ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 06/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

حركة الاستيلاء على المسجد الأقصى؟!

عرفات حجازي

الدستور

5-12-2010

 منذ أعلنت اسرائيل أن جماعات يهودية ستقوم باقتحام المسجد الأقصى من أجل إداء طقوس دينية تلمودية في باحاته ، ومنذ ذلك الحين بدأت معظم الشخصيات الدينية والجماعات الفلسطينية تنادي لليقظة ومنع هؤلاء اليهود من هذا العدوان الذي إذا حدث سيتكرر حتى تستطيع تلك الجماعات المتطرفة من الحاق الأذى بالمسجد الأقصى وبالوجود الفلسطيني في القدس وفي كافة الأراضي الفلسطينية...

وقد قامت في إسرائيل عدة حركات وجمعيات كان هدفها إقناع اليهود حول العالم أن لهم وطنا وأن لهم أرضا وأن لهم مقدسات لابد أن يسعوا إليها ويحاربوا من أجلها ويقتلوا من يقيم أو يستولي عليها...

وإرتكبت هذه الحركات جرائم لا عدد لها من أجل إثبات أن لها حقوقاً ليس في فلسطين وحدها ولا في القدس وحدها بل في كل منطقة الشرق الأوسط التي لابد من إجتثاث العرب والمسلمين من أرضها...

وقد إرتكبوا من أجل إقناع اليهود أن لهم حقوقاً في هذه البلاد جرائم لا حصر لها تناولت هدم البيوت والمساجد وقتل الأطفال والنساء وكل عنصر بشري حتى يقنعوا اليهود أن يتوجهوا إلى القدس وإلى فلسطين لاحتلالها وطرد أهلها والإقامة فيها...

 

الحسين بن علي رضي الله عنه

لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنه ، حملوا رأسه إلى عسقلان بفلسطين ، ودفن فيها ، وبقي فيها ردحاً من الزمن إلى أن قام المسلمون بنقله إلى مصر حيث بنوا للحسين مقاما في المكان الذي دفنت فيه الرأس وسماه المسلمون "مشهد الحسين" وأقاموا عند المقام تجمعاً سنوياً يؤمه الناس من كل صوب ...وذكر الرحالة الشهير ابن بطوطة المقام والمسجد في كتابه "غرائب الأسفار في عجائب الأمصار" فقال: "ويها -أي عسقلان - المشهد الًشهير حيث كان رأس الحسين بن علي قبل أن ينقل إلى القاهرة وهو مسجد عظيم سامي العلو فيه جب للماء أمر ببنائه بعض العبيديين وفي قبلة هذا المزار مسجد كبير يعرف بمسجد عمر لم يبق منه إلا حيطانه وفيه أساطين رخام لا مثيل لها في الحسن ... وفي القبلة من هذا المسجد بئر تعرف ببئر إبراهيم (عليه السلام) ينزل إليها في درج متسعه ويدخل منها إلى بيوت في وسط عسقلان" وعندما إحترق المقام سنة 407 هجرية فقام بإعادة بنائه "أمير الجيوش بدر الجمالي" وأكمله ابنه "الأفضل"... وكان آخر تعمير له من قبل رؤوف باشا متصرف مدينة القدس في أواخر العهد العثماني ، وبقي المقام حتى العام 1949 حيث قام الإسرائيليون بعد سقوط المدينه بأيديهم بهدم المسجد والمقام ، وبنو مكانه مستشفى،...

أما مسجد سيف المملكة تميم: فلقد بناه الفاطمي سيف المملكة تميم في النصف الأول في القرن السادس للهجري وكان موقعه في حارة الطلسة وبقي قائماً حتى عام 1979 حيث هدمه الإسرائيليون وأزالوا معالمه عن الوجود...

وهذه صور عن بعض الأماكن المقدسة التي تمكن اليهود الصهاينة من الوصول اليها وقد حولوا بعضها إلى بارات وكباريهات ، وحولوا بعضها الآخر إلى مكاره وأماكن للنفايات ، أما البعض الآخر فقد أقاموا على أنقاضه الفنادق والمتاجر،،...

 

عصابات متدينة ،،

تتضح خطورة المخطط الصهيوني الذي يستهدف المسجد الأقصى والصخرة المشرفة والوجود الفلسطيني والعربي والمسلم في القدس وجميع أرض فلسطين من مجموعة العصابات الإجرامية والمتدينة التي جرى تشكيلها خلال الثمانينيات وجميعها أعلنت بأن شعارها هو هدم الأقصى المبارك وطرد الفلسطينيين...

وبعد أن أصبح المسجد في خطر وأصبح الفلسطينيون في ساحات المسجد يتلقون التهديد والوعيد وهجوم القوات المسلحة عليهم باعقاب البنادق ، لمنعهم من ابسط حقوقهم الدينية و الانسانية في العيش الكريم على ارضهم المقدسة ، فأن على العالم ان يشعر ان للفلسطينيين وللعرب وجودا و حقوقا ثابتة في فلسطين غير قابلة للتغيير او الانتقاص او المساومة ..

 

تتضح خطورة المخطط الصهيوني الذي يستهدف المسجد الأقصى والصخرة المشرفة والوجود الفلسطيني والعربي والمسلم في القدس وجميع أرض فلسطين من مجموعة العصابات الإجرامية والمتدينة التي جرى تشكيلها خلال الثمانينيات وجميعها أعلنت بأن شعارها هو هدم الأقصى المبارك وطرد الفلسطينيين... حيث كانت مجموعة حشمونائيم: ويتزعمها الفاشي الإرهابي "لرنر" وهي مجموعة متأثرة بشعارات حركة "كاخ" الفاشية ، وقد عرف عن أعضائها اللجوء إلى العنف الشديد لأن جميع أعضائها من الذين أنهوا الخدمة العسكرية الإجبارية وهم يتجاوزون العشرين من أعمارهم...

من أهم أهداف هذه المجموعة السيطرة على بيت المقدس ، وطرد السكان العرب من القدس كلها ، بل من كل ما يدعونه "أرض إسرائيل"التي يعتقدون أنها يجب أن تكون خالصة لليهود وحدهم...هذا ما أشار إليها أحد زعمائها "يوري سلر" وبسبب السعي لتحقيق هذا الهدف الفاشي يقيم عدد من أعضاء "الحشمونائيم" مقاطعة من مستوطنين في بعض البيوت في الحي الإسلامي من القدس العربية،،

 

والأب الروحي المناوب لهؤلاء الشبان هو الحاخام "أفيغدورنفنتسال" رئيس رابطة "التاج القديم" والملقب ب"حاخام المدينة القديمة"...

ومن أهم العمليات المنسوبة للحشمونائيم محاولتهم تفجير قبة الصخرة في تموز عام 1982 لكن العملية فشلت بسبب إكتشاف الشرطة صدفة للشحنات الناسفة قبل إنفجارها...

وتقول هذه الحركة أن المسجد الاقصى يقوم فوق ما يسمى بالهيكل ، وأعضاؤها يؤمنون بضرورة إزالة المسجد لتشييد ما يسمونه ب" الهيكل الثالث لله" لليهود...وسعياً منهم لتحقيق هذا الهدف فهم يدعون علانية إلى هدم المسجد الإسلامي إضافة إلى دعوتهم لطرد جميع السكان العرب من مسلمين ومسيحيين على حد سواء ليس من القدس وحدها بل من كل ما يسمونه "أرض إسرائيل" لتبقى هذه الأرض حسب إعتقادهم وقفاً على اليهود أنفسهم دون غيرهم من البشر،،

وقد بدأ ظهور هذه الحركات الفاشية المتطرفة عام 1968 حين رفضت حكومة إسرائيل السماح لليهود بأداء الصلاة في الحرم الإبراهيمي فقام الحاخام "موشي ليفنجر" الذي يعد أول زعماء الحركة مع مجموعة من اتباعه باستئجار فندق بارك في الخليل مدعياً أنه فعل ذلك لعدة أيام فقط من أجل قضاء عيد الفصح فيه ثم استوطن هو ورجاله هناك فترة من الزمن انتقلوا بعدها تحت تأثير ضغط حكومي لإقامة المستوطنات في كريات أربع... وليفنجر هو من أكثر تلاميذ الحاخام "تسفي يهودا كوك" تطرفاً ، وهو أيضاً من خريجي المدرسة الدينية "مركاز هراف" وله صلات عديدة مع العديد من رجال الحكومة مثل"يغال ألون" و"شلومو هليل" كما أن له صلة وثيقة مع الحاخام "كهانا"...

وأهداف ليفجر وأفكاره تكاد تكون الأرضية الأيدلوجية لكل ما تفرع عن حركة "الاستيلاء على المسجد الأقصى" من مجموعات فاشية إرهابية.... والأسلوب الذي يتبعه هو وتلاميذه أسلوب "دنم بعد دنم" لاستكمال احتلال وتهويد الأراضي العربية...

==========================

من عشرين في المئة إلى صفر في المئة

ياسر الزعاترة

الدستور

5-12-2010

"مهزلة في القاهرة". كان هذا عنوان تقرير صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية حول ما جرى يوم الانتخابات في مصر. والحق أنه كان مهزلة بالفعل ، الأمر الذي يدركه كل مصري شريف ، بل يدركه البلطجية أيضا.

في الانتخابات الماضية حصلت جماعة الإخوان في مصر على 20 في المئة من المقاعد في الجولة الأولى من الانتخابات ، ثم لم تحصل على أي مقعد في الجولة الثانية ، كما لم تحصل على أي مقعد في انتخابات مجلس الشورى.

أما في الانتخابات الحالية فلم تحصل الجماعة على أي مقعد في الجولة الأولى ، فكان أن انسحبت من الجولة الثانية ، في موقف كان صائبا ويعبر عن توجه الجماهير.

في الانتخابات الماضية (2005) لم تكن جماهيرية الإخوان أكثر من جماهيريتهم في الانتخابات التي سبقتها (2000) ، لكنهم في هذه الأخيرة لم يحصلوا سوى على 17 مقعدا ، ما يعني أن من السخف القول إن جماهيريتهم قد تراجعت على هذا النحو بين عامي 2005 و,2010 صحيح أن حجم الإقبال الجماهيري كان محدودا بسبب اليأس من مسار التغيير والإصلاح عبر البرلمان ، إلأ أن ذلك لا يفسر تلك النتيجة الساحقة الماحقة.

من الجدير بالذكر أن نتائج الانتخابات في الجولة الأولى عام 2005 لم تكن نتاج كرم السلطة ، بل كانت نتاج الضغوط الأمريكية المشددة في سياق برنامج الشرق الأوسط الجديد الذي تبناه بوش ضمن رؤية تربط بين غياب الإرهاب وغياب الإصلاح ، وحين أسفرت نتائج الجولة الأولى عن 88 مقعدا للإخوان كانت الصفقة الضمنية مع الأمريكان التي أسفرت عن إطلاق يد السلطة في الداخل مقابل الدفع من جيب القضايا الخارجية ، لاسيما الملفين الفلسطيني والعراقي.

هذه المرة خاضت السلطة معركتها الانتخابية في ظل استمرار الصفقة التي عقدت مع بوش ، والتي لم يغيرها أوباما بسبب القناعة بأن الديمقراطية تعني فوز الإسلاميين والمعارضة ، أما تلك الانتقادات التي صدرت عن الدبلوماسية الأمريكية فكانت بلا قيمة ولا ينبني عليها أي شيء ، الأمر الذي تدركه السلطة.

لا يعني ذلك بالطبع أن انتخابات 2005 كانت نزيهة تماما ، بما في ذلك الجولة الأولى ، لكن الضغط الأمريكي أفرز إشرافا قضائيا ، وحين زوّرت السلطة لصالح بعض رموزها كان الموقف مفضوحا أمام الناس ، كما حصل عندما وقع إنجاح مصطفى الفقي بعد هزيمته المعلنة أمام المرشح الإخواني.

من الصعب القول إن خوض الانتخابات من قبل الإخوان كان خاطئا بالكامل ، فقد عرّت مشاركتهم الحكومة وتواطؤ الخارج الأمريكي والغربي معه في آن.

ربما عوّض الانسحاب من الجولة الثانية خطأ القرار الأول ، لكن الوضع بعمومه كان ينبغي أن يحمل الإخوان نحو الانسجام مع قوى المعارضة على قلتها وهامشيتها ، أعني القوى التي قاطعت الانتخابات ، لاسيما أن من الصعوبة بمكان القول إن حزب الوفد والتجمع حزبان معارضان بالمعنى الحقيقي للكلمة ، ولو مرر النظام للوفديين عدد معقولا من المقاعد لما انسحبوا من الجولة الثانية.

أيا يكن الأمر ، فالمرحلة التي تعيشها مصر منذ سبع سنوات ونيف لم تعد تحتمل سياسة الترقيع والحديث عن الإصلاح التدريجي ، فقد وصل الحال بؤسا لا يطاق ، إذ ضاعت هيبة مصر ومصالحها القومية في الخارج (أضاع مصالح الأمة لأنها لا تصلح حقا من دونه) ، فيما عاش الإنسان المصري حالة صعبة على سائر المستويات الاجتماعية والاقتصادية ، فضلا عن الحريات العامة.

اليوم لم يعد لمصر دور يذكر في المنطقة ، في ظل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية ، والآن تهدد مصر من قبل السودان الآيل للتقسيم ، ومن قبل دولة لا تخفي ولاءها للعدو الصهيوني ، ولا تسأل بعد ذلك عن التردي الداخلي الذي تعزز على نحو رهيب خلال الألفية الجديدة.

في ضوء ذلك ليس أمام الإخوان غير قيادة تحالف واسع النطاق من سائر القوى والفعاليات يخوض نضالا سلميا طويلا من أجل التغيير الشامل ، فالموقف لم يعد يحتمل الكثير من الانتظار ، وإذا لم يفعلوا فإن الوضع قد يتجاوزهم خلال وقت لن يطول.

==========================

الصعود اليمينيّ في أوروبا

حازم صاغية

الاتحاد الاماراتية

الرأي الاردنية

5-12-2010

ينكبّ ديموقراطيّو أوروبا وليبراليّوها على دراسة الأسباب التي تقف وراء موجة اللاتسامح العاتية التي تضرب حاليّاً، موجّهةً شفرتها إلى المهاجرين المسلمين.

والحال أنّ بعضهم بدأوا يتحدّثون بانزعاج بادٍ عن اختراق مفردات القاموس المتطرّف للّغة السياسيّة الديموقراطيّة المعتمدة. أكثر من هذا، ففي سبتمبر الماضي، أدّى القلق من تفشّي المواقف الشعبويّة واليمينيّة المتطرّفة والسلوكات الاجتماعيّة التي قد تلازمها، إلى تشكيل هيئة تضمّ تسع شخصيّات أوروبيّة بارزة، في عدادهم يوشكا فيشر، وزير الخارجيّة الألمانيّ السابق، وفلاديمير لوكين، مفوّض حقوق الإنسان في روسيا، وخافيير سولانا، الإسبانيّ الذي تقاعد العام الماضي بعد تولّيه الشؤون الخارجيّة للاتّحاد الأوروبيّ.

 وسوف تكون وظيفة تلك الهيئة دراسة التوجّهات الجديدة الخطرة وتقديم اقتراحات عمليّة لمحاصرة عدم التسامح في القارّة.

والقلق لا يُعدم أسبابه الوجيهة: ففي السويد، مثلاً، والتي كانت تُقدّم كفردوس للاشتراكيّة الديموقراطيّة الناجحة، وللرأسماليّة الإنسانيّة، حقّق «الديموقراطيّون السويديّون» المناهضون للمهاجرين اختراقاً انتخابيّاً بإحرازهم، للمرّة الأولى، مقاعد في البرلمان.

وفي هولندا، المشهورة تاريخيّاً بتسامحها وبإرث إيراسموس، أمكن بعد أشهر من التفاوض والمناورات السياسيّة، تشكيل حكومة أقليّة تعتمد لبقائها على دعم جيرت وايلدرز، قياديّ «حزب الحريّة»، والذي سيُضطرّ للمثول أمام المحكمة دفاعاً عن نفسه بسبب اتّهامه المحقّ بالتحريض على المسلمين.

وفي النمسا ضاعف حزب اليمين المتطرّف الذي أسّسه الراحل يورغ هايدر نسبة المقترعين له، حيث وصلوا إلى 27 في المئة، فضلاً عن حلوله في الموقع الثاني في الانتخابات المحلّيّة لمدينة فيينا.

ولم يعد ممكناً غضّ النظر عن أرقام ضخمة نسبيّاً تشير إلى مدى التمدّد الذي تحرزه تلك القوى المتطرّفة: ففي إيطاليا حصلت «رابطة الشمال» الانفصاليّة على 8،3 في المئة من أصوات المقترعين، علماً بأنّ المسلمين هناك لا يتجاوزون 1،7 في المئة. كذلك حظيت «الجبهة الوطنيّة» في فرنسا في آخر انتخابات عامّة بتأييد 11،9 في المئة من المقترعين، و»حزب الحريّة» الهولنديّ بدعم 15،5 في المئة.

وكما هي الحال دائماً في مثل هذه الظاهرات، فإنّ اللامعقوليّة واللاعقلانيّة تحفّان بها: ففي ألمانيا، مثلاً، تبلغ نسبة من هم ليسوا مواطنين في الاتحاد الأوروبيّ قرابة 6 في المئة من السكّان، بينما لم يحظ «الحزب القوميّ الديموقراطيّ» المناوئ للهجرة إلاّ ب1،8 في المئة من أصوات المقترعين.

 أمّا في السويد حيث تبلغ نسبة من ليسوا مواطنين في الاتّحاد الأوروبيّ 3،2 في المئة، فيحظى «الديموقراطيّون السويديّون» بتأييد 5،7 في المئة من إجماليّ الأصوات.

