضعف ما أنفقته قبل عامين، كما أنه في الأسبوع الماضي فقط أنفقت غرفة التجارية عشرة ملايين دولار على الإعلانات السياسية التي تستهدف في مجملها الإطاحة بالمشرعين الديمقراطيين في الكونجرس.

وفي هذا الإطار لفتت «نيويورك تايمز» الانتباه إلى جماعة من ولاية ايوا تدعى «صندوق المستقبل الأميركي» أنفقت ملايين الدولارات من متبرعين مجهولين لشراء إعلانات تهاجم المشرعين الديمقراطيين في أكثر من 13 ولاية، والسبب يكمن في أن 10 من 13 مشرعا في مجلس النواب يشاركون في لجنة من اللجان التي لها صلاحيات البت في قضايا الزراعة والطاقة.

وقد ربطت الصحيفة بين أحد أكبر المتبرعين للصندوق، وهو «بروس راستير» صاحب شركة «هوكي للطاقة» وأحد أكبر منتجي الإيثانول في أميركا، وبين مواقف هؤلاء المشرعين.

 فالإيثانول كما هو معروف يعد واحداً من أهم مصادر الطاقة التي تدعمها الحكومة الأميركية، لكن في ظل القوانين الجديدة التي تنتظر الكونجرس القادم ربما سيتم وقف ملايين الدولارات التي تستفيد منها صناعة الإيثانول، ومن هنا يمكن فهم محاولات «صندوق المستقبل الأميركي» الهجوم على المشرعين المعارضين للدعم واستبدلاهم بآخرين محسوبين على الحزب الجمهوري يقفون إلى جانب «بروس راستير» وغيره من أصحاب شركات الطاقة.

والمشكلة في مثل هذه القوانين التي أنشأت جماعات ضغط سياسية مجهولة التمويل أنها كانت في الأصل موجهة لأعمال خيرية لكنها تحولت مع مرور الوقت إلى أغراض سياسية تُكرس تدخل المال في الحياة السياسة الأميركية، والذي بدأ منذ فترة طويلة.

 فنحن نعرف مثلا أن المهندس الحقيقي لأول حملة انتخابية استُخدم فيها المال على نطاق واسع، هو رجل الأعمال البارع من أوهايو «مارك هانا» الذي جند وراءه أصحاب الشركات والمصالح لبناء حملة انتخابية عصرية أوصلت «ويليام ماكينلي» إلى الرئاسة في عام 1896، وذلك بفضل طريقته المبتكرة آنذاك في إدخال المال إلى الحياة السياسية الأميركية.

ولعلنا نتذكر جميعاً مقولته الشهيرة: «هناك أمران مهمان في السياسة، الأول هو المال، أما الثاني فلم أعد أذكره».

 ومن المؤسف ألا نتذكر نحن بعد مرور كل هذا الوقت الأمر الثاني المهم في السياسة عدا المال.

========================

أحدث أزمات أميركا وباكستان

افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية

الرأي الاردنية

17-10-2010

 تُعكّر أزمة أخرى صفو العلاقات الباكستانية الأميركية بعد قيام طائرات «ناتو» عن طريق الخطأ بقصف موقع حدودي مما أسفر عن مقتل جنود باكستانيين أخيراً.

وقامت إسلام أباد على إثر ذلك بإغلاق خط إمداد رئيسي لقوات «ناتو» في أفغانستان أخيرا، وقام متطرفون بإضرام النار في شاحنات محملة بالوقود كانت تنتظر عند معبر حدودي.

 وذكر بيان جديد للبيت الأبيض أن الجيش الباكستاني يرفض ملاحقة جماعات حركة طالبان التي تستهدف القوات الاميركية.

 وبعد ما توصل تحقيق مشترك بين باكستان و«ناتو»، أخيراً، إلى أن القوات الباكستانية كانت «تطلق طلقات تحذيرية»،عندما انطلقت مروحيات من قواعد أفغانية وعبرت الحدود،قدمت الولايات المتحدة اعتذاراً.

 وأعادت باكستان منذ ذلك الحين فتح المعبر.

 ومع ذلك، فإنه من الضروري تفعيل هذا التحالف. فالحكومة الباكستانية تتداعى في أعقاب استجابتها البعيدة عن الكفاءة لأزمة الفيضانات المدمرة.

والولايات المتحدة يتعين عليها بذل المزيد من الجهد للمساعدة، ويتعين على القادة العسكريين والمدنيين في باكستان، أخيراً، الاعتراف بأن الفوز في المعركة ضد المتطرفين، على جانبي الحدود كليهما، أمر أساسي لصالح الأمن في باكستان.

وهناك أجندة رهيبة تنتظر باكستان، تتمثل بنودها في التالي:

 برنامج الإغاثة: أثار عدم كفاءة الحكومة الباكستانية عقب الفيضانات غضب الرأي العام. بل أن الجيش، الذي يعتبر أفضل مؤسسة عاملة في باكستان، أثقلته المهام. وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مانح للمعونة الطارئة، بما يتجاوز 450 مليون دولار حتى الآن، وأنقذت القوات الأميركية مالا يقل عن 21 ألف باكستاني. ولا يزال الملايين من الشعب الباكستاني عرضة للخطر. فإذا كان الجيش الباكستاني بحاجة إلى المزيد من المساعدة، فينبغي أن يطلبها، وأن يلقي الضوء على التعاون الأميركي.

 إعادة الإعمار: حجم الدمار شاسع، حيث شَرد عشرون مليون شخص، فضلاً عن اجتياح عدد لا يحصى من الجسور والطرق والمدارس والمزارع. سوف يستغرق الأمر عقوداً وإنفاق مليارات الدولارات لإعادة البناء. الدول المانحة أنهكت بعد أزمة هايتي، ولكن هناك مشاعر الكراهية تجاه باكستان، الأمر الذي يتطلب من الحكومة وقفه جدية.

