ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

ما بات يتجاوز وحدة السودان

المستقبل - الخميس 21 تشرين الأول 2010

العدد 3807 - رأي و فكر - صفحة 20

خيرالله خيرالله

هل يمكن تفادي تقسيم السودان؟ المؤسف ان الموضوع المطروح لم يعد موضوع وحدة السودان وكيفية المحافظة عليها، خصوصا بعدما باشرت الامم المتحدة تحركا يستهدف وضع قوات فصل بين الشمال والجنوب تفاديا لحروب لا نهاية لها. كذلك، لم يعد مطروحا معارضة الحكومة السودانية لمجيء القوات الدولية التي ستشكل قوات فصل بين الشمال والجنوب. ما هو مطروح حاليا يتلخص بسؤال واحد هو الآتي: ما هي الصيغة التي تحول دون اراقة الدماء وتضمن مستقبلا افضل للسودانيين اكانوا في الشمال أو الجنوب؟

لا مفرّ من استخدام العقل بعيدا عن الشعارات الكبيرة من نوع المحافظة على وحدة السودان. هناك بكل بساطة رغبة لدى الجنوبيين في الانفصال نظرا الى انهم يشعرون بان لا شيء يجمع بينهم وبين اهل الشمال وهم عرب ومسلمون، باكثريتهم الساحقة. ربما كان الدكتور حسن الترابي افضل من لخص المشكلة عندما حذر قبل ايام من "تمزق السودان" قائلا:" اخشى ان يحدث في السودان ما حدث في الصومال، بل اسوأ من ذلك. فالصومال شعب واحد وبلد واحد ودين واحد، لكننا انواع".

منذ استقل السودان في العام 1956، كانت سنوات طويلة من الحروب بين الشمال والجنوب. لا حاجة الى تعداد الفوارق بين المنطقتين بمقدار ما ان هناك حاجة الى الانطلاق من الاستفتاء المقرر اجراؤه بعد اقلّ من ثلاثة اشهر للتطلع الى المستقبل والبحث عن صيغة تضمن مصالح الشمال مثلما تضمن مصالح الجنوب الذي لا يستطيع تصدير نفطه من دون المرور بالشمال. ما قد يكون اهم من الوحدة ايجاد مصالح مشتركة بين الشمال والجنوب والتأسيس عليها من اجل الجمع بين المنطقتين مستقبلا في اطار يمكن ان يشبه الوحدة أو الفيديرالية. فما نراه اليوم هو ان هناك بالفعل رغبة دولية بالتخلص من السودان الذي عرفناه. ثمة من يقول ان هناك مؤامرة على السودان وثمة من يقول ان هناك اسبابا حقيقية وموضوعية تجعل من المستحيل بقاء البلد موحدا. في كلّ الاحوال، يمكن لمثل هذا النوع من الجدال الاستمرار الى ما لا نهاية ويمكن ان يفضي الى حروب جديدة حذّر منها الرئيس اوباما بنفسه مبديا تخوفه من سقوط "ملايين القتلى" في حال تجدد القتال بين الشمال والجنوب.

ما هو مثير للانتباه في السنوات الخمس الاخيرة التي بدأت بتوقيع الاتفاق بين الشمال والجنوب، وهو اتفاق ادى الى وقف الحرب المستمرة منذ واحد وعشرين عاما والاتفاق على اعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير في استفتاء موعده في التاسع من كانون الثاني، ذلك الغياب العربي الذي يعكس رغبة في التعاطي مع الحدث بعد حصوله. لا تشبه طريقة التعاطي مع السودان في العام 2010 سوى طريقة التعاطي مع العراق في العامين 2002 و2003. في تلك المرحلة، كان الطفل يعرف ان الاميركيين سيجتاحون العراق وسيسقطون النظام. اجتمع العرب مرات عدة، آخرها في شرم الشيخ على مستوى القمة ودعوا الى تفادي الحرب بدل البحث في ما يجب عمله، أو على الاصح في ما يمكن عمله، في ضوء الحرب الاميركية التي كانت قدرا. الآن، هناك تقسيم فعلي للسودان. لم يحسن العرب في السنوات القليلة الماضية التعاطي حتّى مع قضية دارفور. باستثناء التحركات الخجولة لجامعة الدول العربية عبر الامين العام السيد عمرو موسى الذي لا يمتلك سوى امكانات محدودة، والجهود الحثيثة التي بذلتها دولة قطر، كان هناك غياب عربي تام عن دارفور...

ما يبدو السودان مقبلا عليه يتجاوز قضية دارفور. ما على المحك اكبر من السودان نفسه الذي يمكن ان يصبح دولا عدة أو ان يؤدي تمزيقه الى تفجير دول مجاورة له. لماذا، لا يكون هناك اجتماع عربي على اعلى مستوى يخصص للسودان ولمناقشة مرحلة ما بعد تقسيم السودان، هذا اذا كان هناك ما يمكن عمله. لعلّ اخطر ما في دعوة الامم المتحدة الى ايجاد منطقة عازلة ما بين الشمال والجنوب ان التقسيم حاصل وقد صار واقعا. لم يعد السؤال مرتبطا بالمحافظة على السودان. صار السؤال ما العمل بعد تقسيم السودان لا اكثر ولا اقل؟

في النهاية، هل العرب جدّيون ام لا؟ هل اخذوا علما بأن الحرب التي تعرض لها العراق كانت بداية لعملية تستهدف اعادة رسم خريطة المنطقة؟ يفترض بهم ان يطرحوا مثل هذا النوع من الاسئلة على انفسهم وان يقرروا هل هناك مصالح عربية مشتركة ام لا؟ هل هناك منظومة امنية عربية ام لا؟ فما يشهده السودان اليوم يتجاوز حدود البلد الاكبر مساحة في افريقيا. المطروح اعادة رسم حدود الدول في افريقيا وما لا شك فيه ان مصر معنية اكثر من غيرها بالمخاطر التي يمكن ان تنتج عن تقسيم السودان الذي يمر به النيل الذي يشكل شريان الحياة بالنسبة اليها.

ربما كان ما يستطيع العرب عمله بالنسبة الى مستقبل السودان محدودا. لكن الواجب يقتضي عقدهم اجتماعا يخصص للبحث في ما سيترتب على تقسيم البلد. ما دام ليس في استطاعتهم عمل شيء للحؤول دون ذلك، لماذا لا يفكرون في كيفية الحد من الاضرار التي يمكن ان تنجم عن مثل هذا التطور الذي يمكن ان يصب في مصلحة اهل الشمال وفي مصلحة اهل الجنوب في حال هناك من يحسن ادارة عملية التقسيم. اذا كان تقسيم السودان شرا لا بد منه، لماذا غياب التفكير في تحويل هذا الشر الى ما يمكن الحد من الخسائر العربية بطريقة ما...

===========================\

الوقت الأنسب للتفاوض مع طالبان

ريتشارد باريت

الشرق الاوسط

21-10-2010

تتزايد التكهنات داخل وخارج أفغانستان على اقتراب عقد حكومة كابل محادثات مصالحة مع طالبان. لكن رغم تردد زعماء طالبان، فقد بدأوا في البحث عن بدائل للقتال، فهم يدركون بلا شك أن تحقيق انتصار عسكري أمر صعب المنال مثلهم في ذلك مثل الرئيس حميد كرزاي وقوات الناتو.

ليس هذا بالأمر المستغرب، فقد بدأ الوقت لا الموارد ولا الرغبة في القتال بالنسبة لطالبان، في النفاد. فحتى وقت قريب، كانت طالبان تؤكد على أنها ستواصل القتال حتى تخرج كل القوى الأجنبية من أفغانستان، وكان من شروطهم الأخرى، إطلاق سراح بعض سجناء طالبان وحذف مجلس الأمن الدولي أسماء أعضاء جماعة طالبان من قائمة عقوبات «القاعدة - طالبان».

لكن مع تأكيد الولايات المتحدة بدء انسحاب جزئي من أفغانستان مطلع شهر يوليو (تموز) المقبل، والتوقعات باستمرار الحملة الجوية القوية الحالية والهجمات الأخرى التي تستهدف قادة طالبان، لم يعد خيار الانتظار حتى جلاء القوات الأجنبية بالكامل من أفغانستان خيارا مغريا بالنسبة لهم.

وكانت شبكات القيادة والسيطرة التي نفذتها منذ بداية تمردها عام 2006 قد شهدت نجاحا نسبيا، لكن الحملة التي قادتها القوات الخاصة الأميركية بمرافقة القوات الأفغانية والقوات الأخرى بمساعدة معلومات استخبارية متطورة ومساندة الطائرات من دون طيار التي استهدفت قادة «القاعدة» والقيادات الوسطى فيها، أوقعت خسائر هائلة في صفوفها. فلم تفقد طالبان بعض أبرز رموزها فحسب، بل أجبرت من نجا منهم على التواري عن الأنظار، ونادرا ما يشاهدون داخل أفغانستان.

غياب الاتصال المباشر بين قادة «القاعدة» ومقاتليهم واستنزاف العدو لسلطاتهم، جعل قادة طالبان يحدون من مكالماتهم الهاتفية خشية التعرف على مواقعهم واضطروا إلى استخدام أساليب أقل فعالية وثقة لمناقشة الاستراتيجيات ونقل الأوامر إلى القادة الميدانيين.

الاتصالات المباشرة، اللازمة لتدعيم روابط الحركة، ضعفت، نتيجة مقتل كثير من القادة ذوي المراتب الوسطى، واستبدالهم بشباب أحدث سنا وأقل شهرة من أسلافهم، ليصبح القادة الإقليميون والمحليون أكثر استقلالية وأقل رغبة في تنفيذ الأوامر والسعي وراء مصالحهم الخاصة، عبر جمع الأموال والاحتفاظ بها لأنفسهم بدلا من نقلها إلى قادتهم لإعادة توزيعها. وسيرا على درب العادات الأفغانية يقوم القادة المحليون ببناء إمارات مستقلة يترددون في التخلي عنها.

هذا الانقسام الذي تعانيه طالبان، التي توحدت تحت راية قتال عدو مشترك، أكثر منها آيديولوجيا مشتركة، ربما يبدو أخبارا جيدة بالنسبة لواشنطن وكابل، لكنها تخلق أيضا بعض الصعوبات، فموقف قادة طالبان الضعيف سيزيد من صعوبة تنفيذهم لأي اتفاق ليس لمجرد وقف القتال وتطبيق الدستور الوطني، بل للانفصال التام عن «القاعدة».

يقوم على حراسة كثير من قادة طالبان الجدد أفراد من «القاعدة» ومتطرفون آخرون لا يؤيدون عقد اتفاق مع الرئيس كرزاي، وقادتها في الجنوب والشرق لديهم روابط قوية بطالبان باكستان وأفرادها المتشددين.

هذا الضعف الذي تعاني منه قيادة طالبان يفرض بطبيعة الحال مزيدا من الضغوط الزمنية على الحكومة الباكستانية التي ستكون ضمن الأطراف المشاركة في أي عملية مصالحة. وإلى جانب التعامل مع النتائج الكارثية للفيضانات التي شهدتها البلاد، يواجه الجيش الباكستاني حرب استنزاف مع المقاتلين المسلحين تسليحا جيدا في المناطق القبلية على الحدود مع أفغانستان.

من المؤكد أن التوصل إلى تسوية في أفغانستان سيساعد الجيش على إخضاع طالبان باكستان، خاصة إذا أفرزت التسوية سيطرة أكثر فعالية للجانب الأفغاني من الحدود. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من وجود كثير من قادة طالبان أفغانستان ممن لهم صلات قوية بالجيش الباكستاني وتجمعهم مصالح مشتركة، فإن قيادة طالبان الشابة الصاعدة لا يتوقع أن تتعاون مع إسلام آباد.

ومن ثم ربما يدعم القادة الباكستانيون المصالحة، مفضلين الاستقرار في أفغانستان أكثر من تشكيل حكومة في باكستان موالية لكابل.

أما القوى الإقليمية الأخرى، كإيران وروسيا، فلن ترغب في عودة طالبان للسلطة بشكل كامل، لكنها رغم ذلك سترحب بالتوصل إلى تسوية. فتشكل تجارة المخدرات المنتجة في أفغانستان سوقا داخلية ضخمة في إيران. وتمثل المخدرات إلى جانب مشكلات الصحة والجريمة القائمة، مشكلة متنامية في روسيا، يمكن القضاء عليها عبر تحقيق مزيد من الاستقرار في أفغانستان.

ربما تسعد إيران بالمعاناة الأميركية الحالية في أفغانستان، لكن مصالحها الطويلة الأمد ستدفعها إلى المساعدة في توازن القوى في كابل بما يساعد على توفير أمن الحدود وحماية الشيعة الهازار في أفغانستان. وربما ترى روسيا أيضا ميزة في اتفاقية تقاسم السلطة التي يمكن أن تحد من فرص الجماعات المتطرفة في استخدام أفغانستان كقاعدة لتقويض الحكومات الهشة في دول آسيا الوسطى المجاورة.

إذن، ما الذي يمكن أن تفرضه المفاوضات مع طالبان؟ بالنسبة لمطلبهم الأول الانسحاب الفوري للقوات الأجنبية من أفغانستان نتوقع من طالبان بعض المرونة. إذ يجب أن يدرك قادة طالبان أن الانسحاب السريع للقوات الغربية سيؤدي إلى مزيد من القتال لا العكس؛ لأن الخصومات العشائرية والإثنية التي حالت دون الاستقرار على مدار ال30 عاما الأخيرة ستعاود الظهور مرة أخرى. ما تحتاجه طالبان في الوقت الراهن هو وقف عملياتهم. ولتلبية مطلبهم بحذف أسمائهم من قائمة العقوبات يجب عليهم القبول بأن ذلك سيكون نتيجة للسلام لا كحافز لتحقيقه.

المسألة الرئيسية هنا هي «القاعدة»، يجب أن توافق طالبان وأن يظهروا أنهم قادرون على تنفيذ الاتفاق وأن «القاعدة» لن تتمكن من متابعة أجندتها الإرهابية من أي جزء من أفغانستان خاضع لسيطرتها. من ناحية نظرية يجب أن يكون ذلك ممكنا. وقد عبرت قيادة طالبان مرارا أنها إن عادت إلى السلطة فلن تتدخل في شؤون الدول الأخرى، أو السماح لأي فرد بالقيام بأي شيء انطلاقا من أراضيها.

ربما يجب على الحكومة الأفغانية تقديم بعض التنازلات من ناحيتها أيضا، فإصرارها على ضرورة تخلي طالبان عن السلاح سيعني أنها تريدهم أن يسلموا أسلحتهم. وإصرار حكومة كابل على دعم طالبان للدستور الأفغاني يشير إلى أن أجزاء منه ربما تكون بحاجة إلى التغيير. على الرغم من كل الرجعية المحافظة التي تتسم بها طالبان، فإنهم أفغان براغماتيون. فقد نشأوا في ثقافة التفاوض حيث لا يحصل شخص واحد على كل شيء، ولا يخرج أحد من دون شيء. وعلى عكس «القاعدة»، فإنها حركة قومية ذات أهداف وطنية، وعلى الرغم من استعدادهم للقتال حتى آخر رجل منهم، فإنهم يفضلون العودة إلى الحكم. وإذا ما بدأت المفاوضات، ناهيك عن نجاحها، ستحتاج طالبان لأن تبدي أنها مستعدة أيضا للحكم.

* رئيس فريق مراقبة أنشطة تنظيم القاعدة وطالبان

في الأمم المتحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز».

===========================\

ليت «واشنطن» أنجزتنا ما تعد..

وليد ابي مرشد

الشرق الاوسط

21-10-2010

بقدر ما كانت «مفاجئة» زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، جيفري فيلتمان، إلى بيروت الأحد الماضي.. كانت أيضا مدعاة للتساؤل عما قدمته واشنطن من دعم سياسي يذكر لقوى «14 آذار» في مرحلة كانوا فيها فعلا أصحاب قضية - أي استقلال القرار اللبناني عن الوصاية السورية - لتأخذ «14 آذار» على محمل الجد وعد فيلتمان الجديد بدعم واشنطن للمحكمة الدولية «إلى النهاية»، وحرصها على أن تستكمل عملها.

رائع أن تؤكد الإدارة الأميركية، عبر فيلتمان، التزامها بلبنان «قوي ومستقر وذي سيادة». ولكن الأروع من ذلك أن تؤكد بأفعالها، لا أقوالها، هذا الالتزام.