وقصارى القول، وحسب صياغة صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانيّة، إنّ أحزاب اليمين الشعبويّ والمتطرّف تتقدّم على امتداد أوروبا، كما تعيد تشكيل الخريطة السياسيّة للقارّة بالاستفادة من تحريكها لمعاداة المسلمين والمهاجرين عموماً، ومن توكيدها على الهويّة المحلّيّة ذات الصفاء المزعوم.

 فإذا استمرّت الوجهة هذه، ومضت الأحزاب المذكورة في إحراز التقدّم، سيكون صعباً على الحكومات القائمة احتواء الضرر الذي ستعانيه صورة أوروبا ومصالحها في العالم الأوسع.

ويزيد في تظهير تلك المخاطر تعاظم أكلاف الأزمة الماليّة، فيما الضغوط تتوالى على اقتصادي إيرلندا والبرتغال (بعد اليونان) اللذين باتا بأمسّ الحاجة للإنقاذ الخارجيّ، فيما يتراجع عموم الأداء الاقتصاديّ لأوروبا قياساً بالقوّة التي تبديها منطقة آسيا والمحيط الهادئ وبلدان الاقتصادات الناشئة كالبرازيل والهند وتركيا، فضلاً عن الصين بالطبع.

على أنّ أوروبا ليست القارّة الوحيدة التي تتعرّض لمثل هذه الظاهرات.

فالولايات المتّحدة، بدورها، تشهد انبعاثاً يمينيّاً وشعبويّاً سبق أن عبّرت عنه انتخابات منتصف الولاية. وقد يكون أشدّ إثارة للانتباه أنّ متطرّفي أوروبا الذين لا يملكون في الأحزاب المحافظة التقليديّة موقعاً كموقع متطرّفي أميركا الجمهوريّين، نجحوا في الانتقال من الهامشيّة السياسيّة وعنف الشوارع إلى احتلال مواقع مشروعة في اللعبة السياسيّة وإنتاج قادة برلمانيّين.

ويُلاحَظ في هذا السياق أنّ بعض قادة اليمين التقليديّ والمعتدل، كالمستشارة الألمانيّة ميركل والرئيس الفرنسيّ ساركوزي، بدأوا يعتمدون لهجة أكثر تصلّباً حيال الموضوعات الشعبيّة التي أفاد منها خصومهم الانتخابيّون.

فميركل أعلنت نهاية تجربة التعدّد الثقافيّ والعرقيّ، فيما حرّك ساركوزي مسألة «الهويّة الفرنسيّة» على نحو غير مسبوق.

لقد تزايدت أعداد الهجرة إلى بلدان الاتّحاد في الشطر الغربيّ والأوسط من أوروبا بين عامي 1989 و2009، إلى 26 مليون مهاجر.

 وفي هذه الغضون طُرحت مسائل وملفّات عدّة دار أهمّها حول العناوين التالية:

- بناء المساجد والمآذن ممّا جرى بشأنه استفتاء في سويسرا...

- الحجاب والنقاب ممّا أثير في غير بلد أوروبيّ، لاسيّما في فرنسا.

- مسؤوليّة الصواب السياسيّ عن كبت الاختلافات.

- وبعد 11 سبتمبر 2001، ظهر من يربط الوجود الإسلاميّ في الغرب، من دون أيّ تمييز أو فرز، بالإرهاب.

- ومؤخّراً أضيفت إلى الملفّ الكثيف أوضاع الأقليات المسيحيّة في العالم الإسلاميّ.

- لكنّ الأهمّ هو ما بدأ يتردّد صداه مع الأزمة الاقتصاديّة منذ 2008: فقد قُدّم المهاجرون كعبء على دولة الرفاه وفرص العمل.

وأياً كان الأمر، يبقى المدهش أنّ هذا الاهتمام الأوروبيّ بالمشكلة، وبتدارس عناوينها المؤثّرة، لا يترافق مع أيّ همّ جدّيّ مقابلٍ في العالم الإسلاميّ بمسائل تعني مسلمين أوّلاً وأساساً!

==========================

وقف الاستيطان.. بين العجز الأميركي والتعاجز

فؤاد حسين

hussein.fuad@gmail.com

الرأي الاردنية

5-12-2010

مثلما كان متوقعا، فقد وصلت الجهود الأميركية الرامية الى تجميد الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عامة وفي القدس خاصة الى طريق مسدود، لكن هذه المرة بذريعة عجز الإدارة الأميركية عن إقناع قادة الكيان الصهيوني بتجميد الإستيطان مؤقتا لحفظ ماء وجه السلطة الفلسطينية لتستأنف المفاوضات المباشرة التي لم تحقق شيئا منذ أوسلو.

 

تلك الذريعة الأميركية بعجزها عن إقناع حكومة نتنياهو وقف الإستيطان، كانت واهية أمام حقائق تاريخ الإدارات الأميركية السابقة التي كانت تفرض ما تريد على الحكومات الإسرائيلية، بغض النظر عن الحزب أو الأحزاب التي كانت حاكمة حينذاك، فالرئيس ايزنهاور أجبر إسرائيل عام 1956 على سحب قواتها من قناة السويس ووقف عدوانها على مصر، أما جيرالد فورد فبالرغم من وقوفه الى جانب أسرائيل في صراعها مع العرب، فانه في عام 1974 هدد وزير خارجيته هنري كيسنجر اسرائيل بإعادة تقييم علاقات بلاده معها ان لم تنسحب من منطقة قناة السويس التي احتلتها بعد حرب اكتوبر 1973. كذلك الرئيس الأميركي جيمي كارتر أجبر إسرائيل على إخلاء المستوطنات كلها من سيناء لإنجاح إتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، قدرة الرؤساء الثلاثة المشار اليهم على إجبار إسرائيل على تنفيذ ما تريده واشنطن، خاصة إزالة مستوطنات وليس تجميد البناء فيها فحسب تؤكد أن موقف الإدارة الأميركية الحالية تجاه المستوطنات لا علاقة له بالقدر بقدر ما له علاقة بالرغبة.

 

اذا بإمكان واشنطن أن تجبر إسرائيل على فعل أي شيء إن أرادت هي كذلك، مما يعني أن الإدارة الأميركية برئاسة اوباما فاقدة للإرادة السياسية للمضي قدما في عملية التسوية السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ولا عجب في ذلك فمن يقود البيت الأبيض رئيس أصطبع ليكون في الواجهة بهذه المرحلة من التاريخ الأميركي وليس وليد سلالة الوايت أنجلوساكسون، فهو لا يملك سلطة صنع القرار، بقدر ما هو منفذ لما تقره مؤسسات صنع القرار التقليدية في واشنطن، وتلك المؤسسات لا تجد نفسها في الوقت الراهن مضطرة أن تجبر إسرائيل على فعل ما لا يحلو لها لأن أحدا من العرب لم يضع واشنطن بين خيار مصالحها وخيار تدليلها لإسرائيل.

 

الأرض هي لب الصراع مع الصهاينة، فإذا كانت واشنطن «عاجزة» كما تدعي عن إقناع حكومة إسرائيل بتجميد المستوطنات مؤقتا، فهل تستطيع مستقبلا ضمان تنفيذ أي إتفاق قد يتم معها خاصة وأن المسائل المتبقية مثل القدس واللاجئين والحدود هي أهم بكثير من تلك المسائل التي تم الإتفاق عليها في اتفاقيات اوسلو التي باتت أثرا بعد عين من كثر ما حطبت فيها القرارات الإسرائيلية حتى أصبحت حبرا على ورق.

==========================

أحمد داود أوغلو يسبر "عمق" تركيا "الاستراتيجي"

الدولة السلطانية التقليدية والآسرة في غلاف اقتصادي ليبرالي

المستقبل - الاحد 5 كانون الأول 2010

العدد 3849 - نوافذ - صفحة 9

وضاح شرارة

بينما كان رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، يخطب الجموع القادمة من أنحاء عكار كلها، والملوحة بأعلام تركية كثيرة وأعلام لبنانية، من شرفة "قصر" يلدزلار (اسم مطعم كبير) في بلدة الكواشرة، مساء الأربعاء في 24 تشرين الثاني المنصرم، لاحظ مشاهد الشاشة الصغيرة إلى يسار الخطيب التركي، في أقصى الصف الأول المطل على الجموع المنتشية، رجلاً أليفاً يبتسم ابتسامة رزينة وبادية السرور، وينظر إلى الحشد العريض يسبره ويروزه و"يقيس" عمقه، إذا جازت اللفظة، وعمق حماسته وإقباله. وبدا الرجل مازجاً السرور غير الخفي بما يرى، بتقدير أو تقويم محله من خطة أوسع بكثير، فكأنه كان على علم بأن زيارة رئيس حكومته، وهو وزير شؤونها وعلاقاتها الخارجية منذ نحو السنتين ومستشار الرئيس منذ أعوام، إلى هذه الناحية من الأقاليم أو المحافظات اللبنانية، وإلى بعض سكانها الذين حلوا ربوعها قبل 500 عام (أم 800 عام؟) وهم يومها تركمان عرقاً ولغة ولا يزالون، حاملاً بيد عشرات المدارس وسيارات الإسعاف وباليد الأخرى "أخوة" رفيق الحريري وسعد الحريري "الغالية"، على قوله كأن وزير الخارجية العتيد، أحمد داود أوغلو، كان على يقين من ان هذه الزيارة لن تعدم جزاء لبنانياً بالحماسة والإقبال. وهو استبقها وأعد لها، على تواضعها، في إطار تناوله "العمق الاستراتيجي"، عنوان أو وسم العمل التحليلي الجامعي الذي تناول فيه "موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية" (الصادر في التركية في 2002، و2010 في العربية عن الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ومركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، بترجمة محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل).

[الطريق الرومانية

ولا يخفى أثر المستشار السابق والوزير الحالي في خطابة رئيس الوزراء، وهو أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية المنشقين عن حزب الرفاه وزعيمه نجم الدين أربكان "الإسلامي المتشدد"، وفي عباراته وصوره، عدا أثره في سياسته وأفكاره. ففي بلدة الكواشرة وقف أردوغان خطيباً. وذكر بالإجراء الإداري الذي ألغى العام الماضي التأشيرات على المسافرين وجوازاتهم. وأشار بالإجراء إشادة غنائية وعاطفية: "وبهذا أنهى الشعبان قرناً من الهجران، وتعانقا بعد فراق". وهو لم يقل ان "الدولتين" ألغتا الحاجز الإجرائي والإداري والأمني الذي تقضي به سياسات وأحوال غالبة عموماً على علاقات الدول بعضها ببعض. فنسب الإجراء إلى الشعبين، إمعاناً في الحرارة والتقريب. وأرخ لما سماه "هجراناً"، مستعيراً مصطلح غناء أم كلثوم الغرامي وشاعرها أحمد رامي، بانهيار السلطنة العثمانية، وجلائها عن ولاية بيروت والأقضية الأربعة والجبل (بعد إلغاء المتصرفية في 1916) في 1918- 1919. ف "الفراق" و "الهجران"، غداة خروج الولايات السابقة من سيادة اسطنبول إلى انتداب أوروبي وكيانات وطنية أو أهلية فاستقلال في إطار دول وطنية، يكني بهما رئيس الوزراء التركي عن تاريخ (قرابة) القرن المنصرم منذ ختام الحرب الأولى. ونحوُ القرن هذا هو تاريخنا اللبناني الماثل والمشترك والزاهر والمضطرب معاً.

وهو سند الأولوية ("أولاً") المرجوة والمزمعة. و "الغازي"، على ما سماه أنصاره ومستقبلوه فجراً في مطار أنقرة وهو عائد من دافوس مغضباً وتاركاً شمعون بيريس من غير محاور ولا مُطارِح، على علم بهذه الحال. فهو قال بصيدا (في 25 تشرين الثاني): "يجب ان نسير معاً إلى المستقبل على قاعدة أساسها (اللبنانية)". ورهن سطوع "نجم" لبنان في المنطقة، بحسب استعارته الأثيرة في رحلته، بالنجاح في إرساء القاعدة هذه. ف "اللبنانية" هي علاج "الألوان" الكثيرة، و "المذاهب والأديان على مر التاريخ"، التي زخر بها لبنان ويزخر. وهي جامع الأشتات والشتيت ("شتى")، على نحو ما جمعت مائدة رئيس الوزراء اللبناني في السراي الكبير، العثماني التحدر على ما لم يفت أردوغان التنبيه، ممثلي 12 مذهباً دينياً، إلى وزير واحد و6 أعيان سياسيين. والوجه الآخر للفراق والهجران المزعومين هو "التحدث اللغة نفسها (...) لأن قلوبنا موحدة والأحاسيس متلاحمة فيما بيننا (...) وقيمنا آتية من الحضارة نفسها، وانصهرنا في البوتقة نفسها حتى وصلنا إلى هذه المرحلة"، (من خطبة صيدا).

وعلى هذا، ف "قاعدة اللبنانية" و"أساسها" الواحد والجامع، وهما قاعدة وأساس سياسيان، لا ينفيان "الحضارة" الواحدة، أو "عامل الثقافة"، على ما يسمي أحمد داود أوغلو الرابطة القومية التركية والإسلامية معاً بين المركز التركي وبين الأطراف البلقانية والقوقازية والشرق أوسطية. ويجهر أردوغان، ووزيره، إرادة تخطي ضدية الوطنية (اللبنانية) و "الحضارة"، أو تباينهما، من طريق اللجنة الاستراتيجية العليا للتعاون والتنسيق، تارة، ومجلس التعاون العالي المستوى، تارة ثانية، والقمة الرباعية بين رؤساء الوزراء في تركيا وسوريا والأردن ولبنان قريباً، ثم القمة الرباعية بين رؤساء الجمهورية (والعاهل الأردني) في أيار 2011. وينتقل الزائر التركي، على خلاف سلفه الزائر الإيراني قبل أسبوعين، من حرارة "الأحاسيس" و "القيم" و "اللغة" إلى حرارة المصالح التجارية والاستثمارية والسياحية والنقلية بيسر قد يرى فيه قارئ "العمق الاستراتيجي" بعض روح الأستاذ أوغلو. فشفاء الفراق والهجران المتخلفين عن نشوء الدول الوطنية، وخروجها من عباءة السلطنة، فالخلافة السلطنة العثمانيتين، ليس "العناق" المفضية شدته أو كثرته إلى الاختناق، على قول طيب ومتفائل لرئيس الوزراء الراحل صائب سلام في عز الحروب الملبننة، أو ليس العناق وحده، على ما يريد بعض الجوار العربي أو الإسلامي الظن، وقد يظن فعلاً. وإنما يأتي الشفاء أو العلاج من جمع الغنائية الاستراتيجية، التجارية والمالية والنقلية، إلى الغنائية القيمية والحضارية والثقافية التاريخية.

فبعد ان زف الوزير التركي "الأول" بشرى هجر الهجران، وفراق الفراق، أراد التمثيل على روعة الحصاد والجنى، فقال: "واليوم يستطيع الراكب (المسافر) أن يخرج من اسطنبول ماراً بأنقرة، ومنها إلى أضنة. وبدخوله الأراضي السورية يمر باللاذقية بيسر، ومنها يبلغ طرابلس، ثم بيروت. كل هذا في طمأنينة وهدوء وراحة بال". ويغالب الخطيب ترك متعة الرحلة الهانئة والسعيدة وراءه، والانتقال إلى ذكرى صبرا وشاتيلا الأليمة، وتناول سياسة تركيا في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية، فيصف الرحلة نفسها على الوجهة والخط المقابلين: "واليوم ايضاً يستطيع الأخوة من بيروت وصيدا وبعلبك ان يخرجوا من لبنان إلى الأراضي التركية، ويمروا بالمدن التركية من أضنة وأنقرة واسطنبول بكل راحة". ويمدح رجل الدولة (-الأمة؟) التركي سلام السلطنة، وأمن طرقها، واتصال هذه الطرق على مثال "الطريق الرومانية" الامبراطورية المسكونية (في إطار الأرض المسكونة أو المعمورة) والجامعة.

فالجغرافيا، جغرافيا المواصلات، سياسية، والجغرافيا السياسية استراتيجية، وبعضها تخالطه الحرب على أصنافها المريرة كلها، والسيطرة والإكراه. والمسالك أو الطرق، هي صنو الممالك، أو السلطنات، في وسم كتاب ابن خرداذبة، البلداني الجغرافي، وغيره من البلدانيين الجغرافيين المصنفين كتبهم بالعربية وصنوهم في الحال والواقع. وغير بعيد من منبر رجب طيب أردوغان كان أرمن لبنانيون، وأكراد لبنانيون، وبعض اليونانيين المقيمين بلبنان، يذكرون الزائر، ووزير خارجيته، بأن "الطمأنينة والهدوء وراحة البال"، والرحلة المتصلة من غير تأشيرة، قد تشترط مراجعة الوجه التاريخي والسياسي من العمق الاستراتيجي، من غير افتئات على سياسات تحتسب العمق هذا ولا تنكره. ولكنها تنكر على "عمق" الممالك السلطاني والإمبراطوري منزعه إلى الافتئات المعنوي والمادي على تواريخ الجماعات المغلوبة، وعلى حقوقها وأركان دوامها.

