ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 20/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

أوروبا التي تصرخ من سياسة الإقصاء والعزل

المستقبل - الثلاثاء 19 تشرين الأول 2010

العدد 3805 - رأي و فكر - صفحة 19

علي بدوان

جاء صراخ الأطراف الأوروبية بشأن استبعادها من مسار وتفاعلات عملية "التسوية" الجارية في المنطقة متأخراً جداً، بعد سنوات طويلة من الإقصاء التي مارستها الولايات المتحدة بحق العديد من المنظومات والكتل الدولية الكبرى، التي تم تحييدها عن مسار الأحداث في المنطقة، مقابل إبقاءها كمجموعات مانحة وممولة لعملية التسوية.

وجاءت الصفعة الأميركية القوية لدول الاتحاد الأوروبي، عندما عملت واشنطن على تجاهل دعوة دول الاتحاد أو أي مندوب عنها لحفل افتتاح الجولة الأولى من المفاوضات المباشرة في واشنطن في الثاني من أيلول 2010، وحتى في الجولة الثانية التي عقدت في شرم الشيخ بالرغم من الوساطة المصرية من أجل كرسي للاتحاد الأوروبي، أو حتى من أجل حضور شكلي ولقطة تصويرية إلى جانب المتصافحين في شرم الشيخ، قبل دخولهما إلى قاعة المفاوضات المباشرة، علماً أن الرئيس المصري حسني مبارك كان قد وعد الفرنسيين خلال مروره بباريس في طريقه إلى واشنطن في اليوم الأول من أيلول 2010، بدعوة الأوروبيين إلى شرم الشيخ.

الصراخ الأوروبي والاحتجاج على منطق الاستبعاد، يعبر عن روح جديدة وايجابية وان جاء متأخراً جداً، لكن محاذيره تبقى في جوهر الموقف الأوروبي ذاته، الذي كان ومازال موقفاً متذيلاً وبحدود واسعة للموقف الأميركي، ليس بشأن الشرق الأوسط وقضية فلسطين فقط، إنما بشأن معظم القضايا الكونية التي باتت في العقد الأخير تقلق المجتمع الدولي بأسره، من أفغانستان إلى العراق إلى الأزمات الاقتصادية العالمية... الخ.

وفي هذا السياق، تكتسب الجولات المتتالية لوزيرة خارجية دول الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون إلى المنطقة أهمية متزايدة في إطار البحث الأوروبي عن دور جدي وحقيقي وفاعل بعيداً عن الدور الاستخدامي التمويلي الذي طبّع الدور الأوروبي طوال العقدين الماضيين.

فالمطلوب من المبعوثة الأوروبية، ليس دعم المفاوضات المباشرة كما صرح الناطق باسمها، بل ان المطلوب منها فتح الطريق أمام دور أوروبي جديد، يعيد إلى العملية السياسية نوعاً من التوازن، في ظل الانحدار الذي واجهته وتواجهه منذ سنوات طويلة نتيجة الموقف الأميركي البعيد عن التوازن، والبعيد حتى عن المصداقية.

ان عدم وجود ممثل للاتحاد الأوروبي في إطار عملية المفاوضات في المنطقة وعلى مسارها الفلسطيني/الإسرائيلي يعود للأوروبيين ذاتهم، الذين ارتضوا هذا الموقف منذ عقدين من الزمن، عندما قبلوا بدورهم السياسي المحدود، واقتصرت مهمتهم على تمويل العملية الجارية ضمن مجموعة الدول المانحة، وهو ما يشبه إلى حد بعيد دور اليابان وحتى الصين وروسيا بالرغم من ابتعاد بكين وموسكو عن لعب دور المانح الاقتصادي.

ان الصحوة الأوروبية الأخيرة، التي عبر عنها أكثر من مصدر أوروبي مسؤول وأخرهم الرئيس الفرنسي نيقولاي ساركوزي ودون مواربة عند استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أقل من أسبوعين بقوله "لا نريد ان نكون مجرد متفرجين لا دور لهم"، مطالباً بدور ملموس وبمكانة لأوروبا، ان هذه الصحوة تبقى دون تأثير ودون مفاعيل على الأرض، مادامت السياسات الأوروبية موازية أو على نسق واحد من الرؤية الأميركية لقضايا المنطقة.

كما ان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، ورغم ان الاتحاد الأوروبي ممثل رسمياً في اللجنة الرباعية من اجل الشرق الأوسط، انتقد مع نظيره الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس عدم تقدير الولايات المتحدة لدور أوروبا في الشرق الأوسط، معتبراً أن "الولايات المتحدة ما تزال لا تدرك كفاية ما هي أوروبا".

وفي هذا السياق، فان نجاح باريس بالإعداد لقمة (الاتحاد من اجل المتوسط) والمقررة في أواخر تشرين الثاني القادم، والمساهمة في مسار عملية "التسوية" المهددة بالانهيار مع استمرار الرفض الإسرائيلي الصهيوني لوقف عمليات تهويد الأرض الفلسطينية واستيطانها، يفترض بها (أي بباريس) ان تبادر لاتخاذ مواقف شجاعة بتسليط الضوء على الموقف الإسرائيلي والضغط على الدولة العبرية الصهيونية لوقف سياساتها المدمرة لعملية التسوية، وخصوصاً بالنسبة لتهويد الأرض من جانب، ورفع الحصار كاملاً عن قطاع غزة من جانب أخر، خصوصاً وان فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي قادرة على الضغط الجدي على إسرائيل انطلاقاً من وزنها الدولي المفترض، وانطلاقاً من كونها الشريك الاقتصادي الأول للدولة العبرية الصهيونية إذ تستورد فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي غالبية الصادرات الإسرائيلية.

في هذا السياق، ومن أجل توضيح الأمور كما هي دون قفزات هوائية، نقول ان دول الاتحاد الأوروبي منقسمة تجاه ما يجري في الشرق الأوسط، وهو أمر أضعف ويضعف من دورها في مسار الأحداث، وفي تشكيل رؤية أوروبية موحدة تجاه عملية التسوية وما يدور بشأنها. فالموقف البريطاني على سبيل المثال، كالموقف الهولندي أضعف من دور أوروبا، وشكل تابعاً أعمى لسياسات الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، وهو ما اتضح بشكل جلي تجاه الموضوع العراق على سبيل الذكر لا الحصر، حين افترقت بريطانيا وهولندا عن مواقف الدول الأوروبية، التي ما لبثت أن بادرت والتحقت جميعها بالدور الأميركي.

أخيراً، ان الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تريدان أي شريك أو مراقب في مسار العملية التفاوضية، وذلك لإضعاف الطرف الفلسطيني والعربي عموماً. ومن هنا ان الدور الأوروبي المتوازن المرتقب، والمنتظر من قبل العرب، يفترض بالأوروبيين التفتيش عن مصالحهم التي ابتلعتها واشنطن، كما ابتلعت مصالح غيرهم من الدول والمنظمات السياسية الكبرى في العالم. فأوروبا والعرب جيران في حوض المتوسط، تربطهم علاقات التاريخ والجغرافيا والمصالح، وعلى الأوروبيين أن يعوا حقائق التاريخ ودروسه، فهم من أوجد "إسرائيل" وهم من يدفعون الآن تبعات سياسات قديمة مارسوها خلال عقود ماضية، وأدت بهم في نهاية المطاف إلى دور هزيل لا يرتقي إلى قوة أوروبا وحضورها الحضاري والاقتصادي على صعيد المعمورة بأسرها.

=========================

اختفاء العرب في «شرق أوسط» إيراني / تركي

غسان الامام

الشرق الاوسط

19-10-2010

1960: كنت في عداد وفد صحافي يعتزم القيام بزيارة إلى بعض بلدان أفريقيا الغربية. كانت الزيارة تندرج في إطار تنمية علاقات الصداقة بين الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية) وأفريقيا المتحررة حديثا من الاستعمار.

قضينا أياما في روما. ثم أياما في زيوريخ (سويسرا)، في انتظار الإذن (الفيزا) بالزيارة. كان لا بد من المرور في أوروبا، لأن الطيران المدني المباشر إلى بلدان أفريقيا لم يكن متاحا، بعد. كانت المفاجأة لنا، في هذه الجولة، وجود شباب ورجال أعمال عرب في استقبالنا، في مطار كل بلد زرناه، إلى جانب مستقبلينا الأفارقة.

من هم هؤلاء العرب؟ كانوا لبنانيين من جيل شيعي مهاجر. معتز بعروبته. يفخر بها في مهجره. ويباهي بالدولة العربية الجديدة التي كانت أمل العرب آنذاك. كان اللقاء أخويا. عاطفيا. لم نسمع كلمة (خوش آمديد) الفارسية التي تعني بالعربية (أهلا وسهلا)، تلك التي استقبل بها الرئيس الإيراني نجاد، في زيارته الشاهنشاهية الأخيرة للبنان. فلم يكن حزب الله قد ولد، بعد.

في عام 1963، انتقلت إلى العمل في لبنان. كان جيل الخمسينات والستينات الشيعي قد شكل الخزان البشري للأحزاب القومية واليسارية هناك. جيل مثقف. معاد لإيران الشاهنشاهية. جيل يتوقد حماسة للمقاومة الفلسطينية. ولكل ما هو عربي. جيل رافض لمحاولة رجل الدين موسى الصدر، استرداده إلى حضن إيران والطائفة.

بعد انفجار الحرب الأهلية (1975)، والدخول العسكري السوري إلى لبنان (1976)، اقتضت لعبة الأمم، خلال الحرب الباردة، اغتيال كمال جنبلاط زعيم اليسار اللبناني المتحالف مع عرفات، في الإصرار على المضي في الحرب. كان الغضب العارم على رجل الدين موسى الصدر الذي نقل ولاءه إلى الخميني، قد استبد بالجيل الشيعي المعارض لموقف الصدر المتحالف مع سورية، في رفض الاستمرار بالحرب.

وهكذا، اقتضت لعبة الأمم أيضا تغييب الصدر قسريا خلال زيارة مشؤومة إلى ليبيا (1978). ووجد الأب الأسد في نبيه بري البعثي السابق المنضوي تحت لواء الصدر، الرجل المدني المناسب لقيادة الطائفة الشيعية، من دون حاجة إلى عمامة الصدر الدينية. غير أن مهارة وذكاء الرجلين لم يمنعا إيران الخميني من استيلاد حزب الله من رحم حركة أمل التي يتزعمها بري.

في الحلف مع إيران الخميني ضد بعث العراقي بقيادة صدام، اضطر الأسد الأب إلى مسايرة واعتماد حزب الله في لبنان. وقادت سورية في الثمانينات، بدعم ومشاركة شيعية. درزية. فلسطينية. حرب استنزاف أدت إلى انسحاب القوات الأميركية، وانكفاء القوات الإسرائيلية (التي غزت لبنان عام 1982) إلى الجنوب.

كان الظهور السلمي لرفيق الحريري، المدعوم سعوديا، كزعيم للسنة اللبنانية، منغصا للمشروع الشيعي الإيراني في لبنان. وكان نجاح حزب الله في فرض انسحاب إسرائيلي من لبنان (2000)، بمثابة تقويض للسلام السعودي / السوري في هذا البلد العربي المعذب. تم إقصاء الحريري عن الحكم. ثم جرى اغتياله (2005).

ولم يكن بالإمكان استعادة التفاهم السعودي / السوري، إلا بعد توفر دلائل ظنية، لدى محكمة الحريري الدولية، بأن حزب الله وليست سورية، هو المتهم الأساسي بالتغييب القسري للحريري الأب. وتوج التفاهم بتهدئة ثنائية مشتركة في لبنان، من خلال زيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد في وقت سابق من هذا العام.

كان الرد الإيراني سريعا على استعادة السلام السوري / السعودي: شدد حزب الله حملته على المحكمة الدولية، ملحا على لبنان الرسمي لسحب الاعتراف بها. بل لجأ إلى إعدام عدد من كوادره سرا، بتهمة التجسس لإسرائيل، خوفا من تقديمهم إلى القضاء اللبناني علنا، واحتمال اعترافهم بمشاركتهم في اغتيال الحريري.

في الوقت ذاته، نجح نجاد خلال دعوته بشار لزيارة طهران في تغيير المسارات السورية. فقد شنت سورية حملة مفاجئة على المحكمة. وصدرت مذكرات ملاحقة قضائية سورية ضد ساسة الأكثرية الحريرية بتهمة فبركة «شهود الزور» أمام المحكمة ضد سورية. بعد ذلك، أوفد نجاد مرشحه نوري المالكي إلى دمشق، لضمان دعم سورية له كحاكم للعراق خمس سنوات أخرى، بدلا من المرشح (السوري / العربي) إياد علاوي.

كل ذلك كان تمهيدا لزيارة نجاد «الشاهنشاهية» إلى لبنان، في إجراءات وتظاهرات واحتفالات لا مثيل لها في تاريخ العلاقات الدولية، تأكيدا لهيمنة إيران على الطائفة الشيعية اللبنانية، ومحاصرة لبنان الرسمي، وسط ذهول الطوائف السنية. المسيحية. الدرزية.

ولعل زيارة الأسد إلى الرياض كانت لتقديم تفسير للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للمواقف السورية الجديدة، أو لتقديم اقتراحات للعودة إلى تثبيت التفاهم والسلام الثنائي في لبنان، في أعقاب الزيارة الإيرانية، أو لإيجاد حل لقضية المحكمة مُرض للسعودية ومصر، وتقبل به إيران، كإنقاذ لسمعة و«شعبية» حزبها في الشارع العربي، من اتهام قضائي دولي يجرمه باغتيال الحريري الأب.

أخيرا، لعل النظام العربي، خصوصا في مصر والسعودية، يتابع باهتمام مؤشرات ودلائل توحي بتشكل نواة مشروع ل«شرق أوسط» جديد إيراني / تركي، يحل محل المشروع الأميركي الفاشل. هذا المشروع تطلق عليه تركيا أردوغان وصف «السوق الاقتصادية» لترويج استثماراتها في دول الشرق العربي (سورية. لبنان. الأردن)، بالإضافة إلى إيران، فيما يصفه نجاد خلال زيارته لبنان، بأنه «اتحاد» قد يصبح ستارا لاختراق إيران المشرق، مضيفا له عراق المالكي المدعوم إيرانيا.

