ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
ميشيل
كيلو 2010-11-08 القدس
العربي ليست
فكرة التغيير مستحبة رسميا في عالمنا
العربي. وإذا ما طالب أحد ما بالتغيير
في بلد من بلداننا، عامله حكامه وكأنه
يطالب بإسقاط النظام. عندئذ، يستل
هؤلاء سيوفهم وينقضون عليه، فيجد نفسه
إما مرميا في سجن، أو في بعض الحالات
والبلدان، معلقا على مشنقة، أو غائبا
عن الوجود لا يعرف مكانه أحد: أهو في
الدنيا أم الآخرة. تأخذ
نزعة مناهضة التغيير صورة تمسك مستميت
بما هو قائم، بكل ما فيه من عجر وبجر
وأخطاء. لذلك تجد أصحاب الأمر القائم
يعارضون أي حديث عن التغيير أو حتى أي
قول بضرورته، فكأنهم يعتقدون أنه يقع
بمجرد المطالبة به أو الحديث عنه،
مثلما يعتقد أصحاب الوساوس والهلوسات
أن الموت يأتي من 'فتح سيرته'، فتراهم
يرفضون أن يذكر أحد أمامهم سيرة
التغيير، الذي يرون مدخله في الإصلاح،
مهما كانت صيغة الحديث عنه، بينما
يلاحق بصورة منهجية من يصر عليه من
رعاياهم، بحجة ترد على لسان سائر
المسؤولين ترى أن التغيير، حتى في
صورته كإصلاح جزئي، يهدد الأمن الوطني
والسلام الاجتماعي، المكفول
بالامتناع عن المس باستقرار النظام
المطلوب تغييره!. هذا
الموقف من التغيير يضمر إقرارا ضمنيا
بأن الأحوال القائمة ليست على ما يرام،
وأنها هشة إلى درجة لا تسمح بالتخلي عن
أي جانب منها أو بتطوير بدائل لها،
مهما كانت محدودة وجزئية وعابرة. وهو
موقف يمليه الخوف من تداعي النظام
القائم جزءا بعد جزء وقطاعا بعد آخر،
الأمر الذي يخشون أن يحدث بصورة
تدريجيا في البداية، ثم يتسارع حتى
تستحيل السيطرة عليه، كما حدث في النظم
المغلقة / الجامدة، التي ما أن قامت
بمحاولة تغيير حتى انهارت كبيت من
كرتون، أهم نماذجها النظام السوفييتي
السابق. ومع أن معظم قادة العالم
العربي يقرون، بين حين وآخر، بضرورة
وشرعية التغيير، ويتعهدون بإنجاز شيء
منه في زمن لا يحددونه، فأن هؤلاء لا
يدعون شكا في حقيقة أن هدف أقوالهم ليس
تغيير الأمر القائم، بل إيجاد أشكال من
التغيير تثبته وتوطده، أشكال وهنا
المفارقة - تغيير لا تغير، هي أقرب إلى
تطوير يعزز استمراره ويضمن أوضاعه،
ويحول دون الإتيان بجديد، بما أن النظم
العربية ترفض بصورة جماعية تقريبا
الجديد ولا تثق به لأنها تعلم أنه
مربك، وأنها قد لا تملك الوقت الكافي
والموارد اللازمة لتكييفه مع بنيتها
الجامدة. اللافت أن وعد التطوير لم
يتحقق بدوره، وأنه ترجم إلى جملة
ألاعيب طوته في القديم، الذي يقال
بصراحة إنه يجدد نفسه بنفسه، وليس
بحاجة إلى تغيير أو تطوير من خارجه،
يهدده. عموما،
هناك نمطان من التغيير : واحد يطاول
البنية الفوقية للدولة، لنظامها
السياسي والأيديولوجي ولآليات
اشتغالها وإعادة إنتاجها ولسبل
تحسينها وتفعيلها ... الخ، وآخر ينصب
على بنيتها التحتية كما تتجلى أساسا في
اقتصادها ومؤسساته وإداراته وفي أوضاع
القوى العاملة وأنماط الإنتاج
والتبادل والتوزيع والاستهلاك. يعني
هذا التمييز أن التغيير يمكن أن يبدأ
من فوق ليقتصر على ترميم أو تطوير أو
تبديل في تنظيمات وأساليب الحكم،
وتعديلات في القانون... الخ. في الحالة
العربية، كان التغيير فوق يستهدف
احتجاز التغيير على صعيد البنية
التحتية، مثلما كان التغيير تحت
مضبوطا على إحداث أقل قدر ممكن من
التغيير فوق: في السلطة وآليات
اشتغالها وعلاقاتها الداخلية ومع
المجتمع والدولة. بالمقابل، يمكن أن
يتم التطوير والتغيير على صعيد البنية
التحتية، على أن لا يحدث أي تغيير فوق،
على مستوى السياسة، وإلا وقع ما يسمونه
ثورة. في هذه الحالة، يكون هناك دوما
هامش زمني يفصل حدوثه تحت عن انعكاسه
فوق، وطبيعي أن التغيير يكون عندئذ
عميقا بقدر ما يبدل البنية التحتية
ويوائم أبنية الدولة والسلطة
القانونية والتنظيمية، وتدابيرها
وسياساتها، معه. وللعلم، فإن التغيير
بوجه عام هو الذي أنقذ الرأسمالية من
الانهيار، ومكنها من تجديد نفسها، وفي
نهاية الأمر من دحر النظام السوفييتي،
الذي بقي مغلقا وراكدا ورجعيا، ففقد
بجموده وعزوفه عن التغيير القدرة على
البقاء، وزال من الوجود. في
مجتمع يتسم بركود تاريخي مديد، يركز
النظام العربي جهده الرئيسي على
مقاومة التغيير السياسي، تغيير أو
إصلاح بنيته السياسية، ويعمل للحفاظ
على بنيته المغلقة عبر تغيير في الشكل
يحدثها، ومن خلال استخدام البنية
التحتية كميدان يمتص فيه أزمات نظامه
السياسية، يتيح له هامش مناورة يمكنه
من إيهام المجتمع بأن تغييرا يقع
بالفعل، يعبر عن نفسه في تغييرات
إجرائية يدخلها على آليات اشتغال
نظامه الاقتصادي، وعلى بعض علاقات
الملكية السائدة فيه، شريطة أن لا يؤدي
التغيير المحدود في البنية التحتية
إلى تغيير عام، تحولي، في البنية
الفوقية، أي في النظام السياسي
والحقوقي، وأن يعزز قدرات السلطة
والنظام الاقتصادية ويزيد عوائده،
التي تمكنه من امتصاص الآثار المحتملة
للتغيرات الاقتصادية، وتاليا
للعلاقات الطبقية الحاملة للسلطة،
وكذلك للعلاقات السياسية الداخلية
المترتبة عليها. الأصل
في التغيير أن يتم على صعيد البنيتين
الفوقية والتحتية، وأن ينتهي إلى
توافقهما وتناغم أبنيتهما وطرق عملهما
وتوجهاتهما، درءا لأزمات يثيرها
افتراقهما وتناقضهما. في التجربة
العربية، يتم التغيير تحت، في بنية
الاقتصاد، كي لا يتم، أو يتم احتجازه
لأطول أمد ممكن، فوق، في بنية السلطة.
وبما أن هذه هي التي تحرك النظام
بمكوناته السياسية والاقتصادية،
وتتحكم بطابعه وطرق عمله، فإن تغييرها
يكون هو الأساس الذي من خلاله يتعين
مدى وعمق أي تغيير، ما دام التغيير
الاقتصادي لا يفضي إلى تغيير علاقات
السلطة مع المجتمع، والعاملين مع
المالكين، والنخبة الحاكمة مع
المثقفة، ويبقي كل شيء على حاله في
البنية الفوقية، التي تلعب دورا مقررا
تتعين البنية التحتية بواسطته، بل
ويعد هو نفسه حقل إنتاج مادي تنعكس
عوائده على أتباع السلطة وأنصارها،
على خلاف ما هو حاصل في المجتمعات
الرأسمالية المتقدمة، حيث تعينت
البنية الفوقية تاريخيا بالبنية
التحتية، في حين قررت نظمنا السياسية
شكل اقتصادنا، وأنتجت بنيتنا الفوقية
بنيتنا التحتية في شروط محددة منها
قرار سياسي 'طبقي لم يكن للمجتمع
مشاركة فيه أو رقابة عليه. قلت إن
التغيير عندنا هو أساسا تغيير البنية
الفوقية، التي يعاد إنتاج كل شيء
بدلالتها أو انطلاقا منها، فإن لم ينصب
عليها ويفضي إلى إجراء تبدل عميق فيها،
كان تغييرا بمعنى مجازي/لفظي: شكلي
وبراني، نظرا إلى أن العلاقة بين
البنيتين تتركز على إدارة وتحديد
التحتية منهما بواسطة الفوقية، التي
تتحكم بإدارتها إراديا، كي تستأثر
بعائداتها وتستخدمها في توطيد أبنيتها
والدفاع عنها في وجه أي تغيير. بقول آخر
: لا تتغير البنية التحتية عندنا
انطلاقا من هياكلها وآليات عملها
الخاصة، وحاجات العاملين فيها
ومتطلبات تطورها وتقدمها وأوضاع قواها
المنتجة، بل تتغير عبر خيارات البنية
الفوقية وأوضاعها وشكل علاقاتها مع
المجتمع، وما تواجهه من أزمات أو
مشكلات، فهو تغيير بدلالة هذه البنية،
هدفه الحقيقي احتجاز أي تغيير في
البنية التحتية يمكن أن يخرج عن
سيطرتها، وأقلمة هذه البنية مع النظام
السياسي، الذي يضبط أوضاعها ويمنع
تناقضها معه أو اختلاف آليات عملها عن
آليات عمله، بما يجبر البنية النظام
السياسي والقانوني على إجراء تغيير
بدلالة البنية التحتية وقوى الإنتاج،
التي لا يجوز أن تبلغ حدا من التطور
يتيح استقلالها عنه، أو إنضاج حال من
التناقض مع علاقات الملكية القائمة
يؤسس لوعي طبقي مستقل في تبلوره
المجتمعي العام، السياسي والتنظيمي،
تحد جدي للأمر القائم. تنتج
الشمولية المجتمع انطلاقا من السلطة،
فمن البديهي أن لا تسمح بأي تغيير
فيها، كي لا تتغير شروط السيطرة
والهيمنة ويفلت زمام الأمور من يديها.
هنا، يمنع تغيير البنية الفوقية منعا
باتا، وإن تطلب تغيير البنية التحتية
على يديها وبدلالتها، بعض التعديلات
القانونية والتنظيمية، الضرورية
لإضفاء الشرعية على بنيتها الراكدة،
بينما تتغير قاعدتها الاقتصادية ضمن
الإطار المسبق الذي حددته إراديا لها.
هذا النمط من التغيير يمكن اعتباره
نمطا ركوديا، أساسه تحريك بنية جزئية
لإبقاء البنية العامة راكدة ومقاومة
للتغيير. لذلك، يكون التغيير هنا غير
متجانس، وإن ظل مضبوطا بالبنية
الفوقية. بالمقابل، أقام التغيير الذي
عرفه العالم الحديث قدرا فاعلا من
الانسجام بين البنيتين، جعل الفوقية
مهما ملائمة للهياكل التحتية وآليات
عملها، حتى ليقال : إن الدولة
الرأسمالية الراهنة ليست غير شركة، أو
تعمل كشركة تغطي الوطن وربما العالم. لا
ينتج النظام الراكد، الذي يحتجز
البنيتين، غير أزمات لا تني تتفاقم
وتتعقد وتغتني كل واحدة منها بغيرها.
بدل تغيير يماشي الجديد وينضوي فيه،
تضبط مفرداته البنيتين، يحدث هنا
تغيير ركودي ساحته وأداته سلطة تخاف
التغيير، وتحرص على طي الجديد في حاضنة
القديم، وفي جعله جزءا من إعادة
إنتاجه، وليس تغييره أو تبديله. بذلك
ينتج التغيير السلطوي المزيد من
التأخر والضعف المجتمعي، والعجز
الحكومي، ونجد أنفسنا في حلقة مفرغة
تأخذنا كل دوراتها من دوراتها نحو
الأسفل، وتفاقم عجزنا عن الخروج من
واقع تتعاظم فيه الهوة بين العالم
وبيننا، وبين ما علينا فعله للخروج من
مأزقنا، وما تفعله حكوماتنا لإغراقنا
أكثر فأكثر في لجته القاتلة. فإلى متى
نبقى على هذه الحال؟! '
كاتب وسياسي من سورية ===================== في
تحديات بقاء الدولة السودانية: دروس من
بريطانيا حول المواطنة د.
عبدالوهاب الأفندي 2010-11-08 القدس
العربي ثارت
في بريطانيا في خريف عام 2000 ضجة كبرى
غداة نشر تقرير لورد باريك بعنوان 'مستقبل
بريطانيا متعددة الاثنيات'، إذ شنت
الصحافة هجوماً عاصفاً على التقرير
ومحتواه وتوصياته بخصوص المواطنة في
الدولة البريطانية. وكانت مؤسسة رني
ميد المستقلة (والمهتمة بقضايا
المساواة ومناهضة التمييز العرقي) قد
شكلت في عام 1998 لجنة بقيادة لورد بيكو
باريك، وهو أستاذ في العلوم السياسية (التحق
لاحقاً بمركز دراسات الديمقراطية
بجامعة وستمنستر) وعضو مجلس اللوردات
عن حزب العمال. وقد ضمت اللجنة ثلاثة
وعشرين شخصية من المفكرين البارزين
وأهل الرأي، وكلفت مناقشة واقع
التعددية العرقية في بريطانيا وتقديم
توصيات حول الطريقة المثلى لتجنب
التمييز وضمان أن تتحول بريطانيا إلى
دولة تعددية دينامية متطورة. وقد
ورد في توصيات تقرير باريك ضرورة إعادة
النظر في الرواية التاريخية المؤسسة
للهوية البريطانية، لأن هذه الرواية
تؤسس هذه الهوية على أساس أضيق من
اللازم، وتربط بينها وبين تاريخ
بريطانيا باعتبارها بلداً تأسس حصراً
على مساهمات العرق الأبيض، وتحديداً
الأنكلوساكسوني، وفي إطار لغة واحدة
ودين واحد. وهذا فهم تنقصه الدقة،
ويهدد بإقصاء الآخرين وغمط مساهماتهم.
وطالب التقرير بعمل المزيد لتحقيق
المساواة بين المواطنين، مع وضع
التعددية الثقافية في الاعتبار، بحيث
ينظر إلى بريطانيا على أنها مجتمع من
أفراد متساوين، ولكنه يتشكل في نفس
الوقت من عدة كتل ثقافية ودينية وعرقية.