 والعديد من المانحين، بدءاً بالصين، التي تعتبر حليفة لباكستان منذ فترة طويلة، يتعين عليهم بذل المزيد. وإدارة الرئيس الأميركي أوباما كانت محقة عندما أبلغت باكستان بأنه يتعين عليها الاستثمار في خطة انتعاش، من خلال فرض ضرائب على المواطنين الأثرياء.

 ويمكن لباكستان أيضا تحويل التمويل بعيدا عن برنامجها النووي. وتشكيل لجنة تتسم بالشفافية من أجل تلقي وإدارة المساهمات يساعد على حشد المانحين، والعمل عن كثب مع البنك الدولي ومصرف التنمية الآسيوي.

 المعونة الامريكية : بالإضافة إلى مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، في العام الماضي، فقد وافق الكونغرس الأميركي على تقديم حزمة مساعدات لمدة خمس سنوات بقيمة 5,7 مليار دولار للمدارس والمستشفيات ومحطات توليد الطاقة. ومنذ اندلاع الفيضانات، قامت واشنطن بتحويل بعض تلك الأموال لجهود الإنعاش.وسوف يتعين عليها أن تحوّل المزيد. وتحتاج واشنطن إلى التحرك بسرعة في بعض المشروعات البارزة حتى يدرك الباكستانيون أنهم ليسوا وحدهم.

=========================

جولات القادة العراقيين .. هل تنهي الازمة المتفاقمة؟

عبدالله محمد القاق

 الدستور

17-10-2010

الجولات التي يقوم بها القادة العراقيون لكل من الاردن ومصر وسورية والسعودية وغيرها تستقطب الاهتمام العربي والدولي لخروج العراق من مشكلة تشكيل الحكومة العراقية التي تجيء بعد انتخابات نيابية جرت منذ سبعة شهور ولم يتفق القادة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تسهم في انقاذ البلاد من اشكالات كثيرة لتوفير الامن والاستقرار والنهوض بالبلاد اقتصاديا ومحاربة الفقر والفساد.. والبطالة والفوضى التي تدب بهذا البلد منذ الاحتلال الامريكي لاعادة توجهه القومي والعربي.

ان هذا الخلاف مرده كما يقول السياسيون العراقيون لأن العراق يأخذ "بالنظام الديمقراطي البرلماني" لان البرلمان كما يقول الدستور العراقي هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية وعضوي مجلس الرئاسة والحكومة العراقية تنبثق من البرلمان فالرئيس يكلف "مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا"بتشكيل مجلس الوزراء وللرئيس المكلف وحده ان يختار وزراءه وان يعرض التشكيلة الحكومية والمنهاج الوزاري على مجلس النواب طالبا الثقة على اساسهما ولكون السيد اياد علاوي حصل على الاكثرية في الانتخابات النيابية الاخيرة فان بعض القانونيين العراقيين يرون ان الاكثر تكمن في عدد النواب الذين يؤيدون المرشح لرئاسة الحكومة في حين ان قانونيين اخرين يرون ان هذه المادة تعني "تكليف رئيس الوزراء لمن حصل على الاكثرية في الانتخابات وامام هذين الرأيين وانسداد الحلول للطرفين ما زالت الحكومة العراقية دون تشكيل مما دعا القياديين السياسيين الى زيارة عدد من الدول العربية ومن بينها الاردن من اجل القيام بوساطة بين الاطراف المعنية لحلحلة الاوضاع السياسية في العراق وحل هذه الازمة وتشكيل الحكومة.

 

ولعل هذه الزيارات لكل من رئيس الوزراء المنهية ولايته نوري المالكي والسيد اياد علاوي للدول العربية من شأنها ان تسهم في ضغوط عربية على مختلف الفرقاء للتوصل الى الى اتفاق من شأنه حسم الموقف الراهن والبدء في تشكيل حكومة يتفق عليها كل الاطراف والقادة السياسيين خاصة وان الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الحكومة العراقية في اطار النظام الديمقراطي البرلماني تسمح له بالاضطلاع بدور اساسي ورئيس في رسم السياسة الخارجية لبلاده وفي حماية مصالحها وعقد الاتفاقات الدفاعية والثنائية مع دول العالم وتكريس سيادتها وأمنها الوطني.

 

ولعل زيارة الرئيس المالكي الى دمشق الاول من امس بعد حملة شنها على الحكومة السورية متهما اياها بأنها تقف وراء الانفجارات التي وقعت في يوم "الاربعاء الاسود" تأتي لرأب الصدع وانهاء الخلافات مع دمشق خاصة وان بغداد ترى ان سوريا كما هي ايران مفتاح الحل في انهاء المشكلات التي تواجه العراق وصولا الى تشكيل حكومة عراقية جديدة وهذا ما دعا مستشارة الرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان للقول بعد محادثات المالكي مع الرئيس بشار الاسد ان "الخلافات السابقة قد انتهت والاتهامات لم تعد قائمة" وهذا يعني اعتذار الرئيس المالكي على اتهامه سوريا ورغبة في اقامة علاقات وطيدة مع سورية في المرحلة المقبلة خاصة بعد اعادة السفير العراقي الى دمشق بعد سحبه لمدة عام احتجاجا على سياسة سوريا ضد العراق والتي اعتبرها حاليا المالكي بأنها سياسة قوية ومتينة وداعمة للاستقرار وتوفير الامن والامان في العراق وهذه الزيارة للمالكي تجيئ بغية انهاء هذه الخلافات وعدم تحميل سورية اية مسؤولية عن هذه الانفجارات وهي التي رفضتها في الاساس واكدت وقوفها الى دعم واستقرار العراق دون اي تدخل خارجي مهما كان.

