ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 09/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

استغاثات سجناء الرأي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان

د. سعيد الشهابي

2010-12-07

القدس العربي

جميل ان تخصص الامم المتحدة العاشر من كانون الاول/ ديسمبر من كل عام يوما عالميا لحقوق الانسان، ولكن الاجمل من ذلك ان تتجاوز هذه المنظمة الدولية لغة الخطاب السياسي المفرط في الدبلوماسية والمجاملات وتتبنى ادوات فاعلة للحد من الانتهاكات المتواصلة لهذه الحقوق من قبل الدول الاعضاء. ومفيد ان تنتشر ثقافة حقوق الانسان بين الشعوب، لكي تعي كيف يعيش الناس آمنين على أنفسهم وحرياتهم وتصان كرامتهم، ولكن الفائدة الكبرى تتحقق عندما تنتشر ثقافة رفض مرتكبي جرائم حقوق الانسان ومطاردتهم بشكل جاد، ومعاقبتهم وفق القانون ليصبحوا عبرة لمن تسوله نفسه بانتهاك تلك الحقوق. وضروري ان تستمر الامم المتحدة في تبني حقوق الانسان كمشروع يحظى باولوية على الصعيد الدولي وتخصص له الموازنات والامكانات البشرية وتروج ثقافته كأساس للتعايش السلمي بين العنصر البشري، ولكن الأكثر ضرورة ان تتوفر للامم المتحدة او الجهات القضائية او المنظمات الحقوقية الدولية الانياب التي تمكنها من اتخاذ اجراءات صارمة بحق الحكومات والمؤسسات والافراد اذا انتهكت حقوق الانسان في بلد ما، خصوصا اذا توفرت الدلائل على ممارسة التعذيب كسياسة ثابتة من قبل اي نظام سياسي. فمنذ ان تبنت الجمعية العمومية في العاشر من كانون الاول/ديسمبر من 1948 الاعلان العالمي لحقوق الانسان استبشر قاطنو هذا الكوكب خيرا، وتجذرت آمالهم بحتمية انتهاء العصور السوداء التي شهدت ابشع انتهاكات حقوق البشر، خصوصا في ظروف الحربين العالميتين. وعلى مدى العقود الستة اللاحقة تواترت الجهود لتحويل الاعلان العالمي الى مشروع حضاري تتبناه الدول وتصادق عليه بتضمينه في دساتيرها وقوانينها. وقد أقرته اغلب دول العالم، مع اختلاف في ما بينها حول مدى عمق المصادقة عليه. وتم التوسع في العقود اللاحقة لتحويله من اطر عامة الى قوانين محددة يختص كل منها بجانب من مواده الثلاثين التي ما تزال تمثل أملا للباحثين عن عالم متوفر على قدر من الحقوق الانسانية المشروعة. فصدرت عهود ومواثيق ومعاهدات للتعاطي مع مصاديق الانتهاكات، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعهد الدولي لمكافحة التميز العنصري وإعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان واعلان حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ونحن على اعتاب الذكرى الثانية والستين لذلك الاعلان، ما الجديد في المشهد الدولي في هذا المجال؟ كيف يمكن تقييم اوضاع حقوق الانسان في العالم؟ وهل انها حقا في تطور ام ان النظام السياسي العالمي فقد الحماس لتوفير مستلزمات ضمان تلك الحقوق ومنع الانتهاكات؟ ويمكن ملاحظة ثلاث حقائق مهمة قبل اصدار احكام مبرمة. اولاها: ان العقد الماضي شهد تراجعا ملحوظا في حماية تلك الحقوق، وان من اكبر منتهكي تلك الحقوق عددا من الدول 'الديمقراطية' التي يفترض ان تكون اكثر اهتماما بها. ثانيتها: ان الامم المتحدة، هي الأخرى، أصبحت أقل حماسا لصيانة تلك الحقوق لاسباب عديدة من بينها ان المنظمة الدولية انما تتألف من انظمة سياسية غير متحمسة لاحترام الحقوق الاساسية لشعوبها، ثالثها: ان الاوضاع الامنية في ظل تصاعد الارهاب الذي تمارسه بعض المجموعات والحروب التي تشنها دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا و'اسرائيل'، وتراجع الاوضاع الاقتصادية في هذه الظروف، ساهمت في اضعاف اولوية الملف الحقوقي على الصعيد الدولي. ويكفي للتدليل على ذلك ما شهده العالم من انتهاكات الصور البشعة للمعتقلين في سجون غوانتنامو وابوغريب وقاعدة بغرام الافغانية، وما يحدث يوميا في سجون الاحتلال الصهيوني لأبناء فلسطين المرتهنين. والانباء التي تسربت في السنوات الخمس الاخيرة عن رحلات الطيران السرية بين السجون التي تديرها الاستخبارات الامريكية في ثلاثين بلدا، وما يمارس في تلك السجون من انتهاكات على نطاق واسع أصابت العالم الحقوقي في مقتل.

وقد جاءت الصفعة الاخيرة لجهود حقوق الانسان بعد تطورين مهمين في الاسابيع الاخيرة: اولهما اعتراف الرئيس الامريكي السابق، جورج دبليو بوش، انه هو الذي أمر بممارسة اسلوب الايهام بالغرق waterboarding لاجبار المعتقلين لدى السلطات الامريكية على الاعتراف. وهناك اجماع بين المنظمات الحقوقية الدولية على اعتبار تلك الممارسة تعذيبا بدون إشكال. وثانيها: ما تسرب من الوثائق الامريكية عبر موقع 'ويكيليكس' التي تؤكد اساءة معاملة المعتقلين في السجون التي تديرها القوات الامريكية في العراق، سواء على ايدي العراقيين ام الامريكيين. هذه التطورات اعادت اوضاع حقوق الانسان مسافة طويلة الى الوراء بعد عقود من الجهود المتواصلة لتطويرها ومنع الانتهاكات.

الواضح ان هناك غيابا ملحوظا للامم المتحدة عن القيام بدور ملموس في منع تلك الانتهاكات او ملاحقة مرتكبيها. هذا الغياب يعتبر عامل تشجيع للمعذبين للاستمرار في ممارساتهم. فلو كان للمنظمة الدولية او اية جهة حقوقية دولية او هيئة قضائية مستقلة سلطة حقيقية من جهة وحماس لمطاردة مرتكبي جرائم التعذيب من جهة اخرى لصدر امر قضائي بمطاردة الرئيس الامريكي خصوصا انه ترك منصبه ولم تعد له حصانة دبلوماسية. فاعترافه الشخصي في مذكراته وفي مقابلاته كافية لادانته. ولكن تقاعس المجتمع الدولي في اتخاذ موقف كهذا لا يساهم في جهود التصدي للانتهاكات. ولذلك يشعر الحكام الآخرون بوجود 'حصانة' تلقائية تحميهم من اية مقاضاة قانونية عندما ينتهكون حقوق مواطنيهم، بالاعتقال التعسفي او التعذيب او القتل خا رج اطار القانون. ولو كان الرئيس المصري يخشى من مطاردة قانونية لأمر بمقاضاة المسؤولين عن قتل الطفل خالد سعيد الذي توفي نتيجة التعذيب الذي تعرض اليه بعد اعتقاله في شهر حزيران/ يونيو الماضي. فمن المؤكد ان ممارسة التعذيب من بعض اجهزة الامن الغربية كما تفعل الاستخبارات الامريكية مع المشتبه بهم في قضايا الارهاب، وصمت هذه الدول على ممارسات حلفائهم ضد المعارضين، كما تفعل اجهزة الامن لدى الكيان الاسرائيلي او مصر او البحرين، كل ذلك يعتبر حماية لتلك الاجهزة، الامر الذي يشجعها على الاستمرار في تلك الممارسات.

وفي الشهر الماضي حضر مسؤولون من سفارات اربع دول غربية، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسويد، جلسات محاكمة 25 شخصا من المعارضين البحرانيين، واستمعوا لشهدات المتهمين على مدى ثلاث جلسات. وبرغم شكاوى هؤلاء من التعذيب، بما في ذلك الاعتداء والصعق الكهربائي والتعليق على طريقة 'الفلقة' فلم تفعل حكومات هذه الدول شيئا. وهنا تتضح بجلاء ظاهرة ازدواجية المواقف والسياسات الغربية ازاء القضايا ذات البعد الدولي. ومن ذلك تبرز ابعاد ثلاثة ذات أثر مباشر على تحديد السياسات والمواقف الغربية ازاء قضايا حقوق الانسان: سياسيا وامنيا واقتصاديا. فما دامت الدول مصنفة ضمن 'الدول الصديقة' فانها مستثناة من الضغوط السياسية لتطوير انماط حكمها، ويندر ان يوجه انتقاد لهذه الدول برغم غياب الممارسة الديمقراطية التي تسمح بشيء من التمثيل الشعبي في صنع القرار السباسي. وما دام هناك 'تهديد امني' من قبل 'الارهابيين' فان استعداد هذه الحكومات ل 'التعاون في مكافحة الارهاب' يجعلها مستثناة من النقد السياسي ولا تخضع للرقابة ازاء ما تمارسه داخل حدودها، وان انتهكت حقوق مواطنيها. اما البعد الثالث فيتمثل بالبعد الاقتصادي. ويبدو هذا البعد في الوقت الحاضر من اكثر العوامل تأثيرا على المواقف الغربية وصياغة السياسات الدولية. فنظرا للوفرة المالية لدى دول مجلس التعاون نتيجة ارتفاع اسعار النفط في السنوات الاخيرة، وضعف الاقتصادات الغربية بسبب تبديد الاموال في الحروب وحالة الترف المفرط لشعوبها، وتراجع اداء المصارف التي تعتبر اهم ركيزة للنظام الرأسمالي، فقد توجه الغربيون للدول النفطية بشكل غير مسبوق. وفي قمة لشبونة الاخيرة قرر الاتحاد الاوروبية تمتين العلاقات مع دول الخليج. الهدف واضح، فالعلاقات السياسية بين الطرفين كانت، وما تزال، ذات ابعاد استراتيجية. اما الجديد فهو الوفرة المالية المتوفرة لدى هذه الدول والمطلوبة بشكل ملح للاقتصادات الغربية المتداعية. في هذا الخضم تحتل حقوق الانسان موقعا متراجعا جدا في السياسات الدولية، فهي مسيسة من البداية، وخاضعة للاعتبارات والمصالح الاقتصادية ثانية، ومرتبطة بما يسمى 'التعاون في مجال مكافحة الارهاب' من جهة ثالثة. فكيف يمكن ان تتطور هذه الحقوق في ظل هذه الاعتبارات مجتمعة؟

الامم المتحدة تسعى، في اطار خطتها للاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الانسان هذا العام لترويج 'حماية المدافعين عن حقوق الانسان' وهو القرار التاريخي الذي أقرته الجمعية العمومية للامم المتحدة في آذار/مارس 1999 بحماية نشطاء حقوق الانسان. هؤلاء النشطاء تعرضوا، وما يزالون يتعرضون، لقمع السلطات في بلدانهم بسبب نشاطهم في الدفاع عن حقوق الانسان في بلدانهم. فهم الذين يسلطون الاضواء على ممارسات حكوماتهم، وبالتالي فهم، حسب منطق تلك الحكومات 'يحرضون' ضدها، ويستحقون العقوبة.

من هنا اثمرت ضغوط هؤلاء النشطاء وادت الى تبني القرار المذكور، الذي بقي، كغيره، غير ذي شأن، بينما اضطهد النشطاء واعتقلوا وعذبوا. المنظمة اعلنت انها سوف تهتم بحماية هؤلاء، ولكن ما السبيل لذلك في غياب الارادة السياسية من جهة ووسائل الضغط القادرة على إلزام الحكومات باحترام حقوق مواطنيها خصوصا المدافعين عن تلك الحقوق من جهة اخرى؟ المشكلة تنطلق من حقيقة تستحق اعادة النظر بشكل جاد، وهي ان الامم المتحدة انما هي جسد يضم الدول وليس المنظمات غير الحكومية. تلك الدول هي التي تصوغ القوانين والسياسات، بينما لا تحظى المنظمات غير الحكومية سوى بصفة المراقب في افضل الاحوال، وبالتالي فالقرارات المرتبطة بحقوق الانسان انما تنطلق عن رغبة الحكومات. فهل من المعقول ان تقنن هذه الحكومات ما يدينها؟ الامم المتحدة، بسبب بنيتها السياسية، اضعف من ان تواجه مرتكبي جرائم التعذيب، نظرا لغياب الارادة السياسية والامكانات العملية والتركيبة الادارية. وكل ما تستطيعه، حتى الآن، اصدار القوانين والسياسات العامة، وتأكيد الاطر الاخلاقية التي يجب ان تنظم علاقات الحكام بالمحكومين، ولكنها تفتقد لأدوات التنفيذ، وآليات المراقبة، ووسائل مساءلة الانظمة المخلة بالتزاماتها. كما ان موظفيها، كغيرهم، عرضة للفساد المالي والاداري، الامر الذي ادى في السابق الى شراء مواقفهم من قبل الحكومات التي تنتهك حقوق مواطنيها. المطلوب، اذن، ليس المزيد من القوانين التي ترفع معنويات ضحايا القمع السلطوي فترة محدودة، بل توفير الذراع الضاربة التي تؤهل المنظمة الدولية لممارسة دورها في الرقابة على السجناء بشكل دوري، وفحص السجون بانتظام، ومساءلة المتهمين بارتكاب جرائم التعذيب. مطلوب منها توفير فرق عمل ميدانية في الدول التي تعانى من توترات سياسية واضطرابات حقوقية، بشرط ان تكون قادرة على النهوض باعباء رقابة تلك الانظمة ومحاسبة مسؤوليها بشكل جاد. فاذا شعر المعذبون انهم سوف يواجهون محاكمات دولية صارمة، فسوف يكون ذلك رادعا لهم عن ارتكاب تلك الجرائم.

اليوم العالمي لحقوق الانسان مناسبة لاعادة النظر في ما هو قائم من قوانين وتشريعات دولية تنظم قضايا حقوق الانسان على كافة الاصعدة، وتسعى لاعاقة سياسات التعذيب بوسائلها الخاصة، والتلويح بالمحاكم التابعة للامم المتحدة كآليات مناسبة لاتخاذ اجراءات ضد الانظمة التي تمارس الانتهاكات. ومن المطلوب ايضا تجريم تلك الممارسة، واعتبار رأس الدولة نفسه مسؤولا عن اية انتهاكات حقوقية تحدث في معتقلاته. فبرغم ما يشاع عن وصول العالم الى مستوى راق من احترام حقوق الانسان، والالتزام بالعهود والمواثيق الدولية، فان ما يجري في الشرق الاوسط، ابتداء بالكيان الاسرائيلي مرورا بجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والبحرين، من انتهاكات بشعة لحقوق الانسان وممارسة التعذيب على نطاق واسع، والحرمان من ابسط حقوق المواطنة، وفقدان القدرة على تغيير الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، يعتبر عارا في جبين الانسانية، ومؤشرا خطيرا لفشل الامم المتحدة في النهوض بمسؤولية منع الانتهاكات.

وما الضغوط الحثيثة على بريطانيا في الوقت الحاضر لتغيير قوانينها التي تسمح بمقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الانسانية (في ضوء محاولات اعتقال عدد من المسؤولين الاسرائيليين المتهمين بتلك الجرائم) الا مؤشر لضرورة تطبيق تلك القوانين وتطويرها. ان من الضروري دعم مشاريع الترويج لحقوق الانسان، كثقافة وممارسة ووعي والتزامات، ولكن الاهم وجود آليات دولية لضمان القدرة على تنفيذ العهود والمواثيق والمعاهدات الدولية. فما جدوى الاعلان العالمي لحقوق الانسان، برغم توقيع اغلب الدول عليه، اذا لم تتوفر لدى الجهات الحقوقية المعنية، القدرة على ممارسة الرقابة على ما يجري في البلدان، ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات بشفافية واصرار؟ فصراخ ضحايا التعذيب، ومعاناة ذوي الحقوق المدنية او الانسانية المهضومة، تصك الاسماع ولكنها لا تجد صدى، بينما تكتظ صفحات الجرائد الصفراء بالادعاءات الجوفاء والوعود غير المبرمة التي تطرحها السلطات لتلميع صورتها امام العالم. في عالم يهيمن عليه الاقوياء عسكريا واقتصاديا، خفتت اصوات المصلحين، وعذب المعارضون، وسلبت الحريات، وانتهكت الحقوق، فالى متى يتجاهل العالم استغاثات سجناء الرأي؟ ومتى تستفيق الانسانية من هذا السبات الاخلاقي المدمر؟ ان لم يكن اليوم العالمي لحقوق الانسان جرس الانذار وفرصة الاستيقاظ فسوف يتواصل الاستبداد والقمع والطغيان، وستظل الانسانية اسيرة لدى الطغاة والظالمين والمحتلين والمعذبين.

=================

لماذا لا تمتحنون الاسد؟

صحف عبرية: هآرتس 7/12/2010

2010-12-07

القدس العربي

إن وحدات اطفاء الحريق الدولية التي جاءت لاخماد الحريق في غابات الكرمل، صبّت ماء باردا على حملة 'يسلبوننا شرعيتنا' الدعائية. حتى ان النرويج التي لها قناة مفتوحة، والويل لها، مع حماس وهي موضوعة على رأس قائمة مُنتقدي حكومة اسرائيل، قد عرضت مروحيتين.

يصعب أن نجد دبلوماسيا يُجسد الفرق بين تأييد اسرائيل وبين سلب الاحتلال الاسرائيلي شرعيته أكثر من سابين سابييه، سفير النرويج في اسرائيل. في 1968 بعد بضعة اشهر من حرب الايام الستة وبعد أن أنهى الثانوية العامة، استجاب سابييه لإعلان دعا شبانا نرويجيين الى التطوع للعمل في الكيبوتسات، وحضر الى مشمار هعيمق. حافظ على صلة بأصدقائه الجدد وبعد ثلاث سنين عاد الى الكيبوتس وانضم الى نادٍ لتعلم العبرية.

يقول سابييه انه لم يكن مُحتاجا الى المساعدة السخيّة لمكافحة الحريق، لرد زعم أن دول اوروبا وفيها النرويج تُحرض على شرعية اسرائيل. إن غير الشرعي، كما أكد سابييه في مقابلة صحافية في بيته الواسع في هرتسليا، هو الاحتلال والمستوطنات اللذان يناقضان القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة. ويذكر السفير أن انتقاد اوسلو على الاحتلال أشد اعتدالا من ذاك الذي يصدر عن غير قليل من الاسرائيليين. ويقول في ابتسام إن النرويج لم تتحدث قط بمصطلحات ما بعد الصهيونية.

يعارض سابييه بشدة كل صورة من صور القطيعة مع اسرائيل. ومع ذلك لا يدهشه أن نرويجيين يمتنعون عن شراء منتوجات اسرائيلية، بعد أن سمعوا أن اسرائيل تلتف على التزام اعلام مصدر سلع تُنتج في المستوطنات. ولن يُفاجىء سابييه أن يزيد الجمود في المسيرة السياسية والازمة الاقتصادية العالمية الضغط العام الداخلي على الدول المانحة للسلطة الفلسطينية وفيها حكومته، لتطرح على اسرائيل النفقة على الخدمات الحيوية في المناطق المحتلة (منحت النرويج السلطة حتى اليوم أكثر من ملياري دولار).

برغم أن سابييه دخل في المدة الاخيرة فقط أبواب مكتب السفير في تل ابيب، فانه يُحسن العوم في مستنقع الصراع الاسرائيلي العربي. إن سيرته الذاتية مملوءة بنقاط ذِكر في الشرق الاوسط: ففي النصف الثاني من التسعينيات عمل مندوبا أول للنرويج في السلطة الفلسطينية وسفيرا في اسرائيل بالفعل ايضا. وقد بشَّر اسحق رابين بفوزه بجائزة نوبل للسلام، وكان في المقاطعة عندما أبلغ محمود عباس ياسر عرفات أن رابين مات من جراحه، وسمع الزعيم الفلسطيني يتنبأ بأن 'الخطوط الحمراء كلها سيتم اجتيازها الآن'. قبل أن يعود الى المنطقة سفيرا في سورية ولبنان (كان في بيروت عندما قصفت طائرات سلاح الجو المدينة)، كان سابييه مسؤولا عن قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية في اوسلو. وكان منصبه التالي قبل ارساله الى اسرائيل، مبعوثا خاصا للمسيرة السلمية.

يعرف سابييه نظرة الاسرائيلي في الشارع الى ماركة 'اوسلو'، التي أصبحت، وهذا مما يأسف له الدبلوماسي القديم، ضحية تنكيل معارضي المصالحة والزعماء المترددين. وتحديه هو أن يُعيد شيئا من الدفء الى نظرة المجتمع الاسرائيلي الباردة الى بلد الفيوردات. في نطاق الجهود لتعزيز العلاقة بين الدولتين، نظّمت السفارة عرض موسيقيي جاز معروفَين من النرويج. وهذا هو السبب الذي يهمه بيانه في أنه لماذا تحافظ النرويج على علاقتها بحماس.

'منذ 1993 أصبحت حماس قوة سياسية، تعارض عقيدتها ايماننا بدولة علمانية باحثة عن السلام'، يقول سابييه. 'لكنكم اذا تجاهلتموها فلن تختفي'. انطبع في نفسه بمحادثاته مع قادة حماس انه كانت فرص ضائعة للتوصل الى تسوية مع الحركة للاعتراف الفعلي باسرائيل في حدود 1967. كانت واحدة منها في المدة القصيرة لحكومة الوحدة الفلسطينية. ويتساءل: أما يزال أحد في اسرائيل يؤمن بأن سياسة الحصار على غزة تحرز هدفها؟ لا شك عنده في أن الحصار لا يمس بمكانة حماس.

برغم أن السلطة في رام الله تنقل الى حكومة غزة جزءا كبيرا من اموال الدول المانحة، لا تنقل حكومته الى حماس حتى تاجا نرويجيا واحدا. وبرغم أن اسرائيل لم تطلب من النرويج أن تُسهم بصلاتها في التفاوض في صفقة شاليط، بُحث الموضوع في الاتصالات بأنه قضية انسانية. يقول سابييه في ثقة إن الزمن الطويل الذي مر لم يُغير قيد أنملة الثمن الذي تطلبه حماس مقابل اطلاق سراح شليط.

 

اسرائيل تصمت

يصعب على سابييه اعتمادا على تجربته السورية أن يُصدق أن سورية 'بواسطة حماس' ستنظر مستريحة عن جنب الى الاتفاق الدائم الذي يُخرج اسرائيل من الضفة وشرقي القدس في حين تظل متمسكة بالجولان. في مقابلة ذلك، انطبع في نفس سابييه أن الرئيس الأسد ملتزم بمبادىء مبادرة السلام العربية (الاعتراف والتطبيع مقابل الانسحاب الى حدود 1967 وحل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين على أساس قرار الامم المتحدة 194). كان في بيروت في آذار (مارس) 2002 في اليوم الذي تبنت فيه الجامعة المبادرة ويتساءل: لماذا لم تُجهد أي حكومة اسرائيلية نفسها الى اليوم في بحث هذا الاقتراح الثوري؟ 'اذا لم تكن اسرائيل تُصدق السوريين'، يقول، 'فلماذا لا تُعرّضهم لامتحان وتكشف عن الحيلة؟'.

قبل أن أودع سابييه سألته هل تثير اسرائيل التي يعيش فيها اليوم والتي تكره الاجانب والعرب، في نفسه الشوق الى اسرائيل التي عرفها قبل اربعين سنة. فأجاب بدبلوماسية: 'أصدقائي في الكيبوتس قلقون جدا من هذا التوجه'. 'اذا كانت اسرائيل تريد أن تكون دولة طبيعية متجهة الى الغرب فيجب أن تحترم القيم الكُليَّة'.

