ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 14/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

واشنطن والخرطوم .. حسابات الراهن ومخاوف الغد

عمر الخطيب

2010-11-12

القدس العربي

تمضي الادارة الامريكية قدما في تعاطيها مع الشأن السوداني، بعد ان اطمأنت لاستفرادها بهذا الملف وبهامش مشاركات اخرى حددتها واشنطن، وها هي تتحكم فيها.

تنطلق الولايات المتحدة من حقيقة انها هي من وضع اتفاق نيفاشا وقاد الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني للتوقيع عليه والبدء في تطبيقه منذ عام 2005.

وصول الاتفاق لنهاياته من حيث التطبيق على الاقل، يفتح الابواب امام بدايات كثيرة، اهمها انفصال الجنوب وظهور دولة مستقلة جديدة، لكن ثمة بدايات اخرى تتجاوز واقع كونها اسبابا ستترى تباعا قبل واثناء وبعد عملية الاستفتاء.

هل استعدت واشنطن جيدا للتعامل مع كافة الاحتمالات التي يصعب التنبؤ بمآلاتها، ما لم يتفق الطرفان على حسم القضايا الخلافية بينهما، وهذا ما يبدو مستحيلا بالنظر لاقتراب موعد الاستفتاء.

دفعت واشنطن بمبعوثها سكوت غريشن شبه المقيم في الخرطوم وجوبا، وقبله حلت سوزان رايس المندوبة الامريكية في الامم المتحدة ضيفة على جوبا ودارفور والخرطوم، ضمن وفد مجلس الامن الدولي الذي زار السودان مؤخرا. وسبقها الرئيس اوباما شخصيا بحضوره اجتماعا بشأن السودان عقدته الامم المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة الاخيرة.

جهود دبلوماسية حثيثة خاضت فيها الادارة الامريكية وتعمقت في دهاليز الواقع السوداني المعقد، حاولت اغراء الحكومة بحزمة من الجزر من دون ان تنسى التلويح ببعض العصي. في المقابل لم تستطع واشنطن اخفاء انحيازها لدولة الجنوب المرتقبة، الى درجة اغرت الحركة الشعبية برفع سقف مطالبها وتقليص معدل التنازلات الى ما يقارب الصفر، خاصة في ملف منطقة ابيي، الى حد احراج المبعوث الامريكي في مفاوضات اديس ابابا بشأن المنطقة.

بالتزامن ارتفعت وتيرة التراشق الاعلامي بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وتباعدت المواقف، وبدا ان الطرفين ينتظران الاستفتاء ليس باعتباره نهاية لمرحلة وحلا لمشكلة استمرت لاكثر من خمسة عقود، بل كبداية لازمة جديدة تختلف جذريا عما ألفه السودان.

في هذا المناخ القلق قدمت واشنطن اخر ما في جعبتها عن طريق السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي.

مشروع سلام السودان حزمة من الرؤى والمغريات والسياسات قدمها كيري مستصحبا العقوبات المفروضة على السودان منذ تسعينات القرن الماضي، واضعا اياها في خضم الجدل المثار حول الاستفتاء وارجحيات انفصال الجنوب وتقسيم السودان بالتالي.

طرح كيري امكانية رفع العقوبات عن السودان وشطب اسمه من قائمة الدول الراعية للارهابن وهي قائمة امريكية خالصة مقابل تسهيل امكانية اجراء الاستفتاء وضمان سلاسة ما يعقبه من نتائج وتطورات واستيعابها بكل سهولة ويسر.

سارع حزب المؤتمر الوطني برفض مقترحات السناتور جون كيري معلنا في الوقت نفسه التزامه باجراء الاستفتاء في موعده، وكأنه يتعمد قطع الطريق على واشنطن .

بنى المؤتمر الوطني موقفه بواقعية شديدة، فالاستفتاء واقع لا محالة وكذا الانفصال ففيما تقديم التناولات لواشنطن اذن، لكن هذا لا يمثل الحقيقة كلها ولا يعبر عنها بأي حال من الاحوال، لان الاستفتاء سيخلف حالة من السيولة يصعب على الحكومة السودانية ودبلوماسيتها التعامل معها من دون خسائر.

بات واضحا ان واشنطن تريد ان تمسك بزمام التطورات المتوقعة والسير بها في سياق يخدم مصالحها، بما يبقيها في المقدمة دائما. وقد يغري ذلك حكومة الشمال السوداني بوضع بعض العصي في دواليب الدولة الجنوبية الوليدة، فاقصى ما يمكن خسارته شماليا وقع بالفعل او هو في الطريق، وعليه فان أي خسارة دون ذلك لن يعتد بها ولو على صعيد التكتيك المرحلي.

ما المخرج اذن وهل في امكان واشنطن ان تلعب دور الوسيط النزيه في ازمة اختلطت فيها حسابات السياسة والتاريخ والجغرافيا، فمن قائل ان منطقة ابيي هي من سيحدد سلامة الاستفتاء من عدمه، الى قائل بأن تربص كل طرف بالاخر سيدفعه حتما لاستغلال ما في يده من اوراق وما اكثر هذه الاوراق.

يجاول السيناتور كيري الانتهاء من مشروعه قبل انتهاء الدورة الحلية للكونغرس الذي خسره الحزب الديمقراطي، ومن سوء الحظ ان روزنامة شهر كانون الثاني/يناير المقبل تحفل باحداث مفصلية سواء للحزب الديمقراطي الامريكي او للسودان ككل.، لكن السودان سيكون الخاسر الاكبر بكل تأكيد وهذا ما يجب الانتباه اليه.

' صحافي سوداني - الدوحة

=================

كبارنا لايموتون وصغارنا لاينسون

د . امديرس القادري

2010-11-12

القدس العربي

 لو عاد " بن غوريون " الصهيوني من حفرة النار المقبور فيها إلى الدنيا من جديد فسوف يكتشف بأم عينه كم كان كاذبا وواهما حين قال عن شعبنا الباسل " إرتكوهم سيموت كبارهم ، وينسى صغارهم " ، فالذين يقاتلون اليوم ويتصدون " لكبارهم المجرمين والقتلة " هم صغارنا ، نعم ، أطفال شعبنا من جنرالات الحجارة في الميدان لا يفارقونه ، و ها هي عصابات جيشك يا بن غوريون لا يهدأ لهم حال ولا بال بسبب مواجهات البطولة التي يفرضها عليهم أطفالنا في شوارع و أزقة فلسطين .

السجون العنصرية إمتلأت بمن قال عنهم أنهم سوف ينسون ، والإعتقالات بحقهم لا تتوقف ، والإيذاء الجسدي بالضرب والتعذيب ، وفرض الغرامات والكفالات و الإقامة الجبرية في المنازل ، و منعهم من الذهاب إلى مدارسهم إلى آخر الوسائل القمعية والفاشية ، كلها أمور إعتاد عليها هؤلاء الرجال الصغار الذين لا يعرفون للخوف معنى أو شعور ، ولن نذكر الأسماء والحوادث فهي أكثر من أن تعد وتحصى ، وبإمكانك أن تراجع أرشيف أجهزتك الأمنية لتطالع ما هو مدون على صفحاتها .

وإذا كنت تجيد القراءة فستجد أمامك أعداد القتلى و الجرحى بالآلاف ، إلى جانب من سببتم لهم العاهات والإعاقات ، ستجد جرائم طيارنكم وقنابل الفسفور ، ستجد المجازر ، ستجد أفعال الزناة الذين تركتهم خلفك والتي لم يعرف لها تاريخ البشرية مثيل ، هذا هو الكيان الذي أسسته على القتل والكذب ، فكن مطمئنا فكلهم على دربك سائرون ، وهم اليوم أبشع بكثير مما تركتهم عليه ، فشرب دماء الأبرياء ، وسحق أجسادهم النحيلة هي العملة التي لا تتغير عند عصابات " بني إسرائيل " التي كنت زعيمها ورئيسها ومؤسس وراعي جرائمها .

حبال الكذب قصيرة يا بن غوريون ، ولن تجدي معها نفعا كل أسلحة الدمار التي تعتمدون عليها لكي تحمي لكم منتوج وثمار هذا الكذب ، والذي أقمتم على أساساته كيانكم الغاصب والمصطنع ، ونحن لا ننكر أن طريق الصراع بين أكاذيبكم وحقيقتنا قد يطول ، ولكن إياك أن تحزن فسوف نأخذ بعين الإعتبار بأن تكون مدعوا وحاضرا لتشهد إنهيار قلعة الوهم الكاذبة التي تركتهم يحتمون بجدرانها الكرتونية ، والتي لا يخالجنا أدنى شك في أنها إلى زوال وهذا ما يؤمن ويتمسك به أطفالنا أيها المجرم .

أنت طبعا لا تعلم أبدا ذلك الفارق الكبير بين طقوس الحمل والولادة عند أطفالنا ، وبين المجرمين الصغار من أطفالكم الذين يولدون من أرحام القردة والخنازير ، أطفالنا يا أيها القاتل يقسمون يمين الولاء لفلسطين وهم في الأرحام و قبل الخروج لمعانقة الدنيا والحياة ، هناك و في أعماق الخلق يخضعون لشرف التأسيس الإلهي ، فهل تتوقع أن تنطلي عليهم أوهامك وأكاذيبك التي حشوت بها رؤوس أتباعك ، فنحن قوم نكبر ونؤذن في آذان مواليدنا ، وكبارنا من الآباء والأجداد هم من يتولون شرف القيام بهذه العملية ، لينتقل المولود بعد ذلك ومباشرة إلى صدر أمه ليرضع من حليبها الطاهر ، والذي لا يميزه عن باقي حليب كل أمهات الدنيا سوى أنه فلسطيني المنشأ والمصدر ، وهنا وبسبب ذلك وإنطلاقا من هذه الطقوس ، فنحن نفرض على كل طفل أن يحفظ جيدا درس المقاومة الأول الذي كتبه بالدم كبار شهدائنا وهذا الدرس يقول " لن نركع ما دام فينا طفل يرضع " فعلى ماذا تراهن بعد يا كبير الكاذبين ؟!

أنا أعلم أن كلامي هذا لن يؤثر على كتاب الكذب الذي يتعلم منه الأطفال عندكم ، ولذلك لم أشعر بأية صدمة وأنا أشاهد أطفالكم وهم يكتبون أقذر وأقسى العبارات على هياكل الصواريخ التي ألقتها طائراتكم على أهلنا وأطفالنا في لبنان وغزة ، وكانوا وللأسف يعتبرون صواريخ الموت هذه هدايا منهم ، وهم بذلك إنما كانوا يستجيبوا لتعليمات وأوامر القتلة الكبار الذين كانوا يتلذذون بتصويرهم وبث مشاهد أفعالهم المخزية هذه إلى كل العالم ، معتبرين أن ذلك يشكل خير الوفاء للكذبة الكبرى التي زرعتها في عقولهم .

في ختام هذا الحوار الذي فرضه " القاتل بن غوريون " على قلمي أود أن أطمئن كل أطفال العالم بأن أطفال فلسطين ليسوا على هذه الشاكلة الإجرامية ، فهم يحبون الحياة ويكرهون الموت ، ويعشقون السلام ويمقتون الحرب و يلعنون كل من يشعلها ، ولا يريدون سوى الحرية ، ولذلك لا يوجد في عقولهم سوى أحلام الأطفال الجميلة والبرئية ، وإذا كان عدوهم الذي سرق منهم وطنهم هو من يفرض عليهم بأن يكونوا مقاومين وجنودا في الميدان فهم بالمقابل يعاهدون على أن لا يرسلوا لكل أطفال العالم سوى الحمامات البيضاء ، وأغصان الزيتون الأخضر ، وحتى تنتصر حقيقتهم على أكاذيب بين غوريون وعصاباته .

كاتب فلسطيني

=================

القضية الفلسطينية وحافة الخيارات الآمنة

مالك العثامنة - بروكسل

الدستور

12-11-2010

بموازاة الضغط على إسرائيل لقبول المبادرة العربية والتي لا تزال مطروحة على الطاولة وقد طالها غبار الانتظار ، فلا بد من إعادة ترتيب أوراق القضية الفلسطينية لتعود كما كانت قضية فلسطينية لا قضية فلسطينيين.