 

والواقع ان هذه الزيارة للقادة العراقيين للدول العربية من شانها ان تنهي هذه الاشكالات وان تكون عاملا مساعدا لانهاء هذه القضايا الراهنة خاصة وان سورية اشترطت قبل زيارة المالكي لها لانهاء القطيعة بين البلدين جاءت في اطار اشتراط سورية بالغاء قانون المساءلة والعدالة في العراق وفتح قنوات الاتصال مع المعارض محمد يونس الاحمد وتعهد العراق بمد انابيب النفط والغاز الايراني عبر الاراضي العراقية الى سورية والى تسوية الخلافات الثنائية بشأن الحصة المائية فضلا عن استعداد العراق لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي المشترك بين البلدين.

 

ان هذه الاتصالات العراقية الجارية مع زعماء الدول العربية من شانها توفير اطار ومظلة لتشكيل حكومة عراقية تضم كل الاطياف السياسية بعيدا عن التحزب وانهاء دور الكتلة العراقية لا سيما وان الدوائر الدبلوماسية اشارت الى ان رسالة العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز الى نظيره المصري حسني مبارك يوم الاول من امس تجيء في اطار تشكيل حكومة عراقية تضم الائتلاف الفائز في الانتخابات واستعداد السعودية لاخراج العراق من ازماته لا سيما وان الدول العربية لا تريد التدخل في شؤونه الداخلية.

 

تشكيل الحكومة من شأنه ان ينهي كل الاشكالات القائمة في العراق ويضع حدا لاستمرار هذا الوضع المتأزم في العراق حتى يتفرغ للقضايا الاقتصادية والسياحية والمالية وبدء دوران الحركة التنموية وانهاء البطالة والقضاء على الفساد والفقر في العراق الذي عاني من مشكلات عديدة تحول دون تقدمه واعادة هيكلة اقتصاده وتغيير القوانين المالية والضريبية لتشجيع الانتاج والتجارة والتصدير وحرية تداول رؤوس الاموال وشرعية جني الارباح والتعامل بها فضلا عن اعادة صياغة الفلسفة المهمة للادارة الحكومية بعيدا عن المحاصصة وتحديد مساهمة تحرك الدولة واعادة رسم الدور الاساس الذي تمارسه ليتركز على التخطيك الاستراتيجي والتوجيه والمعاينة لحركة المجتمع ومكوناته وتقليص رقعة الدور التنفيذي ليقتصر على المهمات الحيوية المرتبطة مباشرة بواجبات الدولة مثل الامن الداخلي والخارجي والعدالة والعلاقات الخارجية والتدخل من حين لآخر وعند الضرورة فقط لتصحيح آليات السوق وانحرافات قانون العرض والطلب وهذا هو البعد الاجتماعي للدولة. الامل كبير في ان تنجح المساعي العربية لانهاء الوضع المتأزم بالعراق وتشكيل الحكومة الجديدة لتجسيد علاقات التعاون مع جميع الدول العربية ودعم آفاق تطورها في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وازالة جميع العقبات التي تعترض هذا التعاون عبر الحكومة الائتلافية المنشودة والتي يحتاج اليها الواحد في هذه المرحلة اكثر من اي وقت مضى.

فهل تنجح هذه الجولات العراقية في اذابة جليد الخلافت والاحتقان والتوتر القائم حاليا في العراق.. لعل وعسى

================

بلير يكذب ويتجمل‏(1)‏

بقلم: رجب البنا

الاهرام

17-10-2010

لم أفاجأ عندما رأيت المكتبات في لندن تعرض كتاب توني بلير رحلة بنصف الثمن وبعض المكتبات تعطيك نسخة مجانا مقابل كل نسخة تشتريها‏,‏ ومع ذلك لم تفلح أساليب التسويق ولا حملات الاعلانات وظلت نسخ الكتاب مكدسة في المكتبات‏.‏

وكالعادة نظم الناشر حفلات يوقع فيها بلير بنفسه علي النسخ المباعة للترويج للكتاب ولكن فشل الحفل الأول حيث إن تجمع أعداد كبيرة من المعارضين لسياسة الحرب أمام مقر الحفل وإلقاءهم الطماطم علي بلير وهتافهم ضده اضطر الناشر الي الغاء بقية الحفلات التي كانت في لندن وخارجها‏,‏ ولم يجد بلير من يستقبله إلا في أمريكا حيث لقي هناك الجزاء علي الخدمات التي قدمها لأمريكا واسرائيل بغزو العراق ودوره كمحام عن بوش وسياساته الطائشة‏.‏