لا أدري ما إذا كانت زيارة أردوغان لدمشق، خلال زيارة نجاد لبنان، جاءت مصادفة. أو متعمدة. إمعانا في الضغط على سورية. على أية حال، سواء كان المشروع «سوقا» أو «اتحادا»، فالواضح أنه يغيّب المشرق العربي وراء أسماء الجغرافيا السياسية. ويبتلع أقلية عربية (50 مليون عراقي وسوري) في الشرق الواسع لدولتي الكثافة السكانية الإيرانية / التركية (150 مليونا).

قبل شهور، كشفت في هذه الصحيفة، عن حالة الجوع والفقر التي طالت مليوني سوري، نتيجة لجفاف البيئة. والتصحر. وفشل التنمية المائية، على الحدود مع العراق وتركيا. اليوم، ليس من باب التحريض، أن أناشد حمية الرئيس بشار العربية، عدم الانجرار، تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وراء إغراء أحلاف أو أسواق إقليمية جديدة، بمعزل عن قوة مصر دولة الكثافة السكانية العربية (80 مليونا)، وعن السعودية دولة الثقل المادي العربي.

يبقى العتب على عمرو موسى. الأمين العام للجامعة العربية يروج لمشروع يمهد لدمج دول الجوار (تركيا وإيران) في المجموعة العربية! ما أشبه العم المصري الطيب بياباني عجوز يحمل فانوسا صينيا، للبحث عن مشرق عربي في بحر مدينة سرت الليبية، مشرق مهدد بهجمة المماليك الجديدة.

=========================

وماذا إذا امتنع الفلسطينيون عن المفاوضات؟

الثلاثاء, 19 أكتوبر 2010

ماجد كيالي *

الحياة

تجادل القيادة الفلسطينية بعدم وجود خيارات بديلة لديها لمواجهة تعنت إسرائيل، في شأن تملصها من استحقاقات عملية التسوية، ومحاولاتها فرض املاءاتها في العملية التفاوضية، سوى الاستمرار بالمفاوضات. وتحاول هذه القيادة أن تسند مضيّها بهذا الخيار الى دعوى استثمار تزايد التأييد الدولي (لا سيما الأميركي) لحل الدولتين، وسعيها للحفاظ على أمن الفلسطينيين من بطش الإسرائيليين (كما حصل في تجربة المواجهات الماضية بين عامي الفين و 2005).

لكن هذه القيادة، في مجادلاتها تلك، تتجاهل حقيقة أساسية وهي أن العملية التفاوضية، التي بات لها من الزمن 17 عاماً، لم تفض إلى شيء يذكر، سوى إقامة نوع من كيان فلسطيني محدود، وتحت السيطرة الاسرائيلية، في 40 بالمئة من أراضي الضفة الغربية (إضافة إلى قطاع غزة المحاصر). وأن هذه المفاوضات، مع كل التقديمات الفلسطينية، ومع كل الضغط الدولي (والأميركي)، لم تستطع إيقاف عجلة الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية، ولو لفترة محدودة، فكيف سيتم الأمر إذاً، أو ما الذي سيلزم، للضغط على إسرائيل في شأن القضايا الأخرى (الحدود والقدس واللاجئين)؟

على ذلك فإن السؤال الأساس الذي يجب أن يوجه إلى القيادة الفلسطينية (وأن توجهه هي إلى نفسها)، هو: ما الجدوى حقاً من هذه المفاوضات؟ ثم إذا كانت هذه القيادة لا تمتلك موازين القوى اللازمة، ولا المعطيات الدولية المناسبة (كما تبيّن أخيراً)، لدفع إسرائيل نحو بعض التسوية، فما الذي تفعله إذاً في المفاوضات؟ وعلى ماذا تراهن؟

ربما لو أن ثمة تغيرات داخلية في إسرائيل تفضي بها نحو الاعتدال، وإنصاف حقوق الفلسطينيين، والتحول إلى دولة عادية (كما حصل في جنوب إفريقيا سابقاً لجهة تفكيك النظام العنصري)، لقلنا بأن هذه القيادة تراهن على هذه التغيرات، ولكن الأمور في إسرائيل تسير على عكس ذلك تماماً، أي نحو التطرف، وتكريس وضعها كدولة استعمارية وعنصرية ويهودية (دينية).

القصد من ذلك التوضيح أن عدم وجود خيارات بديلة لا يعني الاستنتاج بأن البقاء في المفاوضات هو الخيار الأسلم والأنسب للفلسطينيين، ذلك أن استمرارهم في هذا الخيار، وفي هذه الظروف، لا يؤدي إلا إلى تفكيك مشروعهم الوطني، وإثارة الشكوك في شأن عدالة مطالبهم، وتشجيع إسرائيل على قضم المزيد من حقوقهم. وعلى الصعيد الداخلي فإن هذا الخيار يساهم في تعميق الخلاف بين الفلسطينيين، ويزعزع مشاعرهم بالمصير المشترك، ويصرفهم (لا سيما في مناطق اللجوء والشتات) عن الالتفاف حول حركتهم الوطنية، التي باتت مجرد سلطة في الضفة وقطاع غزة.

أيضاً، فإن القيادة الفلسطينية، في مجادلاتها هذه، تبرر استمرارها بالمفاوضات بادعاء أن انسحابها منها قد يفضي إلى استفحال الاستيطان في الضفة الغربية، كما إلى وقف الدول المانحة دعمها المادي للكيان الفلسطيني. لكن مراجعة متفحصة للواقع على الأرض تبيّن أن الأنشطة الاستيطانية تضاعفت بالذات في فترة المفاوضات (وضمنها فترة حكم حزب العمل بقيادة ايهود باراك)، ما يدحض أطروحة وقف الاستيطان بالمفاوضات. بل إن الأمر على العكس تماماً. ذلك أن المسؤولية تقتضي الاعتراف بأن الخطيئة الأساسية إنما تكمن في اتفاق أوسلو (1993)، الذي لم يحسم مسألة وقف الاستيطان، إلى درجة أن عدد المستوطنين الذي كان لا يزيد على مئتي ألف في الضفة (وضمنها القدس) بات اليوم بحدود نصف مليون مستوطن! ويستنتج من ذلك أن المفاوضات لم توقف الاستيطان، وأن إسرائيل ستستمر بأنشطتها الاستيطانية بعملية المفاوضات أو من دونها، وبالوتائر التي تقدر عليها، طالما انه ليست ثمة كلفة سياسية وأمنية لذلك، وليس ثمة ضغط دولي عليها للدرجة المناسبة، وطالما هي سلطة احتلال. ومعنى ذلك أن الفلسطينيين يجب أن يركزوا على إنهاء الاحتلال جملة وتفصيلاً، وليس فقط على إنهاء أو تجميد احد مظاهره. وفي المقابل فإن وقف الاستيطان يحتاج الى مقاومة شعبية، وإلى موقف دولي فاعل، لا إلى رهانات سياسية لا أرضية لها.

أما بالنسبة الى ادعاء وقف الدول المانحة دعمها للكيان الفلسطيني الناشئ في الأراضي المحتلة (1967) فهذا بدوره افتراض غير يقيني، فالدول الغربية الكبرى لا تفكر، ولا تعمل، في السياسة بهذه الطريقة الساذجة، ولا بردود الفعل. طبعاً ربما تلجأ بعض هذه الدول لتوجيه ضغوط ما نحو الفلسطينيين، لكنها لن تلجأ إلى حرمان الكيان الفلسطيني من دعمها، لأن إقامة هذا الكيان جاء نتيجة ارادة دولية، واستمراره يعني هذه الدول، لجهة حفاظها على صورتها ومكانتها ومصالحها في المنطقة. فضلاً عن ذلك فإن هذه الدول باتت تدرك أن تعنت الطرف الإسرائيلي هو الذي يكمن وراء انهيار المفاوضات، ووراء تدهور عملية التسوية، التي باتت تهم أمنها القومي، ولعل هذا ما يفسر تحرك وزيري خارجية فرنسا واسبانيا، أخيرا، لا سيما في شأن إبداد الاستعداد لنقل موضوع إقامة دولة فلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حال واصلت إسرائيل تعنتها.

وإذا كانت عملية وقف المفاوضات تتضمن مخاوف على مكانة كيان السلطة، باعتباره بمثابة منجز سياسي ينبغي تطويره، أو على فكرة «حل السلطة»، باعتبار أن ذلك يخدم هدفاً إسرائيلياً، وقد يفضي إلى فوضى فلسطينية، فإن البديل عن ذلك لا يتمثل بترسيخ ارتهان هذه السلطة للاعتبارات الإسرائيلية، ولا بالرضوخ لاستمرارها كسلطة تحت الاحتلال. بمعنى آخر فإن حل هذه الإشكالية بات يتطلب التمييز بين الوظيفة التفاوضية والأمنية لهذه السلطة إزاء إسرائيل، وهذه ينبغي التحرر منها، وبين دورها في مجال إدارة أوضاع مجتمعها، وتأمين الخدمات اللازمة له، وهذه ينبغي تعزيزها على قواعد وطنية وقانونية وديموقراطية.

وربما أن هذا التمييز، أو هذا التحول، بات مطلوباً لأنه يخدم فكرة إيجاد مساحة فاصلة (بمعنى ما)، وعلى قاعدة التكامل، بين الكيان السياسي للفلسطينيين وحركتهم الوطنية، وهي فكرة طرحت منذ زمن، ولم تأخذ مساحتها من النقاش الجدي، لرغبة القيادة الفلسطينية السائدة في جمع كل الإطارات تحت سيطرتها.

وقد أثبتت التجربة أن التماهي بين كيان السلطة والحركة الوطنية لم يكن ناجعاً، بل اضر بالكيان وبالحركة الوطنية، فالأول لم يتحول إلى كيان نظامي بمعنى الكلمة، والثانية لم تحافظ على طابعها كحركة وطنية، وإنما تحولت إلى سلطة، مع ما في كل ذلك من تداعيات سلبية عليها. لذا فقد آن الأوان، وبعد هذه التجربة المريرة والمكلفة، لإيجاد فك ارتباط أو وضع حد للاندماج والتماهي بين السلطة والمنظمة، أو بين السلطة والحركة الوطنية.

يبقى القول إن التسليم لادعاء القيادة الفلسطينية في شأن عدم وجود خيارات أخرى، مناسبة وممكنة، غير المفاوضات، لا يعفيها من تحمل المسؤولية عن ذلك، لأنها هي القيادة، لذا فهي المسؤولة حقاً عن عدم تأهيل الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية إلى خيارات بديلة. وحقاً ما الذي ستخسره القيادة الفلسطينية من الخروج من اللعبة التفاوضية، غير وضع حد للمناورات الإسرائيلية، ووضع العالم أمام مسؤولياته، وغير نفض التكلس في اوضاعها وبناها وطريقة تفكيرها؟

* كاتب فلسطيني

=========================

تبادل الأراضي يمهد لتصفية القضية

آخر تحديث:الثلاثاء ,19/10/2010

فهمي هويدي

الخليج

لأن الأصل في السياسة عدم البراءة، فينبغي أن نتعامل بقدر من الحذر مع زيارة وفد “الحكماء” لغزة هذا الأسبوع، وجولتهم المفترضة في بعض العواصم المعنية بالموضوع الفلسطيني

1

هؤلاء الحكماء يعدون من الشخصيات المحترمة، ذات السمعة المقدرة عالمياً . وكان الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا قد جمعهم في عام ،2007 لكي يشكلوا عقلاً منيراً يتعامل مع المشكلات الدولية . وإلى جانب مانديلا ضم فريق الحكماء الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والسيدة ماري روبنسون رئيسة جمهورية أيرلندا السابقة والمفوض العام السابق لوكالة غوث للاجئين والأخضر الإبراهيمي وزير خارجية الجزائر السابق والمناضلة الهندية الغاندية ايلا بلات . وكوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة وديزمون توتو رئيس أساقفة جنوب إفريقيا وآخرين .

أثار انتباهي في تحرك هذه المجموعة المحترمة أنهم قدموا إلى المنطقة في توقيت خيم فيه الإحباط على الجميع، وبدا واضحاً أن المفاوضات المباشرة لم تحقق شيئاً للذين علقوا عليها شيئاً من آمالهم، في حين أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في مخططاتها الاستيطانية، غير عابئة بكل المطالبات التي دعتها إلى الإيقاف ولو المؤقت تلك المخططات لتهيئة الجو المناسب لمواصلة التفاوض مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس . الذي يقف الآن عاجزاً عن القبول بالشروط “الإسرائيلية” التي أصبحت تطالبه الآن بالاعتراف بيهودية الدولة “الإسرائيلية”، بما يؤدي إلى طرد فلسطينيي ،48 الذين لا يزالون يعيشون داخل “إسرائيل” مقابل التجميد المؤقت للاستيطان .

وسط هذا الجمود المقترن بالإحباط وخيبة الأمل، حلق فريق الحكماء في أجواء المنطقة، وبدا وصولهم وكأنه طوق إنقاذ ألقى في مياهها الراكدة، لكي يحرك الجمود ويوهم بأنه لا يزال هناك أمل في استمرار مسيرة “السلام” . لا أريد أن أقطع بذلك، ولا أريد أن أسيء الظن بالفريق القادم، لكنني فقط أزعم أن توقيت وصول أعضائه يحرك الشكوك، التي لا تلغي المصادفة أو تنفيها .

إلى جانب توقيت الزيارة، أثار انتباهي واستوقفني حوار أجرته صحيفة عربية تصدر في لندن (في 15/10) مع الأخضر الإبراهيمي، العضو العربي الوحيد في المجموعة . ومما قاله إن مجموعة الحكماء ستزور غزة والأردن ومصر وسوريا و”إسرائيل”، وهناك مسعى لترتيب زيارة لهم للقاء المسؤولين في السعودية . الأهم من ذلك قوله إن أعضاء الوفد يسعون إلى رفع الحصار عن غزة، ويؤيدون فكرة إقامة الدولتين “الإسرائيلية” والفلسطينية، على أن تكون القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، التي تقام على حدود عام ،67 مع تبادل الأراضي بالتساوي .