قطع الصلة العربية مع القضية ، وقذفها في مرمى قيادات فلسطينية مشتتة ومتباعدة ، ساهم في السنوات الأخيرة بزيادة مساحة الصفقات التمريرية المصلحية على حساب القضية الأساسية وجعل من تلك الصفقات "المصلحية" لقيادات مشتتة ومتصارعة ، أهدافا نهائية لا تراعي مصالح عربية ناهيك عن مصلحة الشعب الفلسطيني وحقه بدولة مستقلة قابلة للحياة على أرضه الوطنية.

 

الأردن وحده الذي يدرك أن مصلحته الوطنية وأمنه القومي مرتبط عضويا بالقضية الفلسطينية لكن على قاعدة دولة فلسطينية مستقلة تحقق طموحات الشعب الفلسطيني ، وإزالة الاحتلال ضمن منظومة الشرعية الدولية وقوانينها.

 

مصر ، الشقيقة الكبرى ، قامت بحسم خياراتها بقطع العلاقة وتفكيك الرابط العضوي مع القضية الفلسطينية بما كان ظاهرا انه موقف وطني آنذاك على شكل دعم مصري لمنظمة التحرير الفلسطينية "ممثلا شرعيا ووحيدا" ضد رؤية أردنية حصيفة - آنذاك - في قرارات قمة الرباط عام 1974 ، واستمرت مصر بدعم "استقلالية القرار الفلسطيني" ضد سوريا ، وهذا كان مقدمة منطقية لقطع صلة مصر بالصراع العربي - الإسرائيلي في بعده القومي ، وتصبح القضية الفلسطينية من بعدها قضية الفلسطينيين وحدهم ، وهذا بالضرورة سيؤدي إلى نتيجة مفادها وجود شعب فلسطيني يبحث عن حل ، أي حل على أي أرض وبأي صيغة ،، والقضية في الأساس كانت قضية فلسطينية تتعلق بأراضي محتلة وشعب تحت الاحتلال.

 

الموقف الرسمي الفلسطيني لم يكن نشازا في هذا التوجه ، وكلنا نذكر إصرار الراحل ياسر عرفات المستمر على فصل الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن عن المظلة الأردنية التي كانت السبيل الوحيد لدخول المفاوضات ، فخرج الأردن باتفاق سلام واضح الملامح من الناحية العملية بين دولتين ، وخرج الفلسطينيون بعملية سلام مرتبكة لا نهاية لها - كعملية - ومتخبطة لا تزال حتى يومنا هذا.

 

اليوم ، وفي مواجهة قاسية مع الواقع ، وبدون أي محاولات لتجميل ما هو مشوه أصلا ، يجب ان نقف أمام الحقيقة بتجرد لنطالب بضرورة وحيوية توحيد الدبلوماسية العربية خلف مبادرة عربية موحدة وحازمة وحل الدولتين وخوض المعركة السياسية بدبلوماسية عربية تعيد القضية الفلسطينية إلى مجالها الحيوي العربي وإخراجها من قوقعة مناضلي الصفقات وثوار الفنادق ، لتكون الرديف الوصي على قيادات فلسطينية فقدت بوصلاتها واجترحت بصفقاتها غير المتزنة نزاعات فرعية "عنقودية" في الداخل الفلسطيني وفي المحيط العربي المجاور لها ، ولا ترى أمامها إلا قضية فلسطينيين لا قضية فلسطينية ، حتى وصل التهاون لديها إلى اعتبار حق العودة والتعويض ورقة يمكن إسقاطها بدون تردد.

 

لا بد من صوت عربي رسمي واضح يضع إطارا لحل الدولتين ، وصيغة قوية تعمل على تجييش التوافق الدولي عليها ، واستقطاب قوى واشنطن النافذة حول تلك المبادرة التي بدأت عربية ولا بد ان تنتهي بدولة فلسطينية على التراب الفلسطيني بدون اجتهادات وتأويلات خارجة عن النص وأمنيات مريضة لا حياة لها ولا روح ، وحلول فرعية مستعجلة تهدد الأمن الإقليمي وتضعنا على حافة خيارات غير مأمونة.

=================

جورج بوش إن حكى.. صَمَتَتْ العرب!!

الرأي الاردنية

12-11-2010

حقاً.. إنها مفارقة لافتة، عندما كان جورج دبليو بوش يملأ الدنيا ويشغل الناس بتطرفه وحروبه ونيرانه، لاذت معظم الأنظمة العربية بالصمت، وكان تبريرها أن الرجل المهووس هذا لا يتورع عن وضع نظرياته المتزمتة وقراءاته الإنجيلية المتصهينة، موضع التنفيذ وخصوصاً أنه محاط برهط من المحافظين الجدد يريدون تكريس نظرية القوة والإبقاء على الولايات المتحدة الاميركية منفردة في قيادة العالم والهيمنة عليه، بعد ان بدأت دعوات بناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، تأخذ طريقها الى المشهد الدولي، وتشكل مناخات ضاغطة على واشنطن التي بذلت - وما تزال - كل ما تتوفر عليه من امكانات ونفوذ وعربدة، لجعل القرن الحادي والعشرين قرناً اميركياً بامتياز، بعد أن انتهت الحرب الباردة لصالحها وبعد ان «نجح» الاتحاد السوفياتي في جعل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثنائي القطبية، على نحو لم يُكتب له ان يتواصل ويستمر للأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها موسكو داخلياً وخارجياً، وخصوصاً بظهور نبي البيريسترويكا المزيف ميخائيل غورباتشوف، الذي أحال الإمبراطورية الروسية الى حال من الفوضى والعجز، ما تزال اصداء سقوطها تدوي في جنبات المعمورة، بدليل هذا السعار الاميركي في عسكرة العلاقات الدولية، والذي أخذ طريقه الى الشرق الاوسط تحت دعاوى وذرائع واحبولات اعلامية ودبلوماسية كاذبة ومزيفة ومصطنعة، بدءاً بنشر القيم الاميركية والدفاع عن الحرية والديمقراطية على ما دأب أركان إدارته تكراره في «رطانتهم» التي باتت «لغة» مستجابة في معظم الأوساط الرسمية العربية، على نحو كان المواطن العربي يشهد مدى ارتعاد وخوف رموز هذه الأنظمة واستعدادهم لتلبية المطالب (اقرأ الأوامر) الاميركية مقابل تعهد ولو شفوي ومن مسؤول في الدرجة العاشرة في البنتاغون او وزارة الخارجية، بضمان أمن النظام وأهله، فكان ما كان، منذ الحادي عشر من ايلول 2001، بعدها دارت آلة القتل الاميركية ووضعت الترسانة العسكرية الأضخم في التاريخ في خدمة مشاريع الهيمنة والغزو والمجمع الصناعي العسكري البترولي الممسك بخيوط اللعبة والمحدّد للأدوار والمواقع وعرّاب الرؤساء والوزراء والمستشارين داخل واشنطن وفي نيويورك وعبره الى معظم العواصم والأنظمة الكرتونية التي أقيمت بضوء اخضر من السي آي إيه، او تم اعتمادها لاحقاً، بعد أن جاءت على ظهور الدبابات او من خلال مؤامرات داخلية وتصفيات حزبية او صفقات بين الرموز الحاكمة.

ما علينا..

فعل جورج بوش ما فعله وارتكب من جرائم الحرب والقتل، ما يستوجب مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية (رفض بوش الانضمام إليها وألغى الموافقة المبدئية التي كانت ادارة كلينتون قد أعطتها على معاهدة روما)، لكن موازين القوى الدولية لا تسمح، بل لا توجد أي دولة في العالم حتى تلك المصنفة في محور الشر او الكارهة لاميركا، تبادر الى تقديم طلب كهذا.

وإذ بدا لكثيرين أن بوش بعد ان قضى ثماني سنوات في البيت الأبيض، قد ذهب الى مزبلة التاريخ، كأسوأ رئيس اميركي، ولغ في دماء الأفغان والعراقيين والفلسطينيين واللبنانيين وشعوب اخرى عديدة تعرضت للسطوة الاميركية، وبخاصة بعد أن خلفه «خطيب» ساحر، وعد بطي صفحة الحروب وفتح صفحة جديدة مع الشعوب الاخرى، وخصوصاً المسلمين والعرب، ها هو – بوش – يعود الى الأضواء من خلال «مذكرات» كتبها عن «ولايتيه» في الحكم، غير معتذر عن جرائمه، وخصوصاً حربه البشعة على العراق التي زيّف ورهط المحافظين (بمساعدة ودعم من قادة وأنظمة وجماعات بعضهم عرب) وقائعها ومبرراتها التي كانت كارثة حقيقية لحقت بالشعب العراقي والمنطقة العربية، وأسهمت في قمع الشعوب العربية التي تعيش أوضاعاً قاسية وصعبة في ظل قوانين الطوارئ ومكافحة الارهاب التي «خاطتها» معظم الأنظمة العربية، وسيلة لاحكام قبضتها على المجتمعات العربية وعدم ادخال أي إصلاح او السماح بإشاعة ابسط الحريات العامة وحقوق الانسان.

صحيح أن «نقاط القرار» وهو اسم مذكرات بوش، نشر للتو وباللغة الانجليزية، إلاّ أن ما ينشر من فصول مترجمة الى العربية حول بعض الوقائع والشخصيات والقادة والأنظمة (العربية وغير العربية)، يؤشر الى تورط ما، بهذه الدرجة او تلك، في تمرير سياسات واشنطن وحروبها وجرائمها ضد العرب والمسلمين، وبتواطؤ بل شراكة معلنة مع اسرائيل في حربها الأخيرة على لبنان مثلاً، وفي المأساة العراقية التي تتوالى فصولاً دموية. وإذ خرج كثيرون في الغرب، مثل غيرهارد شرودر المستشار الألماني السابق (وصحف غربية عديدة) للرد على بوش وتفنيد (أو تأييد) ادعاءاته والمعلومات التي أوردها، فإن اللافت حد الاستغراب والدهشة، هو هذا الصمت الذي يلوذ به معظم بل كل «المسؤولين العرب» الذين أوردهم هذا الرئيس الفاشي والأرعن، حول حروب وتنسيقات سياسية ودبلوماسية وإعلامية، ما يزيد من القناعة بأن ثمة الكثير الكثير من الصحة والدقة في معلومات بوش «العربية» على الأقل، وإلاّ... لماذا يصمتون؟

=================

أوباما بعد انتخابات الكونغرس

جيفري كمب (مدير البرامج الإقليمية الاستراتيجية في مركز نيكسون بالعاصمة الأميركية واشنطن).

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

12-11-2010

مُني الرئيس الأميركي أوباما بهزيمة قاسية في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة بعدما خسر حزبه الديمقراطي أغلبيته التي كان يتمتع بها في مجلس النواب لصالح الحزب الجمهوري الصاعد على الساحة السياسية، ولم يكتفِ الجمهوريون بمجلس النواب بل حققوا مكاسب أيضاً في مجلس الشيوخ، وإن كانت أقل من الأغلبية التي كانوا يطمحون إليها للسيطرة على غرفتي الكونجرس وإعاقة تشريعات أوباما.

وما يميز الانتخابات الأخيرة أن اهتمام الناخبين بها كان منصباً على السياسة الداخلية الأميركية لاسيما الاقتصاد الذي يقلق العديد من الأميركيين فيما احتلت السياسة الخارجية مركزاً متأخراً سبقته الانشغالات الملحة مثل البطالة والوضع الاقتصادي غير المستقر.

لكن ذلك لا يعني أن السياسة الخارجية ستبقى على حالها فتغيرها من عدمه يعتمد بشكل كبير على تعامل الجمهوريين مع أعضائهم الجدد الذين انضموا مؤخراً إلى الكونجرس متمثلين في أعضاء حركة «حفلة الشاي» التي استقطبت اهتمام الجمهور الأميركي وجندت وراءها فئات عريضة من الرأي العام، خاصة فيما يتعلق بقضايا تحظى بإجماع كبير في صفوف الحركة، وعلى رأسها معارضتهم للعجز الكبير الذي تعانيه الميزانية الفدرالية وإصرارهم على تقليص النفقات العمومية لوقف النزيف والحد من العجز الذي يتحمله في النهاية دافعو الضرائب الأميركيون.