=================

بحار من الدماء... والمكاسب لمن يروجون للحرب

روبرت فيسك - "الإندبندنت"

الدستور

8-12-2010

بما أن هناك الآن ثلاثة صراعات في الشرق الأوسط الكبير: أفغانستان والعراق وإسرائيل  "فلسطين" وربما حرب لبنانية أخرى وشيكة ، ربما يكون من الجيد إلقاء نظرة على تكلفة الحرب.

ليست التكلفة الانسانية - ثمانون قتيلا يوميا في العراق ، أعداد مجهولة في أفغانستان ، وقتيل يوميا في إسرائيل  "فلسطين" (في الوقت الراهن) - بل التكلفة المالية أيضا. أنفق العرب 84 مليار دولار لتمويل العملية الأنجلو أميركية ضد صدام في 1990 - ,91 في المحصلة ، تكبد العرب خسارة بمقدار 620 مليار دولار بسبب الغزو العراقي للكويت في 1990 - الذي قُدم جميعه تقريبا الى الولايات المتحدة وحلفائها. واشنطن كانت تشكو في آب 1991 من أن السعودية والكويت كانتا لا تزالان مدينتان ب 7,5 مليار دولار. بدا من الممكن شن حروب الغرب في الشرق الأوسط من أجل تحقيق النصر والأرباح أيضا. من المحتمل أن العراق كان سيجلب لنا المزيد من الأموال لو لم ينته الأمر بشكل كارثي. على الأقل ، كان ذلك سيساعد أميركا في تعويض ما تضخه من أموال الى إسرائيل بشكل مستمر من أجل حروبها الكارثية.

وفقا للمؤرخ الاسرائيلي ، ايلان باببه ، فإن الولايات المتحدة ، ومنذ 1949 ، زودت إسرائيل بأكثر من مائة مليار دولار على شكل منح ، وعشرة مليارات دولار على هيئة قروض خاصة - أكثر مما تقدمه أميركا الى شمال أفريقيا وأميركا الجنوبية والكاريبيان. خلال العشرين سنة الماضية ، تم تقديم 5,5 مليار دولار الى إسرائيل من أجل المشتريات العسكرية. لكن من الضروري أيضا أن نقرأ الخسائر الخيالية في الشرق الأوسط بأكمله منذ 1991 فقط - 12 تيريليون دولار... أجل واذا كنتم لا تصدقوني ، ألقوا نظرة على الكتيب الصغير المتواضع الذي نشرته "مجموعة فورتنايت الاستراتيجية" قبل زمن ليس ببعيد. إحصائيتها تصدرت عناوين قليلة ، ولكنها نُسيت بعد ذلك بشكل كبير ، ربما لأنها نُشرت في مومباي النائية بدلا من أن تقوم بذلك إحدى مجموعات الخبراء الأميركيين الخرقاء (كما أسميهم). ولكن تم تمويلها من جانب وزارتي الخارجية النرويجية والسويسرية إضافة الى آخرين. والهنود أذكياء جدا حين يتعلق الأمر بالمال.

لذا ، وبما أنه من المحتمل أن تكون هناك حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله قريبا ، دعونا نأخذ فكرة عن التكلفة المهولة لهذه الحرب بكل هذه الطائرات من طراز أف 16 ، والصواريخ ، و"قنابل تفجير الخنادق" ، والصواريخ إيرانية الصنع ، والمصانع والقرى والبلدات والجسور ومحطات توليد الكهرباء ومحطات الوقود اللبنانية المدمرة - لن نلطخ أيدينا بالقتلى البالغ عددهم 1300 شخص في لبنان أو المائة والثلاثين في إسرائيل في حرب 2006 لأنهم مجرد بشر معرضين للموت - هذا دون أن نذكر الخسائر في السياحة والتجارة في كلا الجانبين. الخسارة الكلية للبنان في 2006 بلغت حوالي 3,6 مليار دولار ، و1,6 مليار بالنسبة لإسرائيل - لذا فازت إسرائيل بسهولة فيما يتعلق بالأموال ، رغم أن حشود جيشها دمرت كل ما كان على سطح الأرض. لكن من بين أولئك الذين دفعوا لأجل هذا هناك دافعو الضرائب الأميركيين (قاموا بتمويل اسرائيل) ، ودافعو الضرائب الأوروبيين والعرب وإيران (قاموا بتمويل لبنان). لذا فإن دافع الضرائب الأميركي يدمر ما يقوم دافع الضرائب الأوروبي بإعادة بناءه. يحدث الأمر ذاته في غزة: واشنطن تمول الأسلحة لتفجير المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي ، ثم يعيد بنائها في الوقت المحدد ليتم تدميرها من جديد. ولكن في الحرب اللبنانية ، مصنعو الأسلحة الأميركية يجنون مبالغ ضخمة من المال ، وكذلك تجار الصواريخ الإيرانيون والصينيون - وإن يكن بنسبة أقل.

دعونا نحلل الأرقام الخاصة بحرب لبنان عام 2006 ، الجسور والطرق: 450 مليون دولار. المؤسسات الخدمية: 419 مليون دولار. الإسكان: ملياري دولار ، "المؤسسات" العسكرية: مبلغ بسيط 16 مليون دولار. على ما يبدو ، أنفق حزب الله 300 مليون دولار. إجمالا ، إعادة البناء كلفت 319 مليون دولار ، إصلاح البنية التحتية 454 مليون دولار ، إراقة النفط كلفت 175 مليون دولار. من أجل المزاح السادي فحسب ، يمكنكم أن تضيفوا حرائق الغابات (4,6 مليون دولار) ، المدنيين النازحين 52( مليون دولار) ومطار بيروت 170( مليون دولار). ولكن الأكبر تكلفة من كل ذلك؟ السياحة ، 3 - 4 مليار دولار. الآن دور إسرائيل. السياحة خسرت 1,4 مليار دولار. "خدمات الطوارئ والخدمات الحكومية" 460 مليون دولار ، المشاريع التجارية 1,4 مليار دولار ، التعويضات كلفت 335,4 مليون دولار ، حرائق الغابات 18 مليون دولار. في المحصلة ، بلغت الخسائر الإسرائيلية حوالي 1,5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ، وبالنسبة للبنان: 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ألقوا نظرة فحسب على "سباق التسلح" في الشرق الأوسط - فرسان السباق هم مصنعو الأسلحة ، المراهنون هم دول المنطقة. وفقا لتقرير مومباي ، صفقات السعودية خلال عقد واحد بين 1996 الى 2006 زادت من 18 مليار الى 30 مليار دولار سنويا - وهي تفاوض على صفقة بمبلغ 60 مليار دولار مع الولايات المتحدة - وزادت صفقات إيران من 3 الى 10 مليار دولار. صفقات اسرائيل انتقلت من 8 الى 12 مليار دولار.

هناك مجموعة من الأمور الأخرى في هذه القائمة المروعة من الأهوال المالية والاجتماعية. في 11 أيلول 2001 ، كان هناك 16 شخصا فقط في قائمة الممنوعين من الطيران في أميركا: بحلول كانون الأول ، أصبحت القائمة تضم ,594 وبحلول آب 2008 ، وصلت الى رقم مدهش يقدر بمئة ألف شخص. بالمعدل الحالي ، ستصل القائمة الأميركية "لمراقبة الارهابيين" الى مليوني شخص خلال سنتين. منذ 1974 ، كلفت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مرتفعات الجولان 47,86 مليون دولار فيما أنفقت الأمم المتحدة 680,93 مليون دولار على قواتها في جنوب لبنان منذ ,1978

ها هي الحرب تقترب منكم: بحار من الدم والجثث الممزقة الى اشلاء. ولكن احضروا معكم دفتر شيكات. انه مشروع تجاري ضخم. ويمكن أن تكون هناك أرباح هائلة.

=================

بؤس حالة البحث والتطوير في العالم العربي

باتر محمد علي وردم

الدستور

8-12-2010

 مع أن العالم العربي اعتاد على أن يتبوأ مراكز متأخرة في معظم تقارير التنمية الدولية ، فان الاحصائيات الواردة في تقرير اليونسكو الدولي حول العلوم 2010 والصادر في شهر تشرين الثاني الماضي بالذات من شأنها أن تثير مشاعر الاحباط الشديد.

لقد أثبت التقرير مرة أخرى بأن العالم العربي لا يظهر حتى الآن اية ملامح للتقدم والنهضة العلمية وأنه يراوح مكانه منذ سنوات بينما تتطور دول كثيرة في شرق آسيا وأميركا اللاتينية وحتى في افريقيا محاولة جاهدة اللحاق بقطار العلوم والتكنولوجيا الذي بات يحدد ملامح مستقبل الحضارة البشرية.

 

ويقدم التقرير الذي يرصد النواتج والاستثمارات المعرفية في كافة مناطق ودول العالم من العام 1996 فصاعدا الى أن سيطرة القوى الثلاث العظمى (الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي) في مجال البحث والتطوير وصناعة المعرفة باتت تتهدد من قبل الدول الصاعدة مثل الصين والبرازيل وجنوب افريقيا وكوريا الجنوبية والهند.

وقد خصص التقرير فصلا خاصا للبحث والتطوير العلمي في الدول العربية والذي اشار الى أنه بالرغم من وجود سياسات واستراتيجيات في الزراعة والطاقة والمياه والتكنولوجيا في معظم هذه الدول فان مفهوم الابتكار يبدو غائبا ويرجع ذلك الى غياب الروابط في انشطة البحث والتطوير بين القطاعين العام والخاص.

ولكن التقرير يشير الى بعض المؤشرات الايجابية ومنها زيادة عدد الصناديق المخصصة للبحث العلمي في المنطقة (مصر ، الامارات والأردن) وتحديد بعض الدول مثل قطر نسبا مئوية طموحة لزيادة الانفاق على البحث العلمي وتطوير خطة عمل عربية مشتركة للعلوم والتكنولوجيا من المفترض اقرارها في القمة العربية في العام ,2011

وينتقد التقرير ضعف انفاق القطاع الخاص على البحث والتطوير حيث تحتل الدول العربية باستثناء تونس 36( عالميا) مواقع متأخرة كثيرا في لائحة انفاق القطاع الخاص بالرغم من أن السياسات العامة في الدول العربية في السنوات الأخيرة قامت بتشجيع وتمكين القطاع الخاص للمشاركة في النمو الاقتصادي عن طريق سن التشريعات التي تدعم التنافسية وتقديم الحوافز العامة.

وتشير احصائيات التقرير الى أن العالم العربي هو المنطقة الأقل انفاقا على البحث والتطوير مقارنة بالناتج المحلي الاجمالي اذ تصل النسبة الى 0,2% مقارنة بنسبة 4,8% في اسرائيل ، و 3,2% في كوريا الجنوبية و 1,8 في الاتحاد الأوروبي وكذلك 0,6% في أميركا اللاتينية والكاريبي.

كما أن الاحصائية الخاصة بعدد براءات الاختراع تثير الأسى اذ تصل في العالم العربي الى 0,1% فقط من المجموع العالمي مقارنة بنسبة 0,9% في اسرائيل ونسبة 2,2% في كوريا. أما في عدد الباحثين فان النمط الحالي يشير الى أن الصين سوف تحتل المرتبة الأولى في هذا العدد قريبا على حساب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، حيث تضم هذه التجمعات الثلاث حوالي %20 من عدد الباحثين في العالم. أما حصة العالم العربي من عدد الباحثين في العالم فتصل الى 0,3% بينما تصل في بلدان افريقيا جنوب الصحراء الى 0,6%.

أما فيما يتعلق بمؤشر اقتصاد المعرفة في العالم العربي والذي يعتمد على مؤشرات التعليم والابتكار فتحتل الامارات وقطر المقدمة برصيد 6,73 نقطة وتليهما البحرين (6,04) فالكويت (5,85) وبعدها الأردن (5,54) ومن ثم السعودية وعمان ، بحيث تشكل الأردن الاستثناء الوحيد من خارج دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة هذا التصنيف.

 

جرعة أخرى من الاحباط حول حاضر العالم العربي يقدمها تقرير اليونسكو حول العلوم ، ونحن نضيع أوقاتنا في الكثير من الصخب السياسي والاجتماعي والترفيهي الفارغ وننسى أهم مقومات الحضارة الحديثة الا وهي الابداع والابتكار.

=================

(الناتو).. حلف يبحث عن دور!

الرأي الاردنية

8-12-2010

آن أبلباوم

منذ سنتين تقريباً كنت في أفغانستان فسافرت على متن طائرتين، الأولى ربّانها برتغالي والأخرى ربّانها ألماني. كما أنني التقيت بأحد الأتراك العاملين في مقرّ «الناتو» في كابول، وامرأة هولندية أقامت في قاعدة للحلف جنوب البلاد. وخلال كلّ زيارةٍ قصيرةٍ أديتها، التقيت أيضاً بفرنسيين، وتشيكيين، وبالطبع أميركيين. ولدى مغادرة «القوة الدولية للمساعدة الأمنية» أفغانستان سنة 2014 تقريباً، بحسب ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع «الناتو» مؤخراً، فسيكون بإمكان جنود الحلف العودة إلى أوطانهم بعد أن أثبتوا، وربما أثبتوا فقط، أن الحلف العسكري الغربي لا يزال قائماً.

والأمر هنا لا يتعلق بإحالة ذهنية إلى وصف بعض المؤرخين لمهمة «الناتو» في أفغانستان بالفشل المطلق: فالحلف لم يكن مستعداً للقتال هناك، وكان يفتقر في بادئ الأمر إلى القيادة وبالتالي يعاني من غياب الأهداف الواضحة أيضاً.

وقد أرسلت بعض الدول عدداً كبيراً من الجنود على الأرض وقاتلت بشراسة، فيما اختبأت دول أخرى وراء «القيود» الوطنية التي تملي عليها مكان وزمان وكيفية السماح لجنودها بالانخراط في أي التزام عسكري.

والأبرز أن معظم حكومات الحلف تقريباً تلافى الدخول في محادثات صريحة مع المنتخبين في بلاده بشأن الحرب.

وحتى إن زعم البعض أن «الناتو» لم يفشل، فهو أيضاً، وبعبارةٍ أخرى، لم يسطع نجمه، أو يخرج بسمعة معززة. ولحفظ ماء الوجه في الحلف، وربما لحفظه هو نفسه، لابدّ لجنوده عندئذٍ أن يعودوا إلى أوطانهم، ويحطوا رحالهم، ويبدأوا بالتخطيط للمهمة التالية، ألا وهي الدفاع عن الديمقراطية في أوروبا.

وبدون شكّ، تلك كانت في الأصل هي المهمة التي تأسّس من أجلها «الناتو». وفي حين أن الحلف قد وسّع حجمه بواقع سبع مرات منذ تأسيسه سنة 1949، فقد بدا مؤخراً خلال سنة 2009، أن وضع قواته ومؤسساته تغيّر بالكاد منذ عقدين. والحلف يضمّ حاليّاً 28 دولةً تشمل القسم الأكبر تقريباً مما كان يُعْرَف ب»معاهدة وارسو». إلا أن قيادات القوات المشتركة الثلاث لا تزال تقع في جنوب وغرب القارة، في البرتغال، وجنوب إيطاليا، وهولندا.

يُشار إلى أن الجنود الأميركيين منتشرون بطرق غير منظمة أيضاً حيث إن أكثر من 50 ألف جندي أميركي يتمركزون في ألمانيا، وهي دولة محاطة حاليّاً من جميع الجهات بحلفاء «الناتو»، في حين أن عددهم في بولندا والنرويج، حيث الحدود واسعة الامتداد، وتخلو ضفتاها من تواجد «الناتو»، يبلغ 100 و80 فرداً على التوالي.

وبإمكان الحلف أيضاً أن يعيد تحديث خطته العسكرية للحقبة الجديدة. ويتعاون الأوروبيون والأميركيون أصلاً في مجال مكافحة الإرهاب ويضيفون على نحوٍ ملائمٍ مرتكبي الإرهاب الإلكتروني إلى لائحة الأعداء المشتركين.

ولدى «الناتو» حاليّاً خطط احتياطية للدفاع عن بعض الدول المنتمية حديثاً إليه، ولاسيما بولندا ودول البلطيق (التي تم ضمّها هذه السنة بعد أن لاحظت إدارة أوباما أخيراً غيابها).

وأكثر من هذا أن الحلف لم يقم ومنذ ما يزيد على العقد من الزمن بأيّة مناورات عسكرية جدية. ومنذ زمنٍ بعيدٍ أيضاً، نظم «الناتو» مناورةٍ سنويةٍ ضخمة أطلق عليها اسم «ريفورجر» (عودة القوات إلى ألمانيا)، كانت مُعَدة لإثبات أن الولايات المتحدة الأميركية لا يزال بإمكانها تحريك القوات بسرعة داخل أوروبا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

وأما النسخة الخجولة الأخيرة للمناورات، فقد تمت سنة 1993.

وكانت هذه المناورات فيما مضى تهدف إلى إخافة روسيا. وأما اليوم، فلابدّ من تجديدها ليس بهدف إخافة روسيا طبعاً وإنما لضمان بقاء مؤسسات «الناتو» العسكرية متكاملة، ولكي يتعرف الجنرالات الأميركيون على نظرائهم الأوروبيين، والعكس صحيح، ولتستمر الدول الأعضاء في «الناتو» وفي جواره في الاعتقاد بأن الحلف أمرٌ قائم، وما زال موجوداً.

وتكمن قوة «الناتو» في قدرته على إظهار صورة القوة، والثقة، والتكامل (والحفاظ على واقعيته).

وبإمكان المناورات سواء كانت واقعية أم إلكترونية أن تساهم في تحقيق ذلك. وأستطيع حتى أن أتخيل إدراج روسيا نفسها في ذلك المجهود قريباً. فمن يدري؟ قد يحلّ اليوم الذي نجد فيه أنفسنا نساعد روسيا على الدفاع عن نفسها في مواجهة الصين.

ويبدو الأمر الآن وكأن روسيا قد وافقت أصلاً على سبيل التجربة على الانضمام إلى حلف دفاعِ صاروخي، بغض النظر عن تشعبات هذا الأمر وتعقيداته.

ولابدّ للمؤسسات من هذا النوع أن تقوم عموماً بما تجيده. وتوسيع «الناتو» يشكل إحدى قصص النجاح القليلة للسياسة الخارجية لما بعد الحرب الباردة.

وعبر ضمّ بعض الدول التي كانت معادية فيما مضى للحلف تحت مظلةٍ أمنيةٍ، تمكنا، وبتكلفةٍ محدودةٍ، من تكريس «تغريب» سياسي، واقتصادي، وإيديولوجي لجزء كبير من القارة الأوروبية.

وبإمكاننا الاستمرار في هذه العملية. وإن كانت الحظوظ أقلّ ولاسيما أن سنة 2010 ليست مماثلة لسنة 1990، كما أن الدول خارج «الناتو» أكثر فقراً وتوتراً من الدول التي انضمت حديثاً إليه. إلا أن الوجود بحد ذاته لحلفٍ عسكري غربي ذي مصداقية يبقى، بالفعل، عاملاً مشجعاً لدول أخرى على الحدود الأوروبية. ويبدو الوقت الآن مؤاتيّاً بشكلٍ نادر.

فحاليّاً لدينا حكومة مؤيدة للغرب في مولدافيا في حين أن الحالة الجيوسياسية في أوكرانيا غير واضحة المعالم، ومن المتوقع أن تتم الانتخابات في روسيا البيضاء في ديسمبر الجاري. وأما نحن في الغرب، فلم نعد نكنّ التقدير لأنفسنا، إلا أن الأوروبيين على حدودنا ما زالوا يعتبروننا مصدر إلهامٍ قويّاً. وطبعاً لن نبقى كذلك إلا إذا حاولنا الانخراط الإيجابي في التزاماتنا.

 (كاتبة ومحللة سياسية أميركية)

الاتحاد الاماراتية

=================

المنطقة وصراع تبدل الأولويات

د. حازم قشوع

الأمين العام لحزب الرسالة

الرأي الاردنية

8-12-2010

تعيش المنطقة حالة من الترقب الحذر مع اشتداد عوامل الضغط الموضوعي الواقع على بلدانها، وتفشي حالة من الازمات الداخلية في معظم اقطارها، يأتي ذلك وسط مناخات تشي بتنامي مقدار الضغط الذي يسمح باحداث تبدل جوهري على صعيد الاولويات الرئيسية لقضايا المنطقة، والتي كانت سلم اولوياتها حتى وقت قريب تقوم على حل الصراع الفلسطيني  الاسرائيلي عندما اعتبر المجتمع الدولي ان المدخل الطبيعي الذي يحفظ الامن والسلم الدولي يأتي من باب اقامة الدولة الفلسطينية باعتبارها الاساس القويم الذي يحفظ الامان والاستقرار للمنطقة وشعوبها.

سياسة تبدل الاولويات المتبعة تجاه الملف النووي الايراني قد تحول الصراع في المنطقة من طوره السياسي والدبلوماسي والقانوني الى ميادين تنذر عواقبها بمتغيرات كبيرة على كافة المستويات،كما توكد من جانب آخر قدرة الدبلوماسية الاسرائيلية على فرض اجندتها على المنطقة والعالم، حيث تكون بذلك قد استطاعت فرض سياستها على المجتمع الدولي ليكون مؤيداً لسياستها في المنطقة واولوياتها تجاه وقف تنامي الدور الايراني على حساب اقامة الدولة الفلسطينية.

الدبلوماسية الفلسطينية لم تقف ساكنة في هذه الاجواء بل قامت بجهود سياسية ودبلوماسية حثيثة عندما زجت باوراق سياسية كبيرة ومتنوعة حيث اجتهدت من الباب الذي يحول الاشتباك السياسي من اطاره التفاوضي الى الطور القانوني عندما اقدمت على طلب الاعتراف الاممي بالدولة الفلسطينية، وكما نشطت في الاتجاه الدبلوماسي لتحفيز الدول المؤيدة لها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كما اعلنت ذلك البرازيل مؤخراً، ولم تكتف الدبلوماسية الفلسطينية بذلك بل قام الرئيس الفلسطيني بالاعلان عن موقف كبير وله تداعيات مؤثرة على المنطقة وعلى واقع الاحتلال الاسرائيلي عندما اعلن عن امكانية حل السلطة الفلسطينية اذا لم تقم اسرائيل بما عليها من واجب حيال تجميد الاستيطان ورفع الحصار ووقف التهويد في القدس، ولعل كل ذلك يأتي من باب التأكيد على اهميته الالتفات الى الملف الفلسطيني باعتباره جوهر النزاع في المنطقة وعدم السماح للحكومة الاسرائيلية بالتلاعب بمستقرات المنطقة ومستقبل عملية السلام لصالح اجندات الصراع الاقليمي الذي بدى واضحاً ان الحراك الدائر في ربوع المنطقة يسعى الى ايجاد استقطابات محورية جديدة ستدخل المنطقة في مربع انزلاق غير محمود النتائج اذ لم تعد المسارات التفاوضية الى المكانة التي تحيي الامل من جديد بأهمية العمل من اجل التوصل الى السلام الذي يحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويعزز الثقة بعدالة دور النظام العالمي ومكانة المجتمع الدولي واطاره القانون الاممي الجامع.

