ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 25/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

المشرق العربي بين تجاذبات التفكيك والتوحيد

المستقبل - الاحد 24 تشرين الأول 2010

العدد 3810 - نوافذ - صفحة 10

ماجد كيالي

ليس ثمة منطقة في العالم تشبه المشرق العربي بالنسبة لأهميتها الإستراتيجية الدولية والإقليمية، من النواحي الجغرافية والاقتصادية والأمنية، كما بالنسبة لحال الاضطراب وعدم الاستقرار، والتفكّك، وربما التصدّع، التي تمر بها. فهذه المنطقة التي تضم ما يعرف بمنطقة بلاد الشام وما بين النهرين، ومصر والسودان والجزيرة العربية، تعتبر بمثابة المفاعل السياسي، أو بمثابة المركز، للتطورات والتحولات في العالم العربي، وهي الملتقى، والجسر، الذي يربط القارات الثلاث القديمة (آسيا وأوروبا وأفريقيا)، وفي هذه المنطقة منابع النفط، ومواطن الرسالات السماوية الثلاث.

ومعضلة المشرق العربي، في هذه المرحلة، هي في انه يواجه قوى إقليمية ودولية عديدة تصارع من اجل السيطرة عليه، والتحكم بالتطورات الجارية فيه، من دون أن يكون له هيكلية، أو ماهية، أو ذات واضحة ومتمثلة، في دولة أو في نظام إقليمي؛ هذا إذا تجاوزنا الحديث عن نظام عربي، هو أقرب إلى نظام افتراضي، لافتقاده للوحدة، وللفاعلية، التي تضاهي الفاعلين الإقليميين والدوليين الآخرين.

هكذا، يواجه المشرق العربي على الصعيد الإقليمي، مثلا، ثلاث قوى صاعدة، فثمة إيران بقوتها النفطية والعسكرية (وضمنها احتمال امتلاكها قوة نووية)، تسعى لتعزيز دورها الإقليمي، عبر تصدير "ثورتها" إلى محيطها، بالاستناد لبعد ديني ومذهبي، وبتوظيف واضح للصراع العربي  الإسرائيلي وللعداء للسياسة الأمريكية في المنطقة. في مقابل ذلك تتقدم تركيا بهدوء لتعزيز وضعها الإقليمي، بثقلها التاريخي، وقدراتها الاقتصادية، ونمط نظامها الديمقراطي /الإسلامي المعتدل، والمنفتح على الغرب. ويمكن احتساب إسرائيل، في هذا المجال، على الرغم من أنها تحمل في وجودها وجها دوليا، أيضا؛ بحكم علاقاتها المتميزة بالغرب وبالولايات المتحدة الأميركية تحديدا.

أما على الصعيد الدولي، فثمة الولايات المتحدة التي ترى في وجودها في هذه المنطقة، ضمانة لاستمرار هيمنتها على النظام الدولي، بين ضمانات أخرى عسكرية واقتصادية وتكنولوجية. أما أوروبا فترى في هذه المنطقة (مع شمالي أفريقيا) نوعا من الامتداد التاريخي والحضاري والجيو سياسي الطبيعي لها. وخاصة أنها تتأثر مباشرة جراء التطورات والاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في هذه المنطقة، بحكم الجوار الجغرافي، وبحكم انتقال موجات الهجرة من المشرق العربي (مع شمالي إفريقيا) إليها. وطبعا هناك روسيا، وهي مشروع إمبراطورية تسعى لاستعادة نفوذ سبق أن خسرته، في مرحلة سابقة، لأسباب أيدلوجية (في زمن الشيوعية)، وبسبب خسارتها المنافسة في السباق الدولي مع الولايات المتحدة، وهي لذلك تسعى جاهدة، بالاعتماد على قوتها العسكرية، لمنافسة النفوذ الأمريكي في أكثر من مجال، وبأكثر من طريقة.

واضح من كل ذلك أن معطيات وتشابكات هذه المنطقة جد معقدة ومتداخلة، ولا يمكن فيها الحديث عن سياسة محلية، من دون بعد إقليمي، كما لا يمكن الحديث عن هكذا بعد، أيضا، من دون مداخلات دولية.

المعضلة الأخرى التي تواجه هذه المنطقة هي أن الصراعات والتنافسات السياسية، الداخلية والخارجية، لا تحلّ، على الأغلب، بالوسائل الدبلوماسية، والسلمية فيها، والديمقراطية، وإنما بطرق القوة، والعنف، والوسائل العسكرية. هكذا، مثلا، فإن إسرائيل تبحث عن حلّ امني (عسكري) لصراعها مع الفلسطينيين، وفي عموم المنطقة، يتأسّس على التسليم وليس على السلام، وعلى الغلبة والهيمنة وليس على التكافؤ والمساواة، وعلى الردع والقوة وليس على العدل والتوافق. وبذلك باتت المشكلة بالنسبة لها ليست الاستيطان والعدوان والاحتلال، وإنما تخلي الفلسطينيين عن العنف وإعادة تأهيلهم لإدارة أوضاعهم. وهذا ما يمكن سحبه على الجبهات الأخرى. وفي هذا أيضاً قامت الولايات المتحدة بغزو العراق واحتلاله (2003). أما على صعيد الخلافات والصراعات الداخلية فالقوة هي الأساس، إن في تعامل الأنظمة مع القوى المعارضة (على ضعفها)، أو بالنسبة لحل القضايا الخلافية الداخلية (حالة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان والوضع في السودان والصومال واليمن).

المعضلة الثالثة التي تواجه المشرق العربي تنبثق من واقع أن الصراعات في هذه المنطقة سرعان ما تتخذ طابعاً دينياً، وطائفياً، وإثنياً، ومذهبياً، بسبب من ضعف الاندماج المجتمعي، وضعف تكون الدولة  الأمة، أو دولة المواطنين، في هذه المنطقة الفسيفسائية. وفي هذا السياق، فهذه إسرائيل تؤسس وجودها في المشرق العربي على فرادتها كدولة يهودية. وثمة تنام ملحوظ لتيارات الإسلام السياسي الحركي، المعطوفة على العنف. ونفوذ إيران إلى تصاعد مستمر، بسبب من توظيفها لعدائها مع إسرائيل والسياسات الأمبركية. وثمة حركتان إسلاميتيان باتتا تتصدران الصراع ضد إسرائيل (حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين). وبدورها فإن الصراعات في العراق، بسبب المداخلات الإيرانية والتوظيفات الأميركية، باتت تتخذ طابعا مذهبيا، وإثنيا، وهي تكاد تمتد لتعم المشرق العربي، ما يهدد الدول العربية، على ضعفها. وهاهو السودان يقف اليوم في مواجهة استحقاق الاستفتاء بشأن انفصال الجنوب، على خلفيات اثنية ودينية.

وعلى الصعيد الدولي فإن سياسة الإدارة الأميركية، وهي الفاعل الأكبر في المشرق العربي، ليست في وارد إصلاح الأوضاع في المنطقة، على رغم اللغو الأميركي الكثير في هذا المجال، وفي مجال التسوية، كما تبين مؤخرا.

من ذلك يمكن الاستنتاج بأن منطقة المشرق العربي، وبسبب هشاشة النظام العربي، وضعف المجتمعات العربية، تمر بمرحلة انتقالية، وبتحولات نوعية، صعبة ومعقدة. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، يخشى أن هذه المنطقة لا تسير باتجاه إعادة التشكيل والاندماج، المجتمعي والدولتي، وإنما نحو مزيد من التفكك والتشقق وربما التصدّع، وهذا ما ينبغي الانتباه له، وتاليا العمل من اجل تفويته.

===========================

هل يمكن للغارات الجوية أن تنقذ الأرواح في أفغانستان؟

تشارلز دونلاب

الشرق الاوسط

24-10-2010

توضح التقارير الواردة هذا الشهر حول شنّ غارات جوية، من أجل دفع قادة حركة طالبان نحو الجلوس على مائدة المفاوضات، أنه قد حان وقت مراجعة السياسة المثيرة للجدل، التي تضع قيودا على القوات الجوية، في الحرب الأفغانية.

وقد تصاعد عدد القتلى من المدنيين منذ أن تم الحد من الغارات الجوية في يونيو (حزيران) 2009 بزيادة غير متوقعة، قدرها 31 في المائة، في 2010، مقارنة بالعام الماضي، الذي تخطى فيه عدد القتلى الرقم القياسي. وكذلك من المؤسف أن يسجل عدد الضحايا من القوات الأميركية وقوات المعاونة الأمنية الدولية أعلى معدلاته.

وعلى الرغم من الخسائر البشرية الضخمة، يشير أحد تقارير الأمم المتحدة الصادر في يونيو (حزيران) إلى استمرار تدهور الحالة الأمنية.

كل فرصة ضائعة لضرب مقاتلي حركة طالبان وتنظيم القاعدة تعني تركهم على قيد الحياة، والسماح لهم بقتل المزيد من المدنيين الأفغان الأبرياء والأميركيين الشبان والجنود من قوات التحالف التي تم إرسالها لحمايتهم، واستمرار الإرهابيين في تهديد أمن البلاد.

إن أي حالة وفاة من المدنيين مؤلمة، لكن الأبحاث تشير إلى أن الغارات الجوية نادرا ما تكون سبب الوفاة، فبحسب دراسة نشرها المكتب القومي للبحث الاقتصادي تحت رعاية الولايات المتحدة في يوليو (تموز)، وقع 6 في المائة فقط من قتلى النساء والأطفال الأفغان نتيجة الغارات الجوية التي تشنها قوات المعاونة الأمنية الدولية. وتتساوى هذه النسبة مع نسبة ضئيلة ذكرت في دراسة عن الحرب في العراق، نشرتها مجلة «نيو إنغلاند أوف ميديسن» عام 2009.

وبصيغة أخرى، لم تكن الغارات الجوية السبب في سقوط أغلبية القتلى من المدنيين في كل من العراق وأفغانستان منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ويوضح تقرير المكتب القومي للبحث الاقتصادي أن عدد النساء والأطفال الذين قتلوا في حوادث سير بسبب مركبات تابعة لقوات المعاونة الأمنية الدولية أكبر من عدد الذين قتلوا بسبب القذف الجوي بمرتين ونصف المرة. ولا ينبغي تصديق المزاعم بأن وجود قتلى من المدنيين يخلق تلقائيا المزيد من الأعداء، وتدحض حركة طالبان نفسها هذه النظرية. على الرغم من أن المتمردين مسؤولون عن قتل 67 في المائة من القتلى المدنيين، بحسب ما أفاد به تقرير الأمم المتحدة الصادر في أغسطس (آب)، إلا أن قوة حركة طالبان ما زالت متنامية.

لكن لم يوضح تقرير المكتب القومي للبحث الاقتصادي أن المسلحين يعانون من تأثيرات سلبية ملموسة، نتيجة ما يقترفونه من قتل للمدنيين. وقد ذكر الصحافي، بين أرنولد، في أبريل (نيسان) في «كريستيان ساينس مونيتور» أنه لا توجد دلالات كثيرة تؤكد أن وجود قتلى من المدنيين قضوا على أيدي حركة طالبان «قد عاد بالسلب على الحركة حتى الآن». بالإضافة إلى ذلك، صرح الخبير الأفغاني جيريمي شابيرو أمام حشد بمعهد «بروكينغز» الخريف الماضي، قائلا إنه على الرغم من تسليط الحكومة الأفغانية الضوء على الضحايا المدنيين للحصول على أموال من قوات المعاونة الأمنية الدولية، فإنه يعتقد، استنادا إلى خبرته، بأن الكثير من المسؤولين الأفغان «لا يميلون إلى القلق بهذا الشأن إلى حد ما». ويعتقد كذلك أن قضية الضحايا المدنيين «التي لها أصداء واسعة (في الولايات المتحدة وأوروبا).. لا ينظر إليها الأفغان على ما يبدو باعتبارها قضية رئيسية».

وبغض النظر، تعد قضية الضحايا المدنيين من القضايا الرئيسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ومن الواضح أن القوة الجوية ليست الرد الشافي، لكن يمكن التخلص من أخطر التهديدات التي تواجه مدنيين لا ذنب لهم، من خلال استخدام القوة الجوية ضد خصوم قساة القلوب.

كذلك أوضح استطلاع للرأي أجري في يونيو (حزيران) بين الأفغان في المنطقتين المهمتين، قندهار وهلمند، أنهم يكرهون وجود القوات الأجنبية بينهم، وحيث إن الاستراتيجية البرية التي وضعناها تستهدف ذلك، فلن يحقق استمرار زيادة عدد القوات سوى المزيد من المقت والاستياء، فوجود ما يعتبره الأفغان محتلين أجانب، وليس وجود قتلى من المدنيين، هو أكثر ما يوحد حركة طالبان، ويمثل دافعا لوجودها.

تقلل القوة الجوية الحاجة إلى وضع جنودنا، الذين نقدر أرواحهم، في طريق المتفجرات المنتشرة، التي تتسبب في مقتل وإصابة المزيد من جنود قوات المعاونة الأمنية الدولية أكثر من أي شيء آخر.

وتحقق القوة الجوية نتائج طيبة، حيث نجحت زيادة عدد القوات في العراق عام 2007 في تحقيق الهدف المرجو فقط عندما تمت زيادة الغارات الجوية بمقدار خمس مرات.

وبالطبع هناك حاجة إلى الالتزام الشديد بالقانون وإنقاذ الأبرياء كلما سنحت الفرصة، لكن إن كنا نريد حقا تقليل عدد القتلى من المدنيين ومن القوات التي نلقي بها في طريق المهالك، فينبغي علينا إعادة التفكير في إطلاق أكثر الأسلحة إرهابا للمتمردين، ألا وهو القوة الجوية، في الوقت الذي تعيد فيه إدارة أوباما تقييم سياستها داخل أفغانستان.

* جنرال قوات جوية متقاعد وأستاذ زائر بكلية الحقوق بجامعة ديوك وعضو مجلس المستشارين في مركز «نيو أميركان سيكيوريتي»

* خدمة «واشنطن بوست»

===========================

الإسهام العربي في بناء القوة الإقليمية

بلال الحسن

الشرق الاوسط

24-10-2010

لا أدعي أنني أعرف أسرار الزيارات السورية - السعودية المتبادلة. ولكن بقليل من المراقبة نستطيع أن نسجل سبع إشارات هامة.

الملك عبد الله بن عبد العزيز يزور سورية، ويبحث معها الوضع في لبنان والتعاون في تهدئة أوضاعه.

الرئيس بشار الأسد يزور السعودية، ويبحث هناك الوضع في لبنان، والوضع مع إسرائيل، والمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية الفاشلة، وأجواء زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان.

الملك عبد الله والرئيس الأسد يزوران لبنان معا، وتشكل زيارتهما مظلة لوقف أجواء التوتر المتصاعد. وتغضب هذه الزيارة دبلوماسية الولايات المتحدة الأميركية، وترد عليها بإطلالات لفيلتمان، وبتصريحات من هيلاري كلينتون أقرب إلى التهديد والوعيد.

نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، الذي يمثل ثقلا بارزا في الحياة السياسية اللبنانية، يزور سورية ويلتقي الرئيس بشار الأسد، ويخرج بعد اللقاء داعيا الجميع في لبنان إلى ضرورة البناء على قاعدة الجسر السعودي - السوري.

وفي كل هذه اللقاءات هناك ثلاث جهات حاضرة بقوة: لبنان ووضعه المتوتر، وإسرائيل ومخاطر سياستها تجاه لبنان وتجاه الفلسطينيين، والولايات المتحدة الأميركية الغاضبة من هذه الاتصالات البعيدة عن منهج استشارتها وإملاءاتها.

ولا نستطيع هنا إلا أن نلحظ المغزى العميق، لمبادرة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بزيارة لبنان، ولمبادرته بشكل خاص إلى الاتصال الهاتفي مع الملك عبد الله قبل بدء الزيارة، في ما يشبه الاستئذان الرئاسي - الملكي في زيارة لبنان.

ولا ننسى أخيرا أن نسجل الملاحظة السابعة، عن وجود علاقات سورية - سعودية إيجابية مع تركيا، وعلاقات سورية - تركية إيجابية مع إيران، ووجود سياسة سعودية غير عدائية مع إيران.

وعلى ضوء هذه الإشارات السبع، وكلها إشارات معلنة بعيدة عن اكتناه الأسرار، نلحظ أن المنطقة (المنطقة العربية والإقليمية)، تشهد حراكا دبلوماسيا متعدد الأطراف والاتجاهات، وهو حراك يتعامل مع قضايا المنطقة الساخنة، ويمس أطرافا تلقى المديح أحيانا وتلقى الذم أحيانا أخرى. ولكن الكل يتصل مع الكل، والكل يعرف أنه لا يستطيع أن يتجاهل الكل.

يعبر هذا الحراك عن إدراك الجميع للحاجة إليه، وعن إدراك الجميع بأن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل أحدا في المنطقة، وعن وعي الجميع للياقات لا بد من الإقدام عليها. بل ونستطيع القول إن هذا الحراك قد أثمر حتى الآن تهدئة في المنطقة، خاصة في لبنان، وأبرز قرارات سياسية عربية تنبع من المصلحة العربية لا من إيحاءات الجهات الأجنبية التي يؤمن كثيرون أنها تقف وراء حالات التوتر والخطر المحدقة بالمنطقة.