بلير المسئول  مع بوش  عن جرائم الحرب في العراق استخدم في مذكراته كل اساليب الخداع والتلاعب بالحقائق‏,‏ واستمر في تقديم الأكاذيب التي خدع بها الشعب البريطاني والبرلمان عن قدرات العراق علي انتاج أسلحة الدمار الشامل وتهديد العراق لاسرائيل وقدرته علي استخدام هذه الأسلحة خلال‏45‏ دقيقة‏,‏ وتحريف المعلومات الاستخباراتية التي كانت تؤكد أن العراق توقف عن تطوير أسلحته‏,‏ وأن فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة قامت بالتفتيش في كل مكان‏,‏ بما في ذلك الحدائق والمزارع وقصور الرئاسة ولم تجد أثرا لهذه الأسلحة‏,‏ ولكن بلير حتي بعد ظهور كل الحقائق مازال مستمرا في أكاذيبه ويدعي في مذكراته ان صدام قام بتدمير مالديه من أسلحة الدمار الشامل في سنة‏1991‏ ولكنه استمر في انتاج صواريخ سكود بعيدة المدي التي يمكنها حمل أسلحة كيميائية أو جرثومية‏,‏ وكانت لديه النية لاستئناف برنامج انتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية بعد رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن واتنتهاء فرق التفتيش الدولية من عملها‏,‏ أي أن بلير يبرر قراره بالمشاركة مع بوش في تدمير العراق بوجود نية لدي صدام واحتمال عودته لانتاج هذه الأسلحة‏,‏ ويدعي بلير ان المخابرات العراقية كانت تجري تجارب لانتاج مواد سامة في معامل سرية لم يكتشفها المراقبون‏,‏ ويكذب نفسه بالاعتراف بأن قوات الغزو لم تعثر علي أي دليل علي صدق هذه المبررات‏,‏ وباسلوله الملتوي غير المنطقي يستنتج أن صدام كان يمثل تهديدا لاسرائيل وكان سينشر الارهاب في المنطقة وتجاهل ما أعلنته الإدارة الأمريكية مؤخرا من أن صدام لم تكن له علاقة بأية جماعة من الجماعات الارهابية كما كان بوش وبلير يؤكدان عليه‏,‏ ولا يجد بلير أثرا للخجل وهو يتساءل‏:‏ هل العراق الان أفضل مما كان عليه؟ ويتجاهل الدمار والفقر والدماء والصراعات وبقية الكوارث التي سببها الغزو للعراق وشعبه‏,‏ ويكذب مرة أخري بالقول إن‏60%‏ من العراقيين كانوا يعتمدون علي المعونات الغذائية في عام‏3..2‏ بعد أن كان اقتصاد العراق أقوي من البرتغال وماليزيا‏,‏ ويتجاهل أن هذه الحالة كانت نتيجة للحصار الاقتصادي والعقوبات وفرض الجوع علي الشعب العراقي بنظام النفط مقابل الغذاء والدواء‏,‏ ويقول إن ملايين العراقيين اضطروا للهجرة وان الوفيات بين الأطفال كانت أسوأ من الكونغو‏(130‏ لكل‏1000‏ طفل‏(‏ ولا يعترف بأن كل ذلك وما هو أسوأ منه كان بعد الحصار والعقوبات‏.‏ وهو يكذب التقارير التي تذكر أن عدد القتلي العراقيين بعد الغزو وحتي عام‏2009‏ يزيد علي‏600‏ الف عراقي ويدعي أن قوات الغزو قتلت‏112‏ الف عراقي فقط وأن‏70‏ الف عراقي قتلتهم القاعدة والجماعات المدعومة من ايران‏,‏ ويستمر علي اصراره علي الكذب فيقول لو أننا كنا نعلم عن العراق ما علمناه بعد ذلك فإن قرار الحرب لم يكن سيتغير لأن وجود صدام كان يمثل مخاطرة كبري لأمننا ويري أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه هو وبوش انهما لم يتنبها إلي خطورة ايران وتنظيم القاعدة بعد القضاء علي صدام‏.‏

ويقول بلير ان كثيرين يريدون منه الاعتراف بأن قراره بالاشتراك في غزو العراق كان خطأ‏,‏ وبعض أنصاره يرون أن قراره كان وليد العناد أو التضليل والخداع‏,‏ ويتساءلون‏:‏ هل يشعر بالندم؟ وهل يعتذر؟

ويرد علي ذلك بأنه لا يشعر بالندم ولن يعتذر ولا يذكر شيئا عن مسئوليته عن جرائم التعذيب والاغتصاب والقتل الجماعي‏.‏

في هذه المذكرات يحاول بلير ان يكذب ويتجمل‏,‏ وقد نجح في أن يكذب‏,‏ وفشل في أن يتجمل‏,‏ وهذه المظاهرات والاحتجاجات والهتافات التي تلعنه في كل مكان يذهب اليه داخل بريطانيا دليل علي ان ما جاء في كتابه الذي استغرق‏690‏ صفحة لم يقنع أحدا‏.‏

==================

زيارة نجاد... رؤية لمأزق لبنان

تاريخ النشر: الأحد 17 أكتوبر 2010

الاتحاد

جاء الرئيس الإيراني إلى لبنان في زيارةٍ دعاه إليها نظيره اللبناني، استغرقت يومين، وشَغَلَتْ لبنانَ والمنطقة والمجتمع الدولي. فقد سادتْها الاحتفالات الجماهيرية الحاشدة، من جانب "حزب الله" و"حركة أمل"، وسادتها أيضاً خطابات الرئيس نجاد والمتحدّثين من "حزب الله" و"أمل"، وفي طليعتهم نصرالله وبري.

أمّا نجاد فاعتبر المقاومة (ولبنان مركزها) جزءاً من التحالُف الثُلاثي الذي يضمُّها إلى إيران وسوريا. وما اكتفى بذلك إذ ضمَّ "التحالُف" في بعض كلماته كلاً من تركيا والعراق وفلسطين. ثم عمد إلى وضْع التحالُف المذكور في سياق حركة الشعوب التحررية على امتداد العالم؛ وكُلُّ ذلك في مواجهة أميركا وإسرائيل. ثم كان الخطاب يعود فيتركَّز على اعتبار لبنان خطَّ المواجهة الرئيسي للتحالُفين الضيّق والعريض!