واذا كانت القوى الاقليمية في المنطقة قد اخذت او اتخذت مكانا في المربعات المؤثرة التي تحفظ لها دورها وتعزز مواقفها وحضورها السياسي والميداني، فان النظام العربي مطالب في هذه المرحلة بدور اكثر فاعلية على الصعيد السياسي والدبلوماسي، وان كان منشغلاً في هذه الاثناء في قضاياه الداخلية او بدى مهتماً في مسألة تصاعد الدور الايراني في المنطقة كما بين ذلك التقرير الذي نشر على موقع ويكيليكس، لكن كل ذلك بالقطع لا يبعد النظام العربي عن حضوره ودوره الاصيل باعتباره الرافعة الجامعة للامة، فالنظام العربي وبما يملكه من مقدرة وتأثير قادر على اثبات حضوره وتعزيز مكانته وقضيته المركزية لتكون عند سلم اولويات المجتمع الدولي، وهذا بظني بحاجة الى دعوة لاجتماع قمة عربية طارئة تسعف حضوره وتعزز من دوره الدبلوماسي على اقل تقدير.

لقد حرصت الدبلوماسية الاردنية على بذل جهود سياسة دبلوماسية كبيرة لتعتلي القضية الفلسطينية سلم الاولويات في المنطقة، وكما اكد جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر المنامة على اهمية قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته وتقديم المقترحات الواضحة التي تسهم في كسر الجمود الذي يلازم العملية السلمية، وكما وضع جلالته اسرائيل امام الاختيار الواضح والجلي فاما ان تختار ان تصبح ديمقراطية وتحظى بالقبول والامن وتمكن الشعب الفلسطيني من تعزيز مصيره واقامة دولته، او تغدو دولة عنصرية (ابارتاد) وتقوم بتكريس الحقائق بافعالها الجغرافية والديمغرافية وتسهم بذلك باضاعة المزيد من الفرص من اجل احقاق السلام الذي تحفظه المنطقة وتصونه شعوبها، وهى دعوة واضحة وصريحة للمجتمع الدولي وللحكومة الاسرائيلية لتقوم بما عليها من واجب حيال عودة الامور الى مكانها الطبيعي ومسارها الضابط للسلام والذي يبرز التوجهات العربية في هذه المرحلة السياسية الدقيقة التي تستهدفها المنطقة.

=================

تركيا "العمق الاستراتيجي"

أم تركيا "الدرع الصاروخي"؟!

المستقبل - الاربعاء 8 كانون الأول 2010

العدد s2227 - رأي و فكر - صفحة 11

فيصل علوش

في مواجهة المشكلات الصعبة المطروحة في ما يعرف بمنطقة الشرق الأوسط، قد تتطلب السياسة أو الديبلوماسية اجتراح صيغ وحلول مبتكرة ومعقدة، أشبه ما تكون بمعادلات من الدرجة الثانية أو الثالثة، تتجاوز الفهم المألوف والمتعارف عليه للسياسة بوصفها "فن الممكن" فقط، بما يوحي به هذا التعريف من واقعية مبسطة أو مبالغ فيها، فضلا عن أن هذا "الممكن" نفسه، غالبا ما يكون محط خلاف وتباين في التقدير تبعا لهذا الطرف أو ذاك.

ولكن، هل يعني هذا، في المقابل، أن تطمح السياسة إلى صناعة المستحيل، أو اجتراح معجزات، من دون الإستناد إلى أية مقدمات أو معطيات واقعية؟ مأخوذا بنظر الاعتبار أن أية سياسة لا تقوم ولا تتحرك بمعزل عن سياسات أخرى، تتلاقى أو تتصادم معها، وتصبح نتائجها، بالتالي، بمثابة حصيلة لمدى قوتها وتأثيرها جنبا إلى جنب مع السياسات المتلاقية أو المتحالفة معها، في مواجهة قوة وتأثير السياسات المتصادمة أو المعادية لها.

كما أن نجاح السياسة وتحقيق أهدافها المرسومة والمتوخاة، القريبة منها أو البعيدة، يتطلب أول ما يتطلب، اندراجها في إطار إستراتيجية متكاملة ومنسجمة، تنطلق من مقدمات وعناصر محددة، ولديها مراميها المباشرة وغير المباشرة، مع امتلاك الوسائل الكفيلة بتحقيقها.

نسوق هذا الكلام في محاولة للوقوف على موقف أنقرة بعد موافقتها على قرارات القمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة في لشبونة، وخصوصا ما يتصل منها بنشر منظومة الدرع الصاروخية على أراضيها. هذا الموقف الذي يجيء بمثابة محك واختبار لمدى نجاعة السياسة التركية الخارجية في توجهاتها الجديدة، لجهة عملية "إعادة التموضع الإستراتيجية" في الإقليم، المبنية على مبدأ "تصغير المشاكل" مع الجوار، أو ديبلوماسية "العمق الاستراتيجي" التي تبناها وروج لها مهندس السياسة الخارجية الراهنة لتركيا الوزير أحمد داود أوغلو.

بإمكان حكومة أنقرة، طبعا، الدفاع عن موقفها والقول بأنها رفضت تسمية إيران كمصدر للتهديد المحتمل، وبأنها حققت مطالبها وشروطها التي وضعتها لإعطاء موافقتها على قبول نشر "الدرع الصاروخية" على أراضيها. بيد أنه، وحتى لو لم يفصح الرئيس نيكولا ساركوزي صراحة وعلانية عن كون "الخطر المحدق بأوروبا مصدره إيران"، فمن الواضح للجميع أن السعي الأميركي والأطلسي لنشر هذا النظام في هذه المرحلة تحديدا، يستهدف على وجه الخصوص إيران، فهي المتهمة، غربيا، بالسعي إلى "حيازة السلاح النووي"، فضلا عن "اتهامها بسبب برنامجها الصاروخي، الذي لا تفتأ تلّوح بكل إنجاز جديد فيه".

وهكذا، سواء وضعت إيران بالاسم على قائمة مصادر التهديد أم لا؟ فهذا لا يغير في جوهر الموضوع، لأنها تبقى هي المعنية في سياق الوضع الدولي الراهن، وخصوصا في ظل تحسن العلاقة الأطلسية  الروسية.

وهذا لا يطعن بصدق أنقرة، في توجهاتها الجديدة، وحرصها على أداء دور إقليمي مستقل عن حلفائها الأطلسيين، بمقدار ما يؤشر إلى المعضلة القائمة في إمكان الجمع بين التزاماتها تجاه حلفائها في الناتو، وبين سياساتها الإقليمية الجديدة.

فحكومة "العدالة والتنمية" قد لا تود لتركيا أن تستمر بلعب دور "مخفر متقدم" للحلف الأطلسي في المنطقة. وهي لا ترغب، خصوصاً في أن تصبح هدفا للصواريخ الإيرانية، لكن مشروع الدرع الصاروخي سيحول تركيا، شاءت حكومة أنقرة أم أبت، إلى خط مواجهة أول مع إيران، في حال نشوب أي نزاع عسكري. وقد عبرت طهران، على لسان قائد في "الحرس الثوري" بأن "أي بلد تنطلق منه صواريخ ضد إيران سيتم التعامل معه على أنه بلد معاد". وهذا ما دفع كثيرين من أصدقاء "العدالة والتنمية" والمدافعين عن سياساته في العالمين، العربي والإسلامي، إلى المراهنة بأنه لايمكن لأنقرة، بأي حال من الأحوال، أن توافق على هذا المشروع. كما كان موقفها هذا أشعل، أيضا، نقاشا حادا داخل تركيا نفسها، حيث اعتبر كثيرون أنه أطاح بسياسة أنقرة الجديدة تجاه جيرانها، وسعيها إلى تصغير مشكلاتها معهم.

والحال، فإذا كان ما يميز السياسة التركية الخارجية في ظل حكم "العدالة والتنمية"، حتى ما قبل قمة لشبونة، هو مراعاتها لاعتبارات مختلفة، ومحاولتها تحقيق التوازن بين أهداف متعارضة، تصل حد محاولة الجمع بين وجهتين مختلفتين، أولا توجد قواسم مشتركة كبيرة بينهما، فإن هذه "الميزة الفضيلة"، قد تصبح هي نفسها نقطة الضعف التي تعتور هذه السياسة، بسبب معضلة الاستمرار في الجمع والمواءمة بين التزاماتها تجاه شركائها في الأطلسي، ومتطلبات دخولها إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما لايبدو أن أنقرة بصدد التخلي أو الاستغناء عنه، وبين مقتضيات سياسة "العمق الاستراتيجي" و"تصغير المشاكل" مع الجوار، التي عادت عليها أيضا بمكاسب وثمار سياسية واقتصادية لا يستهان بها، وليس من مصلحتها التفريط بها كذلك، وكلما تصاعد النزاع بين إيران والغرب ستكتسي هذه المعضلة خصوصية وحساسية أكبر فأكبر، وستفضي في المحصلة إلى وضع أنقرة أمام خيارات صعبة فعلا.

ويشير بعض المصادر إلى أن حكومة العدالة والتنمية كانت تلّقت انذارات أميركية عدة، بشأن احتمال تعرض علاقاتها مع واشنطن للتدهور والتراجع، في حال عدم موافقتها على نشر الدرع الصاروخية وبقية قرارات الحلف في قمة لشبونة. وشددت المصادر على امتعاض واشنطن من عدم وقوف أنقرة إلى جانبها في التصويت الأخير لمجلس الأمن على قرار تشديد العقوبات المفروضة على إيران. فضلا عن قلق العاصمة الأميركية من توتر العلاقات بين تركيا وإسرائيل، في حين تشهد علاقاتها مع إيران تحسنا واضحا.

ويتضح من واقع التجربة أن حكومة "العدالة والتنمية" تجاوزت مرحلة الاملاءات في علاقاتها مع واشنطن أو بقية حلفائها في "الأطلسي"، وبات سجلها يتضمن مواقف تبرهن على ذلك، أبرزها رفض البرلمان التركي استخدام الأراضي التركية لعبور القوات الأميركية عند غزو العراق، والتوتر الحاصل في علاقاتها مع تل أبيب. ولكن تطور الأمور قد يكشف أن ثمة حدودا، وربما سقفا محددا، لا يمكن لأنقرة أن تتجاوزه في تطبيقاتها لمبادئ سياستها الخارجية المعلنة إزاء جيرانها. وهذا لا يتصل بمدى قدرتها على تحدي واشنطن أو التمرد عليها وعلى علاقاتها التقليدية مع حلفائها في الغرب، بمقدار ما يتصل بمصالح وأهداف تركية عليا، وسياسات إستراتيجية، درجت عليها أنقرة منذ عقود، تصب في مصلحة تحقيق تلك المصالح والأهداف.

وإلى ذلك، ثمة عناصر داخلية عدة، يفترض أن حكومة رجب طيب أردوغان تأخذها بالاعتبار لدى تقرير سياساتها، منها الانقسام العميق داخل المجتمع التركي حيال توجهات الحكومة، وظهر ذلك واضحا في الاستفتاء الأخير على حزمة التعديلات الدستورية، وكذلك الشأن المعتبر الذي لازالت المؤسسة العسكرية تتمتع به، على رغم تقليص صلاحياتها في التعديلات الأخيرة، إضافة إلى مشكلة أكراد تركيا، والخشية من دخول قوى خارجية على خط هذه المشكلة، وتوظيفها لتأزيم الوضع الداخلي أو اللعب به.

وفي المحصلة، فإن قدرة حكومة أردوغان، على التحرك، وعلى توسيع هامش المناورة أمام ديبلوماسيتها سيتحدد تبعا ووفقا لكل هذه العناصر والعوامل الداخلية والخارجية، والطموح إلى اجتراح الحلول المبتكرة للمشاكل، لا يمكنه أن يرقى إلى حد تجاهل تلك المعطيات أو القفز عنها نهائيا.

=================

جورج غالاوي.. وتهمة معاداة السامية

موقع Monolialisaton.ca

ترجمة

الأربعاء 8-12-2010م

ترجمة: محمود لحام

الثورة

بعد منعه من دخول كندا في آذار الماضي لأنه كان يشكل خطراً على الأمن القومي الكندي، وفق مزاعم أوتاوا، حط جورج غالاوي في مونتريال في زيارة تهدف إلى وضع النقاط على الحروف بخصوص اتهامات له بدعم الإرهاب

عبر مساندته لمنظمات تضعها كندا في قائمة المعادين للسامية مثل حركة حماس.‏

وزير الهجرة الكندي «جازون كيني» اعتبر في وقت سابق أن غالاوي يمثل تهديداً لبلده بسبب دعمه لحماس، وكذلك كان رأي قاضي المحكمة الفيدرالية «ريتشارد موسلي» الذي رأى أن قوافل المساعدات التي يشرف عليها غالاوي أوكل أشكال الدعم الأخرى لحماس إنما هو خروج وتجاوز للقانون الدولي.‏

السيد غالاوي حذر كل من قام بحملات وافتراءات ضده وكذلك التشهير به مذكراً الوزير الكندي أن حق التعبير له حدود لا يمكن تجاوزها وأن اتهامه بمعاداة السامية مرفوض وأكد أن من وجه له هذه الاتهامات إنما يتحرك وفق أوامر اللوبي اليهودي وأكد السيد غالاوي أنه سيسعى لتأسيس حركة «لا للحرب» في كندا.‏

غالاوي النائب البريطاني السابق أكد أنه استقبل بشكل سيء في كندا من قبل الحكومة بخلاف الكثير من الدول التي كان يستقبل فيها بحرارة من قبل قادتها، ذلك لأن هذه الحكومة تساند الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وتدعم الحرب المفتعلة بحجة عولمة مكافحة الارهاب التي بدأها بوش وبلير وحلفاؤهما.‏

كذلك أكد غالاوي أنه يتحدث مع حماس لأنها تمثل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً من قبل الشعب الفلسطيني وهو بذلك يدعم الديمقراطية وليس هذه المنظمة بعينها وذكر بأن العالم كله تحدث مع حماس: البريطانيون والأميركيون بل وحتى الإسرائيليون.‏

وفيما يتعلق بالوضع في أفغانستان فقد بين السيد غالاوي أنه لا أحد نجح باحتلال أفغانستان من قبل منذ عهد الاسكندر المقدوني وحتى الآن فلماذا تصر كندا على الاستمرار في الحرب الدائرة في أفغانستان وهي بذلك تتناسى وعودها السابقة بسحب قواتها من تلك الحرب المؤامرة وتماطل بحجة أن القوات المحلية بحاجة لمزيد من التدريب لتصبح قادرة على مواجهة تهديدات طالبان التي يتوسع نفوذها.‏

وبالطبع كانت فلسطين حاضرة في خطاب غالاوي إذ أكد أنه طالما لا يوجد سلام في فلسطين فلن يكون سلام في «الشرق الأوسط» ولا في العالم أجمع، ودعا إلى الانتباه إلى أن هنالك دولة أزيلت عن الخارطة هي فلسطين، إنها لم تعد تذكر ولا حتى في القواميس.‏

فلسطين اليوم معسكر كبير فيه تكدس الأسلحة المدمرة من قبل «إسرائيل» بل وتستخدم المحرم منها دولياً في قصف المدنيين الفلسطينيين عقاباً لهم على تصويتهم لحماس، ويطلق عليهم اسم الارهابيين بينما هم الضحايا والحقيقة أن الإسرائيليين هم الارهابيون ويسمون أنفسهم الضحايا.‏

كذلك حذر غالاوي الحكومة الإسرائيلية العنصرية مؤكداً أنها ستهزم أمام المقاطعة التي تتوسع ضدها وكذلك عبر سلسلة العقوبات وإلغاء الاستثمارات وأدوات أخرى منها قارب كندي سوف يشكل جزءاً من الاسطول القادم الذي يهدف إلى كسر الحصار عن غزة، وتشرف عليه منظمة «قارب كندي من أجل غزة» التي تحتاج ل (300.000) دولار كي تبدأ ابحارها ولقد جمعت حتى اليوم (100.000) منها.‏

وأخيراً بخصوص أحداث 11 أيلول جورج غالاوي أكد أن القاعدة هي صناعة أميركية وأن الحكومة الأميركية وعلى وجه الخصوص ال (C.I.A) تقف وراء اعتداءات الحادي عشر من أيلول وليس كما يشاع عن القاعدة أو عناصر متطرفة من «الشرق الأوسط» بهدف خلق المبرر أمام العالم لشن حروب استباقية لمكافحة الارهاب في أي مكان وأي زمان على الإطلاق ويبقى الهدف غير المعلن ألا وهو السيطرة على مناطق الثروات وخاصة

=========================

لصوص المونديال !

حامد بن عبد الله العلي

 7/12/2010

http://www.h-alali.cc/m_print.php?id=22e2f840-0206-11e0-b8df-58b37c532de6

ما أرى الأمريكيين يثيرُ قلقهم هذه الأيام ، شيءٌ أكثر من توقعهم صدور شريط قادم لأسامة بن لادن يشمت بهم بعد فضيحة الوكيليكس ، كان الرجل يقول للعالم إنّ هؤلاء الذين يتعاملون مع العالم بعقول الأطفال التي لا تفهم ، ونفوس الوحوش التي لا ترحم ، يستحقون ما نفعل بهم ، ثم جاء الويكليكس فنشر مئات الآلاف من الوثائق !!

 

ما بال أولياء الطغاة لا يصطلون إلاّ بنارهم ، ولا يعذَّبون إلاّ بسياطهم ، سبحان الله ،

 (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ، فلما كفر قال إني بريءٌ منك ) .

دعونا من الويكيليكس فإنها أضحت الناطقة بألف ألف لسان ، المجادلة عن نفسها ، لا تحتاج إلى غيرها ، ولا ريب أنّ قنبلتها العنقودية ستأخذ أقصى مدى في الزمان ، وهي تفجّر فضائحها المتتالية إلى أمدٍ لا يعلمه إلاّ الله تعالى ، فهي بتدمير أعدائها كفيلة .

ولنأخذ في شأن هذه الهستيريا البلهاء التي تُسمَّى (المونديال) !

يقول السير توماس أرلوند في كتابه العجيب ( الدعوة إلى الإسلام ) ص 7 : ( ويظهر أنّ أخلاق صلاح الدين ، وحياته التي انطوت على البطولة ، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيراً سحرياً خاصاً ، حتى أنّ نفراً من الفرسان المسيحيين ، قد بلغ من قوة انجذابهم إليه ، أن هجروا ديانتهم المسيحية ، وهجروا قومهم ، وانضموا إلى المسلمين ، وكذلك كانت الحال عندما طرح النصرانية فارس انكليزي من فرسان المعبد يدعى روبرت أوف سانت ألبانس Robert of St. Albans عام 1185 م واعتنق الإسلام ، ثم تزوج بإحدى حفيدات صلاح الدين وبعد عامين غزا صلاح الدين فلسطين ، وهزم الجيش المسيحي هزيمة منكرة في واقعة حطين ، وكان جوي ملك بيت المقدس بين الأسرى ، وحدث في مساء المعركة أن ترك الملك ستة من فرسانه ، وفرُّوا إلى معسكر صلاح الدين بمحض إرادتهم ).

جاء في كتب الأدب أنّ كبشة بنت معد يكرب الشاعرة الجاهلية ، عاتبت أخاها عمرو بن معد يكرب ، تعيره بميله إلى قبول دية أخيه المقتول ، فقالت :

ودع عنك عمْراً إن عمْراً مسالم ** وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم ؟

وهي ترمي إلى أن همَّته تعلقت ببطنه _ وما هي إلاّ شبر طعام _ ولهذا آثر الدية على كرامة أخذه بالثأر ، لكنه لما سمع بيتها ، نهض بعدُ وأخذ بثأر أخيه .

وأظن أنَّ العلامة الندوي علق على هذا البيت بأن كيف لو رأت كبشة معدة هذه الجاهلية المعاصرة ، وقد تمدَّدت حتى وسعت الأرض .

 

وأقول فكيف لو رأت كبشة ، ثم العلامة الندوي ، أنَّ الهمة نزلت حتى تعلقت بأسفل ما في الإنسان وهو قدمه ! وصار الركض وراء الجلود المنفوخة ، هو المجد الأعلى ، والفخر الأولى !

حياة صلاة الدين ، وأخلاقه ، وبطولاته ، التي تحدث عنه السير توماس أرلوند ، إنما نبتت من أرض سُقيت بثقافة الهمم العالية ، وأشرقت عليها شمس تشعُّ معالي الفضائل ، وتنفَّست هواء أمجاد البطولة الحقيقية ، بطولة التضحيات العظيمة في سبيل العزَّة السامية .

ولم يكن صلاح الدين ليحرِّر الأقصى ، ويعيد لهذه الأمة العظيمة عزّتها بعد نحو قرن من إحتلال الصليبين للقدس ، إلاّ ومعه جيلٌ نبت معه ، من نفس تربته ، وأشرقت عليه تلك الشمس ، وتنفّس ذلك الهواء النقي.

 

يقول المؤرخ البريطاني Stanley Lave في كتابه عن حياة صلاح الدين ، واصفا الجيل الذي كان مع صلاح الدين : ( لقد وقف العالم المسيحي وقفة رجل واحد إزاء المسلمين ، ولكنّه لم يستطع أن يزحزح صلاح الدين عن مكانه ، كان جيش صلاح الدين قد أعياه الجهاد الطويل ، والمتاعب العظيمة ، وقد ظل أعواماً طوالاً مرابطاً ، مناضلاً ، مكافحاً عدواً قوياً جداً ، لكن لم يسمع من جندي واحد أنين ، أو شكاة ، أنهم لم يتأخروا يوماً في الحضور ، ولم يضنوا قط بالنفائس ، والنفوس ، كلّما دعاهم صلاح الدين للجهاد ، وكلّما استفزهم للقتال ، و ربما شكا أحد الأمراء التابعين له في بعض أودية دجلة البعيدة من هذه النجدة التي لا تكاد تنتهي ، ولكن قدموا ببعوثهم ، وحضروا بجيوشهم لنصرة السلطان كلَّما طُلبوا . وقد قاتل الجيش الموصلي بكلّ بطولة ، وحماسة في حرب أرسوف الأخيرة ، وكان السلطان واثقاً بأنه سيأتيه المدد من جيوش مصر ، والعراق ، وكذلك من جيش الشام الشمالي ، والمركزي ، وكان التركمان ، والعرب ، والمصريون ، خدمة أوفياء للسلطان ، وحضروا كالعبيد كلَّما طلبهم السلطان ، وقد مزج السلطان هذه العناصر المختلفة مزجاً غريباً ، وألف بينهم رغم ما فيها من اختلاف في الجنس ، والقومية وما بين أفرادها من خلافات داخلية ، ومنافسات قبلية فكانوا كالجسد الواحد ) .

إنَّ الأمة اليوم وهي تسمع على مدار الساعة ، ما يلقاه المسجد الأقصى من تهديدات تقترب من فاجعة إنهياره ، في ظلّ إنتشار الجيوش المحتلّة للبلاد الإسلامية ، والقواعد الصليبية المنتشرة حول فلسطين الحبيبة ، وعلى طول أصقاع الثروات من أفغانستان إلى جنوب السودان ،

هي بأمسّ الحاجة إلى إشاعة الثقافة التي تثمر مثل ذلك الجيل الذي كان مع صلاح الدين فحرر الله بهم الأقصى ، فرسموا بأحرف النور ، عنوان المجد على نجوم سماء العزّة .

ولا ريب أنَّ أعظم كارثة تمر بها الأمة اليوم ، بلاؤها بهذه الأنظمة العربية ، التي غدت وكأنها ليس له همّ ، إلاّ توفير جميع أسباب الضعف ، وعوامل المهانة لأمّتنا ، وقيادتها إلى مهاوي الإنحطاط ، وذلك بصناعة جيل عابث ، فاقد الإنتماء ، مبلبل الأفكار ، مشتت الهوية ، تائه الأهداف .

وما أمرُ هذا الذي يُسمَّى (المونديال) عن هذا ببعيد ، ولا نقصد هنا الرياضة ، فالرياضة في شريعتنا مباحة ، وقد يُندب إليها _ وما يحقق مصلحة الجهاد يجب في بعض الأحوال _ إذ كلُّ محبَّب للنفس ، مثير للبهجة ، مفيد للحياة ، مشروع في الإسلام ، مرغبٌ به في دين السماحة .