وما دامت الجهات العربية والإقليمية قد تحركت بعد جمود طويل، ونجح تحركها في جلب أجواء إيجابية يرتاح لها الجميع، وتحركت على مستوى الملوك والرؤساء ولم تلجأ حتى إلى تحرك وزراء الخارجية، وما دامت هذه التحركات قد أثبتت حاجة المنطقة إليها، وقدرة زعماء المنطقة على التعامل المباشر مع مشكلاتها، فإن نتيجة إيجابية أخرى تكمن في الطريق، وربما تقع في مدى النظر، ويعبر عنها السؤال التالي: لماذا لا تتطور هذه اللقاءات إلى ما هو أكثر من اللقاءات؟ لماذا لا تنبثق عن هذه اللقاءات سياسة متقاربة، حتى لا نتحدث عن محور أو حلف؟

ونقول إن هذا النشاط المتعدد يمثل ثلاثة أطراف أساسية في المنطقة، إيران وتركيا والعرب، وهي ثلاث قوى إقليمية، تستطيع لو التقت على نهج ما، نهج لا يتعدى الاحترام والتفاهم في بداياته، وقد يتطور إلى قوة إقليمية تنسق خطواتها في نهاياته، تستطيع أن تصبح قوة إقليمية تضمن هدوء المنطقة كلها، وترفع من مستوى قوة المنطقة كلها، وتجعل من هذه القوة الإقليمية الفاعلة في محيطها، قوة سياسية يسمع صوتها، ويسمع رأيها، على المستوى الدولي أيضا.

ونحن لا نتحدث هنا عن «مجموعة» عربية تذهب مثلا إلى تركيا وتطلب التحالف معها. ولا نتحدث عن «مجموعة» عربية تذهب إلى إيران وتطلب التحالف معها. نحن نتحدث عن اتصالات مشتركة وعن نشاطات مشتركة، تعبر عن مصالح الأطراف الثلاثة، وتصد المخاطر التي تهدد الأطراف الثلاثة، وينبثق عنها في النهاية وجود سياسي إقليمي، وجود سياسي يتم بناؤه بالاتصالات المشتركة، وبالمهمات المشتركة، وبالمواقف المشتركة، حتى إذا تفاعلت الأمور كلها، نشأت القوة الإقليمية الثلاثية من خلال العمل، ومن خلال المبادرات، لا من خلال المناشدات وحدها.

إن إيران لها سياستها الخاصة بها، ولكنها بدأت تدرك أهمية أن تكون لها صلات مع الأطراف العربية، خاصة مع الأطراف العربية الغاضبة من سياستها.

وتركيا أيضا لها سياستها الخاصة بها، ولكنها أدركت بعمق، أهمية أن تكون لها صلات متميزة مع المنطقة العربية، حتى لو أغضبت هذه الصلات حلفاءها القدامى في أوروبا وإسرائيل.

والعرب أيضا لهم سياسات متنوعة تجاه كل من إيران وتركيا، مثل علاقات سورية القديمة مع إيران، ومثل علاقات سورية الحديثة مع تركيا، ومثل إشارات مصر الجديدة نحو إيران (فتاوى الأزهر.. والعودة إلى تشغيل خطوط الطيران)، وأشياء أخرى يمكن الحديث عنها أو يمكن إحياؤها. ويمكن تفعيل هذه السياسات من أجل إيجاد مناخ يسمح أولا بتكوين مناخ عربي موحد، ويسمح ثانيا بتوجيه هذا المناخ الموحد نحو إيران وتركيا، من خلال الممارسة لا من خلال الاجتماعات الرسمية، أو المواقف الإعلامية.

والقصد النهائي هو سعي العرب نحو موقف متقارب، يجعل منهم في النتيجة جزءا أساسيا من القوة الإقليمية في المنطقة، فيقدمون لهذه القوة الإقليمية وزنا تحتاجه، ويأخذون من هذه القوة الإقليمية دعما يحتاجونه. أما الاتصالات العربية التي تمت حتى الآن، خاصة بين السعودية وسورية، فيمكن لها أن تكون البوابة التي تنفتح لتطل على طريق معبد وطويل ولا يكاد ينتهي عند الأفق.

سابقا.. أيام عهد القطبين العالميين، كانت الدول الصغيرة تستفيد من صراعهما، وتنفذ من خلال ذلك الصراع إلى الحصول على مصالحها. أما في مرحلة القطب الأميركي الواحد، فإن نشوء القوى الإقليمية يشكل البديل من أجل أن تتمكن الدول الصغيرة من أن تبقى واقفة على قدميها في مواجهة الضغوط الأحادية التي من الصعب مقاومتها.

إن الأدوار الإقليمية هي الخيار الذي تقدمه المرحلة، وهو الخيار الذي اقتربت منه إيران على طريقتها، ثم اقتربت منه تركيا على طريقتها، وقد آن الأوان لأن يقترب منه العرب على طريقتهم، كمجموعة، وليس كأطراف مفردة كما يحدث الآن.

لقد بادرت سورية إلى الاستفادة من هذا الدور مبكرا، وهي تنسج علاقات عملية مفيدة مع السعودية الآن، ولكن توسيع الدائرة العربية في الإطار نفسه يمثل الطموح الأكبر، الطموح الحقيقي.

===========================

العالم العربي وإشكاليته مع نفسه: النظام السياسي أم الدولة؟

الأحد, 24 أكتوبر 2010

خالد الدخيل *

الحياة

إذا كانت إيران بطبيعة الدولة فيها، وبطبيعة الدور الإقليمي الذي تأخذ به، تمثل إشكالية كبيرة بالنسبة الى العرب (مقالة الأسبوع الماضي)، فإن سؤالاً ينبع مباشرة من داخل السياق نفسه، ولا يمكن تفاديه: ما هو دور العرب، وحجم مسؤوليتهم عن بروز وتنامي هذه الإشكالية الإيرانية؟ هل جاءت هذه الإشكالية من تلقاء نفسها؟ ربما قيل، وهذا صحيح، بأن التأثير الطائفي للدور الإيراني نابع من أن الدولة الإيرانية نفسها هي، بحكم دستورها ومرجعيتها الفكرية، دولة لطائفة بعينها، وأن هذه الدولة هي التي اختارت لسياستها في العالم العربي آلية طائفية. الصحيح في هذا أنه يكشف المساهمة الإيرانية في الإشكالية. لكنه يتجاهل، وربما يتغافل عن سؤال آخر: لماذا لم تمثل لا طبيعة الدولة الإيرانية، ولا دورها الإقليمي، إشكالية مشابهة بالنسبة الى تركيا؟ وإذا كان أحد جوانب الإشكالية الإيرانية بالنسبة الى العرب أن دورها الإقليمي يتنامى في شكل أساسي على حسابهم، وليس على حساب تركيا، ألا تعود مسؤولية هذا إلى العرب، وليس إلى إيران؟ من حق إيران أن تعمل على توسيع نطاق دورها، ومد نفوذها خدمة لما ترى أنه مصلحتها. لكن المفترض أن إيران لا تقوم بذلك في إطار فراغ إقليمي. ومع ذلك يبدو أحيانا وكأن إيران تتحرك في مثل هذا الفراغ فعلاً. كانت تركيا، وليس العالم العربي، أكبر خصوم إيران التاريخيين في العصر الحديث. ولأن تركيا اختارت مساراً علمانياً في بناء دولتها بعد الحرب العالمية الأولى، كان المتوقع أن تكون إشكالية إيران مع تركيا قبل غيرها. لكن هذا لم يحصل، حتى الآن على الأقل. لماذا بقيت الإشكالية الإيرانية تعني العرب، وعلى حسابهم قبل غيرهم؟

كما لاحظنا تنطوي الإشكالية الإيرانية على جانبين: طائفي مرتبط بطبيعة الدولة ومستندها الأيديولوجي، والجانب الآخر سياسي، أو الفعالية السياسية، مرتبط بدور إيران الإقليمي، وسعيها الدؤوب لتوسيع مجال نفوذها داخل العالم العربي. اللافت أن الجانبين ذاتهما موجودان لدى الدول العربية، وإن بدرجات متفاوتة، لكن مع اختلاف واضح، وهو أن وجودهما على الجانب العربي يأخذ طابع السلبية الجامدة، مقابل طابع الإيجابية النشطة على الجانب الإيراني. فالطائفية موجودة ومتجذرة في العالم العربي، وتتوزع في تمثيلها على تنظيمات وأحزاب وتيارات مختلفة وأحياناً متصارعة. لكن الأهم من ذلك، وربما نتيجة له، أن هذه المؤسسات لا تسيطر على الدولة، كما هو حاصل في إيران. هل كان المفترض أن تمثل هذه الخاصية جانباً إيجابياً للمجتمعات العربية؟ الحالة اللبنانية، ثم العراقية تحت الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني، تقول بعكس ذلك تماماً. الأمر الآخر، أن إيران تحكمها دولة دينية تمثل الطائفية عنصراً أساسياً في تماسكها، ومرتكزاً لدورها الإقليمي. «الدول العربية» من جانبها ليست دولاً دينية. وبسبب أن التيار الغالب في مجتمعاتها هو التيار السني بمختلف مدارسه، فإن «الدولة العربية» ليست في حقيقتها دولة سنية، والطائفية ليست أبرز وأهم خصائصها. ما يميز «الدولة العربية»، ويعكس إشكاليتها وسلبيتها أمام إيران، أنها على أرض الواقع ليست كذلك: لم تتبلور الدولة العربية بعد، لتأخذ البنية المؤسسية، والمضمون القانوني والسياسي للدولة الحديثة.

قصة أن بناء الدولة تعثر في العالم العربي طويلة. لكن إذا كانت فكرة الدولة بمؤسستها، وبمنطقها الاجتماعي والسياسي، ليست موجودة حقاً، فماذا يمكن أن نسمي الذي أمامنا ويحكم في العالم العربي؟ هنا نجد أن شيئاً، أو مفهوماً آخر حل محل الدولة، وهو ما يعرف ب «النظام السياسي». يشير النظام السياسي إلى سيطرة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى للدولة، واستئثارها بهذه السلطات، وبالتالي اختزال الدولة في سلطتها التنفيذية من دون غيرها. وهذا يعني أن السلطتين التشريعية والقضائية أصبحتا تابعتين للسلطة التنفيذية، وليستا مستقلتين عنها. ومع خضوع السلطة التنفيذية لسيطرة فئة عسكرية أو مدنية من دون غيرها، ومن ثم استئثارها عملياً بكل سلطات الدولة تقريباً، تشكل النظام السياسي على النحو الذي نعرفه. نتيجة لذلك فإن النظام السياسي الذي يحكم في العالم العربي هو في الحقيقة أكبر من الحكومة، على اعتبار أن حدود صلاحيات الحكومة لا تتجاوز في الأصل حدود السلطة التنفيذية. لكن النظام السياسي أعطى لنفسه أكثر من ذلك بكثير، بما في ذلك استخدام أحد أهم خصائص الدولة، وهو احتكارها لشرعية استخدام العنف. في الوقت نفسه فإن هذا النظام السياسي هو في الواقع أصغر من الدولة، وذلك انطلاقاً من أن الدولة مفهوم أكثر شمولية، وأكثر انفتاحاً من أن يكون منغلقاً على فئة من دون غيرها، وهو الذي ينتظم السلطات الثلاث المعروفة: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ويتطلب الفصل بين هذه السلطات، مع التأكيد على استقلالية كل واحدة منها في إطار الدولة نفسها.

وقد ارتبطت بالنظام السياسي العربي، كما هو معروف، كل الموبقات العربية: الشعارات، والانقلابات، وعسكرة النظام، ومنهج الدعاية والادعاء، ...الخ. وترافق مع ذلك تراجع هيبة القانون، وانتشار الفساد، وتفشي العصبيات الطائفية والعشائرية، وانهيار أخلاقيات العمل، وهيمنة الأيديولوجيا، بما في ذلك الفكر الديني في العقود الأخيرة، وما استتبع كل ذلك من تفشي مظاهر تعثر التنمية في التعليم، والمعرفة، والحريات، والإنتاج والاقتصاد. ما يهمنا هنا، وبما له صلة بموضوعنا، أن سيطرة النظام السياسي في العالم العربي بكل ما يتميز به، وما يترتب عليه داخلياً، لها مستتبعاتها على الصعيد الخارجي. حيث اتضح مع الوقت تراكم ضعف الأداء السياسي لما يعرف ب «الدولة العربية». لم يكن هذا الضعف، وما كان يحصل له من تراكم، واضحاً للعيان في مرحلة الصراعات الكبرى: ذروة الصراع العربي الإسرائيلي، وذروة النزاعات على السلطة داخل كل «دولة عربية»، وذروة الحرب الباردة واستقطابها للدول العربية. بعد هزيمة حزيران بدأت الغيوم تنقشع، لكن ترافق مع ذلك أن النظام السياسي داخل البلدان العربية اشتد عوده وتصلب، وأنهى ظاهرة الصراع على السلطة. في موازاة ذلك أخذت ظاهرة ضعف الأداء السياسي العربي تكشف عن نفسها بما يشبه حالة تفسخ. بعد هزيمة حزيران جاء الارتباك العربي الذي صاحب حرب أكتوبر 1973، ثم حصار الجيش الإسرائيلي لأول عاصمة عربية، بيروت. ثم جاء الغزو العراقي للكويت الذي كشف هشاشة الأساس الاجتماعي للنظام السياسي العربي. وأخيراً سقط العراق مرة أخرى تحت الاحتلال. كانت ذروة ضعف الأداء السياسي العربي أن إيران هي التي استفادت من الغزو الأميركي للعراق، ومن خلاله مدت نفوذها هناك، وأمسى صوتها هو المرجح لمن يكون رئيس الحكومة العراقية، مقابل كل الدول العربية، بما فيها سورية حليفة إيران. تحول العراق من بوابة شرقية، إلى ثغرة شرقية، وحديقة للعمق الاستراتيجي الذي كانت طهران تبحث عنه. قبل ذلك كانت إيران قد أوجدت قاعدة صلبة لها في لبنان.

وهذا طبيعي. فضعف الأداء السياسي ل «الدولة» أو النظام يخلق مع الوقت فراغاً سياسياً في الإقليم الذي تنتمي إليه. وعندما يجتمع ضعف الدولة مع تفشي العصبيات القبلية والطائفية داخلها، وفي الإقليم الذي تنتمي إليه، فإن هذا يؤدي غالباً إلى تكون ثغرة تسمح بتسلل قوى خارجية تريد الاستفادة السياسية من ظاهرة الضعف هذه، ومحاولة ملء الفراغ الناجم عنها. صارت مظاهر ضعف الأداء السياسي العربية واضحة للمراقب المتابع، وغير المتابع. قبل الحالة العراقية ودلالتها، كان المأزق الذي أوقع النظم السياسي العربي نفسه فيه أنه جعل من القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي، المعيار الأول لمدى نجاحه وشرعيته. ربما أن هذا كان طبيعياً ومتوقعاً حينها. ما لم يكن متوقعاً، أن مسيرة «الدولة العربية» المعاصرة، بما في ذلك منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية بمجملها، تتناقض تماماً مع ذلك الاعتبار. ومصدر هذا التناقض بنيوي وليس أيديولوجيا. لأنه تبين أخيراً أن حجم وطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، بامتداداته وما يرتبط به من مصالح إقليمية ودولية، هو أكبر بكثير من طبيعة ومؤهلات النظام السياسي العربي. وإلا كيف يمكن تفسير أن الأمر انتهى بهذا النظام أنه لا يملك حالياً صنع السلام، ولا صنع الحرب؟ هل هناك في هذا الإطار مجال للتمييز بين ما يعرف ب «دول الاعتدال» و «دول الممانعة» العربية؟

مهما يكن، لم تتجاوز الاستجابة العربية للتحدي الذي تمثله الإشكالية الإيرانية حدود الشكوى كثيراً. هناك هجاء كثير لإيران، ولما يعتبره البعض دوراً تخريبياً لها في المنطقة. لكن هذا هجاء لا يختلف كثيراً عن الهجاء الذي لم يتوقف لظاهرة الإرهاب التي لا تزال تضرب المنطقة بكل شرورها وموبقاتها. وإذا كان انزعاج العرب من الآثار السلبية لطبيعة الدور الإيراني، فهل كان من واجبات إيران عندما قررت أن تحاول ملء الفراغ الناجم عن ضعف الأداء السياسي العربي، أن تستشير العرب حول كيف، وبماذا سوف تملأ هذا الفراغ؟

===========================

حول فكرة منظمة الأمن والتعاون الشرق أوسطي

الأحد, 24 أكتوبر 2010

خالد الحروب *

الحياة

يقدم الصديق برهان غليون فكرة برسم النقاش أمام النخب العربية والتركية والإيرانية تدور حول التأمل في إقامة منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط تضم الدول العربية وتركيا وإيران. منطلق الفكرة الأساسي هو إحالة شؤون ومصالح المنطقة الأهم وتوجيه مساراتها المستقبلية إلى شعوب وقيادات المنطقة انفسهم، وعدم ترك ذلك كله في مهب ريح ارادات القوى الكبرى والتدخلات الخارجية. وبشكل اكثر تحديداً يتجسد الهم الأكبر وراء المقترح في محاولة إنقاذ حاضر ومستقبل العرب وإرادتهم السياسية ومصالحهم المطحونة في ميادين التنافس الإقليمي (الإيراني، التركي، الإسرائيلي، والدولي) والتحكم الأميركي والغربي بمآلاتهم. واستباقاً لمن يريد نقض ودحض الفكرة على أساس مثاليتها وعدم واقعيتها فإن غليون لا يزعم ولا يطالب بتطبيقها الفوري ولا على المدى القصير. بل يراها مشروعاً طويل المدى يحتاج إلى نقاش معمق وبلورة وتحضير قد يأخذ عشر سنوات او اكثر. وتختلف الفكرة جذرياً عن فكرة «الجوار العربي» التي يطرحها الأمين العام للجامعة العربية، حيث تعتبر الثانية امتداداً وتوسيعاً للجامعة العربية وتفترض، وهماً، وجود كتلة صلبة ونواة للتوسع المعني. منظمة الامن والتعاون الإقليمي المقترحة تستند إلى رؤية مختلفة أساسها التوافق الجماعي وعلى أساس المساواة بين الأعضاء المقترحين أو المحتملين فيها.