ولا بد عليه من الموازنة بين المساواة
الفردية من جهة وإعطاء الاعتبار
للكيانات الثقافية والاعتراف بها
واحترام خصوصياتها من جهة أخرى وبين
ضرورات التماسك الاجتماعي وحقوق
الأقليات في احترام ثقافاتها. وقد
التقطت بعض الصحف الشعبية قبيل صدور
التقرير بعض مقولاته حول قصور مفهوم
الهوية البريطانية السائد عن إنصاف
الأقليات وتمحوره حول العرق الأبيض
وتاريخه ومساهماته حصراً، لتشن حملة
عنيفة ضد التقرير ومن أعده. وقد وردت
مانشيتات في تلك الصحف تتهم التقرير
بأنه يصف بريطانيا بأنها بلد عنصري،
ويسفه تاريخها وتراثها. وفي تلميح إلى
أن لورد باريك من أصل هندي، وأن معظم
أعضاء لجنته كانوا ذوي ميول يسارية أو
ليبرالية، طرحت الصحف تساؤلات من نوع:
من هم هؤلاء السادة حتى يعلمونا من
نحن؟ ومن الذي خولهم إعادة كتابة
تاريخنا ووصمنا بالعنصرية؟ وهل تعبير 'بريطاني'
مفهوم عنصري؟ وجاء في عناوين أخرى: 'سترو
يريد أن يعيد كتابة تاريخنا'، أو 'تقرير
يريد أن يضع جزيرتنا في مقبرة التاريخ'،
أو 'إهانة لتاريخنا وذكائنا'. وقد
كانت الحملة من الشراسة والحدة بحيث أن
وزير الداخلية وقتها، جاك سترو، اضطر
إلى انتقاد التقرير بعد أن رحب به في
البداية، وأطلق تصريحات يقول فيها إنه
يحق لمواطني بريطانيا أن يفخروا
بهويتهم. وقد غطت الحملة الإعلامية
الغاضبة على النقاش الجاد الذي سعى
التقرير إلى إثارته حول الهوية
البريطانية وما شهدته من تطورات عبر
العهود، وعبر غزوات وثورات متلاحقة،
وتحولات دينية عميقة، ثم نضالات
المهاجرين التي تخللها العنف من أجل
الاعتراف والمساواة. وبرغم الضجة التي
ثارت حول التقرير، إلا أن النخبة
السياسية البريطانية سلمت إلى حد كبير
بالمبادئ التي نادى بها، خاصة في مجال
ضرورة مكافحة التمييز العنصري والديني.
فقد سنت قوانين كثيرة تحظر التمييز في
العمل والسكن وغير ذلك على أساس الدين
أو العرق، وأصبحت المحاكم مخولة
بالنظر في أي دعوى تمييز من هذا النوع،
كما أن الدولة والسلطات المحلية سنت
سياسات للتوعية حول هذه القضايا
والتحرك الإيجابي لمنع التمييز لا
مكافحته فقط. وقد
اعتبرت بريطانيا في هذا الصدد (إلى
جانب كندا وهولندا وبعض الدول الأخرى)
نموذجاً في قبول التعددية الثقافية
وتعايش الأقليات، في مقابل النماذج
الفرنسية والألمانية التي تصر على
الدمج الكامل للمهاجرين في الثقافة
المهيمنة وعدم الاعتراف الرسمي
بالثقافات الأخرى. ولكن لنفس هذا السبب
فإن مفهوم التعددية الثقافية تعرض
لهجوم كاسح في السنوات الأخيرة، خاصة
بعد مظاهرات المدن الشمالية عام 2001، ثم
احداث الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر ثم
تفجيرات السابع من تموز/يوليو في لندن،
والاحتجاجات ضد الحرب في العراق. وقد
أعادت حكومة توني بلير النظر في الموقف
العمالي التقليدي المؤيد للتعددية
الثقافية وانتهجت سياسات جديدة تغلب
ما سمي بالتماسك الاجتماعي على
التعددية الثقافية، وأخذت تتخذ مواقف
متشددة من الأقلية المسلمة تحديدا. ولا بد
هنا من التأكيد على أن رفض التعددية
الثقافية لا ينطلق بأي حال من رفض
للمواطنة المتساوية. فمنتقدو تلك
السياسة يرون، بالعكس، أن التعددية
الثقافية هي نوع من الطائفية التي تقدم
الولاء للطائفة أو الجماعة العرقية
على حقوق المواطنة الفردية، وأن حياد
الدولة الكامل تجاه كل الكتل الثقافية
والدينية هو الضمانة الأمثل للمساواة
الكاملة في حقوق المواطنة. ويقول هؤلاء
بأن الاعتراف بالكتل الثقافية قد يقسم
المواطنين شيعاً وطوائف، وقد يؤدي إلى
هيمنة غير ديمقراطية لفئات داخل تلك
الكتل على الغالبية، كما أنه قد يعمق
الفوارق بين المجموعات ويذكي الصراع
بينها. من هذا
المنطلق فإن هذا الحوار يدور في مناخ
ديمقراطي متطور لا تعتبر فيه الحريات
الدينية والشخصية، وحريات التعبير
الثقافي وحقوق المواطنة الكاملة
والضمانات ضد التمييز، لا تعتبر فيه كل
هذه الأمور موضع تساؤل. وإنما المطروح
هو: هل يحق للجماعات (إضافة إلى الأفراد)،
المطالبة بدعم الدولة لوجودها
الثقافي، ومساعدتها في الدفاع عن
ثقافاتها ضد مخاطر الإضعاف والاندثار
في الثقافة المهيمنة؟ هل يجب على
الدولة مثلاً توفير الموارد لتدريس
لغات الأقليات أو أديانها، أوالسماح
باعتمادها لغات رسمية (كما هو الحال في
ويلز) أو توفير بعض المعلومات الضرورية
بها كما تفعل بعض السلطات البلدية؟ هذا
السجال يكتسب أهمية خاصة في الوضع
السوداني الراهن، حيث تتعرض البلاد
لخطر التفكك تحديداً بسبب عدم الاتفاق
على شروط ومتطلبات المتساوية.
فبريطانيا واجهت وما تزال تحدي حركات
انفصالية، كما كان الحال في أيرلندا
الشمالية، وكما هو الحال اليوم في
اسكتلندا التي يحكمها حالياً حزب
انفصالي التوجه جعل من أولوياته
التشريع لاستفتاء حول تقرير المصير،
ولكنه لم ينجح بعد في ضمان أغلبية
برلمانية لهذا المطلب. ويأتي هذا
بالرغم من أن رئيس الوزراء الحالي، مثل
سلفه غوردون براون، ينحدر من أصل
اسكتلندي. ولعل النجاحات التي تحققت في
مجال ضمان المواطنة المتكافئة في
الإطار الديمقراطي هي التي ضمنت تراجع
الحركات الانفصالية وحركات العنف في
أقاليم بريطانيا المختلفة. ولعل
العبرة الأولى للحالة السودانية من
تجربة بريطانيا هو أن الحديث عن
المواطنة المتساوية لا معنى له خارج
العملية الديمقراطية. فالحديث عن
هيمنة فئة وإقصاء أخرى لا معنى له في
إطار دولة غير ديمقراطية لأن مثل هذه
الدولة تقصي الجميع بحسب منطقها. وعليه
فإن الصراع حول 'التمثيل' في إطار مثل
هذه الدولة، كما كان الحال في اتفاقية
أديس أبابا ثم اتفاقية نيفاشا
واتفاقيات دارفور السابقة، لا يؤدي
إلى توسيع حق المواطنة، وإنما تنتج عنه
شراكة مشروطة في تسيير بعض الأمور. وقد
تكون مثل هذه الاتفاقيات نقطة بداية
لإقرار ثم توسيع حق المواطنة، تماماً
كما حدث في حقب سابقة من التاريخ
البريطاني، ولكنها ليست نهاية المطاف. في
الحالة البريطانية مر توسيع مفهوم
المواطنة عبر مراحل، كان الملك في
أولها هو المواطن الأوحد، وما عداه
رعية. ثم جاء اتفاق الماغنا كارتا في
عام 1215 ليمنح النبلاء حقوق مواطنة
محدودة، ثم وسعت ثورة 1688 دائرة
المواطنة لتشمل طائفة من البرجوازية
الصاعدة. ثم جاءت نضالات نهايات القرن
التاسع عشر وبدايات العشرين لتوسع
دائرة المواطنة لتشمل الطبقات الأدنى
ثم المرأة. وأخيراً جاء دور الأقليات.
وفي أمريكا ثم في فرنسا، انتزعت الطبقة
البرجوازية حق المواطنة في ثورات عام
1776 و 1789 على التوالي، وهو حق كان نظرياً
يمتد لجميع الطبقات. ولكن عملياً فإن
الطبقات الكادحة والأقليات العرقية
كانت مستثناة، واستغرق الأمر حقباً
طويلة ونضالات مريرة حتى تحولت تلك
النظرية إلى واقع لم يكتمل بعد. في
الحالة السودانية بدأ الأمر بالمقلوب،
حيث حققت الأقليات بعض حقوق المواطنة
المحدودة انتزعت غلاباٌ في اتفاقيات
أديس أبابا ونيفاشا، ولكن الأغلبية
بقيت محرومة إلى حد كبير. فبعد أديس
أبابا، وإلى درجة أقل بعد نيفاشا،
أنشىء في الجنوب برلمان له سلطات
حقيقية وكانت تقوم انتخابات حرة نوعاً
ما، بينما لم يكن ذلك متاحاً في الشمال.
من هنا فإن الخطاب عن هيمنة للشماليين
على الحكم يفتقد الدقة في هذا المقام،
لأن ما حدث بعد أديس أبابا كما بعد
نيفاشا، هو أن القوى الجنوبية تحولت
إلى جزء فعال من الآلة القمعية التي
تحرم الأغلبية من حقوقها. من هذا
المنظور فإن قيام الحركات المسلحة
التي تحارب الدولة باسم فئة يدعى أنها
محرومة من حق المواطنة في وقت حرم فيه
الجميع منها، لا يساعد على توسيع
المشاركة وحق المواطنة، بل بالعكس،
يكرس حرمان القطاع الأوسع منها. فمن
جهة فإن الدكتاتوريات القائمة تستثمر
التهديد المحدود الذي تشكله هذه
الحركات، خاصة حين يكون خطابها موجهاً
ضد الأغلبية باسم الأقلية، لكي تعزز
موقعها وتقوى ترسانتها العسكرية وتقمع
خصومها بحجة ممالأة التمرد المسلح.
وبنفس القدر، فإن هذه الحركات
بطبيعتها لا تحسن التعامل مع القوى
الديمقراطية ولا ترغب في ذلك، كما ظهر
من تصرف الحركة الشعبية في المعارضة
وفي الحكم معاً. فعندما كانت في
المعارضة كانت الحركة الشعبية تحارب
الديمقراطية الداخلية في صفوفها،
وترفض التعددية في الصف الجنوبي بحجة
توحيد الموقف ضد القمع الشمالي، كما
كانت تتعامل مع القوى السياسية
المتحالفة بفوقية، وقد رفضت مجرد
التفاوض مع الحكومات المنتخبة. وبعد
توقيعها اتفاق نيفاشا ظهرت إشكالية
وضع الحركة، حيث كانت ولا تزال تتسامر
مع المعارضة بالليل حول الديمقراطية
والحقوق، ثم تشارك في الصباح في البطش
بمواطني السودان في الشمال والجنوب
أصالة عن نفسها و'تضامناً' مع شريكها في
الحكم. ونحن اليوم نشهد نفس التوجه لدى
حركات دارفور التي وقعت، والتي لم توقع
والتي تنتظر التوقيع، حيث المطالب
تتركز على نصيب معلوم في السلطة
والثروة المنهوبتين من الشعب، بدلاً
من أن يكون الطلب هو إرجاع السلطة إلى
الشعب يوليها من يشاء بإرادته الحرة. هذا لا
ينفي بالطبع وجود إشكالات واجهت توسيع
وتعميق مفهوم المواطنة حتى في الفترات
الديمقراطية القصيرة، ووجود خطاب
سياسي ومفاهيم سياسية واجتماعية
وممارسات عملية ذات طابع إقصائي، إما
تعمداً وإما غفلة، مما كان له الأثر
السالب على حقوق المواطنة المتساوية
لقطاعات واسعة من الشعب. وهذا أمر لنا
إليه عودة لأنه يحتاج إلى نقاش مستفيض.