بل إن بعض أفراد الحركة يطالبون بخفض موازنة الدفاع، على غرار باقي البرامج الاجتماعية التي يدعون إلى الحد منها، كما هو الحال بالنسبة للرعاية الصحية.

 وهو تغيير مهم في بعض الأوساط السياسية يطال الآن قلعة الدفاع الحصينة التي كانت إلى وقت قريب بمنأى عن التدخلات السياسية وإحدى الثوابت الأساسية للسياسة الأميركية.

لكن من غير المرجح أن يتمكن النواب المحسوبون على حفلة الشاي من التأثير على أعضاء الكونجرس الأكثر خبرة في الحزب الجمهوري والمعروفون بمساندتهم لتوسيع ميزانية الدفاع حماية للأمن القومي الأميركي.

ومع ذلك هناك فرص جيدة أمام حركة الشاي للتحالف المرحلي على الأقل مع الأعضاء التقدميين من يسار الحزب الديمقراطي الذين يطالبون هم أيضاً بخفض موازنة الدفاع والذين سبقوا أن عبروا عن استيائهم تجاه سياسات أوباما، سواء في الداخل أو الخارج؛ فاليسار الأميركي يرى أن أوباما لم يقم بما يكفي لإعادة توزيع الثورة من الأغنياء إلى المواطنين العاديين، هذا بالإضافة إلى معارضة اليسار للحرب في أفغانستان ومطالبتهم بسحب القوات الأميركية في أجل أقصاه أواخر عام 2011، إن لم يكن قبل ذلك.

لكن، وفيما عدا التحالفات المرجح انبثاقها بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والتي يترقب أن تعكس توافقاً حول القضايا الأساسية أكثر من كونها انسجاماً أيديولوجياً تبقى الانتخابات الأخيرة وما أسفرت عنه من نتائج مؤشراً واضحاً إلى مدى الخيبة التي يستشعرها الأميركيون إزاء إدارة أوباما التي لم تقم بما يكفي في نظرهم للحد من معدلات البطالة المرتفعة واستمرار الوهن الاقتصادي غير المنتج للوظائف.

 والمفارقة أنه في الوقت الذي يبحث فيه قطاع واسع من العمال الأميركيين عن فرص عمل تقيهم ذل الحاجة والمساعدات الحكومية، تزداد ثروات الأغنياء، حيث تشير الأرقام إلى تركز 20 في المئة من ثروات البلاد في أيدي 1 في المئة من الأميركيين، وهو الرقم الذي يذكرنا بما كان عليه الوضع قبل الكساد العظيم خلال ثلاثينيات القرن الماضي.

ولعل ما يفاقم حالة الاستياء لدى الأميركيين هو شعورهم بأن مدراء وول ستريت الذين تلاعبوا بمدخرات الأفراد وقامروا بها في البورصة متسببين في خسارات مالية فادحة وفي انهيار مدمر للمؤسسات البنكية وصناديق التحوط، لم يلقوا الجزاء الذي يستحقونه ولم يتحملوا مسؤولية ما جنته أيديهم، بل إن الجشع الذي أبداه مدراء وول ستريت وجريهم المتهور وراء الربح السهل، ساهمت فيه الحكومات الفدرالية المتعاقبة التي خففت القيود على التعاملات المالية واعتنقت مذهباً مفرطاً في ليبراليته يرفع القيود عن الشركات المالية.

وقد زاد من عدم ثقة الأميركيين في حكومتهم ذلك التواطؤ القائم بين جماعات الضغط المؤثرة على الكونجرس، والتي تعمل لحماية مصالح وول ستريت، وبين السياسيين والأكاديميين الذين يبررون، بلغة تغلف بمصطلحات علمية، تجاوزات المؤسسات المالية، وفي الوقت الذي كان فيه الشعب الأميركي ينتظر من اقتصادييه -سواء في المؤسسات العامة مثل الاحتياطي الفدرالي أو الجامعات المرموقة التي تضم خيرة الاقتصاديين في العالم- تحذيره من السياسات المالية غير المأمونة، راح هؤلاء يقدمون النصح والمشورة للشركات نفسها التي تسببت في الأزمة.

وليس غريباً في هذا السياق أن تتراجع ثقة الأميركيين في المثقفين الذين ينظرون بتعال إلى المواطن الأميركي البسيط ويقنعونه بالسياسات الرسمية.

 هذا الوضع يفرض على أوباما، إذا كان يريد استعادة ثقة الرأي العام في إدارته، إبداء قدر أكبر من التفهم لانشغالات الأميركيين ومخاوفهم المشروعة، كما يتعين عليه إيجاد طريقة ما للتعاون مع الجمهوريين الذين باتوا يسيطرون اليوم على مجلس النواب من خلال التعهد باستشارتهم والسعي إلى توافقات حول التشريعات المقبلة.

ولعل العزاء الوحيد لأوباما ما أشارت إليه استطلاعات الرأي بعد الانتخابات الأخيرة من أن الحزب الديمقراطي مرشح لتحقيق نتائج أفضل في عام 2012 إذا ما تحسن الاقتصاد وتراجعت معدلات البطالة. فحسب المراقبين، لم يصوت الناخبون للجمهوريين حباً فيهم، بل لمعاقبة الديمقراطيين الذين يسيطرون على الكونجرس والبيت الأبيض، ولتذكيرهم بأنه ما لم يعالجوا المشاكل الحقيقية للأميركيين فإنهم قد يفقدون البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة.

=================

ديبلوماسية المقايضة الإسرائيلية مع موسكو وواشنطن

المستقبل - السبت 13 تشرين الثاني 2010

العدد 3830 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

هل تحتاج إسرائيل الى التجسس على الولايات المتحدة؟

من المعروف أن ثمة حلفاً استراتيجياً بين واشنطن وتل أبيب وقع رسمياً بينهما في عام 1982 أثناء غزو إسرائيل لبنان واحتلال العاصمة بيروت.

ومن المعروف أيضاً ان التعاون الستراتيجي سابق لهذا الحلف وانه تعاون مكرس عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ومخابراتياً أيضاً.

ومن المعروف كذلك ان القيادتين الأميركية والإسرائيلية ترددان دائماً، أياّ كان الحزب الحاكم في البيت الأبيض في واشنطن، أو الحزب الحاكم في تل أبيب، ان أمن الولايات المتحدة هو من أمن إسرائيل، وأن أمن إسرائيل هو من أمن الولايات المتحدة.

مع ذلك فان السؤال: هل تحتاج إسرائيل الى التجسس على الولايات المتحدة، يبدو سؤالاً ساذجاً. وذلك ليس لأن إسرائيل بغنى عن التجسس، ولكن لأن صيغة السؤال يجب أن تكون: لماذا تتجسس إسرائيل على الولايات المتحدة؟

فالوقائع تؤكد وجود عمليات تجسس من هذا النوع، كما انها تؤكد ان أخطر ما في هذه العمليات توظيف مواطنين أميركيين من اليهود الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أيضاً، الأمر الذي يطرح مشكلة "ازدواجية الولاء". ولعل أشهرهم على الإطلاق هو جوناثان بولارد الذي يقضي في أحد السجون الأميركية الشديدة المراقبة حكماً بالسجن المؤبد. وكانت السلطات الأميركية قد اعتقلته بالجرم المشهود، مما اضطره الى الاعتراف. وكان يتجسس على القوات العسكرية الأميركية عندما كان يعمل ضابطاً في جهاز المخابرات التابع للبحرية الأميركية.

ونظراً لخطورة المعلومات التي سرّبها لإسرائيل على مدى سنوات، فقد صدرت بحقه العقوبة القصوى.

حاولت إسرائيل مراراً، مباشرة ومن خلال اللوبي اليهودي الأميركي، التدخل لإخراجه من السجن من خلال ممارسة ضغوط سياسية مباشرة على الادارات الأميركية المتعاقبة. وحاولت مقايضة البيت الأبيض بمواقف سياسية مقابل إطلاق سراحه وإبعاده الى إسرائيل. فخلال مفاوضات كان ترأسها الرئيس الأسبق بيل كلنتون في عام 1998 مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه، طرحت إسرائيل عرضاً بتسهيل المفاوضات مقابل إطلاق بولارد. في ذلك الوقت بدا الرئيس كلنتون الذي كان متلهفاً لتحقيق تسوية في الشرق الأوسط تطوي صفحة فضيحة لوينسكي وتعيد الاعتبار السياسي والمعنوي اليه، وكأنه قد بلع الطعم؛ فوافق على المبدأ، الا انه طلب مهلة للتشاور مع أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي. الا ان الاعضاء جميعاً رفضوا المقايضة لأن الجريمة التي ارتكبها "مواطن" أميركي على خلفية انتسابه الديني لدولة أخرى تشكل سابقة خطيرة.. وأخطر ما فيها ان التجسس كان لحساب دولة يفترض انها موثوقة من الولايات المتحدة ومتحالفة معها. واعتبر المجلس ان الطعنة كانت مزدوجة، خيانة وطنية من جانب بولارد، وخيانة دولة حليفة من جانب إسرائيل.

عاد كلنتون الى كمب دافيد بقرار الرفض وكان ذلك كافياً لتفشيل المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية الأميركية!!.

الآن ومرة جديدة يطرح نتنياهو المقايضة، على اساس اطلاق سراح بولارد مقابل اتخاذ قرار بتجميد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

ويبرر نتنياهو طلبه الجديد بأنه يحتاج الى تقديم هدية الى اليمين الإسرائيلي المتشدد مقابل الحصول على موافقته على تجميد الاستيطان. وهو يدعي انه من دون هذه "الهدية"، فان التجميد سوف يؤدي الى شق الحكومة واسقاطها. ولكن لا يبدو ان الرئيس باراك أوباما مستعد للاستجابة. وحتى لو استجاب تحت ضغط حاجته الى دفع المباحثات الإسرائيلية الفلسطينية قدماً الى الأمام، فانه ليس واثقاً من ان مجلس الامن القومي الاميركي سوف يوافق.

لم يكن بولارد أول أميركي يهودي يتجسس لإسرائيل، فهناك من مارس التجسس على المفاعلات النووية مثل الجاسوس شابيرو الذي استطاع تهريب معلومات علمية وكميات من اليورانيوم من المفاعلات الأميركية حيث كان يعمل، الى إسرائيل، ولكن المؤسسة العسكرية الأميركية لا تبدو متسامحة كالمؤسسة النووية.. أو المؤسسة السياسية. كذلك فان الاعتراضات الشديدة تصدر عن أجهزة المخابرات الأميركية أيضاً، السي.آي.إيه. وكذلك أف.بي.آي.

ليس مبدأ المقايضة السياسية غريباً على إسرائيل. فهي في الوقت الذي طرحت فيه مقايضة اطلاق سراح بولارد بتجميد المستوطنات، طرحت مقايضة من نوع آخر مع الاتحاد الروسي. تقول هذه المقايضة الثانية بأن إسرائيل سوف تمتنع عن تزويد كل من جورجيا وأوكرانيا بالأسلحة اذا امتنعت روسيا عن تزويد سوريا بشبكة الصواريخ المتطورة التي اتفقت على إبرامها مع دمشق. وهددت إسرائيل بأنه اذا رفضت موسكو العرض، فانها سوف تقدم أسلحة متطورة للدولتين اللتين تناصبان روسيا العداء.

حمل هذا العرض الى الكرملين وزير الدفاع إيهود باراك، إلا انه عاد "بخفي حنين". فبماذا سيعود الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس من البيت الأبيض؟!.

=================

عواطف الرؤساء تتقدم مصالح بلادهم أحياناً

آخر تحديث:السبت ,13/11/2010

عصام نعمان

الخليج

لعل فانسنان نوزيل أبرع صحافي فرنسي في التسلل إلى أرشيف الإليزيه ومحاضر لقاءات الرئيس جاك شيراك مع ضيوفه، لاسيما مع الرئيس جورج بوش الابن .