تستدعي الفكرة وتستحق نقاشاً موسعاً ليس فقط على شكل معالجات صحافية بل ربما منتديات ومؤتمرات ثلاثية العضوية: عربية، تركية، إيرانية. لكن وقبل إيراد بعض الملاحظات الهادفة إلى إثارة النقاش من المهم عرض خطوطها العريضة كما قدمها برهان غليون نفسه في منتدى صحيفة «الإتحاد» في أبو ظبي في الأسبوع الماضي.

في التسويغ التاريخي والجيوبوليتيكي للفكرة يرى غليون أن أحد أهم أسباب استمرار الحروب والصراعات في الشرق الأوسط هو تتابع حقب التنافس الدولي والإقليمي على السيطرة والنفوذ، تليها حقب الفراغ عقب تفكك السيطرات الخارجية على المنطقة (العثمانية، الأنغلو-فرنسية، الأميركية، وبتنويعاتها المختلفة)، إضافة إلى تأسيس إسرائيل وما تناسل عنها من صراع مستديم مع العرب. المنطقة إذاً وعلى مدار عقود طويلة تميزت ب «فراغ القوة والنظام الإقليمي الذاتي» المغري للأطراف الخارجية على الدوام. وهذه النقطة بالضبط هي بداية الحل، أي معالجة هذا الفراغ المستديم عبر إقامة نظام إقليمي قوي ومتكامل يعمل على ملء فضاء الإقليم وتنسيق مصالحه. وباقتباس نص برهان غليون فإن المطلوب «إقامة نظام شرق اوسطي من داخل المنطقة، وبالإعتماد على شعوبها ودولها، وبالتفاهم في ما بينها، يرعى شؤونها وينظم علاقاتها، ويساهم في حل النزاعات التي يمكن ان تنشأ في ما بينها، ويعمل على تنمية مواردها وتطوير بنياتها والدفاع عن مصالحها على الساحة الدولية». وإذا استمر غياب مثل هذا التكتل الإقليمي فسوف تستمر «معارك السيطرة والنفوذ التقليدية، وإضافة معارك الدول الإقليمية الصاعدة والمتنافسة إلى معارك الكتل الدولية الغربية والآسيوية، وبالتالي تحويل المنطقة بالفعل إلى مسرح لنزاعات لا تنتهي، وربما تحويلها إلى حقل من الخراب والفوضى لا يمكن لأحد التحكم بشؤونه ولا السيطرة عليه، كما هي الحال في العديد من بلدان المنطقة اليوم». هناك أيضاً استطرادات واشتراطات وتوضيحات للسياقات المختلفة يسردها غليون ولا يتسع المجال لتلخيصها كلها هنا. لكن جوهر الفكرة هو ما تم توصيفه تقريباً ويستثير الكثير من النقاش والملاحظات.

لا ينطلق غليون من رؤية طوباوية، على رغم الشكل المثالي وما قد يتبدى من عدم واقعية الفكرة للوهلة الأولى. وهو يدرك صعوبة جمع أطراف تتناقض مصالحها الحالية ضمن تكتل إقليمي واحد، وتستشرس سياسات وطموحات بعضها ضد البعض الآخر. لكنه يطرح فكرة منظمة الأمن والتعاون الشرق أوسطي كمشروع مستقبلي لا يتصف بالآنية ولا التطبيق الفوري، وليس مرتبطاً بشكل الأنظمة السياسية الراهنة سواء في إيران أو تركيا أو الدول العربية. وفي الوقت نفسه علينا أن نتذكر أن اشكال النظم الإقليمية في التجارب العالمية المختلفة تطورت أساساً لتجمع دولاً واطرافاً متناقضة ومتعادية اصلاً وتاريخاً. والتجربة الأوروبية وهي الأكثر إستئناساً واهمية تطورت بين دول متحاربة خارجة من أتون حرب عالمية طاحنة.

وقراءة تجربة إقامة الإتحاد الأوروبي وتقويته على مدار أكثر من ستين عاماً توفر لنا دروساً قيمة عديدة. أولها وجود إدراك وتصور مشترك ومتقارب حول التهديدات التي واجهت الدول الأوروبية التي شرعت في الإلتقاء على فكرة العمل الموحد. وتمثلت تلك التهديدات بالإتحاد السوفياتي الستاليني الخارج ايضاً من الحرب وذي الطموحات التوسعية. في الحالة الشرق اوسطية هناك تباينات حادة في إدراك التهديدات المحتملة للأمن القومي الوطني للدول الرئيسية التي من المفترض أن تشكل العمود الفقري للمنظمة المقترحة. فبالنسبة الى بعضها، وإيران على وجه التحديد وسورية في شكل أو آخر، تمثل الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة مصدر التهديد الأساسي للنظام والمصلحة القومية بحسب رؤية الأنظمة القائمة على أقل تقدير. بينما تمثل الولايات المتحدة بالنسبة الى دول الخليج منفردة أو مجتمعة، إضافة إلى مصر وبقية دول «الإعتدال العربي»، الحليف الأساسي ضد التهديدات الخارجية، فيما تمثل إيران نفسها مصدراً للتهديد تجاه دول الخليج. لكن هذا التوزيع المتناقض في إدراكات مصادر التهديد متعلق بالوضع القائم وليس شرطاً أن يستمر، ولا يجب أن تُرفض فكرة المنظمة او نقاشها استناداً إلى ما هو راهن فقط، وإغلاق الباب أمام إحتمالات التغير المستقبلي.

ثاني تلك الدروس تجسد في رغبة الأطراف الأوروبية، والولايات المتحدة، في لجم النزعات التوسعية الألمانية، وهي ما التقت مع رغبة النخب الألمانية السياسية والفكرية بعد الحرب أيضاً. أي أن ألمانيا نفسها خرجت من الحرب ناقمة على الجنون النازي الذي قاده هتلر وجر بسببه الخراب والدمار الهائل على ألمانيا والقارة برمتها. في الحالة الشرق اوسطية هناك رغبة عربية للجم النزعات التوسعية الإيرانية، السياسية والطائفية والإحتلالية أيضاً (الجزر الإماراتية)، تلتقي مع رغبة بعض النخب الإيرانية الواسعة والمعارضة لسياسة النظام النجادي القائم في إيران. وهذا يعني مرة اخرى ضرورة توسيع الأفق والنظر إلى فكرة المنظمة المقترحة في مدى زمني يتجاوز الوضع الراهن في إيران. في ذات الوقت تعمل المنظمة على لجم وتقنين التوسع التركي الإقتصادي الذي يرى كثيرون أنه يتصاعد في شكل غير متوازن مع بعض البلدان العربية بحيث تقوم العلاقات الإقتصادية التركية العربية على أسس غير متساوية، جوهرها فتح الأسواق العربية للمنتجات التركية. والمشروع التركي المتوجه شرقاً محركه الأساسي تقوية تركيا إقتصادياً وتعزيز حضورها وموقعها كقوة دولية. والحديث عن عثمانية جديدة، ومحرك إسلامي وسوى ذلك هو اقرب إلى المبالغات منه إلى حقيقة وجوهر المشروع التركي.

الدرس الثالث المُستقى من التجربة الأوروبية هو توافر بيئة دولية مواتية أو على الأقل حليف دولي قوي، وقد تمثل في الولايات المتحدة التي كانت في شكل أو آخر راعية لمشروع التوحد الأوروبي عبر خطة مارشال لإعادة إعمار القارة. في الحالة الشرق أوسطية هناك مجموعة من الأسئلة المهمة والكبيرة حول البيئة الدولية تحتاج إلى نقاش معمق. كيف سيكون إدراك النظام الإقليمي المقترح للولايات المتحدة ودورها في المنطقة، وهل سينشأ ضد إرادتها ورغبتها، أم بالتفاهم معها أو على الأقل تحييدها؟ وكيف سيكون موقف الأطراف الأخرى أيضاً: روسيا، الصين، الإتحاد الأوروبي، الهند، اليابان؟ وأيها يمكن أن يُستهدف كحليف أساسي للمشروع؟ أم هل بالإمكان الشروع فيه من دون الحاجة إلى حلفاء كبار؟ في هذا السياق يأتي سؤال كبير أيضاً حول موقع إسرائيل من المنظمة المقترحة، وهو موقع سوف يؤثر في موقف الأطراف الدولية منها. ومن المفترض ان تكون هناك إجابتان على هذا السؤال، واحدة في حالة إستمرار الوضع الحالي وعدم التوصل إلى تسوية سلمية، والثانية في حالة الوصول إلى تلك التسوية.

ليست هذه الملاحظات حصرية ولا تهدف إلا إلى فتح النقاش. ومن المؤكد أن فكرة هذه المنظمة تستحق ورش عمل ومؤتمرات وربما منتدى دائماً يعمل على تقليب جوانبها ويأخذ مداه من دون حرق مراحل وبعيداً من الأنظمة السياسية واشتراطاتها، لكنه يقوم على أضلاع ثلاثة: عربي وتركي وإيراني.

* محاضر وأكاديمي فلسطيني - جامعة كامبردج، بريطانيا

===========================

الديمقراطية بين الفكر والممارسة

آخر تحديث:الأحد ,24/10/2010

عائشة عبدالله تريم

الخليج

منذ وضع الفيلسوف الإغريقي أفلاطون مفهوم الديمقراطية أخفق العالم حتى هذه اللحظة في الاتفاق على تعريف مقبول لها .

 

مع كلمة ديمقراطية يمكنك تخيل صورة شخص يرفل مرتاحاً بين ذراعي “المساواة والحرية” . إن الجمال هو أساس الصورة التي ترسمها الديمقراطية، لكن هل هذه هي الحقيقة فعلاً على أرض الواقع؟

 

مثالياً تنبع الديمقراطية من حاجة الشعب إلى الحرية، ومن سعيه اللانهائي إلى المساواة، ويجب أن تكون “فكرة” ورغبة داخلية تنبع من داخل البلاد وليست فكرة أجنبية، لأنها في هذه الحالة ستكون سبباً في الفساد، وستقل قناعة الناس بها . وإذا كانت الديمقراطية اعتبرت عبر التاريخ بمثابة “حصان طروادة” للغرب الذي قدمها للعالم على أنها فكرة لامعة وبراقة، فإنها تخفي في معظم الأحيان أدوات لتفكيك البلد .

 

ذات يوم عندما قررت الحكومة الأمريكية على هواها أن الحاكم السابق للعراق صدام حسين “طاغية”، بعد أن كان هو قد أطلق هذا الوصف سابقاً على أمريكا التي اعتبرها “قوة غاشمة” وطاغية، قامت الحكومة الأمريكية بإطاحته وسجنه ومحاكمته ثم إعدامه، وكان هدفها المعلن هو جعل العراق بلداً ديمقراطياً، وبعد مرور سبع سنوات فشلت أمريكا حتى الآن في “دمقرطة” العراق .

 

إن كل ما قدمته أمريكا للعراق هو دوّامة من الفوضى، وتهديدات مستمرة بحروب طائفية، إضافة إلى المخاطر القائمة بتقسيم البلاد .

 

شهدنا لاحقاً محاولات أخرى لتحويل الأفغان إلى “شعب ديمقراطي”، فنظرياً تجلب الديمقراطية النور إلى الشعوب الغارقة في ظلام القهر، لكن عملياً لا تزال أفغانستان بعيدة كل البعد عن هذه الفكرة المتفائلة، على الرغم من اقتناع الساسة الأمريكيين بأن خططهم حيال هذا البلد مازالت قابلة للتنفيذ .

 

ومع بدء الانتخابات التشريعية الأخيرة، ظهرت علامات الفساد وتزوير أصوات الناخبين، يضاف إلى كل ذلك خطر حركة طالبان الذي لايزال حاضراً وبقوة في مداهمة مقار اللجان الانتخابية وملاحقة الناخبين، وتشويه وجوههم وتقطيع أصابعهم عقاباً لهم على التجرؤ على المشاركة في الانتخابات التي ترفضها .

 

يجب أن تكون هناك شروط ومتطلبات أساسية قبل الشروع في نشر الديمقراطية بين الشعوب، عناصر مثل التعليم، معرفة القراءة والكتابة، الفهم الشامل لإيديولوجيات المفهوم ذاته، إضافة إلى وجود نوع من الاستقرار السياسي في الدولة قبل شروعها في تطبيق الديمقراطية وتحولها إلى كيان ديمقراطي، والأهم من كل هذا هو “الحق في الاختيار”، أي هل يرغب مجتمع ما في أن يحكم بهذا الشكل الديمقراطي، لأن طريقة الحكم الذاتية أكبر بكثير من مجرد “فكرة” أو “تعبير” بسيط .

 

ومازلنا نشهد مزيداً من إخفاق التجارب الديمقراطية حول العالم . في الانتخابات الرئاسية في إيران عام ،2009 مثلاً، شاهدنا كيف “سُحقت” الديمقراطية في شوارع طهران أثناء المظاهرات التي اتهمت الرئيس محمود أحمدي نجاد بتزوير الانتخابات . وفي نفس الوقت، حيث نسمع أن الديمقراطية قد ضربت أوتادها في بعض البلدان العربية، نرى أن القادة يربحون الانتخابات بأرقام مذهلة تستقر نسبها عند 99%، ولا تصيبها الحركة مهما تغيرت آراء الناس بشأن طرق الحكم فيها .

 

فالعالم يعتبر هذه البلدان ديمقراطية، لكن هل يا ترى هي كذلك حينما تسكت الإعلام وتتحكم به؟ وهل هي كذلك، حينما تفرض إجراءاتها على شركات الاتصال سعياً منها لمنع إرادة الناخبين حينما يلوح في الأفق منافس حقيقي؟ فهذه البلدان تمارس عملية تحويل جيني، سمها إن شئت “الديمقراطكتاتوري “، حيث نواصل مشاهدة الممارسات غير الديمقراطية الصارخة من هذه البلدان الديمقراطية .

 

والأقرب إلينا في الخليج تأتي الديمقراطية الكويتية ممثلة في التجربة البرلمانية لمجلس الأمة، منذ الاستقلال بداية الستينات، وعلى الرغم من مواجهته الدائمة لصراعات ومواجهات مع الحكومة، إلا أنه تجربة ناجحة تعمل من أجل المواطن الكويتي لأنه تشكل بالفعل بناء على رغبة الناخب الكويتي .

 

يدرك الكويتيون مدى أهمية البرلمان وحاجتهم إليه، لذا قرروا العمل على إنجاح التجربة قدر استطاعتهم .

 

إن الكويت رسمياً ملكية دستورية، وهو ما يعني ببساطة مشاركة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في إدارة الحكم .

 

لقد أصبح مصطلح الديمقراطية مثل “الجزرة” مضرب الأمثال التي تداعب وجوهنا حتى نستمر بملاحقتها إلى الأبد كي نصل إليها ولا نستطيع، لذا فإن الحل هو التوقف عن التطلع نحوها والبحث عن التغيير حولنا، وإيجاد أجوبة عن أسئلة كثيرة موجودة في مكان ما بالقرب منا .

 

وعلى العكس من المعتقدات الغربية، فإن الديمقراطية ليست “انفراداً” غربياً، بل سبقها الإسلام من خلال تأكيد القرآن الكريم “وشاورهم في الأمر” وكذلك “وأمرهم شورى بينهم” . لذا ليس مهماً أن تكون الديمقراطية في لبوس غربي، بل يمكن أن تنمو وتوجد بأي شكل وفي أي مكان يبحث عن المساواة .

تهدف الديمقراطية إلى معاملة الناس على قدر المساواة بتوفير حقوق وواجبات متساوية للجميع تضمن الاستقرار والسعادة . فإذا كان هذا هو الهدف منها، فبحكم التعريف فإن أي بلد، مثلا، يعيش أفراده في قناعة وسعادة هل سيكون بحاجة ماسة إلى الديمقراطية؟

فالديمقراطية ينبغي أن تفهم دائماً من خلال منظور فلسفي أكثر منه سياسي، لأنها وقبل كل شيء ولدت على يد فيلسوف وقتلت بيد سياسي .

===========================

الدول الفاشلة ومنظومة الأمن الأمريكي

آخر تحديث:الأحد ,24/10/2010

محمد خليفة

الخليج

حذر آلان دنكان وزير التنمية الدولية البريطاني أثناء مشاركته في الاجتماع الوزاري لمجموعة “أصدقاء اليمن” في نيويورك في 26 سبتمبر/ أيلول 2010 من المخاطر المترتبة على انهيار اليمن، مشيراً إلى أن المغزى من مساعدة اليمن هو حماية الاستقرار على أراضيه، حيث إن في حالة تحول اليمن إلى بلد فاشل سيترتب عليه مخاطر كبرى للبلاد والمنطقة والعالم . وكان روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي قد بيّن في مقال له بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الخطر الذي تشكله الدول المسماة بالفاشلة أو الآيلة للسقوط، “إذ إنه خلال العقود المقبلة من المرجح أن تنجم أكثر التهديدات خطورة على أمن الولايات المتحدة وسلامتها من الأوضاع المتردية في تلك الدول التي لا تمتلك القدرة الكافية للقيام بمهام الحكم وتعجز عن حماية أمن مواطنيها، ما يجعل التعامل معها التحدي الأكبر للأمن العالمي” .