غير أنّ حكاية ما يسمى ( المونديال ) ليس بهذه البساطة ، إنها شيءٌ آخر تماما ، إنها قصّة اللصوصية في أجلى تجلّياتها ، ولا نقصد هنا ما في منظمة ( الفيفا ) من فساد مالي ، ورشوة _ إذ هي من أكثر المنظمات فسادا في العالم _ بل نعني أمرا آخر !

فأوّل شيء يُسرق في بيع أوهام المجد المزيَّف هذا ، مجد الأقدام الراكضة ، من (العارضة) إلى (العارضة) ،

هو هوية الجيل ، وأخلاقه .

ولتنظروا إلى أولئك المساكين الذين خرجوا يصيحون في الشوارع ، كأنهم قد زُفَّ إليهم نبأ تحرير الأقصى ، كيف غرز في نفوسهم ، أنَّ ( المونديال ) هو أسمى غايات الحياة ، وأعلى سلَّم الهمم ، وأعظم إنجازات الأمم !!

 

ولهذا ، فلا ريب أنّ كلَّ شيءٍ في قطر سيُسخَّر إلى أن يأتي عام 2012م ، من أجل تحقيق نجاح موهوم ، وشرف معدوم ، في شهر واحد لن يتكرر في التاريخ !

وهذا يعني أنْ تفتح الأبواب على مصاريعها لكلّ فساد يرغب القادمون من أنحاء العالم أن يرثعوا فيه ، وهم في (دوحة المونديال) ، إثنائه ، أو قبل ذلك ، من الشركات التي ستعدّ البلاد لشهره المنحوس !

وأنه كلَّما علت أصوات الغيورين على هوية المجتمع من الضياع ، سيقال لهم أتريدون أن يفشل ( المونديال ) ؟!

وسيتحوَّل المونديال إلى إله يُستباح له كلّ محرم _ من الخمور إلى الدعارة _ كل محرَّم حرَّمه ربُّ العالمين ، في شريعة سيد المرسلين ، حتى يرضى !

وسيُقضى على ما تبقى في قطر من سمات المحافظة الفاضلة ، في شعب طيب كريم محبِّ لدينه ، معتزّ بإنتمائه لأمّته .

كلُّ ذلك بإسم ( صنم المونديال) ، فالمونديال قد يلزم له صالات الرقص ! والمونديال لا يحقق أهدافه على التمام إلاّ بحانات الخمر ، والمونديال لا يتوقع نجاحه إلاّ بتعليم شبابنا ثقافة التحلُّل ، وشاباتنا فنون الترحيب بالضيوف بالهزّ ، واللزّ !

وأما السرقة الثانية فهي سرقة المفاهيم الحقة في الأمة ، مفاهيم البطولة الحقيقية ، والإنجاز الذي يستحق الإعتزاز ، وذلك بتزييف ( الوعي المفاهيمي ) لدى الناس ، بإضفاء ألقاب البطولات ، والأمجاد ، والإنجازات العظمى ، وتحقيق الأهداف العليا ، على ما ليس له من هذا كله أدنى نصيب ، على ركض ، ولعب ، ولهو ، لا ينتهي بالناس إلى صلاح في دينهم ، ولا إصلاح في دنياهم !

ثمَّ تكريس هذا الزيف حتى يصبح هو ثقافة الناس ، فلا يبقى في عقولهم ، وقلوبهم مكانٌ لسواها ، ويلتهون بذلك عن كلّ مهم من قضايا أمّتهم .

 

وأما السرقة الثالثة فهي سرقة الثروة ، ثروة الأمة التي هي عزًُّها ، وسرُّ قوّتها ، ومعقد نهضتها ، وقد غدت في هذا العصر نهباً لكلّ ناهب ، وسلباً لكلِّ سالب ، من أجنبيّ يسخرها لهيمنته ، وأنظمة تستنزفها في ملذاتها ، وأطماعها .

فسيُهدر على إنجاز هذه (الأوهام المونديالية) ، مئات المليارات _ في وقت ترزح فيه الشعوب العربية بالفقر ، والجوع ، والجهل _ تتقاسم أرباحها الشركات الأجنبية الغربية ، والمتنفّذين المحلييّين ، ويجري تحت ذلك ما لا يحصيه إلاّ الله من التجاوزات _ كعادة البلاد العربية _ بلا رقيب ، ولا حسيب ، فلا يوجد في بلادنا العربية ، مجلسٌ نيابيُّ يمارس دورا رقابيا حقيقيا على المال العام ، ولا مؤسسات مدنية تتحرّك ضد هذا الفساد محمية بالنظام نفسه ، وتدعمها صحافة حرّة .

 

لقد أصبح المونديال أهم من مشاريع الإنقاذ السياسية التي تحقق لشعوبنا آمالها ، وترقى بها إلى مصاف النظم السياسيّة المتطوِّرة ، التي تنتخب فيها الشعوب قيادتها ، وتحاسبها ، وتسخر إمكانات الأمة ، وثروتها لمصلحة الأمّة وعزّتها .

وأضحى المونديال أولى من قضايا أمتنا التي تعاني ما تعانيه من تكالب الأعداء ، وخيانة الأبناء ، وعلى رأسها قضية الأقصى السليب.

وغدا مقدَّما على كلّ مشاريع التنمية التي تفتقر إليها شعوبنا .

والسرِّ وراء ذلك ، أنَّ ( المونديال ) هو مصدر المال ، معبود الأنظمة العربية ، أما مشاريع الإصلاح الحقيقية فهي مصدر الإزعاج والقلق بالنسبة إليها !!

هذا ولا يظننّ أحدٌ أنَّ الدول الأخرى ليست بأحرص على مثل هذا السقوط ، بل هي أضحت متحسِّرة على ما لم تنل ، حاقدة على قطر حقد الجمل !

ولو قيل إنَّ هذا كلَّه قد أُعدِّ سلفا لتحقيق ما ذكرت ، وللوصول إلى ما إليه أشرت ، لكي تغرق الشعوب العربية أكثر بهذه الأوهام .

 

لاسيما والتهديدات على المسجد الأقصى بلغت ذروتها ، وتهويد القدس ماض بلا هوادة ، والمخطط الصهيوغربي يعدُّ خططا جديدا لتفتيت الأمة ، أشدّ مما هي مفتتة ، وتمزيقها أكثر مما هي ممزقة ،

فليس ببعيد قوله ، ولكن يبدو أنه لم يعد ثمة حاجة إلى عقد هذه المؤامرات الخفية ، بينما الأنظمة العربية أصبحت تتحرك تلقائيا وفق خطط الإنحطاط بالأمة بسبب ما أحاط ويحيط بها من ظروف وجودها ، وإستمرارها ، فكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضح !

 

وأخيرا فإنَّ المكلَّف شرعا اليوم _ فرضا جازما _ بمراقبة ما يجري في قطر من خطط خطيرة لتهيئة المجتمع القطري لتغييرات مخيفة ، تحت شعار ( ثقافة مونديال 2022م ) .

هم العلماء ، والدعاة ، والغيورون على دين الناس، وأخلاقهم ، وهويتهم.

فعليهم أن يؤسِّسوا من الآن هيئة رقابة صالحة ، تقوم بواجبها بالوسائل المشروعة ، يُختار لها من أبناء المجتمع القطري الكريم ، صفوة منتقاة ، فيتابعون ما يجري عن كثب ، ويقومون بما يجب عليهم من واجب حماية الدين ، والذود عن الهوية الإسلامية ، والدفاع عن الأخلاق ، ووقاية المجتمع القطري من فيروسات الرذائل ، وجراثيم الفساد.

لاسيما والناس تسمع عما يجري من تغريب مخيف في المجتمع القطري آخذٌ بالإنتشار سريعا ، بالإضافة إلى تفريخ مفزع لمؤسسات تخريب الهوية التي تتكاثر وسط صمت غير مقبول ّّ! وسكوت غير مسؤول !

والله المستعان

اللهم إنا قد بيّنا ، وعليك اللهمّ البلاغ ، والله حسبنا ، عليه توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلون.

=========================

النفط والتحكم بالدول ومقدراتها.‏

"جنة" أم معزل ليهود العالم؟

آخر تحديث:الأربعاء ,08/12/2010

ميشيل كيلو

الخليج

لم يلفت نظر أحد من أسسوا الحركة الصهيونية وبشروا بقيام دولة يهودية في مكان ما من العالم، إلى فلسطين بعد توسع حركة الفتوحات الاستعمارية واهتمام قادة غربيين بإقامة جدار أجنبي عازل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، يتكفل بإبقائه في حالة تشرذم بالقوة، على أن يمثل بؤرة حضارية وسط الهمجية الشرقية، حسب تعبير تيودور هرتزل، وهو صحافي نمساوي كتب نصاً جعل عنوانه “دولة اليهود”، قبل أن يدعو إلى مؤتمر صهيوني تأسيسي في مدينة بال السويسرية عام ،1897 لوضع خطط عملية تتكفل بإقامة كيان لها في فلسطين، بعد أن كان بعضهم قد اقترح إقامته في شرق إفريقيا، وكذلك الأرجنتين .

هذه الحركة، التي اعتبرت نفسها جزءاً من الغرب وحضارته، صارت دولتها تسمى هناك “واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق”، التي أسند إليها فكر ليبرالي عنصري مهمة تحضير محيطها العربي، بينما رأى بعض الفكر الاشتراكي فيها قاعدة متقدمة للحركة العمالية الدولية وسط عالم عربي متأخر وإقطاعي، فهي ستعكس بالضرورة تقدمها السياسي والاجتماعي والاقتصادي عليه وستصيبه بعدوى التحديث والتطور، فلا عجب إن تحمس الليبراليون الإقصائيون والاشتراكيون الإمبرياليون (كما كانوا يسمونهم في حينه) للوليد اللقيط وهللوا له، كل لغاية في نفسه وهدف نصب عينيه، وإن تسابقوا إلى الاعتراف بأبوته في المحافل الدولية، وإلى تزويده بوسائل العيش والمادة البشرية اللازمة لقيامه وحمايته، بل والقادرة على إبقاء جيرانه متأخرين ممزقين، كي يمكن سوقهم بالعصا، وإلا فقتلهم بالمدافع والصواريخ .

ومع أن اليهود الذين جاؤوا إلى فلسطين كانوا أشتات أقوام انغلقت على نفسها في معازل أسموها “جيتوات” بدأت أوروبياً في البرتغال خلال القرن الثالث عشر، وكان جلياً بالتالي أنهم ليسوا حملة تمدين ودعاة سلام، بل هم حملة سلاح وأحكام مسبقة هي بعض أسلحة العقل القاتل، التي اعتبرتهم “شعب الله المختار” وجعلت غيرهم “غويم”: أغياراً لا يستحقون الرحمة والمعاملة الإنسانية، فإن هناك من تولى تسويقهم في العالم بوصفهم ضحايا، على البشرية عموماً والعرب خصوصاً تعويضهم عما حل بهم من مآس وكوارث في أوروبا، علماً أن القوم الوحيد على مر التاريخ، الذي لم يلحق بهم أي أذى كان العرب، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة قتلة محترفين، يسوغون جرائمهم ضد الإنسانية بذرائع دينية، ويبررون أي تصرف من تصرفاتهم ويعتبرونه صحيحاً لمجرد أنه صدر عنهم، فهم فوق البشر ودولتهم فوق الدول ومصالحهم لها أولوية على أية مصالح أخرى، ولهم كل الحق في منح أنفسهم حق تحديد ما على غيرهم من واجبات حيالهم، والحق في الانفراد بمنظومة قيم تعد عند غيرهم إجرامية وعندهم مقدسة، لا لشيء إلا لأنهم قرروا اعتبارها كذلك، كي لا ينطبق عليهم أي قانون غير قانونهم، ولا يخضعوا لأي منطق غير منطقهم، القائم أساساً على العنف والتمييز .

لا داعي للقول إن هذا السلوك لا يمت إلى الديمقراطية بصلة، وإن الصهاينة ليسوا ديمقراطيين لأنهم عنصريون من جهة، ويرفضون أية حقوق تتعارض مع مفاهيمهم للحق، أو تتمتع بشيء من الاستقلال عن فهمهم هم لها .

كيف يرد الخائف على خوفه؟ بإقامة سور حوله وعزل نفسه عن الآخرين والعمل على تخويف جيرانه كي لا يلاحظوا ذعره . بهذه النفسية الحدودية، تحول الصهاينة من سكان جنة موعودة إلى أبناء معزل حقيقي، وها هم اليوم يريدون بناء جدار يعزلهم عن مصر، التي يقولون إنهم طبعوا علاقاتهم معها بعد السلام وكامب ديفيد، بعد أن عزلوا أنفسهم عن الضفة وغزة ولبنان بجدران من أسمنت ونار، وشرعوا يتحدثون لغة قلعة مسادا، التي يقال إن مزاج المدافعين عنها كان انتحارياً، لذلك قتلوا نساءهم وأطفالهم قبل أن يقتلوا أنفسهم في معركة افتقروا إلى القدرة على خوضها . عادت “إسرائيل” إلى نفسية من يريد الانتحار، لذلك نراها ترابط في أعالي الجبال، وتبني الأسوار العازلة من حولها، حتى إن كيسنجر سخر من رئيسة وزرائها عام ،1973 عندما قال لها إن الجلوس على رؤوس الجبال يجعل السقوط منها قاتلاً . حدث هذا قبل قرابة أربعين عاماً لم تتعلم الصهيونية شيئاً خلالها غير محاصرة نفسها وعزلها عن جيرانها، الذين لا تنفك تطمئن نفسها إلى أنها لا تخافهم، وأن عليهم هم أن يخافوا منها .

يبدو أن الأسوار والجدران العازلة تلقى تأييداً واسعاً في أوساط الصهاينة، حتى العاديين منهم، الذين يتزايد قلقهم بقدر ما تتزايد الإعلانات عن قوة جيشهم . هذه مفارقة من مفارقات الكيان المحيرة، التي لن يتحرر الصهاينة من تناقضاتها وألغازها إلا بقيام آخر صهيوني يغادر فلسطين بإطفاء الكهرباء في مطار بن غوريون . عندئذ، لن يحتاج اليهود إلى معازل، لأنهم سيستعيدون وضعاً طبيعياً لطالما افتقروا إليه في فلسطين، حيث كانوا أقرب ما يكون إلى حراس على ظهر سور، يلفهم ظلام دامس ويقتلهم الخوف والقلق، لأنهم لا يعرفون ما يخبئه لهم العتم المملوء بالمفاجآت .

تسور الصهيونية فلسطين المحتلة من جهاتها الأربع، وتتخذ موقفاً يزداد عداء من جيرانها، بمن فيهم من عقد “سلاماً” معها، وتمعن في عزل نفسها عنه أيضاً . إنها لا تريد ولا تستطيع العيش من دون عداء للآخر، ربما لأنه لم يبق لديها من رابط يشد مكونات “شعبها” غير الخوف منه والتحريض عليه، وكذلك إقامة أسوار عزلة تذكر سجناءها على مدار الساعة بضرورة صيانة وتنمية عدائهم للعرب والعيش في ظله . لكن بناء الأسوار يسقط أكذوبة الجنة اليهودية التي قامت في فلسطين، ويستبدلها بواقع معزل يحتضن الخوف والعدوان والكراهية، علماً أنه لم يسبق لمعزل أن حمى أحداً في الماضي، وهو لن يحمي أحداً اليوم أو غداً، فضلاً عن أن كره الآخر والخوف منه ليس رابطة بوسعها توحيد مكونات مفككة يراد لها أن تصمد في وجه تاريخ ليست ابنته، بل هي اصطناع في اصطناع، والمصطنع قابل للإبطال مثلما كان قابلاً للإيجاد، كما تخبرنا تجارب تاريخ يعلمنا أن العرب أمة منجبة للحضارة، وأن غيابها الراهن عن الوعي والواقع لن يكون طويلاً أو دائماً، وأن عودتها ستسقط أية أسوار صهيونية، وستحرر من هم وراءها من ضلالات عنصرية حكمت عليهم بموت مؤكد، أن جعلتهم ضحايا حركة تضعهم في مواجهة أمة يستحيل قهرها، لا خلاص لهم بغير خلاصها من أمراضها، السياسية وغير السياسية، ولا خروج لهم من المعزل بغير خروجها من احتجازها، الذي سيعيد لهم هم أيضاً إنسانيتهم التي ضاعت، وسيحولهم من آلات قتل عبثي إلى بشر أسوياء، تتطلب حريتها وحريتهم إلغاء المعزل الذي يسمونه: دولة “إسرائيل” .

=================

"تركيا-العمق الاستراتيجي"..رحلة في عقل أوغلو

(1-2)

إفتكار البنداري

أون إسلام

الاثنين, 06 ديسمبر 2010 08:26

القاهرة- نظم قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة عين شمس في مصر، 28-11-2010، ندوة بعنوان "تركيا- العمق الإستراتيجي" لعرض وتحليل كتاب "العمق الاستراتيجي: مكانة تركيا ودورها في الساحة الدولية" لمهندس السياسة الخارجية التركية الجديدة ووزيرها الحالي، أحمد داوود أوغلو.

واهتم المحاضر في الندوة، الدكتور طارق عبد الجليل، الأستاذ المساعد لآداب اللغة التركية بالجامعة وأحد مترجمي الكتاب إلى العربية- إلى جانب عرض وتحليل الكتاب- بالإشارة للبيئة السياسية والفكرية التي دفعت أوغلو للخروج بهذه الرؤية الجديدة التي بدلت مسار السياسة الخارجية التركي في غضون 8 سنوات، ومدى استفادة حكومة حزب العدالة والتنمية منها في ترسيخ مكانة تركيا كدولة كبرى إقليمياً ودولياً.

ولطول المحاضرة التي أرسل نصها الدكتور طارق ل"أون إسلام" نعرضها في جزأين، وهذا هو الجزء الأول كما جاء على لسان المحاضر:

نذكر جميعا تصريح رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان في كلمته لتدشين قناة "تي آر تي" التركية الناطقة بالعربية العام الجاري، التي قال فيها: "إن العرب والأتراك مثل أصابع اليد الواحدة، والعلاقة بينهم علاقة الظفر باللحم.. إن تركيا لا يمكنها العيش بدون العرب.. وبدون العرب لا معنى للعالم".

والحقيقة أن هذا التصريح الرسمي يمثل ملمحا من ملامح تطور رؤية تركية تجاه سياستها الخارجية، لاسيما فيما يخص منطقتنا العربية والشرق أوسطية. هذه الرؤية الجديدة واستراتيجياتها أخذت تتبلور مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بعد انتخابات 3 نوفمبر 2002. ولعلنا قبل هذا التاريخ لا نكاد نذكر دورا تركيا ايجابيا مبادرا تجاه قضايا الأمة العربية والإسلامية، اللهم إلا أدورا ذات محور غربي.

فقد قامت السياسة الخارجية التركية منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، على توجه أُحادي نحو الغرب، وهو ما اتفق مع سياسة الثورة الكمالية، ومن ثم كانت القطيعة التامة، بل والعداء أيضًا مع دول الجوار العربي، والإسلامي. ثم أصبحت تركيا أثناء الحرب الباردة طرفًا في الاستقطابات الدولية، وخاصة بعد عضويتها في حلف الناتو. ودورها ضالع أيضًا في الحرب الباردة. ولم تنكسر هذه السياسة الأحادية إلا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بانفتاحها التدريجي على العالم التركي في القوقاز وآسيا الوسطى في عهد الرئيس التركي الراحل تورجوت أوزال.

ولقد مرت السياسة الخارجية التركية بثلاث مراحل مختلفة؛ ففي فترة التحول من السلطنة العثمانية إلى الدولة التركية، اتصفت بأنها (دولة جبهة) وهي الدولة التي تخوض الحروب في أماكن عدة.

وعند رسم خريطة لشبكة العلاقات الدولية في فترة الحرب الباردة نجد أن تركيا تُقَيَّم باعتبارها دولة طرفية. أي أنها كانت تمثل بالنسبة للمعسكر الغربي دولة طرفية بمثابة نقطة تحكم له تقع عند جنوب قواته المترامية نحو الشرق، وكانت بداخله من خلال مؤسساته؛ إذ كانت الدولة الأهم في حلف الناتو ولا تزال تحافظ على وضعيتها هذه.

غير أنه بعد انتهاء الحرب الباردة في عقد التسعينيات خرج علينا مصطلح ومفهوم جديد وهو الدولة الجسر أو الدولة المعبر. وكانت قد ظهرت سلسلة من المشكلات تتعلق بتركيا تعلقا مباشرا، مثل الاحتلال العراقي للكويت، ومشكلات البلقان، وغيرها.

وعُرفت تركيا آنذاك وكأن هدفها الأساسي منحصرًا في الحفاظ على استقرارها والابتعاد قدر الإمكان عن الأزمات الموجودة في محيطها الجغرافي. وكانت تبدو ككجزيرة مستقرة ودولة جسرية.

المؤلف

وكان أحمد داوود أوغلو، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بايكنت، يتابع ويدرس ويحلل هذه التغيرات والمتغيرات الإقليمية والدولية. واستطاع أن يبلور نظرية جديدة في العلاقات الدولية تقوم على تفعيل العمق الاستراتيجي لتركيا نحو تبوأ مكانة ووضعية متميزة في الساحة الدولية. ووضع كتابه "العمق الاستراتيجي: مكانة تركيا ودورها في الساحة الدولية"، وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 2001.

وعام 2001 كما يقول الخبراء السياسيون في تركيا كان بمثابة نقطة الصفر والمستوى الأدني في تردي أحوال السياسة الداخلية والخارجية التركية؛ حيث تتطاحن أحزاب الحكومة الائتلافية بزعامة الراحل بولنت أجاويد، وتنخفض قيمة الليرة التركية، وتعم تركيا حالة من الفقر والانهيار الاقتصادي غير المسبوق، وتعلن 40 ألف شركة إفلاسها، ويشهر 15 مصرفا إفلاسه، وتطبع الدولة أوراق البنكنوت بدون غطاء… في ظل هذه الأجواء يصدر كتاب العمق الاستراتيجي، ليرسم لتركيا منهجا يجعل منها تركيا جديدة ذات مكانة في الساحة الدولية.

ويتأسس حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب أردوغان في 14 أغسطس 2001، ويفوز فوزا ساحقا في انتخابات 2002، ويشكل حكومة بمفرده، ويطلب من الدكتور داوود أوغلو أن يعرض عليه رؤيته في السياسة الخارجية التركية.

فيعرض عليه أردوغان اتخاذ نظرية العمق الاستراتيجي منهجا للسياسة الخارجية التركية، ويعهد إليه بمهمة تطبيق هذه النظرية، ويعينه في منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء لشئون السياسة الخارجية، ويصبح بذلك داوود أوغلو أول دبلوماسي رفيع المستوى من خارج سلك الخارجية. ويمنحه أردوغان سلطات وصلاحيات واسعة لإعادة هيكلة دوائر صنع القرار في الخارجية.