["شراء" الحرب بالاقتصاد

والحق أن حمل الزيارة اللبنانية على فكرة تعزى إلى أحمد داود أوغلو ليس ثمرة رجم في الغيب (الماضي)، أو تكهن في حاضر ماثل بعد مثوله وغداة مثوله. ففي أحد فصول كتابه البارزة، وقد يكون أبرزها، وهو الفصل الثاني الموسوم ب "المناطق البرية القريبة: البلقان والشرق الأوسط والقوقاز" من الجزء الثاني الموسوم ب "الإطار النظري: الاستراتيجية المرحلية والسياسات المرتبطة بالمناطق الجغرافية"، والكتاب نشر في 2002 على ما ينبغي التذكر وهو عام بلوغ حزب التنمية والعدالة الحكم، يذهب "الأستاذ" الجامعي إلى ان تطوير المواصلات، وتعظيم التجارة الحدودية وبرامج التبادل الثقافي، وتيسير انتقال القوى العاملة والاستثمارات، جديرة ب "تجاوز" المشكلات التي قد تسببها بعض النخب المركزية (أو المتصدرة والغالبة الكاتب) في الأنظمة البيروقراطية الإقليمية"، على قول صاحبنا مكنياً عن الديكتاتوريات القومية العسكرية والمستولية، وعن توسلها بالأكراد وقضيتهم في الحرب على تركيا. ويمثِّل من لم يكن وزيراً بعد، ولا مستشاراً نافذاً ومقرباً ممن لم يكن بعد رئيس وزراء، يمثل على مقالته فيقترح إنشاء "بنية" أو هيكل اقتصادي تجاري وجمركي وضريبي، سوقي وقانوني إداري، ينجم عنه "تكامل شمال سورية، ومدينة حلب حاضرته"، أو مركزه، مع الخطط والأعمال الزراعية بجنوب الأناضول والمنشآت الصناعية بعينتاب ومرعش.

ولا ريب في ان القارئ لا يزال يذكر "الاحتفال" السياسي والاقتصادي الكبير الذي دعا إليه رئيس الجمهورية التركي عبدالله غول (أو غل)، في أواخر صيف 2009، وأقامه بحلب وفي صحبته 11 وزيراً تركياً وقعوا مع الرئيس السوري ووزرائه عشرات الاتفاقات والبروتوكولات. وكان المهرجان تتويجاً لاختبار تعاون البلدين الجارين طوال السنتين السابقتين، 2007 2009. وبلغت تجارتهما في الأثناء ملياري دولار، أو حوإلى 8 أضعاف إلى 10 أضعاف قيمة مبادلاتهما في العام السابق. ويرسي مدرس الاستراتيجيات التركي مقترحه، قبل 5 أعوام من المبادرة إليه و7 أعوام من تتويجه وإجرائه، على إعمال وسائل النقل والتجارة الحدودية، وإنجاز "التكامل الإقليمي" وانتهاج "سياسات اقتصاد ليبرالية على الحدود (القائمة) بين سهول تركيا وسوريا". ويتوقع المخطط، والمستشار فالوزير من بعد، ان يترتب على إنشاء قنوات المواصلات وطرقها بين حلب وبين عينتاب ومرعش الصناعيتين وجنوب الأناضول الزراعي والمائي، وعلى رحلة الناس والسلع في المجاري الواسعة، "القضاء على الإرهاب" (الكردي) بوسائل غير عسكرية. فهو يدعو إلى معالجة مسألة استراتيجية، جغرافية سياسية، ناجمة عن اضطراب المسالك (الأراضي الإقليمية) وعلاقتها بالممالك (الكيانات السياسية الوطنية)، بطبابة مسالمة وناعمة "تشتري" التخلي الإقليمي البيروقراطي عن مساندة الأعمال الحربية والمسلحة، الكردية في هذه الحال، لقاء تعظيم المواصلات والمبادرات والعوائد والاستثمارات.

ويمهد الأستاذ لعلاجه الموضعي وهو ينصبه مثالاً لمعالجات تشبهه وتتناول العراق وإيران وآسيا الوسطى والقوقاز وأحواض إيجه والبحر الأسود وقزوين والخليج والمتوسط بمناقشة موضعية ومفصلة بعض الشيء لعوامل المشكلة القريبة. فيلاحظ (أو يقرر) انه ليس في مستطاع تركيا إرساء علاقاتها بجيرانها الذين هم منها بمنزلة الجسور البرية إلى الجوار الحيوي، الذي يأهله إما أتراك (في البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى) وإما مسلمون (في الشرق الأوسط القريب وشبه جزيرة العرب)، على ركن مستقر وثابت إذا تواترت الأزمات بينها وبين الجوار القريب والأبعد. فيستحيل على تركيا الاضطلاع بسياسة فاعلة ومؤثرة في صوغ حلول للقضايا العالقة وهذا هدف تسعى فيه استراتيجية عقلانية على خلاف سياسة "بيروقراطية" غايتها الأولى إبقاء القضايا العالقة على تعليقها لعل هذا يرعى دوراً صغيراً ومزمناً في البلقان بينما المشكلات التركية اليونانية والمشكلات التركية البلغارية على تأزمها وترديها. واليونان وبلغاريا هما محورا العلاقات البلقانية، إلى صربيا الساعية في الاستقرار، والعروة بين البلقان وأوروبا في شطريها الجنوبي والشرقي. ولا يسهم تردي الأحوال بين تركيا وبين كل من أرمينيا وإيران وجورجيا في إصلاح ذات البين مع القوقاز وروسيا من ورائه. وتضر روابط تركية حميمة بإسرائيل بروابط تركيا بإيران وسوريا والعراق.

ولا ينكر المحلل التركي أن حبس العلاقات بالدول المجاورة في دائرة ما يسميه بصيغة غامضة (لعل السبب في غموضها هو الترجمة العربية التقريبية والمضطربة) "المراحل الطويلة والصعبة للأنظمة البيروقراطية" وهو ربما يعني التسويف والتعليق اللذين يغلبان على سياسة بعض هذه الدول و "ديبلوماسيتها" الأمنية والمراوغة هذا الحبس يقتضي إخراجها من الإطار السياسي، أي الأمني والعسكري، إلى أفق أوسع تتضافر على رسمه واستقراره العوامل الاقتصادية والثقافية (على معنى "الحضارية" أو الدينية الذي مر) والاجتماعية، أو علاقات المجتمعات والشعوب بعضها ببعض. ويندد أحمد داود اوغلو بنازع تركي، في بعض الأوقات، تفتق في أواخر القرن الماضي عن اقتراح إنشاء جدار إلكتروني يحجز جنوب تركيا عن سوريا "للوقاية من إرهاب حزب العمال الكردستاني". ويقود توقي إرهاب "الكردستاني" وبؤرته السورية يومذاك، ومدافعة امتداد الحرب الأهلية في العراق إلى الأراضي التركية وإلى الأتراك على تفرق أقوامهم، والاحتماء من الدعوة الإيرانية ومفاعيلها الإيديولوجية التحريضية، تقود هذه مجتمعة إلى انكفاء تركيا على حياضها و "بيضتها"، وإلى نزف مواردها وضعفها.

والعلاج، على ما مر، هو ازدواج السياسة، وطبابة الشق الأمني والعسكري السياسي بالشق الاقتصادي و "الثقافي" والمجتمعي أو "الشعبي". و "عقلانية" الطبابة أو المعالجة هذه تفترض علو منزلة العوامل الاقتصادية والثقافية، ورجحانها في ميزان الجيران وميزان البلد والدول الأبعد. أي ان هذا يفترض القبول على وجه من الوجوه بنهج قريب من "نهاية التاريخ"، في شقه الاقتصادي والرأسمالي الليبرالي ومن دون شقه السياسي الديموقراطي، على ما يفعل أوغلو متحفظاً ومندداً بفرنسيس فوكوياما ("صاحب" الفكرة ومحدثها، ويؤوِّل أوغلو فوكوياما في ضوء أواخر التسعينات وربما ما بعدها، أي 11/9/2001). ويفترض من وجه آخر قد يبدو على نقيض الوجه الأول، الاستدلال بصمويل هينتين(غ)تون، وتقديمه كفة العوامل الثقافية والحضارية على كفة العوامل "العقلانية"، الاقتصادية والتقنية والعسكرية والأخلاقية، في ميزان العلاقات والمنازعات الدولية. ولا ينكر أوغلو إيجاب الأستاذ الأميركي الراحل ثقلَ العوامل الثقافية والحضارية والتعويل على هذا الثقل، ورئيس حكومته توجه اولاً إلى تركمان عكار اللبنانيين وتركمان إربيل وجوارها مكانتهم متصدرة، ولكنه يعرف حق المعرفة ان عامل التقريب والربط هذا ينقلب عامل تبعيد و "هجران" حال عرضه على "الألوان" (اردوغان، أعلاه) القومية والمذهبية والوطنية والبلدانية التي تتحدر من الأبنية السلطانية والامبراطورية، على وجهيها: وجه السيطرة ووجه التبعية.

والتمثيل على جدوى العلاج المقترح ب "الصفقة" التركية السورية، وهو تمثيل متأخر زمناً عن صدور "العمق الاستراتيجي"، مشكل. ولا تبدو "الصفقة" مصدقاً لنهج "شراء" العداوة الأمنية والعسكرية "البيروقراطية" بالتجارة والمواصلات والكهرباء والأسواق الزراعية (قبل أنابيب النفط والغاز وشبكاتهما وربط البحور والأحواض)، إلا إذا أُغفلت الوقائع التي يتعمد الأستاذ الجامعي إغفالها. فالجدار المكهرب على طول 800 كلم بين تركيا والجارة العربية الجنوبية إنما كان مدار مناقشة قبل 1998. ففي السنة هذه، طُرد عبدالله أوجلان من ملاذه خشية قتله فيه، بعد ان تسللت الاستخبارات التركية إلى جوار الملاذ. وتعقبته الاستخبارات الإسرائيلية في أوروبا، قبل ان يلوذ بكينيا، وقادت الحليف التركي إلى الملجأ الافريقي. ووسع سند أوجلان "البيروقراطي" الأمني إباحة مواقع في سهل البقاع اللبناني، في كنف "السيادة" الوطنية والدولية وحمايتها. وكان العراق في لجة حربه الطاحنة مع (وعلى) إيران الخمينية، على جبهته الشرقية المديدة (1200كلم) التي اضطرته إلى إخلاء جبهته الشمالية وزاويتها الغربية، على شطريها المتصلين: التركي والسوري المناوئ. ف "عالج" صدام حسين الخلل الفادح بالسلاح الكيماوي وبتسييب الشمال والغرب على مصاريعهما في وجه قوى الهلال المزركش، الإيراني التركي- الكردي السوري.

وفي السنة العتيدة، 1998، أرجفت القوات المدرعة التركية على الجارة العربية الجنوبية، وحشدت 60 ألف جندي من أضخم جيش "أطلسي" على مرأى من الجارة ومسمع منها. وكانت السنة "الميمونة" على تركيا، فاتحة حبس مياه دجلة والفرات في سدود مشروع "الغاب" الأناضولي عن العراق وسوريا معاً، والتقتير المحسوب في صرفها. وفي ختام السنة، وقع البلدان اتفاق أضنة، أو تفاهم أضنة. وتولى المفاوضة ضباط استخبارات. وبطرفة عين هدأت الحملة "الجيوبوليتيكة" العارمة والصاخبة على فكي "الكماشة"، التركي والإسرائيلي، المطبقة على سوريا، في الصحافة "اللبنانية". وخرج البلدان، والعروبي على وجه الخصوص، ناضجين ومؤهلين لمقايضة السياسة الأمنية باللوحة الفوكويامية الزاهية التي رسمها أحمد داود أوغلو، غداة أربع سنوات على 1998 وأوجلان والحشد العسكري وإعمال السدود الأناضولية واتفاق أضنة، توفي في أثنائها مؤسس "النظام" وحاكمه الأول. ولزم إنهاء بروتوكول تعاون 2007 خمس سنوات من المفاوضة والاختبار والتجريب والتخمين ("المراحل الطويلة والصعبة للأنظمة البيروقراطية"؟) وتقليب الأيدي والراحات وضرب الأخماس بالأسداس.

[التجمير

وعلى هذا، يجمع رأي الوزير المفوض، وهو رأي عملي، الصدق في وصف النتيجة وتوقعها إلى التكتم والتستر على سيرورة إنتاجها وبلوغها. وقد يكون الوجه الثاني من لوازم الديبلوماسية، ليس مزاولة وممارسة وحسب وإنما إعداداً كذلك. فلا يستقيم ان يتفاخر من كان، مذ ذاك على الأرجح، مستشاراً على نحو من الأنحاء بإعمال الطاقم السياسي الخصم، والذي سبق طاقمَ أصحابه الموشك على الانتصار وتولي الحكم والسلطة تدريجاً، وسائل إقناع واحتجاج تخالف الوسائل التي دعا الوزير (لاحقاً) ويدعو إلى توسلها وإعمالها. وهي وسائل جنى أصحاب أوغلو ثمراتها من غير ان يضطروا إلى رعاية "نضجها" بالوسائل غير المحببة التي عمل عليها طاقم الخصوم، ومال إليها من غير شك.

ولكن إغفال صاحب "البعد الاستراتيجي" ما يغفِل لا يترتب على الرغبة في قطاف الثمرة من غير التعرض لشوكها ونسيان الشوك، وحسب. فهو يدرج خطته الموضعية في سياقة تاريخية مفصلة ودقيقة هي مرحلة أو حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأثرها في موقع تركيا ودورها في دوائرها الجغرافية والاقتصادية والعسكرية. فهو يذهب إلى ان الحرب الباردة، ودوران منازعاتها على قطبين محوريين، "جمدت" أو جمرت النزاعات، وضبطتها على مصالح القطبين وألزمتها التخلي عن بواعثها ودواعيها الداخلية والصدوع بتقسيم مناطق النفوذ ودوائره بينهما، وإهمال العوامل "العميقة" الصادرة بحسب المدرِّس الكاتب عن هويات الجماعات وتواريخها ومحالها من تيارات التبادل العريضة والهجرات والفتوح. فالحرب الباردة، وهي الواقعة الاستراتيجية الأبرز في النصف الثاني من القرن العشرين و"علاج" بعض مخلفات النصف الأول من القرن نفسه وحربيه "العظيمتين" وأنظمته الكلِّيانية (الشمولية أو التوتاليتارية)، يرى إليها الباحث التركي والمسلم انحرافاً عن سوية الموازين الجغرافية السياسية ومعاييرها المقبولة و"الطبيعية".

وهو يمثل على رأيه هذا بدوائر المصالح والعلاقات التركية، على نحو ما تبدت في مرآة التاريخ السلطاني العثماني (القرن الرابع عشر القرن العشرين) بل في مرآة الفتوح السلجوقية في القرن الحادي عشر (م)، في البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. ويلاحظ ان الحرب الباردة سجنت الدور التركي، مسالكه وممالكه، في قفص الحلفين الكبيرين، الأطلسي ووارسو، وعزلته عن دوائره الأورآسيوية القريبة. فالقوقاز، على سبيل المثل، بتركمانه وأذرييه وشيشانه ومسلميه (من البلوش والشاش والصغد وغيرهم من الأقوام)، امتنع من استجابة نفوذ اسطنبول، وبالأحرى أنقرة، ولزِم أقوامهم، المتحاربون والمتآلفون على التوالي أو معاً وفي آن، حدود الكتلتين العظميين. وانقطع بعضها من بعض، وأدار بعضها الظهر على بعضها الآخر، وكأن الأقوام هذه أو هؤلاء، لم تعرف جواراً من قبل، ولم تسافر قوافلها على طرق الجيران، ولم ترع قطعانها في مراعيهم، ولم تحارب في ميادينهم منذ "فجر" التاريخ. والسلم البارد هذا جمَّد النزاعات والمبادلات معاً. فلما طوى تصدع السلطان السوفياتي القسمة الباردة، أشعل الانهيار النزاعات والخلافات في القوقاز. ويعزو أوغلو اشتعالها إلى "تدخل القوى الدولية الكبرى"، ويحصي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان. ويهمل موسكو وبكين وطهران، والقيادات الشيوعية البيروقراطية المحلية، والحركات الإسلامية الناشئة والمتجددة التي أبصرت هيلين كارير دونكوس أعراض انبعاثها وتململها في منتصف السبعينات. ويهمل شبكات المافيا والتجارة غير المشروعة بالمخدرات والنفط والسلاح والفيزياء النووية وعصابات صغار أسياد الحرب المختلفة عن الأنقاض السوفياتية وقاعها الصفصف.

فالتزاحم على الموارد الجوفية الاستراتيجية، وعلى استثمارها ونقلها ورعاية أمن نقلها وتوزيعها وأسعار، "أحيا" النزاعات القومية (الإثنية)، وحرّك المطامع والمصالح والثارات والضغائن معاً. ف "التأثير المتبادل"، على ما يسميه أوغلو، لا يينع وتتفتح أكمامه، بحسب الاستعارة الصينية أو الماوية القديمة، من غير احتدام الخلافات. والمواصلات والأسواق لا تعصمها رأسماليتها الليبرالية من إنشاب الأظفار والأنياب والسلاح والأعمال الأمنية والتهويل. فلا يستقيم إنكار التجمير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي رعته الحرب الباردة، ونعي تقطيعها أوصال الدوائر والشبكات الجغرافية والأهلية والدينية السابقة، والطعن في تدخل القوى الأجنبية والرأسمالية القوية، ومديح "التأثير المتبادل"، معاً وفي آن. فالكاتب الاستراتيجي يأسى ل "خسائر" تركيا في أذربيجان، واحتلال القوات الأرمينية خمس الأراضي الأذرية، ولانفجار يوغوسلافيا السابقة وما ألحقه بالقوميين المسلمين والألبانيين في البوسنة الهرسك وكوسوفو (ومقدونيا على قدر أقل). وهذا مفهوم ومعقول. ولكن مثار أساه ليس ما نزل في أهل هذه البلدان وإنما عجز الدولة التركية عن الحؤول دون "خسائرها" الفادحة. وهو يعزوها، ضمناً، إلى قيود الحرب الباردة، وحلف الأطلسي، على القوات التركية، تسليحاً وقراراً. فيندد بافتقار القوات التركية إلى سلاح جو يسعه بلوغ الأجواء الصربية، ونجدة البوسنيين المسلمين وألبان كوسوفو من غير انتظار حرب الأطلسي على الصرب في 1999. ويلمح إلى ان القيد الأطلسي، و "البارد"، هو السبب في افتقار سلاح الجو التركي إلى آلات الردع المرجوة. وهذا أقرب إلى روايات الخيال العلمي الارتجاعية والارتكاسية منه إلى الموازنة السياسية.