 

ويعتقد غيتس أنه من غير المحتمل أن تكرر الولايات المتحدة مهاماً بحجم تلك التي نفذتها في أفغانستان والعراق في أي وقت قريباً، والتي تمثلت في تغيير النظام الحاكم وإعادة بناء الدولة في ظل حرب تدور رحاها . في حين لا يزال من المرجح أن تواجه سيناريوهات تتطلب قدرات مشابهة غير أنها ستكون ذات نطاق أصغر من ذلك، وفي هذه المواقف ستكون فاعليتها ومصداقيتها كتلك لشركائها المحليين، وهذه الحقيقة الاستراتيجية ستتطلب من الحكومة الأمريكية أن تحسن من قدراتها على مساعدة شركائها في الدفاع عن أنفسهم من خلال توفير المعدات والتدريب وأشكال أخرى من المساعدة الأمنية لهم، أو القتال إلى جانب القوات الأمريكية، وهذا ما قامت به الولايات المتحدة بوسائل مختلفة قبل دخولها الحرب العالمية الثانية واستمرت على مدى العقود الماضية حتى يومنا هذا .

 

ويوضح غيتس أنه منذ ذلك العصر تغيرت بيئة الأمن العالمي بشكل جذري، وتبدو الآن أكثر تعقيداً وخطورة لدرجة لا يمكن التنبؤ بها حتى في ظل انعدام التنافس القطبي، فقد كانت القوات الأمريكية مهيئة لمهمة هزيمة الأعداء وليس لمهام إرشاد وتدريب قوات الدول الأخرى وتزويدها بالمعدات، كما أن الأدوات المدنية للسلطات الأمريكية كانت مصممة في الأساس لإدارة العلاقات بين الدول وليس لمساعدة الدول على أداء مهامها من الداخل . وفي ذلك اختبار لريادة الولايات المتحدة للعالم لكونه جزءاً لا يتجزأ من الحفاظ على الأمن الأمريكي، ولهذا ينبغي أن يكون أسلوب تنفيذها لهذه المهمة الحيوية أولوية مهمة من بين أولوياتها الوطنية .

 

وقد دأبت عدة جهات بحثية من بينها “صندوق دعم السلام” و”مؤسسة السلام العالمي” وغيرها على متابعة أوضاع الدول الآيلة للسقوط وكيفية التعامل معها لما تشكله من خطر على الأمن العالمي وعلى شعوبها من حيث تدني الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبنى التحتية . إذ يُصدر صندوق دعم السلام مؤشراً في هذا الشأن يُقسّم دول العالم إلى عدة مساحات من الألوان، أبرزها المساحة الحمراء التي تضم 38 دولة في حالة من الخطر يجعلها عرضة لمخاطر حقيقية تهدد بانهيارها . ويعتمد التقرير على 12 مؤشراً لقياس النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تُحدد وضع الدول والمشكلات التي تواجهها، ففي الدول المتعثرة يعد العامل البشري مصدر الفشل ويتمثل في فرد أو مجموعة من الأفراد يلجأون إلى الحكم المسلح الذي يقضي على النظام القائم ويمحو أي سلطة عامة ويؤدي إلى تقويض كيان الدولة وانهيارها، وبالتالي تفشل في توفير الخدمات الضرورية لمواطنيها والمحافظة على بنيتها التحتية ويتفشى فيها الفساد والإجرام والعنف الدامي .

 

وكانت في مقدمة قائمة الدول الآيلة للسقوط في تقرير صندوق دعم السلام السنوي لعام 2009 كل من الصومال، زيمبابوي، تشاد، جمهورية الكونغو الديمقراطية، العراق، أفغانستان، جمهورية إفريقيا الوسطى، غينيا، وباكستان . وجاءت الصومال في المرتبة الأولى لعدم امتلاكها حكومة وطنية مستقلة، حيث تسود أراضيها فوضى عارمة في ظل سيطرة زعماء الحرب والجماعات المسلحة، والقراصنة الذين استولوا على أكثر من 40 سفينة في العام المنصرم إضافة إلى اندلاع الحروب الأهلية وتفشي العنف القبلي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان .

 

وفي تقرير بعنوان “سقوط الدول: المسببات والتداعيات” ذكر البروفيسور روبرت روتبيرغ رئيس مؤسسة السلام العالمي وأستاذ الدراسات الحكومية في جامعة هارفارد، أن فشل الدول ليس بالشيء الجديد، لكن تداعيات فشل دولة إفريقية أو آسيوية أو أمريكية لاتينية في العصر الحاضر يهدد بتقويض استقرار النظام العالمي . فقد قُتل أكثر من 10 ملايين فرد في حروب أهلية وقعت في دول آيلة للسقوط منذ عام ،1990 ما حرم ملايين البشر من حقوقهم الأساسية وسبل الحياة الكريمة . وبما أن التهديدات الأمنية في المستقبل ستكون عبارة عن حروب داخلية ناجمة عن دول فاشلة، تسعى السياسات الدولية وقوات حلف الناتو نحو التعامل مع المستجدات من خلال التخطيط السياسي والعسكري لاحتواء الأخطار المحتملة، وتوفير الحلول الملائمة من أجل المحافظة على الوحدة السياسية والمركز الاستراتيجي للدولة الآيلة للسقوط، واستعادة تأثيرها في المنطقة الإقليمية والعالم بما تمتلكه من مقومات جيوستراتيجية، كالموقع والمساحة والحدود والموارد الطبيعية والسكان، حتى لا تسهم في نشر العنف والتطرف الذي حتماً سيضر بأمن مجتمعاتها والأمن العالمي عموماً .

 

ولهذا ستظل الدول الفاشلة تحتل مكانة رئيسية على أجندة سياسة الدول الكبرى على مدار العقود القادمة، غير أن فرص النجاح لمحاولات إصلاح شؤون تلك الدول وإعادة بنائها من جديد تبدو ضئيلة ومخاطر النتائج غير المتوقعة عالية جداً، وعليه سيكون من المجدي التعامل مع شعوب الدول المتعثرة من منظور إنساني إلى جانب المنظور الأمني حتى تستعيد الثقة في قدراتها لمواجهة المخاطر، والتغلب عليها، وبناء كيانات أوطانها على أسس راسخة ومستتبة، لتتمكن من تأدية المسؤوليات المناطة بها تجاه مواطنيها وكذلك دول الجوار والعالم على أكمل وجه .

===========================

ويكيلكس.. من يحصي عدد الضحايا؟!

الافتتاحية

الأحد 25-10-2010م

بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

الثورة

أدانت السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية «أي تسريب قد يعرّض حياة الأميركيين للخطر».

كما حذّر أندريس فوغ راسمسن الأمين العام للحلف الأطلسي من تسريبات ويكيلكس .. وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية ميركل:«هذه التسريبات مؤسفة للغاية ويمكن أن يكون لها عواقب سلبية على سلامة الأشخاص المعنيين».‏

في حين شجب جيب موريل المتحدث باسم البنتاغون موقع ويكيلكس لتسريبه وثائق سرية «واقتسام تلك المعلومات مع العالم بشكل متعجرف».‏

ليس بين هؤلاء «المتأسفين» وشركائهم، ونظرائهم، وأشباههم.. أي واحد ذكر أنه «متأسف» لقتل المدنيين العراقيين على الحواجز الأميركية بدم بارد.‏

هل في تاريخ العنصرية من هو عنصري أكثر من هؤلاء؟ اللهم باستثناء الكيان الإرهابي الفاشي في إسرائيل.‏

يتحدث الموقع عن مئات الآلاف قضوا في «المأثرة» الأميركية الأوروبية في العراق - والرقم لو علمتم أكبر بكثير.. بكثير وهذا ما يؤكده ويكيلكس- ويتحدث عن قتل بشكل عشوائي لمدنيين عراقيين.. عن آلاف فاجأهم الرصاص الأميركي على الحواجز، عن ضحايا الطائرات العمودية.. عن عراقيين قُتلوا بعد استسلامهم.. وعن.. وعن..‏

وليس في ذلك فضيحة..‏

أبداً ذاك أقل من الحقيقة.. إنما هو يتميز على محدودية الحقيقة النائمة على ما فيها من مأساة، بأنه استيقظ.‏

كل هذا القتل الإجرامي الذي مارسته القوات الأميركية الغازية المحتلة للعراق حتى اللحظة.. لم يثر في أبناء الرأسمالية الكبار، حتى مشاعر الشفقة.. إنما هم يخشون على جنودهم وعملائهم..!!‏

السيدة كلينتون.. السيدة ميركل «لم تعلق مبدئياً، إنما كالساكت عن الحق..» البنتاغون.. ورأس الأفعى حلف الأطلسي وأمينه العام.‏

-هل من حاجة لمحكمة دولية مثلاً..؟!‏

إذا كانوا يخشون موقعاً الكترونياً فما الذي سيحصل لأرواحهم، إن بدأ تحقيق دولي يفند ما جرى تمهيداً لمحاكم عدلية حقيقية تواجه المجرمين.. وليس لمحاكم دولية لتسييس الجرائم؟.‏

أبداً هذه ليست فضيحة..‏

هذه صورة فعلية واقعية لجانب واحد من السلوك الامبريالي الرأسمالي وبرؤية أولية.. فالبحث ونتائجه جاءا من داخل المجتمع الأميركي.‏

طبعاً بالنسبة للعرب.. ليسوا متخلفين عن ذلك وحسب.. بل هم لم يكتشفوا بعد كلمة «بحث» أو «حقيقة» أو عدالة.. استسلموا لقدر الهزيمة وناموا على فراش الاستسلام.‏

ما جرى في العراق أكبر بكثير من أن يُنسى أو يُطوى..‏

لكن الأيام تبتلع الحقائق.. والزمن يغير المواقف.. وإلى أن تولد الرغبة لدى العرب لكشف الحقائق وتبني المواقف سيكون مصدرنا الوحيد ما جمعه الغرب..‏

إن الحريق الذي أضرمته وشهدته الرأسمالية في العقدين الأخيرين أكبر حتى من سقوط الاتحاد السوفييتي وهزيمة لا يمكن تبريرها.. لكن.. ليس من منتصر.. لذلك تعالج الرأسمالية ذاتها وترمم كيانها على حساب الشعوب المستضعفة والطبقات الكادحة.‏

هذه ليست شعارات..‏

انظروا ما يجري في الغرب..‏

في الولايات المتحدة..‏

في بريطانيا..‏

وبشكل أوضح ما يجري في فرنسا..‏

إن الرأسمالية.. توزع كوارثها على الشعوب.. كي لا تنهار.. قدمت الثروة للرموز.. مصارف وشركات مالية... واليوم يجب أن يدفعها البشر.‏

ارتكبت أفظع الحروب وسبّبت المجاعات من أجل النهب والهيمنة.. وويل لمن ينشر شيئاً عن حقائق ما جرى..‏

هذه ليست فضائح.. هذا نشر موضوعي لجزء من الحقيقة، عنوانه أنه حتى الولايات المتحدة عاجزة عن إحصاء أعداد الضحايا.‏

===========================

الهياكل السورية

احمد عياش

النهار

24-10-2010

لا يتوقع احد ان يثير رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط اذا ما زار دمشق اليوم ما تركه تصريح رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري من لغط في بيروت عندما وصف في حديث الى الزميلة "الرأي" الكويتية قوى 14 آذار بأنها "هياكل كرتونية" للدلالة على هشاشتها وضعفها كما هي حال الورق المقوى (الكرتون)، علماً ان جنبلاط هو من قادة هذه القوى عندما حشدت للمرة الاولى في تاريخ لبنان في 14 آذار 2005، ومن هنا جاء اسمها، اكثرية اللبنانيين في ساحة الحرية مما ادى بعد اسابيع الى انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد وصاية استمرت نحو 35 عاماً. لكن قيام جنبلاط بتغيير مواقفه ومواقعه في المرحلة الاخيرة اغرى على ما يبدو الكثيرين بمن فيهم الرئيس العطري.

سيطول البحث في الجدل حول ما آلت اليه احوال قوى 14 آذار. ولا بد من انتظار الانتخابات النيابية سنة 2013 للتأكد من احوالها اي بعد 3 سنوات وهذا في ذاته وقت طويل في منطقة تغلي بالتغيرات. غير ان هذه القوى استطاعت منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 ان تفوز في عمليتين انتخابيتين متتاليتين بالاكثرية في البرلمان. ولا شيء يمنع ان تكون العملية الثالثة ثابتة في اتجاه اظهارها اكثرية.

لكن ما يجب البحث فيه اليوم هو اقدام مسؤول سوري في اعلى الهرم الرسمي بعد رئيس الجمهورية ونوابه على اطلاق نعوت بحق حركة سياسية في بلد مجاور جداً له تربطه به علاقات ديبلوماسية ويعمل المسؤولون فيه على كل المستويات لتحسينها وتطويرها بكل ما في هذه الكلمة من معنى. ولو كان المطلوب المعاملة بالمثل، ماذا سيكون رد فعل المسؤولين السوريين اذا ما انبرى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى وصف الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا والتي يعتبرها النظام هناك اساساً لتنوعه السياسي بأنها "هياكل عظمية" باعتبار ان الفاعلية الحقيقية للحكم السوري موجودة خارج هذه الجبهة؟

بالتأكيد لن يقدم الرئيس الحريري على هذا الوصف ليس لأنه يخاف بل لأن طبعه، مثلما كان طبع والده الراحل يتسم بالعفة وفي احلك الظروف. وكان الرئيس رفيق الحريري اذا ما استشاط غضباً رد بالعبارة الشهيرة "هذا الكلام ليس دقيقاً" وكان يقولها بالعامية اللبنانية.

المطلوب وفي مجال العلاقات السوية بين الدول ان يبادر لبنان وعبر سفارته في دمشق الى ابلاغ المسؤولين هناك رسالة احتجاج على طريق تطوير هذا الاحتجاج اذا اقتضى الامر وخصوصاً ان العلاقات بين رئيس حكومة لبنان وحكام سوريا مجمّدة بعد حملات تولتها جماعات دمشق في لبنان بالنيابة عنها حتى دخل الرئيس العطري على الخط مباشرة مستهدفاً الحركة السياسية التي اوصلت سعد الحريري الى رئاسة الحكومة اللبنانية.

الخلاصة المفيدة من تصريح رئيس الحكومة السورية هي ان الحكم هناك هو من طراز الهياكل الحديد التي انقرض نموذجها في العالم باستثناء ايران وكوريا الشمالية وهي تماثل الهياكل الرومانية الباقية آثارها في لبنان وسائر المنطقة ويتذكر من خلالها العالم ما كانت عليه الامبراطورية الرومانية في سالف العهود.

وبدورها هياكل الحديد اليوم هي تعبير عن بقايا الستار الحديد الذي كان يسوّر الامبراطورية السوفياتية على امتداد معظم القرن العشرين الى ان انهار ولكن بقي تقليد له في بقع ضيقة من الكرة الارضية ومنها سوريا.

والسؤال المطروح اليوم ما هو القاسم المشترك بين رئيس الحكومة السورية ورئيس جمهورية ايران الاسلامية محمود احمدي نجاد؟ الجواب هو ان كليهما يحمل اسماً ثلاثياً ويتجرأ على لبنان وكأنه ارض بور لا صاحب لها.

===========================

في الأهمّ في السياسة !

سمير منصور

النهار

24-10-2010

عندما تتقاطع الارقام حول ضحايا حوادث السير في لبنان بين وزارة الداخلية والصليب الاحمر اللبناني وجمعية ال"يازا" و"كن هادي" وغيرهم على معدل وسطي يبلغ أكثر من 600 قتيل سنويا اي خمسين شهرياً، اي ثلاثة قتلى تقريباً صبيحة كل يوم، وأكثر من اربعة آلاف اصابة سنويا بين جرحى واعاقات دائمة، فذلك يعني ان البلاد تواجه كارثة حقيقية وتتطلب اجراءات استثنائية بدءا بخطوات عملية ضرورية، يمكن القيام بها ولا يتطلب تنفيذها توافقاً عربياً او اقليمياً او دولياً، ولا حتى محليا، ويمكن ان تساهم في الحد من سقوط الضحايا على الطرق وقد سجلت ارقاما قياسية في الايام الاربعة الاخيرة، من الجنوب الى الشمال الى الجبل والبقاع مروراً ببيروت حيث كان الفتى ابن السبعة عشر ربيعاً طلال عامر قاسم فاتحة الضحايا، وآخرها كان الاخوان الطفلان غنوة (8 سنوات) وعبد الحميد المصري (5 سنوات) على طريق العبدة العريضة شمالا. ناهيك بضحايا الاصابات اليومية الناجمة عن فوضى الدراجات النارية وعدم التزامها قوانين السير وابسط مخالفاتها السير "عكس السير" وفي كل يوم ضحايا!