وما خلا الأمر من توجُّهٍ آخَرَ، أسهم فيه كُلٌّ من نجاد والرئيس اللبناني. فنجاد أكَّد على أهمية الوحدة الداخلية اللبنانية، وعلى التنوع والعيش المشترك في لبنان. وذكر في فقرة حسّاسةٍ نسبياً أنّ "يد الغدر" امتدّت إلى صديقٍ لإيران (يقصد رفيق الحريري)، وأنّ تلك "اليد" تريد أن تمتدّ إلى أصدقاء آخرين للجمهورية الإسلامية (وهو يقصد "حزب الله" في موضوع المحكمة). ثم عاد فنهى اللبنانيين عن التنازع حول المحكمة، معتبراً السلم الأهليَّ خطاً أحمر. أمّا رئيس الجمهورية اللبنانية فذكر القرار الدولي رقم 1701 وإصرار لبنان على تنفيذه، بجميع مندرجاته. كما ذكر احتياج لبنان للاستقرار الداخلي ولجهود التنمية. وما ذكر الرئيس الإيراني القرار الدوليَّ في إجابته؛ بل دعم أُطروحةَ الاستقرار، وأفاض في ذكر المساعدات التي قدمتها إيران للبنان وسوف تقدِّمُها له بدون حدود.

وأمام هذا الحشد، بدا لبنان سَلِسَ القياد، على غير عادته في مثل هذه المناسبات؛ إذ ما ارتفع صوتٌ من أيّ جهةٍ للتنبيه إلى أنّ هذا الحُبَّ الكبير لبلادنا وتجربتنا، يقتضي أيضاً التأمُّل والمراجعة للقدرة والوظيفة والدور. وقبل ذلك وبعده للصيغة اللبنانية "الفريدة"، ومدى قدرتها على تحمل الجبهة العريضة للتحرر والتحرير وأنه لا يصلح خطاً للمواجهة لهذه الجهة أو تلك. بل على العكس من ذلك؛ فإنّ أمين عام "حزب الله"، وضع نفسَه في موقع الهجوم في أُفق المشروعين: الثوري القومي والإسلامي (تحرير فلسطين)، والناصري العربي (لاءات الخرطوم الثلاث). أمّا الرئيس برّي فتحدث عن الشرق الأوسط الإسلامي، وانصرف على مدى دقائق إلى مطالبة الرئيس الإيراني بالكشف عن مصير الإمام موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا عام 1978.

ما معنى ذلك كلّه؟ ولماذا جاء الرئيس الإيراني إلى لبنان الآن؟ وماذا تعني كلماته؟

- ما ذكر الرئيس نجاد في كلماته مشكلةً غير مشكلة فلسطين، معتبراً أنّ الطريقة اللبنانية في المقاومة والانتصار، هي الطريقةُ الصحيحةٌ والمُجْدية لتحرير فلسطين. وبذلك فإيران ما تزالُ تعتبرُ حَمْلَ راية فلسطين أساساً للعمل في صراعها مع الولايات المتحدة، وفي صراعها مع بعض الأنظمة العربية المُخاصِمة لها. بل وإنها بذلك تُكْسِبُ "حزب الله" وسلاحهُ مشروعيةً في نظر الجمهور العربي والإسلامي، ما كانت لتكونَ له لو ظلَّ الأمر قاصراً على تحرير الأرض اللبنانية؛ وبخاصةٍ بعد أن صار هو وسلاحُهُ مشكلةً داخليةً لبنانيةً كبيرة لاستخدامه له، تهديداً واسيتلاءً، في مايو 2008.

- اعتبر الرئيس الإيراني لبنان جزءاً من جبهةٍ رأسُها إيران في مواجهة أميركا وإسرائيل، ولتحرير الشعوب من الطُغاة والمهيمنين. ولكي لا يُقالَ إنّ كلَّ أجزاء المحور أو معظمها عربية، فلماذا لا تُترك للعرب، ذكر الرئيس الإيراني أنه أتى من "الباب الشرعي" عندما تحدّث إلى العاهل السعودي وإلى الرئيس السوري قبل مجيئه. ولا نعرفُ ماذا قال لهما أو قالا له؛ لكنّ الإحساسَ المستمرّ بأنّ الآخرين سيظلُّون يذكرون أنّ الأرض عربية، والقضايا عربية، هو الذي دفع أمين عامّ "حزب الله" لمُلاقاة الرئيس الإيراني بهذا المعنى عندما ذهب إلى أنّ إيران ما طلبت يوماً من الحزب شيئاً، وأنّ مشروعه التحريري عربيٌّ عربيٌّ؛ وإنْ يكن "عميق الإيمان" بالولي الفقيه وشجاعته وحكمته.

- خاطب نجاد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي باعتبار لبنان منطقة نفوذٍ له (وكذلك العراق وسوريا، وإن اختلفت الأشكال)، وهي منطقةُ نفوذٍ حسّاسة في غرب الفرات، وعلى البحر المتوسّط، وحدود الكيان الصهيوني. وكلُّها ليست أُموراً هيّنة، بل عليهم مُراعاتُها؛ فلا تفاوُضَ بدون إيران، كما أنّ لبنان مثل العراق ينبغي أن يدخلا في حساب الجمهورية الإسلامية ومُصارعيها حتّى في الصفقة على البرنامج النوويّ وما دونه.

- أَعلن عن رضاه عن سلاسة لبنان بالصيغة الحالية، والتي لا يرغبُ هو ولا الوليِّ الفقيه في تغييرها حتّى إن استطاعوا. فهم لا يريدون تكرار تجربة "حماس"، وأن يكونوا مسؤولين عن أكل الناس وشربهم؛ فضلاً على الإزعاج الآتي من اهتمام مسيحيي العالم ومُسْلميه بمصائر لبنان. لكنه أعلن عن انزعاجه من محاولة "يد الغدر" الامتدادَ إلى "حزب الله"، وأنه يتمنّى حلَّ المُشكل داخلياً، وعدم الخضوع للتآمُر الخارجي (من خلال المحكمة الدولية).