ألا يحق للبناني العادي أن يتساءل لماذا فشلت واشنطن في تقديم دليل عملي واحد على التزامها بسيادة لبنان واستقراره يوم كان هذا الالتزام مطروحا، بل ومطلوبا، على مستوى الشارع؟

كلنا نذكر، على سبيل المثال، موضوع قرية الغجر المقسومة إلى شطرين: إسرائيلي محتل ولبناني محرر، وكيف انتعشت آمال حكومة فؤاد السنيورة - التي كانت تحظى برضا واشنطن وسفيرها في بيروت آنذاك، جيفري فيلتمان بالذات - في أن تقنع واشنطن إسرائيل ب«التنازل» عن احتلال نصف القرية.. ليس فقط لإعادة توحيدها في ظل «سيادة لبنان واستقراره»، بل لإعطاء خصوم «14 آذار» مثلا حيا عن مصداقية وعود واشنطن بدعم «ثورة الأرز» وسعي حكومة السنيورة لبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها.. ففشلت في إقناع إسرائيل ب«التضحية» بكيلومترات معدودة من الأراضي اللبنانية المحتلة تفوق القيمة السياسية للجلاء عنها - بالنسبة للبنان والولايات المتحدة معا - أي قيمة استراتيجية مفترضة لإسرائيل.

عجز الإدارة الأميركية عن «إقناع» إسرائيل بأن تتزحزح قيد أنملة من قرية الغجر أحبط آمال قوى «14 آذار» في جدية الدعم الأميركي لقضيتهم، خصوصا إذا ما قورن بالدعم الإيراني والسوري السخي لقوى «8 آذار»، وأسهم بالتالي في إضعاف «14 آذار».. فهل يلام اللبناني العادي إذا اعتبر اللجوء إلى حمى واشنطن كالاستظلال بسحابة صيف عابرة: لا يعرف متى تنقشع ولا كيف تنقشع؟

أما لماذا تنقشع فالأمر بمنتهى البساطة: الحرص المفرط على تجنب المس، بأي شكل من الأشكال، بمصالح إسرائيل، وما يفترض أنه أمن إسرائيل.

مشكلة الولايات المتحدة ليست افتقارها إلى أوراق ضغط على إسرائيل - وما أكثرها - مشكلتها مدى استعدادها لممارسة أي ضغط كان حتى «النهاية»، ودون احتساب لرد فعل اللوبي الصهيوني في واشنطن.. الأمر المستحيل في موسم انتخابي (انتخابات منتصف الولاية) لا يبشر بخير للحزب الديمقراطي الحاكم.

حبذا لو ينقل فيلتمان إلى إدارته أنها فوتت، مع «ثورة الأرز»، فرصة تاريخية لبناء علاقة صداقة وثيقة مع اللبنانيين كانت ممكنة، آنذاك، رغم كل المآخذ «الإسرائيلية» على دبلوماسيتها الشرق أوسطية. وغير خاف أن «تقلص» الحجم الدولي - والمحلي - للرئيس باراك أوباما لا يوحي باحتمال تعويض هذه الفرصة المهدرة، خصوصا بعد فشله الذريع في حمل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على تمديد وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يشكله هذا الفشل من إقرار ضمني بهيمنة القرار الإسرائيلي على الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط.

ما أشبه موقف قوى «14 آذار» من الإدارة الأميركية بموقف الشاعر عمر بن أبي ربيعة من عروس أحلامه، هند، الشاعر تمنى أن تنجز هند ما وعدت به و«تستبد مرة واحدة»، و«14 آذار» تمنت أن تنجز واشنطن ما وعدت به و«تستقل» مرة واحدة عن إسرائيل.

والمفارقة الواجب تسجيلها في هذا السياق أن «14 آذار» باتت تلتقي مع الشاعر العربي في ملاحظته: «كلما قلت متى ميعادنا.. ضحكت هند وقالت بعد غد».

===========================\

في أن الحرب الأهلية خط أحمر!

الخميس, 21 أكتوبر 2010

أكرم البني *

الحياة

لم يعد من باب التهويل القول إن شبح الحروب الأهلية بات يلوح في الأفق في غير مجتمع عربي، وأن عبارات التطمين التي درج استخدامها من جانب الفرقاء المتصارعين بأن الاقتتال الداخلي هو خط أحمر أو واحد من المحرّمات صارت موضع شك أمام ازدياد التأزم السياسي واحتقانه، وأمام المحاولات المحمومة لنثر بذور التفرقة والفتنة وتفكيك اللحمة الوطنية لمصلحة بنى متخلفة لجماعات بعينها ومطامع لقوى بعينها على حساب الثقة بالدولة ومؤسساتها ودورها العمومي.

ونظرة سريعة إلى اندفاع الصراع السياسي في العراق واليمن والسودان وفلسطين ولبنان تدل بالفعل على مسار خطير ينذر بتدمير مقومات الحياة المشتركة ويدفع البلاد نحو هاوية اقتتال أهلي يستمد خطورته من عوامل كثيرة لا تزال حاضرة وفاعلة ومهددة، منها تراجع سلطة الدولة واهتزاز الثقة بمؤسساتها، ومنها ارتهان الخلافات الداخلية لمصلحة قوى خارجية ومنازعاتها، ومنها تنامي روح التعبئة الاقصائية وثقافة مشبعة بلغة القوة والعنف.

وإذ تصح الأفكار القائلة بأن للدولة في المجتمعات التعددية الدور الأساس في بناء الوطن والهوية الوطنية وأن نشأة الأوطان في مسارها التاريخي إنما صنعتها إرادة سياسية واعية عززت خيار الدولة وأذكت روح المواطنة والمساواة وشجعت الجماعات المتباينة ثقافياً على الاندماج وتمكين الانتماء المشترك والتقليل من أهمية عوامل التفارق والاختلاف أو إزالتها، فإن فرص نجاح هذه الأفكار تبقى ضعيفة وربما معدومة في ظل غياب المؤسسات الديموقراطية واستئثار البعض بالسلطة السياسية وفشل مشاريع التنمية أو التحيز في تنفيذها جراء التمييز بين الناس وعدم الاعتراف بحقوق متساوية لمكونات المجتمع المختلفة.

والحال بدل أن تكون الدولة غاية ومحط إجماع لتعزيز الروح الوطنية ولإدارة الخلافات سلمياً بين شرائح متباينة المصالح، تصبح درئية للتصويب والتشويه، ويرفع البعض دورها إلى أعلى المستويات أو يخفضه إلى الأدنى تبعاً لما تتطلبه مصلحته الخاصة وليس المصلحة الوطنية العليا. وبمعنى آخر بدلاً من أن تقوم الدولة بوظيفتها الأولى وهي احتكار القوة المسلحة والعنف الشرعي لضمان أكبر قدر ممكن من الأمن للمجتمع والعدالة لمواطنيها، فإننا نشهد، وبدرجات مختلفة ولأسباب مختلفة، حضور مجموعات سياسية أو قوى طائفية ومذهبية هي ما دون الدولة، لكنها تسوغ لنفسها إنجاز مهام الدولة وتعتبر ما تقوم به هو الشرعية، ترفض الخضوع للسلطة العمومية وتتحفز لتعميم منطقها على المجتمع ككل إن من خلال اللعبة السياسية وإن باستخدام لغة القوة والتهديد.

من جهة ثانية يعزز خطورة ما يجري دور العامل الخارجي ومدى ارتباط أطراف داخلية بسياسات المحاور في المنطقة، وما يترتب على ذلك من حسابات تتجاوز المصلحة الوطنية وتجر بعض الجماعات إلى مواقف تغفل حقيقة الظروف الخاصة التي تعيشها بلدانها، وليس خافياً على أحد حضور مشاريع إقليمية ودولية في اللحظة الراهنة تفرض على بعض القوى المحلية في أكثر من مجتمع عربي اختيارات ومواقف سياسية تأتي غالباً على حساب المصلحة الوطنية. وما يزيد الطين بلة ضعف النظام العربي وانحسار دوره، وأيضاً عجز الدور الأممي عن حل أهم بؤر التوتر في المنطقة وهي القضية الفلسطينية، ليبدو استقرار الشعوب العربية ومستقبلها هو الضحية الأولى لصراعات الهيمنة على المنطقة وللتعنت الصهيوني بينما تقطف السلطات ثمار ذلك بتأبيد تسلطها ويغدو دعاة التعصب والإرهاب أكبر الرابحين.

وفي المقابل يحلو للبعض تبرير هذه الصراعات بأنها ممر للخلاص ولمعالجة الأزمات القائمة أو مخاض لا بد من أن تمر به بعض البلدان المتخلفة لبناء الوطنية الحقة وتطهير المجتمع مما هو مشوه وزائف، لكن اليوم ونحن نرى النتائج المؤلمة وما يرجح أن تفضي إليه هذه السياسات من تدمير وتفكيك للمجتمعات، يتضح عبث هذا المنحى وخطورته وكأنه نافذة للجحيم وليس للخلاص. فهل من أهداف مهما علا شأنها يمكن أن تبرر اندفاع أبناء الشعب الواحد لقتل بعضهم البعض؟ وهل من دوافع مهما منحت من قدسية وغلفت بشعارات براقة يمكن أن تفسر هذه الشحنة الهائلة من الحقد والكراهية التي يتم نشرها وتعميمها بين الناس ليغدو دم صديق الأمس مباحاً ودم الجار مهدوراً؟

وللأسف عوض أن تعرف المجتمعات الضعيفة والمنكوبة حالة من الاحترام المتبادل والتعاون بين مختلف القوى الاجتماعية والفعاليات السياسية لضمان حظ أفضل لها من التنمية والتطور ومن المنافسة أمام المجتمعات الأخرى، تصدمك مظاهر ازدراء الآخر وتحقيره ونوازع الاستئثار والوصاية على الناس وتسويغ كل الوسائل بما فيها التهديد والترهيب والقتل لتحقيق ذلك!

فهناك شرخ كبير لا يزال قائماً بين حلم الوطن الديموقراطي الجامع وبين الواقع، ويبدو أن لا خير يرتجى في معالجة الأزمات الراهنة ووقف التدهور، ما دام ثمة جماعات لا تزال تشجع اندفاع البشر نحو ملاذات متخلفة، طائفية أو مذهبية أو عشائرية، لتسهيل السيطرة عليهم، وما دام ثمة قوى لا يهمها سوى امتيازاتها الخاصة، تختزل الموقف الوطني في مقدار النفوذ الذي تحققه في توازنات السلطة، مستقوية بخيارات إقليمية مفتوحة على صراعات لا تنتهي، ومنتهزة فرصة تراجع دور الدولة وحالة من السلبية لا تزال تسم سلوك الناس وتدفع قطاعات واسعة منها للاصطفاف في شكل أعمى وراء هذا الطرف أو ذاك.

لم يخل تاريخ المجتمعات البشرية من العنف والحروب الأهلية بما فيها أرقاها اليوم وأكثرها ديموقراطية قبل أن تكتشف أن طريق الاقتتال والإقصاء ورفض الآخر هي طريق لا أفق لها، مملوءة بالآلام ومدمرة، ويبقى السؤال هل ستذهب بعض الجماعات المغرقة في أنانيتها إلى جر مجتمعاتها إلى دورة الآلام ذاتها كي تصل إلى تلك النتيجة وتقتنع بأن أي مجتمع لا يمكن أن يعيش ويزدهر من دون تبادل المصالح والتنازلات واحترام حقوق الناس والتنوع والاختلاف.

وهنا لا يصح القول إن لا فرصة أمام المجتمع لينأى بنفسه عن حرب أهلية مجانية سيكون الجميع فيها خاسراً والرابح الوحيد هو الدمار والخراب. فثمة دور للناس والنخب الوطنية للوقوف ضد ما يدبر، على الأقل بإشهار رفضها منطق الاستئثار والوصاية ولغة العنف والقوة، والأهم الالتفاف حول خطاب موضوعي يحرج الأطراف المتصارعة ويضغط على خياراتها، ولعلها تشكل «بارقة أمل» المبادرات الأخيرة لبعض منظمات المجتمع المدني في العراق ولبنان للاحتجاج على ما يجري وإيجاد أشكال من التواصل والحضور لتعزيز روح المواطنة واسترداد حيوية المجتمع ودوره في محاصرة الاندفاعات الهوجاء وتغذية الاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة لمصلحة روح التعايش والتوافق وحماية السلم الأهلي!

* كاتب سوري

===========================\

الطلقات الأولى في حرب التجارة العالمية

آخر تحديث:الخميس ,21/10/2010

جميل مطر

الخليج

نسمع بين الحين والآخر طلقات تحذيرية يطلقها الطرفان الكبيران في النظام الاقتصادي العالمي توحي بأن حرباً تجارية بين الغرب والصين على وشك أن تنشب، وتؤكد في الوقت نفسه أن كافة الأطراف تتمنى تفادي نشوبها، أو تأجيله . سمعنا عن مشروع قانون وافق عليه النواب الأمريكيون منذ أيام يقضي بفرض ضرائب جمركية على السلع المنتجة في بلاد “تتلاعب” بقيمة عملاتها، والمقصود بطبيعة الحال الصين المتهمة بأنها تتعمد تقويم عملتها بسعر أقل من قيمتها الفعلية .

 

ويتوقع خبراء أمريكيون أن تتثاقل خطى مجلس الشيوخ قبل مناقشة مشروع القانون لإعطاء الفرصة لحلول أخرى . سمعنا أيضاً طلقات دبلوماسية عديدة، أكثرها لم يصب هدفه، أو لعله لم يقصد تماماً إصابة الهدف . من هذه الطلقات الموقف المتشدد الذي اتخذته واشنطن في مساندة اليابان ضد الصين حول الجزيرة الجرداء المتنازع عليها في البحر الأصفر . أما أخطر الطلقات أو أعلاها صوتاً فكانت منح جائزة نوبل للسلام لأحد المنشقين الصينيين والمعتقل بسبب مواقفه المؤيدة للديمقراطية، كانت الجائزة رسالة واضحة من دول الغرب إلى بكين بأن الغرب يستطيع إزعاج الصين كما سبق وأزعج الاتحاد السوفييتي حين منح الجائزة للكاتب سولزينيتشين أيام الحرب الباردة . هذه الطلقات، حسب تعبير تردد الأسبوع الماضي في أروقة صندوق النقد الدولي ونقله مراسل صحيفة فاينانشيال تايمز، تظل أقرب ما تكون إلى حرب خنادق تجارية أو حرب عملات منها إلى حرب تجارية . ويدلل المراسل على ذلك بأن الصندوق من ناحية ودولاً أعضاء من ناحية أخرى يحاولون في جو من التوتر والقلق وقف التصعيد خوفاً من أن انتصار الصين بحرب، أو من دون حرب، سوف يعني نهاية النظام الاقتصادي العالمي الذي دشنته اتفاقيات بريتون وودز بقيادة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ويعني أيضاً بداية نظام اقتصادي عالمي جديد يدشنه واقع جديد بقيادة الصين .

 

توقع عديد من الاقتصاديين الأمريكيين في عام 2008 نشوب حرب تجارية عالمية، حين كان الغرب خارجاً لتوه من الأزمة الاقتصادية العالمية منكسرا . ولم تقع الحرب . يبدو أنهم عادوا من جديد إلى الحديث عن قرب نشوبها . واضح لنا ولهم، وللصينيين أيضا، أن الأمل في انتعاش الاقتصاد الأمريكي في تراجع مستمر . كتب كلايف كروك في مقال نشرته له فاينانشيال تايمز تحت عنوان “حان وقت الصرامة مع الصين”، يقول إن الولايات المتحدة “دخلت مرحلة نمو متباطئ وبطالة عالية متواصلة وعجز تجاري يتوسع عاماً بعد عام ومزاج شعبي سيئ وانتخابات على الأبواب” . أزعجني العنوان بقدر ما أزعجني توصيف حال أمريكا . فالتجارب تقول لنا إن الدول التي تصاب بمثل هذه الحال يلجأ حكامها أول ما يلجأون إلى إشعال جذوة الشعور القومي ضد “الآخر” كما حدث ويحدث مع الإسلام والمسلمين . وفي هذه الظروف لن يجدوا أفضل من الصين “آخر” ينصب عليه الغضب وتشحن من أجل مواجهته الأقلام وتشرع أسلحة التجارة .