وهذا العدد المخيف لضحايا حوادث السير ومجرمي الطرق والذي تجاوز عدد ضحايا الجرائم الجنائية وحتى الاعتداءات الاسرائيلية والاجتياحات المتتالية، يستحق عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء تعقد خصيصا للبحث في سبل وقف "المجزرة"، وأخرى لمجلس النواب للغاية نفسها، كما يستحق تشكيل لجنة من الوزارات المعنية مباشرة بالطرق وحوادث السير، وانشاء غرفة عمليات مشتركة تعمل على مدار الساعة. وفي الانتظار، ليس صعبا على الاطلاق منع الدراجات النارية من تجاوز شارات السير والتزام القانون كالسيارات، وعدم السير بشكل معكوس مع ما يترتب على هذه المخالفة من ضحايا يومياً من الابرياء على قارعة الطريق.

وفي الانتظار، ليس صعبا على الاطلاق ارسال دورية للجيش او لقوى الامن، لمنع العروض البهلوانية لمتهورين على الدراجات النارية بعد ظهر كل نهار احد على الأوتوستراد البحري بين الاوزاعي وخلدة وبالعكس، مع كل المخاطر التي يسببها هؤلاء المتهورون على المارة والسيارات، وليس صعبا تركيز نقطة مراقبة دائمة ولا سيما على الطرق السريعة لرصد مخالفات السرعة وتوقيف مرتكبيها.

يروى ان سائقا في بلد عربي مجاور، حاول اختصار الطريق وكان عائدا الى بيته حوالى الثالثة فجرا، وكان ذلك قبل اسبوع فعمد الى السير "عكس السير" على طريق سريع نحو مئتي متر. وخلال لحظات كان مكبلا من دورية امنية اقتادته الى السجن حتى صباح اليوم التالي قبل اي سؤال، لتبدأ المحاكمة (غدا) باعتبار ان ما اقدم عليه جريمة يعاقب عليها القانون. هكذا يوضع حد لحوادث السير!

ومن بسطات الخضر والفواكة على "تخوم" الطرق الرئيسية، الى اللافتات الاعلانية الكبيرة والصغيرة، الفنية والسياسية والتجارية والتي تتنافى مع ابسط قواعد الاعلان في اكثر بلدان العالم تخلفاً، الى الحفر التي تفاجئ السائقين، الى الطرق غير المضاءة، الى عدم وجود جسور عبور للمشاة، كل ذلك يعني ان المسؤولية مشتركة وليست حصرا في وزارة واحدة، وان تكن وزارة الداخلية "في الواجهة" وتستطيع ان تكون موجودة "على الارض" اكثر من غيرها من خلال الدوريات الامنية. من هنا اهمية تشكيل لجنة من الوزارات المختصة وغرفة العمليات المشتركة الآنفة الذكر. واما تصريحات الاستنكار من الوزراء والنواب وسائر المسؤولين، والانضمام الى المواطنين في الشكوى ومشاركتهم في البكاء على الضحايا، فلا تجدي نفعا ولا تمنع المخالفات ولا تضع حداً لجرائم الطرق.

ومن حق وزارة الداخلية على مجلس الوزراء ومجلس النواب "تلبيتها" في تأمين ما يسميه الوزير زياد بارود "عدة الشغل" واقرار القانون الجديد للسير ورفع قيمة المخالفات، كي يستطيع القيام بواجباته على اكمل وجه، وان يكن في استطاعته القيام بخطوات اولية ب"العدة" المتوافرة، وقد حاول ويجب ان يستمر بوتيرة اكثر فاعلية.

ولا مبالغة في القول ان كارثة حوادث السير تشكل قضية تستحق ان تكون في هذه المرحلة بنداً دائماً على جدول اعمال مجلس الوزراء ومجلس النواب، فهي تعني كل بيت في لبنان، من كبار القوم الى صغارهم. فالخطر واحد ويستهدف الجميع. ومن يتسبب في ما يسمى في القانون "الخطر العام" هو مشروع مجرم يجب وضع حدّ له. وفي هذه الخطوة ما يهم الناس اكثر بكثير من السياسة والسياسيين وسجالاتهم المملّة!

===========================

مفهوم المجتمع الجديد

بقلم :فاطمة الصايغ

البيان

24-10-2010

ما هو المجتمع؟ وما هو الفرق بين المفهوم القديم للمجتمع والمفاهيم الجديدة والمتطورة ؟ وما هي مقومات المجتمع الجديد ؟

 

وهل تتناقض تلك المقومات مع مقومات المجتمع القديم؟ وهل دول الخليج جادة في تبنى مفاهيم المجتمع الجديد أم أن هناك رفضا خفيا لأن مقومات المجتمع الجديد لا تتوافق مع العقلية الاجتماعية السائدة .

 

ولا تلائم إفرازات المرحلة التاريخية الراهنة ولذا فهي سوف تواجه مقاومة اجتماعية ترفض تقبل أي تغيرات جوهرية في المفاهيم وتصر على التغيرات السطحية فقط ؟

 

وهل تفلح الضغوط الاجتماعية في تغير نظرتنا العلمية والعملية إلى بعض المفاهيم فنقبل جزءا منها ونلغي الآخر أم أن سمة الحياة هي التغير ولا مناص في قاموس التغير لمفاهيم محافظة وأخرى منفتحة؟

 

مفهوم المجتمع الجديد هو في الواقع ما يدرسه الجيل الجديد اليوم في المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم الأخرى، وهو في الواقع ما نبغي تسويقه عن أنفسنا لدى الآخر. فلو نظرنا إلى التعريف الجديد لمجتمع الإمارات مثلا فهو مجموع السكان الذين يعيشون على أرض الإمارات بحدودها الجغرافية المعترف بها ومجموعة النظم والقيم التي تحكم أولئك السكان».

 

إذن هذا المفهوم يختلف تماما عن المفاهيم القديمة والتي تربط المجتمع بسكانه الأصليين الذين عاشوا في بقعة معينة وتربطهم روابط عميقة قائمة على التاريخ المشترك والعلائق الاجتماعية كالنسب والترابط الاجتماعي والعائلي والدين واللغة وغيرها من المقومات.

 

وعلى الرغم من تقدم مجتمعات الخليج وتغيرها وتطورها إلا أن المقومات القديمة ظلت أساسية في البناء الفكري والاجتماعي لتلك المجتمعات حتى وهي تدخل الحداثة من أوسع أبوابها وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا حول مدى جدية مجتمعات الخليج في تقبل المفاهيم الاجتماعية الجديدة ومدى تأثيرها، في حالة تنبيها على البناء الفكري والاجتماعي لتلك المجتمعات.

 

ويتبين لنا هذا التناقض في المناهج الدراسية التي تدرس للنشء. فنظرة سريعة على تلك المناهج نرى أن هناك تركيزا كبيرا على مفهوم المجتمع الجديد بينما ما يمارس اجتماعيا يناقض في بعض الأحيان المنهجية الجديدة.

 

فمثلا هناك تيارات في المجتمع تحث على العودة للمفاهيم القديمة للمجتمع الأمر الذي يثير قضية يجب الانتباه لها من الآن وهي قضية البلبلة الفكرية التي يمكن أن تحدث في أذهان الجيل الجديد الذي سوف يجد نفسه مشتتا فكريا واجتماعيا بين تيارات متناقضة يمكنها أن تؤثر على تسامحه الاجتماعي وتقبله للآخر وموقفه من بعض القضايا الحساسة كقضية التجنيس مثلا.

 

ففي الإمارات، كما في دول الخليج الأخرى هناك نوع من اليقين بأننا مقبلين على فترة تغير اجتماعي وفكري هائل سوف تطال كافة جوانب حياتنا وسوف تترك آثارا كبيرة على مجتمعنا وعلى نظرتنا للآخر وطريقة معاملتنا له. كما أن هناك يقينا بأن ذلك التغير الفكري والمجتمعي سوف ينعكس بصورة مؤثرة على مجتمعنا وعلى حياة الأجيال الجديدة وعلى طرائق حياتنا وأنماط معيشتنا. لذا ينادى البعض بأن يكون هناك ومنذ هذه اللحظة نوع من الاتفاق المبدئي على كيفية مواجهة هذا التغيير وكيفية تقبله ووسائل استقباله ووسائل التعبير عنه.

 

ولا يخفى على أحد بأننا هنا في الإمارات نعد من أكثر مجتمعات الخليج بروزا في مجال التغير الاجتماعي بحكم مؤثرات عدة بعضها اقتصادي والآخر تاريخي. فنحن مثلا نلاحظ التغير الحاصل أمام أعيننا بصورة يومية، هذا التغير المتمثل في اختفاء عادات اجتماعية وشيوع أخرى دخيلة بل وغريبة وبروز أنماط فكرية جديدة بعضها يميل إلى الانفتاح والآخر إلى المزيد من التعصب. كما نلاحظ هذا التغيير في طريقة احتفاظنا بالثابت منه واحتفائنا بالمتغير.

 

والغريب أننا لا نرى في ذلك التغيير أي تغير بل نعده انفتاحا ونحاول أن نضفي عليه لمسة تاريخية ونقول أن الإمارات كانت قديما من أوائل المجتمعات التي انفتحت على الآخر وتمثل هذا الانفتاح في كون الإمارات دائما وأبدا حلقة وصل بين الشرق والغرب.

 

وعاشت على أرضها جنسيات عديدة وأعراق مختلفة حوت تيارات فكرية مختلفة وتبنت أفكارا وأيدلوجيات متعددة رمت بظلالها على التطور السياسي والفكري للإمارات دون أي حساسيات تذكر ودون أن يؤثر أي فكر أو معتقد لأي فئة على معتقدات الفئات والطوائف الأخرى.

 

فعلى الرغم من أن الناس لم يكونوا على علم ودراية فائقة بجذور تلك التيارات الفكرية الا أنهم تقبلوا وبروح كبيرة وبتسامح قل نظيره كافة الأفكار والطروحات بل وكافة الأيدلوجيات المختلفة مادام أنها لم تسيء لأحد، فكانت الإمارات بحق وطنا للجميع ضم سكانا أصليين وغيرهم. فلم يكن أحد يشكك في مواطنة الآخر أو ولائه أو يوصم الآخر بأي وصمة. وهكذا مثلت الإمارات أنموذجا جميلا للمجتمع الواحد وساهمت تلك العقلية بشكل جيد في بناء مجتمع الإمارات اليوم.

 

ولكن الناظر إلى مجتمعات الخليج اليوم يرى أنها أصبحت ومع العولمة ومع الانفتاح الاقتصادي أقل ميلا إلى الانفتاح الاجتماعي وأكثر انكفاء على الذات وأكثر ميلا إلى التركيز على النفس وأقل تقبلا للتغير الاجتماعي.

 

ومن هنا يكتسب مفهوم «المجتمع الجديد» سحرا أخاذا ويأخذ جاذبية خاصة في حال تبنيه لأنه فعلا سوف يخلق ثورة اجتماعية ويؤدى إلى تغير فكري كبير.

 

فإذا كانت دول الخليج جادة في قضية «المجتمع الجديد» فيجب عليها العمل بحماس وجد في سبيل إقناع الجميع بهذا المجتمع، وإذا ما كان تحمسها له نظريا وسطحيا فعليها أن تنتبه لما قد يحدثه هذا التناقض على النشء حتى لا تتخرج أجيال مشتتة فكريا بين مفاهيم نظرية جميلة وأخرى تطبيقية مختلفة؟

 

فهل تنجح مجتمعات الخليج في توضيح ذلك التناقض وفك ذلك الارتباط بين المفاهيم ونعطي الجيل الجديد الفرصة لكي يعيش في بيئة صحية خالية من أي متناقضات فكرية أم أننا ما زلنا غير مقتنعين حقا بفكرة المجتمع الجديد إلا نظريا وبالتالي نحن غير قادرين على فك ذلك الارتباط ؟

===========================

حروب بوش المقدسة

بقلم :طلعت اسماعيل

الدستور

24-10-2010

بين رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وحليفه الرئيس الأميركي السابق أيضاً جورج بوش، وشائج، ومواقف متشابهة، رغم اتهام البعض للأول بالتبعية للثاني، إبان وجودهما على رأس سلطة اثنتين من الدول التي توصف بالعظمى.

 

بلير أصدر مذكرات، روى فيها جانباً من أيامه داخل 10 داوننغ ستريت، والقرارات المصيرية التي اتخذها، وكانت وبالاً عليه، وجلبت له العداء من بني جلده، وعدد لا بأس به من شعوب الأرض، فيما يستعد بوش هو الآخر لطرح مذكراته عن السنوات التي قضاها بين جدران البيت الأبيض، في التاسع من الشهر المقبل.

 

في مذكرات بلير التي حملت عنوان (رحلة) احتلت الحرب الأميركية البريطانية على العراق حيزاً كبيراً، ورغم اعترافه ان تلك الحرب شكلت كابوساً لم يدركه إلا بعد الغزو، أصر على موقفه منها قائلاً: (لا يمكنني الندم على قرار دخول الحرب).

 

وفي مذكرات بوش المنتظرة، نتوقع أن يتشابه، إن لم يتطابق، كلام الرجل مع حليفه بلير، في ضوء ما قاله الرئيس الأميركي السابق خلال زيارة قام بها قبل أيام إلى الكويت، بأنه غير نادم على أي قرار اتخذه وهو رئيس الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2000، وحتى آخر يوم في ولايته الثانية عام 2008، مؤكداً أن أعظم قراراته على المستوى الخارجي كانت إعطاء الأوامر (بتحرير العراق من اختطاف حزب البعث بقيادة الرئيس السابق صدام حسين، ومحاكمة وإعدام الأخير بوصفه مسؤولاً عن مجازر دموية تسببت بإزهاق أرواح مئات ألوف العراقيين).

 

ولإضفاء مسحة عاطفية على قراره الذي جلب الخراب على العراق، أشار بوش إلى أن لحظة أداء جلال طالباني اليمين كرئيس للعراق لا تنسى بالنسبة إليه، وأنه بكى حينما تابع المشهد عبر التلفزيون.

 

بوش الذي ذهب إلى الكويت بدعوة من شركة مشاريع الكويت المتحدة (كيبكو)، قال في لقاء تجاهلته وسائل الإعلام الكويتية، ان مذكراته إلى ستصدر تحت اسم (لحظة القرار)، عبر دار النشر الأميركية (كراون)، ستغير نظرة العالم نحو أحداث وقعت خلال العقد الأخير، وسيركز على أبعاد ومضامين جديدة في قضايا العراق وأفغانستان وهجمات 11 سبتمبر2001، وتنظيم القاعدة.

 

وكما ذهب بلير إالى الكويت بعد ترك منصبه، عارضاً خدمات مؤسسته الاستشارية، عرض بوش أيضاً خدماته، عندما ذكر مضيفيه (مازحاً)، بأنه كان رئيساً للولايات المتحدة الأميركية والآن جاء يبحث عن عمل، علماً أن الرئيس الأميركي السابق ومنذ خروجه من الرئاسة مطلع 2009 انهمك في العمل تحت مظلة شركات النفط العملاقة في ولاية تكساس، التي تمتلك عائلته عدداً منها.

 

ليس البحث عن عمل وجمع الأموال، بعد ترك المنصب الكبير، ما يجمع بين بوش وبلير، إذ أن الأخير الذي يقال عنه انه أكثر رؤساء الوزراء البريطانيين تديناً منذ وليام غلادستون (1809-1898)، تخلى عن كنيسته القديمة لاعتناق الكاثوليكية، فيما رأينا بوش في أكثر من محطة يتحدث عن نفسه، بأنه رسول العناية الإلهية لإنقاذ العالم.

 

ولعل كثيرين يتذكرون ما نشره الصحافي الفرنسي جان كلود موريس من نصوص عن مكالمات هاتفية أجراها بوش مع جاك شيراك في محاولة لإقناع الرئيس الفرنسي السابق بالمشاركة في الحرب على العراق، وكيف غلف الرئيس الأميركي السابق كلماته بمعتقدات دينية تتبناها المسيحية الصهيونية، حتى انه وصف غزو بلاد الرافدين بالحملة الإيمانية المباركة، وأنه تلقى وحياً من السماء لإعلان الحرب على العراق.

 

ولعلنا سنقرأ في مذكرات بوش، المزيد عن الحروب الإلهية المقدسة، فكلماته أثناء الغزو عن الحروب الصليبية، لم تكن ذلة لسان، كما حاول، هو ومستشاروه تبريرها، وبما يحدثنا بتفصيل أوسع عن الأشرار الذين جنده الله لقتالهم، بوصفه قائد أخيار العالم.

===========================

خريف أوروبا

فؤاد حسين

hussein.fuad@gmail.com

الرأي الاردنية

24-10-2010

الأزمات التي تعصف باوروبا، أعمق مما يظهر منها على السطح، وما نراه لا يعدو أن يكون أكثر من قمة جبل الجليد، والظاهر منها إقتصادي فحسب، فهو لا يعدو أن يكون عارض المرض وليس العلة ذاتها، كانت البداية أزمة الديون اليونانية، تلاها الإصلاحات الإقتصادية الفرنسية، وخاصة ما يتعلق منها برفع سن التقاعد من ستين سنة الى اثنتين وستين، وما رافقها من إحتجاجات وصلت في بعض الإحيان الى صدامات مرشحة للتطور على مدى الثلاثة أشهر المقبلة، أعقبها ما شهدته بريطانيا من تقليص كبير للميزانية والإنفاق العام نتيجة تراكم الديون الهائل نتيجة العجز الكبير في الموازنة، كل تلك المشكلات مؤشرات تدل على الحال الذي وصلت اليه القارة العجوز، والمآل الذي تتجه نحوه بسرعة صاروخية، ستدفع أوروبا دولا وإتحادا بأن تصبح خارج فعل التأثير العالمي، لتنكفيء على أوجاعها الداخلية بعد أن كانت مرشحة لخلافة المارد الأميركي الآخذ بالتهاوي، تاركة بذلك المجال للنمور الأسوية لتأخذ دور الريادة الإقتصادية، والسياسية تبعا لذلك.