2

وخزتني الكلمات الثلاث الأخيرة، التي رددت فكرة تسربت في ثنايا أحاديث بعض المسؤولين الفلسطينيين أولا والعرب ثانياً، حتى كادت تصبح أحد معالم الحل المقترح . وبعد تسريبها بدأ “الإسرائيليون” يروجون أيضاً لفكرة تبادل السكان . ذلك أن الذي يوافق على تبادل الأراضي، التي هي الموضوع الحقيقي للصراع، يسهل عليه تبادل السكان بعد ذلك . ورغم أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو لم يتحدث صراحة عن تبادل السكان، فإن دعوته إلى الاعتراف بيهودية الدولة “الإسرائيلية” تفتح الباب على مصراعيه لترحيل 3 .1 مليون فلسطيني في داخل “إسرائيل” إلى ما وراء حدود الدولة الفلسطينية المقترحة . وقد تكفل ليبرمان وزير خارجية “إسرائيل” بإسقاط القناع والتصريح علنا بأن بلاده، وهي تدعو إلى يهودية الدولة فإنها تتطلع إلى نقل ذلك العدد من الفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية، مقابل احتفاظ الدولة الصهيونية بمستوطنات الضفة الغربية، بدلاً من السعي لحل يقوم على أساس الأرض مقابل السلام .

حتى الآن فإن أبومازن يعارض فكرتي يهودية الدولة وتبادل السكان، لكنه يسكت على فكرة تبادل الأراضي، التي صرح أكثر من مرة بأنه لا يعترض عليها، محتجاً بأن الفلسطينيين سيقيمون دولتهم على مساحة تعادل بالضبط تلك التي تم احتلالها في عام 1967 .

إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية قد وافق على تبادل الأراضي، فليس مستغرباً أن يجيء أولئك الحكماء، وقد تبنوا نفس الفكرة، معتبرين أنها إحدى ركائز الحل المقبول فلسطينياً وعربياً لتحقيق السلام في المنطقة . وتلك خطوة خطرة إلى الوراء تمثل تفريطاً في الثوابت الفلسطينية يضاف إلى التراجع الذي عبرت عنه قيادة السلطة وتبعتها بعض الدول العربية في ما خص التنازل حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها .

3

تبادل الأراضي الذي يمهد عملياً لتبادل السكان ليس طلباً تفاوضياً بريئاً، كما تبدو صيغته المعلنة، ذلك أن “إسرائيل” تريد أساساً نقض القانون الدولي، الذي يعتبر الضفة وغزة أرضاً فلسطينية محتلة . كما تريد أن تنقض القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية القاضي بأن تلك الأراضي الفلسطينية محتلة يقيناً ويجب الانسحاب منها، كما أن جدار الفصل العنصري مخالف للقانون ويجب إزالته وتعويض الأضرار عنه .

هكذا، بضربة واحدة تريد “إسرائيل” نسف تلك القواعد القانونية الثابتة، وتحويل الجدار إلى حد أقصى لدولة فلسطينية ناقصة السيادة، وهو الأمر الذي نجحت فيه جزئياً مع مصر في معاهدة السلام عام ،1979 حيث قبلت بالانسحاب عسكرياً بالكامل من سيناء، ولكنها أبقت السيادة عليها منقوصة بدرجات متفاوتة في 3 قطاعات، حسب قربها من الحدود الإسرائيلية، وإذا ما استقر الأمر ل”إسرائيل” على هذا الأساس، وقبل به الجانب الفلسطيني، فإن الخطوة التالية مباشرة والحاصلة الآن هي تفتيت قضية فلسطين إلى عناوين منفصلة مثل الحدود والمياه والاستيطان واللاجئين وغيرها اعتماداً على مبدأ تساوي حقوق فلسطين و”إسرائيل” في الضفة . بحيث لا يبقى غير المساومة على توزيع تلك الحقوق حسب ميزان القوي لكل منها . وهو ما يفسر الضجة، التي أثارها موضوع تبادل الأراضي حين نشرت صحيفة “هاآرتس” (في 17/12/2009) خريطة التبادل، التي عرضت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسمح له برؤيتها، وإن حرم من الحصول على نسخة منها ما لم يوقع عليها بالموافقة .

إن “إسرائيل” تريد تبادل أراضٍ احتلتها في عام 1948 بأراضٍ أخرى احتلتها في عام ،1967 وهي لا تملك لا هذه ولا تلك، وهي تعتقد أنها بهذا الأسلوب تعطي الشرعية لضم الأراضي التي احتلتها إذا ما أسقط مالك الأرض حقه فيها وأهداها إليها، وذلك غير صحيح لأن الحيازة أو السيادة على الأرض لا تعني ملكيتها، حيث تبقى الملكية حقاً لصاحبها مهما طال الزمن أو تغيرت السيادة . لذلك فإن “إسرائيل” لا تملك الحق القانوني في عملية تبادل الأراضي، إلا إذا اعترف صاحب الأرض بأنه حول ملكيتها ل”إسرائيل”، وهذا ما لا يجرؤ عليه أي فلسطيني مهما كانت درجة خضوعه أو استسلامه أو حتى تآمره .

إن خطة التبادل تصادر الأملاك الفلسطينية المحصورة بين جدار الفصل العنصري وخط الهدنة لعام 1949 بما فيها القدس الشرقية . أي أنه يعتبر حدود “إسرائيل” الجديدة هي مسار جدار الفصل العنصري، وهذا يعني ضم 830 .319 دونم من الضفة إلى “إسرائيل” (الدونم الف متر مربع)، إلى جانب ضم 720 .68 دونم إلى القدس العربية كان قد صدر به قانون “إسرائيلي” في عام ،1967 بما مجموعه 550 .438 دونم .

 “إسرائيل” لها سوابق في ممارسة الخداع من خلال تبادل الأراضي . ذلك أن اتفاقية الهدنة مع الأردن وقعت في عام ،1949 نصت على حق الأردن في استبدال الأراضي المتنازل عنها ل”إسرائيل” بأراضٍ أخرى في الفاطور (قضاء بيسان) وفي قضاء الخليل . . مع تكفل “إسرائيل” بدفع تكاليف طريق جديدة بين قلقيلية وطولكرم، لكي تعيد الاتصال بينها . ولم يحدث شيء من ذلك بطبيعة الحال، فلم تدفع تكاليف الطريق ولا استبعدت أراضي الفاطور، ولا اكتسبت أراضي في قضاء الخليل، وكانت المسألة كلها مسرحية وهمية انتهت بضم “إسرائيل” لأراضي الفاطور، التي كانت عربية عام ،1949 وأصبحت جزءاً من “إسرائيل” .

4

ماذا تقدم “إسرائيل” في خدعة تبادل الأراضي ؟

للدكتور سلمان أبوستة منسق مؤتمر حق العودة ورئيس هيئة أراضي فلسطين دراسة حول الموضوع ذكر فيها أن “إسرائيل” تعرض توسيعاً لمساحة الضفة في قضاء الخليل بمساحة 190 ألف دونم، في أراضٍ كانت ولا تزال وستبقى جرداء، ولا توجد فيها سوى قرية عربية غير معترف بها “إسرائيلياً” (أم الحيران) . وليس فيها ماء ولا كشاطئ البحر الميت . وهو ما يعني عملياً أن “إسرائيل” لم تخسر شيئاً، وكسبت التخلص من قرية عربية . أما في الجهة الغربية من قضاء الخليل فتعرض “إسرائيل” توسعاً في القضاء بمساحة 13 ألف دونم في أرض جرداء أيضاً، بحيث لا تتأثر أي من المستعمرات اليهودية في المنطقة هناك .

أما غزة فلها قصة لا تقل عن نكبة الضفة الغربية . ذلك أن خط الهدنة الحقيقي، الذي وقعت عليه مصر في عام 1949 يعطي قطاع غزة مساحة 555 كيلومتراً مربعاً، بزيادة 200 كم، عن المساحة الحالية، ولكن اتفاقاً سرياً وقع مع الحكومة المصرية في عام 1950 تم بموجبه زحزحة خط الهدنة إلى الداخل في مكانه الحالي بدعوى الحفاظ على الأمن ومنع المتسللين، وكان المقصود به منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم داخل خط الهدنة، والآن يأتي مشروع التبادل ليقضي بتوسيع قطاع غزة بمقدار 5 .64 كم3 من أصل 200 كيلومتر سبق الاستيلاء عليها بالخداع والمفاوضات السرية التي لم يعلم بها الشعب الفلسطيني . وكما حدث في قضاء الخليل، فإن توسيع قطاع غزة لا يعني إزالة أي مستعمرة، وإنما يبقي كل المستعمرات التي بنيت على الأرض المسروقة في عام 1950 في مكانها . وهذا هو أسلوب “إسرائيل” التقليدي، الذي بمقتضاه تستولي بالقوة أو بالابتزاز على الأراضي، ثم تعرض على صاحبها إعادة جزء صغير منها مقابل إسقاط حقه الكامل فيها .

5

خطة تبادل الأراضي لم تعد سراً . فقد بات معلوماً أنها وضعت في سنة ،2008 نشرتها الرسالة الدورية لمؤسسة الشرق للسلام (FMEP) . وكانت جزءاً من مبادرة يوسي بيلين وياسر عبد ربه التي تمت في جنيف . وتبناها بعد ذلك الجنرال جيورا ايلاند في معهد واشنطن، وهو الذي كان رئيساً لمجلس الأمن القومي “الإسرائيلي” في الفترة بين عامي 2004 و،2006 وقد اعتبرت حجر الأساس في مشروع متكامل للسلام يقوم على تحديد الحدود على أساس التوسع “الإسرائيلي” في الضفة الغربية، مقابل تراجع رمزي في الخليل وقطاع غزة . كما يقضي بعودة رمزية للاجئين مع توطين الآخرين في البلاد العربية . أما القدس فتتوزع حسب الأحياء ولكن السيادة تبقي ل”إسرائيل” . وفي ما يخص دولة فلسطين، فلا هي دولة ولا هي فلسطين . فهي منزوعة السلاح ومنقوصة السيادة، ولا سيطرة لها على الحدود وغور الأردن، ولا على القضاء فوق الأرض أو تحتها . ول”إسرائيل” الحق في إنشاء وإدارة محطات للانذار فوق أراضيها .

باختصار فإن فكرة تبادل الأراضي تعد خطوة على طريق تصفية القضية وإغلاق ملفها . ولا أعرف بأي منطق قبل بها “الحكماء” وتبنوها . لذلك ينبغي أن نعذر إذا شككنا في توقيت تسويق الفكرة في ظروف الإحباط الراهنة .

=========================

روسيا هي الخيار الوحيد في أفغانستان

بقلم :ليونيد ألكسندروفتش

البيان

19-10-2010

توالت هجمات حركة طالبان الباكستانية في الأيام الأخيرة على قوافل إمداد قوات التحالف في أفغانستان وعلى شاحنات الوقود التي أشعلوا فيها النيران، وزاد عدد الهجمات منذ مطلع شهر أكتوبر حتى الآن فوصل إلى خمسة هجمات نفذها مسلحون من حركة طالبان الباكستانية على قوافل محملة بالإمدادات العسكرية والتموين كانت متوجهة إلى قوات التحالف في أفغانستان.

 

ويعتبر هذا شكلاً جديداً في نشاط حركة طالبان لم يكن موجوداً من قبل، رغم أن القوات الأميركية وقوات التحالف دأبتا على استخدام ممر خيبر الباكستاني منذ فترة بعيدة، خاصة بعد إغلاق القاعدة العسكرية الأميركية في أوزبكستان عام 2005، إلى جانب المشاكل القائمة الآن حول القاعدة الموجودة في قيرغيزيا، وغير المعروف مصيرها، هل ستستمر أم ستغلق أبوابها وترحل.

 

وقد أعلنت حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عن جميع تلك الهجمات، موضحة أنها تقوم بذلك انتقاماً للمدنيين الأبرياء، الذين سقطوا في الهجمات المتكررة، التي تنفذها طائراتٌ من دون طيار تابعة لقوات التحالف على المناطق الباكستانية المحاذية للحدود الأفغانية. وأكدت الحركة أنها سوف تواصل هجماتها هذه حتى يتوقف حلف الناتو عن نقل الشحنات لجنوده عبر ممر خيبر. هذا الممر الذي تمر منه أكثر من نصف كمية الإمدادات المتوجهة إلى قوات التحالف العاملة في أفغانستان عبر باكستان.

 

إذا استمرت الهجمات على قوافل الإمدادات ضمن الأراضي الباكستانية، فلن يبقى أمام الولايات المتحدة وحلفائها من خيار سوى زيادة الاعتماد على المنفذ الشمالي، الذي يمر عبر روسيا وأخواتِها الآسيويات من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. ومن المعروف أن روسيا وحلف شمال الأطلسي كانا قد وقعا، عام 2008 اتفاقية تسمح روسيا بموجبها للحلف بنقل الحمولات غير العسكرية عبر أراضيها بواسطة السكك الحديدية الروسية.

 

لكنها رفضت بشكل قاطع السماح بنقل الأسلحة والعتاد العسكري. وقال ممثل روسيا الدائم لدى حلف الناتو دميتري روغوزين «إن الوضع في باكستان لا يبعث على التفاؤل وإن طريق الإمدادات عبر الأراضي الروسية أصبح يتمتع بأهمية حيوية بالنسبة لحلف الناتو».

 

باشر الناتو بإجراء اتصالات مكثفة مع الجانب الروسي، طالباً توسيع نقل الشحنات عبر الممر الشمالي، وظهرت لغة التودد والتقرب من روسيا على لسان قادة الحلف الذين استعانوا أيضاً بالرئيس الأميركي أوباما باعتباره صديقاً حميماً للرئيس الروسي ميدفيديف، ولكن على ما يبدو أن الصداقة والمودة لا تجدي نفعاً في مثل هذه المسائل الشائكة، خاصة وأن أفغانستان تشكل أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا وتعتبر من دول الجوار القريب.