ولكن الخطأ كان ولا يزال في توصيف
المشكلة وفي وسائل معالجتها التي
اتخذت في غالب الأحيان طابع التداوي
بالتي كانت هي الداء ===================== جولة
أوباما الآسيوية.. التجارة وخريطة
التحالفات ! محمد
خرّوب الرأي
الاردنية 9-11-2010 الجولة
الاسيوية الراهنة التي يقوم بها
الرئيس الاميركي باراك اوباما, كانت
مقررة قبل الثاني من الشهر الجاري,
لكنها الان تكتسب أهمية اضافية, على
وقع الهزيمة المدوّية التي لحقت
بالرئيس وحزبه في انتخابات الكونجرس
النصفية, التي سلبت من الحزب
الديمقراطي اغلبيته في مجلس النواب,
وأضعفت اغلبيته داخل مجلس الشيوخ, على
نحو طارد شبح الهزيمة اوباما الى الهند
التي بدأ منها جولته, عندما أمطره طلبة
إحدى جامعات مومباي بالاسئلة حول
الانتخابات, فقال في ما يشبه الاعتذار:
ان الناس اصيبوا بخيبة أمل, وأن أحد
الامور العظيمة في الديمقراطية, هو أن
من حق الناس, بل من واجبهم, عندما لا
يكونون راضين, التعبير عن هذا الاستياء
وذلك يتطلب مني - واصل اوباما - أن اجري
تصحيحات عند منتصف الولاية «ختم قبل أن
يستدرك, واعداً بالبقاء «وفيّاً»
لافكاره ومعتقداته التي ستدفع «أميركا
قدماً»!! ما
علينا.. كأي
رحلة دولية يقوم بها أي رئيس اميركي,
فإن رائحة التجارة تفوح منها على
الدوام, ليس فقط في ضخامة عدد رجال
الاعمال ومديري الشركات الذين
يرافقونه, وانما ايضاً في «حجم» العقود
والاتفاقات التجارية والعسكرية (والامنية
خصوصاً بنسختيها الشهيرتين مكافحة
الارهاب واقامة القواعد العسكرية),
التي يوقعها الرئيس مع الدول المضيفة,
ورأينا كيف بدا الرئيس المهزوم ضاحكاً
وجذلاً, عند اعلانه التوقيع على
اتفاقات مع الهند بقيمة عشرة مليارات
دولار, ستوفر للاميركيين (50) ألف فرصة
عمل, وكأنه «يكفّر» عن الخطيئة التي
حاسبه عليها الاميركيون, وهي تباطؤ
الانتعاش الاقتصادي وارتفاع نسبة
البطالة.. ما
علينا.. الرؤساء
الاميركيون عادة, لا يذهبون في
زياراتهم «الرسمية» للدول الاخرى
للسياحة أو تزجية الوقت, فالعالم كله (كما
وسائل الاعلام) تتابعه عن كثب
والتحليلات والقراءات لا تتوقف, سعياً
منها لمعرفة «الجديد» في الدبلوماسية
الاميركية, ما بالك أن اوباما يذهب الى
الهند واندونيسيا وكوريا الجنوبية
واليابان, في فترة دقيقة دولياً, وعلى
ايقاع التراجع في المكانة والنفوذ
والدور الاميركي في مختلف المناطق
وبؤر التوتر الساخنة, افغانستان
والعراق وفلسطين ولبنان نموذجاً, وعلى
وقع صدى المنافسة المحتدمة, التي لا
تخلو من سخونة, بين واشنطن وبيجين في
ملفات وقضايا عديدة, ليس أقلها اختلال
الميزان التجاري لصالح الصين, ناهيك عن
الضجيج المتواصل (والمفتعل) كما ينبغي
التذكير, حول تصاعد وتنامي قوة الصين
العسكرية, في ظل النسبة «الكبيرة» من
موازنتها التي تخصصها للاغراض
العسكرية, وبخاصة تطوير سلاحها البحري
الذي أخذ يقلق اليابان, حيث عبّرت
الاخيرة عن مخاوفها هذه, في شكل علني.. وبصرف
النظر عن الانفاق الاميركي في هذا
الشأن, حيث خصصت واشنطن ما يزيد على 600
مليار دولار هذا العام للاغراض
العسكرية, فيما لم يتجاوز ما رصدته
الصين مبلغ 46 مليار دولار, فإن ما يسعى
اليه اوباما مع الهند (كذلك مع الدول
الحليفة الثلاث الاخرى) هو تماماً ما
كان سعى اليه سلفه جورج بوش, عندما عقد
تحالفاً استراتيجياً مع نيودلهي ووقّع
معها اتفاقاً نووياً مثيراً للجدل, لم
يتردد الديمقراطيون في مجلسي الكونجرس
في الغمز من قناة الرئيس الجمهوري,
واتهامه بالخضوع للهند, وعدم اصراره
على كشف مفاعلات نيودلهي العسكرية, اذا
ما ارادت التزود باليورانيوم والتقنية
النووية من الولايات المتحدة, لكن بوش
نجح في النهاية بتمرير الاتفاقية. في
ضوء ذلك فإن اوباما, لن «يفتح» الاتفاق
ولن يسعى لتعديله, فالهند باتت أهم
حليف في اسيا, يمكن ان تتكئ عليه واشنطن
اذا ما ارادت محاصرة أو احتواء أو الحد
من القوة الصينية المتصاعدة ولجم
احلامها الامبراطورية, التي يبدو انها
بُعثت من جديد بعد النمو الهائل الذي
تشهده الصين في مختلف المجالات.. رحلة
الرئيس الاميركي لن تكون بلا أكلاف,
ولن تحقق اهدافها (المعلنة أو الخفية)
بالسهولة أو الخفة التي دأبت عليها
الدبلوماسية الاميركية في تعاملها مع
الدول الاخرى, وبخاصة في السنوات التي
تلت انتهاء الحرب الباردة وتفكك
الاتحاد السوفياتي, وخصوصاً بعد
الحادي عشر من ايلول 2001, لأن للدول
الاخرى مصالحها واستراتيجياتها التي
ليس بالضرورة أن تتطابق أو تتماهى مع
المصالح الاميركية, والهند على وجه
التحديد, خير من يدرك ويفهم معادلات
واصطفافات كهذه, ولهذا يصعب أن تتحول
الى مخلب قط في يد واشنطن, فقط أو بسبب
عدائها التاريخي مع الصين, وما ينسحب
ايضاً على علاقاتها بباكستان التي
تتعامل معها الهند وفق مصالحها
الوطنية ومعادلة تحالفاتها الاقليمية,
التي لا تقف عند معضلة كشمير بل
تتعداها الى افغانستان وجمهوريات اسيا
الوسطى ومنطقة الخليج العربي, وهو ما
يدركه الاميركيون جيداً, ولهذا
يتعاملون مع الهند باحترام وجدّية
وليس بالطريقة والمقاربات التي
يتعاملون بها مع باكستان.. والعرب (حتى
لا ننسى).. ===================== السياسة
الخارجية.. والعقبة (الجمهورية) جيمس
زغبي (
مؤسس ورئيس المعهد العربي
– الأميركي بواشنطن) الاتحاد
الاماراتية الرأي
الاردنية 9-11-2010 مع
سيطرة «الجمهوريين» على مجلس النواب
تواجه جهود أوباما الرامية إلى تحقيق
السلام في الشرق الأوسط، وترميم
العلاقات المتوترة في عموم المنطقة،
صعوبات كبيرة قد تفوق في حجمها تلك
التي اعترضت مسيرة الرئيس الأسبق
كلينتون عندما خسر أغلبيته في
المجلسين معاً في انتخابات الكونجرس
لعام 1994. فعلى
رغم الاضطرابات التي كان يعرفها الشرق
الأوسط أيام رئاسة كلينتون إلا أن
المنطقة كانت عموماً أقل تعقيداً مما
هي عليه اليوم بعد التركة الحافلة التي
ورثها أوباما عن سلفه بوش، لاسيما في
العراق وأفغانستان، واستمرار الحرب
التي كلفت آلاف الأرواح وقدراً هائلاً
من أموال الخزينة العامة دون أن يبدو
لها حل قريب في الأفق. هذا
بالإضافة إلى الإهمال الدبلوماسي
والسياسات المتهورة التي طالت
المنطقة، مع مساهمة كل ذلك في تعزيز
نفوذ المتطرفين وتقويض صورة أميركا
وتدني المكانة الأميركية إلى مستويات
غير مسبوقة ما أثر سلباً على حلفائنا
ومصالحنا المهمة في الشرق الأوسط. وعندما
زار أوباما القاهرة قبل عام ونصف العام
كان في نيته التأكيد على رغبته في
تغيير المسار المعتاد والالتزام بردم
الهوة المتسعة بين الولايات المتحدة
والعالمين العربي والإسلامي، ولذا
فعندما أطلق بحماس جهود استئناف
المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين
قام بذلك انطلاقاً من قناعته الخاصة
بأن بلوغ السلام النهائي هو في النهاية
من صلب مصلحة الأمن القومي للولايات
المتحدة. وفي
كلتا الحالتين قوبلت جهوده بمعارضة «الجمهوريين»
بصفة عامة ومؤيدي إسرائيل في الكونجرس
بصفة خاصة، حيث انتُقد الرئيس واتهم ب»مهادنة
أعداء أميركا» و»إظهار البلاد للعالم
على أنها ضعيفة»، فضلًا عن انتقاده
بسبب الضغط على إسرائيل. ومع أن
الحزبين الأميركيين معاً يقفان دائماً
إلى جانب إسرائيل إلا أن القيادة «الديمقراطية»
في الكونجرس أبدت استعدادها لإعطاء
الرئيس هامشاً أكبر من الحركة
الدبلوماسية، وهو أمر لا نتوقعه
بالطبع مع القيادة «الجمهورية»
الجديدة لمجلس النواب، لاسيما في ظل
ترؤس «هينا روس-ليثتينين» للجنة
الشؤون الخارجية في الكونجرس التي سبق
أن اقترحت مجموعة من الأفكار المدمرة
للسياسة الأميركية الخارجية في الشرق
الأوسط، فقد طرحت إلى جانب النائب في
مجلس النواب، «دان بورتن» الذي يُتوقع
أن يرأس اللجنة المصغرة حول الشرق
الأوسط في الكونجرس، رفع التأجيل الذي
فرضه كل من الرؤساء كلينتون وبوش
وأوباما على نقل السفارة الأميركية في
إسرائيل إلى القدس. بل إن
«بورتن» هدد بوقف جزء من تمويل وزارة
الخارجية الأميركية إن هي لم تسارع إلى
نقل السفارة! وأكثر من ذلك يعتزم
العضوان الضغط على الفلسطينيين
للاعتراف بإسرائيل ك»دولة يهودية» أو
إغلاق مكاتب السلطة الفلسطينية في
واشنطن وترحيل دبلوماسييها! فيما
اقترح «جمهوريون» آخرون تشريعات تقضي
بوقف برامج المساعدات الأميركية
للفلسطينيين ولبنان وباقي الدول في
المنطقة باستثناء إسرائيل! والحقيقة
أن هذه المحاولات الساعية إلى ضرب جهود
أوباما الدبلوماسية في المنطقة تذكرنا
بالدور الذي لعبه الكونجرس في عام 1995
بقيادة «جينجريتش» حيث فرض قيوداً
مذلة وثقيلة على المساعدات الموجهة
إلى الفلسطينيين، مطالباً بنقل
السفارة الأميركية إلى القدس،
بالإضافة إلى منع الدبلوماسيين
الأميركيين من الالتقاء بنظرائهم
الفلسطينيين في القدس، وتمويله لجهود
«تحرير العراق»، وبالطبع كان لهذه
التصرفات أثر سلبي على جهود كلينتون في
المنطقة وقيدت سياساته تجاه دول الشرق
الأوسط. وبما أن «الجمهوريين» في ذلك
الوقت كانوا يسيطرون على غرفتي
الكونجرس فقد تمكنوا من تمرير العديد
من التشريعات المثيرة للجدل فيما لم
يكن أمام البيت الأبيض سوى الإذعان
والتوقيع عليها لتتحول إلى قوانين. ولحسن
الحظ ما زال الكونجرس الجديد المنبثق
عن الانتخابات الأخيرة في أيدي «الديمقراطيين»
على الأقل في جزء منه، إذ على رغم إحراز
«الجمهوريين» لأغلبية المقاعد في مجلس
النواب، حافظ «الديمقراطيون» على
الأغلبية في مجلس الشيوخ، فضلاً عن
استمرار شخصيات «ديمقراطية» بارزة في
لجنة العلاقات الخارجية مثل السيناتور
جون كيري وكذلك ريتشارد لوجار، ليلجم
ذلك قليلًا تطرف بعض النواب «الجمهوريين»
ويضع حدّاً لتشريعاتهم المضرة
بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ومع
ذلك لن تكون المهمة سهلة بالنسبة
لإدارة أوباما خلال السنتين
المقبلتين، لاسيما فيما يتعلق
بسياستها في الشرق الأوسط، إذ سيكون
عليها بذل جهد مضاعف للخروج من التركة
الثقيلة التي ورثتها من الإدارات
السابقة، هذا بالإضافة إلى المشاكل
المتفاقمة على الساحة الداخلية
والمرتبطة أساساً بالصعوبات
الاقتصادية التي تلقي بظلالها على
الأميركيين، دون أن ننسى المعارضة
المستقوية في الكونجرس والتي لن توفر
فرصة لوضع العراقيل في طريق البيت
الأبيض. ولكن
على رغم كل هذه الصعوبات تشير
استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين ما
زالوا يثقون في أوباما ويريدون له
النجاح كي يتمكن من إعادة بعض الألق
إلى السياسة الخارجية الأميركية من
خلال تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط. والحقيقة
أن أوباما لم يفقد جميع أوراقه، بل ما
زال قادراً على إحراز تقدم في الشرق
الأوسط لو ثبت على مواقفه ورفض
الانصياع لابتزازات «الجمهوريين». ===================== تغييرات
في تصور التهديد التركي دلالات
استراتيجية لإسرائيل المستقبل
- الثلاثاء 9 تشرين الثاني 2010 العدد
3826 - رأي و فكر - صفحة 19 غاليا
ليندنشتراوس وثيقة
مجلس الامن القومي التركي، "الكتاب
الاحمر" للعام 2010، والتي ترسم خريطة
التهديدات المتوقعة لتركيا في السنوات
القريبة القادمة، تتضمن عدة بنود
اشكالية جدا من ناحية اسرائيل.
فالوثيقة نفسها تُصنف كسرِّية وعليه
ثمة فوارق في الصيغ المتداولة إزاء
مضمونها. ومع ذلك، وحسب ما نشر، فان
سابقة ادخال اسرائيل الى "الكتاب
الاحمر" وبشكل خاص الادعاء بان
سياسة اسرائيل تقوض الاستقرار
الاقليمي هي دليل آخر على الوضع الصعب
الذي تعيشه العلاقات الاسرائيلية
التركية. وعلى الرغم من أنه لم تتضمن
الوثيقة ادعاء يفيد بانه ستقع مواجهة
مباشرة بين الدولتين، الا أن مجرد ذكر
اسرائيل في الوثيقة سيؤدي الى تعاظم
الشكوك المتبادلة بين تركيا واسرائيل. مقارنة
بوثائق سابقة من هذا النوع، يتعلق
الأمر بوثيقة ثورية. فإخراج سوريا من
"الكتاب الاحمر" وذكر البرنامج
النووي لإيران بشكل غير مباشر وليس
كتهديد صريح يعبر عن سياسة "صفر
مشاكل" لتركيا مع جيرانها. حسب هذه
السياسة، التي يحثها وزير الخارجية
التركي، احمد داود اوغلو ، ينبغي
لتركيا ويمكنها أن تحل النزاعات مع
جيرانها. وذلك خلافا للمفهوم التركي
التقليدي، والذي يقضي بان الدولة تقف
امام تهديد مستمر على حدودها. حقيقة أن
"الكتاب الاحمر" يعكس سياسة "صفر
مشاكل" تنبع أيضا من التغييرات التي
طرأت على تركيبة مجلس الامن القومي منذ
العام 2003. في اطار الاصلاحات المرتبطة
بمحاولة تركيا الدخول الى الاتحاد
الاوروبي اصبحت هذه الهيئة ذات أغلبية
مدنية وذلك خلافا للماضي، حين كان رجال
الجيش يسيطرون على المجلس وتعكس اساسا
مواقف الجيش التركي. لهذا السبب، فان
نجاح داود اوغلو في أن يجعل افكاره
الحديثة خطا يوجه السياسة الخارجية
والامنية التركية، كما تنعكس في "الكتاب
الاحمر"، ليس مفاجئا. في
الوقت الذي تعبر الوثيقة بقدر كبير عن
التغييرات التي سبق أن طرأت على
العلاقات بين تركيا وجيرانها، فان
تطورا مستقبليا يمكنه أن يؤثر على
اسرائيل يتعلق بالجيش التركي. ثمة فجوة
بين حجم الجيش التركي، الثاني في حجمه
في الناتو، وبين تصور التهديد التركي.
بحسب تصور التهديد هذا، كما ينعكس في
"الكتاب الاحمر"، فان التهديدات
المباشرة على تركيا معدودة فقط. منذ
الان تنطلق في تركيا أصوات ضد استمرار
التجنيد الالزامي في الدولة وتطرح
دعوات لجعل الجيش التركي جيشا مهنيا
بحجم مقلص أكثر. مثل هذا التغيير، اذا
ما حصل، يتوقع أن يكون تدريجيا. ومع
ذلك، فان حدوثه سيحث عملية سبق أن
بدأت، واساسها الضعف الواضح للجيش
التركي كلاعب في السياسة التركية. ضعف
الجيش، المرتبط بالصراع بين النخبة
العلمانية القديمة والنخبة الدينية
الصاعدة، مستمر منذ زمن. هذا الميل
تسارع في السنتين الاخيرتين، ووجدت
تعبيرا له، ضمن امور اخرى، في اتهام
ضباط كبار متقاعدين في الجيش بشبهة
محاولة العمل على اسقاط الحكومة
برئاسة حزب العدالة والتنمية. عملية
ضعف الجيش التركي مقلقة من ناحية
اسرائيل لسببين. الاول، الجيش
والمؤسسة الأمنية التركيين، هما
اللذان كان لهما دور مركزي في دفع
العلاقات الاسرائيلية التركية الى
الامام في الماضي. فضلا عن ذلك، فان
غياب التهديدات المباشرة على تركيا
يقلص ظاهرا الحاجة الى شراء منظومات
سلاح متطورة والتعلق التركي بشراء مثل
هذه المنظومات من الغرب. وثمة
مصدر قلق آخر من ناحية اسرائيل هو
امكانية ان تؤثر تغييرات في حجم الجيش
التركي ايضا على مكانة تركيا في حلف
الناتو. قوة الجيش التركي كانت عاملا
حاسما في الاهمية التي نُسبت لتركيا في
الحلف خلال الحرب الباردة، وبعدها
ايضا. استمرار عضوية تركيا في الناتو،
وكذا كونها لاعبا هاما في هذا الحلف،
يشكلان مصلحة اسرائيلية لانهما يقلصان
المخاوف من نشوء محور امني تركي سوري
ايراني. منذ الان يمكن أن نرى صداما بين
التغييرات في تصور التهديد التركي
وبين تصور التهديد لدى معظم اعضاء
الناتو. فتركيا تعارض مثلا وصف منظومة
الدفاع ضد الصواريخ، التي على ما يبدو
سينصبها حلف الناتو في اراضيها،
كمنظومة معدة للدفاع ضد هجوم محتمل من
سوريا، ايران أو روسيا. هذه المعارضة
تعلل بحجة أن جيرانها ليس فقط لا
يشكلون تهديدا عليها بل ولا يشكلون
ايضا تهديدا على باقي اعضاء الحلف. ومع
ذلك، فان مجرد المساعي من جانب تركيا
للوصول الى صيغة حل وسط حول وضع منظومة
الدفاع توضح بان تركيا ايضا لا ترى
عضويتها في الناتو كمحور مركزي في تصور
الامن التركي. التغيير
الكبير في تصور التهديد التركي، كما
ينبع من سياسة "صفر مشاكل" وكما
يُستدل من "الكتاب الاحمر"، يتعلق
كما ذكرنا بعلاقات تركيا مع جيرانها.