 

كان اثنان من كبار الاقتصاديين الأمريكيين قد اتخذا موقفاً مماثلاً، وإن اختلفت المداخل والأساليب . يذكرنا روبرت صامويلسون الكاتب الشهير في “واشنطن بوست” بالكساد العظيم الذي ضرب النظام الرأسمالي في الثلاثينات من القرن العشرين، ويذكرنا تحديداً بقانون سموت هاولي Smoot- Howley الصادر عام 1930 الذي رفع التعريفة الجمركية على عديد السلع المستوردة بهدف تشجيع الصناعة المحلية، وكيف أن القانون وإن لم يكن سبباً مباشراً في نشوب الكساد العظيم كان بالتأكيد وراء اندفاع معظم الدول للانتقام من الولايات المتحدة . ويحمل صامويلسون على الصين بشدة، فينقل عن روبرت سكوت الباحث في معهد السياسات الاقتصادية الليبرالية في واشنطن قوله إن التجارة مع الصين كلفت أمريكا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون وظيفة عمل . ويعلق بأن الصين إذا رفعت قيمة عملتها بنسبة 20% سيزداد عدد الوظائف في أمريكا بما لا يقل عن 300،000 إلى 700،000 وظيفة على امتداد ثلاث سنوات . يلفت النظر أن الكاتب الشهير لم يشر إلى الوظائف التي خسرتها أمريكا ولم تكن من مسؤولية الصين، فالمعروف أن الولايات المتحدة فقدت أكثر من 4،8 مليون وظيفة بسبب انهيار المؤسسات المالية الذي أشعل الأزمة الاقتصادية في أواخر عام ،2007 وهي الوظائف التي لم تفلح حكومة باراك في استعادتها حتى الآن .

 

ولا يخفى، على كل حال، أن دولاً عديدة استخدمت بالفعل أسلحة الحرب التجارية، ولكن ليس ضد الصين، وإنما استخدمتها في محاولة لتخفيف وقع الأزمة الاقتصادية العالمية على شعوبها وصناعاتها ومزارعها . حول هذا الموضوع يقول جوزيف ستيجليتز، الاقتصادي الشهير الحائز على جائزة نوبل إن سبع عشرة دولة أدخلت تشريعات حماية في عام ،2008 بل إن أمريكا نفسها، وهي المبشرة بمبادئ حرية التجارة، أصدرت قانوناً يحث المستهلكين الأمريكيين على شراء المنتجات الأمريكية وتفضيلها على منتجات الدول الأجنبية . ويتنبأ ستيجليتز بأن ضعف مسيرة الانتعاش في الاقتصاد الأمريكي كفيلة وحدها بأن تدفع المشرع الأمريكي إلى إصدار قوانين جديدة .

 

على الناحية الأخرى، يقول الصينيون ضمن القليل الذي يصرحون به، ويردده المدافعون عنهم، إن الصين إذا استجابت ورفعت قيمة اليوان (الرينمينبي) سيكون الفلاحون الصينيون الخاسر الأكبر، وعددهم كما نعرف هائل . ويتساءلون: لماذا يخسر الفلاحون الصينيون من أجل أن يكسب المزارعون الأمريكيون المدعومون دعماً كبيراً من الحكومة الفيدرالية . وتعتقد الصين ومعها كثير من الاقتصاديين الغربيين ومنهم ستيجليتز، أن المشكلة تعود في أساسها إلى ضعف معدل النمو في الولايات المتحدة ودول الغرب وليس قوة النمو في الصين، وتحذر دول العالم من إغراق الأسواق المالية الخارجية بتدفقات رأسمالية أمريكية غير منضبطة وغير محسوبة .

 

ويعتقد الصينيون أنه ليس من حق الغرب التهديد باتخاذ إجراءات عقابية ضد تجارة الصين واستثماراتها في الخارج وحرمان الداخل من الاستثمار الغربي في الصين، وهي بالتأكيد لا تريد حرباً تجارية لأن العالم أجمع سيخرج منها خاسراً . لقد اختارت الصين طريق النمو والتوسع الاقتصادي وهي تعلم حجم المشكلات التي تنتظرها في الخارج كما في الداخل . كثيرون بين مفكري العالم النامي يناقشون الآن جوهر التوسع الاقتصادي الصيني في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا، وما إذا كانت تنطبق عليه مفاهيم تقليدية ويبرزون الجوانب غير الطيبة . بعض آخر يناقش الجوانب الطيبة، وربما غير المقصودة، المترتبة عن إغراق الأسواق بسلع رخيصة الثمن . نعرف من تجربتنا المصرية مع المنتجات الصينية الرخيصة أن بلايين الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى يستمتعون الآن باستهلاك سلع لم يدر بخلد أكثرهم أنها كانت ستصل ذات يوم إلى أيديهم في ظل هيمنة الرأسمالية الغربية التي تجاهلت حاجة الفقراء . نعرف أن عشرات بل مئات السلع ما كانت لتدخل بيوت الفقراء المصريين وذوي الدخل المحدود لو لم تهتم الصين بإنتاجها وتصديرها وتوفيرها رخيصة .

 

الخيارات في المرحلة القادمة محدودة . أمام أمريكا مثلاً خياران، إما مقاومة طموحات الصين والمخاطرة بحرب تجارية الكل سيخسر فيها، أو الامتناع عن اتخاذ أي إجراء فتواصل الصين نموها وتوسعها وينتهي الأمر بأن تضع الصين للعالم نظاماً تجارياً جديداً على قياسها وحاجاتها، تماماً كما فعلت أمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية .

 

في هذا السياق تستعد دول لحماية اقتصادها، كل منها حسب ظروفه وعلاقاته الدولية، يقول جيدو مانتيجا وزير مالية البرازيل إن العالم مشتبك الآن في حرب تجارية ولذلك قررت بلاده فرض ضريبة على كافة التدفقات المالية الواردة من الخارج، باعتبار أنها الخطر الأساسي الذي يهدد الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن . ويقول برافين جاردهان وزير مالية جنوب إفريقيا إن العلاج لا يكون بترقيع الحائط أو إعادة دهانه قبل تغيير مواسير المياه المثقوبة والمنتهية صلاحيتها ويقصد إصلاح النظام المالي العالمي .

 

حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى أن الدول الغربية المشاركة في قمة العشرين المقبلة ستفلح في كبح جماح الصين ودول ناهضة أخرى، ففي ظل استمرار تباطؤ الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة تصبح كافة الخيارات محفوفة بأخطار شديدة .

===========================\

أوْرَبَةُ المهاجرين

آخر تحديث:الخميس ,21/10/2010

خيري منصور

الخليج

عدد المهاجرين في الأرض بدأ ينافس النسب الأخرى لأعداد الفقراء والمرضى والمشردين في عقر أوطانهم، ولم تكن أوروبا التي أنذرها علماؤها والمتخصصون في استقراء مستقبلها الديمغرافي عاشقة للمهاجرين خلال العقود الماضية، لكنها كانت بحاجة إليهم، فهي كما توصف قارة شائخة، ولا يشكل الشبان من الذكور والإناث النسبة الكبرى لسكانها لأسباب عديدة، منها العزوف عن بناء أسرة تقليدية، وعدم الميل إلى الإنجاب، إضافة إلى أنماط الزواج المعروفة والتي تقتصر على رجل وامرأة فقط .

وما أيقظ هواجس الهجرة والاندماج لدى الغرب الآن ليس فائض المهاجرين، أو ما يسمى طوفانهم غير الشرعي حيث يموت العديد منهم في البحار أو تحت عتبات البوابات المغلقة . لقد كان لأحداث مطلع هذه الألفية الدور المحرّض على إعادة النظر في ثنائية الهجرة والإقامة في أوروبا تحديداً، فثمة شكوى مستمرة من فشل الاندماج، ومن بقاء المهاجرين يعيشون في منعزلات ثقافية وفولكلورية خاصة بهم، لكن من يتحمل نتائج هذا الفشل في الاندماج؟ هل هم المهاجرون فقط والذين يصلون إلى تلك البلدان مثقلين بذاكرات وثقافات مغايرة، أم البلدان المضيفة التي تنكفئ على نفسها وتعامل الطارئ بحذر يحول دون اندماجه، كما أنه يوقظ لديه هواجس هويته؟ الإجابة هنا تخضع للنوايا، فالمهاجرون يقولون إنهم يواجهون بالصد، لكن المضيف يقول إن المهاجر لا يملك المقومات والأدوات اللازمة لاندماجه، وفي مقدمتها أمران، اللغة والانتماء إلى المكان المهاجر إليه .

 

وما تحاوله ألمانيا الآن من إعادة نظر في أوضاع المهاجرين، وهم ليسوا نسبة صغرى في المجتمع الألماني، سبق أن طرح في فرنسا لكن بوتيرة مختلفة . ففي فرنسا مثلاً يشكل عدد المسلمين خمس عدد السكان، وحين لا يندمج هؤلاء في المجتمع الذي يعيشون فيه فإن المشكلة سوف تتفاقم وتنذر بالمزيد من توتير العلاقات الاجتماعية .

 

ومن التبسيط المبالغ فيه الادعاء بأن أحداث سبتمبر/أيلول عام ،2001 وما أعقبها من ترددات زلزالية على صعيد أيديولوجي هي السبب الوحيد في إعادة فتح هذا الملف، فما كان هاجعاً ومؤجلاً ويعالج بالهمس وجد فرصة لأن يطفو على السطح، وبالتالي ينتقل من الهمس إلى الصخب، وثمة تيارات عنصرية في الغرب غذّت نزعة الانكفاء والتخوف من الآخر بحيث كتبت مقالات تحت عناوين صريحة تحذر من أسْلَمة أوروبا، ولعل هذا هو ما أفرز ما يسمى “الإسلاموفوبيا” في السنوات الأخيرة .

 

أما التزامن الدراماتيكي بين مواقف أوروبية، معادية للمهاجرين وبين التوجه إلى منع هؤلاء المهاجرين من ممارسة عقائدهم وثقافاتهم بحرية فهو ليس مجرد مصادفة، لأن هناك الآن في الغرب تيارات استشراقية تحاول إحياء ما توارى من الاستشراق القديم والذي تأسس على رؤى إمبريالية تصنف الأجناس والعقائد والقوميات وفق بارومتر عرقي .

 

والفارق كبير، بل حاسم بين تقنين الهجرة والمطالبة بذوبان المهاجر تحت شعار الاندماج، ولعلّ ما قالته ميركل مؤخراً يختصر الاستراتيجية الأوروبية الجديدة ازاء المهاجرين، وهو مطالبتهم بالولاء ثقافياً ودينياً .

===========================\

لا تتوقعوا تغييراً في سياسة الصين النقدية

بقلم :جويل برينكلي

البيان

21-10-2010

تصل البطالة في الولايات المتحدة إلى 6 .9%، وهو أعلى معدل لها منذ عام 1983. ويُحمّل الجمهوريون الرئيس الأميركي باراك أوباما المسؤولية عن ارتفاع معدلات العجوزات والتي، على حد قولهم، تجرّ الاقتصاد إلى الخراب.

 

ويُحمّل الديمقراطيون الرئيس الأميركي السابق جورج بوش المسؤولية، حيث دفعت العجوزات الكبيرة خلال تولّي إدارته الحكم ثمن التخفيضات في الضرائب، فضلاً عن تكاليف الحرب في أفغانستان والعراق.وإنني أرى شريراً آخر نادراً ما يوجه إليه اللوم الذي يستحقه، ألا وهو الصين.

 

من الصعب الآن تجنب الأخبار عن العملة الصينية المقوّمة بأقل من قيمتها وعن حرب العملات المقبلة، وذلك بحسب تعبير وزير المالية البرازيلي أخيراً. ولكن بالنسبة لمعظم الناس، فإن هذا يبدو أمراً فنياً غامضاً، فهو مجال المصرفيين والمسؤولين التجاريين اليوم، وبعيد كل البعد من حياتهم. الأمر ليس كذلك.

 

إن الحكومة الصينية، وليس السوق الحرة، هي التي تحدد قيمة العملة في البلاد، وهي اليوان. وحسب تقدير جهات عديدة فإن قيمتها الحقيقية أعلى بنسبة تتراوح ما بين 20% إلى 40% من القيمة التي تحددها الحكومة. دعنا نقل، من قبيل الجدل، إن اليوان أقل من قيمته بنسبة 30%.

 

الآن تخيل أنك بحاجة لشراء فرن جديد. فلو أن متجراً عرض جميع الأفران بتخفيض يصل إلى 30% أقل من المتاجر الأخرى، فهل من المحتمل أنك ستقوم بشراء فرن من هناك؟ هذه هي المشكلة.

 

فالصين تبيع منتجاتها بأسعار منخفضة على نحو غير معهود، لأنك عند استخدامك الدولار، فلنقل، من أجل شراء المنتجات باليوان، فإن قيمة العملة تكون قليلة جداً، لدرجة أن المنتجات تصبح مباعة بتخفيض كبير جداً.

 

وبالمقابل بالنسبة للصين، فإن شراء المنتجات الأجنبية يعد أمراً مكلفاً بشكل يحول دون حدوثه، لأن العملة المستخدمة لشراء تلك المنتجات مقوّمة بأقل من قيمتها بكثير.

 

ما علاقة ذلك كله بمعدل البطالة% فلتتصوروا كم يبلغ عدد فرص العمل الجديدة التي سيتم توفيرها إذا تم تعديل العملة الصينية إلى قيمة أعلى كي تصل إلى قيمتها الفعلية، ونتيجة لذلك، فإن الصين كأكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، تستطيع أن تشتري المزيد من السلع الأميركية.

 

وكما هي الحال الآن، يقول صندوق النقد الدولي إن الاقتصادات الرئيسية في العالم سوف تنمو بمعدل 7 .2% هذا العام. ولكن الصندوق يقول إن معدل النمو في الصين هو 5 .10%، وهو الأعلى بين الدول الكبرى، في جانب منه نظراً لوجود الخلل في العملة الصينية.

 

لهذا السبب فإن الرئيس أوباما ووزير الخزانة الأميركي تيموثي جيتنر، وغيرهم، يشعرون بالقلق الشديد إزاء مشكلة العملة الصينية. ولهذا السبب، فإن مجلس النواب أقرّ قانوناً في أواخر الشهر الماضي سوف يفرض تعريفات جمركية حادّة على السلع الصينية إذا لم تقم الصين برفع قيمة اليوان.

 

لقد هيمنت إمكانية نشوب حرب العملات على اجتماع صندوق النقد الدولي في واشنطن أخيراً. وعلى الرغم من المناقشات الساخنة، لم يتم فعل أي شيء مهم.

 

إن الحكومة الصينية تصرّ على أنه لا يمكن ضبط العملة. وكان رئيس الوزراء الصيني «وين جيا باو» تحدث في نيويورك خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً.

 

مؤكداً أنه: «لا يوجد أي أساس لإجراء إعادة تقييم جذرية لليوان، ورفع القيمة بنسبة 20 إلى 30% سوف يؤدي إلى إفلاس العديد من المؤسسات وإلى البطالة الحادة»، مضيفاً أن: «الصين سوف تعاني من الاضطرابات الاجتماعية الرئيسية».

 

هنا يكمن التفسير الحقيقي للسلوك الأناني الخطير للصين. والشعار الذي تردده الحكومة الصينية هو هدف بناء «مجتمع متناغم». وهذا الأمر بالنسبة للصين يعني مجتمعاً يتم فيه توظيف كل أفراده.

 

وكما أشار العديد من المعلقين الصينيين أخيراً، فإن الصينيين القادرين على كسب معيشة مريحة لأنفسهم وأسرهم، نادراً ما يشكلون تحدياً للسلطة.

 

وإذا وضعنا ذلك في الاعتبار، لأدركنا أن التنمية الاقتصادية تعتبر الهدف الوحيد للديكتاتورية الصينية.

 

وهذا هو أحد الأسباب في أنها لا تشعر بالقلق عندما تقوم شركاتها بتصدير أوراق الحائط السامة وغذاء القطط القاتل والأدوية السامة والكثير من المنتجات التالفة الأخرى. التصدير هو التصدير. وبالنسبة للقيادة، ليس هناك ما هو أهم من إبقاء الجماهير مكتفية وراضية.

 

في الربيع الماضي، وعدت الصين بالسماح لقيمة اليوان بالارتفاع «تدريجياً». حسناً، في الشهور المنقضية منذ ذلك الحين، ارتفع اليوان بأقل من 2% فقط. قدمت الصين الوعد نفسه للرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ولكنها لم تحقق إلا بالكاد تغييرات ملحوظة.