وللمؤلف كتب ودراسات ومقالات وأعمال علمية عديدة ترجمت إلى لغات مختلفة في قضايا التحليلات السياسية الإقليمية، والفلسفة السياسية المقارنة، وتاريخ الحضارات المقارن، وفي مجال العلاقات الدولية بشكل خاص، ومن أهم هذه الأعمال:

  العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية

  الإدراك الذاتي لدى الحضارات

  الفلسفة السياسية

  دور المنهجية في تكوين الإدراك التاريخي، وتاريخ العالم وتاريخ الدولة العثمانية من حيث التفاعل بين الحضارات

  البلقان أو عملية التصفية التي لم تنته بعد

  القلب الجيوسياسي للقارة الأوراسية والإستراتيجية الروسية

  القضية اليهودية: تحولاتها التاريخية والإستراتيجية الجديدة لإسرائيل

  العلاقة بين الذهنية السياسية والإستراتيجية السياسية والاستمرارية التاريخية، الإستراتيجية الألمانية بعد الحرب الباردة

  مفهومان مختلفان للتعددية بين الحضارتين

الكتاب

الكتاب آخر كتب داوود أوغلو المنشورة، ولديه حسب تعبيره عدد من الكتب لم ينهها بعد، ينتظر فراغه من منصبه وزيرا للخارجية ليستكملها.

45 طبعة تركية بمعدل 15 طبعة في 15 شهرا بعد توليه الوزارة، كل شهر طبعة جديدة.. يمكن أن نجد في كل بيت به خريج جامعي نسخة من هذا الكتاب حاليا.

الكتاب لم يترجم إلى الانجليزية لصعوبة لغته وأسلوبه، محاولة تركية لتلخيصه إلى الثلث بالانجليزية. صدرت ترجمته إلى الألبانية قبل شهر من صدور طبعته العربية.

الكتاب من حيث اللغة والأسلوب يعد إضافة إلى الوعاء اللغوي التركي.. بما يضمه من مصطلحات ومفاهيم وتراكيب لغوية نحتها داوود أوغلو لتصوغ التعبير الأدق عن رؤيته ومضمون فكرته دون لبس أو غموض؛ ففرضت هذه المصطلحات والمفاهيم نفسها خلال الخمس سنوات الأخيرة على الأدبيات السياسية.. كما أن أسلوب الكتاب من الناحية اللغوية أثر على عدد ليس بالقليل من الكتاب والباحثين الذين باتوا يتخذون منه نموذجا للجملة الرصينة بالغة الدقة، محكمة البنية رغم طولها.

وقد أضاف المؤلف فصلا جديدا إلى الكتاب، لم ينشر حتى الآن في أي طبعة تركية، ونشر فقط بالعربية في نهاية الكتاب تحت عنوان "ما بعد العمق الاستراتيجي"، يتناول فيه الجانب التطبيقي لنظرية الكتاب وطروحاته بعد مرور سنوات على تفعيل بعض جوانبها، واختبارها في الساحات العملية الواقعية.

ويبلغ الكتاب نحو (660) صفحة في طبعته العربية، مقسمة إلى ثلاثة أبواب رئيسية تعرض لنظرية العمق الاستراتيجي، والتطبيقات المطروحة لها على الحالة التركية.

يحمل الباب الأول عنوان "الإطار المفاهيمي والتاريخي" ويشتمل على ثلاثة فصول يتناول الأول منها مقاييس القوة والتخطيط الإستراتيجي، وشرحا لمعادلة القوة وعناصرها الثابتة والمتغيرة، والعنصر البشري وتأثيره البالغ في صنع الإستراتيجية، ويقدم الفصل الثاني إعادة تحليل لعناصر القوة التركية، وبيانا لأوجه قصور النظرية الإستراتيجية التركية والنتائج المترتبة عليها، أما الفصل الأخير فيعرض للإرث التاريخي والبنية التحتية للثقافة السياسية التركية، وتطوراتها بعد انتهاء الحرب الباردة.

ووضع أوغلو للباب الثاني عنوان "الإطار النظري: الإستراتيجية المرحلية والسياسات المرتبطة بالمناطق الجغرافية "، وجعله في أربعة فصول لشرح نظرية العمق الاستراتيجي وعناصرها، مع التركيز على العمق الاستراتيجي التركي في المناطق ذات الارتباطات الجغرافية معها.

وتناول بالدراسة في الفصل الأول النظريات الجيوسياسية والإستراتيجيات العالمية في فترة ما بعد الحرب الباردة، وأهمية استيعاب العامل المكاني، والمحددات الجغرافية في ملأ ساحات الفراغ الجيوسياسي. وفي الفصول الثلاثة الأخرى حلل الضرورات التاريخية وعناصر الاستراتيجيات البرية والبحرية بالنسبة لتركيا فيما يتعلق بالمناطق البرية القريبة: البلقان و الشرق الأوسط والقوقاز، والأحواض البحرية القريبة: البحر الأسود، وشرق المتوسط، والخليج، وبحر قزوين، والمناطق القارّية القريبة: أوروبا، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا، ووسط و شرق آسيا. كما تناول أيضا الفصل الأخير من هذا الباب العناصر التركية الأساسية المحددة لعمق تركيا الأسيوي، والأفريقي.

وأما الباب الأخير فيمثل القسم الأكبر من الكتاب، ويشتمل على الوسائل الاستراتيجية والسياسات الإقليمية التي رأى أوغلو أنها ستحقق لتركيا مكانتها المرموقة في الساحة الدولية. ويضم هذا الباب خمسة فصول على النحو التالي:

الفصل الأول: الارتباطات الإستراتيجية لتركيا وأدوات سياستها الخارجية

أولاً: تركيا والمحور الأطلسي في إطار المهمة الجديدة لحلف شمال الأطلسي

ثانياً: منظمة الأمن والتعاون الأوروبي

ثالثاً: منظمة المؤتمر الإسلامي: خط التأثير الجيوسياسي والجيوثقافي بين إفريقيا وآسيا

رابعاً: منظمة التعاون الاقتصادي: العمق الآسيوي

خامساً: منظمة التعاون الاقتصادي لحوض البحر الأسود: مناطق الإستب والبحر الأسود

سادساً: مجموعة الدول النامية الثمانية والعلاقات الآسيوية الأفريقية

سابعاً: الاقتصاد السياسي الدولي ومجموعة الدول العشرين (G-20)

الفصل الثاني: التحول الاستراتيجي والبلقان

أولاً: البلقان و التناقضات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة

ثانياً: التوازنات الداخلية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة

ثالثاً: أزمة البوسنة واتفاقية "دايتون"

رابعاً: تدخل حلف شمال الأطلسي ومستقبل كوسوفو

خامساً: أسس السياسة التركية تجاه البلقان

الفصل الثالث: الشرق الأوسط: مفتاح التوازنات الاقتصادية السياسية والإستراتيجية

أولاً: العوامل المؤثرة على الوضع الدولي للشرق الأوسط

ثانياً: الشرق الأوسط و القوى العالمية

ثالثاً: الشرق الأوسط و قضية التوازنات الداخلية

رابعاً: تركيا و الديناميات الأساسية في سياسة الشرق الأوسط

الفصل الرابع: سياسة آسيا الوسطى في ظل توازن القوى الأور- آسيوية

أولاً: العوامل المؤثرة على الوضع الدولي لآسيا الوسطى

ثانياً: مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي والتحول في آسيا الوسطى

ثالثاً: آسيا الوسطى و توازن القوى الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة

رابعاً: السياسة الخارجية التركية واستراتيجية آسيا الوسطى

الفصل الخامس: الاتحاد الأوروبي : تحليل لعلاقة متعددة الأبعاد والمستويات

أولاً: مستوى العلاقات الدبلوماسية السياسية

ثانياً: مستوى التحليل الاقتصادي الاجتماعي

ثالثاً: مستوى التحليل القانوني

رايعاً: مستوى التحليل الاستراتيجي

خامساً: مستوى التحول الحضاري و الثقافي

سادساً: علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بين شقي رحى الانعكاسات التاريخية

نظرية العمق: الإدراك التاريخي والجغرافي

إن أهم عنصر يضفي على النظريات الإستراتيجية صفة البقاء والديمومة هو الإدراك التاريخي والجغرافي وهما معطيان ثابتان لدى الدولة والمجتمع ويمثلان مركزا لكل مقاربة إستراتيجية.

وبمعنى أكثر تفصيلا فهو دراسة تاريخ وجغرافية الدولة أو المجتمع بعمق مزدوج يشتمل على بُعدي الزمان والمكان. فبينما يحقق العمق التاريخي الذي سيقيم التواصل بين الماضي – الحاضر – المستقبل القدرة على إدراك الواقع المعيش داخل البُعد الزماني، فإنه يوضح من ناحية أخرى تأثير الإدراكات والأنماط السلوكية والذهنيات الإستراتيجية لدى اللاعبين في كل مجالٍ تطبيقي داخل هذا البعد. فالسعي إلى وصف حالة من حالات العلاقات الدولية الراهنة دون النفوذ إلى عمقها التاريخي، يُشبه إجراء تحليل سيكولوجي لشخص ما مع تجاهل مشتملات ذاكرته، وعلى هذا النحو فمن غير الممكن توفر القدرة على فهم تحليل للأزمات الراهنة ورسم منظور مستقبلي ضمن إستراتيجية مستمرة.

أما العمق الجغرافي فيكشف عن الاستمرارية المكانية للدولة أو المجتمع محل الدراسة، ويقدم توصيفًا للساحة الإستراتيجية التي يجري فوقها التأثير المتبادل.

والرؤية الإستراتيجية الشاملة تقوم على الجمع بين تحليل كل من العمق التاريخي القادر على إقامة الارتباط بين الماضي – الحاضر – المستقبل، وبين تحليل العمق الجغرافي القادرٌ على إقامة تواصلية سليمة بين المقاييس الداخلية – والإقليمية – والدولية. وفي هذا فإن العناصر الجيوثقافية والجيوسياسية والجيواقتصادية التي تُشكل أرضية العمق الاستراتيجي لدولة ما تكتسب أهميتها في تشكيل هذه الرؤية.

وعند تحليله الأرضية التي ترتكز عليها تركيا حسب مفهوم العمق الجغرافي، قام بتطوير تعريفات الأقاليم البرية القريبة، والبحرية القريبة، والقارية القريبة بالنسبة لتركيا، وتناول البنى الداخلية لهذه الأقاليم ووضعياتها داخل النظام الدولي، كل منها في فصل على حدى، فتناول في فصل خاص الإقليم البري القريب الذي يُشكل حزام البلقان – القوقاز – الشرق الأوسط الذي يحيط بتركيا، والإقليم البحري القريب الذي يتشكل من البحار الداخلية البحر الأسود – المضيقين – مرمرة – إيجه – شرق البحر المتوسط – البحر الأحمر – الخليج – قزوين، وطرق الملاحة البحرية، والإقليم القاري القريبالذي يتشكل من أوروبا – شمال أفريقيا – وسط وغرب آسيا. وهي الأقاليم التي تشكل مركز القارة الرئيسية أفروأوراسيا جغرافيًّا، وتشتمل على الساحات الأساسية لتاريخ البشرية من الناحية التاريخية.

ولهذا فإن أي ظاهرة في العلاقات الدولية يمكن لتركيا أن تواجهها داخل هذه الساحات أو أن تتدخل فيها بشكل من الأشكال، ظاهرة لا يمكن فهمها من خلال وصف أحادي البُعد.

وكنتيجة طبيعية أيضًا فإن بناء تركيا لسياسة خارجية نحو ظواهر وأُطر العلاقات الدولية، لا يمكنه أن يحمل طبيعة أحادية الجانب وأحادية المحور، بل على النقيض من ذلك، يستوجب تحليلاً متعدد الأبعاد لظواهر العلاقات الدولية المعنية بكل إقليم، وكذلك القدرة على فهم التأثير المتبادل بين هذه الأقاليم.

فالمتابعة المستمرة لإيقاع السياسة الخارجية داخل ساحات التأثير المتبادل، وكذلك القدرة على توجيهه من زاوية الخيارات الإستراتيجية التركية، يُعدان من الضروريات الحتمية لإجراء تحليل استراتيجي ولبناء سياسة خارجية.

المجتمعات من الضعف قوة

يرى أوغلو أن وصف الدولة العثمانية بأنها رجل أوروبا المريض، وانهيار الدولة العثمانية، وتشكل تركيا على أشلائها التي تعبر عن أجناس وأعراق مختلفة، ليست أبدا عوامل ضعف ، بل هي عامل قوة.

ويقول داوود أوغلو إن هناك مجتمعات عالجت أزماتها من خلال الانكفاء على ذاتها، ومن الأمثلة على ذلك سياسة الصهر التي عاشتها الولايات المتحدة، -وهي دولة قارة-، بعد الحرب الداخلية، وجهود اليابان، وهي دولة جزيرة، لتشكيل ساحة تمركز داخلية من خلال غلق أبوابها أمام العالم الخارجي بعد مواجهتها مع الاستعمار.

أما المجتمعات الموجودة في مركز القارة الرئيسية، أو في مناطق التقاء الأقاليم الجيوإستراتيجية، أو التي تحافظ على بنية متعددة الثقافات داخل تركيبتها الخاصة، ليس من الممكن لها أن تنكفئ على ذاتها كرد فعل على العوامل الخارجية، فالمجتمعات التي تنكفئ على ذاتها في ظل هذه الأوضاع تتجه للتحلل داخليًّا إما بالعوامل الخارجية، وإما بتناقضات الأزمات التي تؤدي إلى التمزق الداخلي.

و يرى أن تركيا ليست دولة منكفأة على ذاتها، بل هي قادرة على أن تحول عناصر أزمتها إلى عناصر قوة من خلال الانفتاح على الخارج بثقة جديدة في ذاتها. فلا يمكن لتركيا أن تنكفئ على ذاتها جغرافيًّا؛ حيث أنها تقع على الخط المركزي لأهم حزام استراتيجي في العالم في اتجاه الشمال – الجنوب والغرب – الشرق.

ويرى أن تركيا التي تقف الآن في صفوف الدول المنتصرة في الحرب الباردة قد دفعت في مقابل ذلك الكثير خلال الحرب الباردة. وإنه لمن الصعوبة بمكان القول بأن تركيا قد حصلت خلال فترة ما بعد الحرب الباردة على مقابل ما قدمته.

فنجد الدول التي خرجت منهزمة من الحرب الباردة وظلت خلال العشر سنوات التي أعقبت الحرب الباردة تُواجه مخاطر إستراتيجية باستمرار على امتداد حدودها وخلفها، فضلاً عن خطاب السياسة الخارجية العاطفي قد حصلت على وضعية الترشح للاتحاد الأوربي، فإننا نجد في المقابل تركيا تعيش توترات في علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، وتواجه خطر الإبعاد عن عضوية الناتو أمام خطر الإقصاء خلال عملية تأسيس الجيش الأوروبي، وتشعر أيضًا بمحاولات إقصاء سيكولوجي – دبلوماسي من خلال تقديمها باعتبارها المتسبب في عملية إبادة عرقية، ومن ثم فإن تركيا بحاجة إلى تجديد استراتيجي متعدد الجوانب.

 

"تركيا-العمق الإستراتيجي" رحلة في عقل أوغلو (2-2)

إفتكار البنداري

القاهرة- نظم قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة عين شمس في مصر، 28-11-2010، ندوة بعنوان "تركيا- العمق الإستراتيجي" لعرض وتحليل كتاب "العمق الاستراتيجي: مكانة تركيا ودورها في الساحة الدولية" لمهندس السياسة الخارجية التركية الجديدة ووزيرها الحالي، أحمد داوود أوغلو.

وسبق أن عرضنا الجزء الأول من المحاضرة التي أعدها الدكتور طارق عبد الجليل، الأستاذ المساعد لآداب اللغة التركية بالجامعة وأحد مترجمي الكتاب إلى العربية- للندوة، وهذا هو الجزء الثاني منها، ويركز فيه على الأعمدة التي بنى عليها أوغلو ثقة بلاده بذاتها تكتسب بها وضعاً دولياً قوياً في عالم مضطرب، يخلو من نظام عالمي جديد، يحدد الأدوار ويحل المشكلات.

كما يعرض فيه للأسس الستة التي صاغها أوغلو للسياسة الخارجية الجديدة لبلاده، وتطبيقاتها على أرض الواقع، وكيف استفاد من رؤية الفاتح المسلم طارق بن زياد للأندلس في صياغة هذه الأسس التي يسعى بها إلى إعادة تركيا مركزاً للتأثير في شرق العالم وغربه، ومصدر إشعاع حضاري يرى فيه كل من الشرقي والغربي ذاته بلا تعارض ولا خلاف.

وهذا هو الجزء الثاني من الإبحار في عقل أوغلو عبر عرض رؤيته لهوية ومستقبل بلاده نصاً كما أرسله الكاتب إلى "أون إسلام":

لم يتشكل نظام عالمي جديد حتى الآن

وينبغي علينا ألا ننسى أنه رغم انتهاء الحرب الباردة فعليًّا إلا أن التنظيمات والاتفاقات النهائية التي ستحدد التوازنات والقوانين الدولية لفترة ما بعد الحرب الباردة لم تُنجز حتى الآن. وعند تناول الحرب الباردة من هذه الزاوية نجد أنه قد حدث وقف لإطلاق النيران، بيد أنه لم يتم التمكن حتى الآن من صياغة نظام عالمي جديد ذي نطاق واسع، يشتمل على التنظيمات النهائية التي تنعكس فيها توازنات القوة الجديدة.

فاختيار النظام الجديد لتجميد الأزمة أكثر من حلها حلاً نهائيًّا كما في عديد من مناطق الأزمات مثل البوسنة وكراباخ وفلسطين وكوسوفو وشمال العراق، إنما ينبع من عدم تبلور واتضاح المقاييس الأساسية للنظام الجديد.

إن الشرط الحتمي لتجديد الثقة بالذات سيكولوجيًّا يتمثل في إعادة تشكيل الذهنية الإستراتيجية على نحو يتوافق مع الظروف الجديدة. وإن مكانة المجتمعات في العلاقات الدولية ترتفع على عمودي التاريخ والجغرافيا وهما عنصرا الزمان والمكان.

إن المجتمعات التي لا يمكنها أن تُظهر قوة في إعادة فهم تاريخها وجغرافيتها هي مجتمعات ليس لديها أيضًا القدرة على التوافق مع الظروف الجديدة، كما أنها لا تمتلك القوة على إحداث قفزات أو طفرات. وليس لأي أيديولوجية رسمية أو غير رسمية أو خطاب في السياسة الخارجية أن يحقق لهذه المجتمعات هذه القفزة دون الارتكاز على عمودي التاريخ والجغرافيا.

وإن أردنا أن نوضح بمثال رمزي من أمثلة التاريخ الحضاري فإن قيام طارق بن زياد بحرق السفن لم يكن تكتيكًا عسكريًّا ناجحًا فحسب؛ بل كان انعكاسًا لرؤية احتوائية في ظل الفهم المكاني للعالم في الوقت ذاته.

إن رؤية العالم لدى طارق بن زياد لا تقوم على جغرافية مركزية بل تقوم على جغرافية مطلقة يمكن التعايش فوقها مع مختلف الأقوام. ولذا فقد أصبحت الأندلس نطاقًا جغرافيًّا جسريًّا احتوائيًّا امتزجت في بوتقته على مر العصور العديد من الأقوام والثقافات المختلفة، إلى أن جاء الأسبان الكاثوليك الذين حطموا تلك البنية ذات التعددية الثقافية عن آخرها. وعلى الشاكلة ذاتها فإن المجتمعات التركية المسلمة التي تدفقت من وسط وغرب آسيا صوب الهند شكلت سلطة سياسية تقوم على الاستيطان في تلك المناطق وتقاسم الجغرافيا ذاتها مع المجتمعات المستقرة هناك.

ولذا أصبحت الهند تحت حكم بابور مسرحًا للتأثير الحضاري المتبادل متعدد الجوانب والثقافات. ولم يكن توجه العثمانيين نحو البلقان مختلفًا عن ذلك؛ فقد حافظ العثمانيون على تنوعية ثقافية مشابهة هناك لمدة تقترب من خمسة قرون في ظل الأمن والاستقرار.

ولهذا فإن التوجه الاستراتيجي الأساسي الذي سيدعم تجديد هذه الذهنية الإستراتيجية هو أن يحُل التكامل ذو الطبيعة الجيوثقافية والجيوإستراتيجية محل التمييزات التصنيفية. ويمكننا أن نطرح نموذجًا لضرورة التكامل في إطار جدلية الانتماء الآسيوي – الانتماء الأوروبي أو جدلية الشرق– الغرب، وهي جدليات محل النقاش الدائم في تاريخنا القريب.

وإن تركيا وهي إحدى الدول الجسرية التي تقع في مناطق التقاء الخطوط الشرقية– الغربية والشمالية- الجنوبية في قلب القارة الأم أوراسيا، مضطرة للدخول في عملية تجديد شاملة في مسألة الهوية التي تمثل عنصرًا أساسيًّا في بناء الإستراتيجية طويلة المدى وما تطلبه هذه الإستراتيجية من بنية جيوثقافية، من خلال التخلص من تأثير عمليات التصنيف غير المجدية التي تصنف تركيا بين الانتماء الثانوي إلى أوروبا أو آسيا.

وإذا أردنا أن نوضح مرة أخرى بمثال وتجربة تاريخية، فإن العلاقة بين آسيا– أوروبا من حيث التراكم التاريخي السلجوقي– العثماني المتقدم على المحور الشرقي– الغربي إنما هي مثل علاقة القوس بالسهم. فكلما تراجع طرفا القوس إلى الخلف كلما ازدادت سرعة السهم إلى الأمام.

ولهذا فإن الدولة السلجوقية التي بسطت وعززت من هيمنتها في إيران تقدمت في الأناضول بسرعة السهم، وكذلك فإن تقدم العثمانيين صوب أوروبا بعد أن شدوا القوس الآسيوي بتأسيس وحدة الأناضول اكتسب سرعة لم يكن من الممكن عرقلتها. فالمسألة تتمثل في تشكيل إرادة لصياغة إستراتيجية تستخدم القوس والسهم بشكل منتظم وعلى نحو يدعم فيه كل منهما الآخر.

في فترة تشهد أزمات حضارية مكثفة وتنشغل فيها البشرية بإعادة تأسيس قيمها، وتسعى لإعادة اكتشاف كل موروثاتها الثقافية التاريخية، يشكل احتواء الدول الجسرية مثل تركيا على موروثات حضارية مختلفة مصدرًا مهمًّا من أجل انفتاح حضاري جديد. إن ما سيجعل تركية في وضعية خاصة على مسرح التاريخ ويميزها عن المجتمعات الأخرى هو ما تمتلكه من عناصر عمقها التاريخي الحضاري والجغرافي والثقافي.

ويستشرف المستقبل برؤيته أن العولمة تمثل ساحة جديدة تسمح للموروثات الحضارية بالنفاذ إلى صفحات تاريخ المستقبل مرة أخرى، فيقول:

إن الحداثة كانت نتاج عملية تاريخية ذات مركز أوروبي؛ أما العولمة فتحمل العناصر التي ستزج مرة أخرى حتمًا بكافة الموروثات البشرية، وفي مقدمتها الموروثات الآسيوية في مسار تدفق التاريخ.

إن وجود كتاب (المثنوي) بين أكثر الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة، ووصول الإسلام إلى المرتبة الثانية من حيث الانتشار في كثير من الدول الغربية، والارتفاع السريع للقيم التقليدية الخاصة بالحضارات الهندية والصينية ستفرض انفتاحًا وتكيفًا حضاريًّا جديدًا، وليس صدامًا حضاريًّا كالذي أعلنه هنتنجتون.

وتركيا في هذه العملية أمام مسئولية تشكيل توفيق بين عمقها التاريخي وعمقها الاستراتيجي بشكل جديد وذي جدوى، وأمام مسئولية تفعيل ذلك كله داخل العمق الجغرافي. وإذا ما استطاعت تركيا وهي دولة محورية أن تفعل ذلك فتصبح دولة مركزية تحقق التكامل الجيوسياسي والجيوثقافي والجيواقتصادي.