[الازدواج

ولا يخفى الكاتب المدرِّس أن آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان والشرق الأوسط هي مناطق اختلاط قومي و "ثقافي" حضاري وعصبي عز نظيره في مناطق ودوائر أخرى من "الكتل" العالمية. وهي موطن امبراطوريات وسلطنات وممالك "فيديرالية" و"كونفيديرالية" (ائتلافية) فوق ما هي موطن بنى سياسية متماسكة ومركزية. وقلما شهدت أو عرفت هذه الدوائر أبنية سياسية أو دولاً (-أمماً) تجمع الحدود المستقرة إلى القوم أو الشعب المتجانس. ويحمِّل أوغلو أوزار التفاوت أو التنافر إلى التقطيع الاستعماري، الذي أصاب تركيا أي السلطنة العثمانية، منه البلايا. ويوكل إلى "الثقافة السياسية" الاستراتيجية المرجوة التي يرجوها هو، وإلى التأهيل الديبلوماسي المناسب، مهمة تعويض آثار التقطيع الاستعماري. ولا يشك في ان حقبة ما بعد الحرب الباردة، و "السيولة" التي تتيحها، باب بل بوابة عريضة على لمِّ شمل ما قطعته الحدود الاستعمارية، ورعت الحرب الباردة تحجيره وتثبيته. وينم هذا برأي مزدوج ومتدافع في "الغرب"، على شاكلة الرأي الصيني الرسمي اليوم. فهو، على هذه الشاكلة، يريد الثأر لتركيا العثمانية وتمزيقها في حروب البلقان والحرب العالمية الأولى، ثم في معاهدة سيفر طبعاً والحروب والحرب والمعاهدة هي في مثابة حرب الأفيون ومنزلتها في الرواية التاريخية الصينية-. ولكنه ينتظر من "الغرب" نفسه موارد الثأر المرتقب والمأمول. فلولا تدخل القوى الغربية والآسيوية في القوقاز وآسيا الوسطى، وفك الطوق السوفياتي و "الاشتراكي" عن بلدانهما، و "رميها" في حلبة الأسواق، لما وسع أهل السياسة والتدبير والتجارة والصناعة والمال والإيمان بأنقرة، أو غيرها من العواصم القريبة أو البعيدة، تخيل خرائط المواصلات والأنابيب والبحور والمصارف والبورصات التي تنتشي بها الرؤوس والقلوب والجيوب منذ اليوم. وخطر عَرَض حرب الأفيون، أو عرض معاهدة سيفر، أو "سايكس - بيكو"، هو صرف الساسة والنخب والجمهور عن الاضطلاع بمسؤولياتهم عن تواريخهم وحوادثها ومآسيها ونهضاتها.

ولعل رأي احمد داود أوغلو في ألمانيا، الفريديريكية (نسبة إلى فريدريك الثاني في الثلث الثاني من القرن الثامن عشر) والبسماركية والهتلرية والجمهور غداة الحرب، مرآة التنازع العميق الذي يتعاور "استراتيجيته" المقترحة. فهو يحجم عن تقويم السمة الامبراطورية التي وسمت التاريخ الألماني، ودعت معظم الألمان إلى افتراض دور خاص لألمانيا، وطريق خاصة إلى الدور العظيم، على حدة من الدول الأمم والشعوب الأوروبية "الجمهورية" والعامية المبتذلة. ويحجم عن تسميتها باسمها السياسي والتاريخي. فإذا انتهى إلى تناول ازدواج السياسة المقترحة (على تركيا)، ونجاعة انتهاج سياستين متوازيتين: واحدة تقضي بمعالجة مسائل الأمن في إطار إقليمي وثانية تشتري الأمن والجوار المسالمين بمنافع اقتصادية و "ثقافية" متبادلة، انتخب ألمانيا، ألمانيا بون الأطلسية والأوروبية والفيديرالية قبل ألمانيا الموحدة، مثالاً. فذكّر بحروبها بوسط أوروبا وشرقها (وأغفل الجبهات الغربية الفرنسية والبلجيكية، والبريطانية، في الحربين الأولى والثانية)، وب "الأرضية النفسية السلبية" التي خلفتها هذه الحروب في العلاقات الألمانية الأوروبية. ونوه بانتهاجها "السكتين": الأمنية والاقتصادية. وخلص إلى مديح "النتائج العظيمة" التي جنتها ألمانيا، وقدم عليها جميعاً "المارك الألماني كأداة سيطرة جديدة على الدول التي كانت دخلتها الدبابات الألمانية...".

ولا تتستر الرواية الداودية الأوغلوية الساذجة والكاشفة بعض الشيء على النازع الغازي والفاتح الذي يتقنّع بقناع العمق الاستراتيجي وإذابة المسائل الأمنية والشائكة في حامض الاقتصاد الليبرالي والمصالح المتبادلة. فهذا لا يخفى على القارئ، على نحو ما لا تخفى عليه دلالة الكنايات "الثقافية" و"الحضارية" والاقتصادية نفسها، وما تبطنه من موازين قوى، وبعث أمجاد، وتصوير وقائع وحوادث مريرة وفظيعة بصور زاهية. ولكن الأقنعة هذه تسفر عن إنكار حاد للعوامل السياسية الديموقراطية ودورها في الانعطافات الاستراتيجية. فألمانيا حقبة بعد الحرب لم تقتصر على صك المارك، قبل "التضحية" به في اليورو، ولقاء احتمال أوروبا شطراً ثقيلاً من أكلاف توحيد ألمانيا ومساواة المارك الشرقي بالمارك الفيديرالي، ولقاء دمج ألمانيا، داخل حدود ثابتة لا تمس مع جيرانها، في أوروبا فيديرالية. فألمانية الفيديرالية صرفت طاقتها ومواردها إلى بناء ديموقراطية دستورية واتحادية لا امتياز فيها، ولا خصوصية ولا "رسالة" إلى الإنسانية، ولا قانون يعلو قانون محكمة كارلسروه والمحكمة العليا الأوروبية. وهي صنعت هذا في إطار أطلسي، شأن إطار تركيا. وانتهت إلى الإقرار بأن 8 أيار 1945، يوم استسلام الرايخ الهتلري، هو يوم تحريرها وليس يوم انتصار الحلفاء وحسب. وإذا كان عَرَض معاهدات فرساي هو قرين عرض معاهدة سيفر، وبمنزلته، فألمانيا دخلت أوروبا الفيديرالية بعد ان قبلت النزول عن 16 في المئة من أراضيها "التاريخية"، البسماركية. وهذه كانت "ألمانيا الصغيرة"، على ما نعى عليها آباء "نخب" الرايخ الثالث. والحق ان "عمق" وزير الخارجية التركي "الاستراتيجي" تخالطه أضغاث "عروبية تطفو حيناً وتختفي حيناً. وحين تزعم بعض برقيات "ويكيليكس" ان ديبلوماسياً أميركياً وصف وزير خارجية رجب طيب أردوغان ب "الخطير" فلعلها تبالغ قليلاً.

==========================

فرنسا على خط منع المس بالاستقرار وعمل المؤسسات

محادثات الأسد وساركوزي: لا أفق للمخاوف من مقايضات

روزانا بومنصف

النهار

5-12-2010

تثير زيارة الرئيس السوري بشار الاسد لباريس بعد أسبوع واحد على زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري لها ولقائه الرئيس نيكولا ساركوزي اسئلة لدى اللبنانيين في شكل خاص حول وساطة أو دور فرنسي يستكمل المساعي السعودية - السورية أو يلاقيها في مكان ما ويعطيها زخماً معيناً. وفي الوقت نفسه يثير لقاء ساركوزي - الاسد خشية ضمنية لدى أفرقاء لبنانيين يعتقدون أن فرنسا تهاونت مع دمشق بعد وصول الاول الى قصر الاليزيه على رغم تقدير الدور الذي اضطلع به في وضع سوريا العلاقات الديبلوماسية مع لبنان موضع التنفيذ، ولكن يعتقد بعض هؤلاء ان التعامل الفرنسي مع دمشق اتاح لهذه الاخيرة استعادة أوراق كثيرة لها في لبنان وان سعي فرنسا الى دور في استئناف المفاوضات بين سوريا واسرائيل يمكن أن يدفع الامور في اتجاهات معينة.

تفيد مصادر عليمة ان فرنسا ليست مشاركة في ما يبذل من مساع سورية - سعودية، وان موقفها ايجابي جداً على صعد عدة. ولا تنفي هذه المصادر ان الموقف الفرنسي ارتبك قبل بعض الوقت في ظل خشية كبيرة لدى باريس على قواتها العاملة في القوة الدولية في الجنوب بعد الاعتداءات التي تعرضت لها. الا ان هذا الموقف عاد فتماسك وأمكن "شدشدته" إذا صح التعبير. وقد أعلنت باريس في الآونة الاخيرة دعمها للبنان ومؤسساته والتزامها الصارم لعمل المحكمة الدولية فضلاً عن العلاقات الخاصة التي تربطها بلبنان وبرئيس الحكومة على وجه التحديد. وتفيد معلومات هذه المصادر ان مسار المحكمة يسير وفق ما هو مفترض بالنسبة الى باريس وان القرار الاتهامي سيصدر وهي تقف عند نقطتين اساسيتين من بين نقاط عدة أبلغتها الى زوارها اللبنانيين وستبلغها ايضاً الى الرئيس السوري باعتباره معنياً بالوضع اللبناني وبالتأثير على حلفائه في لبنان. احدى هاتين النقطتين تركز على منع المس بالاستقرار أياً يكن مضمون القرار الاتهامي. والنقطة الثانية تتصل بضرورة احياء عمل المؤسسات الدستورية اللبنانية من رئاسة الجمهورية الى رئاستي مجلس النواب والحكومة. إذ من المهم بالنسبة الى باريس ايجاد حلول للعناصر التي تعوق عمل هذه المؤسسات من دون الدخول في التفاصيل المتعلقة بما ترفعه قوى 8 آذار في ملف "شهود الزور" أو سواه. وهو كلام قيل صراحة لكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والعماد ميشال عون كما للرئيس الحريري.

والسؤال الذي قد يطرحه البعض يتصل بما إذا كان يمكن أن يمر أي شيء تحت عنوان منع الانفجار والتركيز على حماية الاستقرار، وهل يمكن أن يمر مثلاً بما يتعلق بالمحكمة؟

لا تعتقد المصادر المعنية ان الرئيس الفرنسي يمكن أن يدخل في خطوات من هذا النوع أولاً، لأن باريس متمسكة بالمحكمة وهي ليست مخولة لا من مجلس الأمن ولا من الحكومة اللبنانية أو الرئيس الحريري تحديداً السير بمثل هذه الخطوات. كما لا يعتقد ان أي كلام يمكن أن يتناول ماهية الخطوات ما قبل القرار الظني، فهذا الامر ليس مطروحاً.

وليس خافياً ان فرنسا تتطلع الى دور في عملية السلام في المنطقة وتحديداً على خط المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا التي تؤكد انها لا تزال تتمسك بالبوابة التركية لهذا الغرض على رغم انغلاقها نتيجة التوتر في العلاقة التركية الاسرائيلية. في حين ان الرئيس الفرنسي سبق ان عين السفير جان كلود كوسران موفداً خاصاً له الى المنطقة. وتالياً فإن هناك اهتماماً فرنسياً لا يمكن اغفاله في العلاقة مع سوريا من جهة في ظل تشجيع غربي لفرنسا على الاضطلاع بهذا الدور بعد التعثر المتجدد في العلاقات الاميركية - السورية ليس من أجل احراز تقدم ما في بعض الخطوات في المفاوضات السورية - الاسرائيلية، بل على خط استيعاب سوريا ومحاولة استعادتها نسبياً إذا أمكن في العلاقة مع ايران. وليس متوقعاً على نحو طبيعي أو بديهي الكسب في هذا الاطار لكن أي تطلع من هذا النوع لهذا المدخل لن يكون في مقابل ترضية للسوريين في لبنان نتيجة تأزم الوضع فيه. فحماية الاستقرار اللبناني والدفع بعملية السلام نقطتان محوريتان بالنسبة الى فرنسا. لكن ليس هناك كلاماً في المقابل على أي تسويات أو صفقات علماً انه يفترض أن هناك نقاط التقاء بين الفرنسيين والسوريين تتصل بأهمية الاستقرار في لبنان بالنسبة الى سوريا ايضاً وما تردده في هذا الاطار، لكن يعتقد ان سوريا قد تكون مهتمة ايضاً الى جانب الحد من احتمالات الفوضى في لبنان "بتقنين" النفوذ الايراني، إذا صح التعبير. وليس هناك من انطباعات تتصل باحتمال ان تشمل المحادثات السورية الفرنسية خطوات يتعين على الرئيس الحريري ان يتخذها أو أن تتحدث سوريا في شأنها بالنيابة عن ايران وحتى عن "حزب الله" في جوانب عدة.

==========================

المهاجرون المسلمون والغرب: إلى أبعد من مواجهات موضعية

المستقبل - الاحد 5 كانون الأول 2010

العدد 3849 - نوافذ - صفحة 11

علي ماجد

يوجد في ألمانيا 8 ملايين مهاجر، منهم 5,6 ملايين مسلم من أصول تركية وعربية، يؤمن الخدمات الدينية لهم 2500 إمام. عاش هؤلاء حتى الآن في ظل الإيديولوجيا الليبرالية القائمة على الاعتراف بالتعددية الثقافية في ألمانيا، مع المراهنة على تكامل المهاجرين مع المجتمع الألماني. ولكن، على ما يبدو، لم تبذل الحكومات الألمانية جهوداً كافية، على غرار ما فعلت جاراتها، للعمل على تحقيق اندماج المسلمين، ما أدى الى ظهور مشكلة جدية كبيرة على ألمانيا لإيجاد الحلول الملائمة والسريعة لها.

والمشكلة هذه قديمة، لكن الألمان اعتادوا الصمت كي لا يتهموا بالتعصب القومي وبالنازية الجديدة. وقد سلّط الضوء عليها تيلو سارانتسين في كتابه "ألمانيا تنتحر" حيث اكد أن تدفق المهاجرين المسلمين الى ألمانيا سوف يؤدي حتماً الى تضعضع مكانتها. وهم يرفضون التكامل مع المجتمع وتعلّم اللغة الألمانية، ولا يراعون القوانين وقواعد السلوك المحلية. ودعا الى تقييد نشاط المؤسسات الإسلامية.

وأدت مواقف سارانتسين الى ظهور انقسامات وخلافات واسعة داخل المجتمع والأحزاب وداخل الأوساط الثقافية أيضاً. وقد أيده 58 في المئة من الألمان الذين يخشون "الأسلمة الزاحفة" وبروز "عوالم متوازية" ونشوء ثقافة قادرة مستقبلاً على تقويض دعائم المجتمع الليبرالي الألماني.

وأعطى مواقفَ سارانتسين زخماً إضافياً الكاتبُ والمخرج رالف جوردانو المعارض لانتشار الثقافة الإسلامية في أوروبا. وهو يرى أن المشكلة الأساسية تكمن في صعوبة تلاقي الثقافتين الإسلامية والألمانية التي تملك طابعاً مسيحياً وعبرت من الفترة التاريخية المعتمة بواسطة عصر النهضة والثورات الاجتماعية والتعليم والتنوير، جاهدة في سبيل تطور المجتمع والقيم الليبرالية المتضمنة حرية الفرد والديموقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل. وفي المقابل فإن المعايير الثقافية الإسلامية، وبعد مرحلة قصيرة من الازدهار، عادت لتغرق في ركود أبوي عتيق متميز بخضوع مطلق للمسؤولين الدينيين، حيث يؤمن المسلمون بأن دينهم الإلهي هو الأفضل والأقدر على أن يكون وحده قانوناً شاملاً للبشرية، ما يجعلهم يديرون ظهورهم للأديان والثقافات والشرائع الأخرى.

وقد لجأ المسلمون في ألمانيا الى تكوين مجموعات سكانية منغلقة على ذاتها يمارسون فيها عاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم الدينية. وهم يمارسون العنف ضد المرأة، ويمنعون الفتيات من ارتياد المدارس، ويجبرون النساء على ارتداء الحجاب، ولا يحترمون القوانين والقواعد المختلفة، ومستوى التعليم لديهم متدنّ، وفتيانهم ميالون للعنف، ويمارس بعضهم تجارة المخدرات بشكل واسع.

الى ذلك تنتشر شبكات المتطرفين الإسلاميين على الأراضي الألمانية، والطيارون الذين نفذوا عمليات 11 أيلول 2001 في نيويورك تلقوا بعضاً من إعدادهم في ألمانيا. وكثير منهم يشارك في أفغانستان بالقتال ضد "الكفار".

وكان لا بد من مراعاة السلطة للاتجاهات الاجتماعية الناشئة. فقد اعترفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحليفها في الائتلاف الحاكم رئيس حكومة بافاريا خورست زيخوفر بموت نظرية التعددية الثقافية و"تكامل" المسلمين مع المجتمع الألماني.

وأصبحت الحاجة ماسة الى إيجاد قانون جديد للهجرة يساعد على حل المشكلة القائمة من خلال التشدد بشروطها، وفرض تعلّم اللغة الألمانية والإلمام بها وبالثقافة الألمانية، وفرض عقوبات على من لا يرغب بذلك، وصولاً الى إبعاده الى خارج البلاد، وتقييد الهجرة أو منعها من البلدان التي تختلف ثقافاتها عن الثقافة الألمانية. ورغم أن الرئيس الألماني كريستيان فولف المراعي لمواقف الليبراليين، أكد أن "الإسلام جزء من ألمانيا" وأنه لا يفترض بأحد التخلي عن "أصله وأصالته الثقافية"، إلاّ أنه في الوقت نفسه يرى تكامل المسلمين مع المجتمع الألماني ضرورياً.