 

إذن ما الذي ينبغي القيام به؟ لا يمكنك أن تتوقع أن تقوم الشركات الأميركية بمقاطعة الصين. فهي مسؤولة أمام مساهميها وعملائها عن أن تظل قادرة على المنافسة، وما لم تتوقف كل شركة عن الشراء من الصين فوراً، فإن هذه الشركات التي توقفت عن الشراء سوف تعاني من تمتع غيرها بميزة تنافسية.

 

فقط في حالة إذا ما علمت بكين بأن العالم المتقدم توحد في المطالبة بالتغيير، وإلا سوف تواجه الصين عقوبات جماعية، عندئذ فقط سوف تكون هناك أي فرصة لأن يستمع قادة الصين.

 

ولكن الدول الكبرى أهدرت فرصة في هذا الصدد، وذلك خلال اجتماع صندوق النقد الدولي أخيراً. الآن كل دولة لا تهتم إلا بشأنها الخاص. تبدأ البرازيل واليابان وكوريا الجنوبية وبعض الدول الأخرى في تخفيض قيمة عملاتها. كذلك تركت الولايات المتحدة الدولار ينخفض. وما ينتظرنا في المستقبل، على الأرجح، هو الفوضى الاقتصادية.

كاتب أميركي فائز بجائزة بوليتزر

===========================\

أحمد أوغلو.. هكذا أفهم الصهيونية

هيفاء زعيتر

السفير

21-10-2010

ثمة رابط يجمع بين الخيارات الاستراتيجية والسياسية للأمم وبين تراكماتها التاريخية التي تحدد رؤيتها للعالم من حولها. قد تكون إسرائيل خير مثال على عضوية هذه العلاقة، والمتابع لاستراتيجيتها الجديدة في المنطقة يتعين عليه العودة إلى الخلفية الذهنية النابعة من تاريخ المسألة اليهودية، فهي الأساس في تجسيد العناصر المركزية للاستراتيجية الاسرائيلية. في كتابه الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، ومركز الجزيرة للدراسات بطبعته الأولى المترجمة في العام 2010 على يد محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، بعنوان «العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية»، يخوض وزير الخارجية التركية أحمد أوغلو في هذه الخلفية العقائدية والتاريخية لقيام دولة إسرائيل. يفندها من الجوانب كافة ويضع مراحلها على مشرحة البحث التاريخي الذي يفتح الباب على تصور واضح لرؤية إسرائيل لاستراتيجياتها المستقبلية وعلاقتها بمحيطها الذي تشغل تركيا حيّزاً مهماً فيه.

يحاول أوغلو في قسم كبير من الكتاب تفسير وفهم «ظواهر» منطقة الشرق الأوسط وديناميكيتها من منظار جغرافي سياسي وتاريخي جيو ثقافي، بالإضافة الى المنظار الجيو اقتصادي. كما يركز على أهمية المزاوجة في التحليل بين «روح الأحداث» ومكان «تجسد هذه الروح» أي بين البعدين التاريخي والجغرافي، الأول الذي يستوعب عامل الزمن، والثاني الذي يستوعب عامل المكان. لأن «التحليل الذي يفتقر الى عمق تاريخي سينتج ظواهر منفصلة يصعب ربطها بعضها ببعض، كما أن التحليل الذي يفتقر الى العمق الجغرافي ستنتج منه عموميات سطحية لا تستطيع ربط الجزء بالكل».

وإذا كانت هذه الأبعاد مهمة عند تناول مكانة أي دولة من الدول وخلفياتها، فإنها تكتسب أهمية إضافية عندما تكون إسرائيل موضوع الدراسة وعلاقاتها بمحيطها ووضعها على الساحة الدولية.

هذا ويقدم أوغلو الكتاب على أنه «محاولة رسم خريطة جديدة لتركيا تجعلها مرشحة لأداء دور مركزي، وأن تصبح قادرة على إنتاج الأفكار والحلول في محافل الشرق ومنتدياته، رافعة هويتها الشرقية دون امتعاض، وقادرة على مناقشة مستقبل أوروبا داخل محافل أوروبا ومنتدياتها من خلال نظرتها الأوروبية».

في فصل خاص من الكتاب، يطرح أوغلو تأثير الإرث التاريخي على مقاييس السياسة الداخلية والخارجية التي توجه العلاقات الدولية. وفيه يتناول العناصر الرئيسية للاستراتيجية الإسرائيلية التي وضعت بعد الحرب الباردة وخلفياتها التاريخية والجغرافية والجيو سياسية.

أ الخلفية التاريخية والعقائدية لقيام دولة إسرائيل

يبدأ الكاتب تحليله بالحديث عما يسمى ظاهرة «الشذوذ اليهودي»، مستنداً إلى المفهوم الذي أرساه آرثر كوستلر. يرى الكاتب اليهودي كوستلر المولود في المجر، أن مشكلة إسرائيل اليوم أنها غارقة في عصاب جماعي يحرج كثيرين من اليسار اليهودي وحلفاء إسرائيل الكبار الذين ما زالوا يتقنون كيفية التعبير عن أنفسهم خارج هذا العصاب. ويعرف كوستلر العصابي بأنه الرجل الذي يقيم علاقة خاطئة مع الواقع والذي يبني أحكامه على آماله ومخاوفه وليس على الحقائق الواضحة. هذه العلاقة الخاطئة مع الواقع تجعله يرفض بعقله الباطني كل حقيقة تأتي على خلاف مخاوفه وآماله فيخنقها وتتحول لديه إلى «مركبات نقص مكبوتة». ويسوق كوستلر لدعم نظريته أمثلة عدة عن تواطؤ الشعوب مع الأخطاء التي يرتكبها حكامها. فعندما انتخبت ألمانيا أدولف هتلر كانت تعرف أنها تزعِّم على نفسها رجلاً سوف يجرها إلى الحرب، غير أنها لم تكن ترى في هذه الحرب سوى طريقها المرسومة إلى المجد.. إلى حكم أوروبا ومن بعدها العالم.. لم تر في الحرب الدمار والمقابر الجماعية والهلاك .. لقد رأت فيها كوة الخلاص الوحيدة.. وهكذا فعل اليهود مع انتخاب أرييل شارون، في وقت كانت تقف فيه المنطقة مترددة بين القفز نحو السلام أو باتجاه الهاوية. اختار الشعب اليهودي، بنسبة 70%، أسوأ رموز الحرب وأفظعها. هنا يرى كوستلر أن «العصاب السياسي في إسرائيل وجد الحل في سجل صاحب أسوأ سجل في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو سجل قائم على الارتكابات وليس على البطولات، على الفجور السياسي وليس على الدبلوماسية. والذين انتخبوه في حالة من العصاب كانوا يتجاهلون 50 عاماً من العنف الإسرائيلي الذي لم يحل شيئاً.. وبعد انتخاب شارون.. «كل ما حدث في ما بعد ليس مفاجئاً». وانطلاقا من هذه العلاقة العضوية التي تجمع بين فهم استراتيجية دولة ما انطلاقا من مسيرة التحول التاريخية الطويلة المدى في هويتها ورؤيتها للعالم وأطر سلوكها السياسي.

يسوق أوغلو هذه النظرية «الكوستلرية» ليوضح التناقضات التي رسمت سلوك «المجتمع الإسرائيلي، وردود أفعاله ومخططاته، ونجاحاته، وإخفاقاته» في «هذه المسيرة التاريخية الطويلة». فاليهود يرون أنفسهم من الناحية النظرية وحسب تعاليم التوراة مجموعة عرقية متفردة ومختارة اختصت بإدارة العالم، بيد أن تعرض المجتمع اليهودي للاحتقار والنفي والشتات كان هو الأساس في تشكيل نفسية المجتمع اليهودي، التي وصفها كوستلر بالشذوذ اليهودي. حالة الازدواجية التي يعيشها الفرد اليهودي، كما يشرح أوغلو طيلة هذا الفصل، مردها إلى التغيرات التي شهدها اليهودي من جيل إلى جيل «منذ السبي البابلي وحتى تأسيس الدولة الاسرائيلية».. تاريخ شتات وأقليات. ولذلك التاريخ نصيب مهم في تشكيل هوية المجتمع اليهودي ووعيه. هذه الهوية، التي عاشت مغامرات سياسية وثقافية على أيدي شخصيات تزعمت التنوير اليهودي وجهدت لتحقيق التوفيق بين التناقض بين العالمية والمحلية، تعاني فصاما حادا ناتجا من هذا التناقض. ويتجلى الصراع داخل الشخصية اليهودية حسب أوغلو «على المستوى الثقافي، ويتجلى أيضاً على المستوى السياسي، فأولئك اليهود الذين يقدمون رسائل سلمية وعالمية في مواجهة الهجمات المعادية للسامية في أوروبا، تمكنوا من إضفاء الشرعية على الإطار السياسي الذي استخدم لتبرير أساليبهم العدوانية في الشرق الأوسط... إن تبلور هذين السلوكين أمر حتمي في المجتمعات التي تتوارث أجيالها الاعتقاد بسيادة عرقها... يدفع هذا الاعتقاد تلك المجتمعات إلى استشعار الظلم ومحبة السلام في فترات الضعف إزاء المجتمعات الأخرى، ويجعل منها مجتمعات مهيمنة، قاهرة عندما تصبح قوية».

وفي السياق نفسه للخلفية التاريخية، يرى أوغلو أن المسألة اليهودية في أوروبا مرت بثلاثة تحولات مهمة، تبلورت في ظل المتغيرات الهامة التي طرأت خلال العقد الأخير من كل قرن من قرون الثلاثة الماضية.

 في المرحلة الأولى (التحول الأول): يتوغل في تاريخ تكوّن فكرة المعاداة للسامية والصهيونية في عودة الى العام 1197 عندما أصدر مجمع لاتيران الثالث قرارا بمعاقبة أي مسيحي بالحرمان الكنسي إذا ما أقدم على العيش مع اليهود. ثم يبين الأساليب الذكية التي اعتمدها اليهود منذ ذلك الزمن سواء باستلامهم الوظائف المفصلية في المجتمع أو دعمهم المادي لجانب معين من الثورة الفرنسية التي أسست الأرضية الخصبة الأولى التي انتقل فيها اليهود من وضعية المجتمع المعزول داخل الغيتوهات إلى وضعية الأفراد المتمتعين بالحقوق السياسية. هذا وشكلت الثورة الفرنسية وإيجابياتها على اليهود، جزءاً من التحولات الثلاثة المهمة التي شهدتها المسألة اليهودية في أوروبا خلال القرون الثلاثة الأخيرة، حيث «شرع فيها اليهود في مناقشة هويتهم... بغية إعادة تنظيم الجماعة اليهودية».

 في المرحلة الثانية: «تمكن اليهود من الالتفاف حول أيديولوجية سياسية قومية» أنبأت بصعود قومي تجسد في كتاب تيودور هرتزل المعروف بأبي الصهيونية، كذلك في المؤتمر الصهيوني الأول الذي حدد اليهود، مهما كان موقعهم في العالم، أنهم أعضاء بمشاعرهم»، ويجد أوغلو أن تلك المرحلة «هيأت الظروف المناسبة لتحقيق التحول في محور الأطلسي، وقد دعم اليهود خلالها انتقال مركز القوة الى أميركا».

 أما المرحلة الثالثة: فقد شهدت «انتقال مركز القوة الى المحور الأطلسي الذي وفر البيئة المناسبة لتحقيق الهدف النهائي الذي حدده المؤتمر الصهيوني... ومهدت لتحويل المسألة اليهودية الموجودة في أوروبا الى مسألة إسرائيل في الشرق الأوسط»..

ب إسرائيل: الدولة القومية والتوازنات العالمية/ الإقليمية

ينتقل أوغلو لرصد تأثير توطن المهاجرين اليهود داخل بنية منطقة الشرق الأوسط الإثنوغرافي وزعزعة وحدتها الجيوسياسية والجيوثقافية. ويشير إلى الذكاء الذي لعب فيه الغرب «فبعد أن كان العالم الإسلامي ساحة الأمن الدائمة لليهود الفارين من ظلم المسيحيين المعادين للسامية في أوروبا، نجح الغرب في تصدير المسألة اليهودية الى الشرق الأوسط بعد أن حوّلها إلى صدام بين المسلمين واليهود. كما يؤكد أن معاداة السامية التي استمرت قروناً في الغرب كانت نابعة من اللاهوتية المسيحية على أساس أن اليهود هم «قتلة الإله»، أما رفض الشرق الأوسط للصهيونية فكان قائماً على أساس سياسي.

هذا ويبين الكاتب أن إسرائيل التي عاشت في مرحلة الحرب الباردة في المنطقة بروح الغيتو عملت على سجن العرب الموجودين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بروح الغيتو، «وتبرز العلاقات التي ظهرت على المستوى العالمي بعد الحرب الباردة أن إسرائيل قررت تطبيق أكثر التحولات جذرية في تاريخ اليهود، وتفعيله بالمفهوم الاستراتيجي. ويتمثل المبرر الأهم لهذا التحول الاستراتيجي في إدراك إسرائيل أن التنظيمات العالمية تستهدف بشدة الإبقاء على السمة المحلية للشرق الأوسط. وهذا الوضع هو إحدى النتائج البارزة للتناقض بين المحلية والعالمية داخل النفسية اليهودية».

ج فترة ما بعد الحرب الباردة والاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة

بعد حرب الخليج بلغ وضع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط أوجه، هذه الحرب التي «وفرت لإسرائيل الأرضية اللازمة والمناسبة للتمدد .. فقد انتهت الحرب بتأديب الدول العربية التي كانت تنتهج سياسة صدامية مع إسرائيل، وفتح صفحة جديدة في عملية دمج إسرائيل في المنطقة». «فقد وقعت اتفاقية سلام مع الأردن بعد اتفاقية السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم بدأت مرحلة من المباحثات والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع عدد من الدول الإسلامية» كما كشف قيام بعض الدول مثل تركيا ومصر والمغرب بتكثيف علاقاتها مع إسرائيل خلال تلك المرحلة أن ثمة عملية تجري لإعادة ترتيب الشرق الأوسط. وهنا يطرح أوغلو كيف انتقلت إسرائيل عبر هذه العمليات من دولة غريبة في الشرق الأوسط إلى «قوة مؤثرة في المنطقة سيكون بمقدورها بعد توسع نطاقها التكتيكي الاستفادة من الاختلافات الداخلية على نحو أكثر فاعلية». كما يلحظ التشابه المدهش بين تأثير الثورة الفرنسية وتأثير اتفاقيات السلام في تحويل اليهود مجموعة من المواطنين لهم الحق في الاندماج قانونياً وسياسياً.

وحتى عندما انفلت مركز القوة السياسي الاقتصادي الدولي من أسر المحور الأطلسي وتوجه نحو التعددية القطبية، لم تقصر إسرائيل في صياغة استراتيجية ذات منظور أوسع أفقاً تضمن لها تطوير قدرتها على المناورة الدولية.

الصدام الذي يعيشه الفرد اليهودي يعود في جزء كبير منه الى عدم التوافق بين المزاعم التاريخية ومتطلبات الاستراتيجية الجديدة. ولهذا «يعكف الاستراتيجيون الاسرائيليون اليوم على صياغة توازن جديد بين الرموز السيكولوجية /الثقافية / الدينية، التي حققت قيام دولة إسرائيل، والمعايير العالمية والإقليمية السائدة». وتظهر إسرائيل مهارة في هذا الشأن.

وأخيراً كان لزاما على إسرائيل أن تتخلص من أزمة الثقة التي تعيشها في المنطقة فعمدت إلى إجراء بعض التعديلات على مزاعمها التاريخية النابعة من العقيدة اليهودية وطرحت العديد من الأسئلة على غرار «كيف تقيم إسرائيل مبدأ السيطرة على الأرض الموعودة التي دفع اليهود للهجرة إليها؟ ماذا تعني لإسرائيل أراضي الدولة التي تقوم على الأرض الموعودة الممتدة من النيل الى الفرات، خلف الحدود الحالية لإسرائيل؟ كيف يمكن لليهود صياغة عقيدة الشعب المختار، وهم الذين عانوا مشكلات خطيرة من جراء الزعم بسيادة الجنس الآري؟ هل ستستمر إسرائيل في انتهاج السياسات التي ترى في التنوع القومي الداخلي ظاهرة سلبية؟ وينتهي أوغلو بالاستنتاج أنه إذا لم تسارع اسرائيل الى الإجابة عن هذه الأسئلة وما شابهها فإن «المجتمعات اليهودية ستظل عالقة في التوتر بين المحلية والعالمية، وستظل مشكلتهم في التعايش مع المجتمعات غير اليهودية كافة لا مع المسلمين وحدهم».