 

ما وصلت اليه أوروبا يعود السبب الرئيس فيه الى رهن قراراتها وسياساتها ومقدراتها للعراب الأميركي مما أوقعها في سياسات كانت في غنى عنها، وبالتالي رتب عليها أعباء إقتصادية لا مصلحة لأوروبا فيها سوى إرضاء راعي البيت الأبيض الأميركي، فبريطانيا مثلا وصلت كلف حربها في العراق وأفغانستان حتى بداية العام الحالي إلى 20 مليار و340 مليون جنيه استرليني، مما فاقم عجز الموازنة الذى ادى الى رفع سقف الدين الحكومي الى نحو 848.5 مليار جنيه بما يعادل 59.9% من قيمه الناتج الاجمالي المحلي وبذلك أصبحت قريبة من حالة اليونان التي وصلت نسبة الدين فيها الى أكثر من 12 في المئة مما يهدد بأن توشك أن تكون بريطانيا دولة مفلسة خاصة وأن الموارد والتضخم في تراجع مضطرد مما قد يؤدي الى دخول إقتصادها في حالة ركود عميق.

 

سياسة التبعية العمياء لأمريكا التي قادها الساسة الأوروبيون الحاليون، خلاف أسلافهم في ألمانيا وفرنسا مثلا، عمقت من المشاكل التي تعاني منها تلك الدول على صعد إقتصادية وغير إقتصادية، لدرجة باتت معها الدول الأوروبية غير آمنة على وضعها الداخلي بسب تشابك سياساتها مع السياسات الأميركية في المنطقة العربية ولإسلامية الى حد باتت تزاود فيه على السياسات الأميركية، وما كثرة حالات الأنذار التي تعلن بين الفينة والأخرى في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية الا دليل على حالة القلق التي تنتاب أجهزة الأمن بتلك الدول، فلولا إرسال فرنسا جيشها الى أفغانستان لمحاربة طالبان، ومن بعد ذلك الى موريتانيا لمطاردة القاعدة في الصحراء المالية، لما تصاعدت تهديدات الجماعات الإسلامية ضدها الى حد تم فيه إخلاء برج إيفل من زواره غير مرة لوجود تهديدات أمنية، في حين أن دولا أوروبية أخرى تنعم بالأمن والأمان فقط لأنها لم تجار السياسات الأمريكية في المنطقة وحافظت على الروابط التاريخية مع جوارها العربي الإسلامي.

 

إن إستمرار الحنين الأوروبي الى سياسات الحقبة الإستعمارية التي عاثت فيها خرابا بمقدرات الشعوب بدايات القرن الماضي، لن يزيد الوضع في أوروبا سوءا، ولن ينتج لها إقتصاد مزدهر وأمن وطمأنينة، فأمريكا بدأت شمس العظمة تغيب عن سمائها، وعلى الدول التي تدور في فلكها أن تدرك أن المارد الأميركي قد مات، ولا تحتاج الى أن تنتهي الديدان من قضم عكازه لتنكسر ويهوي الى الأرض، فقد شاخت أمريكا ولم يعد بإمكانها فعل شيء ضد أي أحد، والفطن من يستهبل اللحظة التاريخية ويفارق المركب قبل أن يغرق بمن فيه.

===========================

العرب وامريكا واسرائيل

حمدان الحاج

 الدستور

24-10-2010

يدعو الساسة في العالم العربي الفلسطينيين الى المصالحة لان بقاء الامور كما هي عليه اصبحت تضر بالقضية الفلسطينية بشكل كبير: لانها تعطي الذريعة لاسرائيل بعدم وجود شريك فلسطيني حقيقي للوصول الى السلام المنشود على حد زعم هؤلاء الساسة الذين يبدون تعاطفا كبيرا مع القضية ويتخوفون من ان استمرار الانقسام الفلسطيني يخلي مسؤولية اسرائيل من ألا تعود الى البحث عن السلام لعدم وجود الشريك الفلسطيني الموحد.

 

ويتحدث ساسة العالم عن ضرورة ان تكون الجبهة الفلسطينية موحدة حيال اسرائيل حتى لا تتذرع بانعدام الشخصية الفلسطينية القادرة على ملاقاة احضان اسرائيل الحانية نحو السلام ولهذا فان المخاوف مشروعة لعدم الوَحدة الفلسطينية.

 

العرب يريدون وَحدة فلسطينية وكذلك الغرب اضافة الى اسرائيل: ما يعني ان العقبة الوحيدة لعودة الحقوق الى اصحابها واقامة الدولة الفلسطينية ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني واعادة الامور الى نصابها تماما ورفع علم الدولة الفلسطينية العتيدة وجلوس قادة حماس وفتح على طاولة المفاوضات وخروجهما وهما يتعانقان ويرفعان شارة النصر عندها وعندها فقط تتحول الوعود الى واقع ملموس وتصبح الدنيا "قمرة وربيعا" ويرفرف العلم الفلسطيني على السواري المنصوبة اصلا والتي تنتظر شارة البدء في رفع الاعلام مجرد ظهور الدكتور محمود الزهار وعزام الاحمد وقد اعتلت البسمة شفاههما وفتنطلق الزغاريد وتطلق المدفعية احدى وعشرين طلقة ايذانا ببدء احتفالات اقامة الدولة الفلسطينية ولن تعود هناك مفاوضات ولا حديث عن تلكؤ اسرائيلي هنا او هناك لان الفصيلين الفلسطينيين الرئيسين جلسا واتفقا وان العالم كان بانتظار هذه اللحظة الحاسمة لتعم الافراح كل العالم الذي كان قلقا على حالة التفسخ في الجانب الفلسطيني وها هم الفلسطينيون لم يخيبوا امال محبيهم ولا اصدقائهم فاتفقوا فارتاحوا واراحوا واسقطوا في يد اسرائيل المغلولة الان بفعل الاصرار الدولي والضغط غير المسبوق على اسرائيل التي كانت ترفض الحديث عن السلام الا بعد الوحدة الفلسطينية وها هي تطلق سراح احد عشر الف اسير فلسطيني يعيشون قسوة وعتمة السجون الاسرئيلية وها هي اسرائيل الناعمة التي تتقطع المًا على الفرقة الفلسطينية لا يرضيها استمرار هذا الانقسام ولا تريده بل ولا تحبذه اتعرفون لماذا؟ لانها لا تريد ابناء الشعب الفلسطيني ان يعيشوا مأساة اخرى من الضياع والضرب وانعدام الكتب المدرسية ولا تريد استخدام طائراتها مرة اخرى لتحرق المدن والمخيمات الفلسطيينية ولا تريد ان ترى ابناء غزة يشربون الماء الملوث الذي تعافه الحيوانات الاسرائيلية ففتحت عينها الان على مأساة الفلسطينيين وهي لا تريدها ان تستمر الى ما لا نهاية ولا بد من وضع حد لهذه المعاناة وها هي الحواجز رفعت والمضايقات استبدلت بتقديم الورود الى المارة والمسافرين بدلا من الرصاص والقنابل وعناقيد الاسلحة المحرمة دوليا.

 

لقد سئمت اسرائيل وقادتها منظر الدم الفلسطيني المسفوح في طول الحياة وعرضها منذ عشرات السنين فاشترطت ان عاد الاخ الى اخيه ان تضع على فوهات بنادق جنودها ورودا جميلة بألوان زاهية تطلق دفعة واحدة لتحيل المعاناة الى رخاء حتى ليكاد الفلسطيني "يتعرقل بالورد لكثرته وتنوع الوانه واشكاله التي تزغلل العينين".

 

مالكم ايها الفلسطينيون؟ لماذا تصرون على ان يَلغَ اليهودي القادم من كافة اصقاع العالم في دمكم؟ فقد قال لكم شارون ان دمكم علينا حرام وغادر الى مصحته يتوسل الله ان يعيده قويا من جديد حتى يعود الى سفك دمكم وبعدها يندم على فعلته ويطلب وحدتكم فترفضون ويتجدد الاحتكاك بينكم وبينه ومرافقيه في القدس حيث كانت زيارته للاطمئنان على احوال مشايخ القدس والاقصى ولكنكم ايها الفلسطينيون فهمتوه خطأ فكان ما كان وهو الان جاءكم من مزرعته التي ورثها عن سابع جد لإشاعة الصلح والسلام فهو لا يريد عداواة جديدة ولا يريد ان يشرب دماء فلسطينيين اكثر مما عمل في السابق وها هي جنرالات اسرائيل تنتظر قادة حماس وفتح ليتفقوا ويلقوا السلاح ويلقوا اليكم بالمودة فلا تصدقوا احدا ولا تلتفتوا الا الى ما يقوله لكم شارون وايهود باراك وشمعون بيريز وافيغدور ليبرمان؟،،.

 

لله دركم ايها الفلسطينيون ما اقسى قلوبَكم فان كل هذا العرض المغري الذي تقدمه اسرائيل ترفضونه: فوالله لو حصل واتفقت حماس وفتح لاحتلت اسرائيل مدن الضفة الغربية من جديد ولطردت اسرائيل قادة السلطة الوطنية الفلسطينية الى كل بقاع الأرض فهي لا تريد هذه الوَحدة.

===========================

«ويكيليكس» إذ توثق جرائم الغزاة وأعوانهم وإيران في العراق

ياسر الزعاترة

 الدستور

24-10-2010

لا جديد في وثائق "ويكيليكس" العراقية ، فهي لا تعدو أن تكون توثيقا لما نشر مرارا وتكرارا منذ الغزو الأمريكي للعراق. نعم لا جديد ، لا على صعيد الأرقام ، ولا على صعيد المعلومات ، ومن يتابع المقالات والتقارير التي صدرت طوال السنوات الماضية سيجد أكثر مما ذكر.

 

أهمية الوثائق تتمثل فيما تمنحه من مصداقية لتقارير كثيرة أصدرتها مؤسسات عديدة من بينها هيئة علماء المسلمين وجهات عراقية كثيرة ، وحتى غير عراقية ، وكلها تعكس حجم الجريمة التي ارتكبت بحق العراق والعراقيين منذ الغزو.

 

نكتب بعد قراءة ما تيسر مما نشرته (الجزيرة) من مضامين الوثائق ، وهو الأهم على ما يبدو ، فيما يتوقع أن تكون ثمة إضافات أخرى بشأن نشاط القاعدة والصحوات وسواها من القضايا المتعلقة بترتيب اللعبة السياسية في عراق ما بعد الاحتلال ، مع أن أكثر ما سيقال أيضا لن يكون أسرارا بالمعنى الحقيقي للكلمة إذا استثنينا التفصيلات التي لا تفقد أهميتها حتى لو كان السياق العام معروفا.

 

أي جديد في قصص الموت والتعذيب التي سيطرت على عراق ما بعد الاحتلال ، أولا بأيدي قوات الاحتلال وثانيا بأيدي أجهزة الأمن العراقية التي وقع تشكيلها على أساس طائفي ، فضلا عن ملف السجون والتعذيب ، والأرقام التي تنشرها الوثائق تبدو أقل من عادية ، حيث سبق أن ذكرت هيئة علماء المسلمين أرقاما أكبر.

 

150 ألف قتيل مدني ، إلى جانب 180 ألفا ذاقوا مرارة السجن والتعذيب. قد يكون الرقم أكبر من ذلك ، ولا تسأل بعد ذلك عن المهجرين الذين يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين ، ومعظمهم من المناطق السنية.

 

جرائم بلاك ووتر والشركات الأمنية العاملة مع الأمريكان ليست حكاية جديدة ، فما قيل ويقال عن جرائمها لم يكن قليلا ، والوثائق لم تضف إلا التفصيلات والشواهد.

 

فرق الموت حكاية أخرى. هنا يحضر المالكي ، وهذا لا جديد فيه أيضا ، لكن الرجل الذي سعى إلى تقديم نفسه بصورة زعيم وطني يجد نفسه عاريا هنا ، فقد كانت له فرق موت أيضا ، وبالطبع لتصفية خصوم سياسيين ، ولا يستعبد أن يكون من بينهم شيعة أيضا ، فمنطق الحكم والسيطرة لا يقف عند خطوط حمراء.

 

جرائم الإيرانيين حضرت في الوثائق ، لكن الأمر لا ينطوي على جديد كذلك ، فقد دخلت إيران العراق منذ اللحظة الأولى للاحتلال ، أولا عبر العراقيين الذين كانوا يعملون معها قبل ذلك ، ومن ضمنهم أحزاب ومليشيات ، وثانيا بشكل مباشر من خلال ضباطها ورجالها ، وثالثا من خلال عراقيين جندتهم بعد الحرب.

 

لم تترك إيران فصيلا شيعيا إلا واخترقته من أعلى ومن أسفل (بعض السنّة يقولون إنها توجّه القاعدة ، الأمر الذي لا يبدو منطقيا في واقع الحال تبعا للتناقض الأيديولوجي) ، وهي باعت سلاحا رخيصا لبعض قوى المقاومة السنية في بعض الأحيان ، وكل ذلك في سياق استنزاف الأمريكان من جهة ، وترتيب الأمر للمتعاونين معها من جهة أخرى.

 

شاركت إيران في جرائم فرق الموت أيضا ، سواء تم ذلك بشكل مباشر ، أم عبر التمويل والتوجيه ، وكل ذلك في سياق تثبيت نفوذها ، تماما كما شاركت في دعم من يطلقون الرصاص على الأمريكان ، وهي سياسة مزدوجة آتت أكلها اعترافا أمريكيا بوجودها ودورها ، كما أثمرت إدراكا أمريكيا لحقيقة أن أي عدوان على إيران (حتى لو كان إسرائيليا يستهدف المنشآت النووية) سيكون له ثمنه من أرواح الجنود الأمريكان في العراق وأفغانستان ، وهو ما اعترف به مسؤولون أمريكيون مرارا.

 

في العراق تصرفت إيران بعيدا عن المبادىء خلا منطق السيطرة على البلد ومقدراته ، وهي حين استهدفت السنّة لم تفعل ذلك إلا في السياق المذكور ، وهي مارست ذلك مع شيعة وقفوا في وجه مشروعها أيضا. وإذا كان سلوكها العام طائفيا ، فلأن في ذلك مصلحة لها ، ولأن شيطان الطائفية كان يتلبس العراق برمته بعدما أخرجه المحتلون من القمقم.

 

سيقول المالكي إن النشر يستهدف مساعيه لتشكيل الحكومة ، لكن النشر لن يؤثر عليه كثيرا ، لا سيما أن صرامته في ملف الأمن والتعامل مع المليشيات (من ضمن ذلك ضرب جيش المهدي) هي سر انحياز الأمريكيين إليه ، مع علمهم بعلاقته مع إيران ، وإذا فشل في ترؤس الحكومة ، فلن تكون الوثائق هي السبب.

 

كل ما قلناه عن معلومات الوثائق المعروفة لا ينفي أهميتها في سياق فضح الجرائم التي ارتكبت بحق العراق والعراقيين في عالم يتقبل لغة الإنكار من الأقوياء ، لكن المصيبة أن أحدا لن يحاسب المجرمين ما داموا بتلك القوة والسطوة ، لكن حساب التاريخ سيبقى مفتوحا على أية حال.  

=======================

هل يتوجب علينا أن نخاف الإسلام؟

عضو الكونغرس كيث إليسون

مصدر المقال: OnFaith، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2010

www.newsweek.washingtonpost.com/onfaith

واشنطن العاصمة – في الوقت الذي تشهد فيه أمتنا ارتفاعاً في السلوك غير المتسامح، متخطّية كافة الخطوط الثقافية، بغض النظر عما إذا كانت ترتكز على العرق أو الدين أو التوجه الجنسي، نبدو في الوقت نفسه عالقين في إعلام إخباري وطني منشغل بالنزاع والخلاف، في وقت نحتاج فيه إلى إعلام يزن الحقائق وينقل الخبر بعدل وصدق. وقد قام برنامج إخباري وطني مؤخراً بتعزيز هذه المخاوف. دعوني أشرح ما أعنيه.

تخيّل برنامجاً تلفزيونياً محترماً أو مقالة في مجلة إخباريّة عنوانها "هل يتوجب على الأمريكيين أن يخافوا من السود؟"

تخيل مقطعاً موسيقياً متقطعاً من موسيقى الهيب هوب، مع مقاطع سينمائية من أفراد عصابات من السود يحملون المسدسات يتسكعون في أزقة في المدن، لهم أشكال مخيفة. تخيل الكاميرا تقترب لتركّز على وشم على كتف أحدهم تقول الكتابة عليه "أنا بلطجي حتى نهاية حياتي".