والتكامل في ألمانيا لدى كثيرين لا يعني العيش معاً فحسب، بل على أساس دعائم القيم المشتركة والقانون الأساس للثقافة الألمانية ذات الجذور المتميزة بالروح المسيحية والنزعة الإنسانية والتنوّر. ومن علامات التوتر في العلاقات بين الألمان والمهاجرين المسلمين منع بناء مسجد كبير في كولونيا بتكاليف ضخمة وبمئذنة يبلغ طولها 54 متراً، مع أن العمل يجري لإعداد أئمة للمسلمين في ثلاث جامعات ألمانية.

وجراء العداء الألماني المتصاعد للمهاجرين المسلمين، وعدم رضى 37 في المئة منهم عن سياسة الحكومة في مجال تكامل المهاجرين، تراجعت شعبية الائتلاف الحاكم وحلفائه من 48,4 في المئة في عام 2009 الى 33 في المئة حالياً. وسياسة الهجرة المتبعة هي التي أدت الى تدعيم وضع المسلمين ووصول نسبة المهاجرين الى 10 في المئة من سكان ألمانيا.

وتشدُّد ميركل بنبرة عالية في موضوع تكامل المهاجرين المسلمين، يتميّز بشعبوية واضحة متصاعدة في ألمانيا، ويرمي الى الإمساك بيمين الوسط المعروف بحدة مواقفه تجاه القضايا المتعلقة بالهجرة، ووقف تأرجح كرسي الحكم تحتها، في ظل عدم معرفتها الى أين تقود حزبها الديموقراطي المسيحي. ومع أن الأوساط الاقتصادية تعترض على فرض قيود على الهجرة، فهناك نقص في عدد المهندسين والفنيين والعمال المهرة يصل الى 400 ألف شخص، يكلّف ألمانيا سنوياً 25 مليار يورو، أي ما يعادل 1 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، إضافة الى أن عدد الخارجين من ألمانيا منذ عام 2008 أكثر من عدد المهاجرين إليها.

ولا يساعد على حل مشكلة التكامل دعوة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان المسلمين في ألمانيا الى اندماجهم بالمجتمع الألماني لأنه "ضد الإنسانية".

ويمكن القول أنه في المجتمع والسياسة الألمانيين تحصل عمليات معقّدة. فالأزمة المالية الاقتصادية العالمية أضعفت ألمانيا التي بدأت تشعر بأنها عاجزة عن دعم نظامها الاجتماعي والمحافظة على مستواه السابق، وتأمين المساعدات المالية لبلدان الاتحاد الأوروبي المحتاجة. وازدادت المشاعر العدائية تجاه المهاجرين حيث الأموال اللازمة لتأمين الإعانات الاجتماعية أصبحت شحيحة، وفرص العمل، والمستقبل، فإن القناعة السائدة لدى غالبتيهم تقول بأن المهاجرين المسلمين يأتون الى ألمانيا للحصول على الإعانات الاجتماعية.

والمخاوف الأساسية الناشئة لدى الألمان مرتبطة بتكوّن أقلية اتنية ثقافية لا تتكامل مع المجتمع الألماني، وبإمكانها النمو ضاغطة على أفراده، وهم في كثير من المناطق أصبحوا أقلية محاصرة بالمسلمين وجوامعهم، وقد تصبح ألمانيا دولة مسلمة بحلول عام 2050. وبينما يرفع المسلمون رأسهم عالياً معلنين بدء الحرب من اجل النفوذ داخل المجتمع الألماني، يرى الألمان أنهم قد تأخروا في مواجهة تحدّ جدّي كبير.

لكن ليس منطقياً أو واقعياً تحميل المهاجرين وحدهم المسؤولية عن انعزالهم وعدم تكاملهم مع المجتمع الألماني، فالمشكلة الأساسية تكمن في إغلاق الأبواب الاجتماعية أمامهم، حيث يتميّز الألمان بدعم بعضهم بعضاً ويغلقون الأبواب أمام الآخرين، نظراً لقوة العنصر القومي لديهم.

ومن الصعب إيجاد عمل ليس للأتراك والعرب فحسب، بل وللروس والأوكرانيين أيضاً. والألمان يختلفون بذلك عن الفرنسيين الذين استقبلوا الجزائريين والمغاربة. ولا يوجد لدى الفرنسيين مفهوم "الثقافة القائدة" كالسائد في ألمانيا، والأديان تأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمية بعد علمانية الدولة. والوضع نفسه ينطبق على الباكستانيين والهنود في بريطانيا التي تركّز على أهمية التسامح الديني.

ولا ريبة في أن تحقيق أي نجاح في مجال تكامل المسلمين بالمجتمع الألماني يتطلب ليس إتقان اللغة الألمانية جيداً للانخراط في سوق العمل فحسب، والاعتراف بالثقافة الألمانية ودورها، بل وبالدرجة الأولى فتح أبواب العمل والوظيفة أمام المهاجرين ومنحهم فرصاً للترقّي حتى في وظائف الدولة.

وفي ظل مسؤولية كل الأحزاب الموجودة في البوندستاغ عن الإحباط من سياسة الهجرة وفشلها، فإن الحزب الديموقراطي المسيحي بقيادة ميركل ليس مضطراً للتزلّف أمام الناخب اليميني الراديكالي، وهو "طريق زلق جداً". والحزب هذا، بطرحه القضايا الدينية والثقافية للنقاش بصورة علنية، "يفرش سجادة حمراء" ليس لنفسه، بل لقوة جديدة اكثر يمينية منه. مع أن الجيل الحالي من السياسيين الألمان عاجز عن اتخاذ إجراءات قاسية بحق المهاجرين.

ورغم الاختلافات القائمة في المشكلة الإسلامية بين بلد أوروبي وآخر، إضافة الى روسيا والبلدان الغربية الأخرى كالولايات المتحدة وكندا، إلا أنه توجد قضايا مشتركة مهمة تقضّ مضاجع الجميع وتسبب لهم الخوف والقلق من المستقبل. والنقاش في فرنسا ما زال قائماً بشأن منع الحجاب الذي تبنته بلجيكا أيضاً. والسويسريون المسالمون الهادئون تكاتفوا جميعاً لمنع بناء مآذن الجوامع لديهم. وفي روسيا مع صعوبة اندماج المسلمين في المجتمع الروسي ورغم اتقان غالبيتهم اللغة الروسية، يزداد التوتر عندما تجري المحاولات لبناء مسجد على أرض صالحة لإقامة حديقة عامة، أو تذبح الخراف على الطرقات وفي الأحواش، أو يخرج المسلمون في أحد الأعياد في قلب موسكو بمظاهرة كبيرة هاتفين "الله أكبر"، أو تحصل عمليات إرهابية مدوية في موسكو أو القوقاز. وهكذا تتضافر العوامل الدينية والقومية لتأجيج الصراع بين الروس والمسلمين.

وقد كان لتفجيرات نيويورك في 11 أيلول 2001 ومقتل المخرج الهولندي تيو فان غوغ دور كبير في ازدياد قوة النزعة المعادية للإسلام والمهاجرين المسلمين في الدول الغربية، حيث أصبح الإسلام يربط بالتطرّف والإرهاب. والرعب من فقدان الشخصية الأوروبية، وعدم الثقة بالمهاجرين المسلمين، يجمعان الأوروبيين في إطار واحد لمواجهة المسألة هذه والمشاكل الناشئة عنها، حيث يلاحظ نمو شعبية الأحزاب اليمينية المعادية لهم.

والرعب هذا تبرره الإحصاءات المتوفرة التي تشير الى معدلات التكاثر السكاني المرتفعة لدى المهاجرين المسلمين مقارنة بالمعدلات الأوروبية والغربية التي تراوح في حدود 1,1 1,8 فقط و90 في المئة من مجموع الزيادة السكانية في أوروبا منذ عام 1990 حصلت جراء الهجرة الإسلامية إليها. وفي أوروبا حالياً 52 مليون مسلم، من المقدّر أن يصل عددهم الى 104 ملايين خلال 20 عاماً. وبعد 15 عاماً كل واحد من 3 أطفال أوروبيين سوف يكون مسلماً.

وفي فرنسا 30 في المئة من الذين تقلّ أعمارهم عن 20 سنة مسلمون، وفي بعض المدن ومنها باريس تصل النسبة الى 45 في المئة. وفي جنوب فرنسا أصبح عدد الجوامع أكثر من عدد الكنائس، إضافة الى أكثر من 1000 مسجد في فرنسا كان بعضها كنائس سابقاً. وبعد 17 عاماً سيكون واحد من كل خمسة فرنسيين مسلماً. وفي حدود عام 2050 قد تصبح فرنسا جمهورية إسلامية.

الى ذلك، فإن نسبة المواليد المسلمين في هولندا تبلغ 50 في المئة، وسوف يشكل المسلمون نصف عدد السكان خلال 15 عاماً. أما سكان بلجيكا من المسلمين فتبلغ نسبتهم 25 في المئة، ونسبة المواليد تصل الى 50 في المئة من المجموع.

ولا تشذ الولايات المتحدة عن القاعدة، فقد ارتفع عدد المسلمين لديها من 100 ألف شخص في عام 1970 الى أكثر من 9 ملايين شخص في عام 2008. وخلال 30 عاماً قد يصل هذا العدد الى 50 مليون شخص. روسيا أيضاً يبلغ عدد مسلميها 23 مليون شخص، أي أن واحداً من 6 أشخاص فيها مسلم، في ظل تراجع عدد السكان الروس من غير المسلمين، وارتفاع معدلات التكاثر السكاني لدى هؤلاء.

كل ذلك يحث الغربيين على ابتكار الحلول المناسبة لحل ما يرونه المشكلة المتفاقمة التي ستحدد مستقبل أوروبا ومصيرها، علماً أن الرئيس الليبي معمر القذافي اعتبر أن "الله سيهب المسلمين النصر في أوروبا من غير سيوف، أو بنادق، أو غزو"، في ظل تحوّلها الى قارة إسلامية. وهي مهددة دائماً بالعمليات الإرهابية للأصوليين المتطرفين.

==========================

التهدئة في شبه الجزيرة الكورية

بقلم :صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية

البيان

5-12-2010

من الواضح أن التوتر والعداء يهيمنان على شبه الجزيرة الكورية، في الوقت الحالي، وذلك عقب تبادل إطلاق نيران المدفعية الذي جرى بين شطري كوريا أخيراً. فإذا لم يتحرك المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات، فإن الوضع المحتقن قد يستمر في التصعيد في شبه الجزيرة الكورية.

وبتقدير الموقف من خلال العبارات المعادية بين الطرفين، يبدو أن الكوريتين تقتربان من حافة الحرب. فقد تعهد رئيس كوريا الجنوبية «لي ميونغ باك» أخيراً بجعل كوريا الشمالية «تدفع الثمن» عن «هجومها بالمدفعية غير الإنساني» على جزيرة حدودية مما أسفر عن مصرع أربعة أشخاص.

 

في غضون ذلك، نددت كوريا الشمالية بالتدريبات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، قائلة ان ذلك يجلب الحرب إلى شبه الجزيرة الكورية، وأنها مستعدة للقتال مرة أخرى. وفي ظل تكاثف رائحة البارود بشكل قوي، فإن التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في المياه الواقعة قبالة الساحل الغربي، قد زادت الوضع المتوتر في المنطقة.

 

لم تبذل كل من واشنطن وسيؤول أي جهد لإخفاء حقيقة أن التدريبات تهدف إلى ردع «بيونغ يانغ». وجاء في بيان للقوات الأميركية وصف التدريبات بأنها «دفاعية في طبيعتها»، القول إنها «تظهر قوة» التحالف بين سيؤول وواشنطن و«التزامهما بالاستقرار الإقليمي من خلال الردع».

 

إن وجود حاملة الطائرات الأميركية «جورج واشنطن»، التي تعمل بالطاقة النووية، في ميدان التدريبات العسكرية يعتبر إظهاراً صارخاً للقوة، ويرسل إشارة واضحة برغبة العسكريين الأميركيين في إحراز التفوق في المنطقة.

 

في ظل هذه الظروف، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذ موقف المتفرج، ذلك أن تفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية لا يهدد السلام والاستقرار في شمال شرق آسيا وحدها، وإنما يهدد السلام العالمي أيضاً.

 

يتعين على أن الأطراف المعنية الالتزام بضبط النفس إلى اقصى درجة، وبذل قصارى جهدها للتخفيف من حدة التوترات. وأي تحرك متهور أو استفزازي سوف يضر بالسلام في شبه الجزيرة. أما الصين، بوصفها جارة قريبة للكوريتين، فإنها تشعر بقلق عميق إزاء تصاعد التوتر في شبه الجزيرة، حيث أجرت عدة جولات من المشاورات الدبلوماسية.

 

وتسعى الصين إلى التخفيف من حدة الوضع في أقرب وقت ممكن، والحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة. وقد عرضت أخيراً، اقتراحاً بمشاورات طارئة بين رؤساء الوفود من أجل إجراء المحادثات سداسية الأطراف قريباً.

 

والاجتماع المقترح، رغم أنه ليس استئنافاً للمحادثات سداسية الأطراف، فسوف يوفر منبراً للأطراف المعنية من أجل الجلوس وتبادل وجهات النظر.تنعقد الآمال على أن تبذل الأطراف المعنية جهوداً مشتركة لضمان استئناف مبكر للمفاوضات، والبحث عن حلول للوضع الحالي المثير للقلق في شبه الجزيرة.

==========================

التناقضات الصينية في التعامل مع كوريا الشمالية

آخر تحديث:الأحد ,05/12/2010

تشو فينغ

الخليج

إن البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي نشرها “ويكيليكس” والتي كتبت أثناء الفترة 2004-،2010 تحتوي على قدر كبير من المواد عن السياسة التي تنتهجها الصين في التعامل مع كوريا الشمالية . ومن المفترض أن هذه التسريبات تكشف عن استعداد الصين لقبول إعادة توحيد شطري كوريا لمصلحة كوريا الجنوبية . والواقع أن هذا الاقتراح يجافي العقل تماماً لأنه يتناقض على نحو صارخ مع تصرفات الصين التي امتنعت عن إدانة كوريا الشمالية علناً عندما أغرقت السفينة الحربية الكورية الجنوبية تشيونان في مارس/آذار، أو عندما قصفت مدفعيتها جزيرة يونبيونغ الكورية الجنوبية مؤخراً .

 

على نحو مماثل، وبدلاً من مطالبة كوريا الشمالية بالكف عن ممارسة سياسة حافة الهاوية، دعا قادة الصين إلى عقد مشاورات طارئة تضم الولايات المتحدة واليابان وروسيا والصين والأمم المتحدة وكوريا الشمالية . ولا يشير أي من هذه التصرفات إلى استعداد الصين لإرغام النظام الكوري الشمالي على دفع الثمن الذي يتوجب عليه أن يدفعه عن استفزازاته .

 

لماذا، إذاً لا تتحرك الصين بشكل أكثر حسماً لكبح جماح كوريا الشمالية؟ وفقاً للرأي التقليدي السائد فإن الصين لا ترغب في خسارة كوريا الشمالية بوصفها حاجزاً بينها وبين القوات العسكرية المتمركزة في كوريا الجنوبية . وهذا يعني أن الصين تفعل ما يتوجب عليها حين تدعم أسرة كيم في منع إعادة توحيد شطري كوريا بشروط تمليها كوريا الجنوبية . والواقع أن الجدال من منظور الصين لا يدور حقاً حول إعادة توحيد شطري كوريا، حيث تتكهن قِلة قليلة في بكين بأن تأتي لعبة النهاية خلافاً لذلك، بل يدور حول مدى إعادة التوحيد الذي يمكن إنجازه من دون الإضرار بالشواغل الأمنية الصينية .

 

وفي كل مرة تقوم كوريا الشمالية بعمل استفزازي، اختبار قنابل نووية، أو إطلاق صواريخ أو تعزيز مرافقها السرية لتخصيب اليورانيوم أو قتل الجنود والمدنيين في كوريا الجنوبية، فإن الصين تقع تحت ضغوط دبلوماسية عنيفة . وبالتالي فإن ترددها المزمن في التعامل مع كوريا الشمالية، وعدم استعدادها لاستخدام نفوذها، وبالتالي توفير الحماية لحليفتها الاشتراكية، كل ذلك يكشف للعالم أجمع هوس الصين في حماية مصالحها الضيقة .

 

ولكن هذه المصالح يصعب قياسها كمّياً . ذلك لأن حجم تجارة الصين مع كوريا الجنوبية يبلغ سبعين ضعف حجم تجارتها مع كوريا الشمالية . وهذا يعني أن الصين، لو كانت حقاً قوة تجارية بحتة كما يحاول الكثيرون في الغرب تصويرها، فلابد أن تميل بشدة نحو الجنوب .

 

فضلاً عن ذلك، فإن الصين ليست لديها مصلحة في إذكاء نار “حرب باردة جديدة” في شرق آسيا، لذا فإنها لابد أن تكون متحمسة لقضية نزع السلاح النووي، وبالتالي الاضطلاع بدور أكبر في الحد من سياسات كوريا الشمالية النووية . والمفارقة العجيبة هنا أن تردد الصين أدى إلى تحريض مخاوف أشبه بمخاوف الحرب الباردة في كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة . بل إن كوريا الجنوبية تسعى الآن إلى إقامة علاقات دفاعية أكثر عمقاً مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تعزيز تعاونها السياسي والدفاعي مع اليابان، وذلك في ضوء انعدام ثقتها باستعداد الصين أو رغبتها في كبح جماح كوريا الشمالية .