ومع ذلك، فان هذه العلاقات لا يمكنها
أن تدار بصورة منقطعة عن التطورات في
المنظومة الاقليمية والدولية. وعليه
يبدو أنه ثمة تناقضا معينا بين رغبة
تركيا في استقرار الساحة الاقليمية
وبين سياستها التي تشكل عمليا تأييدا
لجهات مثل ايران، والتي هذا ليس هو
هدفها. صحيح أن الاتراك يدعون بان
سياسة الحوار من شأنها فقط أن تؤدي الى
حل الخلافات مع ايران حول مسألة بناء
قدراتها النووية، الا ان ايران عمليا
تواصل دفع برنامجها النووي الى الامام.
في ضوء ذلك فان نظرة شاملة وانتقادية
الى "الكتاب الاحمر" تطرح السؤال
حول ما إذا كان جزء من النشاط التركي،
وان كان بشكل غير مباشر، يشكل بذاته
عنصر تقويض للاستقرار في المنظومة
الاقليمية. "
مباط عال"-(نشرة دورية تصدر عن مركز
أبحاث الأمن القومي في تل أبيب)، العدد
220، 2 تشرين الثاني 2010 ===================== الدولة
المدنية في لبنان ضرورية وممكنة روجيه
ديب السفير
9-11-2010 قد
يبدو الحديث عن «دولة مدنيّة» في لبنان
نوعاً من الترف. فكيف نستطيع مثل هذا
الكلام ونحن لا نزال في قلب المعارك
الطائفيّة والمذهبيّة، سياسية كانت أم
حربيّة؟ لا بل
أزيد على ذلك، كيف نستطيع الكلام على
الدولة المدنية، والتعصُّب الديني
والمذهبي والعنف الناتج منه يتزايد في
المنطقة، من مصر حتى العراق مروراً
طبعاً بلبنان، والأحزاب ذات العقائد
الأصولية تتنظّم وتظهر إلى العلن أكثر
وأكثر، وكأن العالم الذاهب الى
العلمنة والعولمة هو على كوكب، والشرق
الأوسط والأدنى على كوكبٍ آخر. إلا أن
طبيعة الذات البشرية تفرض هذا التفكير
في الدولة المدنية. والأبلغ في هذا
المجال ما يقوله الدكتور محمد أركون: «إن
التمزق الحاصل بين التيار العلماني
والتيار الديني هو فكري وروحي وثقافي
أولاً وقبل كل شيء. والصراعات السياسية
التي اتخذت شكل الحرب الأهلية في ظل
الثورة الفرنسية على وجه الخصوص، ليست
إلا نتيجة لهذا الجرح الذي لا يزال
مفتوحاً أو نازفاً حتى الآن. إنه لا
يزال مفتوحاً على مستوى ما سأدعوه
الذات البشرية، بصفتها شخصاً راغباً
في حرية الضمير والازدهار الروحاني من
جهة، ثم بصفتها فرداً مواطناً خاضعاً
للقانون العام الذي يمتلك المشروعية
الكاملة وينطبق على الجميع من جهة أخرى.
وبالتالي فإن الإنسان هو ذات روحانية
من جهة، ومواطن مدني من جهة أخرى». لماذا
الدولة المدنية مهمة؟ ممّا
لا شكّ فيه أنّ الدولة المدنيّة، بخلاف
الدولة الدينيّة، نجحت في إطلاق «الطاقة
الخلاّقة» لدى مواطنيها. أيضاً علينا
أن نسعى، نحن اللبنانيّين، إلى بناء
مصيرنا، وهو في كلّ حال مصير مشترك،
ولكلٍّ منا حجرٌ عليه أن يوقّعه في
مكانه المناسب، ليقوم بناء هذا الوطن.
ولعلَّ الأبلغ في هذا المجال هو الذي
قاله Luther King: «يجب
أن نتعلم أن نعيش معاً كالأخوة، لئلا
نموت معاً كالبلهاء». فما هي
وسائل جعل المجتمع اللبناني أكثر
مدنية؟ أوّلاً:
ملاحظات افتتاحيّة 1.
مصطلحات ومفاهيم أ.
مفهوم الدولة: قال أرسطو: «الدولة هي
مجموعة مواطنين أحرار، وليست مجموعة
مؤمنين». لقد
اخترت هذا التحديد للدولة لأنه، في
اعتقادي، يعبّر عن المفهوم الملتبس
للدولة، الذي تعانيه الدول العربيّة
جميعها، ومنها لبنان. ب.
مفهوم الدولة العلمانيّة: الدولة
العلمانيّة هي الدولة القائمة على
حقوق الإنسان، بغض النظر عن دينه أو
عرقه، أو مستواه الاجتماعيّ... وحيث
مصدر السلطة هو الشعب وليس الله. ج.
نوعا الدولة العلمانيّة: الدولة
العلمانية نوعان، يحدّدهما الموقف من
الدين: النوع
الأول: الدولة العلمانية المعارضة
للدين. النوع
الثاني: (وهو في نظرنا الدولة المدنيّة).
هي الدولة العلمانية التي لا تعارض
وتحاول أن لا تتعارض مع الدين، لا بل
ترعاه من حيث مبادئها وفلسفتها، ومن
حيث حمايتها حرية الضمير وحرية
العبادة. 2. «المخاطر»
أن
تكون المطالبة بالعلمانيّة، في مجتمع
تعدّديّ كلبنان، غطاءً للديموقراطيّة
العدديّة القائمة على أساس طائفيّ،
وأن تُستخدَم أداة لقهر الأقليّات. 3.
نماذج من الدول «المدنيّة» الدولة
المدنية يمكن أن تكون أيضاً أحادية
الأمة والدين كفرنسا وتركيا وتكون
عادة متحفظة على الدين، ويمكن أن تكون
مركبة كسويسرا وبلجيكا والولايات
المتحدة وألمانيا وتكون عادة، إيجابية
مع الأديان. ومن
الملاحظ أن هذين النموذجين هما قيد
المراجعة اليوم. فالتجربة الفرنسيّة
تحاول أن تتساهل مع الدين. من هنا كلام
الرئيس ساركوزيّ على «العلمانيّة
الإيجابيّة». والمقصود العلمانيّة
التي لا تتّخذ موقفاً سلبيّاً من الدين.
أمّا
التجربة العلمانية الإيجابية مع الدين
كسويسرا وأميركا وألمانيا، فتذهب في
اتجاه معاكس يضع حدودا للأقلّيات
فيها، ويطلب منها ألاّ تتخطّى قيمُ
الأقليّات وتقاليدها. 4.
تساؤلات: أسأل نفسي وأنا أفكر بالموضوع
أربعة أسئلة مهمة: أ. هل
الدولة المدنيّة تحلّ مشاكل لبنان
التي نضعها تحت خانة الطائفية
السياسية؟ ب. هل
تتماشى مع الحكم المركزيّ أو
اللامركزيّ؟ ج. كيف
طبقت الدولة المدنية عند غيرنا،
بالقوة أو بالتراضي؟ د. هل
ممكن تطبيق الدولة المدنية في المجتمع
العربي والإسلامي قريباً؟ تقودنا
التساؤلات السابقة إلى بعض
الاستنتاجات التي ننطلق منها لاستكمال
بحث موضوع الدولة المدنيّة: أ.
الدولة المدنية وحدها لا تحل مشاكل
البلد المُركَّب، وبلجيكا اليوم
ويوغوسلافيا أمس أفضل الأمثال، أي أن
ليس لها أي وقع بمفردها. هي عنصر مساعد. ب. ليس
للدولة المدنيّة علاقة بنظام الحكم
المُعتمَد أو بهيكليّته. فقد يكون
النظام مركزيّاً، أو لامركزيّاً، أو
فدراليّاً. ج.
تطبيق الدولة المدنيّة حصل بطريقتين:
الأولى باستخدام القوّة، كما في
البلدان المتجانسة، ذات القوميّة
الواحدة (فرنسا وتركيا)، والثانية
بالتراضي، كما في البلدان
الأنغلوسكسونيّة ذات الجذور
البروتستانتيّة أو في البلدان
المُركَّبة، ولكن أيضاً بعد حروب
طويلة ومُضنية، حتّى جاءت الدولة
المدنيّة لتنقذ المجتمع مما يتخبّط
فيه. د. إنّ
الكلام على العلمنة يشكّل أحد
المحظورات في هذا الشرق الرازح تحت
تأثيرين: التأثير الدينيّ، والقوميّة
العربيّة التي لا تزال حلماً لم يتحقّق.
وهذا يقتضي أن نتطرّق في كلامنا على
العلمنة إلى موضوعين: الإسلام
والعلمنة، والقوميّة العربيّة
والعلمنة. 1.
الإسلام والعلمنة أ. في
تحليل المسألة من ناحية تطبيقيّة، لا
يبدو أنّ هناك تعارضاً بين الإسلام
والدولة المدنية، كما لا تعارض بين
المسيحيّة والعلمنة، خصوصاً عندما
نتحدّث عن «العلمنة الإيجابيّة»، التي
لا تتّخذ موقفاً معادياً من الدين.
فهناك تجربتان إسلاميّتان، على الأقل،
استطاعتا أن تفصلا الدين عن الدولة،
هما التجربة التركيّة والتجربة
الاندونيسيّة، حيث السلطة سلطة
القانون، كما هي الحال في فرنسا. ب.
الإسلام في أوروبا متداخل مع العلمنة،
إذ لا يستطيع المسلم الأوروبيّ إلا أن
يتقبّل العلمانيّة السائدة. وهذا سوف
يفتح باب الاجتهاد الشرعي لتعايش
الدين الإسلامي مع العلمنة الأوروبية،
لأن الدين الإسلامي عملي جداً. ج.
هناك تطور فكري مهم في العراق (السيستاني)
للقبول بدولة «لا دينية» ولكن لا
تتعارض مع منطلقات الدين. (مقال
الأستاذ جهاد الزين، جريدة « النهار»،
تاريخ 18-06-2010). 2.
القوميّة العربيّة والعلمنة أ.
لعلّ التجربة الوحيدة في هذا الإطار هي
التجربة البعثيّة. فلقد حاول الحكم
البعثيّ في العراق، قبل الاحتلال
الأميركيّ، بناء دولة علمانيّة. ولا
يزال البعث السوريّ يحاول إقامة نوع من
أنواع الدولة المدنيّة، وإنْ بطريقة
خفيّة. ثانيًا:
أين نحن في لبنان؟ أ.
يعيش لبنان ازدواجيّة في تجربته
التاريخيّة، فهو من جهة، كأفغانستان،
ليس أمّة واحدة، ولا يقوم على تعاقد
متين وتاريخه عنفي. وهو من
جهة ثانية نجح في الاتجاه نحو مسار
تعاقديّ حديث، يتمثّل في اتفاقَي
الطائف والدوحة. ونجح أيضاً في توضيح
بعض القيم المشتركة. ب. «الدولة
المدنيّة» معتمدة في لبنان بنسبة
كبيرة، مع بعض «الضوابط» الطائفيّة: في
التمثيل السياسيّ والإداري نجد مراعاة
للمسيحيّين. وهناك مراعاة طائفيّة
للدين الأسلاميّ في موضوع الأحوال
الشخصيّة. والسؤال الذي يُطرَح في هذا
المجال، هو: هل هناك مصلحة للتخلّص من
هذه الضوابط؟ ومتى يكون ذلك؟ لا بد
من مرتكزات وخارطة طريق للتقدم على هذا
الطريق... لأن فرض الدولة المدنية
بالقوة في لبنان مستحيل. ثالثاً:
مرتكزات لتحقيق الدولة المدنية في
لبنان 1)
الركيزة الأولى: الآلة التنفيذيّة
الفعّالة والموثوق بها الأمر
لا يتعلّق بنوع الدولة المدنيّة. فلا
فرق بين أن تكون مفروضة بالقوّة كما في
الدول المتجانسة (فرنسا وتركيا)، أو أن
تكون تعاقديّة كما هي الحال في سويسرا.
إلاّ أنّها احتاجت كلها دائماً إلى
قوّة مركزيّة لتطبيقها. المسألة إذًا
هي في قيام دولة أو إدارة مركزيّة
محايدة وكفية تكنوقراطيّة تقنيّة،
يحترمها المواطنون، وتحافظ هي على
المثل العليا التي يؤمن بها هؤلاء.
والعلمنة التركية مستحيلة لولا مؤسسة
الجيش التي يحترمها الشعب التركي. 2)
الركيزة الثانية: حريّة الضمير المواطن
حرّ في أن يكون متديّناً أو لا يكون،
وحرّ في أن يعتنق الدين الذي يريد، وأن
ينتقل من دين إلى آخر. فالدولة
العلمانيّة في أوروبا وأميركا ضمنت
حرّيات الأقليّات في شكل كامل وهي في
هذا الإطار أفضل نظريّات الحكم التي
عرفها تاريخ البشريّة. وها نحن اليوم
نرى كيف أن الرئيس أوباما يدافع عن
المركز الإسلامي في نيويورك، باسم
الدستور الأميركي. 3)
الركيزة الثالثة: تظهير متطلبات
الهويّة اللبنانيّة المركّبة
واحترامها أ.
هويّة قيَميّة داخلية: تنبع القيم
اللبنانيّة من تجربة العيش المشترك
ورسالة لبنان. ب.
هويّة عروبية ثقافيّة: لبنان دولة
عربيّة، وله دور نهضويّ في الكيان
العربيّ الجامع. والعروبة القائمة
اليوم فرّقت العرب، لأنها اقتُصِرت
على عروبة سياسيّة وضعت الدول
العربيّة في محاور، ولم تُفِد
الجماهير العربيّة. العروبة الحقيقيّة
هي العروبة الحديثة والمُحدِّثة، أي
التي تواكب الحداثة العالميّة، والتي
تسعى إلى تحديث نفسها وتحديث حياة
مواطنيها. إنّ مثل هذه الحداثة يشكّل
رافعة للدولة المدنيّة اللبنانيّة،
ومثالاً جذّاباً لدول المنطقة. ج.
هويّة متوسّطيّة: هذه الهويّة تجسيد
للجغرافية ولتاريخ لبنان الحضاري. نحن
نتحدّث عن «هويّة متوسّطيّة تفرض
نفسها داخل المحيط الإسلاميّ العربيّ»
(René Habchi). إن
التوافق على هذه المرتكزات يسهل
الانتقال الى الدولة المدنية... رابعاً:
خريطة طريق لدولة مدنيّة في لبنان 1)
الجهد الفكريّ: ونقصد به توضيح مفهوم
الدولة المدنيّة، ونشره بين الناس: كثيراً
ما يدور الحديث حول دور الثورة
الفرنسيّة في تحقيق الديموقراطيّة
والدولة العلمانية الحديثة. إلاّ أنّ
الواقع هو أنّ الثورة كسرت فقط «العصر
القديم» (L’Ancien régime).
أما الدولة العلمانية، فهي نتيجة عصر «التنوير»
(Le siècle des lumières).
2) نشر
القيم المشتركة وعيشها وصياغة عقد
جماعي جديد إذا
كانت القيم المشتركة ضرورة لقيام
الدولة المدنيّة، فإنّ البحث عنها
وجعلها معروفة لدى الجميع ومتوافقاً
عليها عمل لا بدّ منه. ثمّ إنّ قوننتها
وجمعها في عقد جماعيّ جديد هما عمل
مضنٍ وفي حاجة إلى مؤسّسات تقوم به.