زادت زيارة الرئيس الإيراني من أخطار الحرب. فهو في كلمته ببنت جبيل على الحدود مع الكيان الصهيوني، قال كلَّ شيء إلا المطالبة اللفظية بإلغاء القرار 1701 وسحْب القوات الدولية. والواقع أنّ "الحرب" ما انتظرت تصريحات الرئيس الإيراني، فهناك "اشتباكٌ" بين الفلسطينيين والإسرائيليين على التفاوض لم يُستعمل فيه السلاحُ بعد. ومن جهةٍ أُخرى انخفض النشاط الأميركي لدفع التفاوض إلى الأمام، بسبب الانشغال بالانتخابات النصفية. وفي فترات الانتخابات الأميركية الرئاسية والنيابية يشُنُّ الإسرائيليون حروبهم في العادة. ووسط هذا الواقع المحموم والمتشابك، تتصاعد الأزمتان الداخليتان بالعراق ولبنان. في العراق، للعجز عن تشكيل حكومة بعد مُضيّ سبعة أَشْهُر على الانتخابات النيابية. وفي لبنان للصراع حول المحكمة الدولية، وهي معركةٌ بدأها "حزب الله" قبل ثلاثة أَشْهُر.

وما يزال لبنانيون كثيرون، ممن أرهقتهم الأزمة المستمرة والمتصاعدة، يأمُلُون أن يُجَنَّبَ لبنان الأسوأ، بأن لا يتحوَّلَ إلى ساحة حربٍ مع الخارج أو بالداخل كما حدث على مدى العقود الأربعة الماضية. وقد باح عدةُ سياسيين بمخاوفهم؛ بيد أنّ أصرحَهُم في هذا المجال، كان وما يزال النائب وليد جنبلاط، الذي ما يزال يُنذر حيناً بالحرب المدمِّرة، وأحياناً بالنزاع بين السنّة والشيعة، والذي قد يتسبَّب بأنهارٍ من الدم والدموع! ولله الأمر من قبل ومن بعد.

====================

الغضب الصيني على "نوبل للسلام"

د. عبدالله المدني

تاريخ النشر: الأحد 17 أكتوبر 2010

الاتحاد

عملت القيادة الصينية جاهدة خلال العقدين الماضيين على إعطاء انطباع جميل للآخر عن بلادها، آملة من وراء ذلك محو كل ما تعلق بالأذهان من صور مخيفة عن الحقبة الماوية، التي اتسمت بالفوضى والعنف وإهدار الكرامة الآدمية وتصدير الأيديولوجيا إلى الجوار وما وراء البحار. وفي سبيل ذلك اعتنقت بكين فكرة أن تحقيق هذا الهدف يتساوى في أهميته مع أهمية بناء مجتمع داخلي متناغم، وقوة اقتصادية متينة عمادها التصنيع والتصدير، علاوة على قوة عسكرية مهابة. ولوضع الفكرة موضع التنفيذ، جندت الدولة وحزبها الشيوعي الحاكم وجيشها الأحمر كل ما تحت يدها من مقدرات إعلامية ومادية متنامية لمنع حدوث ما يشوه صورة الصين الجديدة، خصوصاً بعدما نجحت الأخيرة في تجاوز اليابان وألمانيا وصارت ثاني أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة .

وهكذا، صار أكثر ما يزعج بكين ويسبب لها الحساسية هو تبني الإعلام الغربي أو إعلام الدول الآسيوية المنافسة لقضية داخلية صينية عبر التركيز على تفاصيلها واستضافة رموزها. وتفادياً لوقوع مثل هذا "المحظور"، دأبت الدبلوماسية الصينية على التحرك السريع، بل لوحظ قيامها بتهديد الجهات المعنية من عواقب إزعاج بكين، وتداعياته السلبية على الروابط البينية. وقد رأينا ذلك في مناسبات عديدة ابتداء من غضب بكين على نيودلهي لاستضافتها الزعيم الروحي للتبت "الدلاي لاما" فوق أراضيها، وانتهاء بغضبها على إدارة "جورج دبليو بوش" لإشادته بزعيمة متمردي "الإيجور" المسلمين "ربيعة قدير" أثناء مؤتمر حول الديمقراطية والأمن في العاصمة التشيكية في يونيو 2007 ، ووصفه لها بأنها "امرأة موهوبة ومصدر فخر لوطنها". بل رأيناه في ديسمبر 2008 حينما التقى ساركوزي علنا بزعيم التبت الروحي في بولندا، ثم رأيناه مجدداً في فبراير من العام الجاري حينما استقبل أوباما الدلاي لاما في البيت الأبيض. ففي كلتا الحالتين أدار الرئيسان الأميركي والفرنسي ظهريهما لتحذيرات بكين، ولم يكترثا بتهديداتها.

وفي سياق المخاوف نفسها، بادرت بكين قبل عدة أسابيع إلى إرسال نائب وزير خارجيتها "فو جينج" على عجل إلى أوسلو لنقل رسالة إلى مدير لجنة جائزة نوبل "جير لونديستاد" تحذره فيها من مغبة منح جائزة نوبل للسلام لعام 2010 للناشط الصيني المعتقل "ليو شياو بو". وقد أكدت الخارجية الصينية لاحقاً أنها مارست بالفعل ضغوطا قوية على أوسلو للتدخل من أجل رفع اسم "شياو بو" من قائمة ضمت 237 مرشحاً لنيل الجائزة المذكورة التي تعتبر الأهم ضمن جوائز نوبل، بل أكدت أيضاً أنها حذرت النرويجيين من التداعيات السلبية لمثل هذه الخطوة على علاقات الدولتين. غير أن أوسلو كررت ما فعلته واشنطن وباريس، فلم تعط بكين آذاناً صاغية، وتجاهلت تحذيراتها، وذلك حينما اختارت "شياو بو" ليكون الفائز رقم 91 بجائزة نوبل للسلام. وهذا الأمر لئن تسبب في صدمة في بكين، فإنه أيضاً حمل لها رسالة أولى مفادها أن دول الغرب ليست كأقطار أفريقيا السوداء وأميركا اللاتينية، بمعنى أنها ليست كالأخيرة لجهة الحاجة الماسة لمساعدات تقنية وقروض إنمائية واستثمارات رأسمالية تأتيها من الصين كي ترضخ وتنفذ كل ما تطلبه منها بكين، ورسالة ثانية مفادها أن الصين – رغم صعودها المذهل - لم تبلغ بعد قوة بريطانيا العظمى في الأربعينيات من القرن المنصرم، حينما تدخلت خمس مرات لمنع ذهاب جائزة نوبل للسلام للزعيم الهندي الكبير "المهاتما غاندي"، فكان لها ذلك على الرغم من وجود اسم غاندي على رأس قائمة المرشحين بسبب دوره الكبير في تجسيد مبدأ "اللاعنف".