 

وإذا فشلت كوريا الشمالية في ضبط تصرفاتها، واستمرت الصين في تدليل هذه الدولة الخطرة المسلحة نووياً، فإن التنافس الاستراتيجي في مختلف أنحاء شرق آسيا قد يعيد إلى الحياة محور واشنطن-طوكيو-سيؤول في مواجهة تحالف الصين-كوريا الشمالية . ومن غير المستغرب أن يكون هذا الاحتمال غير مريح للصين على الإطلاق .

 

ورغم ذلك، فإن الصين تبدو كأنها تغض الطرف عن الأمر برمته . ومن المؤسف أن الإيديولوجية التي تتبناها الصين والتي عفا عليها الزمن تؤدي دوراً رئيساً في هذا السياق . فرغم أن الصين تزعم أنها “طبعت العلاقات” مع كوريا الشمالية في عام ،2009 فإن سياساتها ومواقفها في التعامل مع الشمال تظل قائمة على شكل مَرَضي من أشكال الشراكة . على سبيل المثال، في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وفي الذكرى الستين لبداية الحرب الكورية، ذهب نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ (الخليفة المرجح للرئيس هو جين تاو) إلى وصف ذلك الصراع بالكفاح المجيد ضد “الغزو الذي بدأته الولايات المتحدة” .

 

والواقع أن أغلب الصينيين لا يحبون نظام كيم جونغ إل الأسَري اللينيني . ولقد تباعدت الشقة بين البلدين إلى حد كبير في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ومع ذلك يظل قادة الصين عاجزين عن التخلي عن كوريا الشمالية، مهما كان سلوكها . ذلك لأن قيمهم الدبلوماسية تشكلت بما يتفق مع التأكيد الرسمي على التعاطف مع الطرف الضعيف في أي صراع يخوضه ضد القوي، وبما تبقى من ملامح الزمالة مع الشمال وهو في الحقيقة الطرف الأضعف بين المشاركين في المفاوضات السداسية بشأن التسلح النووي في كوريا الشمالية الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، والصين، وروسيا، واليابان .

 

وفي النهاية، فإن الغضب الذي تبديه الصين إزاء تصرفات كوريا الشمالية يتراجع أمام رفضها الاضطلاع بأي دور في زوال جارتها وحليفتها ذات يوم . ولقد أخبرني أكثر من مسؤول صيني عما يحمله من مودة قلبية لشعب كوريا الشمالية . ويدرك قادة الصين أن كوريا الشمالية تشكل عبئاً ثقيلاً عليهم، ولكنهم كمثل الأبوين المحبين لابنهم العاق الذي لا يستطيعان أن يحملا نفسيهما على التبرؤ منه .

 

والواقع أن هذا الارتباط العاطفي، جنباً إلى جنب مع الحب البيروقراطي المعتاد للوضع الراهن، يشكل السبب الحقيقي وراء فشل الصين في إصلاح سياساتها في التعامل مع كوريا الشمالية . وكلما اندلعت أزمة فإن الصين تستشيط غضباً ولكنها تعود إلى نفس الخطوات القديمة بدلاً من السعي إلى سلوك مسار جديد .

 

إن سياسة الصين في التعامل مع كوريا الشمالية يهيمن عليها الجمود وليس الحساسية لمصالحها الوطنية الخاصة . ولا أريد بهذا أن أقول إن سياسة الصين في التعامل مع كوريا الشمالية لن تتغير أبداً . ولكن التغيير سوف يتطلب من قادة الصين أن يجدوا سبيلاً إلى الخروج من هذه الحالة النفسية المتناقضة .

 

ومما يدعو إلى التفاؤل أن الفكر الصيني في التعامل مع كوريا الشمالية في الوقت الحاضر لم يعد متجانساً . بل إن هذه المسألة هي أكثر قضايا السياسة الخارجية إحداثاً للانقسام بين أهل النخبة في الصين . ونظراً لقدرة كوريا الشمالية على تخويف الصين بسبب قربها الجغرافي واحتمالات حدوث انهيار مفاجئ (بكل ما يترتب على ذلك من عواقب أمنية، بما في ذلك تدفق اللاجئين عبر الحدود) فمن المرجح أن يستمر هذا الانقسام في النمو .

 

ونتيجة لهذا فإن حسابات الصين في التعامل مع كوريا الشمالية سوف تظل معقدة، حتى في ظل تصاعد المخاطر التي يفرضها سلوكها على الصين . إن المخاوف الصينية قابلة للعلاج من خلال قدر أعظم من التعاون الدولي، ولكن الصين لابد أن تكون على استعداد للتعاون أيضاً، وكما شهدنا مرة أخرى في الأيام الأخيرة، فمن غير المحتمل أن تنجح أي محاولة لإرغامها على الخروج من حالة التردد هذه . ولن يتأتى هذا إلا حين تفتح الصين عينيها فتدرك الإمكانات الحقيقية والإيجابية التي يشتمل عليها مثل هذا التعاون .

نائب مدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في جامعة بكين . والمقال ينشر بالاتفاق مع “بروجيكت سنديكيت”

==========================

زلزال دبلوماسي على مقياس ويكيليكس

آخر تحديث:الأحد ,05/12/2010

خليل حسين

الخليج

بصرف النظر عن إمكانية تورط الإدارة الأمريكية من عدمه بنشر وثائق تعتبر حساسة في تاريخ نشرها، ثمة أسئلة وتداعيات كثيرة تدور بمجملها حول خلفية التوقيت وانتقائية الوثائق المنشورة . لاسيما أن هذه الدفعة الثانية التي شملت مروحة واسعة لجهة السياسات المستهدفة أم لجهة الأشخاص القيمين عليها أو الذين شاركوا في تحديد معالمها الفضائحية إذا جاز التعبير .

 

فالربع مليون وثيقة ليس وحده كافياً لتظهير صورٍ رمزية تحاول الإدارة الأمريكية إبرازها في الواقع السياسي الدبلوماسي العالمي، في وقت تعاني هي نفسها من تداعياتها السلبية . فبصرف النظر أيضا عن دقة وصحة ما جاء فيها، فهي مشاركة بشكل أو بآخر في تركيب وتكييف أطرها السياسية العامة والخاصة في آن معا،ولكن واللافت في الأمر أن إخراج هذه الوثائق إلى النور رغم حداثة سنها يعتبر مفارقة في التعامل الأمريكي وغير الأمريكي في ضرب أعراف دبلوماسية متعارف عليها، مفادها إخراج الوثائق إلى العلن بعد مضي عقود طويلة على أحداثها . ما يعني ان الأمر يتعدى الشفافية وهي مسألة ليست بالضرورة أمراً متعلقاً بالشهامة السياسية غير الواردة أصلا في هذا المقام .

 

فالوثائق الفضائحية طالت غير موقع سياسي وفي الوقت الذي تحتاج جميعها مزيداً من عمليات التستّر على سلوكها السياسي في علاقاتها الدولية والإقليمية، وكأن في هذه الوثائق ما جاء ليصب الزيت على النار، ويجعل هذه المواقع وقودا لإشعال فتن وحروب وتأليب دول بعضها على بعض .

 

فبينما يشهد الشرق الأوسط برمته حراكاً قوياً ولافتاً لاستيعاب أزمة لبنان وقرار المحكمة الظني، جاءت بعض هذه الوثائق لتباعد بين أطراف أساسيين في كثير من الملفات اللبنانية، فالتقارب السعودي الإيراني معطوفاً على السوري أيضاً، وكذلك الحراك القطري التركي، يحتاج إلى المزيد من الحياكات السياسية الهادئة لإخراج لبنان من أزمته، أتت تسريبات الوثائق لتستهدف هذا الحراك وهذه المحاولات .علاوة على إطلاق العنان لمخيلة الكثيرين للسباحة في ما يفترض من إسرار المواقف والسياسات التي أعلن عنها .

 

إضافة إلى ذلك، ثمة خلفيات غير بريئة للتوقيت الحالي وبخاصة تجاه بعض المواقف الخليجية نحو إيران، فالأمر بالطبع ليس حباً بطهران ولا غراماً أمريكياً بالمواقف الخليجية، بقدر ما هو تسليط الضوء على مواقف سياسية يمكن ان تستخدم في تأليب الأوضاع الداخلية لبعض هذه الدول،وبخاصة في ظل الوضع الخاص لبعضها .

 

وكما كان التركيز في الموجة الوثائقية السابقة، كذلك الحالية التي طالت هذه المرة جانباً شخصياً لكثير من الحكام والمسؤولين، وهي سابقة لافتة في التعامل السياسي والدبلوماسي الدولي لأشخاص لا زالوا يشغلون مناصب كبيرة في دولهم . وكأن كثيراً من المحرمات باتت قاب قوسين أو أدنى لتبديل أساليب التعامل معها .

 

لا شك أن لهذا الأسلوب من النشر تداعيات خطيرة على دول ومواقع كثيرة، من بينها إرباك دول كثيرة في علاقاتها الإقليمية والدولية، كما ستشكل سوابق جديدة في التعامل مع كثير من المراسلات والبرقيات السياسية والدبلوماسية، بحيث من الممكن أن تعود للظهور مجدداً سياسات الدبلوماسية السرية بعدما دفع جهد كبير في السابق لتخطيها والابتعاد عنها قدر الإمكان، الأمر الذي يمكن ان يتسبب بإشعال حروب وصراعات ونزاعات لا يعرف أحد نتائجها ونهاياتها .

 

من الطبيعي ان تكون للدبلوماسية العلنية مساحات أوسع وأعمق في الحياة السياسية الدولية وبخاصة في الفترات الصعبة، إلا أن نجاحها يتوقف على كثير من العوامل من بينها احترام المواقف السياسية لأصحابها وعدم محاولة استغلالها بطرق رخيصة، كما الابتعاد عن التشهير في القضايا الشخصية التي لها بالغ الأثر في الحياة السياسية لمن يتولون الأمر والنهي .

 

بالطبع ثمة ملايين الوثائق السرية المهمة التي مضى عليها عقود وعقود، لم تكشف بعد، وهي متعلقة بكثير من قضايانا نحن العرب والمسلمين، فهل سيتجرأ، من يعنيهم الأمر ويكشفون عنها، بالتأكيد لن يحصل ذلك يوماً، وجل ما يمكن أن يكشف عنه سيل من الوثائق المليونية وان أدانت من كشفها، تبقى الوجهة الحقيقية لأهدافها ليس نشر الوثائق بل نشر بيئة الفوضى الخلاقة التي ستساعد بالتأكيد على مراكمة عشرات الألوف بل الملايين من الوثائق الأخرى التي ستكون جاهزة وتحت الطلب للكشف عنها عندما تحين فرص الدسائس وإطلاق النزاعات والحروب والصراعات .

 

 نحن في هذا الشرق العربي، بحاجة إلى مزيد من الشفافية والوضوح في علاقتنا مع أنفسنا ومع غيرنا، عندها وعندها فقط لا تنفع تسريبات مثل تلك الوثائق ولا غيرها ان وجدت، فهل نعقل ويعقلون ذلك، ربما الإجابة عن ذلك يتطلب نشر وثائق أخرى أكثر حراجة وأسى، تتسبب بزلازل لن ينجو الكثير من تردداتها وتداعياتها! .

أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

==========================

ملاحظات من وحي الانتخابات المصرية

الأحد, 05 ديسيمبر 2010

خالد الدخيل *

الحياة

من بين أخطر ما يمكن أن تقترفه الطبقة الحاكمة في حق نفسها، وحق الدولة التي تتربع على سدتها، أن تسن قانوناً لتداول السلطة، ثم تتجاهله، أو تحيله إلى مجرد صورة قانونية مفرغة من مضامينها وضوابطها القانونية، أو تكون أول من ينتهكه لتفقده هيبته، وإلزاميته للجميع. قانون الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية مثال على ذلك. في العالم العربي أصبح من المعروف والشائع الآن أن الانتخابات الرئاسية هي في ظاهرها لتأمين التداول السلمي والديموقراطي للسلطة. في حين أنها في حقيقتها وفي نتائجها النهائية ليست أكثر من آليات سياسية لتأمين أن يخلف الرئيس نفسه مرة بعد أخرى. وهو ما يحدث في كل الجمهوريات العربية تقريباً. الانتخابات البرلمانية هي الأخرى آلية سياسية يفترض أن تخضع لقانون ينظم التداول السلمي لسلطة المؤسسة التشريعية للدولة. لكنها ليست كذلك في العالم العربي أيضاً. وهو ما يقودنا مباشرة إلى الانتخابات «البرلمانية» في مصر التي انتهت دورتها الأولى الأحد الماضي، وتبدأ دورتها الثانية اليوم.

مهما تكن الزاوية التي يمكن النظر من خلالها إلى هذه الانتخابات، ونتيجة دورتها الأولى، فإنه لا يمكن تفادي ما أصبح واضحاً لكل مراقب، وهو أنها لم تكن في مجرياتها ولا في نتائجها انتخابات حقيقية احتكمت إلى قانون، والتزمت بالحد الأدنى من الشفافية والعدالة مع كل المرشحين، وقبل ذلك مع الناخب، أو المواطن المصري، وحقه في أن ينتخب من يرى أنه يمثله بعيداً عن إكراهات السلطة وإغراءات المال. امتلأت أخبار هذه الانتخابات بالكثير من أنواع التزوير، والعنف، والتلاعب بأصوات الناخبين. وبغض النظر عن دقة وحجم هذه التجاوزات، فإن هناك ثلاثة مؤشرات تؤكد أن الانتخابات لم تكن كما ينبغي لها أن تكون. فنسبة المشاركة في هذه الانتخابات كانت متدنية جداً. يقول البعض أنها لم تتجاوز 35 في المئة، وهي نسبة قياسية في تدنيها. المؤشر الآخر أن الحزب الحاكم فاز في الدورة الأولى بنسبة مرتفعة من مقاعد المجلس، تجاوزت 91 في المئة. وهذه نسبة تثير بذاتها الدهشة، وتطرح أكثر من سؤال حول الانتخابات، والطريقة التي أجريت بها. وهي نسبة تذكّر بنتائج الانتخابات الرئاسية العربية. وتزداد الدهشة أمام المؤشر الثالث، وهو أن ال9 في المئة الباقية من مقاعد الدورة الأولى توزعت بين المعارضين والمستقلين، وأن الفئة الأخيرة تنتمي في الواقع الى الحزب الوطني الحاكم. لم يكن مفاجئاً أمام هذه النتيجة أن قرر كل من حزب الوفد وحزب التجمع والحزب الناصري، مقاطعة الدورة الثانية من الانتخابات، ما يعني أن الحزب الوطني الحاكم سوف يسيطر على البرلمان تماماً، ومن دون معارضة.

وعندما لا تكون هناك معارضة في المؤسسة التشريعية فهي تعني واحداً من اثنين لا ثالث لهما: إما أنه لم تكن هناك انتخابات، أو أن هذه الانتخابات صممت بطريقة لا تسمح إلا لمرشحي الحزب الحاكم باكتساحها من الدورة الأولى، وترك بعض المقاعد لمن ترشح من خارج هذا الحزب. كان من الواضح حتى قبل أن تبدأ الانتخابات بأن إبعاد جماعة «الإخوان» عن البرلمان، وعدم تكرار ما حققوه من نجاح في انتخابات 2006، هو الهدف. وهو ما تحقق بالفعل. ليس مهماً في هذا الإطار أن نتفق مع «الإخوان»، أو مع الخطاب الديني الذي يأخذون به. الأهم هو أن تحتفظ القوانين، وأن يحتفظ منطق الدولة بما يستحقه من احترام، وأن تكفل هذه القوانين حق المشاركة السياسية للجميع، ضمن حدود وضوابط القانون. وحقيقة أن الملاحقات الأمنية ل «الإخوان» طوال السنوات الماضية لم تؤد إلى إضعافهم، ولم تساعد النظام السياسي على الاطمئنان إلى تأمين إنتخابات تتوفر على الحد الأدنى من النزاهة والشفافية، وهو مؤشر ليس في صالح الحزب الحاكم، ولا في صالح الدولة المصرية. وأمام ذلك يبرز السؤال: لماذا إذن كان هناك قانون انتخابات برلمانية، إذا كانت النية معقودة على أن نتيجة هذه الانتخابات ستكون دائماً معروفة سلفاً؟ ولماذا سنّ مثل هذا القانون ليتم في الأخير إضعافه وتهميشه مع الوقت؟ أليس من الواضح بداهة أن إضعاف قوانين الدولة ومؤسساتها هو إضعاف للدولة نفسها؟!

قبل الانتخابات كان قادة الحزب الوطني يردون على مخاوف البعض من تكرار العنف والتزوير، ومحاولات الحزب إقصاء المعارضين، وتقليص مشاركتهم إلى أصغر حد ممكن، بالقول بأن تغيراً استراتيجياً قد حصل في نظرة الحزب لنفسه، وللنظام السياسي في مصر بعد عام 2005. قبل هذا العام، يقول هؤلاء، صحيح أن سياسة الحزب لم تكن تتسع لفكرة التعددية الحزبية، وأنه كان بالفعل يعمل على الاستئثار بالسلطة. أما بعد عام 2005 فقد تخلى الحزب عن هذه الفكرة تماماً، وأصبحت قياداته على قناعة تامة بأن التعددية الحزبية هي لمصلحة الحزب، ومصلحة النظام السياسي في شكل عام. ثم جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة لتضفي ظلالاً من الشك الكثيف حول هذه الطروحات. هل كان هؤلاء يحاولون تهيئة الرأي العام للنتائج المتوقعة؟ أم كانوا يحاولون تهدئة روع المعارضة قبل الانتخابات؟ توحي نتائج الانتخابات وكأن الحزب الحاكم قد عاد بالنظام السياسي إلى سبعينات القرن الماضي، أو مرحلة المنابر التي أطلقها الرئيس الراحل أنور السادات، والتي مهدت لمرحلة الأحزاب.