وربما أيضاً الحاجة الى استفتاء الشعب
اللبناني عليها. 3)
اقتناع اللبنانيّين بالدولة من غير
الممكن قيام دولة مدنيّة في لبنان ما
لم يقتنع اللبنانيّون بأن لديهم دولة
تستطيع تأمين حقوقهم. تماماً كما قال
السيد حسن نصر الله في شأن سلاح
المقاومة: أعطوني دولة قوية أثق بها،
فأُسلِّمها سلاحي. وأنا أسمع المواطن
اللبناني يقول: أعطوني دولة مدنية قوية
وقادرة على حماية حقوقي، فأُسلِّمها
انتمائي الطائفي. 4)
هيكليّة جديدة للدولة: الدولة
المدنيّة في حاجة إلى تعايش نظامين: أ.
الحكم المركزيّ بمفهومه الجديد أعلاه،
والحكم المناطقيّ، مع ضرورة العلاقات
الوثيقة بينهما. كلٌّ منهما يُغني
الآخر، على غرار ما هو معمول به في
أوروبا والولايات المتّحدة
الأميركيّة. ب.
اللامركزية المُوسَّعة : فهي «لا
تستبعد» الدولة العلمانيّة، بل على
العكس، لأّنها تخلق إطاراً لتخفيف
الصراع السياسي في الدولة المركزية،
وحافزاً لإبعاد السياسيّين عن العمل
الإداريّ داخل الدولة المركزية، مما
يسهّل قيام الدولة المركزيّة الفاعلة
والجذّابة. ولعل هذه اللامركزية أسرع
وسيلة للوصول إلى الدولة المدنيّة. 5) قيام
أحزاب سياسيّة ديموقراطيّة لا طائفيّة:
لا تتوجّه إلى جمهور بعينه، ولا تستمدّ
قوّتها وعمقها الاجتماعيّ من انتمائها
الطائفيّ. قد تنطلق من زعامة عائلة أو
مؤسّس، ولكنها تستمر أيضاً معهما أو من
دونهما. تقدّم مشاريع للناس،
فيحاسبونها على تحقيق هذه المشاريع أو
عدم تحقيقها. خلاصة الكلام
على العلمنة في لبنان أو حتى الدولة
المدنية صعب نظراً إلى الخلافات
والاصطفافات السياسيّة الحادة،
ونظراً إلى ضبابيّة المفاهيم
المُتعلِّقة بالعلمنة، ونظراً إلى ضعف
ثقافة الجمهور في هذا المفهوم، ونظراً
إلى تصوُّر بعض رجال الدين والكثير من
اللبنانيّين أنّ العلمنة معادية للدين.
تحقيق
العلمنة في لبنان ليس سهلاً إذا
استمرّت الطوائف، والأحزاب،
والتيارات السياسيّة في سعيها إلى فرض
رأيها على الآخرين، وإذا استمرت
محاولات صهر مكوّنات الكيان اللبنانيّ
في مكوّن واحد، وإذا استمرّ تجاهل
التنوُّع، وما يستتبعه من تنوُّع في
الثقافة، والعادات، والأهداف... إلا أن
«الدولة المدنية» أو «العلمنة
الإيجابيّة» ضرورية وممكنة إذا
استطعنا أن نبنيها على القيم
المُوحَّدة، وأقمناها نظاماً
تعاقديّاً غير مفروض. وإذا نحن بذلنا
الجهد لنقنع الناس بأنها ليست ضدّ
الدين، وبأنّها تستطيع، عندما تصبح
دولة القانون قوية، أن تؤمن مصالح
الأفراد والطوائف أكثر مما يفعله
النظام الطائفيّ الراهن، وبأنّها
تحافظ على خصوصيّات الأفراد
والجماعات، وبأنّ المجموعات فيها
متساوية لا تسيطر واحدة على غيرها (...). لعلّنا
نُحقِّق دور لبنان الطليعيّ في الدول
العربيّة، فنكون أوّل المُتغلِّبين
على صعوبة مجتمعنا المُركَّب،
فنُحقِّق ما دعونا إليه في هذه
المداخلة. [
وزير سابق [
نص مداخلة في ندوة نظمها المركز
الماروني للتوثيق والأبحاث في جامعة
الحكمة ===================== اللغة
"التركية" الاقتصادية – السياسية
التي يستخدمها الجيل الحاكم في دمشق جهاد
الزين النهار 9-11-2010 لفتت
نظري خلال قراءتي لمقتطفات المؤتمر
الصحافي المشترك الذي عقده الرئيسان
بشار الاسد وديمتريس خريستوفياس في
نيقوسيا في ختام زيارة الرئيس السوري
لقبرص اليونانية يوم الجمعة المنصرم...
لفتت نظري "اللغة" التي استخدمها
الأسد في الحديث عن رؤيته الاقتصادية
السياسية لدور سوريا وعلاقاتها. أقصد ب"اللغة"
هنا المفاهيم والمصطلحات التي انطوى
عليها خطابه السياسي. المقطع
الأهم الذي ورد في تصريحات الرئيس
السوري هو التالي حرفياً: "...
الشرق الأوسط هو قلب العالم الجغرافي،
وسوريا يمكن أن تكون قلب الشرق الأوسط
سياسياً. وفي السياق نفسه الذي تحدد به
البلدان بحدودها، فإنه يمكن تحديد
المناطق ببحارها. فعلى الساحل الشرقي
للمتوسط تشكّل سوريا مدخلاً لمنطقة
أوسع وأكبر تحدها بحار خمسة: المتوسط
والاحمر وقزوين والاسود والخليج. وهذه
المنطقة التي تجري فيها معظم عمليات
التبادل في السلع والطاقة حيث تقع بين
قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا". وتابع
مستخلصاً: "الرؤية الاستراتيجية
لسوريا تقضي باستثمار موقعها المحوري
لتأسيس شبكة مترامية الاطراف للتجارة
والنقل وتوزيع الطاقة ما سيسمح بتدفق
الغاز والنفط والكهرباء والسلع في شكل
أكثر كثافة وأقل كلفة". لدي
الانطباع، بل اني أشم "رائحة"
تغيير ما جوهري في "لغة" هذا الجيل
الجديد الحاكم في سوريا، هذه ليست لغة
بعثية تقليدية، فليس حامل الثقافة
القومية التقليدية من يحدد حدود الدول
ببحارها، وليس حامل هذه الثقافة من
يتحدث عن تدفق الطاقة والسلع عبر منطقة
من أجزاء من ثلاث قارات. أنا
هنا لا أقيّم سلباً أو ايجاباً. أسجّل
فقط تحول المصطلحات وما تحمله من
مفاهيم. أتصوّر حصرياً لو كان الرئيس
حافظ الاسد هو الذي يتحدث في مناسبة
زيارة الى قبرص التي كانت دمشق ولا
تزال على علاقة جيدة بها، أي في زمن
توتر العلاقات السورية التركية الماضي
أو في زمن الشراكة (المدهشة) التي أصبحت
عليها علاقات أنقرة ودمشق، بالتأكيد
لم يكن الرئيس الوالد ليتحدث بهذه
الطريقة. ومن الناحية الرمزية كان وجود
وليد المعلم، وزير الخارجية، ذا
دلالة، فهو عاصر من موقع مهم خصوصاً في
تسعينات القرن المنصرم تجربة حافظ
الاسد، وهو الآن في موقع أهم. في تلك
الفترة أتذكّر كيف حلّل وقيّم وليد
المعلم كرئيس وفد المفاوضات مع
اسرائيل تجربة المفاوضات الثنائية
والمتعددة التي انبثقت عن مؤتمر مدريد.
كان يحاول في مداخلة مطولة (وفريدة)
نشرتها "مجلة الدراسات الفلسطينية"
اقناع محاوريه، رداً على اتهام سوريا
بأنها لا تريد الانطلاق في "التطبيع"
مع اسرائيل مقابل السلام أي الانسحاب
من الجولان، ان سوريا نفسها ذات اقتصاد
محافظ بل مغلق على السوق الداخلية
لحماية الصناعة الوطنية حتى حيال
الدول العربية فكيف حيال اسرائيل؟ كان
يريد أن يقول يومها أن هذا التحفظ
الاقتصادي السوري في أية خطوات
تطبيعية ليس ناتجاً عن نقص الرغبة في
السلام، وانما عن طبيعة النظام
الاقتصادي التقليدي السوري. أنا
ايضاً هنا لا أناقش إنما أقارن: فإذا
أخذنا "لغة" الرئيس بشار الاسد في
نيقوسيا... لا بد أن نلاحظ أين اصبح
الفارق في المفاهيم الاقتصادية بين
الامس واليوم... وكيف تغيرت هذه
المفاهيم حين يتحدث أمين عام القيادة
القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
عن حدود لدولته من "خمسة بحار هي
المتوسط، والاحمر وقزوين والاسود
والخليج"... اثنان منها، هما كلياً
خارج الحدود المتفق عليها ل"الأمة
العربية" وهي قزوين والاسود ناهيك
عن المساحات المفتوحة لشمال البحر
الابيض المتوسط التركي والاوروبي
والضفة الشرقية الايرانية للخليج
وأجزاء طويلة من الضفة الغربية
الافريقية للبحر الاحمر (مع ان الاخير
كان بإمكانه أن يكون بحيرة عربية). هذه
"المقدمة" تدفعني الى ملاحظتين: 1-
الاولى ان الجيل الجديد من قيادة
النظام في سوريا يدخل في تجارب عملية
لا سابقة لها بالنسبة له باتت تؤثر على
رؤيته للعالم، وتحديداً العالم القاري
والبحري المحيط على الرغم من انه لا
يزال يواجه استراتيجياً المخاطر نفسها
التي واجهها الجيل السابق، جيل حافظ
الاسد، أي تحديات الصراع العربي -
الاسرائيلي وانعكاسه على القضية
الوطنية السورية. وهذا يجعل تغير
مفاهيم النظام محكوماً بازدواجية
القديم - الجديد. القديم الذي يتطلب
التغيير والجديد الذي لا يمكن ايضاً
الركون "المطلق" اليه! 2- لكن
داخل هذه التحولات تحتل - في ظني - تجربة
العلاقة السورية مع تركيا أهمية خاصة،
فهي عدا عن كونها تجربة جيوسياسية -
اقتصادية لا سابق لها بهذا الأفق منذ
ما بعد الحرب العالمية الاولى التي أدت
الى ولادتي جمهورية تركيا والدويلات
الاربع السورية التي ستصبح بضغط
الحركة الوطنية السورية في ثلاثينات
القرن العشرين "الجمهورية العربية
السورية"... فإنها ايضاً باتت تؤثر
على ذهنية الطاقم الحاكم في دمشق من
حيث مفاهيم التحديث الانمائي والتدفق
السلعي وتجاوز عقد الماضي الامنية
والسياسية حيال التدفق البشري على
جانبي الحدود السورية - التركية. الدول
ايضاً تخضع لقاعدة: "قل لي مَن تعاشر...
أقل لك من أنت". أو مَن أنت في جزء منك! بيئة
بشار الاسد الشخصية ومحيطه من الجيل
الجديد يتأثران من هذا التواصل مع
شخصيات مثل رجب طيب أردوغان وعبدالله
غول وأحمد داوود أوغلو... أي بيئة "شامْ
غِن" حسب المصطلح اللطيف والمهم
الذي استخدمه أردوغان في تشبيه
الانفتاح السوري - التركي بعد إلغاء
تأشيرات الدخول بين البلدين (ودول
مجاورة أخرى) بمعاهدة "شنغن"
الاوروبية. إلا
انه في مجال "اللغة" تحديداً...
انصح بقراءة كتاب "العمق
الاستراتيجي" لوزير الخارجية
التركي أحمد داوود أوغلو الذي صدر
أخيراً بطبعة عربية (هي الاولى بين
الترجمات الاجنبية) بعد تأخر تسع سنين
على الاقل عن طبعته التركية الاولى...
وستتضح بعض جذور هذه "اللغة"
الجيوسياسية - الاقتصادية السورية
الجديدة... حتى في دولة - كقبرص - هي إحدى
المشكلات المتبقية للسياسة التركية
الجديدة... والتي من معالم حداثتها - أي
تركيا - ان صديقاً شريكاً اساسياً لها
كبشار الاسد يتحدث بكل حرية عن تدفق
الطاقة والسلع والمشروعات المشتركة في
عاصمتها نيقوسيا! هذا
الجزء التحديثي من النظام السوري
يتقدم عميقاً وتساهم فيه العلاقة مع
تركيا حتى لو ان بامكان أي متابع أن
يتوقع عدم انطلاق هذا التطور نحو آفاق
مشاركة سياسية داخلية أوسع طالما بقي
أفق الحل السلمي مع اسرائيل مغلقاً...
وهو انغلاق بدون شك، يأتي كنتيجة
للتصلب المتزايد اليميني في المجتمع
وبالتالي الدولة الاسرائيليين. ••• ...
أخيراً... كنت أتمنى لو انني كتبت هذه
الملاحظة... من مدينة حلب... عاصمة "شامْ
غِن" بمعنى الأكثر استفادة وخروجاً
من العزلة داخلياً وخارجياً في الزمن
الجديد الذي لا تزال فيه قوة سوريا
الاولى هي قوة الاستقرار الداخلي. ===================== بقلم
:كامل يوسف حسين البيان 9-11-2010
في صمت
يكاد يكون جنائزياً استقبلت الدوائر
المعنية التقرير الصادر، أخيراً، عن
منظمة «صحافيون بلا حدود»، وخاصة
الصفحات الثلاث، التي يتناول فيها
التقرير وضع الصحافة والإعلام بشكل
عام في العالم العربي. والمرء
يمكنه فهم الصمت الذي التزمته بعض
الدوائر الرسمية العربية، في هذا
الشأن، فهو صمت يندرج تحت فئة يكاد
المريب يقول خذوني، أو إن شئت الدقة
تحت فئة إذا ابتليتم فاستتروا. لكن ما
لا يفهمه المرء هو صمت الصحافيين
أنفسهم عن تناول هذا التقرير، وإلقاء
الضوء عليه، ومناقشة ما ورد فيه،
والعالم الخلفي الذي انطلقت منه
وقائعه وترتيباته ونسبه وتوقعاته. وربما
كان الصمت، في هذه الحالة، هو جزء من
دائرة جهنمية، فهو نابع من الأسباب
ذاتها التي جعلت التقرير كائيباً
ورمادياً وموحياً بالتشاؤم. وأول
ما يلفت نظرنا في هذا التقرير هو
العنوان الذي يجعله لصيقاً بأوضاع
الصحافة والصحافيين في الشرق الأوسط،
حيث يبادر التقرير إلى تلخيص هذه
الأوضاع في عنوان صارخ مفاده «اتجاه
مؤكد إلى التردي». وإذا
شئت أن تبحث عن لمحة واحدة مضيئة في
التقرير كله، متعلقة بالعالم العربي،
فسوف تجدها في الإشارة إلى أن هناك
تحسناً نسبياً في أوضاع الصحافة
والصحافيين في العالم العربي في بعض
البلاد. لكن
هذه اللمحة المضيئة سرعان ما تخبو،
عندما نعلم أن واضعي التقرير يشيرون
إلى أن التحسن في أوضاع الصحافة
والصحافيين في العالم العربي في بعض
بلاد عالمنا العربي في عام 2010، مقارنة
بعام 2009، مرده إلى أن هذا العام الأخير
كان استثنائياً في سوئه وفي تردي
الأوضاع خلاله. بهذا
المعني فإن التحسن النسبي في أوضاع
الصحافة في عالمنا العربي هذا العام
ليس إلا عودة إلى أوضاع ما قبل 2009،
وبالتالي ليس تحسناً في هذه الأوضاع
بالمعنى الصحيح. وإذا
كان هناك خط ناظم يجمع معظم دول العالم
العربي في هذا الصدد فهو أنها تندرج في
ذيل القائمة التي يقدمها التقرير، ولا
يقتصر هذا على أوضاع الصحافة وحدها،
وإنما يمتد إلى أوضاع الإعلام الرقمي
أيضاً. وفي
هذا الإطار العام، أنت على موعد مع
تناقضات مذهلة، عليك أن تتوقف أمامها
طويلاً، ففي مواجهة العديد من الدول
العربية التي تتحدث عن الفضاء
الإعلامي الرحب لديها، ودلالاته
الديمقراطية البديعة، ستجد التقرير
يؤكد تراجع المرتبة التي تحتلها هذه
الدول العربية، على وجه التحديد، في
إجمالي المؤشر العالمي. عبثاً
تبحث عن دول عربية أحرزت قفزة تصاعدية
على المؤشر، أو صعوداً ولو بالزحف في
ترتيب الدول، وفي الحالات النادرة
ستجد المبرر مذهلاً. خذ
عندك العراق الشقيق، مثلاً، فقد صعد
على المؤشر 15 مكاناً، ليحتل المرتبة 130،
وقبل أن تملأ الأفق فرحاً لهذا «الصعود»
يبادر واضعو التقرير إلى لفت نظرك إلى
أنه يرجع إلى تحسن الأوضاع المتعلقة
بسلامة الصحافيين نسبياً، لا أكثر ولا
أقل. حقاً إنها فرحة أخذها الغراب
وطار، ولكنها ليست الوحيدة من نوعها،
فمثلها في عالمنا العربي كثير. وفي
قلب الصمت الهادر في عالمنا العربي، من
حقنا جميعاً أن نطالب بمصير أفضل
للصحافة العربية، لأنها مرآة لحياتنا،
لمصيرنا لقدرنا، الذي من حقنا أن نطالب
بأن يكون أفضل لنا وللأجيال العربية
القادمة. ===================== بقلم
:جيسي جاكسون البيان 9-11-2010 إذا
كانت الانتخابات الأميركية الأخيرة لم
تقدم شيئاً، فإنها على الأقل أعطت
دَفعة محدودة للاقتصاد، حيث سجلت
أرقاماً قياسية جديدة للإنفاق، مطلقة
العنان لأكثر من 5 مليارات دولار من
الإنفاق، وتضخم إجمالي الإنفاق نتيجة
الحملات الخارجية التي تمولها إلى حد
كبير شركات مانحة مجهولة. الحملة
الانتخابية كان يهيمن عليها الاقتصاد
المتردي، وهي القضية التي طغت على كل
القضايا الأخرى في أذهان الناخبين.