===========================\

حكاية جون بولتون للاغتيال والتحقيق الدولي

حسام مطر

السفير

21-10-2010

«الاستسلام ليس خياراً» هكذا يعتقد جون بولتون بحسب عنوان كتابه المنشور عام 2007 والذي يسرد فيه تجربته في الامم المتحدة بين العامين 2005 و 2006 كمندوب للولايات المتحدة، ربما أكثر ما يثير الغرابة في الكتاب هو مدى فقدان كاتبه، الممثل الدبلوماسي لأقوى دولة في العالم لدى أكبر منظمة دبلوماسية, للحس الدبلوماسي بشكل فظ ومتعجرف وساخر. يكشف الكاتب كماً مذهلاً من التفاصيل حول جملة من الملفات الحساسة خلال تلك المرحلة ومنها ما هو متعلق بلبنان، سواء بالنسبة لقضية اغتيال الرئيس الحريري أو بالنسبة للحرب الاسرائيلية عام 2006. إلا أنه من المفيد في هذه المرحلة إعادة استخراج وقراءة مجموعة من تعليقات بولتون حول ظروف اغتيال الرئيس الحريري وعمل لجنة التحقيق الدولية وأداء رؤسائها المتعاقبين, وخاصة لأهمية موقع ودور وشخصية بولتون في تلك المرحلة، على أن يبقى عنوان الكتاب أي «الاستسلام ليس خياراً» حاضراً في الذهن أثناء القراءة لما له من دلالات عميقة.

يستعرض الكتاب احداث العام 2005 وما تلاها بالتسلسل الزمني وهذا بدوره يفيد كثيراً في فهم طبيعة العلاقة والترابط بين مجموعة من الاحداث والمواقف المتلاحقة ابتداء من القرار 1559 الذي اعتبره الكاتب «يعبر طبعاً عن إرادة لبنان بأن يتخلص من الاحتلال العسكري السوري وكذلك الجهد السوري المتواصل لابتلاع لبنان ضمن سوريا الكبرى وإنهائه كدولة مستقلة». ويشير بولتون في هذا السياق الى تجاهل سوريا للقرار واستخفافها به واعتباره محدود المفاعيل لا سيما بسبب الانقسام الدولي حوله في مجلس الامن، إلا أن حدث اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط أدى بحسب بولتون الى أن «الحسابات السياسية تغيرت كلياً» بشكل أدى للانسحاب السوري خلال شهر ولاحقاً إصدار القرار 1595 حول إنشاء لجنة التحقيق الدولية.

إذا ً يعتبر بولتون أن القرار 1559 لم يشكل بذاته تحدياً حقيقياً بالنسبة لسوريا في مرحلة ما قبل الاغتيال، ففي الاشهر الفاصلة بين الحدثين (القرار الاغتيال)، لم يتغير نسبيا المسار السياسي والتوازنات الداخلية اللبنانية، وهذا كله انقلب مع الاغتيال، إذاً يتفق بولتون مع قوى 8 آذار أكثر من حلفائه في 14 آذار في قراءة ظروف الاغتيال، أي أن القرار افتقد قوة الدفع الذاتية وعندها حدث الاغتيال.

يكمل بولتون متحدثاً عن الهدف من المساعدة الخارجية في التحقيق عبر لجنة التحقيق الدولية, وهنا يفترض أن يتكلم بولتون عن الحقيقة والعدالة كهدف، إلا أنه يكمل قائلاً بصراحة: «المساعدة الخارجية في التحقيق ضرورية، بسبب اختراق سوريا العميق والشامل للنظام القضائي والمؤسسات الأمنية اللبنانية، وبدون لجنة التحقيق الدولية، يمكن لسوريا بسهولة إعلان أن الجريمة غير قابلة للحل، وسيؤدي هذا التأثير الارهابي الدراماتيكي بشكل مطلق الى القضاء على ثورة الارز، التي تفجرت بشكل عفوي بعد اغتيال الرئيس الحريري». إذاً، لجنة التحقيق الدولية تهدف لصون ثورة الارز، وهذا ما كان ليتم بدون اتهام سوريا، وهنا يأتي دور ميليس ولارسن.

رغم ميل بولتون للانتقاد والتهكم بشكل عام إلا أنه لم يستطع إخفاء اعجابه الشديد بكل من تيري رود لارسن وديتليف ميليس. يبدأ الحديث عن لارسن من خلال اللقاء معه في 17 آب 2005 في نيويورك حين أراد لارسن «أن يستخدم تقرير لجنة التحقيق الدولية المقبل حتى يكون قاسياً جداً مع سوريا، وهذا كان يلائمني بالتأكيد» بحسب قول بولتون. أما حول ميليس فيصفه بولتون «بالمحقق المحترم، قاسي وغير منحاز». ويذكر بولتون أنهما تناولا الفطور معا في صباح اليوم التالي من قيام ميليس بتسليم تقريره الى مجلس الامن حول التحقيقات بتاريخ 20 تشرين الاول 2005 حيث شكا ميليس من عدم تعاون سوريا كلياً مع اللجنة، وخوفه من عودة سوريا الى لبنان لتنفيذ عمليات انتقامية، وسائلاً بولتون إذا ما كان سيعارض اقتراحاته التصحيحية لمجلس الامن، أجاب بولتون بالنفي، وسأل ميليس مباشرة إذا كان يعتقد «أن الرئيس السوري بشار الاسد كان متورطاً باغتيال الحريري، فابتسم (أي ميليس) وأجاب: طبعاُ».

إذاً على ذمة بولتون، فإن ميليس غير المنحاز «متأكد» خلال فترة أشهر قليلة من بدء عمله من أن الاسد متورط بالاغتيال، فيما الشريف الآخر لارسن يريد تقريراً شديداً من لجنة ميليس حتى يستخدمه بوجه سوريا. تجدر الإشارة الى أن بولتون يعتبر أن السبب الرئيسي لاستقالة ميليس، كانت الضغوط التي تعرض لها من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، الذي كان يسعى دائماً لتخفيف لهجة تقارير ميليس بخصوص سوريا، سواء لجهة الاغتيال، أو عدم التعاون مع اللجنة .

كما لا يفوت بولتون الفرصة للإشادة بالمحقق برامريتز بناء على لقاء معه بتاريخ 10 شباط 2006 في مكتب رئيس مجلس الأمن، الذي كانت تترأسه الولايات المتحدة حينها, والذي كان كافياً لأن يستنتج بولتون أنه «لا يظهر وجود لاختلافات أساسية مع ميليس بخصوص المنطق القائل أن أعلى مستويات الحكومة السورية متورطة في اغتيال الحريري». وعليه يبدو أن لقاءات رؤساء لجنة التحقيق المتعاقبين بالدبلوماسيين الاميركيين وإطلاعهم على رأيهم حول الجهة المرتكبة وسير التحقيقات، هو سلوك منهجي منتظم، وفي هذا السياق كان لقاء بلمار وفيلتمان في اجواء الحديث عن القرار الظني المحتمل للمحكمة وإتهام عناصر من حزب الله.

من الواضح بمعزل عن كتابات بولتون, الترابط الوثيق بين القرارين 1559 و1595، حيث إن القرار الاول يخرج سوريا من لبنان والثاني يسعى لإخراجها من الصراع، إلا أن بولتون يكشف عن استغرابه من التوتر الفرنسي، لأي محاولة ربط بين القرارين، رغم انهما بحسب رأيه يعالجان موضوع استقلال لبنان عن الهيمنة السورية، وهو ما يظهر جهلا في فهم المقاربة الفرنسية تجاه لبنان وسوريا، حيث ان فرنسا كانت مهتمة أكثر بإخراج سوريا من لبنان لما في ذلك من استعادة لدورها فيه ولم تكن تسعى لخوض مواجهة اقليمية مع سوريا.

بالخلاصة، يكشف هذا الفصل من كتاب بولتون كيف كانت الولايات المتحدة بحاجة الى حدث كاغتيال الرئيس الحريري ولتوظيفه من خلال لجنة التحقيق الدولية، كاستكمال للقرار 1559، ليس فقط لإخراج سوريا من لبنان، بل أيضاً لخلق قاعدة معادية لسوريا في لبنان والهيمنة عليه وذلك كخطوة أساسية لإعادة التوازن للصراع في المنطقة.

===========================\

الأسد والحريري مسؤولان عن الفشل !

سركيس نعوم

البيان

21-10-2010

تحفل وسائل الاعلام منذ ايام بأخبار تشير الى شعور الرئيس السوري بشار الاسد بخيبة امل من الرئيس سعد الحريري، ويتوقع بعضها إقدام الاول على "قطع الامل" في امكان "التعاون" الثابت مع الثاني، وتالياً على "تشجيع" تغيير حكومي في لبنان يطلق عملية "تطبيع" العلاقة بين الشعبين الشقيقين. وهي تعزو خيبة الامل الى مجموعة اسباب ابرزها ثلاثة. الاول، عدم نجاح الحريري في ان يكون مرتاحاً وعلى طبيعته في اثناء الاجتماعات الخمسة التي عقدها حتى الآن مع الرئيس السوري. وكوّن ذلك انطباعاً عند الاخير ان المواقف السلبية السابقة من النظام السوري لا تزال بقاياها موجودة عند الحريري الابن. وهذا الامر لا يساعد على إقامة علاقة شخصية ناجحة بين المسؤولين اللبناني والسوري تنعكس ايجاباً على العلاقة الثنائية اللبنانية – السورية. والثاني، عدم وفاء الرئيس الحريري بالوعود التي قطع للرئيس الاسد. اما السبب الثالث الى عدم ارتياح حلفاء سوريا ولا سيما السنّة الى "التغنيج" المستمر للحريري رغم علمها بانعكاسه السلبي عليهم.

هل هذه الاخبار المتداولة اعلامياً على نطاق واسع صحيحة او دقيقة؟

ربما تنطوي على بعض الصحة او الدقة. لكنها ناقصة لأنها تركّز على موقف فريق واحد هو الرئيس بشار الاسد، وتمتنع عن الخوض وبالتفصيل نفسه في موقف الفريق الاخر الذي هو الرئيس سعد الحريري. وهذا واقع لا يمكن تجاهله. والتعرض له في هذه العجالة حاليا لا يفرضه تزلف او علاقة عميقة او انتماء سياسي معين او مصلحة مادية او سياسية او معنوية، بقدر ما تفرضه الموضوعية وضرورة اطلاع الرأي العام الذي يقول الجميع انهم يسعون الى رضاه على ما تيسر من "الحقيقة".

انطلاقاً من ذلك لا بد من الإشارة الى ان "الارتباك" الذي تُعيب الاخبار المذكورة اعلاه الحريري الابن به كلما زار سوريا او التقى الاسد امر طبيعي. وليس ضرورياً اعطاؤه تفسيرات "عميقة" جداً. فالحداثة في العمل السياسي، والعداوة الكبيرة التي نشأت بين الرئيسين منذ استشهاد الحريري الاب وما تلاه، والشعور السابق للاستشهاد بالخوف من سوريا و"مطامعها" وطموحاتها، وغياب المعرفة بين الرجلين، كل ذلك عوامل من شأنها اصابة لا سعد الحريري وحده بل من هم اعرق منه في السياسة بالارتباك. والرئيس بشار هو اكثر من يعرف ذلك لأنه عانى تأثير بعض العوامل المذكورة، وإن بدرجة اخف من الحريري الابن، كونه "تدرّب" على مدى سنوات قبل تسلمه السلطة على تعاطي الشأن العام و"تعذّب" وارتبك وأُحبط. الى ذلك كله يعتبر عدد من الذين التقوا الرئيس الحريري بعد مباشرته "تأسيس" العلاقة مع الاسد، ان اتهامه بانه غير صادق في توجهه نحو المصالحة مع سوريا، ليس في محله على الاطلاق. اذ سمعوا منه في احد اللقاءات، وبعدما حاولوا تحليل ما ستطلبه منه سوريا في مرحلة التأسيس فالتطبيع التي بدأها، كلاماً يفيد اولاً انه لا يصدقهم، علماً ان تحليلهم "ظبط" ويؤكد ثانياً قراره التفاهم مع سوريا. وقد عبّر عن ذلك صراحة بكلمة "نحن ما صدقنا اننا بدأنا هذه المرحلة".

في اختصار ولكي يكون الانصاف والموضوعية رائدي هذه العُجالة لا بد من تحميل الرئيس السوري بشار الاسد ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مسؤولية كبيرة عن اخفاقهما حتى الآن على الاقل في التصالح شخصياً، وفي اتمام مصالحة دولة لبنان او بالأحرى "دوله"مع دولة سوريا. فالمسؤول السوري الاول والوحيد لديه استراتيجيا لبنانية هي جزء من استراتيجيا وطنية واخرى اقليمية ولديه سياسة تنفيذية لها. وكان يفترض فيه ان يعرضها على الحريري اياً تكن صعوبات عرض كهذا، واحتمالات عدم تقبل المسؤول اللبناني بعض مضمونه. وان يطلب منه درس كل ذلك ومن ثم البحث فيه معه والخروج إما بتفاهم شامل يلبي مصالح الدولتين، وإما بخلاف يتفقان على تنظيمه تلافياً لوقوع لبنان في الفتنة التي لا بد ان تطال سوريا عاجلاً او آجلاً. لكنه لم يفعل ذلك، بل كانت الطلبات غير شاملة وجزئية، ولم تتعرض للأساس. فبدا كأن هناك محاولة لايصال الحريري الابن الى حيث يراد له ان يصل بالتقسيط من دون ان تكون عنده معرفة بالاهداف النهائية. وفي المقابل كان الرئيس الحريري غير جاهز كما يجب للبحث والتفاهم او الاختلاف مع رئيس سوريا الذي اكتملت خبرته واكتمل نضجه وخرج من النكسات التي اصابته منذ 2005 اكثر قوة وعافية ومعه نظامه. وكأن المعرفة الشاملة لسوريا التي كوّنها والده على مدى اكثر من عقدين قبل استشهاده لم ينقلها احد من مالكيها اليه.

ما هو الحل في حال كهذه؟

الحل ليس عند السعودية ولا عند مصر ولا عند ايران ولا عند اميركا. والحل ليس باسقاط حكومة وتأليف اخرى. وليس بالامساك بالبلاد بالقوة او التلويح باستعمالها. ولا بفرط الاستقرار او التهديد بفرطه. بل هو بتحلي الاسد والحريري ولبنان وسوريا رغم اختلاف الاحجام بالوعي الكافي والحكمة والارادة والتصميم اولا على بناء دولة في لبنان وثانياً على تطبيق للطائف يوصله في يوم ما الى التخلص من مساوئ الطائفية والمذهبية ويفتح طريق تطوره في الوقت نفسه. وثالثاً، على اقامة هذا اللبنان علاقة مع سوريا تحفظ مصالحها وأمنها، ولا تتدخل في شؤونها، وتراعي حقوق الجيرة التي هي احياناً أهم من الاخوة، وتُبقي للبنان قراره واستقلاله وحريته ونظامه، مع الاشارة هنا الى ان هذه المسلمات لم تعد مطلقة او كاملة في العالم الحديث.

===========================\

من أجل سلام السودان

بقلم :صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية

البيان

21-10-2010

الوقت ينفد أمام الجهود المبذولة لتجنب نشوب حرب أهلية أخرى في السودان. وقد أنهت الاتفاقية التي دعمتها الولايات المتحدة في عام 2005 عقدين من القتال بين شمال السودان وجنوبه، واللذين أسفرا عن مقتل مليوني شخص. وهذه الاتفاقية الآن يتهددها الخطر، إذا لم يتم تحقيق تقدم في الإعداد للاستفتاءين المقرر إجراؤهما في أوائل يناير المقبل.

 

فبعد إهمال المشكلة لفترة طويلة للغاية، يقوم الرئيس الأميركي باراك أوباما وكبار مساعديه بدفع كلا الجانبين تجاه الوفاء بالتزاماتهما لضمان استفتاء يحظى بالمصداقية والقبول بالنتائج. ونأمل بألا يكون الوقت متأخراً على تحقيق ذلك.

 

الناخبون في الجنوب، يتوقع أن يختاروا استقلال الجنوب. وفي الاستفتاء الثاني، يتعين على الناخبين في منطقة «أبيي» الحدودية تقرير ما إذا كانوا سيتحالفون مع الشمال أو الجنوب.

 

وقد تأخرت عملية تسجيل من سيشاركون في الاستفتاء شهوراً عدّة. فلا يزال يتعين تدريب المسؤولين عن الانتخابات ويتم طبع بطاقات الاقتراع وتوزيعها.و يجب على كلا الجانبين التقدّم بحصتهما في تكاليف الانتخابات والخروج من مأزق حول من له حق الاستفتاء في «أبيي».