أسس السياسة الخارجية التركية الجديدة

وحتى يمكن لتركيا تطبيق سياسة خارجية إيجابية، ينبغي عليها انتهاج مبادئ أساسية ستة:

المبدأ الأول: التوازن السليم بين الحرية والأمن. ويقصد به إن مشروعية النظم السياسية يمكنها أن تتحقق بتوفيرها الأمن لشعوبها، وعدم تقليص الحريات في مقابل ذلك. وأن الأنظمة التي توفر الأمن لشعوبها وتحرمها من الحرية تتحول مع الوقت إلى أنظمة سلطوية، وكذلك الأنظمة التي تضحي بالأمن بدعوى أنها ستقدم الحريات ستصاب بحالة من الاضطراب المخيف

والمبدأ الثاني: هو مبدأ تصفير (من الصفر) المشكلات مع دول الجوار، وهو مبدأ نتائجه الإيجابية واضحة بجلاء لكل متابع فعند مقارنة وضع تركيا الآن بما كانت عليه قبل أربعة أو خمسة أعوام سنجد أن علاقات تركيا مع كافة دولها المجاورة باتت علاقات وطيدة لأكبر درجة. وأبرز الأمثلة على ذلك هي علاقاتها مع سوريا وجورجيا.

أما المبدأ الثالث: فهو مبدأ مهم يقوم على التأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار، ويمكننا هنا التحدث عن تأثير تركيا في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى.

أما المبدأ الرابع: فهو مبدأ السياسة الخارجية متعددة الأبعاد، ويرتكز على أن العلاقات مع اللاعبين الدوليين ليست بديلة عن بعضها البعض وإنما هي متممة لبعضها البعض. وهو مبدأ يسعى لرؤية علاقات تركيا الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية علاقات في ظل ارتباطها بحلف الناتو، وتحت مفهوم العلاقات الثنائية وكذلك يرى جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وكذلك سياستها مع روسيا وأوراسيا على ذات الوتيرة من التزامن علاقات تجري كلها في إطار التكامل، وليست علاقات متضادة أو بديلة عن بعضها البعض.

والمبدأ الخامس: هو مبدأ الدبلوماسية المتناغمة وعند النظر لأداء تركيا الدبلوماسي من حيث عضوية تركيا في المنظمات الدولية، واستضافتها للمؤتمرات والقمم الدولية نجد تطورات مهمة وجادة إذا ما قارناها بأدائها الدبلوماسي قبل عام 2003. فقد استضافت تركيا قمة الناتو، وقمة منظمة المؤتمر الإسلامي، فضلاً عن استضافتها لمعظم المنتديات الدولية. كما أنها أصبحت عضوًا مراقبًا في منظمة الاتحاد الأفريقي عام 2007.

وشاركت تركيا في جامعة الدول العربية كضيفة على مستوى وزراء الخارجية ورؤساء الوزراء على حد سواء. كما وقعت مع جامعة الدول العربية على اتفاقية خاصة على خلفية اجتماع الدول جوار العراق في الثاني من نوفمبر 2007 . وعلى صعيد آخر تأسست آلية اتصال ذات مستوى رفيع بين كل من باكستان وأفغانستان والتقى رئيسا الدولتين في تركيا ثلاث مرات.

أما المبدأ السادس والأخير فهو أسلوب دبلوماسي جديد. فلفترة طويلة من التاريخ كانت تركيا في نظر العالم دولة جسرية، ليست لها رسالة سوى أن تكون معبرا بين الأطراف الكبرى. والمقصود من ذلك الدور هو أن تركيا دولة تنقل طرف إلى طرف آخر دون أن تكون فاعلا بين الطرفين؛ ولذا بدت تركيا لدى الشرقي دولة غربية، ولدى الغربي دولة شرقية.

ومن ثم وجب رسم خريطة جديدة لتركيا تكون بها مرشحة لأداء دور مركزي: وأن تصبح "دولة قادرة على إنتاج الأفكار والحلول في محافل ومنتديات الشرق، رافعة هويتها الشرقية دون امتعاض، ودولة قادرة على مناقشة مستقبل أوروبا داخل محافل ومنتديات أوروبا من خلال نظرتها الأوروبية".

تركيا والشرق الأوسط

ومن الملاحظ أن الفصل الثالث الذي يتناول الشرق الأوسط يمثل قسما كبيرا يقترب من ربع حجم الكتاب بأكمله، وهو ما يعطي إشارة إلى الأهمية التي يوليها أوغلو للشرق الأوسط من جانب، وإلى مدى الدقة التي تناول بها قضايا الشرق الأوسط كل على حدة من زاوية إبراز ماهية الدور الذي يمكن لتركيا أن تضطلع به في منطقة الشرق الأوسط على نحو يعزز من مكانتها الدولية، مستفيدة من عمقها التاريخي والجغرافي والثقافي مع دول الشرق الأوسط.

وفي هذا الفصل يُقَيم أوغلو السياسة التركية تجاه الشرق الأوسط بقوله: "لقد فقدت تركيا الأحزمة الاستراتيجية الأكثر قوة في منطقة الشرق الأوسط في الربع الأول من القرن العشرين، وعاشت بعيدة عن المنطقة بشكل عام في ربعيه الثاني والثالث، وطورت سلسلة علاقات متأرجحة بين صعود وهبوط مع دول المنطقة خلال الربع الأخير من القرن نفسه، وهي اليوم مضطرة لأن تعيد تقييم علاقاتها مع المنطقة من جديد بشكل جذري".

 ويحمل أوغلو رؤية جديدة تدعو تركيا إلى أن تقيم علاقاتها وتجربتها المتراكمة بطريقة بعيدة عن الهواجس الأيديولوجية لتحدد بعقلانية العناصر الأساسية في علاقتها مع العالم الإسلامي. ويقول بأن"تركيا اليوم ليست الدولة العثمانية التي تحمل على عاتقها مسؤولية العالم الإسلامي كله، كما أنها ليست في مواجهة تصفية حسابات مع القوى العظمى نتيجة ارتباطاتها بعلاقات مع المجتمعات الإسلامية. ولذلك فإن ردود الأفعال ذات البعد النفسي لن تتوقف عند التأثير على علاقات تركيا مع العالم الإسلامي بشكل سلبي فحسب، بل ستتعدى كذلك إلى تضييق ساحة مناورة تركيا الدبلوماسية في العمق الآسيوي والإفريقي كذلك."

وفي هذا الإطار، يؤكد أوغلو على ضرورة أن تعنى تركيا "أولا وقبل أي شيء، بتطوير وجهة نظرها على نحو يجعلها قادرة على التحسس المستمر لنبض العالم العربي، وتلمس إيقاع التغير الاجتماعي، والثقافي، والسياسي الذي يجري داخل مجتمعاته؛ وذلك باعتبار هذه الخطوة مرحلة إعداد أولي للدبلوماسية التركية."

وبالنسبة لمشكلة الأكراد داخل منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وداخل تركيا خاصة، يطرح أوغلو رؤية مفادها أن التوصل إلى حل دائم للمشكلة، مرهون بمدى القدرة على إعادة تقييم الأبعاد الثقافية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية للمشكلة على نحو متكامل. ويرى أن ثمة مبدءان رئيسيان ينبغي لمقترحات الحل الثقافي والاقتصادي والسياسي الاعتماد عليها وهما:

1- تقوية مشاعر المرجعية الاجتماعية باعتبارها كلا لا يتجزأ، ودعم العناصر التاريخية والدينية الثقافية والجغرافية التي تؤكد هذه المشاعر.

2- ضمان الوعي بحق المساواة للمواطنين باعتباره أساس للشرعية السياسية، دون الشعور بالحاجة إلى تدخل أي قوى خارجية.

ويرى أوغلو أن العاملين الجغرافي والتاريخي عنصران أساسيان في تحقيق التوازن للجيوسياسية الشرق أوسطية من خلال إحداث التوازن للمثلث الإستراتيجي الحساس الذي يقع في أطرافه الثلاثة كل من: مصر وتركيا وإيران، وأن التوازنات الخارجية لهذا المثلث تشكل شبكة من العلاقات المتداخلة مع مثلث (العراق – سوريا – السعودية)، وأن على تركيا وهي تحلل التحالفات القائمة في الشرق الأوسط وتوازناتها المقابلة أن تنظر بعين الاعتبار أيضا إلى مثلث أصغر ظل مهملا في هذه التوازنات، وهو مثلث (الأردن – فلسطين – لبنان، بالإضافة إلى شمال العراق مؤخرا) ذلك المثلث الذي يرتبط بعلاقة مجابهة مباشرة بإسرائيلوالذي تتحدد توازناته من قبل العلاقات داخل المثلثات الخارجية.

وفيما يخص القضية الفلسطينية يرى أوغلو أن "تركيا يمكن لها أن تضطلع بدور دبلوماسي فعال بما تملكه من وضعية متميزة؛ حيث أنها دولة مسلمة غير عربية، وهي أيضا دولة في المنطقة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهي أيضا عضو في حلف الناتو تتمتع بعلاقات إستراتيجية قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية. فإن حجم العلاقات التي يمكن لتركيا تفعيلها في هذا الإطار مع منظمة المؤتمر الإسلامي، ومع الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، إضافة إلى ما تمتلكه تركيا من تراث تاريخي لمدينة القدس ووثائقها الأرشيفية، لهما كفيلان بإكساب تركيا وضعية دبلوماسية مهمة."

أما عن العلاقات التركية الإسرائيلية، فيرى أنها قد عززت من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وأضفت عليه المشروعية، لاسيما في فترة ما بعد الحرب الباردة، وفي ظل مناخ عملية السلام. وأن هذه العلاقات قد أثرت على مكانة تركيا لدى العالم العربي والرأي العام فيه.

ويرى كذلك أن هذه العلاقة لم تحقق لدولة مثل تركيا، وهي من أقوى الدول ذات العمق التاريخي والجغرافي في المنطقة، دورًا فعالا في عملية السلام بالشرق الأوسط، وجعلتها تبدو وكأنها عنصرا مهملا مهمشا في هذه العملية.

وفي المقابل ينظر أوغلو إلى العلاقات التركية الإيرانية باعتبارها علاقات استوجبتها البنية الجيوسياسية متعددة الاتجاهات لدى كلا الدولتين، وأن ثمة ثلاثة أجنحة على الأقل تربط بين هاتين الدولتين هي: الشرق الأوسط، والقوقاز، وآسيا الوسطى؛ إذ إن موقع الدولتين في غرب آسيا يفترض على كل منهما تطوير سياسات تراعي فيها كل دولة منهما الأخرى في السياسات المعنية بهذه المناطق، وفي ساحات التأثير المتبادل بين هذه المناطق.

وبإيجاز فإن أوغلو يبلور رؤيته في الاستراتيجية التركية تجاه الشرق الأوسط في عدة عناصر تمثل الحد الأدنى اللازم توفره من أجل نجاح تركيا في في انتهاج إستراتيجية سليمة تحيط بالشرق الأوسط من الناحيتين الجيوثقافية والجيواقتصادية، وتبني سياسة خارجية مرنة تحقق التنسيق بين التكتيكات الدبلوماسية والعسكرية، والتحلي بمهارة مرحلية واعية وقادرة على تقييم تأثير المنطقة في السياسات العالمية. ويمكن إيجاز هذه العناصر الرئيسية فيما يلي:

1- تجاوز العوائق السيكولوجية التي أثرت سلبا على الانفتاح الدبلوماسي نحو المنطقة.

2- إقامة أبنية مؤسسية، وتطوير الموجود منها مثل المراكز البحثية والمعاهد الأكاديمية لتتابع التطورات الإقليمية عن كثب وتقييمها، وتوفير تصورات وسيناريوهات متعمقة.

3- إقامة علاقة سليمة بين التوازنات الدولية وبين السياسة الواقعية الإقليمية.

4- طرح مشروعات شاملة للمنطقة بأسرها.

5- المبادرة بتشكيل مجالات المصالح المشتركة التي تعزز السلام في المنطقة.

6- الحيلولة دون تشكل تكتلات قومية مضادة تمثل ساحات أخطار جيوسياسية وجيوثقافية ضد السلام في المنطقة.

7- الحد من إثارة ردود الأفعال من خلال تنويع العلاقات الثنائية.

8- تبني مقاربة عالية التأثير والفاعلية والمبادرة في كل مجالات المشكلات الإقليمية وفي مقدمتها عملية السلام في الشرق الأوسط.

9- تكثيف الاتصالات والعلاقات الأفقية التي تعزز من صورة تركيا في المنطقة.

 وفي النهاية يمكن القول إن رؤية أوغلو لسياسة تركية تجاه الشرق الأوسط ارتكزت على ما تتمتع به تركيا من عمق استراتيجي داخل المناطق العربية والإسلامية في الشرق الأوسط من جهة، وعلى الأوضاع الجيواستراتيجية والجيواقتصادية الراهنة بالمنطقة.

وترتكز السياسة التركية في الشرق الأوسط على أربعة مبادئ أساسية. المبدأ الأول هو إحلال الأمن وكفالته لكل شخص دون تمييز بين مجموعة وأخرى ودولة وأخرى. والمبدأ الثاني هو الارتقاء بمستوى الحوار السياسي إلى أعلى درجة حتى يتجاوز الأزمات. أما المبدأ الثالث فخاص بالاقتصاد المتبادل وهو ركيزة أساسية لإقامة نظام في هذه المنطقة. أما المبدأ الرابع والأخير فهو التعاون الثقافي.

=================

نار الحرائق تبعث دفء العلاقات التركية - الاسرائيلية؟

الاربعاء, 08 ديسيمبر 2010

جنكيز شاندر *

الحياة

حرائق جبل الكرمل تحولت وسيلة إذابة الجليد في العلاقات بين تركيا واسرائيل، إثر تدهورها قبل نحو عامين مع اندلاع حرب غزة وصولاً الى حادثة سفن الحرية. وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي، في مكالمته الهاتفية مع رئيس الوزراء التركي، إن اسهام تركيا في اخماد حرائق جبل الكرمل هو فرصة اصلاح العلاقات بين البلدين. وأرسل نتانياهو مندوباً الى جنيف للقاء وكيل وزارة الخارجية التركية والبحث معه في سبل تجاوز أزمة سفن الحرية.

ومترتبات حادثة سفن مرمرة لم تضعف اهمية تركيا الاستراتيجية في الحسابات الاسرائيلية. واختيار تركيا أبرز ديبلوماسييها وأعلاهم مرتبة، وهو فريدون سينيرلي أوغلو الذي يحظى باحترام الاسرائيليين وتقديرهم منذ خدم سفيراً في تل أبيب، وإيفاد نتانياهو ممثلاً خاصاً عنه، يؤشران الى نية الطرفين تجاوز الخلاف. ولكن المفاوضات في جنيف لن تكون سهلة. فأردوغان قيد قدرة مبعوثه سينيرلي أوغلو على المناورة والمساومة، ورسم حدود التفاوض.

وأعلن أردوغان أن دواعي مشاركة تركيا في إخماد الحرائق الاسرائيلية انسانية. وإذا ارادت اسرائيل التعبير عن الامتنان والشكر، فحري بها الاعتذار من تركيا وتعويض ضحايا حادثة سفن مرمرة. والاعتذار والتعويض هما شرطا بعث العلاقات التركية – الاسرائيلية وعودة السفير التركي الى تل أبيب. وعندها فقط يمكن الحديث عن فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين. وإسرائيل مدعوة الى ادراك أن تركيا ليست مثل تلك الدول العربية التي اعتادت اهانتها أو قتل بعض افرادها من غير أن تحرك ساكناً، وأنها ستدفع ثمن التطاول على تركيا.

وأغلب الظن أن يقطع وزير الخارجية الاسرائيلي المتطرف، وهو ينادي بقطع العلاقات بين البلدين، طريق التقارب التركي – الاسرائيلي من طريق اطلاق تصريحات استفزازية جديدة. فمبادرة نتانياهو تخالف ارادة ليبرمان. ولكن، على رغم مساعي المصالحة، لن يذلل الخلاف السياسي بين البلدين. فنظرة تركيا الى قضايا الشرق الاوسط مختلفة عن نظرة اسرائيل.

ويصعب على تل أبيب، وهي طفل واشنطن المدلل في الشرق الاوسط، الاقرار بأن تركيا قوة اقليمية صاعدة. فبروز القوة التركية يضعف احتمال رسم اسرائيل معالم مصير المنطقة. وإذا لم تقبل اسرائيل الواقع المستجد هذا، فاحتمال تكرار سيناريو سفن الحرية كبير. وقد تلجأ اسرائيل الى اللوبي اليهودي في الكونغرس الاميركي لازعاج تركيا والضغط عليها. وفي مقدور أنقرة الرد على تل أبيب، وفرض العزلة على اسرائيل في المنطقة. ويسع تركيا أن تتحمل عاما جديداً من الخلاف مع اسرائيل وضغوط واشنطن. ولكن اسرائيل لا تحتمل إحكام العزلة عليها في المنطقة.

* معلق، عن «راديكال» التركية، 4/12/2010، اعداد يوسف الشريف

=================

اغتيالات وتخريب إلكتروني وتقني وزرع جواسيس ... قصة حرب الاستخبارات الغربية على إيران

الاربعاء, 08 ديسيمبر 2010

هنري غيرشون وفانسان جوفير *

الحياة

فيروس «ستاكسنت» الإلكتروني هو أشبه بقاتل مأجور أو جايمس بوند الكتروني قد يغير وجه العالم. فهو اكتُشف في حزيران (يونيو) الماضي، ولكنه باشر عمله قبل عام ونصف. ومهمته هي التسلل الى امدادات التغذية الكهربائية في نوع معين من المحركات. فهو يسيطر على المحركات، فيغير سير عملها، ويرفع وتيرة سرعتها الى أن تنفجر. وبعد بلوغ هدفه، يعيد الفيروس التيار الكهربائي الى حاله السائرة اليومية متخلصاً من آثار توغله الإلكتروني.

ووفق دراسة صدرت أخيراً، أهداف «ستاكسنت» دقيقة. فهو يستهدف محركات تعمل بسرعة بين 807 هيرتز الى 1210 هيرتزات يديرها نظام من أنظمة «سيمنس». والمحركات هذه هي جزء من آلاف أجهزة الطرد التي تخصب اليورانيوم في مفاعلات نتانز بإيران. والغاية من الدودة الإلكترونية هذه تخريب مفاعلات نتانز وعرقلة مساعي الجمهورية الإسلامية النووية.

ولكن هل أفلحت الدودة في تنفيذ مهمتها؟ في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، أعلن نائب الرئيس الإيراني أن فيروساً هاجم المنشآت النووية الإيرانية، وأصاب 30 ألف جهاز كمبيوتر. وفي 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، أقرّ الرئيس الإيراني بأن فيروساً فتك بأجهزة الطرد في نتانز، و «أخرجها من الخدمة». ولكنه قال أن الأضرار غير فادحة، ولم تخرج عن عقال السيطرة. وعلى خلاف مزاعم نجاد، ذهب تقرير وكالة الطاقة الذرية الدولية الصادر في 16 الشهر الماضي، الى أن نصف أجهزة مصنع نتانز النووي، أي آلاف الأجهزة، توقف عن العمل للمرة الأولى منذ بداية تشغيله، في 2006. ويقول ديبلوماسيون في مقر وكالة الطاقة الذرية الدولية أن «ستاكسنت» هو وراء الأضرار هذه. ويرى خبراء دوليون في الإجرام الإلكتروني أن الدول وحدها يسعها شن مثل هذه الهجمات.

ويقال ان «ستاكسنت» أبصر النور في اسرائيل، شمال تل أبيب، على مقربة من مقري الموساد وهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، في مبنى حديث تشغله شركات معلوماتية. والأمر هذا معقول ولا يجافي المنطق. ف «معظم الشركات العاملة في المبنى هذا أسسها نوابغ في المعلوماتية تدربوا في صفوف وحدة الاستخبارات العسكرية الموكل اليها تتبع الاتصالات وشؤون الحرب الرقمية. ومثل غيرهم، يعمل هؤلاء في سلك الاحتياط...»، على ما يقول أهارون ب.، عميل الاستخبارات الإسرائيلي السابق.

وضلوع اجهزة الاستخبارات الغربية في الحرب السرية على مشروع ايران النووي أمر ثابت. والحرب هذه تتصدر أولويات الأجهزة هذه، منذ الكشف عن موقع مشروع النووي في نتانتز، في 2002، الى اليوم.

ووحدت أجهزة الاستخبارات الغربية جهودها لعرقلة المشروع النووي الإيراني. ف «القضية الإيرانية أطلقت ثورة ثقافية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، «أمان»، وفي الموساد.... وهي حملت قادة الأجهزة على المبادرة الى التعاون الوثيق مع الاستخبارات الخارجية، سواء كانت صديقة أم لا، مخالفين عقيدتهم الاستخباراتية التقليدية التي تعلي شأن العمل الأحادي من غير تنسيق مع آخرين»، على قول رونين بيرغمن، وهو صحافي يعد كتاباً عن عمليات الموساد السرية. وفي فرنسا، كفت الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية عن التنافس، وعززت التعاون بينها لمواجهة تحدي المشروع الإيراني النووي، على ما يقول الخبير فرانسوا هيزبورغ.

وأبرز ثمار التعاون بين الاستخبارات الغربية والإسرائيلية هي اماطة اللثام عن مصنع جديد لتخصيب اليورانيوم في جبال قم. ويقول افراييم هاليفي، رئيس الموساد السابق، أن «اكتشاف المفاعل الجديد أسهم في تعزيز لحمة التعاون الدولي في مواجهة المشروع النووي العسكري الإيراني». ففي 2003، لاحظ محللو صور يعملون في مديرية الأمن الخارجي الفرنسية، «دي جي اس»، تقاطع احداثيات جمعها القمر العسكري الصناعي الفرنسي، «إيليوس»، مع صور رصدها جهاز رادار أميركي. ورصد هؤلاء العمل في مفاعل جديد بقم. ونقلوا المعلومات الى الاستخبارات الحليفة. ونجح الموساد في تجنيد طرف مشارك في عملية تشييد الموقع النووي الجديد.

وسرّب «الخلد» هذا صوراً من داخل الموقع تظهر أنفاقاً. لكن الغاية من الأنفاق هذه بقيت ملتبسة وغامضة. ولكن الغموض بدأ يتبدد في 2007. فجهاز استخبارات فرنسي، يرجح أنه «أم سيس»، وَقَعَ على لائحة طلبية خاصة بتجهيز الأنفاق منها صمامات وأنابيب من الألومينيوم وأجهزة قياس ضغط، الخ. وقطعت اللائحة هذه الشك باليقين. و«جاءت بالبينة على سعي الإيرانيين في تشييد مصنع سري لتخصيب اليورانيوم»، على ما يروي مصدر رسمي فرنسي.

وفي مطلع صيف 2009، أرادت الرئاسة الفرنسية الإعلان عما عُرف ب «ملف قم». ولكن، وفي اللحظة نفسها، قبض جهاز مكافحة التجسس الإيراني على مُسرّب المعلومات عن النفق الى «أم سيس». فطلب الإسرائيليون من الفرنسيين ارجاء الإعلان عن «ملف قم» مخافة انكشاف عملائهم. وفي أيلول (سبتمبر) المنصرم، وعلى هامش قمة بيتسبورغ، أماط أوباما وبراون وساركوزي مجتمعين اللثام عن مشروع قم النووي العسكري السري. وفي الأثناء، هُرِّب مزود اسرائيل المعلومات الى تركيا التي استضافت طوال أعوام طويلة أهم مقر للموساد خارج اسرائيل الى حين توتر العلاقات بين البلدين.