ولكن كما هي الحال دائماً، فقد جرفت
موجه الإعلانات الهجومية أي مناقشة
للأفكار أو الحلول. والاستشاريون
المحدثون يتمتعون بالمهارة في الضرب
تحت الحزام والهجوم المباغت. فهم
يمكنهم تلقائياً تقديم دعاية عن
السيرة الذاتية لكي يجعلوا مرشحيهم
يبدون كأناس عاديين. ولكنهم غير مهتمين
أو بارعين في السماح للناخبين بأن
يعرفوا ما يؤيده مرشح ما، بدلاً من
الإشارة إلى ما يعارضه. وهكذا
فقد تكلّفت حملة الانتخابات خمسة
مليارات دولار، ولكنني لم أر إعلاناً
واحداً تحدّث خلاله مرشح عما سيفعل
لمعالجة ارتفاع معدل الفقر في
الولايات المتحدة. ولا حتى إعلان واحد
بشأن أزمة من لا مأوى لهم، والتي خلّفت
أعداداً متزايدة من الأسر التي يعمل
عائلها دون أن يجدوا مكاناً للعيش. فقد
شنت الكثير من الإعلانات ضد إنقاذ
القطاع المصرفي، ولكن لا أحد تحدث عما
يمكن فعله لإبقاء الناس في منازلهم. الأطباء
والاختصاصيون الاجتماعيون قلقون من
أننا نلقي بجيل بأكمله من الأطفال
الفقراء في الهلاك، من خلال إنزال
الضرر بهم بالجوع والتشرد والأمراض
التي سوف تحد من تطلعاتهم على امتداد
حياتهم. ويقول خبراء الاقتصاد أن
الشباب الذين يعانون من البطالة لأي
فترة من الزمن لا يلحقون بركب الأرباح
والخبرة والمهارات التي فاتتهم. وهذ
القضايا الحاسمة لم يتم التصدي لها
كذلك. أفاد
تقرير لمركز الأبحاث الأميركي «بيو»
أن القيم السائدة بين الناخبين
الأميركيين ظلّت مستقرة نسبيا من عهد
الرئيس الأميركي السابق «ريغان»
وصولاً إلى عهد الرئيس الحالي باراك
أوباما. واللافت،
رغم ذلك، هو أن الأميركيين أصبحوا أقل
دعماً لمساعدة الفقراء. وقد روج «ريغان»
لأسطورة «ملكة الرعاية»، وألغى «غينغريتش»
و«كلينتون» الرعاية، الأمر الذي خلف
الأمهات الفقيرات مع أطفالهن يكافحن
من أجل أنفسهن. ولكن حوالي ثلاثة أرباع
الأميركيين لا يزالون يعتقد أن «الفقراء
يعتمدون أكثر من اللازم على مساعدة
الحكومة». وأقل من النصف (48%) يوافقون
على أن «الحكومة لابد أن تهتم بالمزيد
من المحتاجين، رغم أزمة الديون». و هذا
ليس بسبب الاتجاه اليميني للسكان. لقد
صار الأميركيون أكثر قبولاً لمسألة
العلاقات غير السوية والعلاقات
العاطفية بين أطراف منتمين إلى أعراق
مختلفة. وهم لا يعتقدون أن المرأة
ينبغي عليها العودة إلى الأدوار
التقليدية. وأود
أن أقول أن الأمر يتعلق بشكل أكبر
بالحقيقة التي تفيد بأن السياسة الآن
تتجاهل الفقراء أساساً. فالديمقراطيون
يوجهون حملتهم لأسر الطبقة المتوسطة.
والجمهوريون يدافعون عن الشركات
الصغيرة، حتى أنهم يحتجون من أجل
تخفيضات الضرائب المضافة، التي يستفيد
منها هؤلاء الذين يكسبون أكثر من 250 ألف
دولار في السنة. وعندما
قدم الرئيس أوباما ما هو أكثر الحوافز
فعالية بالنسبة للاقتصاد من خلال
توسيع نطاق كوبونات الغذاء، والتأمين
ضد البطالة وائتمانات ضريبة الدخل،
وبرنامج الرعاية الصحية لمحدودي الدخل
وأكثر من ذلك، لم يتحدث عن ذلك. و
النتيجة تجعل الفقراء أكثر ضعفاً.
وخلال زمن ظلم العصر الذهبي، الذي
استأثر خلاله 1% من أثرياء أميركا بنحو
20% من الدخل في البلاد، يجادل
الجمهوريون من أجل منح الأغنياء
تخفيضات ضريبية إضافية وتخفيض 100 مليار
دولار، الذي يعتبر تخفيضاً مذهلاً
بنسبة 20%، من قيمة الإنفاق المحلي خلال
العام المقبل. وذلك لن يأتي من
الإعانات الممنوحة لشركات النفط
الكبرى، أو شركات الأدوية أو شركات
التأمين أو البنوك التي تدفع لحملاتهم.
التخفيضات التي من المحتمل أن توجه إلى
برامج لصالح الفقراء. فالأميركيون شعب
أفضل من ذلك. ومع
ذلك، ففي الوقت الذي تزيد تكلفة
حملاتنا بشكل أكبر، وفي الوقت الذي
يتطلع المسؤولون المنتخبون إلى
الشركات السرية والمانحين من الأفراد
لكتابة شيكات أكبر، فإن مصالح المال
تفرض اهتماما أكبر على حساب قضايا
العدالة. وفي
غمار حالة اليأس من أن الحرب ضد الفقر
قد منيت بخسارة لصالح الحرب في فيتنام،
دعا المناضل الأميركي مارتن لوثر كينغ
إلى حملة من أجل الفقراء. واليوم يعد
ذلك مقارنة صارخة لحملات الأثرياء،
وهي ما صارت انتخاباتنا إليه. مرشح
سابق للرئاسة الأميركية ===================== آخر
تحديث:الثلاثاء ,09/11/2010 عبد
الاله بلقزيز الخليج بين
قيام الدولة وتطوّرها ورسوخها ونشوء
المجتمع المديني ورسوخه علاقة ارتباط
وتلازم . فالمدينة حاضنة الدولة
وفضاؤها الاجتماعي التحتي، ولا مجال
لافتراضها خارج هذا الفضاء أو بعيداً
عنه . والمدينة ليست مجرّد فضاء جغرافي
سكاني متميز عن سواه من فضاءات
الاستقرار بشروط يُسْر الحياة التي
يتمتع بها، ووفرة فرص العمل، وأسباب
تحصيل فرص الترقّي الاجتماعي، فهذه
جميعها لا تقوم من المجتمع المدني مقام
الأساس الذي يولّده، وإنما هي من
تظاهراته ونتائجه . وعلى ذلك فالمسافة
بين الفضاء المديني والفضاء الريفي أو
القروي ليست مسافة دَرَجية، كمية،
قابلة للتجسر من طريق تطور الثاني إلى
نصاب الأول، وإنماهي محكومة بعلاقة هي
التمايز بين بنيتين للاجتماع البشري .
تبدو هذه العلاقة أوضح في التمايز كلما
كان الفضاء غير المديني مشدوداً إلى
طابع البداوة أكثر، مثلما هي حاله في
الأعمّ الأغلب من المجتمعات العربية
المعاصرة . حينها تقاس المسافة الزمنية
بين المدن والأرياف بالقرون لا
بالعقود . قلنا
إن الفضاء المديني ليس فضاء جغرافياً
سكانياً فحسب، ونضيف الآن أنه فضاء
اجتماعي سياسي ثقافي متميّز بنوع من
العلاقات والروابط السائدة والحاكمة
تختلف عن تلك التي تسود خارجه، هي
علاقات الانصهار والاندماج التي
يفرضها الجوار المديني، والعمل،
والانتساب إلى مؤسسات اجتماعية أفقية
حديثة كالنقابات والجمعيات المهنية
وسواها . لا تلتغي في هذا الفضاء علاقات
القرابة وروابط الانتماء التقليدية
تماماً، لكن مفعولها يتضاءل أكثر حتى
بوجود جمهورها في المدينة وفي الحيّ
نفسه، إذ الجوار في مثل هذه الحال من
الانتماء المديني لا يفرض أحكامه وحده
أو لا يكون له المفعول عينه كما في
المجال غير المديني . المدينة بهذا
المعنى ليست نمط عيش أكثر تنظيماً
وعقلانية فحسب، وإنما هي فوق ذلك
الإطار الاجتماعي الجديد لتوليد روابط
التشابك في المصالح بما هي مبدأ
الاجتماع ومن حيث هي عبارة للحدود التي
ترسمها العائلة والجماعة الدموية، أي
بُنى القرابة والمجتمع الطبيعي . ليس
موضوعنا أن نخوض بالتحليل في إشكالية
التمدين والتمدن من وجهة نظر
الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وإنما
يعنينا منها فحسب ما بين الدولة
والمدينة من صلة، وما يتولّد عن الصلة
هذه من ديناميات جاذبة أو نابذة في
عملية تطوّر كيان الدولة ونظام
اشتغالها، وخاصة في حالة الدولة في
الوطن العربي المعاصر، وما نزعمه من
أثر كبير لتراجع نمط الاجتماع المديني
في عُسْرِ تكونها أو على الأقل في
تدهور حالة التكوين والعودة بها إلى
وراء . والصلة بينهما (الدولة والمدينة)
مؤكدة وثابتة، ليس تاريخياً فحسب، حيث
الدول نشأت في المدن الكبرى (الحواضر)،
وإنما وظيفياً أيضاً، حيث الادماج
والصهر من السمات الأميز الجامعة
بينهما . وليس من باب الصدفة أن التماهي
بينهما انتقل من الوظيفة إلى التسمية،
فالمنتمي إلى الدولة: المواطن يحمل صفة
المنتمي إلى المدينة . والتداخل
الجغرافي الكياني بينهما قام في
التاريخ على نحو تطابَقَتَا فيه
أحياناً وعَنَتَا الشيء نفسه: الدولة
المدينة كما في أثينا القديمة وفي جنيف
حديثاً . إذا
كان نشوء الدولة الحديثة وصعودها في
البلاد العربية قد ارتبط بانتقال حاسم
نحو المجتمع المديني، وكان ذلك في وجه
منه بأثر من ميلاد صناعة حديثة وطبقة
عاملة وتوسّع للطبقة الوسطى وانتشار
للتعليم . . إلخ، فإن تدهورها اليوم
ومنذ عقود إنما يجري في امتداد تراجع
الوجه المديني في الحياة الاجتماعي
والسياسية، والتّبَدّي (من البداوة)
المتزايد لوجوه من تلك الحياة داخل
النطاق المديني نفسه وللعلاقات
الاجتماعية العامة . إن تينك الظاهرتين
(الانكفاء المديني وتجدد نظام البداوة)
تتكرسان اليوم في سياق عام من تفكك
الإنتاج (الزراعة والصناعة معاً)
والقوى المنتجة، ومن ضمور للطبقة
الوسطى وتراجع مروّع لأدوارها في
الحياة العامة وفي المجال السياسي على
نحو خاص . نرصد، سريعاً، وجهين من وجوه
التراجع الحاد الذي أصاب الفضاء
المديني وقيمه في المجتمعات العربية
والآثار التي رتبها ذلك على تطوّر كيان
الدولة ودَهْوَرَتِه . أول
الوجهين ما شهده الفضاء المديني من
أشكال الإفقار المختلفة للقيم
التحضرية في العقود الثلاثة أو
الأربعة الأخيرة، في الأعمّ الأغلب من
المجتمعات العربية، نتيجة تدفق سيل
هائل من العلاقات الريفية عليه والقيم
الاجتماعية المحمولة في ركابها
واستقرار الكثير منها في النسيج
المديني وتلبسها به . وليس عسيراً
إدراك الأسباب التي أفضت إلى هذه
الظاهرة الجديدة من الترييف الحادّ
التي أصابت المدينة والمجال المديني
العربي، لأن تلك الأسباب تكاد تكون
اليوم معلومة لدى الباحثين
الاقتصاديين وعلماء الاجتماع: خراب
القطاع الزراعي والتدمير العشوائي
والمنظّم للقوى المنتجة الزراعية، وما
نَجَم منه من هجرات جماعية كثيفة من
القرى والأرياف في اتجاه الهدف بحثاً
عن العمل والاستقرار . لم تُحدِث هذه
الهجرات الاضطرارية تغييراً في
التوازن السكاني فحسب، وإنما في أنماط
الحياة والقيم والعلاقات والأذواق .
ولقد كانت المشكلة ولاتزال أن
المجتمعات الريفية ظلت مهمشة ولم تَحظ
بأي قسط من التحديث والتمدين، وحين
تدفقت على المدن حملت معها الكثير من
مواريث اجتماعها التقليدي وأدخلتها في
نطاق مديني كان قد تخلّص منها نسبياً
منذ جيلين من تاريخ تدفقها عليه . وثاني
الوجهين ما يعانيه المجال السياسي
اليوم، بل منذ عقود، من صور الترييف
المتمادي له وخاصة على صعيد السلطة
نتيجة تدفّق نخب سياسية وعسكرية جديدة
عليها من منابت غير مدينية . وليس من شك
في أن أول مظاهر ترييف السلطة بدأ من
الانقلابات العسكرية وولوج فئات
اجتماعية، ريفية الأصول ومن غير مجتمع
الطبقات الوسطى المدينية، في نسيج
السلطة والنظام السياسي وتسلمها لسلطة
الدولة وتلوينها السياسة بلون غير
مديني في الغالب . غير أن صيرورة
الترييف السياسي تزايدت بمعزل عن
واقعة الانقلابات، وفي سياق تطور
اجتماعي “طبيعي” قَذَفَ بالمجتمعات
الريفية إلى المدن وبمتعلّميها
وخرّيجيها إلى إدارات الدولة ومراكز
القرار في المعظم من البلدان العربية .