بينما يفتتح المضيف (وله اسم معروف) البرنامج، تخيل أن الخبير الأبيض يعبّر عن رأيه حول الأسباب الجذرية لتدهور المدينة. هو عنصري معروف على الصعيد الوطني مثل، على سبيل المثال، ديفيد ديوك، الممثل السابق لولاية لويزيانا وأحد قادة عصابة الكوكلكس كلان، التي انتشرت في فترة ما، منادية بسيادة الجنس الأبيض. وبوجه صارم وشعور خالٍ من التظاهر بالجهل، يدافع المضيف عن آراء ديوك ويعلن "عندما رأى الشعب الأمريكي مظاهرات لوس أنجلوس حصلوا على نظرة مسبقة على مستقبلهم"، مشيراً إلى مظاهرات عام 1992 التي انفجرت بعد تبرئة أربعة ضباط شرطة بيض كانوا يحاكَمون لأنهم قاموا بضرب رودني كينغ، سائق سيارة أمريكي من أصول إفريقية.

تخيل كاميرات التلفزيون تتحول بحثاً عن أصوات حقيقية لأشخاص سود. أين ذهبوا؟ إلى الخفاء بالطبع. أين إذن يعيش السود؟

يدعو المضيف الجَسور أمريكيين عاديين ليطرحوا أسئلة على الخبراء ليشرحوا لهم تركيبة السود. "لماذا توجد موسيقى راب تحطّ من قدر النساء؟" تتساءل سينثيا من وايومنغ. "لماذا يوجد هذا العدد الكبير من السود في أسفل السلم الاقتصادي أو التربوي؟ " يتساءل تشاك من نيويورك.

هل بدأ هذا يُشعِرك بقليل من عدم الارتياح؟ بالطبع. فقط اسأل دون أيموس، مقدم البرامج الإذاعية الأمريكي الذي طُرِد عام 2007 لأنه علّق تعليقات عنصرية وجنسية حول الحكمة في الانخراط في تصوير نمطي عرقي ضد السود. أضف اليهود والكاثوليك والمثليين وغيرهم كذلك.

والآن استبدل السود بالمسلمين، تكتشف كيف عاملت محطة الإي بي سي الإسلام والمسلمين في آخر حلقة من برنامج 20/20 و"هذا الأسبوع مع كريستيان أمانبور".

كانت هناك المناظر الإلزامية عن معسكرات تدريب الإرهابيين والطائرات تصطدم بأبراج التجارة العالمية وضحايا ما يسمى بجرائم الشرف. يضم خبراء المسلمين، وهم يبدون "إسلاميين" بشكل رسمي بلحاهم الطويلة وقبعاتهم، واحداً ادعى بأن علم الإسلام سوف يرفرف يوماً ما فوق البيت الأبيض. أما الخبراء غير المسلمين وهم روبرت سبنسر (محام معروف ضد المسلمين في خلاف البارك 51) وأيان حرسي علي (كاتبة منتجة ضد المسلمين) وفرانكلن غراهام (الذي قال أن "الإسلام دين شرير خبيث جداً") معروفون بل وحتى مشهورون لأنهم ينفثون حقداً ضد الإسلام بشكل متواصل.

اتفقت هذه الشخصيات بالطبع مع الشخصيات الكاريكاتيرية ذات اللحى الطويلة والقبعات البيضاء، مكررة الدعاية السياسية بأن الإسلام يتطلب من أتباعه الهيمنة على الشعوب. ومن بين المسلمين "العاديين" الذين تمّت مقابلتهم امرأة تلبس النقاب (أقل من 1% من النساء المسلمات في أمريكا يلبسن النقاب) ومسلمين من "أوكار" مثل ديربورن بولاية ميشغان وباترسون في نيوجيرسي.

هل يخاف بعض الأمريكيين من السود؟ بالطبع. ولكننا لا نوافق على هذه المخاوف بالسماح بأن يتم التعبير عنها ببراءة زائفة على برامج تلفزيونية محترمة. لماذا تخرج برامج كهذه عن خطها لتجد أكثر المسلمين إرهاباً وأكثرهم "كرتونية"، وتقدمهم على أنهم ناطقون رسميون باسم المسلمين؟

لن يسأل أي صحفي جاد شخصاً أسود اختير عشوائياً يحمل حقيبة رجل أعمال في الشارع أن يشرح تركيبة أمريكي مجرم من أصول إفريقية، بسبب صدفة لون البشرة المماثل. ولكن الصحفيين الجادين زاروا أمريكيين مسلمين عاديين وطلبوا منهم أن يشرحوا سلوك الملوثين القتلى والمتطرفين، وبالتالي ربطوا بين الملوثين عقلياً والمجتمع في التيار الرئيس.

هل هناك أناس مستعدون لتقديم كافة أنواع النظريات العنصرية حول الجريمة السوداء، من مشاكل في الجينات السوداء إلى نقص في الثقافة السوداء؟ نعم، كثيرون. ولكن الوقت الوحيد الذي يظهرون فيه على البرامج الإخبارية في التيار الرئيس هو كأمثلة على العنصرية، وليس كخبراء في الجنس البشري.

نحن نخوض حواراً وطنياً حول الانتماء. يشكّل التهديد بحرق القرآن الكريم في فلوريدا والخلاف حول المركز الإسلامي المقترح في مانهاتن السفلى أمثلة على هذا الحوار الوطني حول ما إذا كان باستطاعة أمريكا أن تمد ذراعيها بشكل واسع لمعانقة المسلمين أيضاً. ليست التعابير غير المسؤولة والتهويجية عن المسلمين في الإعلام الشعبي سبب الرهاب الإسلامي، ولكن باستطاعتها بالتأكيد جعله أسوأ حالاً. لا تفعل البرامج الإخبارية الأخيرة والتقارير الإعلامية شيئاً لإلقاء الضوء على هذا الحوار الوطني أو فهمه، وهذا أمر غاية في السوء.

ولكن الحوار يجب أن يستمر. وأنا آمل أن يستمر في مساجدنا وكنائسنا وهياكلنا اليهودية وغيرها من الأماكن المقدسة، حيث يتحدث الأمريكيون من كافة الأجناس وجهاً لوجه عن الخلافات وعن إنسانيتنا المشتركة، بعيداً عن الصور النمطية التي أصبحت بارزة جداً في الفترة الأخيرة في برامجنا التلفزيونية ومجلاتنا.

ـــــــــــ

* عضو الكونغرس كيث إليسون (ديمقراطي من مينيسوتا) هو أول مسلم يُنتخب في الكونغرس الأمريكي .

تقوم خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من الكاتب.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

===================

السياسة الخارجية التركية الجديدة كما يراها أوغلو

الموقع الاستراتيجي في الساحة الدولية

المستقبل - الجمعة 22 تشرين الأول 2010

العدد 3808 - ثقافة و فنون - صفحة 20

توفيق المديني

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا في نهاية خريف 2002 ولغاية تدهور علاقات تركيا مع إسرائيل، وانخراطها في الأزمة النووية الإيرانية، تسلك السياسة الخارجية التركية مسارات جديدة، تعبر عن التحولات العميقة التي تشهدها تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، إذ اتخذت مواقف لافتة ونوعية من قضايا قوس الأزمات في الشرق الأوسط.

لقد انتهج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا سياسة خارجية جديدة قوامها على النحو التالي: الحفاظ على التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، من موقع القوة الإقليمية الصاعدة التي تريد أن تحافظ على قدر من الاستقلالية والمسافة مع الغرب، وفي الوقت عينه تعميق الفجوة مع إسرائيل في سياق مسار تصادمي صعدت إليه الدولتان التركية والإسرائيلية، وإعادة تموضع تركيا في مشهد جغرافي أوسع، أي العودة إلى العالمين العربي والإسلامي، يمكن ملاحظته منذ بداية الألفية الجديدة، حتى صار الحديث عن تصاعد الدور الإقليمي التركي، وانبعاث ما يمكن تسميته بـ"العثمانية الجديدة" ملء الأسماع في أجهزة الإعلام المرئية والمكتوبة في العالم الغربي.

ويقوم هذا المنظور الجديد للسياسة الخارجية التركية بصورة اساسية على ما يسمى بمبدأ "العمق الاستراتيجي"، Strategic Depth (بالتركية Stratejik Derinlik)، وهو المبدأ الذي صاغه البروفسور أحمد داود أوغلو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أنقرة، في كتاب نشر له سنة 2001، تحت عنوان: "العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا الدولي"، The Strategic Depth: The Turkish International Location.

ولد داود أوغلو عام 1959 في مدينة قونيا في قلب الأناضول، وتخرج من جامعة البوسفور التي تدرس موادها باللغة الإنكليزية وتعتبر أهم المؤسسات الجامعية التركية، في عام 1984، من قسم العلوم السياسية، ليحصل لاحقاً على شهادة الماسترز والدكتوراه في العلاقات الدولية. ولاحقاً عمل في أكثر من جامعة داخل تركيا وخارجها كان أهمها الجامعة الإسلامية في ماليزيا. وفي عام 1999 حصل على مكانة بروفسور في تدرجه الأكاديمي، وكان آخر منصب جامعي تولى مسؤوليته هو رئاسة قسم العلاقات الدولية في جامعة "بي كانت" التركية الخاصة الراقية. وبسبب خبرته في العلاقات الدولية واطلاعه الأكاديمي الغزير واهتمامه بتطبيق النظريات على الواقع السياسي اليومي، استدعاه "جول" و"أردوغان" للإشراف على مهام الرصد والتخطيط والمشاركة في عملية إطلاق سياسة خارجية جديدة للبلاد، بعد تشكيل حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الاسلامية، للحكومة التركية، ويعتبر الأستاذ الجامعي أحمد داود أوغلو، الذي كان مستشاراً أساسياً لرئيس الوزراء في مجال السياسة الخارجية، إثر الانتصار المدوّي لحزب العدالة والتنمية AKP خلال انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، ثم أضحى ابتداءً من أيار/مايو 2009 وزيراً للخارجيّة، المنظر الاستراتيجي للدور الإقليمي التركي. فهو الذي صاغ التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية التركية، والعقل المدبر وراء التغيير الجذري الذي طرأ على سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم في علاقة تركيا بدول الجوار العربي - الإسلامي.

ويبدو المتأمل في دراسة هذه السياسة الخارجية التركية الجديدة، أو السياسة الإقليمية للدولة التركية، أن البروفسور أحمد داود أوغلو، كان متأثراً بنظرية "صراع الحضارات" التي وضعها المفكر الأميركي الراحل صموئيل هانتنغتون في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، وما أثارته من جدل فكري وثقافي وحضاري بين العالمين العربي الإسلامي، والعالم الغربي.

1 - إعادة صياغة الهوية الوطنية التركية

كانت تركيا الدولة العلمانية التي تملك روابط قوية مع أوروبا، والمشاركة الأساسية في حلف شمال ألأطلسي، والمنتقلة منذ نهاية الحرب الباردة من الهامش إلى الواجهة في موضوع الأمن في منطقة أوراسيا، تطمح إلى أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، وأن تؤدي دوراً إقليمياً في جنوب شرق أوروبا، والشرق الأوسط، والقوقاز.

بيد أن تركيا تعاني من أزمة في هويتها الوطنية، التي لم تكن محل إجماع في البلاد منذ إعلان الجمهورية التركية الحديثة عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك وحتى اليوم. وتعد الهوية باعتبارها مدركات الدولة لنفسها في مواجهة محيطها الجغرافي؛ "من أهم العوامل الحاكمة في رسم السياسة الإقليمية للدول. وبالرغم من دورها الانطلاقي والأساسي في رسم السياسات الإقليمية والخارجية؛ فإن الهوية الوطنية لا يمكن حسابها بالطرق الاعتيادية المتبعة في قياس قوة الاقتصاد ومدى ارتباطه بالاقتصاد العالمي، أو قياس نسبة الصادرات إلى الواردات، وغير ذلك من المعايير الثابتة. لذلك فمن الطبيعي أن تختلف مدركات هذه الهوية من حزب إلى آخر ومن فصيل سياسي إلى غيره من الفصائل خصوصاً في دول العالم الثالث، وهذا الاختلاف يقود إلى اعتماد البرنامج السياسي للأحزاب الحاكمة على رؤى بعينها في القضايا المختلفة ومنها طبعاً السياسات الداخلية والإقليمية والخارجية".

ولا يمكن لتركيا البلد العلماني الكبير، أن يشكل جسراً بين العالم الغربي والشرق الأوسط، جغرافياً واقتصادياً وثقافياً، إلا إذا تمكن من حل معضلة الهوية الوطنية بدلالة الهوية التعددية القائمة على تأسيس العلاقة الممكنة بين الإسلام والديمقراطية، وعلى القبول بمدنية السلطة والتعددية الدينية والفكرية والسياسية وحقوق الأقليات والحريات العامة والخاصة ضمن السياق الاجتماعي العام المقبول.

لقد حولت المؤسسة العسكرية التركية التي سيطرت على مقاليد السلطة لمرحلة تاريخية كبيرة، ورسمت السياسات الإقليمية لتركيا في اتجاه الارتباط بالغرب الأوروبي والأميركي على مستوى السياسات الإقليمية والدولية، العلمانية إلى أداة لنفي الدين ومحاربته، بدلاً من الاكتفاء بالفصل بين المجالين الديني السياسي كما هو الحال في النظم الديموقراطية الغربية.

العلمانية في تركيا لم تنشأ ضمن سيرورة ثورة ديمقراطية تاريخية تنقل المجتمع التركي من هدأة التأخر التاريخي إلى عصر الحداثة، بل تحولت إلى شعار، يمتلئ كغيره من الشعارات بمضامين أيديولوجية، وبشحنة من الاستفزاز والتحدي، وأصبحت في ظل سيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة بمنزلة المذهب أو العقيدة الأيديولوجية تمارس سلطة الضبط والتدخل والحجر، ومصادرة حرية العقل. فارتبطت بذلك العلمانية التركية بالاستبداد، وتحولت تدريجيا إلى ما يشبه الايديولوجيا المقدسة أو الدين الجديد، وقطعت تركيا عن واقعها التاريخي والحضاري الإسلامي بعد أن عزلت الدولة التركية نفسها عن الاندماج في محيطها الإقليمي، أي العالم العربي والإسلامي، حيث تراكمت مشاكلها مع دول الجوار الجغرافي، وسيطرت عليها النظرة من أنها محاطة بدول معادية، الأمر الذي جعلها دائما تدافع عن نفسها باستمرار في وجهها.

بينما تعتبر العلمانية المنفتحة الحل الحقيقي لمسألة الأقليات في بلد مثل تركيا متعدد الأعراق، والمدخل الحقيقي للمواطنة وبناء الدولة - الأمة، الدولة الحديثة الديمقراطية، دولة الحق والقانون التي يستقل فيها الدين عن الدولة والدولة عن الدين.

لاشك أن هذا التطبيق الميكانيكي والتسلطي للشعارات العلمانية لفترة زمنية طويلة في تركيا هو الذي "أوجد حالة من الاغتراب الثقافي وخلق أزمة هوية شعرت بها مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصاً الطبقات الوسطى والكادحة، وهو عامل ساعد على توليد آليات ضغط شعبي للمطالبة بتوسيع نطاق الحريات الدينية والسماح لها بممارسة الشعائر الإسلامية، ولا جدال في أن وجود هذه الحال المجتمعية الرافضة للاغتراب والراغبة في استعادة هويتها الثقافية والدينية مهد في ما بعد لقيام أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية، على رغم من أن هذه الأحزاب لم تبدأ بالظهور إلا عام 1970 حين قام نجم الدين أربكان بتأسيس "حزب النظام الوطني". ومعنى ذلك أن تيار "الإسلام السياسي" في تركيا يعد في الواقع تياراً حديث النشأة إذا ما قورن بالدول العربية والإسلامية الأخرى، وهو ما من شأنه طرح تساؤلات عديدة حول أسباب النجاح المذهل الذي حققه في تلك الفترة الوجيزة نسبيا والتي لا تزيد عن ثلث قرن".

2 - مرتكزات السياسة الخارجية التركية الجديدة

التحول النوعي في السياسة الخارجية التركية، يكمن في استطاعة حزب العدالة والتنمية أن يدرك بشكل متميز الهوية الوطنية لتركيا، من حيث هي أوروبية وشرق أوسطية أيضاً، وأن يبلور الأسس الجديدة للسياسة الخارجية التركية، التي تستند على الركائز المعروفة في العلوم السياسية مثل: التحالفات الدولية والموقع الجغرافي والإمكانات البشرية والاقتصادية، إضافة إلى الروابط التاريخية لتركيا في محيطها الأوراسي، والعالم العربي والإسلامي، ودورها الكبير في رسم السياسة الإقليمية لتركيا.

يؤكّد السيد أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي، "أنّ المسألة تتعلق أولاً برؤيتنا للأمور". ورؤيته ليست ضيّقة: فهو إذ يريد السلام والأمن في المنطقة، يعتبر أنّ بلاده، العضو في الوقت نفسه في مجموعة الدول العشرين G20 وفي منظّمة حلف شمال الأطلسي NATO، تحتلّ موقعاً يخوّلها المساهمة في تحقيق ذلك. والسيد داود أوغلو هو مهندس سياسة أنقرة الجديدة هذه؛ تلك القائمة على مبدأ "صفر مشاكل مع الجيران" وعلى "القوّة الهادئة" (soft power) التي ترتكز على الإقناع والتفاوض.

لقد أصبحت السياسة الخارجية التركية خلال العقدين الأخيرين لمرحلة ما بعد نهاية الرحب الباردة، أي مرحلة عودة انطلاق الدور الإقليمي إلى الخارج، محطّ العديد من النقاشات والجدالات في الغرب وفي تركيا والعالم العربي.