إذا كان القانون هو روح الدولة الذي يحركها، ويؤطر ممارساتها، فإنه لم يعد خافياً بأن من المخاطر البينة للممارسات التي تنتهك هذا القانون، وتقفز على حدوده وضوابطه، أن شرعية الدولة تتآكل مع الوقت في الداخل، وفي الخارج تضعف هذه الدولة، ويتراجع دورها حتى في الإقليم الذي تنتمي إليه. هذا من حيث المبدأ العام. أما من حيث الواقع العربي القائم حالياً، فإن الملاحظة التي تبرز في الحالة المصرية تحديداً، هي أن تراجع الدور المصري في المنطقة يكاد أن يتزامن تماماً مع تبني الآلية الانتخابية للرئاسة والبرلمان، مع عدم الالتزام بالمقتضيات القانونية لهذه الآلية. من ناحية أخرى، تبنت جمهوريات عربية أخرى، مثل ليبيا وسورية، لآلية انتخابية مشابهة، ومع انتهاكات وتجاوزات أكبر بكثير مما يحصل في مصر. هل كانت النتيجة بالنسبة الى معيار ضعف الدولة أو قوتها في الحالتين الليبية والسورية، كما كانت في الحالة المصرية؟ على السطح قد يبدو الأمر كذلك، لكن في العمق قد لا يكون الأمر كما يبدو عليه. في مصر هناك هامش واسع من حرية التعبير والحركة أمام المعارضة. لا وجود لهذا الهامش في سورية وليبيا، لأنه ببساطة ليست هناك معارضة في هاتين الدولتين، ولا يسمح بمثل هذه المعارضة أصلاً. والحقيقة أن في ليبيا وفي سورية هناك استفتاء تسيطر الأجهزة الأمنية للدولة على كل محطاته، والنتيجة النهائية التي تعلنها وزارة الداخلية هي الكلمة الفصل والنهائية حول الموضوع، حتى موعد الاستفتاء المقبل. من هنا ليست هناك في هاتين الدولتين مادة إخبارية احتجاجية يمكن تداولها. في الحالة المصرية، الأمر على العكس من ذلك.

تعكس هاتان الحالتان جزءاً مهماً عن الوضع السياسي العربي. فإذا كان الأمن في ليبيا وسورية، مثلاً، هو الإطار الذي تتحرك ضمن حدوده الصارمة عملية سياسية محدودة جداً، نجد أن المجال السياسي في مصر أوسع، لكن من دون الجرأة إلى حد الاستغناء عن اليد الأمنية لضمان عدم اندفاع المعارضة لتجاوز حدود هذا المجال السياسي. بعبارة أخرى، هناك حالة أمنية متجهمة تجعل أي هامش سياسي معقولاً، في مقابل حالة سياسية مترددة تجعل الوطأة الأمنية مقبولة. لكن إلى أي حد؟ هذا على الأرجح السبب الأكثر أهمية من غيره في أن الدولة العربية، إذا جازت تسميتها كذلك، أصبحت رهينة دورها الذي فرضته داخلياً على نفسها، ولا تستطيع تجاوزه أو تطويره. القيود التي تضعها الدولة على نفسها في الداخل نتيجة لجمودها السياسي والقانوني، تسببت في أن بقي دورها في السياسة الخارجية يفتقر للحيوية والحركة والتطور. وذلك انطلاقاً من القاعدة التي تقول بأن السياسة الخارجية للدولة هي بشكل أو بآخر امتداد لسياستها الداخلية. قارن في هذه الحالة المكتسبات السياسية الإسرائيلية، وهي دولة طارئة، استيطانية وغير طبيعية، على مدى نصف القرن الماضي، مع التراجعات السياسية الكبيرة للدول العربية، وهي دول طبيعية ولها امتداد تاريخي عميق. إلى أي حد يعكس تعامل الدولة مع قوانينها وأنظمتها حالتها السياسية، وثقلها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

==========================

من «هبة البراق» إلى جهل الخارجية الأميركية بالتاريخ

بلال الحسن

الشرق الاوسط

5-12-2010

في أواخر الشهر الماضي، كتب المتوكل طه وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية في رام الله، مقالة موجزة عن (حائط البراق) الذي يسميه اليهود (حائط المبكى)، ذكر فيه أن حائط البراق هو الجدار الغربي للمسجد الأقصى، والذي يدعي الاحتلال الصهيوني ملكيته زورا وبهتانا. وقال: «إن حائط البراق هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى ومن الحرم القدسي الشريف، وهو وقف إسلامي لعائلة بومدين المغاربية المسلمة». ونشر المقال في الموقع الرسمي لوزارة الإعلام.

وما هي إلا أيام، حتى تحولت هذه المقالة إلى قصة وقضية، وأصبحت المقالة بقدرة قادر مسألة دولية. وبادرت الولايات المتحدة إلى إدانة المقالة، معتبرة أنها قضية سياسية خطيرة. وتجاهلت ردود الفعل، وخاصة ردود الفعل الأميركية، أن مسألة حائط البراق هي مسألة تاريخية، وصدرت بشأنها قرارات وتوصيات. وانحازت أميركا بموقفها إلى جانب إسرائيل بالكامل، بل ووجهت لوما قاسيا للفلسطينيين.

وقد تتالت ردود الفعل على هذه المقالة كما يلي:

أولا: طالب مارك ريجيف (12/1/2010)، وهو المتحدث الرسمي باسم رئاسة الوزراء الإسرائيلية، بإزالة المقال من موقع الوزارة الفلسطينية، معللا طلبه هذا بأن المقالة تحريضية، وأنها تؤكد إسلامية حائط البراق. وطالب ريجيف الرئيس عباس ورئيس الوزراء سلام فياض بمحاسبة الكاتب بذريعة تحريضه على العنف (!!). وذهب ريجيف في موقفه هذا إلى ما هو أبعد فقال: «إن مقالة المتوكل تثير تساؤلات حول التزام الحكومة الفلسطينية بعملية السلام». حتى إنه قال إن المقالة تشكك في العلاقة التي تربط اليهود بالقدس وبأرض إسرائيل.

ثانيا: لم تمض سوى ساعات قليلة على هذا التصريح الإسرائيلي، حتى بادر «بي جي كراولي»، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، إلى عقد مؤتمر صحافي قال فيه: «نحن ندين بشدة هذه التصريحات (المقال)، ونرفضها رفضا تاما بوصفها خاطئة من منظور الوقائع (!!)، ولا تراعي أحاسيس الآخرين، واستفزازية للغاية». وقال كراولي أيضا: «لقد ناقشنا مرارا مع السلطة الفلسطينية ضرورة مكافحة كافة أشكال نزع الشرعية عن إسرائيل، بما في ذلك الارتباط اليهودي التاريخي بالأرض (أرض فلسطين)».

ثالثا: اتسع نطاق رد الفعل الأميركي الرسمي، فشارك فيه رجال البرلمان، وقال هاورد بيرمان، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إنه يدين بشدة هذه المقالة، وإن الرئيس عباس ورئيس الوزراء سلام فياض يعرفان الأهمية الروحية للحائط الغربي لدى اليهود في العالم، وإنكار العلاقة اليهودية بالحائط الغربي هو عمل استفزازي متعمد (من أنكر هذه العلاقة؟!).

تتضمن هذه الأقوال أخطاء سياسية كثيرة، وخاصة الأقوال الأميركية، وإذا كان من الممكن أن نتفهم رد فعل المسؤول الإسرائيلي ريجيف، الذي يروج لسياسة وزارة نتنياهو، فإنه من المستحيل أن نتفهم رد الفعل الأميركي الرسمي، الذي يطلب من الفلسطينيين أن يكونوا يهودا وإسرائيليين في معتقداتهم وفي آرائهم السياسية! فالسيد كراولي ينحاز إلى إسرائيل وينكر توجه مقالة المتوكل نحو القول بإسلامية حائط البراق. لا، بل إن السيد كراولي يدعو الفلسطينيين إلى أن يكونوا إسرائيليين ويهودا أصوليين، فيؤمنوا بما يؤمن به هؤلاء من علاقة خاصة تربط اليهود بأرض إسرائيل تاريخيا، فينكروا بذلك الرواية الفلسطينية والعربية حول القدس وأرض فلسطين.

ولا ندري ما إذا كان السيد كراولي يعرف أن مدينة القدس احتلت إسرائيليا عام 1967. ولا ندري إذا كان يعرف أيضا أن إسرائيل أعلنت في ذلك العام ضم القدس رسميا إلى دولة إسرائيل، خلافا حتى للقانون الدولي الذي يمنع ضم الأراضي المحتلة أو تغيير صفتها، وهو القانون الدولي الذي يدعي المسؤولون الأميركيون حرصهم عليه. ولا ندري أيضا إذا كان السيد كراولي يعرف أن بلده، أي الولايات المتحدة الأميركية، لم تعترف رسميا حتى الآن بقرار إسرائيل ضم مدينة القدس إلى أراضيها. وفي ضوء ذلك، فإن موقفه المعلن يصبح مستهجنا جدا حين يقول: «لقد ناقشنا مرارا مع السلطة الفلسطينية ضرورة مكافحة كافة أشكال نزع الشرعية عن إسرائيل، بما في ذلك إنكار الارتباط اليهودي التاريخي بالأرض».

ولكن الأخطاء الأميركية الفادحة لا تقف عند هذا الحد، بل تتعدى ذلك إلى الجهل التاريخي. ويكفي أن نذكر بإيجاز هنا شيئا من الوقائع التاريخية المعلنة والرسمية:

شهدت فلسطين في عام 1929 ثورة شعبية عرفت باسم (هبّة البراق)، بدأت في القدس وامتدت إلى أكثر من مدينة، وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى من الفلسطينيين ومن اليهود المهاجرين، وكانت الثورة من القوة بحيث أثارت اهتماما لدى حكومة الانتداب على فلسطين (بريطانيا)، ثم أثارت اهتماما لدى المؤسسات الدولية.

تمثل الاهتمام البريطاني بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ما حدث، ترأَّسها السير والتر شو، وعرفت باسم (لجنة شو). وصلت اللجنة إلى فلسطين في 23/9/1929، والتقت مندوبين عن العرب واليهود، واستمعت إلى شهادات أشخاص كثيرين، وتسلمت وثائق رسمية، ثم أوصت بتشكيل لجنة دولية لتحديد حقوق العرب واليهود في حائط البراق.

وافقت (عصبة الأمم)، وهي التي تحولت في ما بعد إلى الأمم المتحدة، على توصية (لجنة شو) يوم 14/1/1930، وتم تشكيل لجنة دولية من السويد وسويسرا وإندونيسيا. وصلت اللجنة إلى القدس في 19/6/1930، ووضعت تقريرها في مطلع ديسمبر (كانون الأول) 1930، وحاز تقريرها تأييد بريطانيا وعصبة الأمم معا، وجاء في توصياته ما يلي:

1) تعود ملكية الحائط الغربي إلى المسلمين وحدهم، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لأنه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف... وتعود إليهم ملكية «الرصيف» الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط. (هدم الجيش الإسرائيلي حي المغاربة بالكامل فور احتلال الجيش الإسرائيلي لمدينة القدس عام 1967).

2) إن أدوات العبادة، من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط... ولا يجوز أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له.

3) لليهود حرية السلوك إلى الحائط لإقامة التضرعات في جميع الأوقات.

هذا ما تقوله الوقائع التاريخية، وهذا ما تقوله قرارات عصبة الأمم. إنها تؤكد حق ملكية حائط البراق (المبكى يهوديا) للمسلمين وللفلسطينيين، ولا تنكر أبدا على اليهود حقهم في الصلاة عند الحائط، بل إن اليهود مارسوا هذا الحق سنوات طويلة في ظل حكم العرب والمسلمين للمدينة.

وفي ضوء هذه الحقائق، من حقنا أن نطلب من السيد كراولي أن يعتذر للصحافيين الأميركيين، وأن يعتذر للفلسطينيين والمسلمين أيضا.

...وما قاله المتوكل طه في مقالته لا يتجاوز تأكيد الحقائق التاريخية المعترف بها دوليا.

==================

أمريكا تمر في لحظة شديدة الخطورة

السبت ديسمبر 4 2010

توماس فريدمان

http://www.alquds.com/node/308733

- قبل أن يدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما البيت الأبيض بفترة وجيزة قال 48% «إن أفضل أيامنا لم تأت بعد»، بينما اعتقد 35% أنها جاءت وانتهت، وهذا اتجاه مثير للقلق.

 

ماذا يسبب هذا الاتجاه؟ دعوني أحدثكم عن العوامل التي لا تؤثر في هذا الاتجاه. إن الأمر لا يتعلق بأن الملايين من الأمريكيين بدأوا فجأة ينتابهم القلق بشأن الديون الوطنية.

 

هل تعرفون أي شخص يقول لكم: «لم أستطع النوم الليلة الماضية، فكنت أتقلب باستمرار حتى الفجر من وطأة القلق.. إن الدين الوطني قد وصل إلى 14 تريليون دولار!» عذرا، فإن هذا لا يحدث إلا في الحملات الإعلانية المختلقة.

 

اعتقد أن ما يدفع الناس للتشاؤم هذه الأيام هما قضيتان متقاطعتان، الأولى هي أن الناس لديهم فهم حدسي أننا في أشد الحاجة الآن لبناء الأمة الأمريكية. إنهم يفهمون ذلك من خلال النظر فقط إلى البنية التحتية المتداعية، وآليات خلق الوظائف لدينا التي تتلاشى بسرعة. وبدأ يدرك الكثير من الناس أننا بدأنا في الانزلاق كبلد، ورأت الناس في أوباما أو على الأقل توقعت منه أن لديه الرؤية والقدرة على تجميع الأمريكيين وراء خطة لبناء الأمة في الداخل.

 

لكنى أعتقد أن الناس بدأت أن تدرك شيئا آخر، وهو أننا نواجه لحظة شديدة الخطورة. ويجب علينا أن نضع خطة بناء الأمة موضع التنفيذ لأننا أشبه بمن يقود دون إطار احتياطي. إن خطط الإنقاذ والتحفيز الاقتصادي تركتنا دون وقاية كافية.

 

قد تكون هناك مساحة وحتى ضرورة لمزيد من خطط التحفيز ولكن يجب علينا أن نضعها موضع التنفيذ. إذا فشلنا في أن نتحد ونستثمر وننفق ونخفض الإنفاق بحكمة حقيقية فسنجد أنفسنا على الحافة. إذا أصبحت أمريكا ضعيفة، فإن أطفالك لن ينهوا في بلد مختلف فحسب، بل فى عالم مختلف تماما. ينبغي أن نغير طرق إدارة السياسة الخارجية الأمريكية ونضع خطة لإعادة بناء البلاد في الداخل في وقت أصبحت فيه مواردنا المالية وقوتنا الجيوسياسية محدودة أكثر من أى عهد مضى وفى وقت التزاماتنا فيه للخارج والوعود المقدمة للداخل أصبحت أكثر إلحاحا.

 

ولهذا السبب أعتقد أن معظم الأمريكيين لا يريدون خطة لخفض العجز. إن رؤية حزب حفل الشاي ضيقة وغير ملهمة. الأمريكيون يريدون خطة لتعود بلدهم عظيمة مرة أخرى، وبالنسبة للبعض فإنهم يعرفون أن مثل هذه الخطة ستتطلب السياسة الهجينة، تلك التي تمزج بين عناصر رؤية الحزبين، وفى هذه الحالة سيتبع الأمريكيون الرئيس. سيدفعون مزيدا من الضرائب ويتخلون عن مزيد من الخدمات إذا اعتقدوا أن لدى رئيسهم خطة لتعود أمريكا بلدا عظيما مرة أخرى، وليس فقط لتحقيق النصر له فى 2012 بنسبة 50.1 %.

 

وتتطلب السياسة خيارات صعبة. فنحن بحاجة إلى رفع الضرائب على البنزين والكربون للحد من استخدامهما والعمل على إيجاد صناعة الطاقة النظيفة الجديدة. بينما نقوم بخفض الرواتب وضرائب الشركات يجب أن نعمل على تشجيع التوظيف والاستثمار المحلى. كما نحتاج لخفض مستحقات الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي في نفس الوقت الذي نقوم فيه باستثمارات جديدة في البنية التحتية والمدارس وبرامج الأبحاث الممولة من الحكومة.

 

ونحتاج أن ننهى عملنا في العراق، ولكننا نحتاج أن نخرج من أفغانستان، حتى لو انطوى الأمر على مخاطر، لأننا لا نستطيع أن ننفق 190 مليون دولار يوميا لجلب أمراء الحرب الفاسدين من القرن 15 إلى القرن 19.

 

نعم، ورث الرئيس أوباما فوضى كبيرة من فريق بوش المتهور ولكنه يستحق المزيد من الثناء والثقة من أجل استقرار الاقتصاد وإحياء صناعة السيارات. والسبب في أنه لم يحصل على الثناء هو لأن 40% من الأمريكيين التابعين للطبقة المتوسطة، والذين حددوا نتائج الانتخابات الماضية، والتي سبقتها لا يرون خطة أمريكية متناسقة تقتدى إنفاقا أكثر واتخاذ قرارات صعبة.

 

أفضل شىء يمكن أن يقوم به الرئيس الآن هو أن يعلن تأييده لمشروع التوصيات بشأن كيفية خفض عجز الميزانية في البلاد، التي وضعت من قبل الرئيسين المشاركين في اللجنة المالية للبيت الأبيض، إرسكين بولز، وآلان سيمبسون. ففي خطتهم، الجميع يتلقى الضربات.