 

وتظل قضايا مهمة أخرى غير محسومة. ويتعين على جنوب السودان أيضاً أن يكون جاداً بشأن إنشاء هياكل الدولة الجديدة، إذا كان المقترعون سيتجهون إلى ذلك.

 

تعهد الرئيس أوباما وفريقه بوضع حد للاضطراب في دارفور، والقيام بكل ما في وسعهم لضمان تحقيق السلام بين شمال السودان وجنوبه.

 

وسرعان ما بادر أوباما بتعيين مبعوث للسلام في السودان واستبدال استراتيجية العقاب المفرط، لتحلّ محلّها أخرى تميل إلى الحوافز بشكل أكبر. وعندما لم يبدِ المسؤولون السودانيون اهتماماً بها، سمح للسياسة بأن تضلّ طريقها.

 

وفي ظل تحذيرات أطلقها نشطاء بشأن حدوث كارثة وشيكة، قامت الإدارة الأميركية أخيراً بتعزيز بعثتها الدبلوماسية في جنوب السودان وعيّنت دبلوماسياً مخضرماً للمساعدة في التوسط في المحادثات، التي انتهت دون التوصل إلى اتفاق أخيراً، ومن المفترض أن تستأنف في وقت لاحق من هذا الشهر.

 

وأعلن الرئيس أوباما خلال اجتماع للأمم المتحدة ،أخيراً، الالتزام مع جميع الأطراف الفاعلة الرئيسية باحترام الاستفتاءات التي تسفر عن «نتائج جديرة بالثقة» وإجرائها في التاسع من يناير المقبل.

 

ولكن مسؤولاً كبيراً بالحكومة السودانية قال، أخيراً، إن استفتاء «أبيي» إما أنه سيتم تأجيله أو البت في المسألة من خلال مفاوضات بدلاً من إجراء تصويت. وهذا أمر مخالف لاتفاقية السلام المبرمة في عام 2005، وغير مقبول.

 

يجب على الحكومة السودانية أن تكون قادرة على التوصل إلى اتفاق مع جنوب السودان، بما في ذلك تقاسم عائدات النفط، بما يضمن تعايش كلا الجانبين في إطاره. الأمر الذي لا يمكن تحمله هو نشوب حرب أهلية أخرى.

 

الرئيس أوباما عرض حوافز أكثر وضوحاً، إذا أوفى السودان بالتزاماته، وهذه الحوافز تشمل المساعدة في إنتاج الأغذية وزيادة التجارة وإنهاء جميع العقوبات الاقتصادية في نهاية المطاف.

 

وهدد أوباما ومساعدوه أيضاً بالمزيد من العقوبات إذا فعل السودان خلاف ذلك. ونأمل أن يساهم المجتمع الدولي في دفع السودان نحو السلام أيضاً.

 ===========================\

قضايا الشرق الأوسط انطلاقاً من بيروت

المستقبل - الخميس 21 تشرين الأول 2010

العدد 3807 - رأي و فكر - صفحة 20

عدنان السيد حسين

أحدثت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بيروت ردود أفعال مدوية في الشرق الأوسط وبعض العواصم الغربية.

صحيح أنها انطلقت من دعوة رسمية تلقاها الرئيس الإيراني من رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان غداة زيارته طهران. وهي أتت نتيجة مجهودات دبلوماسية قامت بها السفارة الإيرانية في بيروت، مهّدت لتوقيع ستة عشر اتفاقاً ومذكرة تفاهم في شؤون الطاقة والمياه، والتكنولوجيا، والصحة، والرياضة، والزراعة، والصناعات اليدوية، والسياحة، والبيئة، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والتبادل الإعلامي، والاستثمار. أي أنها ساهمت في تطوير العلاقات البينية، وزيادة درجة التعاون في مجالات عدة غير محظورة في قرارات مجلس الأمن التي فرضت نوعاً من الحصار على إيران.

بيد أن الصحيح كذلك هو ورود ردود أفعال إسرائيلية وأميركية وأوروبية حيال الزيارة، وكيف إذا كانت المنطقة متوترة أصلاً بالأزمة العراقية، والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية غير الواعدة، وتداعيات المحكمة الخاصة بلبنان، فضلاً عن الملف النووي الإيراني، وغيره من قضايا القرن الإفريقي والخليج؟

صارت بيروت نقطة تحول منذ انعقاد القمة الثلاثية السعودية - السورية - اللبنانية في شهر تموز الماضي، التي بحثت الإشكالات المرافقة لمسار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وتطرقت إلى ضرورة حل الأزمة العراقية بتشكيل حكومة اتحادية كفيلة بتحقيق الوحدة الوطنية، وتابعت تفاصيل المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية برعاية أميركية، وما يمكن أن تحقق هذا إذا ما قُدّر لها النجاح والاستمرار. وما برحت هذه القمة الثلاثية ترخي بظلالها الإيجابية على مسار التفاصيل اللبنانية المختلفة.

أراد رئيس الجمهورية اللبنانية متابعة سياسته التوافقية، محلياً وخارجياً. وما يزال في حالة تنسيق وتواصل مع سوريا، والمملكة العربية السعودية، وغيرهما من الدول العربية، ناهيك عن محاولاته عرض القضية اللبنانية في عواصم العالم والمحافل الدولية، علّه بذلك يعيد إلى لبنان دوره الرسالي الحضاري في المنطقة والعالم الأوسع.

كان يجدر بالساسة اللبنانيين مواكبة هذه السياسة ضناً بلبنان الوطن ولبنان الدولة، قبل التفكير بالمكاسب والمغانم الشخصية والفئوية ولو على حساب الوطن الصغير. إن أي مطلب فئوي مهما علا شأنه لن يعلو على سيادة لبنان واستقراره ووحدة أراضيه. والمطلوب من هؤلاء الساسة شيء محدد هو: عدم استدراج الخارج الإقليمي والدولي إلى تفاصيل الحياة الداخلية اللبنانية.

ربما يحتاج هذا الأمر إلى ثقافة سياسية من نوع آخر، ثقافة المواطنة الحقّة المنطلقة من حقوق الإنسان، ووحدة الولاء والانتماء، ثقافة الانفتاح لا ثقافة الفتنة. ثقافة الخير العام لا ثقافة الاستئثار بالموارد والثروات.

على أن المراقب لزيارة الرئيس الإيراني إلى بيروت يدرك أهمية التنسيق بين طهران ودمشق والرياض من أجل بيروت، وقضايا عربية عدة ممتدة من بغداد إلى القدس إلى الخرطوم..... ونعتقد أن أموراً مهمة عدا عن الملف اللبناني جديرة باستمرار هذا التنسيق:

1 - إيجاد حل سريع للأزمة العراقية بتشكيل حكومة اتحادية قوية، تضع حداً للانقسامات السياسية والفئوية الحاصلة، وتمنع من اتساع الفتنة بين المسلمين إلى بلاد العرب والعالم.

2 - رفض صيغة (إسرائيل: دولة يهودية) التي تعني تكريس كيان عنصري في الشرق الأوسط، على حساب الفلسطينيين، بما فيهم فلسطينيي 1948، والتي تنذر بحروب متصلة في المنطقة. ولا يمكن الحديث عن مبادرة عربية للسلام بعيداً من إيجاد حل عادل لقضية فلسطين، يؤمن عودة اللاجئين إلى ديارهم.

3 - التمهيد لقمة عربية عادية في آذار المقبل، تضع أسس نظام إقليمي جديد، قائم على تطوير ميثاق جامعة الدول العربية، والانفتاح على تركيا وإيران كما طالب أمين عام الجامعة. قمة تعيد الاعتبار لفكرة الأمن العربي في عالم متغّير، عالم التكتلات الكبرى.

ستبقى بيروت نقطة انطلاق سياسية في الشرق الأوسط على الرغم من صِغَر حجم لبنان الجغرافي. هذا هو منطق الجغرافيا السياسية منذ أن تأسس الكيان اللبناني في العام 1920، وهذا ما تؤكده تطورات الشرق الأوسط، بما فيها من فرص ومخاطر. ولا غرابة إذا ما تجمّعت في لبنان مصالح إقليمية وعالمية مختلفة، إنما الغرابة ألاّ نعي نحن أهمية دور لبنان في المنطقة والعالم.

===========================\

السودان.. هل يدخل زمن النكبة؟

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

21-10-2010

يعيش السودان فترة انتقالية هي الفاصل بين الوحدة وزمن التقطيع ، فالسودان الذي عاش عقودا بمساحة كلية تبلغ مليونين ونصف المليون كيلو متر مربع ، ويعتبر عاشر دولة في العالم من حيث المساحة ، مقبل على احتمالات شبه مؤكدة بفقدان نحو سبعمئة الف كيلو متر من مساحته ، وبنسبة عشرة بالمئة من سكانه ، حين يقرر سكان الجنوب في الاستفتاء الذي سيجري في بداية السنة المقبلة الانفصال عن البلد الام، تنفيذا لاتفاق نيفاشا الذي وقع قبل خمس سنوات وانهى حربا بين الجنوب والشمال امتدت عقودا .

ويبدو من خلال الاتصالات الحثيثة التي تجري حاليا بشأن ما سميت حديثا بالقضية السودانية ، ان هذه الاتصالات لا تحاول منع الانفصال ، بل تهيئة الاجواء المناسبة له خشية ان يؤدي الى وقوع نزاع دموي بين الجنوب والشمال يسفر عن خسائر بشرية بالملايين كما قال الرئيس الامريكي باراك اوباما .

 

والنزاع الدموي الذي يثير مخاوف حقيقية سيكون حول جملة من القضايا العالقة التي لم يستطع الجانبان التوصل الى اتفاق بشأنها خلال الخمس سنوات الماضية ، وعلى راسها منطقة ابيي المختلف على تبعيتها للجنوب او الشمال ، وعلى احقية بعض سكانها بالمشاركة بالاستفتاء ومنهم قبيلة المسيرية العربية التي يعتبرها الجنوبيون دخيلة على المنطقة ، اضافة الى ان ابيي تحظى بجاذبية من الناحية الاقتصادية حيث يوجد معظم النفط السوداني المكتشف .

 

وقد بدات الدول التي ترى ان لها مصالح في قلب افريقيا سباقا على استمالة الدولة الجنوبية المنتظرة رغم ان بعض هذه الدول ومنها امريكا واسرائيل كانتا لهما السبق في ذلك ، حين ساهمتا خلال العقود الماضية باستمرار التمرد الجنوبي على الشمال في عملية انهاك للدولة السودانية الغنية بمواردها . وستكون السفارتان الاسرائيلية والامريكية من اولى السفارات العالمية التي ستفتح ابوابها في جوبا عاصمة الجنوب رغم ان مصر تقوم من جانبها بدور نشط نظرا لاهمية العلاقة مع الدولة الفتية فيما يتعلق بمياه النيل .

 

والحقيقة ان منطقة الجنوب السوداني كانت خلال معظم العقود الماضية منطقة سودانية رخوة في الجوانب السيادية والامنية ، اتاحت للدول الاخرى فرصة التدخل الخارجي المباشر مما عطل امكانية الاحتفاظ بها في اطار الدولة السودانية الموحدة، وشكلت هاجسا قوميا ساهم استمرار النزاع فيها، بفشل جهود التنمية على المستوى الكلي للدولة السودانية .

 

ولو كانت القضية السودانية تتوقف عند هذا الحد لامكن تبرير ذلك والاعتراف به كامر واقع تم ارساؤه منذ سنوات طويلة ، غير ان اجزاء اخرى من السودان الموحد تبدو وكانها تسير في الطريق نفسه الذي سار عليه الجنوب ، الذي بدا كقضية صغرى ثم تضخمت وكبرت مع الايام الى ان وصلت الى ما وصلت اليه اليوم ، فقضية دار فور هي الاكثر ترشيحا لهذا المصير بعد سالت الدماء واصبح السلاح هو لغة التخاطب بين ابناء البلد الواحد . فالدم لايبقي دائما على اخوة او وطنية ، بل يبتعد باطرافه الى عداوة تلغي الروابط وتفتح شهية الانفصال وخاصة في منطقة تبلغ مساحتها اكثر من نصف مليون كيلو متر مربع ، واعتاد سكانها على الاستقلال لاكثر من اربعمئة عام انتهت في اوائل القرن الماضي بمقتل سلطانها علي دينار على يد الانجليز الذين ضموا المنطقة الى حكمهم في السودان .

 

ان زمنا يصبح فيه ضياع نصف مساحة الدولة ونحو نصف عدد سكانها خيارا مؤكدا او مطروحا على الطاولة ليس في الداخل فقط بل في دهاليز السياسة الدولية التي لاترحم من يدخل في اقفاصها الحديدية، لهو زمن لايمكن وصفه الا بزمن الابتلاء والنكبة لبلد عربي تتعاظم مصائبه مع الايام ، ولا يستطيع الخروج منها ، بعد ان اطبقت عليه الدول المفترسة ، و تركه العرب يواجه مصيره وحده ،وهاهو كالفيل الجريح يتضرج بدمائه ، ويرسم خطا اخر في تاريخ هذه الامة المنكوبة .

===========================\

استراتيجية محاربة الإرهاب.. خطاب غير منسجم

ستيوارت جوتليب (مستشار سابق في السياسة الخارجية بمجلس

الشيوخ الأميركي، ويشغل حالياً منصب مدير دراسات السياسة

ب معهد جاكسون للشؤون العالمية في جامعة يل)

«كريستيان ساينس مونيتور» والاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

21-10-2010

لعل أحد أبرز مميزات استراتيجية محاربة الإرهاب التي تتبناها إدارة أوباما هي جهودها الرامية لتغيير مقاربة أميركا الخطابية تجاه تهديد الإرهاب، وبخاصة «الإرهاب الإسلامي»؛ حيث قال أوباما في حوار مع قناة «العربية»خلال أسبوعه الأول في البيت الأبيض «إن اللغة التي نستعملها مهمة». وهكذا، أُلغيت من التداول مصطلحات كانت رائجة في عهد جورج دبليو. بوش مثل «الحرب على الإرهاب» و»الإسلام الراديكالي» و»الجهاديين»؛ كما استبدلت رسمياً استراتيجيةُ الأمن القومي 2010 الصادرة عن البيت الأبيض مصطلحَ «الإرهاب الإسلامي» ب»التطرف العنيف».

وكان هدف هذا التحول الدلالي ذا شقين؛ حيث كان يرمي إلى إعادة صياغة جهود محاربة الإرهاب باعتبارها حرباً ضد تنظيم «القاعدة»، وليس ضد التطرف، والذي يعتقد أوباما أنه ساهم في تكريس الانطباع الذي انتشر بعد الحادي عشر من سبتمبر من أن أميركا «في حرب مع الإسلام».

وكان هذا الخطاب الجديد مقروناً بمحاولات أوباما التقرب من العالم الإسلامي من أجل بناء «شراكة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة». ثانياً، كان الهدف جزءاً من جهود أكبر تروم تخفيف وتبديد مخاوف الأميركيين من الإرهاب، والذي يعتقد مسؤولو إدارة أوباما أنه يخدم بشكل مباشر مصلحة المتطرفين.

الآن، من العدل أن نسأل ما إن كان استعمال أوباما للغة المتعلقة بالإرهاب قد أثبت فعاليته؛ غير أن استطلاعي رأي جديدين يشيران إلى أنه لم يكن كذلك. فاستطلاع الرأي الأول، وقد أجرته مؤسسة «بروكينجز» في واشنطن، يُظهر أن عدد عرب الشرق الأوسط الذين عبَّروا عن تفاؤل بخصوص مقاربة أوباما تجاه منطقتهم، بين مايو 2009 ومايو 2010، قد انخفض من 51 في المئة إلى 16 في المئة فقط؛ كما ارتفع عدد من اعتبروا أن رئاسة أوباما «غير مشجعة» من 15 في المئة إلى 63 في المئة. أما استطلاع الرأي الثاني، وأجراه مركز «بيو» للبحوث، فيُظهر أن عدداً أقل من الأميركيين يتبنون موقفا إيجابياً من الإسلام في أغسطس 2010 (30 في المئة) مقارنة مع خمس سنوات مضت خلال إدارة بوش (41 في المئة)؛ كما يرى عدد أكبر من الأميركيين (35 في المئة) أن الإسلام يشجع على العنف أكثر من ديانات أخرى (في 2002، كان المعدل هو 25 في المئة).