 

وتشكل في نفس الوقت مصدراً خطيراً للمخدرات التي تدخل كميات كبيرة منها إلى روسيا والصين وباقي دول الجوار، وتقتل هذه المخدرات القادمة من أفغانستان في روسيا سنوياً نحو ثلاثين ألف شخص، ولروسيا مطلب بسيط وواضح تطرحه دائماً على واشنطن وقيادة الناتو، وهو حرق مزارع المخدرات في أفغانستان.

 

ولكن القيادة الأميركية وقيادة الناتو يرفضان ذلك تماماً بحجة أنه المصدر الرئيسي لمعيشة الكثيرين من الشعب الأفغاني، هذا على الرغم من التصريحات الأميركية المستمرة التي تؤكد أن المخدرات تشكل المصدر الرئيسي لتمويل حركة طالبان وتنظيم القاعدة والكثير من خلايا الإرهاب، والغريب أيضاً أن موسكو وبكين قدمتا لواشنطن قائمة بأسماء أكبر بارونات تجارة المخدرات الأفغانية في العالم، وعددهم خمسة وعشرون شخصاً معظمهم يعيش في الولايات المتحدة أو يتردد عليها، ولكن واشنطن لم تعر هذا الأمر أي اهتمام.

 

موسكو سوف تستمر على موقفها المبدئي الرافض بشكل قطعي السماح بنقل الأسلحة والمعدات العسكرية بواسطة الممر الشمالي عبر السكك الحديدية الروسية. لكن ليس من المستبعد أن توافق على استخدام هذا الممر الشمالي لأغراض عكسية، مثل الانسحاب من أفغانستان، أي أن التحالف إذا قرر تقليص قواته في أفغانستان، أو الانسحاب نهائياً من هناك.

 

فسوف يضطر إلى سحب ليس فقط معداته العسكرية المعطوبة، بل وكل ما تجمع لدى قوات التحالف في أفغانستان من أسلحة وأعتدة عسكرية خلال عشرة أعوام. وفي هذه الحالة سوف تكون تكاليف إخلاء هذه الحمولات عن طريق الجو باهظة للغاية، وعن طريق ممر خيبر الباكستاني خطرة وشبه مستحيلة، عند ذلك ليس من المستبعد أن يصبح الممر الشمالي الروسي المنفذ الوحيد لنقل المعدات العسكرية.

=========================

مخدرات أفغانستان .. من وراء تسويقها؟

بقلم :صحيفة «نيزافيسمايا جازيتا» الروسية

البيان

19-10-2010

مشكلة المخدرات الأفغانية تستفحل وتنمو بشكل غير عادي، بعد أن أصبح حوض بحر قزوين واحدا من أهم طرق تهريب الهيروين وغيره من المواد المخدرة إلى روسيا، ومنها إلى دول أخرى، وبات توزيع هذه المخدرات في روسيا وانتشارها بشكل مفزع بين الشباب من الجنسين مشكلة كبيرة تؤرق الدولة وأجهزتها والمجتمع بأكمله.

 

فقد ثبت بالإحصاءات الرسمية أن عدد ضحايا المخدرات المهربة من أفغانستان إلى روسيا يصل سنويا إلى نحو ثلاثين ألف شخص، علما بأن نفس المصيبة موجودة في الصين التي يدخلها كميات من مخدرات أفغانستان شبيهة بقرينتها في روسيا، ومن المتوقع أن تزداد هذه القضية تعقيدا عما قريب، أي بعد سريان مفعول اتفاق الفضاء الجمركي الموحد بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان.

 

ويرى الخبراء أن مكافحة تهريب المخدرات على هذا الطريق تستدعي اتخاذ تدابير أمنية مشددة على امتداد حوض بحر قزوين، لكن هذا الأمر ينطوي على كثير من الصعوبات. منها أن الدول المطلة على بحر قزوين لم تتوصل بعد إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية فيما بينها، وهذه الحدود غير محددة المعالم والخطوط منذ انهيار الاتحاد السوفييتي حتى الآن.

 

ناهيك عن وجود خلافات سياسية بين العديد من دول المنطقة تجعل مشكلة التعاون الأمني بينها صعبة على الحل، وقد انعقد لقاء لمدة يومين افتتح في مدينة آستراخان الروسية لمناقشة سبل مكافحة تهريب المخدرات عبر الدول المطلة على بحر قزوين.

 

ونقلاً عن مصادر في الهيئة الفيدرالية الروسية لمكافحة تهريب المخدرات تقول ان ممثلي جميع هذه الدول يشاركون في أعمال اللقاء، بمن فيهم ممثلون عن إيران. وبغض النظر عن الخلافات السياسية بين طهران من جهة وموسكو والمجتمع الدولي من جهة أخرى، يبدو أن الجمهورية الإسلامية مضطرة للتعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات عبر أراضيها.

 

وجاء في تقرير نشرته الأمم المتحدة مؤخرا أن تسرب الأفيون الأفغاني إلى الأسواق العالمية يتم أساسا عبر إيران، إذ إن 40% من المخدرات المنتجة في أفغانستان تهرّب عبر الأراضي الإيرانية (تبلغ نسبة التهريب عبر طاجكستان وباكستان 30%).

 

وكان رئيس الهيئة الفيدرالية الروسية لمكافحة تهريب المخدرات فيكتور إيفانوف أعلن أمس عن وجود مؤشرات تدل على تزايد حجم التهريب، وسلوك المهربين طرقا جديدة عبر أراضي تركمانستان ومنطقة القوقاز، بالإضافة إلى مرافئ البحرين الأسود وقزوين. وأوضح إيفانوف أن تصريف الهيروين في روسيا وحدها يعود على مافيا المخدرات بزهاء 16 مليار دولار سنويا. وتشكل هذه العائدات الضخمة مصدرا قويا لتمويل عصابات الجريمة المنظمة.

 

كما أن جزءا منها يستخدم في تغذية التطرف والنشاطات الإرهابية، وبحسب معطيات الهيئة تضاعف عدةَ مراتٍ حجمُ المخدرات المصادرة في داغستان خلال العام المنصرم، ويلفت المسؤول الروسي إلى أن استراتيجية الناتو لمكافحة المخدرات في أفغانستان منيت بفشل ذريع، فقوات الحلف ركزت على تدمير مخابر إنتاج المخدرات بدلاً من مكافحة زراعة الأفيون، الأمر الذي جعلها تخسر معركتها ضد هذه الآفة، وجدير بالذكر أن كلاً من روسيا والصين طلبتا مرارا وتكرارا من واشنطن وحلف الناتو اتخاذ إجراءات عملية لمكافحة المخدرات التي تعترف واشنطن نفسها بأنها المصدر الأساسي للتطرف والإرهاب.

 

ولكن واشنطن والناتو لم يستجيبا لرجاء موسكو وبكين، خاصة ما طلباه بشأن حرق مزارع المخدرات في أفغانستان، وهو الأمر المرفوض تماما من قبل واشنطن بحجة أن قطاعا كبيرا من الشعب الأفغاني ليس له مصدر للرزق سوى زراعة المخدرات، وكأن واشنطن تريد أن تساعد الشعب الأفغاني بالإبقاء على زراعة المخدرات.

 

وحسب تقارير الأمم المتحدة فإن المخدرات الأفغانية تشكل وحدها أكثر من نصف سوق المخدرات في العالم كله، وتدر عوائد سنوية لا تقل عن مائة وعشرين مليار دولار، ولا يٍسأل أحد أين تذهب هذه العوائد الهائلة، ولا أحد يفكر في تتبعها في بنوك العالم، وكأن هناك جهات عليا وراءها تحميها وتستفيد منها.

=========================

السودان في مواجهة الكارثة.. والعرب أيضاً

إبراهيم العبسي

Ibrahim.absi@yahoo.com

لأن السودان ، هذا الشامخ العظيم، المضمخ بعطر اشجار الكينيا والصندل، والمسكون بالحب والدفء واغاني النيل التي لا تتوقف لحظة عن ترديد الاشواق والفرح، والمسكون بالدفء والمحبة والارض الواعدة الممتدة على مساحة واسعة من افريقيا. هذا السودان العربي الموعود بالنهوض والتقدم ودوران عجلات التنمية الاقتصادية التي ستنتشله وتنشل امته من ربقة التحكم بلقمة عيشه وعيشنا، وتحكم القوى الامبريالية الصهيونية بمقدراته وثرواته، صار هدفا مشرعا للفتنة والاحتراب والتقسيم والتفيت. فمنظمة الامم المتحدة التي لم تعد تملك من امرها شيئا والتي توظفها اميركا لمصالحها ومصالح القوى الغربية والصهيونية وتسوقها في كل الاتجاهات التي تخدم اهدافها، طلعت علينا بأنها سترسل قوات دولية ضخمة للمرابطة على الحدود بين شماله وجنوبه مخترقة بذلك سيادة السودان وممعنة في الكيد للخرطوم ومصرة على قصقصة هذا البلد العربي العملاق تحت رؤية العرب وسمعهم. وما دامت الامم المتحدة تمتلك كل هذه السلطات لتحريك قوات دولية ضخمة ترابط بين شمال السودان وجنوبه على امتداد ألفي كيلو متر، فلماذا لم ترسل مثل هذه القوات الدولية الى فلسطين حيث الكيان الصهيوني يستبيح فيها الارض والارواح ويقترف الجرائم يوميا منذ اكثر من ستين عاما!! لماذا لم توقف الكيان الصهيوني عن البطش بالاراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني على ايدي الدولة اليهودية الفاشية الخارجة على القانون الدولي والشرائع واللوائح والاتفاقيات الدولية وتضع قوات دولية بين الاسرائيليين والفلسطينيين لحماية الشعب الفلسطيني مما يتعرض له من قتل وتنكيل ونهب للاراضي وزرع الارض الفلسطينية بالمستوطنات والمستوطنين والعمل على تهويد القدس العربية رغم معارضة القوانين الدولية.ولكن اسرائيل وبحكم ارتباطها العضوي والمصيري بالمشروع الامبريالي التي تقف وراءه واشنطن محمية من الدولة العظمى ، ولذلك لا تجرؤ المنظمة الدولية حتى على مجرد الكلام عن جرائم اسرائيل ومذابحها ضد الشعب الفلسطيني والاراضي الفلسطينية التي يجري نهبها علنا وفي وضح النهار الرمادي لهذا العالم الغائب الضمير والفاقد للعدالة.

 

وحتى تؤكد اميركا بتحقيق حلمها في تمزيق وتفتيت السودان، يطلع رئيسها باراك اوباما على نحومفاجىء بعد ان ادار ظهره للملف الفلسطيني، ليحذر من وقوع ملايين الضحايا اذا ما اشتعلت الحرب بين شمال السودان وجنوبه في اشارة منه الى ضرورة استجابة الخرطوم لانفصال الجنوب. او في دعوة لا ينقصها الوضوح عن الدعم الاميركي القديم الجديد لفصل الجنوب عن الشمال واعادة هذا البلد الى الوراء ومنعه من التقدم والنهوض ووقف كل اعمال التنمية التي بدأتها الحكومة السودانية الشرعية في السنوات القليلة الماضية، والتي اثبتت هذه الاعمال قدرتها علىالنجاح بشكل مزعج للامبرياليين. ونذكر بان السودان كان على رأس اولياتهم الاستعمارية منذ بداية استقلاله، فاختلقوا له ما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان وكأن السودان واقع تحت احتلال قوة اجنبية مثلما هو الامر في فلسطين وعملت هذه الحركة بدعم من الدول الغربية واسرائيل على اثارة الحروب واشاعة الموت في السودان لتفرض الانفصال بالقوة وتستولي على منابع النفط في ابيي وغيرها لصالح هذه القوى التي لم تتخل عن نهجها الاستعماري وسرقة ثروات الشعوب وممتلكاتها بأي شكل قذر وبأية وسيلة منحرفة. لقد غزوا العراق واحتلوه لنفس الغاية وكانوا قد احتلوا افغانستان قبلها وها هم يثيرون الفتن والنعرات الطائفية والعنصرية والدينية في معظم البلاد العربية والاسلامية اعتقادا منهم بان ذلك هو البديل الاقل كلفة بعد ان تدهورت احوالهم الاقتصادية نتيجة لحروبهم في افغانستان والعراق ومؤازرتهم للكيان الصهيوني المارق. لن ندخل في تفاصيل الاتفاقيات التي عقدتها حكومة الخرطوم الشرعية مع الحركة الشعبية الجنوبية خصوصا اتفاقية نيفاشا عام 2005 التي وضعت الاسس والقواعد والمعايير لتنظيم استفتاء حر في البلاد استبقته اميركا بدعوة الامم المتحدة لحشد جيوشها على الحدود بين الشمال والجنوب حماية للحركة الانفصالية مع العلم ان ليس هناك حدود محددة ومعروفة بين شمال السودان وجنوبه، ولكننا نحذر من تدخل الامم المتحدة في شؤون السودان وندعو الى استفتاء شفاف ونزيه دونما تدخل من احد حتى ينتصر الوحدويون في الشمال والجنوب وتتكسر مخططات القوى الامبريالية على الصخرة السودانية الفولاذية التي لم تنل منها سنوات الحرب الظالمة طوال العقود الماضية.

 

الدول العربية مدعوة الى الوقوف بجانب السودان ليس دفاعا عن السودان وحسب وانما دفاعا عن هذه الدول التي تستهدفها القوى الامبريالية من بوابة الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية التي بدأت تطل برأسها في اكثر من بلد عربي وتنذر بتقسيم الوطن العربي وتفتيت الامة العربية الواحدة لصالح المشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة.

=========================

لقاء زعماء الجالية الاسرائيلية الامريكيين بالقدس.. ماذا يعني؟!