في كتابه الجديد “سر الرؤساء” الذي لم يكذّب شيراك محتوياته، يكشف نوزيل سراً لافتاً للرئيس الفرنسي السابق يشاطره إياه الرئيس الأمريكي السابق، وربما رؤساء كثيرون غيرهما، أنه غلّب العواطف على المصالح في السياسة . . أحياناً .

هذا السر يجد إثباتاً له في كتاب بوش “نقاط القرار”، ففي الكتابين تتقاطع عواطف الرئيسين، وليس مواقفهما فقط، حيال أشخاص وأحداث عبرت حياتهما السياسية .

في الأحداث التي عصفت بلبنان خلال عهدي الرئيسين الفرنسي والأمريكي، لاسيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14/2/،2005 يتجلى السر اللافت . فقد كان الحريري، بحسب نوزيل، صديقاً لصيقاً لشيراك، “المذهول تحت الصدمة، والذي ذهب بنفسه لإبلاغ نازك الحريري بالخبر السيّئ”، بعدها مباشرة طار إلى بيروت لتقديم التعازي، “وكان متأثراً إلى حد سالت معه دموعه” .

بوش لم يكن صديقاً للحريري، لكنه تأثر لاغتياله، لذلك لم يصادف شيراك صعوبة في إقناعه بضرورة “الثأر لصديقه” . عملية إقناع بوش تمت خلال العشاء الذي جمع الرئيسين في الحادي والعشرين من فبراير/شباط في منزل السفير الأمريكي في بروكسل وبناء على طلب الرئيس الفرنسي . يقول نوزيل إن شيراك “كان المتحدث الوحيد خلال اللقاء المغلق وكان يستشيط غضباً”!

أصغى بوش إلى شيراك من دون أن يقاطعه . أصابع الاتهام وجهها إلى دمشق إذ “ليس لديه شك في أن القرار بالعملية اتخذه الرئيس بشار الأسد، وأي فرضية أخرى لا معنى لها” .

يقول نوزيل: “بعد الاتهام الصدمة الذي قدمه شيراك من دون أي تحقيق، استعاد حججه المجرّبة: يجب أن نكون حازمين . يجب أن نرد، لكن بذكاء، وعلينا أن نتجنب مجابهة سوريا وجهاً لوجه لأنها ستحتمي، بنجاح، بالتضامن العربي” .

في وصفه خطة شيراك، يقول نوزيل: “إنها خطة هائجة، قاسية، تتغذى من أحقاد لا حَدّ لها تجاه الأسد” .

بوش، بحسب نوزيل، “صادق على مطالعة شيراك . قال إني موافق على عدم صدم سوريا في جبهتها . . لكني سأتبعك، سنمر إليها من لبنان” .

 

بوش يتبع شيراك؟

الحقيقة أن الرئيس الأمريكي لم يكن، قبل اغتيال الحريري، على وفاق مع الرئيس الفرنسي، فهو يؤكد في كتابه “لحظات القرار”: “أنا والرئيس جاك شيراك لم نكن نتفق على الكثير . فالرئيس الفرنسي عارض الإطاحة بصدام حسين، ونعت ياسر عرفات بأنه رجل شجاع” . إلى ذلك، كان بوش ممتعضاً من سماح سوريا لمجاميع من الإسلاميين المتطرفين بالتسلل عبر حدودها إلى العراق، حيث كانوا يقتلون كثيراً من الجنود الأمريكيين . هذا سبب كافٍ، في رأيه، للانتقام .

 

الانتقام من سوريا كان سبقه الانتقام من العراق، فالرئيس الأمريكي السابق كان قد كال الكثير من الاتهامات للعراق ليبرر مهاجمته واحتلاله . زعم أنه يملك أسلحة الدمار الشامل، وأنه يتعاون مع تنظيم “القاعدة”، وكل هذه الاتهامات اعترفت واشنطن لاحقاً بأنها غير صحيحة . لماذا، إذاً، هاجم بوش العراق؟

 

لا يفصح الرئيس الأمريكي السابق عن الحقيقة، ولا يعترف بأن لاحتلال العراق غرضين: وضع اليد على احتياطه الضخم من النفط، والعمل على تفكيكه إلى ثلاث دول كرمى لعيني “إسرائيل” .

ثمة سبب آخر لاحتلال العراق، إنه سر بوش المعلن الذي أتى على ذكره مراراً في معرض النيل من صدام حسين، حين قال: “هذا الرجل حاول قتل والدي”، مشيراً بذلك إلى مؤامرة تردد أن صدام دبرها لاغتيال بوش الأب خلال زيارته الكويت بعد إخراج القوات العراقية منها .

للإنتقام من العراق سر آخر لا يُفصح عنه بوش الابن، إنه وضع صورة موزاييك لوالده على مدخل فندق بغداد في العاصمة العراقية، بحيث يُضطر الداخلون إلى الفندق والخارجون منه إلى دوسها!

الرغبة في الانتقام كانت أيضاً في عمق تفكير بوش المعادي للمقاومة اللبنانية . يقول في كتابه: “لحزب الله جناح إرهابي يتحمل مسؤولية تفجير مقر المارينز الأمريكيين في لبنان العام ،1983 وقتل غطاس تابع للبحرية الأمريكية على متن طائرة خاصة تابعة لشركة “تي دبليو إيه” في العام ،1985 والهجمات على سفارة “إسرائيل” ومركز يهودي للخدمات الاجتماعية في الأرجنتين في العامين 1992 و1994” .

كيف يكون الانتقام؟ باستيفاء “الحق” تحكماً . لا وجود للقانون والمحاكم في قاموس بوش الابن، لاسيما حيال من يكرههم لاعتبارات “عقائدية” .

في سياق عقلية الانتقام من المقاومة اللبنانية، يعترف بوش بأنه يتحمل المسؤولية عن دماء ما يزيد على 1200 لبناني قتلوا في حرب ،2006 يعترف بذلك بعدما اعترف بأنه سعى لإطالة أمد الحرب كي تتمكن “إسرائيل” من القضاء على المقاومة اللبنانية، مبدياً “الأسف الشديد” لأن “إسرائيل” لم تستفد من الفرصة التي أتاحها لها لتدميرها .

بعدما أخفقت “إسرائيل” في النيل من المقاومة اللبنانية بعد 33 يوماً من حرب دمرت خلالها بنى لبنان التحتية، دعا بوش مجلس الأمن القومي لترتيب مخرج لها من مأزقها . في الاجتماع طلب نائبه ديك تشيني “أن ندع “الإسرائيليين” ينتهون من حزب الله” . ردت عليه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بقوة: “إذا قمنا بذلك فإن أمريكا ستموت في الشرق الأوسط” .

ترى، هل أدى تقديم الرئيس بوش (ومثله الرئيس شيراك) العواطف على المصالح في حربي العراق ولبنان، إلى تحقيق نبوءة كوندوليزا رايس حول “موت” أمريكا في الشرق الأوسط؟

=================

آسيا وسباق القوى العظمى

آخر تحديث:السبت ,13/11/2010

الحسين الزاوي

الخليج

هناك كثير من القوى العظمى التي باتت تعتقد أن تعافيها الاقتصادي يمر عبر البوابة الاقتصادية الآسيوية، لذلك فهي تسارع الخطى من أجل استمالة دول آسيا الكبرى، سواء تعلق الأمر بالصين أو الهند أو حتى كوريا الجنوبية التي تسجل اقتصاداتها أعلى نسب نمو في العالم؛ وتأتي هذه الثورة الاقتصادية والتكنولوجية المسجلة من قبل هذه الدول في ظل تراجع حضاري شامل تشهده الدول الغربية في عمومها . ويعتقد كثير من المحللين أن هذا التراجع الاقتصادي الذي يحدث في ظل عودة قوية وغير مسبوقة للقوى اليمينية والمحافظة في أوروبا والولايات المتحدة، يعكس تخوف قطاع واسع من الرأي العام الأوروبي والأمريكي من أفول الحضارة الغربية المعاصرة، ويتجلى هذا التخوف في شكل ردود أفعال متشنجة تصل إلى حدود الهستيريا من قبل النخب السياسية والفكرية الغربية التي أصبحت تتلفظ بعبارات عنصرية وتمارس سلوكيات معادية للآخر، بل تلجأ إلى حض شعوبها على الكراهية .

 

وعليه وفي سياق هذا الجو المشحون الذي شهد عودة اليمين الجمهوري إلى رئاسة مجلس النواب الأمريكي، شدّ الرئيس الأمريكي الرحال إلى آسيا في إطار زيارة رسمية تشكل الهند أبرز محطاتها، ليبحث عن سند اقتصادي من هذه الدولة التي تعد من بين الدول الأكثر نمواً في العالم إلى جانب الصين والبرازيل . وفي ظل هذا الأفق الحضاري شديد التوتر الذي يضاعف فيه المسؤولون الأوروبيون تصريحاتهم العنصرية، كما حدث مؤخراً مع أنجيلا ميركل؛ قام الرئيس الصيني بزيارة إلى باريس بدعوة من نظيره الفرنسي ساركوزي، ليضخ بعض السيولة النقدية في رئة الاقتصاد الفرنسي الذي لم يعد يجد أسواقاً مربحة من أجل تصريف منتجاته عالية التكلفة .وقد سعى ساركوزي إلى استثمار هذه الزيارة من أجل دعوة نظيره الصيني إلى مساعدته على إنجاح قمة دول العشرين المقبلة التي ستترأسها فرنسا، والتي ستحاول خلالها الدول الغربية أن تمارس ضغوطاً جديدة على الصين من أجل رفع قيمة عملتها .

 

زيارة الرئيس الصيني إلى فرنسا جاءت بعد شهور من التوتر بين باريس وبكين بعد الاستقبال المثير الذي خُصّ به زعيم التبت في أثناء زيارته فرنسا، لذلك فإن ساركوزي سعى خلال المحادثات التي جمعته بضيفه الكبير إلى تجنب الخوض في الملفات التي تقلق السلطات الصينية، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان؛ فالسلطات الفرنسية تسعى إلى مضاعفة حصة استثماراتها داخل السوق الصيني التي ماتزال متواضعة قياساً إلى حجم استثمارات جارتها ألمانيا التي تتزايد سرعتها بشكل أكبر . غير أنه ورغم المحاولات الكبيرة التي بذلها أرباب الشركات الفرنسية من أجل الحصول على اتفاقيات ضخمة من الطرف الصيني، فإن الحصيلة النهائية كانت دون مستوى توقعات الطرف الفرنسي، بل إن أوساطاً مطلعة وصفتها بالهزيلة ولا ترقى إلى مستوى الزخم الإعلامي الذي أثير في فرنسا حول زيارة الزعيم الصيني . ويمكن القول إن الصين باتت مهتمة بقطاع السياحة والخدمات في فرنسا أكثر من اهتمامها بالصناعة أو التكنولوجيا الفرنسية، كما أن المواقف السياسية لقادة باريس التي تتسم عادة بالاندفاع والعنجهية، لا تساعد كثيراً على خلق جو ملائم من أجل تنشيط وتحفيز الاستثمارات بين البلدين .

 

أما بالنسبة إلى زيارة الرئيس باراك أوباما إلى الهند التي أشرنا إليها آنفاً، فإن المراقبين السياسيين أكدوا في مجملهم، أنه وبالرغم من طابعها البروتوكولي المتميز، إلا أنها لم تستطع أن تزيل بشكل جدي، تخوفات الهند بصدد سياسات واشنطن في المنطقة، وخاصة أن نيودلهي مازالت ترى في أمريكا حليفاً أساسياً لباكستان، كما تعتقد أن سعي أمريكا إلى التفاوض مع حركة طالبان في أفغانستان، يمثل محاولة غير مباشرة من أجل إعادة توطيد نفوذ الجيش الباكستاني في أفغانستان، لأن القادة الهنود ما زالوا يصرّون على أن حركة طالبان تمثل العمق الاستراتيجي للجيش والاستخبارات الباكستانية في أفغانستان . وتحاول أمريكا بالرغم من كل ذلك، أن تستغل التخوف الهندي من النمو “الشرس” الذي يحدث لدى جارتها الشمالية الصين، من أجل استدراجها إلى أخذ مواقف سياسية تشجّع النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة الحيوية من العالم .