وفي 2002، أفلحت الاستخبارات الألمانية، ال «بي أن دي»، في تجنيد رجل أعمال ايراني تسهم شركته في تشييد مصنع نتانز. وزود الرجل الألمان بمعلومات دقيقة عن الموقع. ووقع على وثائق سرية عن الأبحاث العسكرية النووية، واحتفظ بنسخة الكترونية منها على كمبيوتره المحمول على أمل بأن يبادلها، يوماً، مع ال «بي أن دي» لقاء منحه اللجوء السياسي. ولكن، في 2004، أردى جهاز مكافحة التجسس الإيرانية الرجل هذا الملقب ب «الدلفين»، اثر كشف تعاونه مع الألمان. وأفلحت زوجته في الفرار الى تركيا مصطحبة كمبيوتر زوجها. ويعود الفضل في اكتشاف اجهزة الاستخبارات الغربية ووكالة الطاقة الذرية الدولية مباشرة ايران مشروع تطوير رؤوس نووية الى 1000 صفحة من الوثائق الإيرانية السرية المحملة على كمبيوتر «الدلفين».

وفي 2005، واصلت الاستخبارات الخارجية الأميركية، «سي آي أيه»، عمل ال «بي أن دي» التي خسرت عملائها. فأطلق مدير الوكالة هذه مشروع «براين دراين» لاستمالة العلماء الإيرانيين وكبار الضباط من طريق التواصل مع أقاربهم في الخارج، في لوس انجلس ودبي وباريس وتورونتو. وتعاونت ال «سي آي أيه» مع تل أبيب في اعداد لائحة أسماء من يحتمل أن يتعاون معها. وجلّهم سبق لهم السفر الى الخارج. وأغلب الظن أن الجنرال علي رضا أصغري (أو عسكري) هو واحد من هؤلاء. فهو تابع دراسته في الولايات المتحدة في السبعينات.

وشغل منصب نائب وزير الدفاع، ومستشار الرئيس خاتمي. وبدأ الاتصال به في 2004، اثر انتخاب احمدي نجاد في ولايته الأولى. وبعد 3 أعوام، فقد الإيرانيون أثر أصغري، اثر سفره في رحلة خاصة الى تركيا في عملية نظمها جهاز «سي آي أيه» والموساد. و «المعلومات التي نقلها أصغري هي ركن المعلومات عن البرنامج الإيراني النووي»، على ما يقول أهارون ب.

وانضم الباحث شاهرام أميري الى قافلة المجندين، اثر سفره الى المملكة العربية السعودية في حزيران (يونيو) 2009. ووفق صحيفة ال «دايلي تيليغراف» البريطانية، استجوبت ال «سي آي أيه» أميري في أريزونا الذي أعلمها أن الجامعة في طهران حيث يعمل هي مقر المشروع العسكري النووي الإيراني. ومنحت الاستخبارات الأميركية اميري خمسة ملايين دولار. ولكن هل كان أميري عميلاً مزدوجاً أرسلته ايران لتضليل الاستخبارات الغربية؟ فبعد 14 شهراً على فراره من ايران، عاد الى طهران. وعلى رغم ما حصل مع أميري، لم يتوقف مشروع ال «براين دراين». وفي 9 تشرين الأول (اكتوبر) الأخير، اعلن نائب الرئيس الإيراني أن الغرب جنّد عدداً من الأشخاص العاملين في المنشآت النووية الإيرانية، وأن طهران أعدمت الخائنين.

وحرب الاستخبارات هذه هي حرب دموية شعواء. ويبدو أن الموساد وال «سي آي أيه» وحلفاءهما يشنون حملة اغتيالات تستهدف مسؤولين في البرنامج النووي الإيراني. وأغلب الظن أن الأميركيين يستعينون بمجوعات معادية للنظام الإيراني المركزي، منها مجموعات كردية وآذرية وبلوشية، على رغم ادراج وزارة الخارجية الأميركية بعض المجموعات على لائحة المنظمات الإرهابية. وفي 2007، وجد باحث ايراني يعمل في مصنع اصفهان النووي، أردشير حسن بور، ميتاً جراء تنشقه غازاً مميتاً. وفي مطلع 2010، قتل استاذ الفيزياء، مسعود علي محمدي، في طهران في انفجار دراجة نارية. وفي 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، انفجرت سيارتي خبيرين نوويين ايرانيين في طهران. وواحد منهما فارق الحياة.

وعلى جبهة أخرى من هذه الحرب، وهي جبهة هادئة وصامتة، يستدرج الأميركيون مهربي معدات تستخدم في المفاعلات النووية الى كمائن منتحلين صفة رجال اعمال من دول البلطيق. وفي احدى العمليات، استدرج وسيط ايراني الى تبليسي، بجورجيا، واعتقل هناك ورُحل الى الولايات المتحدة. وتعاون الجمارك الأميركية مع نظيرتها الكندية افضى الى اعتقال محمود يادغاري الذي حاول تهريب جهاز تحويل الطاقة الى طهران عبر ماليزيا.

وثمة جبهة ثالثة أكثر دقة ومكراً هي جبهة تخريب المعدات المسربة الى ايران. فشركة آل تينر السويسرية، المؤلفة من الوالد وابنيه، تعاونت مع شبكة عبد القدير خان الباكستانية النووية، وباعتها معدات نووية. وفي 2003، جندت ال «سي آي أي» أصغر اولاد آل تينر. فزود ايران مضخات فراغ، وهي معدات تستخدم في اجهزة الطرد، مخربة تخريباً دقيقاً أنجز في المختبرات النووية الأميركية.

والجبهة الرابعة من هذه الحرب الشعواء هي الديبلوماسية الأميركية. فموفدو وزارة الخارجية الأميركية يجولون على الدول التي تستضيف شركات تتعامل مع ايران، ويسعون في اقناع هذه الدول، ومنها الصين، بتقييد عمل الشركات هذه.

ولكن مساعي عرقلة البرنامج النووي الإيراني لم تثن ايران عن مواصلة أنشطتها النووية، على ما يرى أولي هينونن، رئيس مفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية السابقة. والدليل على ذلك سعيها في انشاء مصانع تخصيب في أمكنة سرية لتضليل الغرب. وينظر بعضهم في الإدارة الأميركية بعين الاطمئنان الى إلمامهم بتفاصيل البرنامج النووي الإيراني. ويسع شبكات جواسيسهم ابلاغهم بمباشرة ايران صناعة قنبلة نووية خلال أربعة أيام.

* مراسلان، عن «لو نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية

2-8/12/2010، اعداد منال نحاس

=================

أوباما.. ليكس

بقلم :رامي سلامة

البيان

8-12-2010

أن تجد الآن مراسلات الدبلوماسية الأميركية المسلية منها وحتى شديدة السرية، في كل مكان، لا يمكن تسميته سوى سقطة خطيرة تزيد من التكنهات بشأن تخبط الإمبراطورية المريضة.

 

فتسريب نحو 90 ألف وثيقة عن الحرب في أفغانستان و392 ألف وثيقة عن العراق، ومن ثم 6000 وثيقة من 251 ألفاً تنتظر الفرصة لفضحها من قبل خبير الشبكات الاسترالي جوليان أسانغ، ليس مجرد خطأ تقني يندرج تحت إطار القرصنة الحاسوبية.

 

وكون التقييمات الأميركية ومراسلاتها مع الحكومات والأفراد متاحة لنحو 3 ملايين موظف، فهذا بحد ذاته يثير تساؤلاً مهماً عن مدى وعي الدولة الكبرى بحساسية معلومات تخص سياستها الخارجية، والثقة الممكن أن تمنحها إلى حلفائها الذين كانوا الضحية المباشرة لهذه التسريبات.

 

إلصاق التهمة بخبير المعلومات في الاستخبارات برادلي مانينغ، بكونه من نقل المعلومات إلى أسانغ، الملاحق أصلاً من القضاء منذ العام 2008 لتسريبه معلومات عن عمليات تلاعب خطيرة في البنوك العالمية قبل وقوع الأزمة العالمية بستة أشهر.

 

كان محاولة أكثر سطحية لتهدئة المخاوف، بل وزاد من الشكوك بشأن ما إذا كان هناك صراع مكتوم داخل البيت الأبيض تسبب في التسريب، وما إذا كان المقصود مما حصل هو توجيه ضربة قاصمة للرئيس باراك أوباما نفسه!

 

كتابان مهمان قد يكونان مدخلاً مهماً لمحاولة فهم لماذا هذه التسريبات؟ ولماذا يقف أوباما عاجزاً عن إخراج الولايات المتحدة من انهيارها المالي والاستراتيجي؟ أو، على سبيل المثال لا الحصر، منع نتانياهو من تجميد بناء كوخ واحد مؤقتاً في مستوطنات الضفة والقدس المحتلتين؟

 

الكتاب الأول «أم آي 6» للبروفيسور كيث جيفري، وصدر في 21 سبتمبر الماضي، ويروي التاريخ الرسمي للاستخبارات الخارجية البريطانية.

 

ورغم أن الكتاب (810 صفحات) يغطي النصف الأول من القرن العشرين فقط، بدواعي الحفاظ على سرية عملاء الجهاز الذين لا يزال بعضهم على قيد الحياة، إلا أن أهمية الوثائق التي يستعرضها تكمن في روايتها عن حالة الإمبراطورية البريطانية في سني شيخوختها واللحظات الحاسمة التي مهدت لسقوطها.

 

ويمكن الاستنتاج ببساطة كيف أن أول الذين ضربوا وتداً في نعش المملكة المتحدة هو الصهيونية العالمية، والتي كانت في تلك الفترة من الأربعينات قد تحولت نحو التحالف مع الإمبراطورية النووية الجديدة، أميركا.

 

الكتاب الثاني للصحافي الأميركي بوب ودوورد «حروب أوباما» الصادر في 27 سبتمبر الماضي، والذي يكشف عن حجم الانقسامات داخل إدارة أوباما في التعامل مع الملفات العسكرية.

 

والمحاولات الحثيثة من قبل بقايا المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني، لحبس الرئيس داخل المكتب البيضاوي، وفي الكتاب تبين كيف أن الرئيس لم يستطع إقناع إدارته بضرورة الخروج من أفغانستان على نحو حاسم.

 

جاءت التسريبات لتغطي أيضاً على مذكرات بوش الابن «نقاط القرار»، وحملت في كثير منها نقائض لرواية بوش عن محادثاته مع قادة رئيسين في العالم والمنطقة، كما حملت تفاصيل مشابهة أحياناً ومغايرة في أخرى لما جرى في الحرب الجورجية والعلاقة مع روسيا وأوروبا والصين.

 

إشارة أخيرة، كتب الصحافي ألوف بن في صحيفة «هآرتس» قبل أيام عدة، عبارات موجزة وذات مغزى عميق، حيث قال «بنيامين نتانياهو، الوحيد الذي وضع تسريبات ويكيليكس في خدمة أغراضه..

استخدم البرقيات كي يرمي مواقف أوباما في سلة المهملات، لأن أحاديث الغرف المغلقة تتوجس من الخطر الإيراني لا الإسرائيلي، ما يشدد على صحة الدعاية الإسرائيلية والتي تقول: إن الفلسطينيين غير مهمين

=================

أزمة الكوريتين واستقرار شرق آسيا

 بقلم :صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية

البيان

8-12-2010

يعتبر سلوك كوريا الشمالية أخيراً، شبيهاً بسلوك طفل مشاكس يفتقد اهتمام الآخرين به. ففي عام 2003، انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة حظر الانتشار النووي، وفي عام 2008 انسحبت من منتدى الدول الست الذي تشكل نتيجة لهذا الانسحاب.

 

وبعد أن أصبحت منبوذة دبلوماسياً ومحطمة اقتصادياً، تحاول أن تذكر العالم بوجودها من خلال هذه الاعتداءات. في مارس الماضي، قامت بنسف سفينة حربية تابعة لكوريا الجنوبية، ما أسفر عن مصرع 46 بحاراً.

 

وأخيراً، كتبنا تعليقاً حول كشف كوريا الشمالية برنامجاً متقدماً لتخصيب اليورانيوم لعالم أميركي. ومنذ ذلك الحين، قامت بقصف جزيرة «يونبيونغ»، مما أسفر عن مصرع أربعة أشخاص، وهو أخطر اعتداء على الأراضي الكورية الجنوبية منذ التوقيع على الهدنة عام 1953.

 

وفي الوقت الذي تجري أميركا وكوريا الجنوبية مناورات بحرية قبالة شبه الجزيرة الكورية، هددت كوريا الشمالية بشن حرب شاملة. ربما يكون تصرفها هذا طفولياً، ولكن استفزازاتها المتهورة تعرض الاستقرار في شرق آسيا للخطر.

 

لا يوجد بلد له حصة أكبر في هذا الاستقرار من الصين، التي اقترحت أخيراً إجراء محادثات طارئة بشأن هذه المسألة في بكين الشهر الجاري، فيما اعتبر تطوراً، ويستحق الإشادة، لولا أنه جاء متأخراً.

 

وتردد الصين ينبع من رغبتها في عدم التفريط في علاقتها مع كوريا الشمالية، على أمل كبح جماحها ومنعها دفع كوريا الجنوبية وحليفتها أميركا في اتجاه انتقام واسع النطاق. ولكن إذا كان سيتم إجراء المحادثات، فإن الصين لا يمكن أن تتوقع أن تقدم سيؤول تنازلات في أعقاب الهجوم على أراضيها.

 

في الوقت نفسه، فإن الإشارة إلى امتلاك كوريا الشمالية برنامجاً لتخصيب اليورانيوم، ليس بالأمر الجديد، ذلك أن إدارة الرئيس الأميركي السابق بوش كانت قد أخبرت «بيونغ يانغ» أنها على علم بأنها تمارس هذه الأنشطة.

 

والأمر المثير بشأن ما كشف عنه البروفيسور «سيغفريد هيكر»، هو مدى ما يمتلكه الكوريون الشماليون من حيث تركيب أجهزة طرد مركزي لها القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى حد الاستخدام في تصنيع الأسلحة. وهذه الوسائل المتقدمة تشكل تحدياً رهيباً للاستراتيجية النووية التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما في إبريل الماضي، وتحدياً لاتفاقية منع الانتشار النووي التي تدعم هذه الاستراتيجية.

 

وفي غمار التعامل مع هذا التهديد، فإن أول شيء يتعين القيام به هو الاعتراف بما عليه حال كوريا الشمالية، من انهيار اقتصادي وعزلة دبلوماسية، رغم سعيها بشكل متزايد، منذ الاضطراب الاستراتيجي الناجم عن انهيار الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991، إلى توصيل صوتها من خلال التباهي بقدراتها النووية وما تمتلكه من صواريخ باليستية.

 

ومنذ انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي في 2003، تشكّل منتدى المحادثات سداسية الأطراف، الذي يشمل أيضاً الصين واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة. وحتى الآن، لم تثبت الدول الأعضاء في المنتدى أنه أكثر فاعلية من إطار الأمم المتحدة السابق.

 

تريد «بيونغ يانغ» إجراء محادثات ثنائية مع واشنطن بهدف تطبيع العلاقات، ولكن ذلك سوف ينجم عنه ابتزاز نووي. والطريقة المثلى للتعامل مع التصعيد الكوري الشمالي الأخير، هي استئناف المحادثات سداسية الأطراف، على وجه الخصوص بسبب الدور البارز الذي لعبته بكين فيها.

 

فلو أن أي طرف لديه نفوذ على الكوريين الشماليين، فإن هذا الطرف لن يكون إلا الصين، التي تقدم لها سبل النجاة المتمثلة في الغذاء والطاقة، وتعتبر أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية.

 

والحكومة الصينية لها مصلحة جوهرية في منع جارتها المارقة من إشعال فتيل سباق التسلح النووي في شرق آسيا. وليس أمام واشنطن أي خيار سوى التعاون مع بكين لإضعاف القدرة النووية لكوريا الشمالية.

=================

هل حان وقت المبادرة الإيرانية؟  

الاربعاء, 08 ديسيمبر 2010

عبدالله اسكندر

الحياة

لم تؤدّ اجتماعات اليومين الماضيين في جنيف بين ايران ومجموعة «5+1» الى تقدم في مضمون المفاوضات حول الملف النووي لطهران. وقد لا يكون احد يراهن على توصل هذه الجولة الى اختراق ما، لا بل اعتبر الطرفان ان الغرض من هذه الجولة هو مجرد معاودة الاتصال بعد توقف استمر 14 شهراً. واعتُبرت الجولة في هذا المعنى انجازاً في طريق السعي الى الحل السلمي للأزمة النووية الايرانية.

وحققت هذه الجولة ايضاً انجازاً آخر تمثَّل بالاتفاق على جولة مقبلة في نهاية الشهر في اسطنبول. وهذا يعني ان الجانبين يتمسكان حالياً بهذا الشكل من التفاوض، وايضاً قدمت مجموعة «5+1» تنازلاً لإيران عبر الموافقة على اللقاء في اسطنبول. وهي المكان الذي طالبت به طهران سابقاً لاستضافة جولة اليومين الماضيين.

وحتى لو أن تركيا لن تكون طرفاً في المفاوضات أو لن تلعب دوراً مباشراً فيها، فان مجرد قبول المجموعة باستضافة اسطنبول للجولة المقبلة يشكل بادرة حسن نية ازاء ايران، ويعني اعطاء تطمينات لها بالانفتاح على بعض مطالبها لجهة دور تركي في نقل الوقود النووي او تخزينه، خصوصاً بعد رفض التعامل مع المبادرة التركية - البرازيلية في شأن التخصيب.

وجاءت صيغة «التعاون وايجاد نقاط مشتركة»، كهدف للجولة المقبلة وبعد محادثات «بناءة» في جولة جنيف، لتؤكد هذا الانفتاح من جانب دول ال»5+1» (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا)، اضافة الى الاتحاد الاوروبي على هواجس طهران، على امل حملها على القيام بخطوة مماثلة تتيح التقدم في جوهر المفاوضات.

اي ان الاسرة الدولية، الممثلة بمجموعة «5+1» والاتحاد الاوروبي، ابدت حسن نية ازاء الهواجس الايرانية بابقاء سلة الحوافز على الطاولة، رغم استمرار ايران بالتخصيب. واقدمت على خطوة بناء الثقة عبر الانتقال الى اسطنبول لاجراء الجولة المقبلة، مع كل ما يعني ذلك من استعداد لاخذ مطالب ايران في الاعتبار.

في موازاة مفاوضات جنيف، كانت دول الجوار الايراني الاكثر تأثرا بارتدادات ازمة الملف النووي، اي دول مجلس التعاون الخليجي، تعقد قمتها السنوية في ابوظبي. وهي شددت على ضرورة الحوار والحل السلمي للملف الايراني والتزام الشرعية الدولية في هذا الشأن، ورفضت رفضاً مطلقاً الخيار العسكري في التعامل مع هذه الازمة. كما شددت على الحق في امتلاك الطاقة النووية لاغراض سلمية وعلى اخلاء المنطقة، بما فيها اسرائيل، من السلاح النووي. وابدت الدول الخليجية انفتاحاً كبيراً على كل اشكال التعاون مع ايران من اجل الامن والاستقرار في المنطقة.

وبدا من مداخلة وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي، في مؤتمر المنامة قبل ايام، ومن موقف القمة الخليجية من الازمة النووية الايرانية، ان الجانبين يسعيان الى تجاوز ما ورد في الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» في هذا الشأن. وهذا ما يوفر اساساً لاستعادة ثقة قد تكون اهتزت في السابق، ليس بفعل الملف النووي وحسب، وانما ايضاً بفعل السلوك الايراني العام في ازمات المنطقة، خصوصا العراق واليمن، وارتداداتها على الدول الخليجية.

وهكذا، تبدو الاسرة الدولية ودول الجوار الايراني في موقع الساعي الى حل سلمي لازمة الملف النووي، كما تبدو على استعداد للاقدام على خطوات حسن نية لتحسين ظروف اي مفاوضات جدية.

لكن يبقى ان تعمل ايران على لقاء الآخرين في منتصف الطريق لتفادي ما يخشاه الجميع من انزلاق، في غياب الحل السلمي. وقد يكون حان الوقت لتقدم ايران على مثل هذه الخطوة، عبر اجراءات وسياسات تطمئن المجتمع الدولي ودول الجوار على السواء.

=================

ويكيليكس».. لم تعد الحارة كما كانت!

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

8-12-2010

في حوار «المنامة الاستراتيجي» الأخير، ألقت وثائق «ويكيليكس» المسربة بظلالها على ندوات المنتدى وكلماته؛ إذ شددت هيلاري كلينتون على الطابع الإجرامي الذي يقف وراء نوايا المسربين للوثائق السرية، وتعهدت بملاحقة أولئك الذين اعتدوا على أسرار أميركا. الشيخ خالد الخليفة - وزير الخارجية البحريني – قال: إن الوثائق «لم تحرجنا، وليس في سياستنا ما نخفيه في مواقفنا مع إيران أو غيرها». أما وزير خارجية إيران، منوشهر متقي، فقد قلل من أهمية تلك الوثائق بالنسبة لإيران، وقال - بلهجة مطمئنة - لنظرائه الخليجيين: إن إيران لا تعتد بما يرد من أميركا، واصفا الوثائق بالدعاية الأميركية التي تقصد تخريب العلاقات بين طهران وجيرانها، مضيفا أن قوة إيران هي من قوة جيرانها، وقوة جيرانها من قوتها.ولعل من أبرز ما قيل بحق تأثير تلك الوثائق ما قاله الأمير تركي الفيصل من أنها «مجرد تسريبات لا بيانات رسمية، لا تؤثر في صنع القرار أو صنع السياسة أو التفكير الاستراتيجي في المنطقة، والصورة الكاملة لن تتضح إلا عند الكشف عن جميع الوثائق». ما ذكره الأمير تركي صحيح، فالوثائق على الرغم من كونها تسريبا خطيرا، وانكشافا دبلوماسيا مضرا بالدبلوماسية الأميركية، فإنها - على الأقل ما ظهر منها - منتقاة، وخارجة في الغالب عن السياق السياسي الحقيقي الذي كتبت فيه.

أمام حدث «ويكيليكس» انقسمت الآراء، فهناك من يعتبرها انكشافا صريحا للدبلوماسية الأميركية ولحلفائها وأصدقائها في المنطقة، وهناك من يعتبرها ضارة، ولكنها غير حاسمة التأثير في سياسات تلك الدول. البعض – مثل الزميل عبد الرحمن الراشد، الكاتب بهذه الجريدة - قد اعتبروا أن الوثائق لم تأتِ بجديد؛ حيث قال الراشد: إن الكثيرين كانوا ينتظرون أن تأتي هذه التسريبات بأسرار جديدة غير معروفة، ولكن كل ما فعلته حتى الآن هي أنها أثبتت معلومات وآراء معروفة وغير جديدة.

الراشد محق في أن الوثائق حتى الآن لم تأتِ بجديد فيما خص الأسرار، ولكن لعلي أختلف معه في أن أهمية هذه الوثائق لم تكن في محتواها، فالمتابعون والمراقبون للمشهد - لا سيما القريبون من صناع القرار - يسمعون ويرقبون تلك الأحداث والأقاويل، ولكن أهمية الوثائق تكمن في كونها أنهت مرحلة طويلة من الممارسة الدبلوماسية العالمية تعود إلى بداية الدولة الوستفالية، كما يسميها هنري كيسنجر. لا شك أن الكشف عن الوثائق هو عمل إجرامي ينتهك السيادة، وعرف الممارسة الدبلوماسية المعهود لها المحافظة على الأمن القومي. بيد أن ظهور هذه الوثائق هو حدث تاريخي سيعيد صياغة الفهم والوعي بالسياسة حول العالم. المعلومة بحد ذاتها سلاح فتاك يغير المفاهيم ويعيد تشكيل السلوك. لقد ظلت الدول حريصة على حفظ أسرارها ومعلوماتها، وباستثناء حالات سقطت فيها الأنظمة - كالثورة الإيرانية مثلا - فإن المعلومة ظلت بالنسبة لصانع القرار السلاح الأكبر في إدارة شؤون السياسة، فإذا جهل الخصوم حقيقة الوضع كان السياسي قادرا على إدارة الصراع مع خصومه ومنافسيه، والتاريخ شاهد على أن الحالات التي تنكشف فيها إدارة سياسية، أو نظام سياسي، أمام الآخرين، هي الحالات التي فقدت فيها المعركة. تأمل حكاية سنمار التي تروي لنا قصة الحاكم الذي أمر شخصا أن يشيد له قصرا باذخا لا قبل لأحد به، وأخفى فيه حجرا يستطيع من ينتزعه أن يسقط القصر كله، لقد قتله الملك حفاظا على المعلومة، ولهذا جاء المثل الشهير «جزاء سنمار».