عبدالله محمد القاق

 الدستور

19-10-2010

ان يعقد زعماء الجالية اليهودية في امريكا مؤتمرا في مدينة القدس بعد ايام بحضور لفيف من الشخصيات الاسرائيلية المتنفذة وبعض الامريكيين المتصهينين من المحافظين الجدد له اهدافه ومضامينه الرامية الى دعم الاستيطان اليهودي في القدس والاراضي العربية المحتلة وتقديم المساعدات المالية والمعنوية لاستمرار الزخم لاقامة هذه المشاريع الاسرائيلية التي تجيء بعد قمة سرت الاستثنائية وبعد رفض اسرائيل لكل المناشدات العربية والدولية وخاصة من الرئيس الامريكي بوقف او تجميد الاستيطان الاسرائيلي لمدة شهرين على الاقل.

 

وصول عشرات من الزعماء اليهود الى اسرائيل يؤكد الدعم الواضح والكبير لسياسة نتنياهو وليبرمان الفاشية والعنصرية في الاستمرار بالاستيلاء وقضم الاراضي الفلسطينية في القدس وبالاراضي المحتلة واعداد وثيقة مبادىء سياسية هدفها "اقامة الدولة اليهودية" وتوفير مزيد من الدعم الاسرائيلي في هذه المرحلة والتي يصر رئيس الوزراء الاسرائيلي على اقامة هذه الدولة المثيرة للجدل والتي لم يعترف العالم باسمها في الامم المتحدة لدى اقامتها والتي سيكون لها انعكاسات سلبية على الصعيدين العربي والدولي هذه المطالبة الاسرائيلية التي تستهدف اخلاء السكان العرب من بيوتهم والبالغ عددهم حوالي مليون ونصف المليون في الخط الاخضر ومن عرب 1948 لن تمر ولن يوافق عليها العرب والمسلمون خاصة وانها تجيء بعد قرار حكومة نتنياهو مؤخرا مشروع تعديل قانوني للاستخدام الداخلي يجبر طالبي الجنسية الاسرائيلية من غير اليهود على اداء القسم للولاء للدولة اليهودية الديمقراطية وهذا الطرح عرضه نتنياهو كشرط ضروري لابرام اي اتفاق مع الفلسطينيين ما اثار دهشة المفاوضين الفلسطينيين لانه لم يتم طرح هذه المسألة في النقاشات التي جرت بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس واولمرت خلال الفترة من 2006 - ,2009

 

وهذه المسألة يرفضها العرب لكونها تناقض كل المواثيق الدولية الرامية الى حل الدولتين بالاضافة الى ان الفلسطينيين اعترفوا باسرائيل في ايلول عام 1993 بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق رابين وقد اكد الرئيس ابو مازن رفضه لهذه الاقتراحات الجديدة للدولة اليهودية عندما قال "ان من حق اسرائيل ان تسمي نفسها ما تشاء لكن نحن اعترفنا بدولة اسرائيل دون الاشارة الى ديانتها وقوميتها".

 

ولعل من الغريب الاشارة اليه في هذه العجالة هو ما اعلنه منذ يومين السيد ياسر عبدربه امين سر منظمة التحرير الفلسطينية من ان المنظمة قد توافق على "يهودية الدولة" شريطة اعترافها بحدود 1967 وهذا ما اثار حفيظة الفصائل الفلسطينية ورفضت هذه المقولة التي قال عنها قياديون فلسطينيون انها عبارة عن بالون اختبار يطلقها ياسر عبدربه والذي لا يحظى بأية شعبية او دعم من فصيل لصحيفة "هآرتس" كي يرى مدى ردود الفعل عليها عربيا ودوليا،، وهذا التصريح الذي نفاه عبدربه بعد ردود الفعل الغاضبة يعني التخلي عن شروط حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من اراضيهم عند انشاء الدولة الاسرائيلية عام 1948 وهي نقطة خلاف رئيسة بين الطرفين ويرفضها الفلسطينيون في الداخل وفي الشتات لأنها تضر بحقوق الاقلية العربية المؤلفة من احفاد "160" الف فلسطيني لم يغادروا عام 1948 وطنهم ويشكلون حوالي 20 في المائة من عدد السكان.

 

ولا شك ان عقد مؤتمر زعماء الجالية اليهودية في امريكا بالقدس لم يأت صدفة لكونه يجيء داعما لسياسة نتنياهو وليبرمان في قضية "يهودية الدولة" وتأسيس جبهة عريضة لمواجهة التدخلات الامريكية في شؤون اسرائيل بل والدعوة الى مزيد من تقديم المساعدات العسكرية لاسرائيل لمواجهة التحديات الراهنة وخاصة ايران وبرنامجها النووي السلمي.

 

فهؤلاء القادة اليهود يعتقدون بانه آن الاوان لتشكيل مجلس يهودي ليكون من المؤثرين في الرأي العام الاوروبي والامريكي لبلورة جبهة موحدة لدعم المواقف الاسرائيلية في مختلف المحافل ومواجهة المعضلات والتهديدات التي تواجه اسرائيل والمنظمات اليهودية كما يدعي "ابينوعام باريوسف" مدير عام معهد السياسات للشعب اليهودي.

 

ولعل مشاركة الشخصيات اليهودية البارزة في هذه اللقاءات والاجتماعات ومن بينها "اليهوت ابرامز نائب مستشار الامن القومي الامريكي السابق ورونالد كوهين رجل الاعمال البريطاني واروين كوتز وزير العدل الكندي السابق وستانلي غينبرغ المستشار السياسي الكبير ودان كريستر سفير امريكا السابق في اسرائيل وعشرات الامريكيين والاوروبيين تؤكد مدى الدعم الذي سيقدمه زعماء هذه الجاليات اليهودية في الخارج لاسرائيل وتكريس يهودية الدولة هذه الفكرة العنصرية التي ستسهم في قيام دولة دينية شوفينية متعصبة متغطرسة في المنطقة وتقسيم العرب على اساس ديني ومذهبي وعنصري وهذا ما يتوجب على العرب والمسلمين وخاصة المفاوض الفلسطيني رفض هذه الفكرة وعدم الخوض بها اثناء مباحثات السلام العبثية لكونها لم تطرح لتدمير عملية السلام بل تدمير المنطقة ككل وتستهدف الوجود العربي بشكل كامل لا سيما وان كل المؤشرات تدل على ان قرار مجلس الامن الدولي كان يعني اقامة دولة لاسرائيل وليس دولة يهودية وحيدة في فلسطين بل ان الاستعمار جسد هذه الدولة العنصرية السرطانية لتكون زورا وبهتانا وكيانا قوميا لاسرائيل الى جانب الفلسطينيين وغيرهما من دول مجاورة حيث جاء اعلان بلفور وعدا بوطن قومي وليس لدولة يهودية وهي ما زالت تنسب من عام 1917 حتى يومنا هذا بذلك.

 

فالمطلوب من الدول العربية ايلاء لقاء زعماء الجاليات اليهودية في مدينة القدس الاهتمام الاكبر ومحاولة التأكيد عربيا ودوليا بان كل الوثائق التاريخية التي اسست عليها اسرائيل شرعية وجودها والتي كانت بدايتها وعد بلفور المشؤوم قد خلت من اية اشارة تعطيها حقا تاريخيا في فلسطين وانكرت اي حق في اضفاء اليهودية على الدولة،،.

=========================

الأمم المتحدة وازدواجية المعايير

ضياء الفاهوم

 الدستور

19-10-2010

موضوع إرسال قوات دولية إلى مناطق مختلفة من السودان قبل الاستفتاء على بقاء السودان موحدا ، كما كان منذ الأزل ، أم إقرار انفصال جنوبه عن شماله ، كما يريد بعض زعماء الجنوب السوداني ، والذي من المقرر أن يجري في التاسع من شهر كانون الثاني القادم ، أثار شكوكا لها ما يبررها لدى كثير من المعلقين والكتاب حول ازدواجية معايير الأمم المتحدة في كثير من الأحيان. وقد اتهمها البعض بأنها كثيرا ما تقع تحت ضغط الدول المتنفذة فيها فتكيل بمكيالين في أمور عديدة.

 

هذا لا يعني بالطبع أن لا تعطى المنظمة الدولية حقها بشأن ما تقوم به من أعمال إنسانية لها شأنها في مجالات مهمة مثل الإغاثة والصحة والثقافة وبذل جهود كبيرة في محاربة المرض والفقر والجهل ومساعدة البلدان التي تتعرض للكوارث الطبيعية بالإضافة إلى إيفاد قوات دولية إلى كثير من مناطق العالم للمحافظة على السلام في أرجائه تسمى قوات حفظ السلام الدولية.

 

هناك من يرى أن قرار إرسال القوات الدولية إلى السودان من شأنه أن يحول دون وقوع اشتباكات بين من يؤيدون الانفصال ومن يعارضونه ، سواء كانوا من الشمال أو الجنوب ، في حين يحبذ آخرون أن يتخذ مثل هذا القرار بموافقة أغلبية دول العالم وليس بناء على رغبة الدول التي لها مصالح في الانفصال.

 

الكل يعلم أن المباحثات استمرت ردحا طويلا من الزمن بين المسؤولين في الشمال والجنوب بهدف رأب الصدع بينهم واتخاذ ما يلزم من إجراءات ترضي جميع الأطراف وأنه قد تم الاتفاق على إجراء استفتاء بشأن الانفصال إذا لم يتم التوصل إلى حل يناسب الجميع.

 

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: إذا جاز للأمم المتحدة الآن إرسال قوات دولية لحماية قرار أغلبية الأشقاء السودانيين في الوحدة أو الانفصال ألم يكن من الأولى لها بكثير أن ترسل قواتها منذ زمن بعيد لضمان تنفيذ قراراتها بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية الذي ما زال جاثما على صدور الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين وكل العرب والمسلمين ويعرض السلام العالمي للخطر؟.

 

لقد أهانت إسرائيل الأمم المتحدة وميثاقها ورفضت تنفيذ قراراتها عقودا طويلة من الزمان ، ومع ذلك لم تكلف المنظمة الدولية نفسها في القيام بواجب إرسال قوات دولية إلى حدود الرابع من حزيران 1967 لوضع حد لتفاقم الأوضاع في الشرق الأوسط ووصولها إلى ما وصلت إليه من خطورة لا يعلم مداها إلا الله ، وذلك بسبب أطماع الصهيونية العالمية التي لم تجد حتى الآن من يتصدى لعنصريتها وتطرفها ونهجها الوحشي الذي لا يجوز للأمم المتحدة أن تسمح له بأن يستمر حتى لا تتهم بازدواجية المعايير.

محكمة العدل الدولية في لاهي حكمت منذ سنوات ببطلان بناء الجدار العنصري في الضفة الغربية المحتلة. ماذا فعلت الأمم المتحدة حيال ذلك؟ ألم يكن من الواجب أن تتخذ المنظمة الدولية إجراءات حاسمة في هذا الشأن على الأقل لحماية الضفة الغربية مما يتعرض له أهلها من قضم لأراضيهم ومن ظلم كان له أول ويبدو أنه ليس له آخر؟.

كان الله في عونك أيها الشعب الفلسطيني الحبيب وأعاد إليك وحدتك الوطنية المشرفة ونصرك على كل من يعاديك.

إنه نعم المولى ونعم النصير.

=========================

لماذا تموت النظم السياسية؟

ميشيل كيلو

2010-10-18

القدس العربي

تموت النظم كما يموت البشر: بالإهمال، أو بالمرض، أو بتجاهل طبيعتها الخاصة، أو بإجهاد نفسها وتحدي قدراتها الذاتية، أو بالعيش بطرق تتخطى إمكاناتها، أو تجافي متطلبات السلوك السليم... الخ.

في عصرنا الحالي، ماتت النظم التي رفضت رؤية واقعها وأنكرت أخطاءها، وعاشت تلك التي أقرت بنقاط ضعفها وعيوبها وسارعت إلى تصحيحها دون تردد. ماتت النظم التي رأت نفسها بعين الكمال، وعاشت النظم التي نظرت إلى ذاتها بعين النقص والنقد. وماتت النظم التي أنتجت نفسها في ضوء وبدلالة نظرة أيديولوجية / تمامية، وعاشت تلك التي اعتبرت الواقع معيار النجاح والفشل، فأبقت عينها عليه، وصححت أوضاعها ومسارها في ضوء حاجاته، ولم تتخذ موقف القنفذ المذعور، الذي يرمي شوكه على كل من يقترب منه، لاعتقاده انه عدو يجب ردعه أو قتله.

واليوم، يعيش من كان يقال بطريقة جازمة إنه مرشح لموت حتمي ووشيك، ومات ويموت من كان يظن أنه باق أبد الدهر. وعاش ويعيش من كان يتهم بالانتماء إلى الماضي وبأن الزمن تخطاه، فلا أمل له في مزيد من التقدم والازدهار والحياة. ومات من كان يعتقد انه ينتمي إلى المستقبل، وأن دروب الحياة مفتوحة أمامه على اتساعها، فلا خوف عليه من الحدثان، ولا قدرة لأي تطور على التأثير عليه أو فيه، فهو ما زال في مقتبل العمر، بينما طعن غيره في السن ولم يعد لديه ما يفعله غير انتظار موت محتم، ورفع قدمه عن حافة القبر والانزلاق غير مأسوف عليه إلى داخله.

ماتت الاشتراكية وعاشت الرأسمالية. مات ما كان يسمى نظام الثورة وبقي نظام الأمر القائم. مات النظام الشاب الذي ظن نفسه مستقبليا وعاش النظام الطاعن حقا في السن، والآتي من الماضي . مات النظام الصحيح البدن، الذي رفض الطب والعلاج، وعاش النظام العليل، الذي بقي في العناية المشددة خلال نيف وقرن. وأخيرا، وهنا مربط الفرس، ماتت أيديولوجية قتلت الواقع وحجبته وراء مقولاتها، وعاش الواقع الذي تخطى الأيديولوجية من خلال التصدي البراغماتي المباشر لعيوبه.