 

ويمكن أن نستخلص تأسيساً على ما سبق، أن علاقات القوى التقليدية العظمى ومن بينها فرنسا وأمريكا بدول آسيا الكبرى التي باتت تحتل مرتبة جد متقدمة في صدارة الاقتصاد العالمي بكل جدارة واستحقاق، بدأت تتغير بشكل لافت، حيث إنه لم يعد بإمكان القوى الغربية أن تفرض أجندتها السياسية على هذه الدول، بل إن العكس هو الذي يحدث في كثير من الأحيان؛ فالدول الآسيوية المتقدمة باتت تفرض شروطها السياسية والاقتصادية على القوى الغربية المتهالكة اقتصادياً وحضارياً .

 

ونستطيع أن نؤكد في سياق متصل، أن تركيا التي تقع على التماس الجغرافي بين آسيا وأوروبا، تحاول حالياً أن تيمّم وجهها نحو الشرق الآسيوي من أجل دعم مسيرة إقلاعها الاقتصادي، وتسعى أيضاً إلى خلق شراكة استراتيجية مع الصين من أجل الاستفادة إلى أبعد حد ممكن، من موقعها الجيوسياسي كنقطة عبور أساسية وحيوية بين الغرب المتراجع والشرق الأقصى الصاعد .

=================

خيارات أوباما ليست عسكرية فقط

الجمعة, 12 نوفمبر 2010

نيويورك - راغدة درغام

الحياة

لم تأتِ جولة الرئيس باراك أوباما الآسيوية عليه بزخم القيادة التي يود استعادتها بعدما انحسر كقائد خطف أنفاس العالم قبل مجرد سنتين. انتكاسة باراك أوباما لم تقتصر على نتائج الانتخابات النصفية الأميركية وإنما لها شق فائق الأهمية على الساحة الدولية. لذلك لم يستمع الرئيس الأميركي الى نصائح إلغاء جولته الى الهند وأندونيسيا والصين وكوريا الجنوبية للمشاركة في قمة مجموعة الدول العشرين كي يتفرّغ للمسائل المحلية حصراً. ذهب الى الهند ليوجه رسالة الى الصين وليس فقط لأن الهند بحد ذاتها شريك استراتيجي مهم جداً للولايات المتحدة. ذهب الى أندونيسيا ليس فقط لأنها أكبر دولة إسلامية وإنما أيضاً لأنه أراد إحياء بعض ما أتى عليه ببريق عندما خاطب المسلمين قبل سنة ونصف السنة من القاهرة. في الصين سار باراك أوباما على أكثر من حبل مشدود، لا سيما أن بكين استمعت الى الرسالة التي بعثها من الهند إليها وخلاصتها أن هناك خيارات أخرى في مجال الشراكات الاستراتيجية الكبرى أمام الولايات المتحدة، وليس صحيحاً أنه ليس أمام واشنطن سوى الانصياع لما تريده بكين، ثنائياً وإقليمياً أو دولياً. ثم استعد باراك أوباما الى قمة مميزة في سيول لأنها تتحدث لغة الاقتصاد والأزمات المالية وما هي السبل المتاحة للخروج منها. إنما في كل مكان ذهب إليه الرئيس الأميركي، لاحقته الملفات الساخنة التي سكبت الماء البارد على قيادته لأنها أفشلته عمداً ووضعته رهينة إملاءات اللاعبين الأصغر. فإسرائيل أفشلت باراك أوباما في إجراءات تحجّم طموحاته السياسية عملياً كما تحجّمه في الانطباع العالمي. إيران وسورية أفشلتا باراك أوباما وجعلتاه يبدو ساذجاً باعتناقه سبيل المسايرة والاحتضان والحوار معهما ليتلقى صفعة وراء الأخرى من كل منهما في العراق وفلسطين ولبنان. لبنان تحوّل فجأة الى ساحة لمعركة مفتعلة بين «حزب الله» وبين إدارة باراك اوباما، أي، بين منظمة مسلحة وبين الدولة العظمى الوحيدة في العالم. ثم هناك الطرود المفخخة التي كادت تسبب كوارث لولا المعلومات الاستخباراتية السعودية، وهناك اليمن الواقف على كف عفريت بسبب تحوله الى مرقد عنزة «القاعدة» المتطورة علمياً والقادرة على تصنيع طرود مفخخة من هذا الطراز. ولأن لجميع هذه الملفات تأثيراً على باراك أوباما، رئيساً وقائداً، كما على المصالح الأميركية - مهما بدا للأميركيين العاديين بأنها قضايا لا تهمهم - ازداد الكلام عن إمكانات تحدث الرئيس الأميركي بلغة «وإلا» كي يُؤخذ بجدية في أعقاب الانتكاسة. برز كلام عن نوعية الخيارات المتاحة في مجال «العواقب». ثم أتت مذكرات الرئيس السابق جورج دبليو بوش لتوحي للرئيس الحالي ببعض الخيارات، إذا أراد استخدامها. إنما ليست كل الخيارات عسكرية، ولا هي حصراً في إجراءات عقوبات ثنائية أو دولية. فهناك وطأة مهمة لمفاجأة الإجراءات التي لا ينتظر أن تأتي من باراك أوباما. وهناك إجراءات قد لا تكون ذات «أسنان» عملياً وآنياً لكنها تضرب الصميم وتوجعه.

اليوم أكثر من أي وقت مضى، يحتاج الرئيس باراك أوباما الى الحزم بإجراءات جازمة، إنما قبل أن يفعل ذلك، إنه في حاجة لمراجعة صادقة لسياساته كي يستنتج هو بنفسه ماذا كان محقاً فيه وكيف أخطأ.

جورج دبليو بوش قد لا يدرك أن هناك تناقضاً ضخماً في قوله إن أسباب حربه على العراق خاطئة إنما قراره بخوض الحرب لم يكن خاطئاً. مبررات الحرب خاطئة إنما قرار الحرب صائب بصرف النظر عن كون الذرائع مختلقة وبلا أساس؟ بوش يقول إنه ما زال يشعر بالغثيان عندما يستذكر أن الحرب - التي أسفرت عن قتل مئة ألف عراقي - بحجة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، كانت شبه غلطة لأن الولايات المتحدة اكتشفت - بعد الحرب - انه ليس في العراق أسلحة دمار شامل.

ما لم يتحدث عنه جورج دبليو بوش هو ما إذا كان يعلم حقاً، ومسبقاً، ان حرب العراق كانت أساساً من أجل إسرائيل وإيران. يقول إن التاريخ سيتحدث عما حدث أثناء رئاسته وإننا لن نعرف ماذا سيسجل التاريخ حينذاك. لو كتب نائبه ديك تشيني مذكراته بصدق، ولو فعل ذلك أيضاً وزير دفاعه دونالد رامسفيلد، لاستفاد جورج دبليو نفسه وعلم ما إذا كانت حرب العراق عمداً وأساساً وبقرار مسبق هدفت الى تقوية إيران في المنطقة وإلى نسف العراق تماماً من المعادلة الاستراتيجية العسكرية بين العرب وإسرائيل.

لقد كان العراق، قبل تدمير نسيجه الاجتماعي عبر عقوبات إدارة بيل كلينتون، وقبل تدميره في حرب جورج دبليو بوش، يشكل الهمّ الأكبر لإسرائيل بسبب قدراته العسكرية. كان ذلك العراق أيضاً حليفاً للولايات المتحدة يتلقى مساعداتها في حربه مع إيران لصدّ تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية الى دول الخليج المجاورة. كان الرئيس صدام حسين، الذي خلعته الولايات المتحدة لاحقاً، يعتبر نفسه شريكاً لا يُستغنى عنه لدى الأميركيين بعدما جعلوه يشعر بأنه فوق الاستغناء.

حرب بوش في العراق دمّرت العراق في المعادلة الاستراتيجية مع إسرائيل وقوّت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عمداً. السؤال الذي يجب الإجابة عليه اليوم هو هل ما زال القرار الأميركي الأكبر هو المضي في تقوية حكم الملالي في إيران وتمكين الجمهورية الإسلامية من تصدير ثورتها وفرض هيمنتها الإقليمية، أم لا؟

باراك أوباما ورث ما فعله جورج دبليو بوش في العراق. ركّز كلياً على «خطأ» الحرب في العراق وتعهد بعدم تكرار ذلك «الخطأ» في إيران، ولذلك ركز على الناحية السياسية والديبلوماسية في شبه استبعاد - وليس استثناء - للخيار العسكري. ما لم يفعله أوباما هو القراءة العميقة للخريطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب حرب بوش والتمعّن في ماذا كان في أذهان أقطاب إدارة بوش من وراء المعادلات الجديدة.

إسرائيل اليوم، مثلاً، ليست واضحة تماماً في موضوع إيران. فمن جهة، تصدر التصريحات والمواقف العلنية التي تدعو الرئيس الأميركي أن يستخدم لغة «العواقب» الجدية مع إيران لإجبارها على التوقف عن برنامجها النووي. ومن جهة أخرى هناك شبه صرف نظر وانحسار ملحوظ لقلق إسرائيل من امتداد وتوغل الاخطبوط الإيراني في منطقة الشرق الأوسط حتى الحدود مع إسرائيل.

ليس واضحاً أن كان ما يجرى داخل إسرائيل وفي المواقع اليهودية الأميركية والدولية الفاعلة هو تنسيق ولعب أدوار أو هو حقاً انقسام. فمن جهة، يدق فريق طبول الرعب ويقول إن امتلاك إيران السلاح النووي يهدد وجود وبقاء إسرائيل ولن يمكن أبداً التعايش معه. وهذا الفريق يعارض الاكتفاء بعقوبات دولية وثنائية ويرى أن مطلع أو منتصف العام المقبل، 2011، يجب أن يكون موعد الحسم العسكري، إن كان عبر ضربة عسكرية للمفاعل النووي الإيراني أو عبر حرب بالوكالة مع إيران عبر «حزب الله» في لبنان. ضربة عسكرية اسرائيلية تورّط الولايات المتحدة، أو تغيير جذري في السياسة «الأوبامية» يفاجئ الذين راهنوا على صبر باراك أوباما.

الفريق الآخر داخل المعسكر الإسرائيلي واليهودي الأميركي يقول إن الضربة العسكرية هي أسوأ من التعايش مع إيران نووية. والسبب، بحسب هؤلاء، هو أن مثل هذه الضربة - لا سيما إذا كانت بتوريط إسرائيلي للولايات المتحدة - ستطلق عنان الكراهية الأميركية لليهود و «العداء للسامية» كما ليس من قبل. يقولون إن تكلفة مثل هذه الضربة باهظة، اقلها لأنها ستؤدي الى إسقاط إسرائيل من مرتبة الطفل المدلل لأميركا لأنها ستُحمَّل مسؤولية انهيار الاقتصاد الأميركي بسبب ما سيعقب العمل العسكري من إجراءات إيرانية تضرب النفط.

لمن سيستمع باراك أوباما، وهل لديه خيارات أخرى للجم إيران عن تحدياتها النووية وطموحاتها بالهيمنة الإقليمية؟ ربما زيارة أخرى للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد توقظ إدارة أوباما الى التنبه لضرورة القراءة الدقيقة لما في أذهان القيادات الإيرانية. فلقد أدت زيارته لبنان الى يقظة لإدارة أوباما أسفرت بدورها عن تقويض اندفاعها الأعمى نحو إصلاح العلاقة مع سورية بأي ثمن كان طالما تلوح في الأفق إمكانية سلخ سورية عن إيران. ولعل زيارة أحمدي نجاد - إذا لبّى الدعوة - الى غزة توقظ إدارة أوباما الى البعد الاستراتيجي العميق للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

تطورات لبنان الأخيرة قوّضت نظرية «السلخ»، لا سيما أن تصريحات الإدارة الأميركية العلنية اتهمت سورية بتقديم السلاح الى «حزب الله» ورافقتها لهجة اقتربت من التحذير، متجنبة الإنذار ب «وإلا» الواضحة. فإدارة باراك أوباما ما زالت في خضم فرز سياساتها بعدما ركنت الى «صحة» عقيدة الاحتضان والمسايرة والحوار كالوسيلة الوحيدة لإحداث التغيير والتفاهمات. فبعدما أصيبت إدارة أوباما بخيبة أمل نتيجة اعتزام اللاعبين إفشال سياساتها، بدأت إعادة النظر. ولكن، من دون أن تقطع خيوط الحوار وراء الكواليس بلهجة تترك الطرف الآخر يعتقد أن لسان حال الإدارة الأميركية العلني هو لمجرد استيعاب الانتقاد فيما قلبها ما زال متسامحاً.