في كتابه الذي يحمل العنوان الآتي: "العمق الاستراتيجي.. مكانة تركيا الدولية" بنى البروفسور أوغلو تحليلاته من خلال التركيز على الأبعاد الجيوسياسية، ولاسيما على المكونين اللذين يشكلان أساس "العمق الاستراتيجي"، - وهما: "العمق الجغرافيGeographical Depth "، و"العمق التاريخي Historical Depth".

فيما يتعلق بالعمق الجغرافي، يعتبر أوغلو تركيا دولة "مركزية Central"، والحال هذه لا يجوز النظر إليها كدولة "جسر Bridge" تربط نقطتين فحسب، أو كدولة "طرفية Perepherique "، أوحتى كدولة عادية تقع على تخوم العالم الإسلامي أو الغرب، حسب تعبير أوغلو نفسه.

ويرجع أوغلو كون تركيا دولة "مركزية" إلى موقعها الجغرافي الفريد، عندما يقول: "جغرافيا تركيا تعطيها حال دولة مركزية فريدة تختلف عن الدول المركزية الأخرى. فعلى سبيل المثال تعتبر ألمانيا دولة مركزية في أوروبا ولكنها بعيدة جغرافياً عن إفريقيا وآسيا. وروسيا أيضا دولة مركزية في أوروبا ولكنها بعيدة جغرافيا عن إفريقيا، وإيران دولة مركزية في آسيا لكنها بعيدة جغرافيا عن أوروبا وإفريقيا. وبنظرة أوسع، فإن تركيا تحتفظ بالموقع الأفضل فيما يتعلق بكونها دولة أوروبية وآسيوية في الوقت عينه. كما أنها قريبة من افريقيا أيضاً عبر شرق البحر المتوسط. ومن ثم فإن دولة مركزية تحتفظ بموقع متميز هكذا لا يمكن لها أن تعرف نفسها من خلال سلوك، ولا يجب النظر إليها كدولة ممر تربط نقطتين فحسب، ولا دولة طرفية، أو كدولة عادية تقع على تخوم العالم الإسلامي أو الغرب".

"العمق الجغرافي" و"العمق التاريخي"، يشكلان الإرث التاريخي الذي ورثته تركيا من الإمبراطورية العثمانية بوصفها أحد مراكز الجذب العالمية، حيث كانت استانبول عاصمتها التاريخية، بعد أن كانت تاريخياً عاصمة الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية. فالجزء الأكبرمن تركيا أي نحو 97,5 في المئة من مساحتها يقع في آسيا، في حين تقع النسبة الباقية في أوروبا. وكانت قسطنطينوبوليس مدينة مسيحية بيزنطية قبل أن يفتحها السلطان العثماني محمد، والذي ذهب في التاريخ باعتباره "محمد الفاتح" بسبب ضمه استانبول إلى إمبراطورية العثمانيين، ليتبدل اسم المدينة إلى الآستانة التي أصبحت حاضرة الشرق الكبرى وعاصمة الدولة العليّة العثمانية. استعمل السلطان محمد الفاتح لأول مرة في التاريخ المدافع ذات القطر الكبير عند فتحه المدينة العريقة، في تطبيق عملي للعلاقة العضوية بين امتلاك ناصية العلوم والمعارف التقنية والنجاحات العسكرية والسياسية.

لقد جمع البروفسور أوغلو بين المعيارين "العمق الجغرافي" الاستراتيجي، و"العمق التاريخي" الثقافي لتركيا تحت اسم واحد هو "العمق الاستراتيجي"، ونتاج تشكل تركيا ذاتها من موزاييك فريد من الأعراق (أتراك، أكراد، عرب، أرمن، شركس، لاز) والطوائف (السنة والعلويين والمسيحيين الأرثوذكس)، فإنها من وجهة نظر أوغلو، تركيا دولة ذات هويات إقليمية متعددة، أي أنها تنتمي إلى مناطق الشرق الأوسط، والبلقان، والقوقاز، وآسيا الوسطى، وبحر قزوين، والبحر الأسود، والبحر المتوسط، ولا يمكن حصرها في هوية واحدة.

والحال هذه، على تركيا، حسب وجهة نظر أوغلو: "أن تعتبر كونها دولة طرفية هي جزء من الماضي، وتدشين سياسة خارجية جديدة تقوم على توفير الاستقرار ليس لنفسها فحسب، ولكن لجيرانها في مناطق نفوذها. وعلى تركيا أيضاً أن تضمن أمنها القومي واستقرارها عبر تطوير دور أكثر فاعلية وبناء لتوفير النظام والأمن والاستقرار في النظم المحيطة بها".

وفقا لهذا المنظور، بلور حزب العدالة والتنمية الأسس الجديدة للسياسة الخارجية التركية الموجهة لكل منطقة، مع التكامل بين أبعادها. وتقوم هذه الأسس على ضرورة تعدد أبعاد السياسة الخارجية التركية بما يتفق وطبيعة تركيا كدولة ذات "عمق استراتيجي" مستمد من وقوعها في قلب منطقة أفروأوراسيا.

شرعت تركيا مع بداية العقد الحالي في تطوير رؤيتها وسياستها على نحو يتواكب مع المستجدات في القرن الحادي والعشرين، وبذلت جهودها لإرساء رؤيتها على أرضية صلبة توظف فيها موروثاتها التاريخية والجغرافية التوظيف الأمثل. ومن ثم تعين على تركيا الالتزام بستة مبادئ حتى يتسنى لها تطبيق سياسة خارجية إيجابية فعالة.

المبدأ الأول: "هو التوازن السليم بين الحرية والأمن". والحقيقة أنه ما لم تحرص دولة من الدول على إقامة ذلك التوازن بين الحرية والأمن بداخلها، فانها ستكون عاجزة عن التأثير في محيطها. كما ان مشروعية النظم السياسية يمكنها ان تتحقق عندما توفر هذه النظم الأمن لشعوبها، مع عدم تقليص حرياتها في مقابل ذلك. وما نعنيه هو ان الانظمة التي توفر الأمن لشعوبها وتحرمها في مقابل ذلك من الحرية، تتحول مع الوقت انظمة سلطوية، وكذلك الانظمة التي تضحي بالأمن بدعوى انها ستمنح الكثير من الحريات، ستصاب بحالة من الاضطراب المخيف. واذ اتجه العالم من بعد احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 الى تقليص الحريات بدعوى تحقيق الأمن ازاء التهديدات الارهابية، فان نجاح تركيا في تحقيق هذه المعادلة الصعبة بتوسيعها مساحة الحرية دون ان تغامر بأمنها لهي نقطة جديرة بالملاحظة والانتباه".

تمثل المبدأ الثاني: "في تصفية المشكلات" مع دول الجوار، وهو مبدأ تبدو نتائجه الايجابية واضحة بجلاء لكل متابع، فعند مقارنة وضع تركيا الآن، بما كانت عليه قبل اربعة أو خمسة اعوام، سنجد ان علاقات تركيا مع كل دولها المجاورة باتت وطيدة الى اكبر درجة. وابرز الامثلة على ذلك علاقاتها مع سوريا التي توّجت بابرام عدد من اتفاقات التجارة الحرة بين البلدين، وفتحت الطريق امام علاقات اقتصادية ضخمة. ارتقى مستوى علاقات تركيا بسوريا الآن الى حد يمكن ان يوصف بالانقلاب في المسار الديبلوماسي مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة أو خمسة عشر عاما".

يقوم المبدأ الثالث: "على التأثير في الاقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار، ويمكننا هنا التحدث عن تأثير تركيا في البلقان والشرق الاوسط والقوقاز وآسيا الوسطى. اهتمت الخارجية التركية في عقد التسعينات من القرن المنصرم اهتماماً جادا ومؤثرا بالبلقان، ولاسيما في ازمتي البوسنة والهرسك وكوسوفو، وهو اهتمام يرتكز على اسس راسخة. وظلت قدرة تركيا على النفاذ الى الشرق الاوسط محدودة، مقارنة بما تتمتع به تركيا من تأثير داخل البلقان والقوقاز... وتأطرت هذه الصورة السلبية في زعم الاتراك ان العرب قد خانوا الدولة العثمانية وطعنوها في ظهرها، وزعم العرب ان الاتراك قد احتلوا العرب لأربعة قرون. ومن ثم كان ذلك الحاجز النفسي هو العقبة الكؤود امام انفتاح كلا الطرفين على الآخر. بيد ان الضرورات البراغماتية التي تولدت عن الحاجة الى الدعم الديبلوماسي المتبادل قد فتحت الطريق امام هذه العلاقات، وحطمت تلك الحواجز التاريخية/ النفسية، وهو ما جعل تركيا اكثر ارتباطا بسياساتها الشرق اوسطية الفعالة التي انتهجتها منذ عام2002".

يرتكز المبدأ الرابع: "السياسة الخارجية المتعددة البعد"، على ان العلاقات مع اللاعبين الدوليين ليست بديلة من بعضها البعض، وانما متممة لها. وهو مبدأ يسعى لابراز علاقات تركيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية في اطار ارتباطها بالحلف الاطلسي (الناتو) وتحت مفهوم العلاقات الثنائية، وكذلك لطرح جهود تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وكذلك سياستها مع روسيا وأوراسيا على الوتيرة ذاتها من التزامن باعتبارها علاقات تجري كلها في اطار التكامل، وليست علاقات متضادة أو بديلة من بعضها البعض. وان ما نقصده هنا ونود التأكيد عليه هو ان السياسة المتعددة البعد التي تنتهجها تركيا منذ سبع سنوات لم تتضارب أو تتناقض مع بعضها البعض، ولذلك اضحت سياسات مؤسسية راسخة".

أما المبدأ الخامس: "فهو الديبلوماسية المتناغمة، اذ عند النظر الى اداء تركيا الديبلوماسي من زاوية عضويتها في المنظمات الدولية، واستضافتها للمؤتمرات والقمم الدولية نجد تطورات مهمة وجادة، في حال ما قورنت بأدائها الديبلوماسي قبل عام 2003، استضافت تركيا قمة الناتو، وقمة منظمة المؤتمر الاسلامي فضلا عن استضافتها معظم المنتديات الدولية. واصبحت عضوا مراقبا في منظمة الاتحاد الإفريقي عام 2007، وهو ما يمكن ان يفسر باعتباره نتيجة طبيعية لسياسة تركيا في الانفتاح على إفريقيا منذ عام 2005، فضلا عن مشاركة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في قمة الاتحاد الإفريقي الأوروبي التي انعقدت في مدريد، وهي المشاركة التي هيأت لتركيا ان تصبح لاعباً مؤثرا في العلاقات بين الاتحاد الافريقي وأوروبا. وبدعوة من جامعة الدول العربية شاركت تركيا على مستوى وزراء الخارجية وعلى مستوى رؤساء الوزراء على حد سواء. كما وقعت مع جامعة الدول العربية على اتفاقية خاصة على خلفية اجتماع دول جوار العراق، وذلك خلال الفترة التي تصاعدت فيها الازمة بين العراق وحزب العمال الكردستاني، حيث قضت الاتفاقية بتأسيس علاقات مؤسسية وتشكيل المنتدى التركي العربي".

أما المبدأ السادس والأخير: "فهو أسلوب ديبلوماسي جديد. فلفترة طويلة من التاريخ كانت تركيا في نظر العالم دولة جسرية، ليس لها رسالة سوى ان تكون معبراً بين الاطراف الكبرى. والمقصود من ذلك الدور هو ان تركيا دولة تنقل طرفا الى طرف آخر دون ان تكون فاعلا بين الطرفين. ولذا بدت تركيا لدى الشرقي دولة غربية، ولدى الغربي دولة شرقية، ومن ثم كان من الضروري رسم خريطة جديدة لتركيا تجعلها مرشحة لأداء دور مركزي: وأن تكون دولة قادرة على انتاج الافكار والحلول في محافل الشرق ومنتدياته، رافعة هويتها الشرقية دون امتعاض، ودولة قادرة على مناقشة مستقبل أوروبا داخل محافل أوروبا ومنتدياتها من خلال نظرتها الأوروبية. وهذه الرؤية ليست موجهة للديبلوماسيين والسياسيين وحدهم بل للمثقفين أيضاً، اذ ان الوصول الى نتائج ايجابية في هذه الرؤية يعد أمراً مستحيلاً دون اعادة تهيئة المثقف وتطويره في نموذج جديد".

من هنا، شكلت المقاربة الجديدة للسياسة الخارجية التركية خروجاً عن الإطار القديم المألوف زمن الحرب الباردة، الذي تسود فيه سياسة خارجية منغلقة، فتركيا تتصرف للمرة الأولى من خلال بسيكولوجيا وفهم وثقة تعكس حقائق مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وإذا كانت هناك شعوب وبلدان لا تزال تعيش في عالم الديناميات والتوازنات التي كانت سائدة في مرحلة الحرب الباردة، فإن تركيا تنطلق بسرعة كبيرة جداً في القرن الحادي والعشرين، لجهة اعتمادها على تنويع سياستها الخارجية المتحركة في اتّجاهات متعدّدة بحسب ما تمليه عليها جغرافيتها وتاريخها، والمنطلقة أيضاً من خدمة مصالحها الوطنية مصالحها الاقتصادية والأمنية والإقليمية.

و هكذا تختلف جداً فكرة "العمق الاستراتيجي" وسياسة "صفر مشاكل" عن سياسة الجمهورية التركية خلال الحرب الباردة. وتختلف أيضاً عن سياستها في أغلب سنوات ما بعد نهاية الحرب، حيث كانت السياسة التقليدية للجمهورية التركية تقوم على الانغلاق داخلا مع التأكيد على احترام الوضع الراهن وحماية حدودها في آسيا الصغرى. والسبب الأساسي لهذه السياسة كان يكمن في مخاوف الأتراك من أن تحاول الدول العظمى العمل مجدداً على تقسيم الإقليم التركي.

وشكلت هذه السياسة الخارجية التقليدية لتركيا في معظم سنوات الجمهورية الترجمة الفعلية لمقولة كمال مصطفى (أتاتورك) المشهورة "السلام في الداخل والسلام في الخارج"، وتجنب التدخل في الأوضاع الداخلية للدول المجاورة. والخروج الوحيد عن سياسة حفظ الوضع الراهن خلال فترة الحرب الباردة كان تدخل تركيا العسكري في قبرص في عام 1974.

هل يمكن فهم السياسة الخارجية الجديدة لتركيا، اي سياسة "العمق الاستراتيجي" على أساس أنها تشكل قطيعة مع السياسة الخارجية التي كانت سائدة في عهد كمال أتاتورك ومرحلة الحرب الباردة؟

تركيا التي تقدم نفسها كقوة إقليمية قائدة في العالمين العربي والإسلامي، لا يمكن أن تحسن مكانتها هذه من دون أن تكون نصيرة للقضية الفلسطينية في عيون العرب والمسلمين، وهي تستثمر بجدارة المأزق الأميركي في كل من العراق وأفغانستان، وظهور تعدّدية قطبية جديدة تتّسم بصعود قوى إقليمية قادرة على ممارسة تأثيرها على الساحة العالمية، وحدوث فراغ في القوى الإقليمية العربية (مثل مصر والعراق) التي تراجع نفوذها كثيرا بعد حرب الخليج الثانية، لكي تحقق اختراقاً كبيرا في سياستها الخارجية الجديدة التي تقوم على الاحتفاظ بعلاقاتها مع الغرب، وبالعودة إلى إرثها الإسلامي، وتقوية علاقاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية مع جيرانها من الدول العربية والإسلامية التي كانت تقع ضمن سيطرة الامبراطورية العثمانية سابقاً.

بصرف النظر عن قوة الإقناع التي يملكها أحمد داود أوغلو، فإن السياسة الخارجية التركية، التي تعكس الإسلام السياسي المعتدل والتحديثي لحزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ عام2002، وتسعى إلى استعمال قوة التجارة الناعمة إلى جانب الروابط التاريخية لنشر الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، تشكّل منعطفاً تاريخياً مهماً، ولاسيما أن التجديد الديبلوماسي التركي يسعى إلى التصالح مع عمقه الاستراتيجي وتوسيع نفوذه الإقليمي نحو إيران وروسيا والدول العربية، بينما كانت تركيا تعتبر نفسها حصناً شرقياً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في حين كان جيرانها مثل سوريا والعراق وإيران يُعتبَرون بأنهم يشكّلون تهديداً يجب احتواؤه.

ولم يكن هذا التحول في السياسة الخارجية ليحصل من دون حدوث التغييرات الدراماتيكية في تركيا، ولا سيما بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، حيث اتجهت روسيا نحو تبني الديمقراطية الغربية، وتغير الاستراتيجية الأميركية في عهد إدارة جورج بوش الإبن حين حاولت فرض النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد، وهما كانا في أساس التوجهات الاستراتيجية الجديدة لحكومة حزب العدالة والتنمية التي قامت بإعداد قوانين تراعي احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وإبعاد العسكر عن السياسة، واضطرارهم إلى تغيير حقل اهتمامهم في السياسة الخارجية التي باتت من اختصاص النخب المدنية حصرياً.

[ الكتاب: العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية

[ الكاتب: أحمد داود أوغلو، ترجمه: د. محمد جابر ثلجي ود. طارق عبد الجليل وقام بمراجعته كل من: د. بشير نافع ود. برهان كوروغلو.

[ الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون+مركز الجزيرة للدراسات، أيلول2010، 646 صفحة

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