هذا لا يعني أن من مات كان أسوأ كثيرا من الذي عاش. إنه يعني أن النظام الذي عاش كان أكثر قدرة على معالجة أمراضه، أقله لأنه أقر بوجودها وسارع إلى التخلص منها، بقدر ما سمح الطب بذلك. بينما رفض الذي مات الذهاب إلى الطبيب، وأصر على خلو بدنه من أي مرض، حتى عندما فقد قواه وغدا عاجزا عن السير والحركة. بكلام آخر: عاش من كان مرضه في جسده، ومات من استوطن مرضه رأسه: عقله . عاش الأول لأن عقله بقي مفتوحا على فكرة صحيحة قدر ما هي بسيطة، تقر بتقادم الكائن الحي وما يسببه من نقص في بنيته ، ويعترف بحاجته إلى تقوية ورعاية، وبضرورة معالجة أمراضه ونقاط ضعفه. ومات من بلغت قلة عقله حدا جعله يظن نفسه بلا أمراض، ويرفض فكرة العلاج من أساسها، ويؤمن بسلامة بنيته، فكان في عقله مقتله، ما دام العقل هو الذي يسّير الجسد، ويجد له الحلول حين يصاب بالعلل، ومن لا عقل له يقتل نفسه بيديه، كما يقول تاريخ العرب الحديث.

هكذا، جدد النظام الرأسمالي نفسه، رغم ما عرفه من أزمات قاتلة، بعضها بنيوي ولا سبيل إلى الخلاص منه، عالجه ببساطة عبر إدارته وضبط مفاعيله والتحكم فيها وتغييبه وإبعاده عن وعي البشر، وتفكيكه إلى مجموعة كبيرة من مشكلات صغيرة قابلة للحل. أما شرط التجديد، فكان الإقرار بوجود العيوب والتناقضات، وتلمس طرق تتكفل بالتصدي لها، بصورة وقتية أو دائمة، بحسب طبيعتها وتوفر القدرة على معالجتها. وإذن، كمن الدواء في قبول الاحتمالات الممكنة عبر فكر لا قيد عليه، تمتع بحرية تامة في النظر والممارسة، أتاح بدائل عملية وتطبيقية ناجعة لواقع صعب ومشكلات مستعصية، وضمن استمرار دوران آلة الإنتاج والعمل، وتاليا النظام باعتباره حاجة مجتمع اقتنع بأنه لا غنى له عنه.

بالمقابل، انهار النظام الذي رفض الإقرار بوجود أخطاء في أبنيته وممارساته، ورفض تاليا علاج أدوائه وعيوبه، وأصر على سلامته: الكلية والجزئية، وقيد عقول من انتقدوه أو حاولوا كشف أمراضه، وانقض عليهم قمعا وبطشا، واعتبر حريتهم مصدر الخطر الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، عليه، فمات بالسكتة القلبية بعد حياة لم تتجاوز عمر إنسان واحد، دون أن يشعر أحد أنه كان حاجة حيوية له، أو أن موته خسارة. وقد قال من عاشوا في ظله: إنه كان كابوسا انزاح عن صدورهم، فلماذا يأسفون على موته!

تعيش النظام التي تراقب نفسها، وتضع واقعها بوضوح وجلاء تحت أعين مواطنيها ورجال الفكر والاختصاص فيها وقادتها، وتقبل ما يوجه إليها من نقد باعتباره ضروريا لحياتها واستمرارها وسلامتها. وتموت النظم التي ترفض التغلب على خوفها من الحرية، وترفض أن ترى فيها رأس مال يحقن استثماره مجالات وجودها القوة والحياة، فيفوق نفعه ضرره، إن كان له من ضرر، ويمارس وظيفته الحقيقية كأكسير حياة للعضوية الحية، إن فقدته ماتت لا محالة.

تموت النظم التي تحجر على العقول والألسنة، وترى في أية كلمة نقد معولا يزلزل كيانها ويقوض بنيانها، لن تعيش إن هي لم تنتزعه من أيدي حملته، جاهلة أن هذا يكون دوما أول خطوة على طريق موتها وانقراضها، لأن الحرية التي تحيي بوجودها، تميت بغيابها.

تعيش النظم التي ترى في حياة مواطنها مشروع حرية تفوق أهميته أهمية أي مشروع اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي. وتموت النظم التي ترى في مواطنها بهيما يكفيه التهام ما يتاح لها من علف واجترار ما يفرض عليه من شعارات وترهات حكيمة. تموت النظم التي يعيش مواطنها على 'اللقلقة' والتملق والزحف على البطون ولحس الأحذية، وتعيش تلك التي مواطنها ديك: يصيح بصوت جهير، وينفض جناحيه بحرية، ويعرف كيف يحلق ويطير إلى حيث يريد!

تعيش النظم المفتوحة: نظم الخطأ القابل للصواب والصواب القابل للخطأ. وتموت النظم المغلقة: نظم السجون والزنزانات والجلادين، التي لا خطأ فيها يحتمل الصواب ولا صواب يحتمل الخطأ، ولا يمتلك مواطنها أناه الخاصة، ليكون قادرا أصلا على اقتراف الخطأ أو إتيان الصواب، أو على التمييز بينهما.

لا عجب أن النظم الأولى تسترد عافيتها وتعيش رغم أنها كثيرا ما تعاني سكرات الموت، وأن الثانية تموت فجأة مع أنها تبدو دوما في أوج صحتها. أليس هذا ما وقع خلال السنوات القليلة الماضية لتلك النظم، التي رفضت رؤية العيب والنقص في هياكلها وسياساتها، وعندما كربج محركها وعجز عن الإقلاع واقتنعت بضرورة إصلاح نفسها، اكتشفت أنها تأخرت كثيرا وأن زمن إصلاحها فات وانقضى، وأنها لم تعد قابلة لأي تحسين، فانهارت كبيت من ورق؟ أليس هذا ما حدث للسوفييت، وما سيحدث لمن ينزهون من عرب اليوم نظمهم عن العيوب، وبدل أن يبحثوا عنها ويزيلوها، تراهم يلاحقون بالقمع من يشيرون إليها ولو من بعيد ويطالبون بالتخلص منها!.

هل تتعلم نظمنا شيئا من هذا الدرس التاريخي الثمين، وتبادر إلى إنقاذ نفسها قبل فوات الأوان بالعلاج الوحيد المتاح: الحرية والإصلاح؟

' كاتب وسياسي من سورية

=========================

إيران شر أم خير لا بد منه؟

غسان المفلح

2010-10-18

القدس العربي

لا يمكن مهما كانت الحجج والذرائع، الحديث عن الوضع الإقليمي من دون التطرق للمعادلة الإيرانية فيه، سواء كان العرب فاعلين او الكرد قد حصلوا على حقوقهم كاملة غير منقوصة، أو نشأت دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، او دولة واحدة لشعبين، وسواء تخلصت مجتمعاتنا من أنظمة السوء لديها أم لم تتخلص، نجح حزب الله في إقامة نظام لبناني على مقاسه أم لم ينجح، نجحت المحاولة العراقية في إقامة نظام ديمقراطي أم لم تنجح، أصبح لدينا مجتمعات حرة وديمقراطية أم لا، نجح التحالف الإيراني السوري في إسقاط المحكمة الدولية أم لم ينجح.. كل هذا وغيره، لن يجعل إيران خارج المعادلة الإقليمية والدولية في منطقة هي مدولنة أساسا على قاعدتين لا تراجع فيهما أو عنهما في المدى المنظور النفط وإسرائيل.

لدينا الآن انخراط إيراني بات مزمنا في القضايا الإقليمية، وانخراط تركي يعاد إنتاجه من جديد، وبصيغ مختلفة عن السابق، ولدينا أيضا نظم عربية لا تحول ولا تزول، قوية على مجتمعاتها، تتفنن في تفتيت مجتمعاتها ومجتمعات بعضها بعضا..

إيران قبل زيارة نجاد لبيروت، التي كنا قد تطرقنا إليها في أكثر من مقال، والتي تأتي تتويجا لسياسة سبقتها، وليس إنتاج سياسة جديدة، بين لبنان الدولة وإيران الدولة، لأن الأهم هو ما يربط إيران المشروع الإقليمي مع قاعدته الأكثر التصاقا به، وهي حزب الله، ولكن يتمنى المشروع الإيراني ويحاول أن يجعل لبنان كله حزب الله، حزب الله رغم كل الانتصارات التي حققها على جبهة الجنوب مع إسرائيل، إلا أنه أصبح بعد القرار الأممي 1701 بعد حرب تموز/يوليو 2006 الذي نص على وقف كل العمليات القتالية في لبنان الجنوبي، وأصبح حزب الله دولة تهادن دولة جارتها، وهي هنا إسرائيل، وأهم نتيجة لهذا القرار، والتي في الحقيقة لم يتم التطرق لها، هو درس الهدنة في الجولان السوري المحتل، هذا الدرس أنتج عمليا القرار 1701 ولتصبح الحالة في الجنوب اللبناني مشابهة إلى حد كبير للحالة في الجولان السوري المحتل 'لا حرب ولا سلم' وحتى قضية مزارع شبعا، لم تعد موضع عمليات المقاومة اللبنانية. ومن مفاعيل هذا القرار، أنه جعل حزب الله أكثر التصاقا بالمشروع الإيراني، وأقل بكثير لبنانيا، مع ذلك هنالك حقيقة لابد من تأكيدها هنا، وهي أن سلاح حزب الله هو سلاح إيراني، وبات أكثر كلفة بكثير من ذي قبل لأي جهة تفكر في انتزاعه، فسلاح حزب الله ليس بنادق وصواريخ فقط، بل هو عمق شعبي ومؤسساتي، لأكثر من مليون شيعي لبناني وغيرهم من الطوائف الأخرى، وهذه هي القاعدة الإيرانية الأساس، أما الصواريخ والبنادق فتدمر ولكن هذا العمق يأتي بغيرها، لهذا فالرئيس الإيراني أحمدي نجاد لم يعد بحاجة لغطاء عربي في سياسته اللبنانية، سواء كان سوريا أم سعوديا.. سيبذل الرئيس الإيراني وفريقه جهودا من أجل إيجاد علاقة مؤسسية مع الدولة اللبنانية، ولا أحد يستطيع منعها نهائيا، ولكن يمكن عرقلتها إلى حين.

أمريكا في هذه اللحظة، لم تعد خائفة على إسرائيل من حزب الله، فالدرس السوري يترسخ يوما بعد يوم على جبهة الجنوب اللبناني، ولبنان لم يعد أولوية لإدارة أوباما.. لديهم سلاح واحد أعتقد في هذه المرحلة هو ملف المحكمة الدولية، إيران وحزب الله ومصلحة سورية، تقتضي إلغاءها، لهذا سيبقى الوضع اللبناني قابلا للتفجر مهما سمعت كل الأطراف لتطمينات من الرئيس الإيراني، قبل زيارته أو اثناءها أو بعدها.

إيران أقوى اليوم في لبنان أكثر من أي يوم مضى.

نأتي للعراق، بعد أن قام نوري المالكي بانعطافة إيرانية، قبل الانتخابات العراقية الأخيرة، واستطاع أن ينتزع المقام الأول إيرانيا حتى اللحظة، ومن ثم سورية، أصبح نصف العراق لإيران، في الجنوب والوسط والشمال، لأن علاقة مام جلال الطالباني مع إيران ثابتة لا يزعزها سوى تغير استراتيجي كبير في السياسة الدولية تجاه الملفين الإيراني والعراقي، فسواء شكل المالكي الحكومة العتيدة العراقية أم لم يشكلها، لإيران نصف العراق سياسيا.. وفشلت الرياض في فرض مرشحها، هذا إذا كان غاية الرياض فرض مرشح ما.

إيران في اليمن باتت لها حصة وإن كانت لا توازي حصتها في لبنان أو في العراق، فالطرف المقابل للرئيس اليمني وقواته جل دعمه من إيران.

أما في بقية دول الخليج العربي، فلإيران على الأقل، مذهبيا وسياسيا، حضور مرجعي للأقليات الشيعية في هذه البلدان.. ويختلف هذا الحضور من دولة لأخرى، لكنها حاضرة، وحضورها يتقدم يوم بعد يوم، وهذا ما يقلق السياسة السعودية بشكل أساسي.

إيران وتركيا، هنالك تبادل المصالح والتوجس بالآن معا، وهذا ملف يرتبط بجملة من التحولات التي يمكن مراقبة السياسة التركية من خلالها تجاه إيران، فالإقليم الشرق أوسطي يحتمل شراكة من نوع خاص بين الطرفين، ولكنها شراكة ستبقى ملغومة، باعتبار أن جملة الملفات المطروحة على الطرفين من الصعب إيجاد تفاهم استراتيجي طويل المدى، فالعمق الذي تبحث عنه تركيا إقليميا سيبقى مصدر قلق إيراني، خاصة في العراق وسورية، لتركيا ميزة اقتصاد قوي ينمو ويتوسع إقليميا مع ما يترتب على ذلك مستقبلا، وهذا ليس متوفرا لإيران، خاصة بعد سلسلة العقوبات الدولية.

في الملف الأفغاني سياسة إيران واضحة بهذا الخصوص، ومجسدة عمليا، لا استقرار في أفغانستان حتى خروج القوات الأطلسية أو التفاهم مع أمريكا، ضمن ما تسميه السياسة الإيرانية 'تفاهم الحزمة الكاملة' على كل أمور المنطقة، وليس فقط على الملف النووي الإيراني، هنا بيت القصيد الإيراني، وأمريكا ليست جاهزة لتقديم هذه الحزمة، خاصة ان حلفاءها خسروا امتيازات كثيرة نتيجة موقفها تجاه إيران وقضية العقوبات، خاصة ألمانيا التي وصل حجم التبادلات التجارية والأعمال مع إيران إلى 4 مليارات دولار سنويا قبل سنتين على الأقل.

أما فرنسا فرغم ما راهنت عليه بعد الثورة الإيرانية إلا انها خرجت بكفي حنين من إيران، بعد الثورة مباشرة، والإيرانيون لا يقيمون وزنا كبيرا لهذه السياسة الفرنسية، لهذا يظهر ساركوزي أكثر تشددا في الملف النووي الإيراني من بقية مجموعة الدول الست الكبرى.