إلا أنه يزداد تحذير المراهنين على صبر أوباما، وعلى عدم امتلاكه خيارات الحرب، من أن أمامه عنصر المفاجأة وإجراءات غير اعتيادية. فمع سورية، مثلاً، لا يحتاج أوباما أكثر من قطع شعرة معاوية مع دمشق لإفشالها كما أفشلته، مع العلم أن أكثر ما تريده القيادة السورية هو التواصل والعلاقة الخاصة مع الإدارة الأميركية.

هناك من يتحدث عن إجراءات ضد سورية في مجلس الأمن، إذا كررت دمشق أخطاء الماضي وأفرطت في إساءة الحسابات في لبنان. وبحسب هذا الحديث، حتى وإن لم تنجح جهود أميركية في استصدار قرار يفرض العقوبات على سورية، فمجرد مبادرة إدارة أوباما الى مثل هذا الإجراء يشكل ضربة موجعة في الصميم.

أما إذا قام «حزب الله» بانقلاب على الحكومة اللبنانية، فهناك أيضاً مجلس الأمن كميدان لتقويض «حزب الله» عبر عقوبات اقتصادية وعسكرية تكبّل «حزب الله» ولبنان معاً.

كذلك مع إسرائيل، أمام إدارة أوباما سبيل مجلس الأمن مع العلم أن هناك شبه جاهزية عالمية لاستصدار قرار عن مجلس الأمن يحدد الدولة الفلسطينية ويضع إسرائيل في عزلة تامة بعدما أحبطت الكل برفضها وقف الاستيطان، ولو موقتاً.

ايران تقع تحت نظام عقوبات يفرضه مجلس الأمن إنما هناك دعوات، كتلك التي توجهت بها الإيرانية والحقوقية الدولية شيرين عبادي، الحائزة جائزة نوبل للسلام، لاستصدار قرار عن المجلس يدين سجل طهران في حقوق الإنسان ويوصل «صوت الشعب الإيراني والمعتقلين السياسيين الى العالم الخارجي».

الخطط العسكرية موجودة، كما قال بوش في مذكراته، إنما خيارات أوباما ليست فقط عسكرية حصراً بالضرورة.

=================

عندما يتحرك الذئب الجمهوري

 بقلم :جيسي جاكسون

البيان

12-11-2010

وجّه الناخبون الأميركيون توبيخاً مفهوماً إلى الديمقراطيين، فهناك 30 مليون شخص يبحثون عن عمل، والأجور تنخفض، وملايين المنازل تعرض للبيع بأقل من تكلفتها. وبات الاقتصاد في حالة فوضى، ولم يتم إصلاحه. دفع الديمقراطيون الثمن.

 

وخاض الجمهوريون الانتخابات، بالطبع، كذئاب في إهاب حملان. وبعد أن أفاقوا على تحديات حزب الشاي في الانتخابات التمهيدية، أصبح المرشحون الجمهوريون فجأة مدافعين عن حقوق الشعب.

 

واتهموا الديمقراطيين بأنهم يزيدون من معدلات العجز لإنقاذ المصارف دون أن يفعلوا أي شيء حيال الوظائف، حتى إن رئيس مجلس النواب الجديد «جون بوينر» التقى أعضاء جماعات الضغط المصرفية لإقناعهم بأن الجمهوريين هم حماة لهم.

 

والآن سوف يشهد الناخبون تخلي الحملان عن إهابها وظهور الذئب. هل تذكرون الحديث عن العجوزات؟ فلننس ذلك، فالأولوية القصوى بالنسبة للجمهوريين هي توسيع نطاق جميع تخفيضات الضرائب من عهد بوش، بما يضيف تريليون دولار إلى العجز القائم على مدى 10 سنوات مقبلة لسداد التخفيضات الضريبية الإضافية الممنوحة لمن تزيد دخولهم على 250 ألف دولار سنوياً.

 

وثاني أولوياتهم هي التخلص من ضريبة العقارات التي لا تنطبق إلا على الأسر الأكثر ثراءً في أميركا. ويوصف هذا بوقار بأنه دفاع عن الشركات، والمزارع الصغيرة من الزيادات الضريبة في زمن الركود.

 

ولكن الحديث يدور هنا عن محاميي شركات وأطباء في رغد من العيش، وليس عن شركات عائلية. والجمهوريين لا يرغبون في تمديد التخفيضات الضريبية من أجل زمن الركود فحسب، وإنما هم يريدون جعلها تخفيضات دائمة.

 

هل تذكرون الموقف بشأن عملية إنقاذ البنوك؟ فلننس ذلك أيضاً. فقد كان إنقاذ البنوك برنامجاً جمهورياً تمت الموافقة عليه في عهد جورج بوش، وجرى تمديده في عهد أوباما. وعلى الأقل، فقد دفعت إدارة أوباما، في مواجهة العرقلة الموحدة من قبل الجمهوريين، من أجل فرض قيود على وول ستريت، بما في ذلك إنشاء مكتب الحماية المالية للمستهلك.

 

والذي سوف يوفر بعض أشكال الحماية للمستهلكين من إساءة المعاملة من قبل المصارف وشركات التأمين، وجهات الإقراض وما شابه ذلك. والآن أصدر «سبنسر باكوس»، النائب عن ولاية ألاباما والمرشح الأقوى لتولي منصب الرئيس الجديد للجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، رسالة يتحدى فيها تشريعات المشتقات المالية، وهي الأمور نفسها التي وصفها «وارن بوفيت» ب«أسلحة الدمار الشامل المالية». ويتطلع الجمهوريون إلى إضعاف أو إلغاء مكتب المستهلكين.

 

ماذا عن تخفيضات الإنفاق؟ كان الوعد الجمهوري الأكثر واقعية عبارة عن مهلة توقف لمدة عام واحد وهي خطوة رمزية في أحسن الأحوال، وتافهة بالمقارنة مع الإنفاق والعجوزات الاتحادية. ومع ذلك، فإن هذا الرمز لم يفلح مع برنامج «التعهد» الجمهوري، وهي التي أطلقها الجمهوريون في وقت لاحق من الحملة. ويبقى أن نرى ما إذا سيصمد وسط الأولويات الجمهورية.

 

وما يبدو أنه يعد به زعيم الأغلبية المقبل «كانتور إيريك» النائب عن ولاية فرجينيا، هو هجوم على أشد الفئات ضعفاً في المجتمع الأميركي. وفي المنصة التي أطلقها خلال خوضه السباق للحصول على منصب زعيم الأغلبية، كرر دعوته إلى إلغاء ما تبقى من الإنفاق الوارد في قانون الانتعاش، ومعظمه إنفاق على البنية الأساسية، إلى خفض 20؟ من الإنفاق الاستهلاكي المحلي غير الأمني (كل شيء ما عدا الاستحقاقات والفوائد على الدين القومي).

 

إلى أين يستهدف توجيه سلاحه؟ ليس إلى الإعانات لشركات النفط الكبرى. وليس إلى الحظر الأحمق الذي منع برنامج الرعاية الطبية من التفاوض على خفض أسعار الأدوية. وليس إلى الهبات المقدمة للشركات الزراعية.

 

لا، فهو يدرج سلسلة من التخفيضات المحتملة، بما في ذلك إلغاء القانون المتقدم لائتمان ضريبة الدخل المكتسب للعمال ذوي الأجور المنخفضة، وخفض مبلغ كبير بقيمة 25 مليار دولار من الدعم للأمهات الفقيرات والأطفال (ومن غير الواضح ما الذي يسفر عنه ذلك). كذلك يواجه اقتراح توسيع نطاق التأمين ضد البطالة معارضة، وتفيد التقارير الصحافية أن الإنفاق على برنامج دعم التعليم والتغذية للأسر منخفضة الدخل، وعلى التعليم والصحة العامة سوف يكون هدفاً لإجراء تخفيضات كبيرة.

 

لقد خرج الذئب. ولا يمكن للفقراء والعاطلين عن العمل والأطفال أن تقبلوا هذه الأولويات في صمت. وحتى اللحظات الأخيرة من حياته، كان الدكتور «مارتن لوثر كنغ» يعكف على تأسيس حملة شعبية للفقراء.

 

فقد كان يعتقد بأنه لأمر جوهري لجلب الفقراء، من جميع الأطياف، الدينية والعرقية، إلى واشنطن، جنباً إلى جنب مع أصحاب الضمائر، للمطالبة بالحقوق الأساسية، والتي تتمثل في الحق في العمل، والحق في أجر يعين على المعيشة، والحق في تعليم لائق، والحق في الرعاية الصحية.

 

الآن، في أميركا التي وصمت بظلم شديد لم تشهده منذ عهد الأثرياء المبتزين، فإن الأغلبية المحافظة الجديدة في مجلس النواب تريد الإسراف في مزيد من الإعفاءات الضريبية الأثرياء وتقديم الإعانات لصالح الشركات القوية، في حين يتم خفض القدر اليسير المتبقي من الدعم للفئات الضعيفة.

 

لا يجب أن يسمح لهم بالقيام بذلك دون احتجاج. يجب أن يرى الأميركيون وجوه وكرامة الضعفاء الذين طالهم الضرر. ويجب أن تسمع واشنطن، من الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب إلى الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ إلى البيت الأبيض، مرة أخرى المزيد من الأصوات من خارج واشنطن . فقد حان الوقت للقيام بمسيرة.

مرشح سابق للرئاسة الأميركية

=================

الحج... وهموم الأمة!

السبت, 13 نوفمبر 2010

عيد بن مسعود الجهني *

الحياة

إن الله دعا المسلمين للحج فقال (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج 27، أي نادِ في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: نادِ وعلينا البلاغ، فقام فقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال إن الجبال قد تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه، ومن كتب الله أن يحج إلى يوم القيامة: (لبيك اللهم لبيك).

وذلك ليتعارفوا ويتوالفوا ويقبل بعضهم بعضاً بسماتهم المختلفة وعاداتهم المتباينة فتقوى اللُّحمة بين المسلمين في أصقاع الأرض ليصبحوا جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وها هي أيام الحج بدأت تتراءى بهيجة بهية، ولياليه تقترب محملة بالخير ووعد السعادة الروحية العميقة الصادقة، وبدأت الرحاب الطاهرة تبتهج بقدوم وفود الحجاج الذين أقبلوا وقلوبهم مفعمة بالمحبة وكأن تلك الرحاب الطيبة تبادل زوارها حباً بحب وشوقاً بشوق. ملايين الحجاج بدأوا يتوافدون لأداء فريضة الحج والتمتع برؤية بيت الله الحرام، جاؤوا تلبية لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام.

وهذه الملايين التي تزداد أعدادها كل عام لا تأتي أجساداً خاوية خالية، ولكنها تأتي قلوباً يملأها الحب لهذا البيت الكريم، ويحدوها الشوق للبلد الشريف، استجابة لدعوة أبينا إبراهيم: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) إبراهيم 37.

الحج مؤتمر إسلامي جامع يتقاطر إليه المسلمون إلى الأراضي المقدسة على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم وألوانهم وأشكالهم، فيلتقون ويتبادلون المشاعر والمنافع ويعملون على حل مشكلات الأمة. إن الحاجة أصبحت أكثر إلى هذا المؤتمر وتفعيله في زمن عمل فيه أعداء الإسلام على التحريش بين المسلمين وزرع الفتن بينهم وتفريقهم، فتفرقوا أيدي سبأ، لا يجمعهم جامع، ولا يربطهم رابط، كأن ليس بينهم وشائج العقيدة الواحدة، بأسهم بينهم شديد، بل سلاح بعضهم على بعض حديد.