إن هذه الاتجاهات السلبية تشير إلى الجدوى المحدودة للغة في محاربة الإرهاب. أجل، الإرهاب نشاط يتغذى من البروباجندا – معركة متواصلة لكسب العقول والقلوب واستقطاب مجندين جدد للمحاربة من أجل القضية.

وبالطبع، فإن اللغة التي تُستعمل في محاربة الإرهاب بالغة الأهمية–ولعل خطاب إدارة بوش واستعماله لعبارات مثل «سوف نجبرهم على الخروج من كهوفهم» خير مثال في هذا السياق. غير أنه إذا كان الخطاب لا يواكب السياسة ولا يوائمها، أو يبدو أنه يقلل من شأن التهديدات، فإن مصداقية استراتيجية محاربة الإرهاب برمتها–وبالتالي فعاليتها – قد تضعف. وواقع الحال يشير إلى أن إدارة أوباما قد وضعت نفسها في مثل هذه الحفرة تماماً.

ذلك أنه عند النظر إلى ما وراء اللغة والوعود المعسولة، فإن ما يراه المسلمون حول العالم هو إدارة سعَّرت الحرب في أفغانستان؛ وتقتل أعداداً من المدنيين المسلمين بواسطة طائرات من دون طيار؛ ومازالت تحتفظ بأكثر من ألف معتقل مسلم في جوانتانامو وباجرام وسجون أخرى؛ وتحافظ على ما يبدو دعماً غير مشروط لإسرائيل. قصدنا في هذا المقال ليس انتقاد هذه السياسات، وإنما التدليل على أنها لا تتماشى والسقف المرتفع للتوقعات في العالم الإسلامي، وأنها لم تؤد إلا إلى التشويش على هدف أوباما المعلن: تقريب المسلمين من أميركا وإبعادهم عن الحركات المتطرفة.

والواقع أن ثمناً باهظاً يتم دفعه أيضاً داخلياً بسبب هذا الخطاب غير المنسجم؛ إذ رغم الحفاظ على كل تكتيكات بوش المتشددة تقريًبا – قانون الوطني، والتنصت غير القانوني، والاعتقال لمدد غير محدودة – إلا أن البيت الأبيض كان يعمد دائماً إلى التقليل من شأن التهديد، حتى في وقت يشهد صعوداً واضحاً للنشاط الإرهابي. وعلى سبيل المثال، فقد وصف أوباما، عقب محاولة تفجير طائرة فاشلة خلال أعياد ميلاد المسيح في 2009، المشتبهَ فيه بأنه «متطرف معزول»، رغم صلاته ب»القاعدة».

وكان رد الإدارة الأولى على محاولة التفجير الفاشلة بساحة «تايم سكوير» في مايو 2010 من قبل مسلم أميركي تلقى تدريبه في باكستان هو وصفها بأنها «حالة معزولة».

كما قال وزير العدل «إيريك هولدر» في شهادة أدلى بها أمام الكونجرس إنه يعتقد أن المحاولتين ومخططات إرهابية أخرى حدثت مؤخراً غير مترابطة، وإنه لا علاقة لها بالإسلام «الراديكالي».

ومما لا شك فيه أن عدم استعداد الإدارة للتحدث بصراحة حول «الإرهاب» قد أثر على ثقة الجمهور؛ إذ يُظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «جالوب» الشهر الماضي تفضيل الأميركيين ل»الجمهوريين» على «الديمقراطيين» حول موضوع الإرهاب ب55 في المئة مقابل 31 في المئة – مقارنة مع 49 في المئة مقابل 42 في المئة الخريف الماضي.

لقد وصل أوباما إلى الرئاسة واعداً بخوض حرب أكثر ذكاء وفعالية على الإرهاب، وهو ما قام به بالفعل من نواح عدة. والواقع أن حفاظه على تكتيكات قوية وشرسة، بموازاة مع عمله على تخفيف حدة الخطاب الناري كان قراراً سليماً وحكيماً؛ غير أن إدارته يبدو أنها تعلمت درساً مهماً من سنوات بوش: أن للمبالغة في الحديث عن تهديد الإرهاب تكاليف مرتبطة بها. غير أن الأمر نفسه ينطبق على الخطاب الذي يستهين بالإرهاب ويقلل من شأنه، وبخاصة عندما يكون غير متناغم مع السياسات. والواقع أنه لم يفت الأوان لوقف هذا الاتجاه المقلق، حيث يستطيع البيت الأبيض أن يبدأ بالتركيز أقل على الخطاب المطَمْئِن المبالغ فيه – الذي لم يأت بنتائج في الداخل أو في الخارج – والتركيز أكثر على تقييم صريح للتهديدات التي نواجهها والسياسات المتبعة لمواجهتها.

===========================\

تحولات جديدة في معالجات الازمة العالمية

خالد الزبيدي

الدستور

21-10-2010

تعقد مجموعة دول العشرين اجتماعا جديدا في سول عاصمة كوريا الجنوبية غدا للبحث في قضايا اقتصادية ومالية متجددة ، العناوين الرئيسة لهذا الاجتماع في مقدمتها "حرب العملات" وسعر صرف العملة الصينية "اليوان" ، والصناديق السيادية ودورها في الاقتصاد الغربي في ضوء الازمة العالمية التي تعمقت دون بارقة امل بعودة الاقتصاد العالمي للتعافي.

 

غالبية المواضيع الرئيسة تكاد تكون غير قابلة للصرف في هذه المرحلة لاسباب عدة اولها ان الصين تتصدر الاقتصاد العالمي في المركز الثاني وبمعدلات نمو سنوي يتراوح بين 10 و 11 في المائة ، وبصادرات عملاقة تصل معظم الاسواق الدولية ، وثانيا تستحوذ على حصة مؤثرة من الاستثمارات الاجنبية التي تتجاوز التريليون دولار ، وفي هذا السياق استقطبت الصين اكثر من 74 مليار دولار استثمارات جديدة خلال التسعة اشهر الاولى من العام الحالي.

 

بالنسبة ل"اليوان" فهي عملة محلية غير قابلة للتحويل اي ان مسألة تحديد سعر صرف اليوان قرار سيادي بالدرجة الاولى ويستند الى ناتج محلي اجمالي ضخم وصادرات منافسة ، وان القرارات والتهديدات الامريكية والاوروبية واليابانية لسعر صرف اليوان ليس لها ما يبررها ، وان امكانية التأثير على السياسة النقدية لبكين غير واردة حسب تصريحات وافعال المسؤولين النقديين الى جانب ضعف الرد الغربي حيال مسألة الصرف.

 

التطورات الاقتصادية سواء في اسيا او اوروبا وامريكا تشير الى ان الصين اصبحت خارج نطاق التهديد او لي العنق ، وربما هذا الوضع كان ممكنا قبل عقدين او ثلاثة عقود ، اما الان وفي ضوء الازمات المالية والاقتصادية التي اصابت الاقتصاد العالمي بخاصة الغربي فان بكين وجموعة دول الاقتصادات الصاعدة بدأت تفرض نمطا جديدا في العلاقات الاقتصادية الدولية وهذه المجموعة يتنامى دورها وينضم اليها دول جديدة اخرها كوريا الجنوبية.

 

الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها باراك اوباما يرى في لحظة صدق ان امريكا ترى مصلحة في التقدم والنمو الذي تحققه الصين ، هذه الكلمات كررها قادة دول مجموعة دول العشرين في مرات عدة عندما اعلنت ان الدول الصاعدة والنامية قادرة على المساهمة الفعالة في تعافي الاقتصاد العالمي كرد على الاومة العالمية التي تتحول الى ازمة اقتصادية التي ما زالت تضرب في المراكز الرئيسة وتؤلب الشعوب على رؤساء حكوماتها التي تتراجع قدراتها في تقديم الخدمات لشعوبها. اما الصناديق الاستثمارية التي ساهمت في تنمية الاقتصاد العالمي بخاصة الرأسمالي خلال العقود الماضية فتعود مرة الاخرى الى صدارة اهتمامات الدول الرأسمالية وصندوق النقد الدولي ومحاولة فرض قيود عليها واستخدام مواردها لمصلحة وقتية للافلات من تداعيات الازمة والتركيز على الاقتصاد الوهمي بعيدا عن الاستثمارات الحقيقية ، ومصلحة الدول الصناعية تسبق اي قرارات تسعى لفرضها على متخذي القرارات للصناديق السيادية. محاولة التحكم بقرارات الصناديق السيادية والتأثير عليها ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة وما يجري بمثابة لمبة حمراء في وجه اصحاب القرارات للصناديق السيادية التي تحملت اعباء كبيرة خلال السنوات القليلة الماضي.

 

مرة اخرى.. اجتماعات مجموعة دول السبع او العشرين او غيرها لن تخرج الدول الصناعية من ازمتها ، ولا يمكن اعادة دوران ساعة الزمن الى الوراء فالعالم يتبدل وعلى الجميع تحمل مسؤولياته وقبول الواقع والحقائق الجديدة.. امبراطوريات زالت واخرى وغيرها تراجعت ، ودول وشعوب وامم ارتقت سلم المجد والصدارة.. وهذا منطقي لما يدور من حولنا.

===========================\

المجتمعات الغربية تستشعر وطأة الازمة الاقتصادية

د. بشير موسى نافع

2010-10-20

القدس العربي

أهداني صديق قبل أسابيع قليلة جهاز 'أي باد' الصغير، الذي قدمته شركة أبل للأسواق مؤخراً. الذي شجعني على اقتناء الجهاز كان الاعجاب البالغ الذي تحدث به بعض الأصدقاء عن الإمكانات التي يوفرها الجهاز. لشخص مثلي، اعتاد منذ سنوات استخدام جهاز كومبيوتر محمول، صغير الحجم، لم تكن النقلة واسعة، بالرغم من أن الجهاز الجديد يحتوي عدداً من التطبيقات المدهشة. ولكني سرعان ما اعتدت الجهاز الجديد، وما يوفره من إمكانيات.

والمسألة هنا لا تتعلق بالمفاضلة بين مختلف هذه الأجهزة الحديثة وفوائدها، فذلك شأن دوريات وصفحات متخصصة، لا شأن هذه المساحة المحدودة. المسألة هي الزمن القصير الذي يتحول فيه منتج إلكتروني جديد إلى ضرورة حياتية، تفتقد حين تغيب، ويصعب التخلي عنها، إلا بمنتج شبيه يفوقها إمكانيات وتسهيلات. نحن نعرف منذ زمن بالتأكيد أن الرأسمالية لا تنتج الأشياء وحسب، بل وتولد الحاجة للأشياء. وبالرغم من وعينا العميق بهذه الحقيقة، فإن المناخ الثقافي الذي نعيش فيه يجعل من أغلبنا مساهمين فعليين في لعبة الأشياء والحاجة والشراء، التي تميز عصرنا. كانت الحياة تسير في شكل طبيعي ومعقول قبل اختراع جهاز التلفاز؛ ولكن ما أن بدأت الأسرة الحديثة في اقتناء هذا الصندوق بالغ التأثير حتى أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة 'الطبيعية'. وبالرغم من الإزعاج الهائل الذي يولده الهاتف المحمول، واختراقه السريع والمتزايد لخصوصيتنا الحياتية، فقد تحول في سنوات قليلة إلى آلة لصيقة بشخصياتنا، بالرغم من أننا نذكر أن الحياة كانت ممكنة إلى حد كبير قبل أن نبدأ وزوجاتنا وأبناؤنا في شرائه، بدون تفكير مسبق في أغلب الأحيان.

هذه ليست محاولة في تقديم لائحة إدانة للثقافة الرأسمالية الحديثة؛ فهذه موضوعة أكبر بكثير من مقالة أسبوعية، في دورية يومية. وهي موضوعة حمالة أوجه، كما يعرف أغلب أبناء هذا العصر؛ أو هكذا يعتقد قطاع واسع منا. ما أعاد تذكيري بهذه الخاصية الرأسمالية النافذة، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، كان حركة الاحتجاج العمالية واسعة النطاق، التي تشهدها فرنسا، وإيطاليا. ولولا أن الحركة العمالية تعرضت لضربات قاصمة في بريطانيا، وهي حركة ضعيفة أصلاً في ألمانيا، لكانت موجات الاحتجاج الشعبي العمالي قد اتسعت نطاقاً. ما لا يمكن تجاهله، على أية حال، أن امتعاضاً شعبياً عميقاً وواسعاً يمكن تسجيله في معظم الدول الغربية الصناعية على جانبي الأطلسي، من اسبانيا إلى فرنسا، ومن بريطانيا إلى الولايات المتحدة. الرئيس الامريكي باراك أوباما، الذي سجلت شعبيته معدلات مرتفعة في شهور إدارته الأولى، يعيش اليوم فترة انفضاض شعبي مذهلة، بالرغم من الإنجازات التشريعية الكبيرة التي حققها في أقل من نصف عمر إدارته، ومن حجم الانفاق الحكومي المذهل الذي ضخه في الاقتصاد الامريكي. السبب خلف انهيار شعبية الرئيس الشاب هو أيضاً الاقتصاد، والصعوبة الملموسة التي يجدها الاقتصاد الامريكي المتثاقل في الخروج من الأزمة المالية الاقتصادية وآثارها.

في بريطانيا، وصلت مديونية الدولة مستويات غير مسبوقة منذ الحروب النابليونية، مما دفع حكومة الإئتلاف المحافظ الليبرالي إلى اتخاذ خطوات كبيرة لتخفيض الإنفاق الحكومي، ستمس حياة عشرات الآلاف من أسر العاملين في السلك العام، ومن ثم نظرائهم في القطاع الخاص. فبالرغم من الوعود الكبيرة لسياسات الاقتصاد النيو ليبرالي منذ ثمانينات القرن الماضي، لم تزل الدولة هي مصدر الإنفاق الأكبر في الأنظمة الرأسمالية. عندما تتوقف الدولة عن بناء المدارس والمستشفيات، أو تجديد القديم منها، وعندما تقلص الدولة من مشاريع شق الطرق وإنشاء الجسور، لا يتأثر القطاع العام وحسب، بل والقطاع الخاص أيضاً. ويتوقع أن تشهد بريطانيا خلال الشهور القليلة القادمة معدلات بطالة لم تعرفها منذ ثورة حكومة مارغريت تاتشر الاقتصادية قبل ثلاثين عاماً. وكانت مشكلة شد الأحزمة على البطون وتقليص الإنفاق الحكومي ورفع معدلات الضريبة قد أصابت اليونان أولاً، وولدت حركة تظاهر نقابية واسعة. ولا تختلف الاحتجاجات الفرنسية كثيراً في دوافعها، بالرغم من أن السبب المباشر لها كان تعديل قانون التقاعد. المشكلة التي تعيشها الاقتصادات الغربية كلها تقريباً، تحت عناوين ومسميات مختلفة قليلاً بين دولة وأخرى، أن الاقتصادات الغربية تواجه معضلة متفاقمة لم تعد تعرف لها حلاً ناجعاً بدون آلام: أن معدلات الإنفاق تفوق بكثير الموارد والثروات، وقد وصلت الفجوة بين الإنفاق والموارد مستويات لم يعد من الممكن تجاهلها، بدون مواجهة خطر الانهيار أو الإفلاس. يتعلق أحد الأسباب الرئيسة خلف هذه الظاهرة بطبيعة النظام الرأسمالي نفسه، تلك التي أشير لها أعلاه. المجتمعات الغربية الرأسمالية هي مهد الراسمالية الأول، وهي التي تتأثر قبل أية مجتمعات أخرى بالقوة الرأسمالية الدافعة لتوليد الحاجات، وتوفير سيل لا ينقطع من الأشياء. ولأن عجلة الاشياء/ الحاجات لا بد أن تستمر في الدوران، فقد تطور النظام المالي في هذه الدول ليتيح الاستدانة السهلة والسريعة، للأفراد والأسر والدول على السواء. ما لا تتوفر الموارد الكافية في هذه اللحظة لامتلاكه، يمكنك بسهولة وسرعة اللجوء للاقتراض للحصول عليه. وليس عليك بالضرورة أن تفكر ملياً في عواقب الاقتراض اللحظي والغريزي. وربما يذكر كثيرون أن ما أطلق الأزمة المالية الاقتصادية في خريف 2008 كان عبء الديون الهائلة التي عانت منها مؤسسات مالية أميركية كبيرة، والتي سرعان ما أدت إلى انتشار الأزمة المالية في معظم دول المنظومة الرأسمالية، وتفاقمها بالتالي إلى أزمة اقتصادية. وكان العلاج الذي لجأت إليه الدول الرأسمالية الرئيسية للأزمة من جنس الداء، بحيث قامت الدول بعمليات اقتراض هائلة، في محاولة لتخفيف آثار الأزمة، ومنعها من التحول إلى انهيار اقتصادي واسع النطاق كذلك الذي شهده العالم في نهاية العشرينات ومطلع الثلاثينات من القرن الماضي. أحداً في الطبقات الغربية الحاكمة لم يجرؤ على التعامل مع أصل الداء، ومواجهة خصائص الظاهرة الرأسمالية نفسها.