وإذا كان ذلك يمثّل، في وجه منه،
تعبيراً عن حركية اجتماعية إيجابية
وعن دينامية من ديناميات الصهر
والدّمج، إلاّ أن المشكلة هي في تلك
الفجوة التي لم تُسَدّ بين المجتمعات
الريفية والمجتمعات المدينية، والتي
يظل من مضاعفاتها السلبية ظاهرة
الترييف التي ألقت بنتائجها على صعيدي
الاجتماع المدني والاجتماع السياسي . ===================== آخر
تحديث:الثلاثاء ,09/11/2010 فهمي
هويدي الخليج لا أحد
يجادل في أهمية أن نعرف ماذا حدث لمصر
والمصريين خلال السنوات الأخيرة، لكني
أزعم أن الأهم من ذلك أن نعرف أيضاً
لماذا حدث ذلك، لأنه إذا كان تشخيص
العلل واجباً، فإن تحري مصدرها أوجب . (1) نشرت
صحيفة “الشروق” يوم الخميس الماضي
(4/11) مقالة للدكتورة نيفين مسعد أستاذة
العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حذرت
فيها من تعدد الانقسامات في المجتمع
المصري التي لاحظتها مجسدة في مدرجات
الجامعة . فذكرت أنه مع ظهور الجماعات
الإسلامية في الجامعات إبان سبعينيات
القرن الماضي بدأ الفرز التدريجي بين
الطلاب والطالبات على أساس الجنس، حيث
أصبح أغلب الذكور يجلسون في جانب في
حين اتجهت الإناث إلى الجلوس في جانب
آخر . ثم لاحظت أن ثمة فرزاً آخر بدأ
يظهر في وقت لاحق على أساس الطبقة،
وتحدثت عن نموذج لإحدى طالبات القسم
الإنجليزي بكلية الاقتصاد رفضت
الاشتراك في بحث مع زميلتها في القسم
العربي . ولفتت الانتباه إلى اصطفاف
ثالث لاحت بوادره انبنى على أساس
الانتماء الديني بين المسلمين
والأقباط . وهو ما اعتبرته أخطر أنواع
التمييز . وحذرت من التداعيات التي
يمكن أن تفضي إلى مزيد من الاصطفافات
والشرذمة، على أساس الانتماء إلى
المذهب أو إلى التيار الفكري أو الفصيل
السياسي . ثم
خلصت إلى أنه “لابد من كسر حاجز الجليد
داخل مدرجات الجامعة” قائلة “إن أي
أستاذ مخلص لا يقبل أن يكون شاهداً على
أجيال تعيش في جزر متباعدة وتضمها
أمصار التعصب والفتنة، مع أن الاسم أن
مصرنا واحدة” . رسالة
المقالة أطلقت تحذيراً في محله لا ريب،
حيث سلطت الضوء على أعراض واقع سلبي
يتشكل في مصر . إلا أنه ينطبق عليها
الملاحظة التي أوردتها في الأسطر
الأولى، من حيث إنها قدمت لنا إجابة عن
السؤال “ماذا”، وتركتنا حائرين لا
نعرف بالضبط “لماذا؟”، رغم أنها
ألمحت إلى أن الفرز في الجامعات بدأ مع
ظهور نشاط الجماعات الإسلامية بين
طلابها . هذا
التوصيف ينطبق على أغلب الكتابات
الصحفية التي تناولت المتغيرات
الاجتماعية والثقافية التي طرأت على
الواقع المصري، خصوصاً تلك التي عالجت
أبرز الهزات التي ضربت ذلك الواقع،
وتمثلت في ظاهرتي العنف والإرهاب
وأجواء التعصب التي أفضت إلى توترات
ومشاحنات بين المسلمين والأقباط . إذا
أحسنا الظن فقد نقول إن الكتابات
الصحفية بطبيعتها لم تحتمل غوصاً في
الأعماق وسبراً للأغوار . لكن ذلك لا
يمنعنا من ملاحظة أن نسبة غير قليلة من
تلك الكتابات ظلت مهجوسة بمحاكمة
الواقع ورافضة لتقصي جذوره، إما سعياً
وراء تصفية الحسابات الفكرية دفاعاً
عن الذات، وإما استجابة لتوجيهات
سياسية دفاعاً عن الحكومة، وفي
الحالتين فإنها تجاهلت عمداً عوامل
البيئة التي أفرزت تلك التحولات . اختلف
الوضع بصورة نسبية في ما يتعلق بالكتب
والأبحاث التي تناولت الموضوع، وفي
المقدمة منها كتاب “ماذا حدث للمصريين”
الذي أصدره الدكتور جلال أمين في عام ،1998
وأرجع فيه أغلب التحولات إلى ما سماه “الحراك
الاجتماعي” وثيق الصلة بأجواء
الانفتاح الاقتصادي التي عصفت
بالمجتمع المصري منذ السبعينيات (لاحظ
أن الدكتورة نيفين مسعد أرجعت مقدمات
الفرز داخل الجامعات إلى بدء ظهور
الجماعات الإسلامية في محيطها في
الفترة ذاتها) وللدكتورة عزة عزت كتاب
في الموضوع ذاته تناول التحولات في
الشخصية المصرية، كما أن مركز البحوث
الاجتماعية والجنائية ظل متابعاً
للمتغيرات الحاصلة في المجتمع، من
زاوية رصد مؤشراتها المختلفة، وهو ما
عمدت إليه دراسة أصدرها مركز
المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس
الوزراء . (2) أعاد
الدكتور جلال أمين سؤال المتغيرات يوم
الجمعة الماضي (5/11) حين نشرت له جريدة “الشروق”
مقالاً تمثل عنوانه في السؤال الآتي:
كم تدهورنا منذ الشيخ محمد عبده؟ وقد
استهل المقال بتسجيل انطباعاته حين
أعاد قراءة أفكار الشيخ الإمام وآرائه
النيرة التي عالج فيها قضية العلاقة مع
غير المسلمين والموقف من العقل
والتكفير والفنون وغير ذلك . وعلق على
تلك الأفكار بقوله إنها راعته ليس فقط
لتقدمها، ولكن أيضاً لأنها كشفت له عن
مدى التدهور الذي وصل إليه حالنا .
وتساءل بعد ذلك قائلاً: هل تحتاج وزارة
التربية والتعليم وهي تبحث عن كتب
جديدة تضعها بين أيدي الطلاب إلى إطالة
البحث، ولديها وأمام عينيها كتابات
الشيخ محمد عبده البسيطة والواضحة،
والتي يمكن أن يتعلم منها التلاميذ ليس
فقط كراهية التعصب وحب المختلفين عنهم
في الدين وأهمية البحث العلمي
والابتكار، بل تغرس فيهم أيضاً حب
اللغة العربية الجميلة؟ على الهاتف
قلت للدكتور جلال أمين إن أغلب الآراء
المتقدمة والبديعة التي عبر عنها
الشيخ محمد عبده موجودة في كتابات
سابقيه ولاحقيه، وإن ما يحتاج إلى
تفسير وتحليل هو ظهور تلك الأفكار
النيرة في مرحلة ثم سيادة الأفكار
المضادة والمظلمة في مرحلة أخرى،
علماً أن تأثير هذه الأفكار النيرة أو
تلك المظلمة لا تقف عند حدود المتلقين،
ولكن الحاصل أن أصداءها تنعكس على
الإدراك العام، بحيث تشيع أفكار
الإمام محمد عبده وأمثاله، انطباعاً
إيجابياً عن سعة الإسلام وسماحته
وقدرته على احتواء الجميع على النحو
الذي يشهد به سجل التجربة الإسلامية .
أما الأفكار المظلمة فإنها تشكل
إدراكاً معاكساً يصور الإسلام بحسبانه
قطيعة مع الآخرين، وإقصاء للمخالفين،
وإهداراً لحقوق النساء وغير المسلمين .
. إلى آخر الشرور والمثالب التي تعرفها
. في
الحالتين ظلت المرجعية الإسلامية
واحدة لم تتغير، ولكن الذي حدث أن
ظرفاً تاريخياً إيجابياً توافر في
لحظة ما فاستدعى الأفكار النيرة
والبناءة، ثم في ظرف تاريخي آخر برزت
عناصر سلبية استدعت من ذات الوعاء
أفكار التعصب والقطيعة والفتنة . وهذا
الظرف يتمثل في البيئة السياسية
والثقافية والاجتماعية السائدة التي
تشكل تربة استنبات الأفكار . إذا صح
ذلك التحليل فهو يعني أن الاكتفاء
بمحاكمة الأفكار بمعزل عن البيئة التي
أنتجتها، لا يرتب حكماً خاطئاً فحسب،
ولكنه أيضاً لا يسهم في علاج أي من
العلل التي واجهت المجتمع بسببها،
وإنما يؤدي إلى استفحال تلك العلل
واستعصائها بمضي الوقت . (3) ثمة
خطاب يسعى إلى إقناع الرأي العام بأن
الإسلام أصبح مشكلة في مصر، ولا أعرف
ما إذا كان ذلك من قبيل التحدي المرحلي
لشعار “الإسلام هو الحل” الذي يرفعه
الإخوان المسلمون، أم أن الانحياز إلى
هذا الموقف يستهدف استبعاد الإسلام
وإخراجه من المجال العام . لكن الشاهد
أن الاحتمالين قائمان، ذلك أن بيننا من
يريد فقط أن يتحدى شعار الإخوان لفض
الناس من حولهم في المعركة
الانتخابية، وهناك أيضاً من لم يخف
سعيه وإلحاحه على إقصاء الإسلام ونفيه
من الواقع . وهي ممارسات أصبحت تتم على
المكشوف، حتى إن بياناً صدر ووقعه نحو
مئة من المثقفين العلمانيين طالبوا
فيه صراحة بإلغاء المادة الثانية من
الدستور التي تنص على أن الإسلام دين
الدولة والعربية لغتها الرسمية ومبادئ
الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع .
ولاتزال تلك الدعوة تتردد في كتابات
بعض المثقفين الذين اعتبروا أن إلغاء
الهوية الإسلامية هو مفتاح حل
المشكلات الذي به يتحقق السلام
الاجتماعي ويتقدم المجتمع المدني
ويعود الوئام إلى علاقة المسلمين
بالأقباط . صحيح
أن الذين يتبنون هذا الموقف الأخير قلة
استثنائية في المجتمع المصري، ولكن
أغلب هؤلاء مكنّوا من مواقع مؤثرة في
مجالات الإعلام والثقافة، الأمر الذي
سمح بتوسيع نطاق تشويه الإدراك العام،
حتى أصبحت الفكرة مسلماً بها لدى
قطاعات غير قليلة من المتعلمين، وغابت
عن الأذهان حقيقة أن المجتمع المصري
عاش طويلاً في ظل التعاليم في سلام
ووئام، وأن الإسلام فيه ظل مصدر قوة
وليس مصدر ضعف، وما خطر على بال أحد أن
يكون الإسلام مصدراً لتعاسته كما يصور
البعض الآن . (4) عندي
ستة أسباب أزعم أنها تكمن وراء حالة
الانفراط والتفكك التي تسود المجتمع
المصري الآن، وأزعم أنها تفسر الكثير
من الأعراض التي ظهرت على سطح المجتمع .
هذه الأسباب هي: غياب
الديمقراطية الذي كان بمنزلة ضربة
قاصمة لفكرة العيش المشترك . من ثم
فبدلاً من أن يشعر المواطنون بأنهم
شركاء في صناعة الحاضر وبناء
المستقبل، بدلاً من أن يشتركوا في نسج
الحلم معاً، فإنهم اكتشفوا أنهم مجرد
رعايا لنظام احتكر السلطة واختار أن
يحتكر أيضاً صناعة الحاضر والمستقبل .
وهو ما حكم على المواطنين بالاغتراب في
الوطن، فلجأت كل جماعة منهم إلى أن
تحتمي بالجماعة أو الفئة أو القبيلة
السياسية . غياب
الرؤية الاستراتيجية الذي أشاع قدراً
لا يستهان به من الحيرة في المجتمع،
بحيث لم يعد الناس يعرفون بالضبط هم مع
ماذا أو ضد ماذا، ومن هم الأصدقاء ومن
هم الأعداء . وحين غابت تلك الرؤية تمزق
الوعي المشترك وتحول المجتمع إلى جزر
منفصلة، فانكفأ كل على ذاته، واستشعر
غربة إزاء الآخر . تشويه
الدين وتخويف الناس منه، وتصويره
باعتباره عنصر إقصاء، وخصماً وسبباً
في التخلف، وليس رافعة للتقدم وباباً
للتراحم والتعاون على البر والخير،
وإذا كان المتعصبون والإرهابيون قد
أسهموا في ذلك التشويه، إلا أن الخطاب
السياسي والإعلامي انصرف إلى قمع
التعصب والإرهاب، ولم يلق بالا إلى
تشجيع الاعتدال والمراهنة عليه . الدور
التاريخي الذي قام به العلمانيون في
الإلحاح على إضعاف الدين وتهميشه،
والإلحاح على اعتبار حضوره في المجال
العام مصدراً لمختلف الشرور التي تهدد
المجتمع . وقد كان ولايزال جهدهم الذي
بذلوه في تعميق الوقيعة بين المسلمين
والأقباط على رأس الشواهد الكاشفة
لذلك الدور . الضائقة
الاقتصادية التي ضغطت بشدة على مختلف
الشرائح، وسحقت الطبقة الوسطى التي
كانت تقليدياً أحد أهم عناصر القوة
والإبداع في المجتمع، ولأن “الجوع
كافر” كما يقال فلك أن تتصور تأثيره في
منظومة القيم السائدة، وعلى علاقات
الطبقات والفئات بعضها ببعض، وعند
الحد الأدنى فإنه يتعذر الدفاع عن قيمة
التسامح مثلاً حين يصبح الجميع تحت
وطأة تلك الضائقة . الاختراقات
الخارجية التي استثمرت أجواء ضعف
مناعة المجتمع لكي تمارس حضورها
وأنشطتها في ساحات عديدة، مستفيدة من
حالة الوهن التي تعانيها منظمات
المجتمع المدني لمصلحة إغداق التمويل
على تلك المنظمات التي ارتبطت دائماً
بأجندة الجهات الممولة، في المجالين
السياسي والاجتماعي . إن
الانفراط الحاصل في المجتمع المصري
الآن، والتفكيك المشهود لوشائجه
وروابطه نتيجة طبيعية لتلك العوامل
مجتمعة التي من شأنها تغييب الحلم
المشترك، ومن ثم وضع العراقيل أمام
تحقيق أمل العيش المشترك . ومن الخطأ
المنهجي والتاريخي أن يحمل عنصر واحد
بالمسؤولية عن التراجع والتدهور
الحاصلين في بنية المجتمع المصري
وقيمه، علماً أن الابتسار أو الاختزال
في هذه الحالة يخرج الملف من نطاق
البحث الموضوعي ويدخله في مسار آخر
تراوح مراتبه بين سوء التقدير وسوء
النية . ===================== الثلاثاء,
09 نوفمبر 2010 حسان
عمر القالش * الحياة «كل
الأمور، على الورق، سهلة وممكنة»... قد
تكون هذه العبارة أكثر قدرة على اختصار
واقع السياسات الداخلية في سورية
والدول التي تشابهها في منظومات وطرق
إدارة السياسات الداخليّة فيها. ففي
سورية، الراهنة، اتخذت الحكومة قرارها
بتطبيق عقليّة القطاع الخاص على إدارة
القطاع العام الرسمي، على ما يبدو.