إن أيام الحج أيام (تدريب) لمن اجتمع هناك من المسلمين على كيف يعيشون في سلام، قلوبهم طاهرة، ونفوسهم صافية، بلا أحقاد ولا نزاعات، تجمعهم المحبة والوئام، يتحمل بعضهم أخطاء بعض، ويعفو بعضهم عن زلات بعض، ألسنتهم عفيفة، ومقاصدهم شريفة، لا يفرقهم الجدال، ولا يثير حفيظة نفوسهم المراء، وذلك استجابة لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة - الآية 197.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده كتاب الله وسنّة نبيه، ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.

أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى».

وهموم الأمة كثيرة، وقضاياها المعقدة أكثر، فبعضهم احتلت بلاده وأخرى مهددة لتقطيع أوصالها، فأفغانستان والعراق ترزحان تحت نير الاحتلال، والصومال يستهدف ويجتاح ليتمزق إلى أشلاء، والسودان تحاك ضده المؤامرات تستهدف وحدة ترابه وتسعى إلى تمزيقه، فأعداء السودان يشعلون نار الفتن ويحرضون الجنوبيين على الانفصال من خلال الاستفتاء عليه في كانون الثاني (يناير) المقبل رغم أن أول من سيتضرر من الانفصال هم الجنوبيون أنفسهم، وهذه الأيدي الأجنبية الخفية الخبيثة أيضاً تؤجج نار الفتنة في دارفور لإكمال سيناريو تقسيم السودان إلى دويلات مبعثرة.

واليمن السعيد تشتعل فيه نار الفتنة لتمزيق وحدته، فالحوثيون يوقدون النار ضد حكومتهم، وأهل الجنوب ينادون بالانفصال، و»القاعدة» خلقت لها مرتعاً في ذلك البلد الذي يعد امتداداً استراتيجياً لدول الجزيرة العربية.

وفلسطين تئن تحت وطأة الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948، والقدس الشريف تدنسه الدولة العبرية منذ احتلاله عام 1967 وهي تعمل جاهدة على هدمه، والجولان منذ عام 1967 وهي تئن تحت وطأة الاحتلال، ومزارع شبعا هي الأخرى محتلة. كل هذه أراضٍ عربية وإسلامية تصرخ وتنادي: واعرباه واإسلاماه، ولا من مجيب!!

إنها لا شك قضايا مهمة تبرز أهمية التجمع الإسلامي وتذكّر بالمحن التي يمر بها العالمان العربي والإسلامي في الحج الذي لا عصبية ولا جهوية ولا إقليمية فيه، بل محبة ومودة وتلاحم، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانهم من الله يوم القيامة، قيل من هم يا رسول الله؟ قال قوم تحابوا في الله من غير أرحام تربطهم، ولا أموال يتعاطونها، والله إنهم لنور، وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

إن لكل عبادة من العبادات في الإسلام هدفاً سامياً، ومقصداً نبيلاً، وقد ذكر القرآن بعض تلك الأهداف لبعض العبادات فقال في الصلاة (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وذكر هدف الصيام فقال (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فالهدف من الصيام الوصول للتقوى، والهدف من الصلاة النهي عن الفحشاء والمنكر، وإن في الحج لهدفاً نبيلاً وغاية سامية هي التآخي بعد ترك الرفث والفسوق والجدال، ثم الشعور باللحمة الواحدة، وأن قبلتهم واحدة، وأنهم كالجسد الواحد لا يفرق بين أعضائه مفرق، فإذا استشعروا هذه المعاني السامية توحّدت قلوبهم وصاروا يداً واحدة على عدوهم، ولكن متى يفهمون ذلك؟

* رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية

=================

مزايا وعيوب الاتفاق السياسي العراقي

ديفيد إغناتيوس

الشرق الاوسط

12-11-2010

ذكرتني أنباء تمكن العراق أخيرا بشأن تشكيل حكومة جديدة، بعد ثمانية شهور من المساومات، بحكمة عراقية تشير إلى حكمة الحلول الوسطى، تقول: «أحيانا تضطر للتضحية بلحيتك كي تنقذ رأسك».

الأمر الجيد بشأن هذه الفكرة أنها ستثمر ائتلافا حكوميا شاملا يضم جميع الأحزاب السياسية السنية والشيعية والكردية. وأخيرا، أصبح الجميع في قارب واحد. أما الجانب السلبي فهو استمرار نوري المالكي في رئاسة الوزراء، الذي تجلى قصوره في القيادة على امتداد السنوات الأربع الماضية. كما أن حقيقة كونه مرشح إيران أثارت التوتر في نفوس كثير من العراقيين، وهو أمر منطقي، خاصة أن العراق يستحق من هو أفضل.

أما الدور الأميركي هنا فكان مزيجا غريبا من النشاط والسلبية، فبسبب خشيتها من الانزلاق للتورط في احتلال العراق مجددا، لم تعلن الولايات المتحدة قط عن مرشحها المفضل لرئاسة الوزراء، الأمر الذي فتح الطريق أمام المالكي. وترتب على ذلك نتيجة غريبة تمثلت في وجود واشنطن وطهران على نفس الجانب. أما العنصر الإيجابي في السياسة الأميركية فتمثل في إرجاء الموافقة على المالكي رئيسا للوزراء لفترة جديدة، إلا إذا وافق على ضم خصمه الرئيسي، رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي حصد حزبه عددا أكبر من الأصوات في انتخابات مارس (آذار) الماضي، على الانضمام إلى الحكومة. وضغط الإيرانيون لشهور على أمل دفع علاوي للإذعان، لكن بفضل الدعم الأميركي (بتأييد من أقوى حلفائنا في العراق، الزعيم الكردي مسعود بارزاني)، اضطر الإيرانيون للقبول بتشكيل ائتلاف يضم علاوي.

وكان يقال إن الاجتماع النهائي الذي عقد يوم الأربعاء الماضي في مكتب المالكي للتوقيع على الصفقة قد ضم أربعة لاعبين فاعلين وهم المالكي وعلاوي وبارزاني والسفير الأميركي جيم جيفريس.

وكان أنطوني بلينكين، مساعد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للسياسة الخارجية، المكلف بملف العراق في البيت الأبيض قد قال لي خلال مكالمة هاتفية: «هذه الحكومة تشكلت في العراق، ولم تتشكل في أي مكان آخر».

وكان بلينكين يقوم بالمهمة الصعبة لإقناع ودفع ساسة العراق في اتجاه توقيع صفقة على مدار الشهور الثمانية الماضية. وما يحسب للإدارة الأميركية هو أن هذه الجهود شجعت حلفاء الولايات المتحدة مثل بارزاني على القبول باتفاق تحالف يجمع كافة الأطراف على طاولة المفاوضات.

ومثل معظم الصفقات السياسية، كانت هذه الصفقة تحتوي على كل أنواع الصفقات المصغرة المعقدة وملاحق الاتفاقيات. وإليكم المقايضة الأساسية: سوف يحصل تكتل العراقية بزعامة علاوي على منصب رئيس البرلمان (وقد انتخب أسامة النجيفي لهذا المنصب اليوم (أول من أمس) بالإضافة إلى رئاسة المجلس الوطني الجديد للسياسات الاستراتيجية (وسوف يحصل علاوي على هذا المنصب) وربما منصب وزير الخارجية (ومرشح تكتل العراقية هو الزعيم السني صالح المطلك) في مقابل الموافقة على تولي المالكي لمنصب رئاسة الوزراء.

وقد حاولت إدارة أوباما تحري الوسائل المختلفة لجلب علاوي وقائمته المدعومة من قبل السنة للدخول في الحكومة، كما اتصل الرئيس أوباما بالرئيس العراقي جلال طالباني وحاول تحري إمكانية تنحيه عن رئاسة الدولة لعلاوي، لكن هذا الأمر لم يلق قبولا.

سيعاد طمأنة منتقدي المالكي (وغالبيتهم من الأحزاب السنية والشيعية)، مرة أخرى من أن بنود الاتفاق ستحد من قوى سلطات رئيس الوزراء وتعزز من قوة مجلس الوزراء. وهو نظام معقد من الصفقات والتوازنات، لكنه ليس بالضرورة ما يحتاجه بلد كان يعاني الكثير من المشكلات في اتخاذ القرار خلال النظام القديم، لكننا سنرى.

بالنظر إلى كل الأشياء السيئة التي يمكن أن تكون قد حدثت في العراق هذا العام (التي قد تقع في المستقبل) فإن الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع مدعاة لاحتفال متواضع.

=====================

قضية شهود الزور والاغتيالات السياسيّة.. في اهتمامات اللبنانيّين

كلمة الأمان - الأمان

12/11/2010

عندما تشكّلت حكومة الوحدة الوطنية قبل عام كامل، قال معظم المراقبين (ونحن معهم) ان هذه التشكيلة اجراء غير طبيعي ولا ديمقراطي، لأنها تتحوّل الى مجلس نيابي مصغّر، لا تحمل رؤية سياسية ولا اقتصادية مشتركة، وبالتالي فإن بعض الأمور الهامة سوف تحال على التصويت، وهذا ليس طبيعياً في بلد خرج من أزمة مستعصية عن طريق انتخاب (أو اختيار) رئيس توافقي للجمهورية، وعندما بدأ الرئيس مشاوراته لتشكيل الحكومة خرجت المعارضة السابقة (تكتل 8 آذار) بنغمة جديدة هي أن لبنان لا يصلح فيه سوى «الديمقراطية التوافقية» التي تعتمد التوافق والتفاهم ولا تذهب الى التصويت..

ومرّ عام كامل على هذه الحكومة، كان خلالها الوزراء الذين اختارهم رئيس الجمهورية هم الكتلة المرجحة في حسم القضايا الخلافية. وكان وليد جنبلاط يحرص على دوره وانتمائه إلى تكتل 14 آذار. أما الآن، وقد انحاز وليد جنبلاط بشكل شبه كلي الى الاتجاه الآخر (8 آذار)، فقد ألقي عبء الترجيح على كتلة رئيس الجمهورية، وهو توافقي بدأت الألسنة الطويلة التي تمثل المعارضة السابقة تنال من حياديته وتدين انحياز وزرائه الى الفريق الآخر. لذلك، فقد دخل البلد أزمة كانت محسوبة ومتوقعة، بعد مرور عام كامل على تشكيل الحكومة (9/11/2009) وأحد عشر شهراً على حيازتها ثقة المجلس النيابي (10/12/2010).

ونعود الى نقطة الخلاف التي شلّت الحركة السياسية في البلد، وعطلت عمل مجلس الوزراء، وحملت بعض أعضائه على مقاطعة الجلسات الا اذا جرى حسم الموضوع الذي يجري إدراجه في رأس جدول أعمال أول اجتماع للحكومة. يخجل اللبناني حين يُسأل عن القضية الخلافية، وحين يضطر للاجابة يقول إنها قضية «شهود الزور» التي سبق أن ناقشها مجلس الوزراء، فأحالها على وزير العدل. وبعد أمد طويل، وبعد الكلام المنسوب الى رئيس الحكومة (سعد الحريري) في جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، تقدم الوزير بمطالعة قال فيها، كرجل قانون: ان متابعة قضية شهود الزور هي من اختصاص القضاء اللبناني، وهو الذي يحدد الجهة القضائية التي من شأنها معالجتها، وليس المجلس العدلي، لكن بعض أعضاء الحكومة لم يعجبه هذا الرأي، فأصر على احالة ملف شهود الزور في قضية الاغتيالات على المجلس العدلي، مما يستدعي تصويتاً داخل المجلس نظراً لتباين المواقف ازاء هذا الموضوع.