بيد أن ثمة سبباً آخر خلف هذه المعضلة، يتعلق بالتحولات الاقتصادية البنيوية التي يعيشها العالم منذ عقدين أو ثلاثة عقود. فمنذ بداية القرن التاسع عشر، وحتى الربع الأخير من القرن العشرين، والاقتصاد العالمي تقوده مجموعة صغيرة من الدول، تمتص الجزء الأكبر من الخامات المتاحة، وتنتج الجزء الأكبر من البضائع المصنعة أو التحويلية، وتعتبر الساحة الأساسية للاستثمارات المالية العالمية. وبالرغم من التنافس الطبيعي بين اقتصادات هذه الدول على جانبي الأطلسي، احتفظت معاً بقرار تحديد أسعار المواد الخام، من القطن إلى القهوة، وأسعار المنتجات الصناعية، من السيارة إلى الطائرة، وأسعار الفائدة على الاستثمارات أو القروض المالية. في أوقات متباعدة، ولأسباب استراتيجية ملحة، سمح أعضاء هذا المنتدى الصغير بالتحاق عدد آخر من الاقتصادات النامية؛ كما حدث في حالة اليابان وبعض دول شرق آسيا الأخرى، التي اعتبر التحاقها بمجموعة الدول الصناعية الرأسمالية حصانة لها أمام التمدد الشيوعي خلال سنوات الحرب الباردة. ولكن النظام الاقتصادي العالمي لم يعد من الممكن التحكم فيه، على أية حال.

لاستمرار عجلة النمو الرأسمالي، كان لا بد من تحرير ولو نسبي لحركة التجارة والمال والعمالة. ولتوكيد الانتصار الرأسمالي، كان لا بد من إقناع عدد متزايد من الدول باعتناق النموذج الرأسمالي النيو ليبرالي الجديد. وعلى نحو ما، لم يعد ثمة من سر خلف عملية النمو الرأسمالي، في الوقت الذي تصاعدت الطموحات الشعبية لتحقيق وعود الرفاه التي يستبطنها سيل لا ينقطع من الصور التي تحملها وسائل الاتصال الحديثة. خلال فترة قصيرة نسبياً من الزمن، كان عدد متزايد من الدول يفرض وجوده في قلب النظام الاقتصادي العالمي، من البرازيل إلى الصين، ومن تركيا إلى الهند. ارتكزت القوى الاقتصادية الجديدة إلى وجود كتلة كبيرة من العمالة الرخيصة، إلى شريحة متعلمة واسعة، إلى مواقع جيوبوليتيكية مناسبة، إلى تقاليد ثقافية راسخة، وإلى قرارات سياسية ذكية ومثمرة. ولكنها استطاعت كل على انفراد، وبدون تخطيط جماعي مسبق، أن تصبح منافساً ملموساً للاقتصادات الغربية، الكبيرة منها أو المتوسطة. تتمتع أغلب الاقتصادات الجديدة اليوم بمعدلات نمو كبيرة، بينما تجر الاقتصادات الغربية أقدامها مثقلة بمعدلات نمو منخفضة لفترات زمنية طويلة.

وقد باتت الاقتصادات الجديدة منافساً جاداً في سوق منابع الطاقة، في أسواق المواد الخام، وفي ساحة التجارة العالمية. وبالرغم من أن ليس من دليل واضح وصريح على تبلور تكتلات اقتصادية جديدة، أو مواجهة اقتصادية عالمية، فالمؤكد أن سياسات هذه الدول تستبطن عزماً لا يخفى على كسر احتكار دول المنتدى الغربي للقرار الاقتصادي العالمي. ولعل اتفاقات التعاون الضخمة بين الصين وكافة الاقتصادات الرئيسة الجديدة توفر مؤشراً إلى هذا التوجه. المهم في النهاية أن الأسواق الجديدة باتت ساحة مافسة للاستثمارات المالية وفائض رأس المال العالمي. عندما تكون السوق الصينية أو التركية أكثر استقراراً من السوق الفرنسية، وعندما تكون حسابات الربح والخسارة في السوق البرازيلية أكثر يقيناً من نظيرتها الاسبانية، فمن الطبيعي والمنطقي أن تحصل هذه الأسواق على نصيب متزايد من الاستثمارات التي اعتادت السوق البريطانية والألمانية والامريكية على احتكارها حتى زمن قريب جداً. وهذا هو الوجه الآخر لمعضلة الاقتصادات الغربية التقليدية، والصعوبة المتزايدة التي تواجهها للخروج من دائرة الأزمة.

مشكلة النظام الغربي الرأسمالي التقليدي الكبرى مع الشركاء الجدد، الذين يتزايد عددهم من عام إلى آخر، أنهم جميعاً يلتزمون بقواعد العملية التي وضعتها القوى الغربية ذاتها، وأنهم يحرصون حرصاً مبالغاً فيه أحياناً على الانضواء تحت راية المنظمات المالية والاقتصادية التي أقامتها القوى الغربية ووضعت قوانينها، من البنك الدولي وصندوق النقد إلى منظمة التجارة العالمية. واجهت دول المنظومة الرأسمالية الكتلة الشيوعية بعزلها عن النظام الاقتصادي العالمي، لأن الكتلة الشيوعية لم تخف عداءها للنظام ورغبتها في تقويضه. ولكن مواجهة مالية واقتصادية مع الصين أو البرازيل أو الهند وتركيا لن تؤدي إلا إلى تقويض المعبد برمته على رؤوس الجميع، بعد أن باتت هذه الاقتصادات جزءاً لا يتجزأ من العجلة الاقتصادية العالمية.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

==============================

الجمهور الايراني غاضب

صحف عبرية

2010-10-20

القدس العربي

'لا يجوز للحكومة أن تفعل شيئا يسبب عدم ارتياح الجمهور. قلت مرارا إن أسعار الماء والكهرباء مرتفعة جدا، واقترحت ألا يرفعوا الأسعار، واذا لم يكن مناص من الرفع، فينبغي بيان ذلك للجمهور وإقناعه'.

هذا ما قاله آية الله احمد جناتي في خطبة يوم الجمعة في المسجد الكبير في طهران. ليس جناتي اصلاحيا ليبراليا، بل العكس. فعندما أعدمت الحكومة في كانون الثاني (يناير) من هذا العام متظاهرين، صرح هذا الفقيه بأنه ينبغي الاستمرار على اعدام ناس حتى يختفي الاحتجاج بعد الانتخابات. انه يترأس مجلس حُراس الدستور العظيم القوة، الذي عمله الفحص عن نفاذ القوانين التي يسنّها البرلمان، وهو مُقرّب جدا من احمدي نجاد وأيد سياسته حتى الآن. لكن يبدو أنه حتى جناتي ورفاقه المحافظون المتطرفون يسمعون صيحة الجمهور، ويخشون من أن يُضر الاصلاح الاقتصادي الذي يبادر اليه احمدي نجاد باستقرار نظام الحكم.

عندما خطب احمدي نجاد خطبته في بنت جبيل أمام آلاف مؤيدي حزب الله، ولا سيما بعد أن تبيّن أن ايران تنوي منح لبنان قرضا بعيد الأمد قدره 450 مليون دولار، هب في ايران الخصوم والأشياع على السواء، وقالوا كيف يمكن أن تساعد الدولة لبنان في حين يقف الناس في شوارع طهران في صفوف في محطات الوقود لملء أوعية استعدادا للاقتطاع المرتقب من الدعم.

إن خطة احمدي نجاد للاقتطاع من دعم الجمهور، الذي يقف اليوم على نحو 100 مليار دولار كل سنة، أصبحت تثير انتقادا لاذعا في الدولة وفي خطب يوم الجمعة يذكر الخطباء خوف الجمهور من التضخم.

على سبيل المثال يقف سعر البنزين للمستهلك اليوم على نحو عشرة سنتات لليتر، وقد يرتفع الى 40 80 سنتا. بهذا تنوي ايران الالتفاف على تأثير العقوبات الاقتصادية وتقليل تعلقها بالبنزين المستورد ومنتوجات الاستهلاك من خارج البلاد. ومن اجل تسهيل مواجهة ارتفاع الأسعار تنوي الحكومة، في السنة الاولى على الأقل، تحويل جزء من المال الذي سيتم توفيره الى الجمهور مرة اخرى بواسطة هبات لتركيب معدات وأجهزة توفر الطاقة. ورغم أن سعر البنزين لم يرتفع بعد، بدأ جو التقسيط يُبدي علاماته، وعلى حسب معطيات وكالة الطاقة الدولية انخفض استيراد البنزين بنسبة 15 في المئة في تموز(يوليو)، ويتوقع أن ينخفض أكثر في الاشهر القريبة.

وفي الآن نفسه قررت الحكومة فرض ضريبة قيمة مضافة تبلغ 3 في المئة، وهو قرار جعل تجار بازار طهران يعلنون اضرابا استمر بضعة ايام، طالبين إلغاء الضريبة الجديدة.

بحسب تقارير إخبارية من ايران، تمتد في الايام الأخيرة صفوف طويلة أمام آلات الصرافة. يُسارع مواطنون الى إنفاق مال نقدي يشترون به دولارات وذهبا خشية أن تهبط قيمة الريال الايراني أكثر بعد أن انخفضت بنسبة 13 في المئة. يعرض صرافون غير مرخصين دولارات بأسعار أعلى كثيرا من سعر المصارف، لمن يريد الالتفاف على الصفوف هناك، ويشتري الجمهور منهم ايضا. للدولة في الحقيقة احتياطي ضخم من العملة الاجنبية، لكن الجمهور يريد الدولارات في جيبه.

سبب عدم استقرار الريال ارتفاع الأسعار، ومن اجل شراء منتوجات استهلاك كبيرة مثل الثلاجات ومكيفات الهواء، يجب التسجيل في الحوانيت وانتظار في الصف الطويل. في الحقيقة التضخم مراقب يبلغ نحو 10 في المئة، لكن يُخشى أنه اذا استمر الخوف الاقتصادي فسيرتفع مرة اخرى الى النسب العالية التي عرفتها ايران في الماضي.

يضمن احمدي نجاد كعادته ألا تؤثر العقوبات في الدولة، ويُبيّن أن مخاوف الجمهور تنبع من دعاية غربية. ويزعم أن ذوي القدرات المحدودة سيحظون بحماية الدولة وأنه توجد خطة مساعدة مفصلة للمحتاجين، لكن لم تنشر هذه الخطة حتى الآن، وتطلب صحف المعارضة من الرئيس ايضاح تفاصيلها.

لا يأتي الانتقاد فقط من صفوف معارضي احمدي نجاد الساسة التقليديين لأنه حتى محافظ مثل محسن رضائي، الذي كان قائد الحرس الثوري ونافس في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، يدعو الحكومة الى الفحص من جديد عن خطة الاصلاحات، لانها اتُخذت قبل أن تفرَضَ على ايران العقوبات الجديدة. ويقترح رضائي بدل مساعدة الجماعات الفقيرة على نحو مباشر، إنفاق المال على إحداث اماكن عمل جديدة لكن يُشك في أن يُقبل اقتراحه. فخطة احمدي نجاد تتمتع في هذه الاثناء بتأييد الزعيم الأعلى، علي خامنئي، وإن كانت تتضح له ايضا التأثيرات السياسية لوضع لا يستطيع فيه فقراء ايران دفع حساب الماء والكهرباء.

بحسب استطلاع عن قسم الابحاث في مجلس النواب الامريكي، تتوقع الخطة الخمسية الايرانية حتى سنة 2015 استثمار نحو 200 مليار دولار في تطوير حقول نفط وبناء مصافٍ، تحتاج ايران منها الى استثمارات اجنبية تبلغ نحو 125 مليار دولار والباقي من مال محلي. لكن العقوبات المفروضة على ايران تُشكك الآن في قدرتها على احراز هذه الأهداف، وعندما تُضاف الى ذلك سياسة احمدي نجاد الاقتصادية الهوجاء، يتوقع لايران فترة اقتصادية صعبة قد تُفضي ايضا الى تحولات سياسية. لن يؤثر كل هذا في الحقيقة في الأمد القريب في استثمارات ايران في لبنان أو في دول امريكا اللاتينية، ولا في التبرعات لمنظمات مثل حماس أو الجهاد الاسلامي، تأتي من صناديق خاصة للحرس الثوري. لكن احمدي نجاد لا يستطيع الاكتفاء بتأييد الجماهير في لبنان، وسيضطر الى أن يفكر كيف لا يخسر تأييد الجمهور العريض في ايران.

هآرتس 20/10/2010

===================

تحقيق في بعض الحقائق عن الحقيقة

ترجمة د خالد السيفي

الكل يبحث عن الحقيقة ليكمّل ذاته أو ليطمئنها، وهنا بعض صفات الحقيقة في

www.ksroot.blogspot.com

الحقيقة لُغز وأُسّها الغموض، ولا يمكن سبر أغوارها بواسطة علومك السابقة وعاداتك القديمة. تستطيع طَرْقها فقط عندما تتعرّى من ماضيك المعلوماتي ومن قديم عاداتك البالية.

أقول، نعم، أنت تصبح جاهزا لاستقبال الحقيقة فقط عندما تخلع كل مخزونك المعرفي، وعندما تتخلص من بالي عاداتك.

على أي حال، في المسيحية يُسمى لباس الكاهن ب "العادة" – وهذه مطابَقَة وتسمية جميلة وربْط مناسب للعادة باللّباس.

الولوج الى الحقيقة لا يكون من خلال المنطق بل من خلال الوعي، لا بالذاكرة القديمة بل باليقظة الآنية لِلَحظة المواجهة ( اليقظة والمراقبة والتأمل في الان وهنا).

الذاكرة: هي ممثِّلة المنطق وتتعامل مع قديمك وتختلف كليا عن الوعي الذي يتعامل مع الآن وهنا، أي مع الجديد المتجدد في كل لحظة.

من خلال الذاكرة والمعرفة القديمة لن ترى من المشهد الا ما ألِفتَه، ذاكرتك ستفسّر الحاضر بالماضي، وستُأوِّل الحادث بالبالي والحي بالميت والمتحرك بالجامد. ومن طبيعة الذاكرة ان تفرض شيءً غير موجود وتُعرض عما هو كائن.

الذاكرة والقديم يجب أن يطرحا جانبا لاستقبال الحقيقة.

الذاكرة جيدة، استعملها، لكن الحقيقة ولا مرّة نتجت من الذاكرة. اذ كيف ستأتي الحقيقة الجديدة من الذاكرة القديمة؟. كيف تستدعي شيئا لم تختزنه؟، كيف تستحضر فكرة ليست لديك فكرة عنها؟. الحقيقة تكون دائما جديدة وغريبة وغير مألوفة وغير معروفة.

عند المواجهة مع الحقيقة يجب أن تضع الذاكرة جانبا، يجب أن تقول لعقلك " أرجوك ان تبقى هادئ وصامتا، دعني أشاهد بدون تدخلك، دعني استوضح ما أرى بدون أحكام او عقائد او نصوص او فلسفات او أديان مسبّقة. دعني أرى مباشرة دون وسيط، دعني أعيش اللحظة الآن وهنا، دعني اكتشف ما أواجهه.

وتنبَّه: الحقيقة عمرها ما تحولت الى ذاكرة، حتى لو تعرّفت عليها. لانها كبيرة وواسعة وعميقة ومتغيرة، لا يمكن الإحاطة بها ولا القبض عليها او تجيّيرها لحسابك او استنباتها في أصيص على شُرفتك. لانك لا تستطيع جمعها، لانها اكبر من وعاء العقل والذاكرة.

لهذا كانت الحقيقة دائما مُتجددة ومُتغيرة، طازجة وحرة، برية وجامحة، مُتحركة ومُشككة ومُتنقلة، مُنعشة ومُتشكلة، مُتجاوزة ومُحلّقة ومُعلّقة. هذه بعض صفات الحقيقة. إنها لا تشيخ ، ودائما فتيّة وشابة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