المعلومة قوة لا تضاهيها أي قوة، الذي يعرف حقيقة الوضع ويستطيع إخفاء نقاط ضعفه وتضخيم نقاط قوته أمام الآخرين يستطيع أن يحافظ على موقعه أمام القوى التي تسعى لإقصائه. أمثلة «سنمار» مليئة في التاريخ السياسي القديم والحديث، حين سربت بداية السبعينات «أوراق البنتاغون» جن جنون الرئيس نيكسون؛ فحاول جاهدا أن يبحث عن مصدر تلك التسريبات، وعوضا عن أن يمتص التأثيرات السلبية لتلك التسريبات سعى نيكسون للتجسس على خصومه، وفي النهاية أسقطته «فضيحة ووترغيت».

قد يقول البعض: إن المعلومات قد لا تكون مؤثرة، فنحن نعرف أنظمة عسكرية دكتاتورية، يعرف الكل فسادها وعنفها ضد مواطنيها ولكن لم تؤثر تلك المعرفة في قدرتها على البقاء مستقوية بسلطتها. هذا صحيح، بيد أن الانطباع (perception) ليس كالعلم بالشيء (knowledge).

برأيي أن ما حدث هو ثورة على الأصعدة كلها، قد لا ندرك أبعادها وعمقها إلا بمرور الزمن. سأذكر لك اثنين فقط، أولهما: أن العطش للمعلومة (السرية) مهما كانت خطورتها قد أصبح طموحا لكل من يستطيع الوصول إليها وكشفها أمام الملأ. الجميع يعرف اليوم أن كل معلومة يستطيع المرء فضحها يمكن أن تضر بآخرين يدفعون كل شيء لإبقائها طي الكتمان، وعليه فإن تقاليد الدبلوماسية اليوم معرضة لتغييرات ثورية، فالحكومات ستسعى جاهدة لحفظ أسرارها حتى ولو كان في إطلاع البعض عليها مصلحة استراتيجية، والأفراد سيسعون جاهدين ليس للحصول على المعلومة فقط بل لإشراك أكبر قدر من الناس بها؛ لأنها إذا كشفت لن تعود خطيرة. النقطة الأخرى هي: أن ما نعتبره اليوم أسرارا من قيمة واحدة متساوية، ولهذا لها قدر متساوٍ من الأهمية، سيعاد تصنيفها إلى فئات. لا أقصد هنا التصنيف الاستخباراتي المعروف بترتيب خطورة المعلومات وأولويتها، بل الموضوعات. أي أن أجهزة الاستخبارات - والدبلوماسية بالضرورة - ستعيد قراءة ما لديها لتجعل المعروف سريا، والمجهول أمرا معروفا.

راجعوا فقط الأسباب التي سيقت – استخباراتيا - لغزو العراق 2003، لقد كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تدركان أن احتمال امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل ضئيل، ومع ذلك سوقتا لهذا الاتهام. صدام حسين نفسه كان يعرف أنه لا يمتلك تلك القدرات، ويعرف أيضا أن أميركا قد تعرف ذلك، ومع هذا اختار ألا ينفي بشكل قاطع حقيقة ما لديه؛ لأنه لم يكن يريد أن يظهر نظامه منكشفا أمام خصومه في العراق، أو أعدائه كإيران. إذن المعلومة، والأهم كيفية التعاطي معها، حددت قدر بلد مثل العراق.

المعلومات في أيدي صناع القرار هي مثل أوراق لعبة البوكر بأيدي اللاعبين، البعض لديه أوراق ضعيفة، والبعض الآخر لديه أوراق قوية، وآخرون لديهم أوراق تأكل كل شيء، ولكن لا أحد يعرف تماما ما بيد الآخر، ولهذا فإن اللعبة قائمة على مراقبة وجوه الخصوم، ولهذا تسمى «البوكر فيس». ما سنشهده في المرحلة المقبلة هو أن اللاعبين ذاتهم سيلعبون اللعبة ذاتها ولكن بأوراق مكشوفة، ولهذا فإن وسائل الخداع والتضليل التقليدية ستستبدل بها مواجهات عنيفة وعاصفة لحسم المكاسب والخسائر في اللعبة؛ لأن قواعد اللعبة تغيرت رأسا على عقب.

نحن اليوم قد لا نعرف كل الصورة، وقد لا تكون المعلومات كلها سرية، وقد تكون أخرجت من سياقها، ولكن من قال إن الوثائق توقفت، ومن قال إن وثائق أخرى غير «ويكيليكس» لن تكشف لاحقا. في المستقبل القريب سنعرف – نسبيا - كل شيء، وسنكون قادرين على تحليل سلوك وسياسات الدول بطريقة لم تتأت لأسلافنا.

في الفيلم المصري الشهير «الكيت كات»، يفشي محمود عبد العزيز - الرجل الضرير - أسرار حارة بسيطة وفضائحها أمام مجلس العزاء من دون أن يدرك أن هناك ميكروفونا مفتوحا تصل عبره أحاديثه للحارة كلها. لم تكن حواديت الحارة مجهولة، ولكن كشفها دفعة واضحة أمام الكل غير النفوس وفجر الخلافات بين أفرادها؛ لأن الضرورة تقتضي الستر. لم تعد الحارة كما كانت.

=================

ثورة العولمة المضادة

عبد المنعم سعيد

الشرق الاوسط

8-12-2010

يا إلهي، لقد انقلب السحر على الساحر، وثبت بما ليس فيه مجال للشك أن القوى التي أطلقت «العولمة» لها منطقها الخاص، رغم محاولة وضعها في نسق فيه خير الإنسانية من حيث الاقتراب الجغرافي بثورة الاتصال والمواصلات، والغنى الاقتصادي من خلال حركة السلع والبضائع والعمالة ورأس المال، والتفاهم الثقافي من خلال الاتصال والتواصل، وشيوع السلام والأمن بواسطة القوى المحركة للحجم الأكبر من الحركة عبر الكون والأكوان، وانتشار الديمقراطية التي لا يحارب فيها بلد ديمقراطي بلدا آخر، أو هكذا قيل. النموذج على هذه الشاكلة كان براقا ومثاليا للغاية، ولكن التطور الإنساني لا يترك الأمور على حالها بحيث يظهر «النقيض» فورا، وقد كان، فالعولمة الاقتصادية ظهرت لها الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، والعولمة الأمنية ظهرت لها أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما تلاها من حروب، والعولمة الثقافية تحداها صراع الحضارات. وخلال هذا العام فإن عولمة المعلومات الكثيرة تحداها موقع «ويكيليكس» عندما انفتحت أحشاء الدول على مصراعيها، وانكسرت أهم مقدسات العلاقات الدولية في الحركة السرية للاتصالات بين الدول.

وفي الحقيقة فقد أصبح موقع «ويكيليكس» حديث وسائل الإعلام العالمية، بعد تسريب الوثائق السرية لوزارة الخارجية الأميركية في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، التي يصل عددها إلى نحو 251 ألفا و278 وثيقة، منها 15 ألفا و652 وثيقة وصفت بأنها «سرية»، من بينها 4 آلاف و330 وثيقة تقع تحت فئة «يمنع تسريبها إلى غرباء»، وتتناول الوثائق الفترة من عام 1966 وحتى عام 2010، وتتضمن برقيات من 274 سفارة أميركية.

تأسس هذا الموقع عام 2006 وسمح للمستخدمين بالاطلاع عليه في يناير (كانون الثاني) 2007، وقد أسسه الصحافي الأسترالي جوليان أسانج. وينقسم اسم الموقع إلى كلمتين: الأولى هي «ويكي» (wiki) وتعني «الباص» الذي ينتقل من منطقة إلى أخرى مثل «المكوك»، والثانية هي «ليكس» (leaks) وتعني التسريبات، وهي إشارة إلى قول مؤسسه إن الموقع يهتم بنشر الأسرار التي تتورط فيها المؤسسات والحكومات الفاسدة.

ولإدراكه التداعيات المتعددة التي يمكن أن تتمخض عن نشر التسريبات المختلفة، حرص الموقع على تكليف مجموعة كبيرة من المحامين بالدفاع عنه، كما أنه يوفر شبكة حماية للمصادر التي يحصل منها على التسريبات. وترجح بعض وسائل الإعلام أن يكون مصدر التسريب هو نظام اتصال بين وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين يسمى «سيبرنت» (سيكرت إنترنت بروتوكول راوتر نتوورك)، وهو نظام يطلع عليه نحو 2.5 مليون موظف أميركي. ويعتقد في الولايات المتحدة أن الجندي برادلي مانينغ هو من قام بهذا التسريب، وهو معروف بمثاليته ودفاعه عن مثليي الجنس في الجيش الأميركي، وكانت السلطات قد اعتقلته في مايو (أيار) 2010 بعد نشر الموقع شريط فيديو يصور قيام مروحية أميركية بقتل مدنيين عراقيين.

وقد أصدرت شرطة «الإنتربول»، في 30 نوفمبر 2010 مذكرة توقيف دولية بحق جوليان أسانج. لكن هذه المذكرة لا تتصل بالتسريبات التي ينشرها الموقع، وإنما ترتبط بطلب محكمة ستوكهولم استجوابه في إطار تحقيق في تهمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي على امرأتين في السويد في أغسطس (آب) 2010. وبفضل التسريبات التي ينشرها الموقع، رشحت مجلة «تايم» الأميركية أسانج للحصول على لقب «رجل عام 2010». كما صنفت صحيفة «ديلي نيوز» الأميركية الموقع في مايو 2010 بأنه «أحد المواقع التي يمكن أن تغير الأخبار الرئيسية في العالم». ورغم الضغوط الكثيرة لم يصغ ِالموقع كثيرا إلى الدعوات الأميركية بعدم نشر الوثائق الجديدة، فقام بنشرها. ولذلك بدأت الولايات المتحدة في اتخاذ عدد من الخطوات بهدف احتواء التداعيات الناجمة عن نشر الوثائق. فمن جهة قامت بإجراء اتصالات مع بعض الدول الحليفة لها مثل تركيا وإسرائيل وبريطانيا وأستراليا، لإبلاغها بضرورة احتواء ما يمكن أن تتضمنه هذه التسريبات. ومن جهة ثانية بدأت حملة علاقات عامة لتحسين صورتها على الصعيد الدولي، ومن جهة ثالثة اتجهت إلى دراسة الإجراءات القضائية والتعامل مع الثغرات الدستورية المحتملة لمحاكمة جوليان أسانج بتهمة التجسس، وهي مهمة ليست سهلة نظرا لأن ذلك يتطلب إثبات أن نشر الوثائق يقيد الحريات أولا ويهدد الأمن القومي الأميركي ثانيا.

الجدير بالملاحظة في هذا السياق أنه قد سبق للموقع أن نشر في يوليو (تموز) هذا العام 77 ألف وثيقة عن الحرب الأميركية في أفغانستان، أشارت إلى انتهاكات ارتكبتها القوات الأميركية أسفرت عن سقوط مدنيين أفغان. كما قام الموقع، في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، بنشر 391 ألفا و831 وثيقة تابعة للجيش الأميركي عن الحرب في العراق، أوضحت أن الجيش الأميركي لم يهتم بالتحقيق في انتهاكات ارتكبت بحق مدنيين عراقيين في الفترة بين عامي 2003 و2009، مشيرة إلى وجود 15 ألف مدني عراقي قتلوا ولم يتم إحصاؤهم، وإلى إنشاء ما يسمى ب«وحدات الموت» في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي مارست عمليات تعذيب وقتل للسنّة، وإلى قيام إيران بتهريب أسلحة إلى الميليشيات الشيعية في العراق. لكن هذه الوثائق في مجملها لم تكن أول ما كشفه الموقع، فمنذ تأسيسه في عام 2007 نجح الموقع في الكشف عن بعض الأسرار التي اعتبرت «اختراقات» في هذا الصدد، فقد نشر الموقع بيانات أعضاء الحزب القومي البريطاني المتشدد المعروف اختصارا ب«BNP»، متضمنة الأسماء والعناوين والوظائف، وقد شملت قائمة الأسماء ضباط شرطة وقوات مسلحة وأطباء ومحامين. كما نجح الموقع في نشر وثيقة توضح القيود المفروضة على سجناء معتقل غوانتانامو.

وبالعودة إلى مقدمة هذا المقال فإن القضية ليست تسريب الأسرار الخاصة بالدول، ولكنها ظهور «دياليكتيكي» لأهم مقومات العولمة، وهي في النهاية سوف تقلب مفاهيم الأمن القومي رأسا على عقب. ولأول مرة في التاريخ سوف يكون على دول العالم أن تلعب «على المكشوف»، وهي ألعاب لا يدري أحد ما إذا كانت ستقود إلى مزيد من الحروب أو قدر أكبر من السلام. وربما كان الأكثر عمقا في الموضوع أن كل ما يتعلق بالإنسان من أسرار خاصة بحركته وحساباته البنكية وعلاقاته الشخصية من الممكن بنفس الطريقة أن يكون عرضة للاختراق والفضح والابتزاز. وهي معادلة كثيرا ما لا تذكر عند مناقشة قضية «ويكيليكس» وقصرها على التناقض ما بين الأمن القومي والحريات الشخصية وفي المقدمة منها حق التعبير. فوضع المسألة عند هذا الحد يخفي أمورا أخرى تتعلق «بالخصوصية» وحق الإنسان في أن يكون له مجاله الخاص الذي لا يخترقه أحد إلا بإذن السلطات العامة ووفقا لقانون بعينه، أما أن

===================

الجهاد المدني في وجه الفرعونيّة

مجلة رؤية - المنتدى

2010-12-02

بقلم عبد العزيز كحيل

التحدّي الأكبر الّذي نواجهه اليوم هو شرك القصور قبل شرك القبور، والجهاد المدني السلميّ لا يقلّ قدسيّة عن قتال العدوّ الخارجيّ لأنّه بناء للأمّة من الداخل لتواجه الانهزام النفسيّ، لذلك يجب التركيز عليه تنظيراً وممارسةً حتّى يحتضنه الوجدان الجمعي فيغدو مسارا طبيعيا لا تكلّف فيه ولا رجعة عنه،ويومئذ تكون الفرعونية قد انهزمت .

تتمثّل الفرعونيّة في تسلّط الحاكم - سواء كان فرداً أو نظاما - على المجتمع رغما عنه والتعامل معه بالاستبداد السيّاسيّ والإرهاب الفكريّ وما يتبع ذلك من الإفساد المادي والمعنوي وإهدار كرامة الإنسان والتضييق على الحريات أو إلغائها والعبث بحقوق الناس وكتم أنفاسهم ومطاردة الأحرار وذوي الرأي المخالف مهما كان سديدا .

ولكلّ فرعون موسى كما يقولون ، يقف في وجه الطاغية وينصحه ويبصّره بخطأ منهجه و يحاوره مرّة بعد مرّة برفق عسى أن يرجع عن غيّه، فالأوّل هو نموذج الطاغيّة المستبدّ ، أمّا الثاني فهو نموذج القائد الرافض للاستبداد الّذي يخلّص شعبة من الاستعباد ويقوده للحرّية،

وكم في دنيانا من فرعون ومن موسى ! لكنّ الاستبداد في بلاد العرب تأسّس على دعائم متينة يصعب تقويضها من طرف أفراد مهما كان تفانيهم وبأسهم، واعتمادا على التجارب البشرية عبر الزمان والمكان يبقى أفضل حلّ لمشكلة الفرعونيّة أن يكتسب المجتمع المناعة منها ويتشرّب رفضها ويتحرّر من القابليّة للاستخفاف، أي أنّ هناك جملةً من الأخلاق النفسيّة يجب أن تشيع في مكوّنات المجتمع وتصبح ثوابت عندهم وخصائص لصيقة بشخصيّتهم عبر التربيّة والتوعية والتكوين في البيت والمدرسة الحرّة والمسجد وغيرها حتّى يكرهوا الحكم الاستبدادي كما يكرهون الشرك وعذاب النار، وهذا يؤدّي إلى نشوء جوّ عام يسوده تمسّك الأفراد بحريّتهم وكرامتهم وحقّهم في ردع أيّ تعسّف استبدادي من أصحاب السّلطة، وهو ما كان عليه المجتمع أيّام الخلافة الرّاشدة ، وهو ما عليه الآن مجتمعات البلاد الغربيّة واليابان ودول أخرى اكتسبت المناعة في أكثر من قارّة، وبديهي أن التعويل على الأنظمة الحاكمة لإنشاء هذا الجوّ ضرب من الخيال، وقد رأينا بعضها في المنطقة العربيّة تدرّس نظريّات الحريّة وحقوق الإنسان في المدارس الحكومية وهي تدوس عليها في حياة الناس صباح مساء علنا وبكلّ تبجّح، وإنّما هي ثقافة يتولّى المجتمع المدني إشاعتها من خلال مؤسّسات متعدّدة لن تعدم الوسائل في ظلّ الثورة المعلوماتيّة والتقدّم التكنولوجيّ، وهذا العمل المجتمعي في حاجة إلى وجود قويّ – بواسطة الأحزاب الإسلامية والوطنية النزيهة والتنظيمات الشبابية والنسوية والجمعيات المختلفة - ثمّ إلى حماية ماديّة حتّى لا تعيقه السلطات المتوجّسة من النشاط السلمي سواء كان ثقافيّاً أو تربويّاً أو سيّاسيّاً أو نقابيّاً، والحماية توفّرها المؤسّسات المدنيّة القويّة المنخرطة في الجهاد السلمي الّتي لا تكتفي بالتنديد بالتضييق على الناشطين بالفصل من العمل والسجن ونحو ذلك ، وإنّما تمتلك قدرات ماديّةً من خلال التمويل الذاتي والاستثمار الشفّاف بحيث تواجه تجاوزات السلطة باحتضان ضحاياها وأسرهم عند الاقتضاء ، فتوفّر لهم أسباب العيش بالمساعدة وبالتوظيف في مرافقها، وذلك حتّى لا يبقى الجهاد المدنيّ مجرّد مواعظ أو بيانات صحفيّة ، وإنّما يصبح حركيّةً اجتماعيّةً تستقطب أصحاب الكفاءات وتوفّر لهم الحدّ الأدنى من الحماية والمنعة كالأجر ومصاريف المحاكمات، وهذا التوجّه الجادّ في منهجية مقاومة الاستبداد ودعم الحقوق والحريات الفرديّة والعامّة سوف يستقطب طاقات علميّة وحركيّة ضخمة من أبناء العرب والمسلمين لينخرطوا في العمل المؤسّسي ويضمنوا له الاستمرار والنّجاح، ولنا في تجارب الشعوب الأخرى دروس وقدوات، وقد أصبحت " المنظّمات غير الحكوميّة " - المشتغلة بحقوق الإنسان خاصّةً – هاجس الأنظمة الديمقراطيّة في الغرب نفسه لأنّها استطاعت أن تتحوّل عبر السنين إلى سلطة مضادّة قويّة وذات مصداقيّة تتحرّك ، ليس عبر الحضور الإعلامي وحده ، ولكن بواسطة مؤسّسات تشتمل على خلايا للتفكير والتحرّك ومراكز بحوث ودراسات تمسح المجتمع وتوفّر المعلومات والإحصائيات، فاستطاعت بهذا أن ترشّد نشاط المظلومين والتوّاقين للحريّة والكرامة والحقوق سواء كان فعلهم إضراباً أو اعتصاماً أو مظاهرةً أو عريضةً مكتوبةً أو نحو ذلك ، حتّى لا يخرج شيء من هذا من السلم إلى العنف ولا يعتريه أيّ سلوك أهوج.

إنّ التكتّل الاجتماعي البصير يطمئنّ إلى العمل السلميّ المنظّم السالك للطرق الحضاريّة والمنطلق من المقاصد الشرعيّة ، فينوّع وسائل النّشاط بالقلم واللسان ، لإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقحامها في إحقاق حقّ الأمّة وإبطال باطل المتسلّطين عليها باسم الحكم الإلهي أو عبر الانقلابات العسكريّة أو الانتخابات المزوّرة.

إن شعوبنا تنتظر هذا البديل الشرعي الحضاري لتتحرّر من الفرعونيّة وتكتسب المناعة من فيروساتها، وهي تعلم أنّ فيه مخاطرةً ومشقّةً لذلك يحتاج إلى ما ذكرنا من بدائل تشحذ الهمم من جهة وتلطّف الضّربات المحتملة من جهة أخرى، ليغري ذلك كلّ صاحب همّة بالمساهمة فيه بعيداً عن التفرّج السلبيّ وعن الخور القاتل وعن أساليب العنف الّتي لا نجني منها إلاّ مزيداً من التمكين للفرعونيّة.

وإنّما تكمن مصداقيّة الجهاد المدني في مواجهة الفرعونيّة في تبنّيه المبدئي المطلق والواضح لقيم الحريّة والشورى والعدل والإخاء والمساواة والعلم والعمل كي ينعم بها الجميع في ظلّ نظام يؤسّس من القاعدة ،لا مكان فيه لتسلّط سلطوي يكتم الأنفاس ويكمّم الأفواه ويعاقب الأبرياء الأحرار ويحتفي بمن ينثر حوله البخور ، أو يرفع تلك القيم كشعارات خاوية من المعاني يزيّن بها واجهته ويتفنّن في وأدها والتنكيل بأصحابها.

بقيّ أن نحذّر من المعوّقين الّذين يقتلون بريق الأمل بشتّى الوسائل والذرائع، ومنها التشكيك في التأصيل الشرعيّ للجهاد المدنيّ، فهم – مهما كانت نياتهم – يطيلون عمر الفرعونيّة ويخذلون الشعوب المسلمة المضطهدة، ويكفي أن نقول إن ثقافة هذا الجهاد لا تخطئها بصيرة المسلم إذا وضع نصوص القرآن والسنّة في نسق كليّ وتناولها في ظلّ الأصول والمقاصد بدل قراءتها قراءة القطع المفكّكة التي لا تبني أيّ تصوّر شامل ولا رؤية متكاملة، وقد أبصرها علماء أفذاذ معاصرون أمثال الشيخ القرضاوي ود.حاكم المطيري ود.عبد الله الحامد، ويكفي – أيضا – لإبصارها الالتفات إلى معاناة شعوبنا وحاجتها الماسّة إلى المشاركة في الحياة السياسيّة والاستمتاع بحقوقها وحريّاتها، فالتحدّي الأكبر الّذي نواجهه اليوم هو شرك القصور قبل شرك القبور، والجهاد المدني السلميّ لا يقلّ قدسيّة عن قتال العدوّ الخارجيّ لأنّه بناء للأمّة من الداخل لتواجه الانهزام النفسيّ، لذلك يجب التركيز عليه تنظيراً وممارسةً حتّى يحتضنه الوجدان الجمعي فيغدو مسارا طبيعيا لا تكلّف فيه ولا رجعة عنه،ويومئذ تكون الفرعونية قد انهزمت

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