والحقيقة أن الحدث فاجأ القيادة الصينية، لأنها كانت حتى اللحظة الأخيرة تتوقع من لجنة جائزة نوبل أن تتوخى الحذر، فلا تقدم على عمل يقلل من مصداقيتها، خصوصاً بعدما تعرضت تلك المصداقية لهزة في العام الماضي حينما منحت جائزتها للسلام لرئيس منتخب للتو، لم ينجز في حياته أي عمل حقيقي في مجال السلام، ونعني بهذه الشخصية الرئيس "باراك أوباما". غير أن ما لم يدركه الصينيون أو تغافلوا عنه هو أن لجنة جائزة نوبل دأبت في السنوات الأخيرة على التزام نهج جديد تمثل في منح جائزتها للسلام إلى شخصيات سياسية ذات تاريخ حافل داخل بلدانها في مقاومة الديكتاتورية مثل زعيمة المعارضة البورمية "أونج سان سو كي"، أو شخصيات حقوقية ذات باع طويل في الدفاع عن المضطهدين والمحرومين مثل الإيرانية "شيرين عبادي"، أو شخصيات ذات اهتمامات تتعلق بالمحافظة على البيئة مثل الكينية "وانجاري ماتاي".

وبما أن "المحظور" قد وقع، فإن بكين لم تجد أمامها سوى تجنيد أدواتها الإعلامية لشن حملة ضد لجنة نوبل ومن يديرها، مرددة ما قيل مراراً من أن العوامل السياسية تلعب دوراً كبيراً في توجيه جوائزها، وأنها صارت مجرد جهاز يأتمر بأوامر الغرب. بل إن الإعلام الصيني المملوك للدولة لم يدخر وسعاً من أجل إثبات أن منح نوبل للسلام للدكتور "شياو بو" يعد مخالفة صريحة لما أوصى به "ألفرد نوبل" قبل وفاته، بمعنى أن الفائز لا يستحق الجائزة لأنه "لم يكن يوماً من دعاة الصداقة بين الشعوب أو دعاة نبذ العنف".

على أن موقف بكين، مهما كان شكله، لا يلغي حقيقة استحقاق الدكتور "شياو بو" للجائزة بسبب عوامل كثيرة. فهذا الأكاديمي القادم من بيئة فقيرة كادحة، لكن المولود لأسرة من المثقفين والنجباء، ذاع صيته منذ عام 1989 (حينما شارك في أحداث ساحة تيانان مين الدموية) كواحد من أكثر النشطاء الصينيين حركة وعلماً وشجاعة وتحملاً لويلات المعتقلات الصينية. فكان يودع السجن ويخرج منه ليودع فيه مجدداً (بلغ عدد السنوات التي قضاها في السجون نحو عشرين عاماً، علماً بأن آخر حكم ضده بالسجن لمدة 11 سنة صدر العام الماضي) بنفس التهم التي كانت تتمحور حول دفاعه عن حقوق الإنسان الصيني وحريته في التعبير، ومطالبته بصين أكثر انفتاحاً سياسياً، وانتقاداته لهيمنة الحزب الواحد على مقاليد السلطة لأكثر من ستة عقود متواصلة، واشتراكه في كتابة العرائض.

================

خطة مارشال" صينية لإنقاذ أوروبا

بقلم: أنتوانيتا بيكر

اخبار الخليج

17-10-2010

وكالة آي بي إس

أثار العرض السخي الذي قدمته الصين لبعض الدول الأوروبية المثقلة بالديون، بدءا باليونان، لمساعدتها على تجاوز آثار الأزمة المالية العالمية، سلسلة من الانقسامات الحادة بين الخبراء الذين يعتبرونه "خطة مارشال صينية" لأوروبا، والمراقبين السياسيين الذين ينظرون إليه كمؤشر على توغل صيني شيوعي في القارة.

فقد قاد رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو حملة دبلوماسية مكثفة خلال جولته الأخيرة مدة أسبوع في عدد من العواصم الأوروبية، التي هدفت أساسا إلى تبديد الشكوك ونزع فتيل المخاوف من نفوذ بكين المتنامي على الصعيد العالمي.

وشملت الجولة كلا من اليونان وإيطاليا وبلجيكا وتركيا حيث أجرى المسئول الصيني محادثات حول تسهيل دخول الشركات الصينية إلى الأسواق الأوروبية، ووقع بضع صفقات استثمارية، وتحدث عن خطط عمل طويلة الأجل لتعزيز وجود الصين في الدول الأوروبية.

والخلاصة، كانت الرسالة التي أوحى بها رئيس الوزراء، ومن دون لبس، للقادة الأوروبيين، هي أن الصين أصبحت الآن لاعبا مهما على الساحة المالية والاقتصادية الأوروبية.

لقد قارنت فيرونيك سالز - لوزاتش الخبيرة في مؤسسة آسيا، "خطة الإنقاذ" الصينية لانتشال الاقتصادات الأوروبية، بخطة مارشال في الأربعينيات، قائلة: "إنها تمثل نقطة تحول في الاعتراف بالصين باعتبارها لاعبا رئيسيا في العالم".