 

وبفعل هذا، بإمكان أوباما الإمساك بزمام الأمر. ويمكن أن يصرح بأنه لا يتفق مع كل الاقتراحات الخاصة بخفض العجز وأنه يريد أن يضيف استثماراته الخاصة إلى مستقبلنا. ويمكنه القول إن هذا النهج الذي يعتمد على السياسة المهجنة هو السبيل العملي الوحيد لهذا البلد في الوقت الراهن، وهو ما ينوى أوباما استخدامه كأساس لخطته لبناء الأمة الأمريكية بحيث لا نرى مرة أخرى استطلاعات تشير إلى أن سكان الولايات المتحدة يعتقدون بأن أفضل أيامنا قد ولت.

================

رسالة مريبة من " محفل الشرق الأعظم"

ليست مسألة تجفيف الينابيع ولكنها دعوة لاقتلاع جذور الأمة

بقلم: فهمي هويدي

نقلا عن موقع النهضة

هذه رسالة حافلة بالإشارات المهمة جاءتني عبر البريد من عمان العاصمة الأردنية، ولا أعرف لها مصدرا محددا وإن كنت أرجح أنها صادرة عن أحد المحافل الماسونية الناشطة في بعض الأقطار العربية، ولا دليل عندي على ذلك سوى أنها خاطبتني بصيغة الفارس الشهم(!) ووقعها شخص ينتسب إلى جهة تحمل اسم محفل الشرق الأعظم وفي حدود علمي فتلك مفردات شائعة في الخطاب الماسوني، اللهم إلا إذا كانت هناك جماعات أخرى لا نعرفها قد ظهرت في عالمنا العربي تستخدم اللغة ذاتها.

لست الوحيد الذي تلقى تلك الرسالة فقد علمت من بعض الأصدقاء أنهم تلقوا رسائل مماثلة على بيوتهم أما كيف عرف ممثل " محفل الشرق الأعظم" في عمان عناوين بيوتنا في القاهرة فإن رسالته تضمنت الإجابة حيث أشار إلى علاقتنا بمنتدى الفكر العربي في العاصمة الأردنية، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك في أن قائمة بأسماء المشاركين في أعمال المنتدى وقد كنت أحدهم حتى عهد قريب وعناوين منازلهم وهواتفهم قد وصلت إلى أيدي المعنيين في المحفل خصوصا أنه ليس في الأمر سر ومن ثم فإنهم استخدموها لكي تصل رسالتهم إلى جميع أعضاء المنتدى في بيوتهم وربما في أغراض أخرى الله أعلم بها.

اقرأ معي الرسالة أولا ثم لنا كلام بعد ذلك تجفيف منابع الاعتدال والتطرف

 

الفارس الشهم : تحية محبة وسلام وإخاء

إننا نحن أمام عصر من التنوير بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وبداية حقبة النظام العالمي الجديد، لنتطلع إلى إخواننا اللبنانيين الأحرار بعين من الأمل والثقة بأنهم ومن خلال منتدى الفكر العربي يدركون تمام الإدراك أهمية وضع حد للتيار الإسلامي الأصولي منه والمعتدل، ذلك التيار الذي لم تنفع جميع الأساليب التي استخدمناها في إيقاف مده وسيطرته على اغلب الجماهير في دول الشرق الأوسط

ولا شك أننا جميعا وفي خلال هذا القرن خطونا خطوات جبارة في تحقيق الكثير من الأهداف التي سبق وضعها من خلال إخوانكم الكبار فها هي إسرائيل قد قامت وأغلب دول الشرق الأوسط وقعت كثيرا من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية معها وها هي مسيرة السلام قد تخطت جميع الحواجز والعراقيل التي وضعت لها. إننا متفقون جميعا على أهمية تجفيف منابع المد الإسلامي حتى يمكن حسره في حقبة زمنية معينة ثم ينتهي إلى الأبد ونكون قد حققنا هدفنا الأكبر

إزاء التوصيات التي تخرجون بها من خلال ندواتكم، يجب أن نتناول موضوع تجفيف منابع المد الإسلامي وأهمها إلغاء المواد الإسلامية من الفصول المدرسية في جميع بلدان الشرق الأوسط، كذلك يجب أن ننظر إلى المواد التاريخية نظرة مختلفة عن السابق فالافتخار بالماضي أو البكاء عليه لا يمكن أن يقدم الأمم ويحسن من مستواها الاقتصادي خصوصا إذا كان هذا التاريخ مليئا بالرجعية والظلم والخرافات

إن تقدم شعوب الشرق الأوسط لا يمكن أن يتم إلا إذا استفادت شعوبه من بعضها، فمن يملك المال والأيدي العاملة لا يملك التكنولوجيا والتقنيات العلمية المتقدمة

كما نرجو أن تكون من ضمن توصياتكم إنشاء سوق شرق أوسطية على غرار السوق الأوروبية المشتركة ويكون مقر تلك السوق في أفضل دولة متقدمة وديمقراطية. نحن بطبيعة الحال لسنا ضد الإسلام كحضارة وثقافة ولكننا جميعا ضد التيارات الإسلامية الأصولية الإرهابية

في الختام نرجو لمنتداكم النجاح والتوفيق

التوقيع : ميشال أنطون

محفل الشرق الأوسط

قبل أن نعلق على الرسالة نسجل الملاحظات التالية

من الواضح أنها صيغة واحدة وجهت إلى كل المشاركين في منتدى الفكر العربي بصرف النظر عن اتجاهاتهم الفكرية وأغلب الظن أن من أرسلوها لم يكونوا على إدراك كاف بمواقف المتلقين وإلا لما وجهوا رسالة تلح على الإجهاز على المد الإسلامي إلى واحد مثلي يعتبر نفسه واقفا بالكامل على الأرضية الإسلامية ومدافعا بكل ما يملك من طاقة وجهد عن المشروع الإسلامي وإن لم يلتحق بأي فريق إسلامي على الساحة الإسلامية

 

 الرسالة واضحة الانحياز إلى إسرائيل فهي تعرب عن الاغتباط لما حققه إخوانكم الكبار في إسرائيل وتدعو إلى الاستفادة من التقدم العلمي الذي تدعي أن إسرائيل تملكه بحيث يتكامل مع من يملك المال ( دول النفط) والأيدي العاملة ( مصر وشمال إفريقيا)، أكثر من ذلك فهي تدعو لإقامة السوق الشرق الأوسطية بحيث يكون مقرها ومركزها هو إسرائيل التي تروج الدعايات بأنها أفضل دولة متقدمة وديمقراطية في المنطقة

 

 إنها تتبنى خطابا استئصاليا حيث تدعو إلى التصدي للتيارات الإسلامية المتطرفة منها والمعتدلة وتستخدم مصطلح " تجفيف المنابع" الذي أبدعه بعض المثقفين في إحدى دول المغرب العربي وصار لافتة معتمدة تستر محاولات استئصال الحالة الإسلامية

 الدعوة تتجاوز استئصال الحالة الإسلامية إلى محاولة استئصال الإسلام ذاته ومحو الذاكرة الإسلامية، آية ذلك أنها تطالب بإلغاء المواد الإسلامية من مناهج التعليم وإعادة النظر في التاريخ الذي حفرته الرسالة واعتبرته مليئا بالظلم والرجعية والخرافات وأدانت فكرة الافتخار بالماضي أو البكاء عليه ( لا تنس أن فلسطين جزء من ذلك الماضي المطلوب تجاوزه)

تسجل الرسالة تخوفها من المد الإسلامي وتقرر في الوقت ذاته أن التيار الإسلامي أصبح يسيطر على أغلب الجماهير في دول الشرق الأوسط

بعد ذلك كله حرص كاتبو الرسالة على التمويه على القارئ وإيهامه بأنهم ليسوا ضد الإسلام ولكنهم فقط ضد " الأصولية الإرهابية". ( لاحظ أن الإرهاب صار لصيقا بالأصولية)

الدعوة في طور التنفيذ

تقطر الرسالة سما وتختلط فيها السذاجة بالدهاء والكراهية ، تكمن السذاجة في ذلك التخليط المفتعل بين التنوير وانتهاء الحرب الباردة والنظام العالمي الجديد، ثم في مجمل التحليل الذي تقوم عليه الرسالة حيث ينطلق من الإدعاء بأن الإسلام هو الخطر الأكبر وعلينا أن نتجند لصد تقدمه والخلاص منه إلى الأبد

خطر لي للحظة أن تكون الرسالة كلها ملفقة ومنحولة لكن عند إعادة قراءتها مرة ثانية أدركت أن ما تضمنته من إشارات وإيحاءات يعبر عن خطاب قائم في واقعنا ينطلق من ذات الرؤية ويكاد يستجيب بصورة أو بأخرى لذات المطالب

فنحن إذا دققنا جميعا في المشهد العربي الراهن فسنلاحظ أن ظاهرة التطرف والإرهاب دون تحديد واضح لمفهوم كل منهما واعتبرت أن مواجهة ذلك الخطر هي قضية العرب الأولى الأمر الذي أدى إلى تراجع قضايا أخرى مثل فلسطين والديمقراطية والتنمية وغير ذلك بل أزعم أن ثمة أنظمة تفرغت لهذه المسألة بحيث صار شاغلها وهمها هو تعبئة الرأي العام العربي والدولي ضد الظاهرة الإسلامية وملاحقة الناشطين الإسلاميين، ونحم لا نختلف في أن هناك مشكلة تطرف وإرهاب في العالم العربي لكننا قد نختلف في حجم هذه المشكلة وفي تحديد الظروف المسؤولة عن ظهورها وفي تحديد الجهات الضالعة في هذه المشكلة وعلى من يريد أن يتحقق من طبيعة تلك الجهات الأخيرة أن يطلع على تقارير المنظمة العربية لحقوق الإنسان أو منظمة العفو الدولة لكي يقف على إجابة السؤال: من الذي يمارس الإرهاب حقا في العالم العربي ؟

في هذا السياق تطرح فكرة تجفيف الينابيع التي تلقفتها بعض الأجهزة الرسمية حتى اعتبرتها إحدى شعارات حملة مواجهة الظاهرة الإسلامية وتنبني هذه الفكرة على افتراض أن التدين هو التربة الخصبة التي يخرج منها التطرف ( هكذا دون أي تفرقة بين تدين رشيد أو تدين مشوه وعقيم)

من ثم فهم يرون أن التصدي الحاسم للتطرف يقتضي تقليص التدين ذاته بإضعافه أو استئصال جذوره عملا بالمثل القائل: الباب الذي يأتيك منه الريح أغلقه كي تستريح )

صحيح أن كاتبي الرسالة وضعوا المسألة بصورة أكثر فجاجة حين ذكروا أن دعوتهم تنصب على تجفيف ينابيع المد الإسلامي ( كله) وليس التطرف الإسلامي لكننا نعتبر أن تلك الفجاجة هي التعبير الأكثر صراحة عن حقيقة الاتجاه وربما لأن الرسالة يفترض أنها خاصة فإن كاتبيها رفعوا التكليف ولم يشغلوا أنفسهم بعملية تغليف الهدف أو الالتفاف حوله

ثمة شواهد عديدة تدل على أن فكرة تجفيف الينابيع حاصلة بالفعل فثمة دول ألغت من كتب الدراسة كل النصوص الشرعية التي تدعو إلى الجهاد مثلا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كذلك النصوص القرآنية المتعلقة باليهود وبقي من مادة الخطاب الإسلامي ما يتعلق بالشأن العبادي وحده وغير ذلك من الأمور الروحية التي تحصر التدين في حدود علاقة الإنسان بربه فقط أما كل ما يتعلق بالمعاملات وبدور الدين في المجتمع فإنه تقلص إلى الحد الأدنى أو اختفي نهائيا من تعليم الجيل الجديد

لم يقف الأمرعند ذلك الحد وإنما اتخذت إجراءات عملية لمحاصرة عملية التدين ذاتها، فالناشطون المتدينون لوحقوا، ومنهم من حوربوا في أرزاقهم والموظفون اضطهدوا والتجار سحبت رخصهم المهنية والمحجبات منعن من دخول الجامعات والمدارس وغير ذلك من المؤسسات الرسمية، ولم تكن تلك الإجراءات موجهة ضد التطرف والإرهاب، لكنها في حقيقة الأمر كانت وما زالت موجهة ضد التدين ذاته بحيث غدت تلك الإجراءات تطبيقا حرفيا لفكرة تجفيف الينابيع بمفهومها الحقيقي وليس بمدلولها الظاهري الذي قد يعطي انطباعا مغلوطا

وكما اتبعت سياسات واتخذت إجراءات تحاصر التدين وتهون من دوره ومن شأنه فقد أصبحنا نطالع خطابا إعلاميا يتنكب الطريق ذاته مكرسا عملية التجفيف حسب أصولها، فقرأنا لمن يغمز في القرءان ويربط بينه وبين الأسطورة والخرافة بل ذهب بعضهم إلى الإدعاء بأن في القرءان أخطاء لغوية لم تكتشف طيلة 14 قرنا، وقرأنا لمن جرح السنة ولمز مقام النبوة وشكك في طبيعة الدولة الإسلامية ، وذهب آخرون إلى الغمز في الصحابة وإلى الحط من شأن التجربة الإسلامية والحضارة الإسلامية وهكذا ...نعم لم يتحقق بالكامل ما تمنته الرسالة حين دعت إلى إلغاء المواد الإسلامية بالكامل من مناهج التعليم لكن ما جرى بالفعل يبدو وكأنه خطى متقدمة على ذلك الطريق وأحسب أن التناول الراهن يحقق المطلوب بصورة أكثر ذكاء باعتبار أن تفريغ الثقافة الدينية من مضمونها بالصورة التي أشرنا إليها يستوي مع الإلغاء فضلا عن أنه لا يصدم الرأي العام كما قد تصدمه عملية الإلغاء

الاقتلاع هو الهدف

حسنا فعلت الرسالة حين بدأت بالدعوة إلى تصفية التيا ر الإسلامي وانتهت بالدعوة إلى التكامل مع إسرائيل التي كالت لها المديح فهذا التتابع غير المقصود بطبيعة الحال يعكس إدراكا عميقا بأن المد الإسلامي الذي يراد استئصاله يقف في الصف الأول هو والقوى الوطنية في العالم العربي وهي تعارض وتقاوم الحلول الجاهزة التي تهدر حقوق الشعب الفلسطيني وتغتصب وطنه وحلمه ، من ثم فإن التركيز على استئصال الحالة الإسلامية إلى الأبد كما تمنت الرسالة كفيل بفتح الطريق وإزالة أهم العقبات التي تحول دون الاستسلام للحلول الجائرة

المسألة أبعد من مجرد التصدي للمد الإسلامي أو حتى القضاء عليه ولكن الهدف الأبعد هو تقويض ثوابت الأمة وإلغاء وعيها الحضاري وذاكرتها التاريخية ذلك أن الإسلام ليس عقيدة فقط ولكنه ثقافة وحضارة وهوية أيضا واستئصال الحالة الإسلامية وإلغاء المواد الإسلامية من مناهج التعليم ودمغ تاريخ الأمة بالظلم والرجعية والخرافة، هذه الخطى لا تحقق إلا هدفا واحدا هو: الاقتلاع

وحين يتحقق ذلك إذا قدر له أن يتحقق فإنه يغدو المناخ الأكثر ملاءمة لاجتياح الأمة ولتنفيذ مختلف المخططات الإسرائيلية بدءا بتكريس احتلالها الأرض العربية في فلسطين وانتهاء بفرض هيمنتها على المنطقة ومرورا باختراق العالم العربي والإسلامي الذي يمثل بالنسبة إليها فرصة ذهبية لا تعوض: ففيه الثروة وهو السوق وفيه الأيدي العاملة الوفيرة والرخيصة

بقيت كلمة أخيرة هي أن نهج تجفيف الينابيع الذي دعت إليه الرسالة وتمضي على دربه بعض الأقطار العربية لا يحل مشكلة التطرف أو الإرهاب كما يتوهم المروجون له، وإنما أحسبه مصدرا آخر من مصادر التطرف وعنصرا مساعدا لإذكائه وتوسيع نطاقه ذلك أن حرمان الشباب من الثقافة الإسلامية في زمن تتعطش فيه أجيالهم إلى تلك الثقافة ليس له سوى نتيجة واحدة هي: دفعهم إلى البحث عن المعرفة الإسلامية عبر مصادر أخرى الأمر الذي قد يوقعهم في المحظور الذي يراد تجنبه من البداية

فحين حرمت الحركة الإسلامية في مصر من المشاركة السياسية وجرى حل جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تعمل في ظل الشرعية منذ عام 1928 وحتى عام 1954 عانت الساحة الإسلامية من الفراغ الذي أدى إلى نشوء حركات سرية بديلة كانت وما زالت أحد مصادر التطرف والإرهاب الذي تعاني منه البلاد، ذلك أن الشباب الإسلامي المتطلع إلى المشاركة في الحياة العامة، حين لم يجد قناة مشروعة تستوعب طاقته انجذب تلقائيا إلى القنوات غير المشروعة

وفي سوريا طرحت فكرة استئصال الحالة الإسلامية وتجفيف الينابيع بعد مأساة مدينة "حماة" التي وقعت عام 1982 حيث اقترح بعض الرسميين إغلاق المعاهد الدينية وكلية الشريعة ولكن نفرا من العقلاء قالوا إن الخطوة ستؤدي إلى زيادة التطرف والعنف ولن تعالجه وحسب علمي فإن المسألة نوقشت على أعلى المستويات وأن الرئيس حافظ الأسد انحاز إلى الرأي الثاني وأيده بعد اقتناعه بوجاهة حجته. ولكن من قال أن أحدا يتعلم من دروس التاريخ؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