ما تجدر الإشارة إليه أن الوضع الدولي والأزمة الاقتصادية العالمية، وتعثر السياسة الأمريكية في أكثر من منطقة، وبروز بداية لتعدد قطبي للنظام الدولي، يجعل موضوع الخيار العسكري ضد إيران أبعد احتمالا بغض النظر عن جعجعات النخب الإسرائيلية التهديدية، لكن المشهد الفلسطيني إيرانيا، مريح لسياسة اليمين الإسرائيلي، لأنه مشهد يفرض إعاقة لأية مفاوضات من دون أن يكون لديه بديل جاهز، وهذا من شأنه أن يريح السياسة الإسرائيلية، ويبعدها قليلا عن دائرة المسؤولية. أما على صعيد سلطات دول المشرق العربي، فإيران تجاوزت مرحلة أن تحسب حسابا لأية سلطة عربية، بمعزل عن الحزمة التفاوضية مع أمريكا.

هذا الحضور الإيراني لن يتوقف هنا، شرا أم خيرا إلا أنه مستمر.

=========================

قضية إصلاح الأمم المتحدة.. هل من جديد؟

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

اخبار الخليج

19-10-2010

رغم أن الأمم المتحدة أتاحت لدول العالم على مختلف أوضاعها، غنية وفقيرة.. كبيرة وصغيرة، آلية دائمة للاجتماع والتشاور وبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية..إلخ من خلال أجهزتها الرئيسية (الجمعية العامة ومجلس الأمن والمنظمات والوكالات المتخصصة المرتبطة بها)، فإن أداءها وعلى مدار ستة عقود ونصف العقد، أي منذ تاريخ إنشائها عام 1945، لجهة تحقيق التعاون والتقارب بين الدول والشعوب والعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين بمنع الحروب وتسوية المنازعات لم يكن على المستوى المأمول، بسبب خضوعها للتجاذبات الدولية، أو سيطرة بعض القوى الكبرى على مقدراتها.

فعلى مستوى حفظ السلم والأمن الدوليين، لم تنجح المنظمة في منع العديد من الأزمات والحروب الإقليمية والدولية، بسبب الدور المعوق الذي مارسته القوى الكبرى، نظرًا لتباين المواقف والمصالح، وإن نجحت في تسوية ووضع حد لبعض هذه الأزمات والحروب حين تلاقت مصالح ومواقف هذه القوى.. أما على مستوى التعاون بين الدول، فلربما تكون قد نجحت في تحقيق حد أدنى من التعاون الجماعي في قضايا الاقتصاد والتجارة والصحة والثقافة.. وغيرها، إلا أن عددًا كبيرًا من دول العالم وأغلبها من دول العالم الثالث مازالت تعاني مشاكل الفقر والديون والأمية والبطالة ونقص الرعاية الصحية مع تفشي الأوبئة والأمراض.

هذا الضعف في الأداء صاحبته عدة ظواهر انطوت على سلبيات جعلت المنظمة تعاني ليس فقط أزمة فاعلية، ولكن أيضًا أزمة وجود، ومن هذه الظواهر ما يلي:

1 - التباين في طبيعة دور وفاعلية أجهزة المنظمة الرئيسية ووجود خلل واضح في سلطات وقدرات هذه الأجهزة، فمجلس الأمن الذي يتكون من 15عضوًا فقط - منهم خمسة دائمون يتمتعون بحق الفيتو - يتمتع بسلطات أكبر وقراراته تتمتع بصفة الإلزام، بل بالإمكان استخدام القوة في تنفيذها إذا جاءت في نطاق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي حال دون اتخاذ قرارات حاسمة في العديد من القضايا والأزمات من أبرزها قضية الصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لإحباط أكثر من 70 مشروع قرار يدين إسرائيل، وذلك مقارنة بالجمعية العامة التي تمثل جميع دول العالم (192 دولة)، والتي لا تتمتع قراراتها بالإلزام، وتعتبر مجرد توصيات، إلا إذا اتخذت في نطاق ما يسمى "الاتحاد من أجل السلم".

 

ويرتبط ذلك الخلل بالدور المؤثر الذي تلعبه الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة في تمويل المنظمة الدولية؛ حيث تسهم واشنطن على سبيل المثال ب22% من إجمالي ميزانيتها، فيما تسهم اليابان ب 17%، والنسبة نفسها تقريبًا بالنسبة لألمانيا، وترى واشنطن خطأً أن هذه المساهمة الكبيرة في تمويل المنظمة تعطيها الحق في أن يكون لها دور أكبر في توجيه سياساتها ومواقفها.

وقد ظهر هذا التوجه بوضوح، بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث أصبحت المنظمة - ومجلس الأمن تحديدًا - خاضعة لسيطرة الولايات المتحدة التي استغلت تلك الأوضاع في توفير الغطاء اللازم لحروبها وتدخلاتها في أفغانستان والعراق، أو إيجاد دور لها (أي المنظمة) في حالة فشلها في التعامل مع بعض الأزمات، وهو الوضع الذي جعل البعض يتندر على المنظمة ويصفها بأنها أصبحت إدارة ملحقة بالخارجية الأمريكية.

2 - ضعف الهيكل الإداري للمنظمة، ممثلاً في الأمانة العامة، وتفشي الفساد الإداري بين جنباتها في ظل غياب الشفافية والمساءلة والرقابة على أعمالها، في وقت تتولى مسؤولية إدارة ميزانية تقرب من 18 مليار دولار سنويا، والنموذج الأوضح على ذلك برنامج "النفط مقابل الغذاء" الخاص بالعراق، وما ارتبط به من مخالفات.. وأيضًا طريقة اختيار وتوزيع المناصب والوظائف المهمة داخل الأمم المتحدة (خاصة الأمناء المساعدين)، التي لا تستند لمعيار الكفاءة وتبدو خالية من أي توازن بين مناطق العالم في ظل سيطرة الأمريكان والغربيين عمومًا على أغلبها.

3 - المشاكل التي تواجه عمليات المنظمة في الخارج، ولاسيما عمليات حفظ السلام، بسبب صعوبات توفير التمويل اللازم في ظل تقاعس القوى الكبرى أحيانًا عن تمويلها، واستغلال بعض القوى لها كغطاء لإضفاء شرعية على وجودها العسكري في بعض الدول، (كوضع أمريكا بالنسبة للعراق وأفغانستان)، كما أن هناك مشكلة خاصة بممارسات هذه القوات في بعض الدول التي عملت بها من قبيل ما أثير عن تورط قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية في جرائم إبادة واغتصاب جماعي.. إلخ.

إذا كان هذا حال المنظمة منذ إنشائها .. فليس من الغريب القول إن عملية إصلاحها ليست عملية حديثة بل تعود إلى بداياتها، حيث شكلت لجان في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات قدمت دراسات وأبحاثا عديدة في هذا الشأن.. بيد أنه مع سيادة نظام دولي جديد (مع انهيار الاتحاد السوفيتي) ظهرت الحاجة إلى نمط جديد من العلاقات الدولية بعد أن تجاوز العالم صراعاته ومشاكله التقليدية ليواجه مشاكل الإرهاب والفقر والديون، ومن ثم باتت الحاجة إلى تنظيم دولي أكثر فاعلية أمرًا ملحٌّا، ووصل الأمر بالبعض إلى الادعاء بأن الأمم المتحدة تجاوزت عمرها الافتراضي، وأنه لابد من إنشاء منظمة جديدة أكثر قدرة على التعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين.

ولأن فكرة إقامة منظمة بديلة للأمم المتحدة تبدو غير عملية، فقد كثرت المطالب بإدخال إصلاحات شاملة على المنظمة الدولية.. حتى تحافظ على الاستقرار الدولي، وتأتي في مقدمة هذه المطالب:

- إعادة الاعتبار إلى دور الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اختطفته الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على تفعيل دورها من منطلق أن جميع دول العالم ممثلة فيها، وذلك من أجل أن يكون لها دور مؤثر في القرار الدولي ولإيجاد نمط أكثر ديمقراطية في العلاقات الدولية.

- توسيع عضوية مجلس الأمن ليشمل بعض الدول الصاعدة (كألمانيا واليابان والبرازيل والهند)، والمنظمات الإقليمية (كمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الافريقية ومجموعة دول عدم الانحياز)، وتقليص استخدام حق الفيتو، وترشيد أداء المجلس، وتحقيق قدر أكبر من الشفافية في عملياته، بحيث لا يكون ناديًا خاصٌّا ذا عمليات سرية.

- تطوير عمل بعض أجهزة المنظمة، خاصة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، التي يجب إبعادها عن سيطرة القوى الكبرى لضمان عدم استغلالها كأداة لممارسة ضغوط على غيرها من الدول، في الوقت الذي تحرص فيه على إبقاء نفسها بعيدًا عن ولاية هذه المحاكم.

- تطوير الهيكل الإداري للأمانة العامة من خلال فرض عناصر الرقابة والمحاسبة على عملياتها المالية، ووضع معايير موضوعية المناصب المهمة على أساس معياري الكفاءة والتوازن الجغرافي وليس محاباة دول معينة بالمناصب المهمة.

- إعادة تنظيم عمليات المنظمة في الخارج، خاصة عمليات حفظ السلام، وإخضاع عناصرها من قيادات وجنود للمساءلة القانونية في حالة المخالفة .. لتجاوز السلبيات التي حدثت في بعض الدول مثل الكونغو الديمقراطية وغيرها.

- تحقيق الاستقلال المالي للمنظمة لتجنب سيطرة القوى الكبرى عليها، وقد اقترح "د. بطرس غالي" الأمين العام الأسبق للمنظمة فرض دولار على كل تذكرة من تذاكر الطيران في العالم بهدف دعم الميزانية.

- تفعيل خطط مواجهة القضايا الدولية الأكثر أهمية، مثل قضية مكافحة الإرهاب والحاجة لوضع ضوابط لهذه العملية من خلال التوصل لاتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب.. وأيضًا التصدي لقضايا الفقر والتنمية والصحة والتعليم.

ولأن المضي في إصلاح الأمم المتحدة مرهون بوجود إرادة دولية جماعية تؤكد وتدعم عملية الإصلاح، فإن توجهات ومصالح القوى الكبرى تبقى هي الأخرى حاسمة في إمكان أن تؤتي جهود الإصلاح ثمارها.. فإذا كانت دول العالم الثالث تبحث عن نظام دولي أكثر ديمقراطية يراعي مصالحها، ويكون لها فيه صوت مسموع، وإذا كانت روسيا والصين ومعهما بعض الدول الأوروبية تبحث عن نظام دولي أكثر توازنًا بعيدًا عن هيمنة القطب الأوحد الأمريكي، فإن موقف الولايات المتحدة من عملية الإصلاح يبدو مهما لإمكان الحكم على إمكانية نجاحها من عدمه.

واللافت للنظر هنا، هو التناقض في موقف واشنطن فرغم أنها ادعت أن المنظمة لم تعد مناسبة لعالم القرن الحادي والعشرين، وطالبت بتجاوزها وبإقامة تنظيم دولي جديد على أنقاضها، فإنها لم تحاول أن تبدو بعيدة عن الإجماع الدولي، فأيدت عملية الإصلاح، وأصدرت خلال قمة الألفية التي عقدت في سبتمبر عام 2000 بيانًا حددت فيه رؤيتها لهذه العملية؛ إذ طالبت بإصلاح الإدارة والميزانية بتعزيز مبادئ المساءلة والنزاهة، وأعلنت تقبلها فكرة توسيع مجلس الأمن وفق معايير مؤهلة (كالتزام الدولة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحجم الاقتصادي، وعدد السكان، والقدرة العسكرية، والمساهمة المالية في المنظمة وسجلها في مكافحة الإرهاب) كما أيدت فكرة الأمين العام السابق "كوفي عنان" لإنشاء لجنة لبناء السلام والتوصل لاتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب، وأعلنت دعمها لأهداف التنمية، ومساندتها لصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية، فضلاً عن دعمها مبادرة إحلال المجلس الدولي لحقوق الإنسان محل لجنة حقوق الإنسان.

ما سبق يعني وجود أمرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي.. وبالنسبة للأمر الإيجابي فهو وجود رغبة دولية جماعية في الإصلاح، أما الأمر السلبي فهو أن المساندة والدعم بالبيانات ووجود الرغبة وحدها لا تكفي، فالجهود التي بذلت بهذا الشأن مازالت تراوح مكانها بدليل أن إعلان قمة الألفية الذي تعهد بخفض نسبة الفقر إلى النصف خلال عشر سنوات، وخفض مخاطر الحروب والإرهاب وتعزيز حقوق الإنسان، أثبتت عمليات المراجعة والمتابعة التي جرت عامي 2005 و2010، أنه لم يلتزم به سوى عدد محدود من الدول.. وأيضًا من الأدلة على تعثر تطبيق الإصلاح أن المطالبة به مازالت مستمرة حتى الآن، وكانت أحد البنود الرئيسية في جدول أعمال الدورة ال 65 الحالية لاجتماعات الجمعية العامة التي بدأت في سبتمبر الماضي.

ولعله ليس من قبيل المبالغة القول، إن عملية إصلاح الأمم المتحدة لا تروق بالكامل لبعض القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وتكاد أهدافها ومساعيها الإصلاحية تنحصر في إصلاح الأمانة العامة والهيكل الإداري للمنظمة للقضاء على ما تعتبره فسادًا، ومن دون أن يمتد ذلك إلى هيكل اتخاذ القرار داخلها، فواشنطن لا تؤيد تفعيل دور الجمعية العامة في ظل رغبتها في استمرار الدور المؤثر لمجلس الأمن باعتباره مركز صنع القرار في المنظمة الدولية، وهي وإن كانت تؤيد توسيع المجلس، إلا أنها تضع شروطًا لذلك - كما سبقت الإشارة - هذا غير رفضها إلغاء حق الفيتو. فهي في النهاية لا تريد أممًا متحدة قوية تناوئها في إدارة دفة السياسة العالمية؛ بل تريد أممًا متحدة ضعيفة يسهل السيطرة عليها وتوجيهها وفقًا لمصالحها ومصالح حلفائها.. أي أنها تسعى لاستمرار النهج الدكتاتوري نفسه المتبع على مدار ما يزيد على ستة عقود في توجيه المنظمة حتى باتت أشبه بمؤسسة خاضعة للإدارة الأمريكية خاصة خلال العقدين الأخيرين.

إن الأمم المتحدة تواجه تحديات كبيرة، بعد أن فقدت العديد من أدوارها (ولاسيما دورها في حفظ السلم والأمن الدوليين)، وبعد أن أصبحت أداة لتنفيذ السياسة الأمريكية، ومن ثم فإن الحقبة القادمة ستضعها أمام أحد مصيرين: فإما أن تتحول إلى منظمة أمريكية، وإما أن تنشأ تعددية قطبية تستطيع إعادة الحيادية إليها.

وإذا كانت هناك نيات حقيقية لإصلاح المنظمة، فيجب أن تؤدي لتعزيز الديمقراطية وحكم القانون في العلاقات الدولية ومساعدة الأمم المتحدة على القيام بدورها كمنتدى للعمل الجماعي، لمواجهة التهديدات والتحديات المختلفة، ولتكون قادرة على الحفاظ على السلام العالمي، وهو ما سيمثل مصلحة مشتركة للبشرية جمعاء.

=========================

معاداة ذاتية للسامية

عبد الوهاب بدرخان

تاريخ النشر: الثلاثاء 19 أكتوبر 2010

الاتحاد

المسألة مهمة، لكن العرب لم يجدوا فعليّاً ما يمكن أن يقولوه في "يهودية" إسرائيل المقترنة ب"ديمقراطيتها"، وكأن الوصفين مترادفان. قد يعني الصمت محاولة لحماية "عربية" أو "عروبة" الدول، أو حتى إسلاميتها. الرئيس الفلسطيني قال إن يهودية الدولة "ليست شأننا" وإنما شأن الأمم المتحدة. أما أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبدربه، فحاول التذاكي ولم ينجح. وبدت واشنطن كأنها على الموجة نفسها مع أفيغدور ليبرمان، إذ تقبلت يهودية الحليف الأرعن كما لو أنها من البديهيات وليست من ألاعيب نتنياهو لتخريب المفاوضات. وحارت عواصم أوروبا إزاء هذه "اللامسألة" التي لا تستحق أكثر من "لا موقف".

الاعتقاد السائد غرباً أن الأمر مجرد فقاعة سياسية أو حتى إعلامية، فما الجديد في أن ينبري نتنياهو صائحاً: أنا يهودي، اعترفوا بي كيهودي. ظن الغرب أن المسألة محسومة، وكذلك الفلسطينيون وكثير من العرب، فإذا لم تكن هذه الدولة فما عساها تكون. قد يسمونها لاحقاً "جمهورية اليهود الديمقراطية الشعبية"، أو "مملكة اليهود المتحدة للأشكيناز والسفارديم"، أو "يهود لاند"... المهم، ماذا بعد، هل سيوقفون الاستيطان نعم أم لا، وكيف يتصورون سلاماً يقوم على الانسحاب إلى حدود 1967 إذا كانوا يرسلون صبيانهم المسلحين للاستيطان ضمن هذه الحدود؟

ولكن،لا، فالأمر يتجاوز التوصيفات ليعطيها وظيفة مقننة هدفها شرعنة التطهير العرقي والديني. وقبل أن يبادر الأميركيون والأوروبيون إلى المباركة والتأييد يفترض أن يسألوا نتنياهو وليبرمان ما الذي تريده بيهوديتك هذه؟ وطالما أن واحداً من كل خمسة يعيشون في إسرائيل ليس يهوديّاً، فالأحرى أن تلام هذه الدولة بإعلان ضمانات واضحة للعشرين في المئة من شعبها، وبأن تصلح أنظمتها وتشريعاتها وممارساتها حيالهم قبل أن يعترف لها بهذا الطابع اليهودي الغالب فيها. فالعرب الموجودون في مناطق 1948 ليسوا هناك بفعل الهجرة الطارئة، ولا هم تسللوا عبر الحدود، بل إنهم موجودون قبل أن تولد هذه الدولة وقبل أن تأتي غالبية الثمانين في المئة يهوداً. كانوا هناك ولا يزالون شهوداً عياناً على أضخم سرقة في العصر الحالي وعلى أكبر ظلم واضطهاد ينزلهما شعب بشعب آخر وبحماية كبرى ديمقراطيات العالم الغربي وأعرقها. لقد بقوا هناك في بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم، وليس إعجاباً ب"ديمقراطية" هذا المحتل المتوحش.

يريد الإسرائيليون من "يهوديتهم" أن تساعدهم على الهرب من أشباح الماضي، يريدونها هوية نظيفة مطهرة لكنهم مدركون في أعماق أعماقهم أنها ملطخة بالدم والإجرام، مثلما هي معروفة في نصوص الشرعية الدولية كانتهاكات مدانة لشريعة الحضارة الإنسانية. وباسم هذه اليهودية -الديمقراطية دخلوا السجل الأسود للعنصرية في الأمم المتحدة، ثم أخرجوا منه بتنازل عربي. وباسم هذه اليهودية -الديمقراطية سرقوا أكثر من نصف الأرض المعترف بها دوليّاً (قرار التقسيم 181) للفلسطينيين. وباسم السلام، ومن أجله، تنازل الفلسطينيون عما سرق، لقاء أن يتمكنوا من العيش على 22 في المئة من أرضهم، وأن يكون لهم فيها عنوان وكيان ودولة، لكن اليهودية -الديمقراطية استغلت المفاوضات وتستغلها لتقضم المزيد من الأرض، بل تريد اقتلاع عرب 1948 من أرضهم ثمناً ل"سلام" ليست مستعدة أبداً للإقرار به.

تتحدث إسرائيل عن هدف لابد منه لأي مفاوضات وهو "إنهاء الصراع"، لكنها لا تنفك تجدد ناره وتؤججه. ينبغي إذن إقرار ألا مصلحة لها في نهاية لهذا الصراع، لأنه لا يمكن أن ينتهي فعلاً على النحو الذي تتصوره. فالقدس لم تكن لها ولن تكون، ومئات القرى والبلدان التي هدمتها وتكافح الآن ب"يهوديتها" لمحق حق العودة إليها لا يمكن أن تبتلعها من دون أي محاسبة في ما تسميه "الحل النهائي"، وأي حل لا تحترم فيه القوانين الدولية لابد أن يكون مؤسساً لصراعات قادمة.

إذا لم ترتب "يهودية الدولة" مسؤوليات على إسرائيل تجاه جميع مواطنيها، ولاسيما العرب، وتجاه ارتكاباتها خصوصاً ضد الفلسطينيين، فإنها ستغدو معاداة ذاتية للسامية تسيء بها إسرائيل نفسها إلى يهوديتها، إذ لا يمكن أن تسوّغ أية ديانة الظلم والاضطهاد، ولا يمكن أن تشرعن انتهاك الحقوق وهضمها. إذا كان العالم الغربي يلمس ملامح فاشية من خلال قوانين التهويد الإسرائيلية، فإن صمته المريب سيفهم على أنه تغاض عنها.

=========================

الفضائيات الإسلامية بين حرية الرأي والاغتيال

الثلاثاء, 19 تشرين الأول 2010

السبيل الاردنية

بسام ناصر - أقدمت إدارة نايل سايت في الأسبوع الماضي على إغلاق عدة قنوات دينية إسلامية، كالحافظ والناس والصحة والجمال والخليجية وصفا، في تبريره لهذه القرارات قال رئيس الهيئة العامة للاستثمار في مصر أسامة صالح إنها تأتي نتيجة رصد بعض المخالفات لشروط التراخيص الممنوحة لهذه القنوات، موضحًا أن مجلس إدارة المنطقة الحرة العامة الإعلامية قام بإعداد مراجعة للضوابط العامة والخاصة للعمل بالمنطقة الإعلامية، وإضافة بعض الضوابط العامة والمبادئ التي يتعين على جميع القنوات الفضائية مراعاتها مستقبلاً فيما تقدمه على شاشاتها، وذلك بهدف ضمان مزيد من الالتزام من جانب القنوات بميثاق الشرف الإعلامي ومبادئ العمل بالمنطقة.

 

في خبر تال جاء فيه وفقا لمصادر صحفية أن هيئة الاستثمار المصرية وضعت عدة شروط من أجل إعادة بث القنوات الدينية التي أغلقت منذ أيام، وذكرت صحيفة "المصريون" أن الأزمة تتجه إلى الحل خلال يومين على أبعد تقدير بعد مفاوضات أجراها أصحاب تلك القنوات مع هيئة الاستثمار، وكان أصحاب القنوات قد توجهوا إلى هيئة الاستثمار بعد رفض وزير الإعلام مقابلتهم، وعقدت لقاءات كان آخرها ليلة السبت الماضي وعرضت فيها هيئة الاستثمار شروط إعادة بث القنوات، وكانت لائحة الشروط التي طلبت الهيئة كتابتها بخط اليد وتوقيعها من قبل أصحاب القنوات تنص على التالي:

 

عدم التعرض للشيعة وتم التشديد على هذه النقطة تحديدا، منع التعرض "للمسيحية"، منع المواد التي تثير الفتنة وتنشر التشدد، دون تعريف محدد للتشدد أو الفتنة، إيجاد برامج منوعات، عدم ظهور مذيعين ملتحين في تلك القنوات، عدم الحديث عن الأزهر أو باسم الأزهر من قريب أو بعيد، لا تتعدى مساحة البرامج الإسلامية في القناة أكثر من 50 في المئة من خريطة القناة، أن لا تكون هناك برامج للفتوى الشرعية مهما كان ضيف البرنامج، تخصيص مساحة كافية لإذاعة أفلام أو أغنيات أو مسرحيات، إشراك عناصر نسائية صوتا وصورة في الخريطة البرامجية الجديدة.

 

ما تتعرض له الفضائيات الدينية الإسلامية، من تضييق ومحاصرة وإيقاف البث، يشي بما لهذه القنوات من حضور وتأثير كبيرين في الأوساط الإسلامية، ويعري في الوقت ذاته دعاوى حرية الرأي والتعبير، ويجعلها شعارات جوفاء خرقاء لا تملك من حقيقة اسمها أي نصيب يستحق أن يذكر، غاية ما تسعى إليه قرارات الإغلاق ومن يقف وراءها، هو تحجيم المد الفضائي الديني، ومحاصرته ضمن السقوف المخطط لها.

 

من يقرأ الشروط التي وضعتها هيئة الاستثمار، يدرك أنها ترمي إلى تجريد الفضائيات الدينية من رسالتها التي أسست أصلا لأدائها والقيام بها، وهذا تدخل سافر في عملها، واعتداء صارخ على استقلالية سياستها الإعلامية، لا أحد ينكر حق الجهات الرسمية المختصة وضع شروط تلزم المؤسسات الإعلامية باحترام المواثيق والتقاليد التي تحترم العمل الإعلامي، وتلتزم بشروطه ومتطلباته المهنية، لكن ما يستهجن ويستنكر حقا، هو هذه الشروط المجحفة والتي تطبق بانتقائية مرذولة.

 

فحينما يكون من ضمن الشروط التي تطالب إدارة النيل سات، القنوات الدينية بالتوقيع عليها والالتزام بها، عدم التعرض للشيعة، فإنه بنفس المنطق يلزم الإدارة تطبيق هذا الشرط على سائر الفضائيات الشيعية الأخرى، كقناة الكوثر مثلا، فهي في برامجها تتعرض لعقائد أهل السنة، ويكفي التمثيل ببرنامج "مطارحات في العقيدة" الذي يقدمه كمال الحيدري، لتبين ذلك والتدليل عليه، فلماذا لا تكون إدارة النيل سات عادلة وتشترط على القنوات الشيعية ما تشترطه على القنوات السنية؟

 

وكذلك الحال باشتراطها عدم التعرض للمسيحية، فلماذا لا يطبق الشرط ذاته على القنوات "النصرانية"، سواء ما يبث منها على نيل سات أو غيره، والتي تتعرض لعقائد المسلمين، وتسيء إلى الدين الإسلامي، إذا كان مغزى إغلاق الفضائيات الدينية الإسلامية السنية، حقا هو محاصرة الفتن الطائفية، وعدم تأجيج نيران المواجهات الدينية بين النصارى والمسلمين من جهة، وبين السنة والشيعة من جهة أخرى؟.

 

بعض تلك الشروط التي طالبت بها الهيئة العامة للاستثمار غريبة عجيبة، فما هو المغزى من اشتراط أن لا تزيد مساحة البرامج الإسلامية على 50 بالمئة من برامج تلك الفضائيات وهي في الأساس قنوات دينية؟ وما هو المغزى من تخصيص مساحة كافية لإذاعة أفلام أو أغنيات أو مسرحيات، ومن أين تأتي تلك القنوات بهذه المواد لبثها؟ أم يريدون منها بث الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تبثها قنوات "روتانا" وغيرها؟.

 

الفضائيات الدينية كغيرها من الجهود البشرية الأخرى، خاضعة للنقد والمراجعة، وتتطلب بين الفترة والأخرى إعادة النظر والتقييم، وهي تتطلب من القائمين عليها، حسن الإعداد والاختيار، والالتزام بالمعايير المهنية المحترمة، ومراعاة كل ما من شأنه تمكينها من أداء رسالتها بهدوء وانتظام، من غير الدخول في صراعات ومواجهات، فهذه مطالبات عادلة وموضوعية، أما التدخل الرسمي القسري الذي يضيق عليها الخناق ويحاصرها في أداء رسالتها، فهو لا يعدو أن يكون اغتيالا لها، وإجهاضا لرسالتها، وهو من قبل ذلك ومن بعده تعرية لكل دعاوى حرية الرأي والتعبير التي باتت شعارات جوفاء لا حقيقة لها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