القضية هنا لم تعد قضائية ولا عدلية، وانما هي سياسية بامتياز، لأن المعارضة السابقة لا تريد ادانة شهود الزور فقط، لأنهم أولاً غير لبنانيين، ولأنه ليس أمام القضاء اللبناني ملفات شهادات هؤلاء، ولا حتى اسماؤهم ولا عددهم ولا افاداتهم، وأن مبرر الاصرار على احالة القضية الى المجلس العدلي (كما يقول الناطقون باسم تكتل 14 آذار) هو تعطيل مسار المحكمة الدولية، لأن المجلس العدلي جهاز قضائي استثنائي، وأداؤه بطيء جداً، وسوف يعطل اداء المحكمة، وهذا ما يسعى الى تحقيقه حملة لواء شهود الزور. بينما يجيب الفريق الآخر (14 آذار) بأن «من حق اقضاء المختص وضع يده على من يسمونهم شهود الزور بعد صدور القرار الاتهامي عن المحكمة، بحيث يصار الى محاكمة من يثبت أنه حاول تضليل التحقيق أو حرفه عن أهدافه بمعلومات مغلوطة أو مشوّهة».

صحيح أن من يسمّون «شهود الزور» ضللوا التحقيق وشحنوا مشاعر المواطنين مدة أربع سنوات وأنهم تسببوا في اعتقال وتشويه سمعة أربعة من كبار ضباط الأمن في البلد. قد يكون هذا صحيحاً. وأنهم أساؤوا الى العلاقات اللبنانية السورية، قد يكون هذا صحيحاً كذلك. لكن الوسيلة الى استرداد الحقوق ينبغي ان تكون قانونية وصحيحة وأن لا تعطل مسار محكمة سلّم جميع الذين كانوا يجلسون الى طاولة الحوار الوطني بمشروعيتها، وكذلك الذين صاغوا البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، والذين صوّتوا على الثقة بها بناءً على البيان. وأن لا تتحوّل قضية فرعية تتعلّق باسترداد حقوق أو ادانة شهود زور الى تخريب أمن البلد وتعطيل مسار الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني فيه، خاصة أن المحكمة الدولية أثبتت جدارتها وصدقيّتها، سواء بالافراج عن الضباط الأربعة قبل الانتخابات النيابية بأسابيع، مما أوحى بأن هذا الاجراء مسيّس ومقصود من أجل الاساءة الى الحملة الانتخابية للفريق الاخر، أو بالاستجابة والاستماع الى اللواء جميل السيّد في الدعوى التي رفعها أمام المحكمة.

هذا جانب. والجانب الآخر أن كل ما يقال ويشاع عن القرار الاتهامي هو مجرد تسريبات أو معلومات غير موثقة. وقد تناقلت الأخبار معلومة نشرتها جريدة يديعوت أحرونوت يوم الثلاثاء الماضي ملخصها أن اللواء آصف شوكت والجنرال قاسم سليماني (قائد في الحرس الثوري) والشهيد عماد مغنيّة مشاركون في التخطيط لجرائم الاغتيالات، مما يوحي بصحة ما يقوله الرئيس سعد الحريري بأن الرئيس بشار الأسد غير معني باغتيال والده، كما يفسح في المجال للقول بأن قيادة حزب الله لا علاقة لها بالجريمة، وان هناك مجموعة متعددة الجنسيات تولت التخطيط وأشرفت على التنفيذ. ليس هذا الكلام مجرد فتح ثغرة في جدار العلاقات اللبنانية - اللبنانية، أو اللبنانية السورية، ولكنه مبنيّ على وقائع ومعطيات قد تكون موثقة لدى المحكمة الدولية.

لا أدري ما إذا كانت هذه الأخبار (التسريبات) صحيحة، أو أنها جزء من الحملة العربية والدولية الرامية إلى عدم توجيه الاتهام إلى حزب أو دولة، وإنما إلى أشخاص، وإذا كانت العهدة على الراوي كما يقولون، فهي هنا صحيفة إسرائيلية مطعون بصدقيّتها وأهدافها.. لكنّ ما على اللبنانيّين أن يفعلوه هو أن يؤكدوا بالممارسة كما سبق وأكد الجميع بالأقوال والتصاريح، أنهم يدينون جرائم الاغتيالات كلها، بصرف النظر عن الفاعل، محرّضاً كان أو مخططاً أو منفّذاً أو شاهد زور، وأن البلد يستحق أن يعيش بأمن واستقرار، وأن يعالج شؤونه الوطنية ومسؤولياته القومية، لأن العدوّ يتربص به على الحدود، وقد يغتنم أيّ فرصة لتنفيذ عدوانه الذي خطط له وهدّد به منذ أمد طويل. كما عليه أن يوفر لمواطنيه العيش الكريم، ومقعد الدراسة وفرص العمل الشريف.

وقد آن للبنانيّين أن يعودوا منارة للعرب ومحل فضّ مشاكلهم، بدل أن يكونوا كما هم عليه الآن، محل اهتمام ورعاية ومتابعة سفراء الدول الصديقة والمعادية، من أجل مساعدتهم على حلّ مشاكلهم المستعصية.

===================

عام على «حكومة الوحدة الوطنيّة».. فشل سياسيّ وتهديد للسلم الأهليّ

بسام غنوم

الأمان 12/11/2010

تعيش الساحة السياسية اللبنانية هذه الأيام في ظل مخاض سياسي عسير. ففيما تطالب المعارضة، وعلى رأسها «حزب الله»، ببت «ملف شهود الزور» في مجلس الوزراء وصولاً إلى مطالبة رئيس الحكومة سعد الحريري برفض القرار الظني في جريمة اغتيال والده، وإعلان التخلي عن المحكمة الدولية باعتبار أنها محكمة مسيسة وتابعة لأميركا والعدوّ الصهيوني، تعلن قوى الرابع عشر من آذار تمسكها بالتحقيق الدولي وبالمحكمة الدولية وبكل مندرجاتها القانونية «من أجل حماية لبنان واللبنانيين من سياسة الاغتيالات السياسية والإفلات من العقاب»، وبالتالي يمكن القول إن لبنان غارق في أزمة سياسية كبيرة لا يعرف أحد حتى الآن الى أين ستصل، وما ستكون نتائجها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والشعبية.

في ظل هذه الأزمة الخانقة التي تعصف بلبنان في هذه الأيام، من الضروري التوقف عند مناسبة مرور عام على تأليف «حكومة الوحدة الوطنية» برئاسة الرئيس سعد الحريري، حيث إن هذا العام كان حافلاً بالأحداث على مختلف الصعد، وبدا للبنانيين كأنه دهر من الزمان، أولاً بسبب اشتداد الصراع السياسي بين القوى المشاركة في الحكومة، وثانياً بسبب انعكاس هذا الخلاف على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في سابقة لم يعشها اللبنانيون من قبل، حيث أدى تأليف «حكومة الوحدة الوطنية» الى عكس ما كان يرجوه اللبنانيون من أمن واطمئنان وتطور وازدهار.

فما هي أبرز سمات المرحلة الحالية التي يعيشها اللبنانيون في هذه الأيام؟ وما هي التوقعات للمرحلة المقبلة؟

الحكومة وحالة الشلل السياسي

في ظل وضع طبيعي واستقرار سياسي وأمني، كان يمكن مرور سنة على تأليف الحكومة ان يشكل محطة أساسية لمحاسبة الحكومة ورئيسها على انجازاتهم وإخفاقاتهم، لكن في ظل حالة التوتر السياسي التي يعيشها لبنان واللبنانيون لا يمكن إلا التوقف عند الأمور التي تعطل الحكومة وتشل عملها، وعند المعطيات السياسية التي تفعل فعلها في حياة اللبنانيين.

في ظل هذا الوضع يمكن تقسيم الأمور الى قسمين: سياسي واقتصادي. ففي الجانب السياسي ماذا حققت «حكومة الوحدة الوطنية» بعد مرور سنة على تشكيلها؟

هناك ثلاثة معطيات سياسية أساسية تحققت في ظل حكومة الوحدة الوطنية، هي:

استمرار الخلافات السياسية: حيث بدأ الخلاف أولاً على مبدأ الاستراتيجية الدفاعية منذ اليوم الأول لتأليف الحكومة. ورغم انعقاد عدّة جلسات للحوار في قصر بعبدا للوصول الى تفاهم سياسي على موضوع الاستراتيجية الدفاعية، أي سلاح المقاومة، فإن شيئاً من ذلك لم يتحقق، فالمعارضة أعلنت تمسكها بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» الواردة في البيان الوزاري، وقوى الموالاة رفضت وجود قوى أخرى مسلحة في موازاة الجيش اللبناني، ما جعل الأمور معقدة جداً وانتهت أخيراً الى ما يشبه نعي طاولة الحوار بعد ربط قوى الثامن من آذار موضوع الحوار بما يسمى ملف شهود الزور.

أما المعطى السياسي الثاني، فهو ان لبنان في ظل «حكومة الوحدة الوطنية» ينزلق الى الفتنة بوعي وبصيرة من القوى المشاركة في الحكومة حيث يتمسك كل طرف بموقفه من موضوع المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ما سبب شرخاً كبيراً بين اللبنانيين، رغم أن المحكمة الدولية من القضايا التي جرى التوافق عليها في البيان الوزاري للحكومة، وبالتالي لا مبرر سياسياً لكل هذا الخلاف الذي أخذ ابعاداً اقليمية ودولية كبيرة بعد دخول الجهات الاقليمية والدولية على خط الخلاف الدائر حول المحكمة الدولية بين اللبنانيين بصورة مباشرة.

وبالنسبة الى المعطى السياسي الثالث ولعله الأهم والأخطر، فهو عودة الارتهان السياسي المباشر للقوى السياسية اللبنانية بالقوى الاقليمية والدولية الراعية لها، وهذا الأمر غاب فترة من الزمن بعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005، إلا انه عاد بقوة بعد تأليف «حكومة الوحدة الوطنية». وهذا الأمر، فضلاً عن انه يشكل انتقاصاً من سيادة لبنان، يشكل عودة لسياسة التبعية السياسية التي سببت خراب لبنان قبل توقيع اتفاق الطائف في عام 1989 وبعده.

هذا على الصعيد السياسي. أما على الصعيد الاقتصادي، فمن الطبيعي ان تنعكس حالة الشلل السياسي التي تعيشها الحكومة بفعل الخلافات السياسية سلباً على الوضع الاقتصادي حيث يعيش اللبنانيون في ظل انفلات اقتصادي لا سابق له من قبل مجموعة من التجار والمحتكرين الذين يستغلون الخلافات السياسية في الحكومة لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة، والمسؤولية في هذا الإطار تتحملها الحكومة مجتمعة، حيث لا يمكن أحداً ان يقول إنه غير مسؤول عن حالة البؤس التي تصيب اللبنانيين، لأن الخلاف السياسي لا يبرر عدم توفير الخدمات الأساسية للمواطنين من ماء وكهرباء وطرقات... الخ، كما لا مبرر لترك التجار والمحتكرين وحدهم في السوق دون رقيب ولا حسيب.

بعد هذا العرض للوضعين السياسي والاقتصادي بعد مرور عام على تأليف «حكومة الوحدة الوطنية»، هل هناك من بارقة أمل للبنانيين؟

كنا نتمنى ان نقول مثلما قال رئيس الحكومة سعد الحريري أثناء مشاركته في ماراتون بيروت يوم الأحد الماضي «ان لبنان بألف خير».

إلا ان الواقع يقول عكس ذلك، فأين الخير في بلد مختلف فيه على كل شيء، في السياسة وفي الاقتصاد، وحتى الرياضة التي هي أداة لجمع الناس حول هدف نبيل دخلت فيها الخلافات الطائفية والمذهبية والسياسية؟

وأين الخير مع تمسك كل طرف سياسي برأيه ويتهم الطرف الآخر بوطنيته وبولائه للبنان؟

أين الخير في بلد عاد للتجمع مجدداً حول ما كان يتجمع عليه من عصبيات طائفية ومذهبية أيام الحرب اللبنانية في عام 1975؟ وأين الخير في عودة الحديث عن السلاح والمسلحين والفتنة القادمة مع صدور القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

لذلك يمكن القول إن لبنان في خطر كبير، وإذا لم يتدارك اللبنانيون الأمور أولاً وقبل فوات الأوان، فإن الخراب الكبير قادم مجدداً على لبنان واللبنانيين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