وأضافت في تقرير أخير لها أنه "على غرار خطة مارشال، لا يعتبر العرض الصيني لمساعدة اليونان نوعا من التضامن المنبثق من حسن النيات، بل هو بعيد حقا عن "نكران ذات" والعمل الخيري"، مؤكدة أن الخطة الصينية "ترقى الى استراتيجية اقتصادية ومالية ذكية ومستنيرة".

ولقد جدد رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو في محطته الأولى في أثينا، التزام بلاده بالاستقرار المالي الأوروبي، ووصف الاتحاد الأوروبي والصين بأنهما "مسافران على القارب نفسه".

وأضاف "نأمل من خلال تكثيف التعاون معكم أن نتمكن من تقديم بعض العون لكم في مساعيكم للتغلب على الصعوبات في أقرب وقت ممكن". وأكد في خطابه أمام البرلمان اليوناني أن "الصين لن تخفض ما لديها من سندات اليورو، وأن بكين تدعم استقرار عملة اليورو".

ثم عرض ون جيا باو شراء السندات الحكومية اليونانية عندما تعود اليونان إلى الاقتراض في الأسواق الدولية، كما اقترح إنشاء صندوق بقيمة 5 مليارات دولار لدعم تطوير الأسطول التجاري اليوناني بسفن صينية، وتعهد بدعم المزيد من الاستثمارات الصينية في الاقتصاد اليوناني.

ويضاف كل ما سبق إلى الاتفاقيات القائمة بالفعل لاستئجار وتشغيل الميناء اليوناني الرئيسي مدة 35 عاما، وبناء محطة لوجستية للتواصل مع جنوب شرقي أوروبا. كما تستعد اليونان لبيع أصول مملوكة للدولة لجمع الأموال التي تحتاج إليها أشد الحاجة، وهنا تحدثت الصين عن إجراء المزيد من الاستثمارات في قطاعات الاتصالات والسكك الحديدية والبناء اليونانية.

ولقد أثار هذا التوغل الصيني في اليونان موجة من الاستياء بين المراقبين الذين لوح البعض منهم إلى شبح الخطر الصيني.

فكتب اروين ستلزر مدير دراسات السياسة الاقتصادية بمعهد هدسون، في صحيفة صنداي تايمز البريطانية "اتخذ ونستون تشرشل وهاري ترومان خطوات لمنع استيلاء الشيوعيين على اليونان، والآن يعد ون جيا باو (رئيس الوزراء الصيني) بشراء السندات اليونانية حينما يتم عرضها مرة أخرى في الأسواق العالمية، وكذلك المساعدة على انتشال هذا البلد المفلس من خلال الاستثمار في اقتصاده".

لكن اليونان ليست هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي يدير مسئولوها أنظارهم نحو الصين باعتبارها ضامنا ممكنا للانتعاش الاقتصادي في بلادهم، ففي وقت سابق من هذا العام، اشترت بكين 400 مليون يورو من ديون الحكومة الاسبانية، وتردد أن البرتغال وإيرلندا - وكلتاهما مهددة بالديون المرهقة وتكاليف خطط الإنقاذ- تتوددان للصين أيضا للاقتراض منها.

إن بعض الأوساط السياسية ينظر إلى ما يعتبره إغراءات صينية للدول الأوروبية المثقلة بالديون على أنها استراتيجية صينية في سياق مبدأ "فرق تسد"، ولاسيما في ضوء فشل مساعي الاتحاد الأوروبي في وضع إطار سياسي متماسك وموحد للتعامل مع العملاق الاقتصادي.

وبدوره، صرح مسئول في الاتحاد الأوروبي في بروكسل بأنهم (الصينيين) يشكون من أنه "من الصعب جدا التعامل مع أوروبا تتحدث بأصوات كثيرة مختلفة، لكنهم في الواقع تمكنوا من استغلال هذا الوضع لمصلحتهم، وفي التعامل مع أعضاء (في الاتحاد الأوروبي) مختلفين بعضهم عن البعض الآخر".

لكن الخبراء الصينيين يقولون إن أوروبا والصين لديهما الأسباب المبررة نفسها لتعميق العلاقات بينهما.

يقول تشانغ غووكينغ، الباحث المتخصص في بالسياسات العامة في جامعة بكين: "بالنسبة إلى أوروبا، تلعب الصين ورقة مساومة لزيادة وزنها أمام الولايات المتحدة.. ومن الواضح لأوروبا أن هذه هي فرصتها لتعزيز التجارة والاستثمارات مع الصين في هذا الوقت الذي يعد فيه البعض في واشنطن لشن حرب تجارية مع الصين".

أما تشو هونغ، مديرة معهد الدراسات الأوروبية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فقد قالت لوكالة انتر بريس سيرفس: "إن الصين تسرعت في التصرف مع أوروبا، بل تصرفت من دون التفكير في ردود فعل الجانب الأوروبي". واعتبرت أنه كان يجب على الصين أن تتشاور مع بروكسل (المفوضية الأوروبية) وذلك في ضوء احتمال أن يتم النظر إلى الاستثمارات الصينية "كتدخل في قواعد اللعبة الأوروبية".

في المقابل يقول دنكان فريمان، الباحث في معهد بروكسل للدراسات الصينية المعاصرة إن الصين "عادة ما تدان إذا ما فعلت شيئا وإذا لم تفعل شيئا. لكن الواقع هو هناك مبالغة كبيرة سواء في اعتبار ما فعلته الصين في اليونان وآثار استثماراتها أنهما خطة مارشال صينية أو محاولة لاستيلاء الشيوعيين على أوروبا".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