وهذا قرار، يعترف أولاً، بأننا لم نكن
نطبق آليات العمل الخاص على المؤسسات
الإنتاجية المملوكة للدولة، أي أن
إدارة هذه المؤسسات لم تكن وفق سياسات
ربحيّة تعود بالنفع على خزينة الدولة
ومن ثم على المواطنين، مالكيها
الحقيقيين. كما
أنه يوحي بأن عقليّة جديدة في الإدارة،
قادرة على إنقاذ هذا القطاع من أحوال
الخسارة والفساد، وذلك وفق العقليّة
التجارية التي شجّعت عليها الحكومة
القطاع الخاص أخيراً، وهي عقليّة، أو
نظام، السوق المفتوح، العالمي. وهذا
قرار، سهل اتّخاذه، والتفكير فيه
والتوصل إليه لا يستنفدان مجهوداً
عظيماً، طالما أنه لا ينظر ولا يرى أو
يلاحظ وجود المواطن الفرد، وموقعه، في
حالته الراهنة، الفكرية والثقافية
والاجتماعية، من هذا التطوير ومن قفزة
بهذا الحجم. ذلك أن الفرد السوري، الذي
يبذل كل طاقاته لإثبات فرديته وقيمته،
كأي فرد في هذا المشرق، لم يتوصل اليوم
إلى امتلاك جميع الأدوات والأسلحة
الضرورية التي تؤهله لمواجهة نظام
حياة حداثي الشكل والمصدر، خاصة في
شقّه الاقتصادي والإداري والمالي،
الأكثر تعقيداً من النظام الرتيب
والبسيط الذي عاش عليه سابقاً. والراهن
أن قيم ومفاهيم المنافسة وانفتاح
الأسواق وتعويم المنتجات وتدويل
الخدمات، لم تصل إلى الثقافة العامة
للجماهير، إلّا في أشكال ناقصة
ومشوّهة ومشبوهة. الأمر الذي أدى إلى
تشكيل عقدة أو حاجز نفسي بين «الجماهير»
وبين مصطلحات وقيم هذا النوع من
الاقتصاد والإدارة. وما
زاد في حدّة التخوف منها، رؤيتها تطبّق
على أرض واقع البلاد والمجتمع،
تطبيقاً لا يخلو من سلوك وممارسة
الانتقاء والاحتكار وادّعاء الشطارة
والخبرة. ونظرة سريعة إلى كُبرى مجالات
التجارة والصناعة والاقتصاد، تشير
ببساطة إلى منطق التقسيم والاقتسام،
في المجالات والمنافع، بين أرباب
وأصحاب هذه النشاطات التجارية. وهذا ما
يولّد انطباعاً وإحساساً عاماً عند
المواطنين، بالكم الهائل الذي يتمتع
به أولئك من قوة ونفوذ. خاصة عندما
يصدف، بحسن أو سوء النوايا، أن تتوافق
كثير من القوانين والتشريعات
الاقتصادية الجديدة مع مصالح هذه
الطبقة القويّة من الأثرياء الجدد
والقدامى. والحال
أن ما يجري، يذكّر بما حصل سابقاً، في
سورية الباحثة عن «التحول إلى
الاشتراكية»، عندما تَقرّر، على الورق
أيضاً، أنه من السهل أن تتم ادارة
أحوال البلاد الداخلية بعقليّة عبارة
عن مزيج غير متجانس من التطبيقات
السوفياتية والاشتراكية الأوروبية
الشرقية والتفكير القومي الرومانسي.
وما كان على المواطنين وقتها إلّا أن
يعتادوا بمرور الوقت والحقب على هذه
العقلية، وهو ما حصل. يومها
كان يسعى الفرد الى تجنيب نفسه
الانصهار في سيولة الجماهير التي أخذت
عناصرها تتشابه وتتطابق، في الأحوال
والآمال. وهو لا يزال حتى اليوم، الذي
عرفنا فيه كم كنا مخطئين في حق الفرد
والجماهير، على الورق أيضاً. *
صحافي سوري ===================== الثلاثاء,
09 نوفمبر 2010 علي
بن طلال الجهني * الحياة على
رغم استبداد ماو تسي تونغ ورفاقه
وإقامة حكم شيوعي في شبه القارة
الصينية، إلا أنه كان له فضل عظيم في
توحيد أراضي وأقاليم الصين بعد شتاتها
وتفرقها. وقد بقيت الصين وسائر الدول
الأقل نمواً والتي تولى الشيوعيون
الحكم فيها، دولاً متخلفة عن الدول
الغربية، وأهم قطاع صناعي في هذه الدول
يكون عادة من نصيب العتاد العسكري.
وحتى شمال كوريا المتشددة في تطرفها
الشيوعي، ويحكمها رجل تواترت الروايات
على أنه شبه مجنون، وتمر عليها دورات
من المجاعات التي يذهب ضحيتها
الملايين، لديها قطاع صناعي عسكري قوي.
وكما هو معروف فإن قطاع التصنيع الحربي
في الصين ومنذ أيام ماو قطاع متقدم
نسبياً. وحين
مات ماو تسي تونغ عام 1976 كانت الصين
بلداً متخلفاً بمقاييس أهم مؤشرات
التقدم، فقيراً ومتدنياً في مستوى
معيشة أفراده. وما زاد أحوال الصين
الاقتصادية سوءاً هو ما أسمته آخر
زوجات ماو، الممثلة السينمائية
الجميلة، شيانغ شينغ ب» الثورة
الثقافية». ويقال
إن تلك المرأة الجميلة التي تزوجها ماو
ابن المزارع الفقير، بعد أن صار كهلاً،
استحوذت على قراراته، فكسبت دعمه ل «ثورتها
الثقافية» المشؤومة، فأطلق يدها، وهي
غير مؤهلة من كل النواحي، في إدارة دفة
شؤون الحزب والبلاد. وهي بدورها أبعدت
زملاء ماو، واستعانت بثلاثة من
المقربين منها، ممن لهم شيء من تجربة
حزبية وعسكرية. وزوجة ماو الأخيرة
وأعوانها الثلاثة كَوَّنُوا ما صار
يعرف في ما بعد وإلى يومنا هذا ب «عصابة
الأربعة». والذي
فعلته عصابة الأربعة، بعد أن اتهمت
قيادات الصين السياسية والإدارية ب «الانحراف»
عن المبادئ التي قامت عليها ثورة ماو
وحكومته منذ تولي ماو دفة الحكم عام 1943،
تجاوزت إفساد الاقتصاد الصيني إلى كل
ما يمكن أن يحل بالصين من كوارث وقحط
ومجاعات أحياناً. ولإعادة
الصين إلى ما زعمته «عصابة الأربعة»
بأنها الجادة الصحيحة، سرحت الملايين
من أعمالهم بمن فيهم بعض قادة الحزب في
أكثر عواصم الأقاليم. وأجبرتهم على
العودة إلى الريف والعمل بأيديهم
كمزارعين من الفجر إلى غروب الشمس،
وشملت هذه الهجرة الإجبارية أساتذة
الجامعات، ومدراء المصانع، وكبار
الأطباء والمهندسين، من دون دعمهم
بآلات حديثة ولا أسمدة ولا بذور متطورة. وسرعان
ما أدى ذلك العبث إلى تدني الإنتاج
والمجاعات والفوضى الاجتماعية وأسدلت
على الصين العظيمة ما أسماه ونستون
تشرشل «ستارة حديدية» حين أسدلها
ستالين على الأراضي السوفياتية، وهي
تشبه الستارة التي تعزل أبناء كوريا
الشمالية في الوقت الحاضر عن بقية
البشرية. ولكن
الصين أعظم من أن تبقى تحت سيطرة عصابة
من المتطرفين. وبعيد وفاة ماو، رمز
الثورة والوحدة والدولة الصينية
الحديثة، بدأت قيادات الحزب ما يشبه ما
أسماه توفيق الحكيم «استعادة الوعي».
فتم اعتقال «عصابة الأربعة»
ومحاكمتهم، وبعد نحو خمسة أسابيع من
وفاة ماو الذي باسمه كانت «العصابة»
تحكم الصين، تمت محاكمتهم، وأودعوا
السجن المؤبد. غير انه تم إطلاقهم
جميعاً وماتوا موتاً طبيعياً ما عدا
زوجة ماو الممثلة السابقة التي انتحرت
عام 1991. وبمجرد
الإعلان عن اعتقال أفراد العصابة، عمت
مدن الصين وأريافها فرحة شعبية عارمة.
والتعبير علناً عن هذه الفرحة أعطى قوى
الإصلاح في الحزب ما كانت تحتاج إليه
لرفع صوتها حتى تم بعد ثلاث سنوات من
اعتقال العصابة المستأثرة، انتخاب
دينغ هسياو بينغ عام 1979 زعيماً للحزب،
أي الحاكم الحقيقي للصين. وذلك
الرجل الذي كاد يكون «قزماً» جسدياً،
وبإجماع المراقبين «عملاقاً» ذهنياً،
هو مهندس ومصمم بناء الصين الذي انطلقت
منه قبل نحو ثلاثين سنة فقط لتصل إلى ما
وصلت إليه الآن. وجوهر
فلسفة دينغ في الحكم والإدارة، هو
تخفيف مركزية الحكم تدريجياً وإعطاء
مجالس المناطق والأقاليم كامل الحرية
في تسيير شؤونها السياسية والاجتماعية
والنظامية. وفي الوقت ذاته فقد ترك
دينغ الحرية الشبه المطلقة في الشأن
الاقتصادي لكل مقترح وكل وسيلة يمكن أن
يؤدي توظيفها إلى رفع كمية الإنتاج. ولو
قارن المرء ما حدث في روسيا حين انهارت
شيوعيتها ونظامها السوفياتي ورافق
الانهيار المفاجئ ما رافقه من فوضى
وعبث وفساد مالي شنيع بما حدث في الصين
تدريجياً وببطء نسبي لوجد الفرق
الشاسع بين ما حققته الصين بهدوء وبين
ما حدث في روسيا من فوضى وسلب ونهب، حتى
صارت سمعة «المافيا الروسية» متفوقة
على أية «مافيا» أخرى سبقتها. والله
من وراء القصد. ملاحظة:
تمت كتابة هذا الموضوع قبل بضعة أسابيع
وقبل الاستفادة من الاطلاع على
المقالين الرائعين اللذين كتبهما
استاذنا الشيخ جميل الحجيلان تحت
عنوان «الصين بين ثورتين» في صحيفة «الشرق
الأوسط» يومي 25 و26 تشرين الأول (أكتوبر)
الماضي. والشيخ
جميل أستاذ حقيقي وشاهد ثقة، وروى
بأسلوبه الأخاذ، في المقالتين المشار
إليهما، أهم ما حدث في العالم العربي
وشيئاً مما حدث في الصين في النصف
الثاني من القرن الماضي. *
أكاديمي سعودي. ===================== أسطورة
العزوف عن المشاركة السياسية! آمال
موسى الشرق
الاوسط 9-11-2010 تعني
الأسطورة مزيجا من الواقع والخيال دون
قدرة على التمييز بينهما وذلك بسبب
التشابك الكيميائي فيها. إلا أن
الأسطورة التي سنحاول تفكيكها في هذه
المقالة، الوهمي فيها أكثر هيمنة
وغطرسة مقارنة بجغرافية الواقعي. فمن
الأساطير الرائجة في العشرية الأخيرة،
أن الشعوب العربية تعاني من عزوف عن
المشاركة السياسية في بلدانها. ونجد
هذه الأسطورة تتكرر في الخطاب السياسي
الرسمي العربي، وكأنها مسلمة من
المسلمات التي لا يشوبها شك، ويقين لا
ترتقي إليه الظنون. بيد أن
الأسطورة بدءا من الألف وصولا إلى
الياء هي عبارة عن كمية من الأوهام
المتجانسة تؤدي وظيفة التسويق السياسي
للمغالطات المكشوفة. أولا:
من الصعب أن نتحدث عن ظاهرة عزوف عن
المشاركة السياسية والحال أن شروط
المشاركة السياسية في البلدان العربية
تكاد تكون منعدمة وفي حالات قليلة جدا
متواضعة ولا تشبع التوقعات. ويكفي
في هذا الصدد أن نقيس واقع الحريات في
البلدان العربية حتى نحسم في أمر توفر
المشاركة السياسية أو انعدامها. من جهة
أخرى المشاركة تقتضي التنوع والاختلاف
ولا مجال لتجسيدها ولو في شكل مسرحي
إلا بوجود أطراف مختلفة فكريا وسياسيا
باعتبار أن المشاركة تتحقق مع الغير
المختلف ولا تكون مع المماثل. ولعل
واقع أحزاب المعارضة وأداءها والهامش
المتوفر لها في المشاهد السياسية
العربية وحتى ما تمكنت من افتكاكه
كثمرة نضالات متواترة كفيل بما فيه
الكفاية بتحديد مدى مصداقية الحديث أو
الأصح التشدق بوجود المشاركة السياسية
التي تتقلص إلى حد الاضمحلال كلما
ارتفعت نبرة «دولنة» كل شيء وأخضعته
للمراقبة وللتحرش بأكثر التعبيرات
الاجتماعية والسياسية احتجاجا. إذن في
صورة التشكيك في وجود الاختلاف
السياسي والفكري الذي هو الميكانيزم
الأساسي وقلب الرحى بالنسبة إلى فعل
المشاركة وصيرورته يصبح من المغالطات
الزعم بوجود عزوف عن المشاركة
السياسية. فالفرد والمجموعات
والمجتمعات لا يعزفون عن شيء هو
بالأساس غير موجود أصلا. وبالتالي فإن
الأسطورة التي يمكن أن تحظى بحظوظ
وافرة في القبول تتمثل القول إن النخب
السياسية العربية الحاكمة هي التي
تعاني من عزوف عن توفير شروط المشاركة
السياسية والتأسيس لها في واقع
الممارسة الاجتماعية للسياسة
وللاختلاف الفكري والسياسي معا. وطبعا
هناك فرق شاسع وعميق بين ما يروج
سياسيا من أساطير تزرع الأوهام وبين
معطيات الواقع وإيقاعه والقيم
المتحكمة في حراكه اتجاها ونبضا وفكرة.
فالعلاقة بين ما يتم تداوله وحقيقة
الأمور قائمة على طرفي نقيض. ومن
باب الموضوعية، من المهم الإشارة إلى
أن هذا التشخيص المتشائم يلقى في قلة
قليلة جدا من البلدان العربية ما يلطفه
ويخضعه بقوة المنجز إلى تنسيب هو بدوره
يتميز بالنسبية. ولكن في نفس الوقت من
الصعب تفنيده «أي التشخيص المتشائم»
على مستوى واقع الممارسة السياسية
التي تستند إلى مشاركة شكلية تزيد
الطين بلة وتجعلنا نعترف دون استعداد
منا لذلك بأن الدكتاتورية غير المقنعة
أفضل ألف مرة من مسرحية المشاركة
السياسية ذات النص الوهمي. من هدا
المنطلق وإغماضا للعين المتشائمة
وتحييدها، من المفيد العمل على توفير
الظروف المنتجة لحراك فكري وثقافي
وسياسي يسمح بالتنوع والاختلاف فعلا
وتعبيرا وحضورا. وكلما ارتفع سقف
الاختلاف بعيدا عن سيف مقولة «ما هو
مسموح به» كلما تحسسنا المشاركة
السياسية ماديا وواقعيا وهي تنمو
متجاوزة طورها الجنيني إلى طور تصبح
فيه قائمة الفعل والتأثير. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |