ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 13/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

التقدم الصيني نحو المستقبل

الأحد, 12 ديسيمبر 2010

السيد يسين *

الحياة

اقتبس عنوان هذا المقال من العنوان الفرعي لكتاب «الصينيون المعاصرون: التقدم نحو المستقبل انطلاقاً من الماضي» والذي ألفه وو بن وترجمه الدكتور عبدالعزيز حمدي ونشر في سلسلة «عالم المعرفة» وتبدو أهمية الدلالة في أن تقدم الصين الذي يشهده العالم حالياً قد أسس بصورة عبقرية على تراث الماضي الصيني العريق.

وهذا الكتاب الذي نشر في جزأين يتضمن عرضاً تاريخياً متكاملةً لنشأة الصين وتحولاتها عبر الزمن إضافة إلى تحليل ثقافي نادر يبرز السمات الأساسية للشخصية الصينية في تفاعلها مع التطورات التي لحقت بالمجتمع الصيني، ويلقي الضوء على جذور وتطور مشروع التحديث الصيني.

وليس هناك شك في أن صعود الصين ببطء وثبات إلى ذروة القمة العالمية كان محلاً لكثير من الأبحاث والكتب التي ألفت بلغات مختلفة، في محاولة لسبر أغوار التجربة الصينية، والبحث عن سر إعجازها في انطلاقتها التنموية الكبرى.

غير أن أهم من ذلك كله هو الاهتمامات المركزة للدول الكبرى وعلى رأسها بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية والتي أصابها القلق الشديد من صعود الصين. ويرد هذا القلق إلى أن نموذج القوة العالمية التي حددت ملامحه الولايات المتحدة يتركز في أن تنفرد بحكم العالم ليس في المستقبل المنظور فقط ولكن إلى أبد الآبدين!

وقد نشرت مؤسسة «راند» التي تعتبر العقل الاستراتيجي الأميركي بحثاً بالغ الأهمية حرره خمسة باحثين استراتيجيين ورفعوا توصياتهم إلى البنتاغون، وأهمها جميعاً أن على الولايات المتحدة أن تحافظ على مكانتها باعتبارها القطب الأعظم المهيمن على السياسة العالمية، وأن من حقها أن تجهض أي محاولة لأي دولة لإزاحتها عن هذه المكانة، حتى لو أدى ذلك إلى شن الحرب عليها!

قد يبدو للبعض أن هذا سيناريو «جنوني» لأن محاولة الولايات المتحدة الأميركية الانفراد المطلق بحكم العالم لا سابقة لها حتى في أعتى العهود الإمبراطورية!

غير أن الصين باعتبارها قوة عالمية صاعدة صاغت نموذجاً عالمياً للقوة يختلف أساساً عن النموذج الأميركي. ويمكن القول في عبارة موجزة بأن هذا النموذج يسعى إلى تحويل النظام الدولي الراهن الأحادي القطبية إلى نظام متعدد القطبية لا تنفرد فيه دولة واحدة بحكم العالم وإنما تشترك به على الأقل مع سبع دول كبرى في إدارة الشؤون الدولية وبالاستعانة بعدد من الدول المتوسطة القوة والموجودة في مختلف قارات العالم.

وقد أتيح لي أن أطلع على بحث مؤسسة «راند»، وعلى بحث آخر حرره الأستاذ الأميركي كامبل والذي عرض خلاصة أبحاث نحو ثلاثين مركزاً استراتيجياً صينياً.

وأياً كان الأمر، فإن صعود الصين أثار – كما يقرر سين لين جونز الباحث الأميركي وأحد محرري الكتاب المهم «صعود الصين» الصادر عام 2010 في ترجمته العربية التي قام بها الدكتور مصطفى قاسم وقمت بمراجعة الترجمة والتقديم له – جدلاً كبيراً بين الدارسين وصناع القرار. وقد دار هذا الجدل حول مضامين ونتائج صعود الصين، وتركز حول أربعة موضوعات:

الموضوع الأول صيغ في صورة سؤال: كم تبلغ قرارات الصين الاقتصادية والعسكرية؟ وهذا السؤال من السهل في الواقع الإجابة عليه، لأن هناك مؤشرات اقتصادية يمكن الاعتماد عليها، إضافة إلى المعدلات والمقاييس العسكرية. ويبدو أن هناك خلافات في الرأي حول قوة الصين الاقتصادية.

فهناك – على سبيل المثال – تصريح أصدره لي كوان يو رئيس وزراء سنغافورة السابق قاله فيه «من غير الممكن أن ندعي أن الصين مجرد لاعب كبير آخر فحسب، إنها اللاعب الأكبر في تاريخ الإنسان».

وعلى عكس هذا التصريح الذي يتسم بالمبالغة الظاهرة يشكك بعض المحللين في حجم الزيادة في قوة الصين على أساس أنه قد بولغ في تقدير نمو الصين نتيجة الاعتماد على إحصاءات مضللة، وأن الصين في الحقيقة قوة متوسطة من الصف الثاني، ولا ينبغي النظر إليها كقوة عظمى ممكنة.

والموضوع الثاني الذي يدور حوله الجدل في ما يتعلق بصعود الصين هو: ما تأثير هذا الصعود على استقرار السلام الدولي؟

يرى بعض منظري العلاقات الدولية أن صعود قوة عظمى جديدة يؤدي في الغالب إلى نشوء حرب سواء لأن القوة الصاعدة ستستخدم القوة لتغيير النظام الدولي بما يحقق مصالحها، أو لأن القوة العظمى القائمة قد تشن حرباً وقائية للحفاظ على مكانتها. وهذا الرأي يتفق مع ما ذكرناه عن نموذج القوة العالمية الذي وضعته الولايات المتحدة لنفسها والذي يصل إلى حدود شن حرب ضد أي دولة تحاول إزالتها من الصدارة.

والموضوع الثالث في الجدل الدائر حول صعود الصين هو التساؤل عن النيات الصينية، وهل ستسعى بقوة لكي تغير النظام الدولي؟

هناك خلافات بين المحللين في الرد على هذا السؤال. فريق منهم يرى أن الصين ستسعى على الأغلب لأن تكون لها اليد العليا في شرق آسيا، على أساس أنها لن تسعى لكي تدخل في منافسة إيديولوجية عالمية مع الولايات المتحدة الأميركية. وعلى العكس من ذلك يرى فريق آخر أن الصين ستميل إلى استخدام القوة لتحقيق مصالحها القومية كما يدركها قادتها، والدليل على ذلك سعيها الحثيث لضم تايوان إليها، ما يؤكد أنها في لحظة ما ستدخل في صراع مع الولايات المتحدة لأن واشنطن ستحاول حماية تايوان من التهديدات الصينية.

والموضوع الرابع والأخير في الجدل حول صعود الصين ولعله أهم الموضوعات الخلافية هو السؤال: كيف تتعامل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى مع تنامي قوة الصين؟

هناك بديلان مقترحان هما إما الاحتواء Containment أو الاشتراك engagement الاحتواء ينطوي عادة على التعامل مع الصين باعتبارها خصماً عسكرياً ممكناً، ولذلك ينبغي العمل على الحد من نموها الاقتصادي وتقييد سعيها للحصول على التكنولوجيا العسكرية، وتقوية التحالفات ضدها.

أما سياسة «الاشتراك» فهي تعني التفاعل الاقتصادي المتواصل مع الصين وإشراكها في اتخاذ القرارات الدولية المهمة من خلال مساعدتها لكي تحصل على مقاعد في المؤسسات الدولية المهمة.

ومن الواضح أن سيناريو «إشراك» الصين يهدف أساساً إلى تشجيعها على أن تتبنى اتجاهاً تعاونياً على المستوى الدولي حتى لا تنزع إلى تطبيق سياسة عدوانية قد تؤثر على الاستقرار الدولي.

وإذا كانت هذه هي الموضوعات الكبرى التي دار حولها الجدل بصدد صعود الصين فإن المشكلة في تقديرنا لا تكمن في صعود الصين ولكن في هيمنة الولايات المتحدة الأميركية!

وليس لدينا شك في أنه ليس في مصلحة الصين أن تدخل في صراع عسكري أو اقتصادي مع الولايات المتحدة لأن الحفاظ على تصاعد النمو الصيني إلى آفاق أوسع هو الهدف الاستراتيجي للنخبة الصينية السياسية الحاكمة، ولذلك ستسعى إلى إيجاد سبل للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.

وعلى عكس ذلك تماماً لم تستطع السياسة الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة وهيمنة القطب الأعظم والأوحد أن تتخلى عن سياساتها العدوانية وإصرارها على الانفراد باتخاذ القرار حتى لو كان ذلك ضد إرادة حلفائها من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن كما حدث في واقعة غزوها العسكري غير المشروع للعراق.

وسيبقى الأمل قائماً في أن يتحول السيناريو الصيني لمستقبل النظام الدولي إلى حقيقة، ونعني تحول النظام من أحادية القطب إلى تعددية الأقطاب.

* كاتب مصري

=========================

المعارضة المصرية وسيناريو ما بعد الانسحاب

الجمعة, 10 ديسيمبر 2010

طارق أبو العينين *

الحياة

مما لا شك فيه أن انسحاب غالبية أحزاب وقوى المعارضة المصرية الرئيسية من جولة الإعادة للانتخابات البرلمانية في مصر جاء انعكاساً لمناخ التزوير والبلطجة الذي شاب العملية الانتخابية برمتها منذ البداية، كنتيجة لإبعاد القضاء عن الإشراف الكامل على العملية الانتخابية وضيق هامش الحرية السياسية المتاح من قبل النظام لأحزاب وقوى المعارضة. وهذا ما أفقد الأخيرة الأمل في إمكانية دخولها منافسة سياسية حقيقية مع الحزب الوطني الحاكم.

تلك هي الملاحظة الأهم بالنسبة إلى تلك الانتخابات، فحجم الآمال المبالغ فيها من قبل قوى المعارضة المشاركة فيها، بالنسبة إلى ما ستؤول إليه نتائجها دفعتها إلى المشاركة بقوة، على رغم دعوات المقاطعة، ما يعني أن قرار المعارضة الانسحاب بعد الجولة الأولى لا يمكن أن يكون كافياً إلا إذا كان بإمكانها البناء عليه واتخاذ الموقف السياسي الصحيح والمطلوب منها لإجبار النظام وحزبه الحاكم على توسيع هامش الحريات وعودة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات بما يكفل لتلك القوى في ما بعد فرصاً متكافئة مع الحزب الوطني في الوصول لمقاعد البرلمان.

وهذا أمر مهم خصوصاً في ظل الوضعية الاستثنائية لتلك الانتخابات التي أتت سابقة للاستحقاق الرئاسي عام 2011 وواكبت حديثاً يعلو حيناً ويخفت حيناً عن مشروع توريث الحكم في مصر والذي منحت المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية شرعية جديدة لمطلقيه ومروجيه. فالعملية الانتخابية أديرت منذ البداية بمنطق وأفكار قيادات ما عُرف ب «الحرس الجديد» في الحزب الوطني، كما أن النتائج التي تمخضت عنها مسفرة عن خلو البرلمان المقبل من أي معارضة حقيقية تقريباً، ستدفع به الى صدارة المشهد السياسي المصري من جديد.

وهذا يعني أن انسحاب المعارضة يجب أن يكون بمثابة ضربة البداية في معركتها حول قضيتي التوريث والحريات، خصوصاً أن المناخ الذي أجريت فيه تلك الانتخابات لا يبشر بنتائج حقيقية أو محترمة يمكن أن تسفر عنها الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وعليه فإن واجب المعارضة الآن هو بلورة موقف واضح ومحدد من انتخابات الرئاسة المقبلة في ضوء تجربتها في الانتخابات البرلمانية. فلا يمكن بأي حال أن تكتفي المعارضة بالمشاركة لمجرد المشاركة أو تقبل بتكرار ما جرى في الانتخابات البرلمانية، ومن ثم فإنها مطالبة الآن بإعداد سيناريو لما ستتخذه من خطوات في الفترة ما بين انتهاء الانتخابات البرلمانية وبداية الانتخابات الرئاسية.

ولأن مشكلة المعارضة الحقيقية تكمن في تشرذمها وغلبة منطق الاستقطاب الإيديولوجي على أطروحاتها، ومن ثم ميل قياداتها لتبني موقفاً يكاد يكون إقصائياً واستئصالياً يحكم السجال في ما بينها، بل ويحكم علاقتها بتيارات المعارضة داخلها، فإن الفرصة تكاد تكون معدومة في تكتل المعارضة المصرية بوضعيتها الراهنة تحت لافتة واحدة وخلف خيار واحد لتحقيق إصلاح سياسي شامل وحقيقي، وهو ما كان واضحاً قبل الانتخابات البرلمانية وأسهم من دون شك في أن تؤول نتائجها إلى ما آلت إليه.

فقد انقسمت المعارضة المصرية تاريخياً منذ نشأة الأحزاب السياسية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات إلى معارضة علمانية تضم كلاً من الوفد والتجمع، إضافة إلى الحزب الناصري الذي تأسس في عهد الرئيس مبارك عام 1992 ومعارضة دينية بزعامة جماعة «الإخوان المسلمين».

ومع تصاعد مد موجة الحراك السياسي منذ بداية 2005 والدور المتنامي الذي لعبته الحركات الاحتجاجية الجديدة، لاح في الأفق انقسام جديد فتت المعارضة المصرية إلى معارضة تقليدية تمثلها الأحزاب التي تغلف خطابها بالرطانة الإيديولوجية المنمقة ولا تندفع في ممارستها السياسية وتخاطر بالنزول إلى الشارع أو رفع سقف مطالبها ونبرة معارضتها للنظام، ومعارضة جديدة أكثر راديكالية في خطابها ومواقفها ويغلب عليها الطابع الحركي، لكنها تفتقر إلى التنظيم الموجود داخل الأحزاب التقليدية.

وهذا ما أربك أجندة المعارضة المصرية وجعل جزءاً كبيراً من الحمل الأيديولوجي والسياسي لخطابها الذي يفترض أن توجهه للجماهير ينصب في صراعاتها مع بعضها بعضاً معمقاً انقسامها ومكرساً الطابع القبلي والعشائري الذي يحكم عملية الانتخابات في مصر، ما منح الفرصة للحزب الوطني لإنجاح تجربة الدوائر المفتوحة خلال الانتخابات البرلمانية، كما عرقل عملية التغيير السياسي التي كان يفترض أن تواكب حال الحراك التي شهدتها البلاد خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية.

وهو ما يعني إجمالاً أن المعارضة المصرية مطالبة بأن تتناسى صراعاتها وخلافاتها وأن تتبنى أجندة سياسية واحدة تواجه بها الحزب الوطني وتحضّ بها الدولة في الوقت ذاته على تحقيق الإصلاح السياسي المطلوب لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أجواء تسمح للمعارضة بممارسة دورها الحقيقي كبديل للنظام، كما تمكنها في حال رفض وتعنت الدولة من اتخاذ موقف مبكر ومتماسك بالانسحاب من انتخابات الرئاسة المقبلة.

=========================

الصعود إلى السلطة بالابتزاز

آخر تحديث:الأحد ,12/12/2010

عبدول تيجان كول

الخليج

في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة في ساحل العاج فوز زعيم المعارضة الحسن عبد الرحمن واتارا بالانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني بأغلبية 1 .54% من الأصوات . ولقد حصل الرئيس الحالي لوران جباجبو على 9 .45% من الأصوات . وسارعت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكندا، والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة إلى تهنئة واتارا ووجهوا الدعوة إلى جباجبو لاحترام إرادة الشعب .

 

وبعد يوم واحد من إعلان النتائج قرر المجلس الدستوري في البلاد، برئاسة حليف جباجبو الوثيق بول ياو نادريه، إلغاء النتائج في سبعة من أقسام الشمال، وأعلن جباجبو الفائز بالانتخابات بأغلبية 51% من الأصوات . والواقع أن هذا القرار الذي اتخذ في أقل من 24 ساعة أوقع العديد من أهل ساحل العاج في حالة من الحيرة والذهول . وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ساحل العاج تشوي جين يونج حاسماً حين أكد بشكل قاطع أن إعلان النتائج النهائي بواسطة رئيس المجلس الدستوري، والذي اعتبر المرشح لوران جباجبو الفائز بالجولة الثانية، لا يمكن تفسيره إلا بوصفه قراراً لا يقوم على أي أساس من الواقع .

 

كما أعلن تشوي أنه حتى في حالة التأكد من المخالفات التي زعمها جباجبو لكان واتارا يظل حاصلاً على العدد الكافي من الأصوات للفوز بالانتخابات . وفي غضون 48 ساعة من إعلان اللجنة الانتخابية المستقلة أدى كل من المرشحين اليمين منصّباً نفسه رئيساً للبلاد . بل لقد ذهب وتارا إلى أبعد من هذا، فعين رئيساً للوزراء وشكل حكومة تتألف من 13 وزيرا .

 

ولقد قوبل إصرار غباغبو على رفض الهزيمة بقدر هائل من التوبيخ الدولي . فأدانت الجمعية الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بقوة “أي محاولة لاغتصاب الإرادة الشعبية لشعب ساحل العاج” وناشدت كافة الأطراف المعنية بقبول النتائج التي أعلنتها اللجنة الانتخابية . كما دعا رئيس الجمعية الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والرئيس النيجيري جودلاك جوناثان كافة الأطراف إلى “احترام قرار شعب ساحل العاج وتنفيذه بالكامل بموجب إعلان اللجنة الانتخابية المستقلة” . وهنأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس المنتخب واتارا، وقال إن “العالم سوف يحمل هؤلاء الذين يعملون على إفشال العملية الديمقراطية وتزوير إرادة الناخبين المسؤولية عن أفعالهم” . كما استجاب الاتحاد الإفريقي بقوة، حيث اجتمع مجلس الأمن التابع له وأعرب عن رفض الاتحاد الإفريقي القاطع لأي محاولة لخلق أمر واقع يؤدي إلى تقويض العملية الانتخابية . فضلاً عن ذلك فقد أرسل الاتحاد الإفريقي إلى ساحل العاج رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو مبيكي ووزير الأمن القومي السابق في بوركينا فاسو جبريل باسولي، اللذين ساعدا في التوسط في اتفاق واجادوجو بين جباجبو الذي كان رئيساً للبلاد آنذاك وزعيم المتمردين غيوم سورو قبل عشرة أعوام .

 

ولكن في حين يظهر إرسال مبيكي من قِبَل الاتحاد الإفريقي الاهتمام الجاد، فلا ينبغي لهذا أن يؤدي إلى التفاوض على تسوية أو حل قد يفضي إلى إحباط رغبات أغلبية شعب ساحل العاج . والواقع أن السنوات الأخيرة شهدت نشوء ميول مؤسفة في السياسات الإفريقية: حيث يطلق المرشحون الخاسرون غير الراضين عن نتائجهم الانتخابية العنان لأعمال العنف إلى أن لا يتبقى أمام الوسطاء سوى خيار واحد يتلخص في منحهم دوراً مستمراً في الحكومة الجديدة . وبهذا تصبح إرادة الناخبين تالية لضرورة وضع حد للفوضى .

 

وبوصفه وسيطاً لجمعية تنمية الجنوب الإفريقي، فقد ساعد مبيكي في التوصل إلى اتفاق سياسي شامل بين مورجان تسفانجيراي ورئيس زمبابوي روبرت موجابي . وبموجب الاتفاق ظل موجابي شاغلاً لمنصب الرئيس، أما تسفانجيراي الذي حصل على 47% من الأصوات في انتخابات مارس/ آذار من عام ،2008 في حين حصل موجابي على 43% من الأصوات فقد أصبح رئيساً للوزراء . وفي وقت لاحق ابتليت الشراكة القسرية بينهما بالخلافات والاختلال الوظيفي .

 

وعلى نحو مماثل، وقع رئيس كينيا مواي كيباكي ورئيس الوزراء رايلا أودينجا على اتفاق لتقاسم السلطة في أعقاب انتخابات يناير/ كانون الثاني من عام 2008 والتي شابتها مخالفات واسعة النطاق، فضلاً عن أعمال العنف والدمار . ولقد ذكر أودينجا في مناسبات عِدة أن اتفاق تقاسم السلطة معرض لخطر الانهيار .

 

ليس من المستبعد أن نتصور أن جباجبو يأمل في تحويل خسارته في الانتخابات إلى اتفاق مماثل مع واتارا . وفي مثل هذا السيناريو فإن استمرار مشاركته في الحكومة سوف يُصَوَّر باعتباره طريقاً إلى السلام . وهذا النوع من فرض الذات الذي يقدم بوصفه خياراً مشروعاً ليس أقل من محاولة ابتزاز بأي حال من الأحوال . وإنه لمن الأهمية بمكان أن تتبنى إفريقيا والمجتمع الدولي موقفاً قوياً ضد مثل هذه الاستراتيجيات ليس فقط في الدفاع عن أصوات شعب ساحل العاج، بل وأيضاً كإشارة إلى آخرين في المستقبل مفادها أن النتائج الانتخابية الشرعية لابد أن تحترم .

 

كانت إفريقيا والمجتمع الدولي في غاية الصبر مع ساحل العاج، حيث أنفق العديد من الناس من ذوي النوايا الحسنة آلاف الساعات على الدبلوماسية وجهود الوساطة . وينبع هذا الجهد من قناعة أكيدة بأن السلام من غير الممكن أن يتحقق إلا من خلال استيعاب مخاوف كافة الأطراف والتوفيق بينها .

 

ومن هذا المنطلق شعرت إفريقيا بالفخر إزاء التنفيذ الناجح لانتخابات 2010 والسلوك الشجاع المنضبط الذي أبداه الناخبون في ساحل العاج . وما يقوم به غباغبو وأنصاره الآن يُعَد انقلاباً على الحكم، وهم يحتجزون إخوانهم المواطنين رهائن، ويدفعون بالمنطقة دفعاً إلى الخزي والعار، وفي المقام الأول يجازفون بتجدد الصراع المسلح . وأظن أن الوقت قد حان لإنهاء هذا الشكل الغريب من أشكال “الجريمة والإفلات من العقاب” .

المدير الإقليمي في إفريقيا لمعهد المجتمع المفتوح . والمقال ينشر باتفاق مع “بروجيكت سنديكيت”

=========================

النزاع المنسي في الصحراء الغربية

بقلم :ديدييه بيليون

البيان

12-12-2010

اندلعت مواجهات عنيفة منتصف شهر نوفمبر الماضي، ليس بعيداً عن مدينة العيون في الصحراء الغربية. هذه المواجهات أحيت ملفاً كان يغرق شيئاً فشيئاً في غياهب النسيان. ومن الواضح أن مسألة الصحراء الغربية التي أُثيرت منذ زوال الاستعمار الإسباني عام 1975، تمثّل «نزاعاً مجمّداً» لم يعرف إلا نادراً، منظوراً للحل، رغم جهود منظمّة الأمم المتحدة.

 

وإذا كان هذا النزاع يعني مباشرة المغرب وجبهة البوليزاريو، فإنه يندرج في إطار منافسة إقليمية بين المغرب والجزائر، وحيث تتداخل كذلك مصالح فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة. ثمّ إن محاولات معالجة المسألة فقط على أساس مبادئ القانون الدولي، تبدو اليوم غير كافية، ذلك أن الاقتراحات الأولّية للتسوية قد فقدت جزءاً من معناها في أرض الواقع. والطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات، يرمز للأسف إلى عدم قدرة التوفيق، كما يبدو، بين المواقف التي تدافع عنها أطراف النزاع.

 

جبهة البوليزاريو تطالب باستقلال الصحراء الغربية منذ عام 1976، حيث انها أعلنت في تلك السنة إقامة «الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية». ولم تتخلّ منذ ذلك الحين عن هدف حق تقرير المصير، وعن خيار الاستقلال في خطط حلّ النزاع. ولم تبتعد باسم القانون الدولي عن مواقفها الأولى، واستطاعت أن تسيطر على جزء من المنطقة المتنازع عليها.

 

وتعتبر المغرب أن الصحراء الغربية تشكّل جزءاً من جنوبها، وتؤكّد الروابط التاريخية مع القبائل الصحراوية. والحكومة المغربية، المدافعة عن وحدة ترابها، استثمرت الكثير في هذه المنطقة من أجل إبقائها تحت سيطرتها، ومن أجل تشجيع تنميتها. وبعد أن عارضت المغرب بداية أي حل غير بقاء الصحراء الغربية كمنطقة مغربية كغيرها، قبلت بحلّ الحكم الذاتي الذي يعترف بخصوصية الشعب الصحراوي.

 

المسألة العالقة منذ سنوات، تخص تنظيم الاستفتاء، وخاصّة فيما يتعلّق بمن سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع. البوليزاريو تريد الاعتماد حصراً على إحصاء عام 1974. أمّا المغرب فإنها تطالب ان يشارك في الاستفتاء العديد من الناخبين الذين قدموا منها، منذ خروج إسبانيا عام 1975.

 

وبالرغم من وقف إطلاق النار المفروض من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1991، وتشكيل لجنة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، فإن جميع اللقاءات والمفاوضات بقيت في الطريق المسدود، ولم يتوصّل أي مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى دفع الوضع إلى الأمام. وآخر دورة للنقاش في شهر نوفمبر/ 2010، لم تؤد سوى إلى اتفاق الأطراف، بالإضافة إلى الجزائر وموريتانيا، على تسريع إجراءات الثقة، خاصّة فيما يتعلّق بتسهيل تبادل الزيارات بين عائلات اللاجئين.

 

وبالإضافة إلى الخلافات العميقة بين الخصمين، تساهم التدخلات الإقليمية والعالمية في زيادة الوضع توتراً.

 

إن وجود نظام صديق للجزائر في الصحراء الغربية، يؤمّن لها منفذاً على المحيط الأطلسي، مما قد يوفّر سبل تصدير جديدة لمواد الطاقة، هذا إلى جانب إمكانية الاستثمار المشترك للفوسفات في الصحراء الغربية. وموريتانيا التي تخلّت عن طموحاتها في الصحراء الغربية، ظلت لسنوات طويلة تدعم كذلك البوليزاريو للحد من تعاظم قوّة المغرب.

 

إن فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، تدعم كلها المغرب لأسباب مختلفة. وهي ترى فيه بلداً عربياً معتدلاً، وشريكاً فعّالاً في مكافحة الإرهاب. هكذا حصل المغرب عام 2004 على مكانة «حليف غير أطلسي» من قبل واشنطن. والأمم المتحدة متمسّكة بالاستفتاء، في الوقت الذي أقرّ فيه الممثلون المتعاقبون للأمين العام للمنظمّة الدولية، أنه من الصعب تصوّر إمكانية تنظيمه عملياً. ومجلس الأمن يساهم في حالة الجمود بعدم تبنّي أي قرار حاسم حول هذا الملف.

 

وفي ظل ابتعاد منظور الحل السلمي، قد يتبنّى قسم من الصحراويين العودة إلى الكفاح المسلّح؛ الأمر الذي قد يتم طرحه في مؤتمر البوليزاريو المرتقب عام 2011. هذا بالإضافة إلى خشية أن يدفع اليأس بعض الشباب الصحراويين إلى الانضمام لتنظيمات متطرّفة. وأحداث العنف التي عرفتها منطقة العيّون قبل فترة وجيزة، هي إنذار على المجموعة الدولية أن تدرك دلالته الخطيرة.

مركز العلاقات الدولية والاستراتيجية  باريس

=========================

ماذا تريد الإمبراطورية من المسلمين؟؟

عن Antiwar

ترجمة

الأحد 12-12-2010م

ترجمة: رنده القاسم

الثورة

هل تريد أن تعلم ماذا كانت جريمة المسلمين الحقيقية برأي المؤيدين الأميركيين لمذهب مركزية الدولة؟

إنها عدم قبول المسلمين بصمت ما فعلته بهم إمبراطورية الولايات المتحدة. فلو أن المسلمين خضعوا بخنوع لمشيئة الإمبراطورية، كما فعل شعبي غرانادا وبنما، لكان كل شيء اليوم على خير ما يرام. ولما كان علينا أن نخشى من الإرهاب وكل الظلم الذي رافق الحرب على الإرهاب.‏

غرانادا كانت تدار خلال فترة ريغان من قبل حكومة اشتراكية تضع نفسها في صف حكومة فيديل كاسترو الشيوعية في كوبا. ورغم حقيقة أن غرانادا كانت دولة مستقلة، فإن الإمبراطورية غزتها وأطاحت بالحكومة الاشتراكية وأحلت مكانها حكومة مؤيدة للإمبراطورية.‏

وماذا كان رد مواطني غرانادا؟ لقد قبلوا التغيير بخنوع واحتضنوا الإمبراطورية والنظام الجديد، لا إرهاب، فقط إذعان سلبي. وهكذا لم تحتج الإمبراطورية للتعامل بوحشية مع شعب غرانادا ولا تعذيبهم ولا تهويلهم ولا قتلهم وخاصة عن طريق احتلال طويل الأمد.‏

ولم يختلف الأمر كثيرا عندما غزت الإمبراطورية بنما بعدما أعلن رئيسها أنتونيو نورييغا، الذي كان يعمل سابقا مع ال CIA، استقلاله عن الإمبراطورية. فغزت الإمبراطورية البلد واعتقلت نورييغا بتهمة انتهاك قانون المخدرات وأعادته للولايات المتحدة لنيل العقوبة. ونصبت الإمبراطورية مكانه حكومة جديدة مذعنة مطاوعة.و ردة فعل الشعب البنمي كانت إلى حد كبير مشابهة لتلك التي قام بها الغراناديون، فلا تمرد ولا انتقام، فقط استسلام وخنوع.‏

وفي عقول مؤيدي مركزية الدولة، هذا بالضبط ما يجب أن يفعله المسلمون في كل أنحاء العالم. فواجبهم أن يقبلوا بخنوع ما حصل قبل الحادي عشر من أيلول من موت أعداد لا تحصى من العراقيين خلال حرب الخليج، والتخريب المتعمد لماء العراق والمجاري بغية نشر الأمراض بين السكان، وإحدى عشرة سنة من أقسى حصار اقتصادي عرفه التاريخ، والقتل المتعمد لمئات الآلاف من الأطفال العراقيين، ومناطق الحظر الجوي فوق العراق، ومركزة جنود من الولايات المتحدة قريبا من أراض إسلامية مقدسة، وبالطبع يقبلون أيضا المساعدات الأجنبية غير المشروطة لحكومة إسرائيل.‏

في أذهان مؤيدي المركزية، كل هذا ببساطة أمر مفترض. فبالنسبة لهم الإمبراطورية موجودة وستبقى دائما موجودة وبإمكانها أن تفعل ما تشاء بالشعوب في أي مكان في العالم. ففي النهاية، الجميع يعلمون بأن الجنود يجلبون الحرية والديمقراطية والسلام للعالم الأمر الذي يحتاج تضحيات شخصية عظيمة. فكيف يجرؤ المسلمون أو أي كان على الاعتراض على ما يقوم به الجنود لأجل شعوب العالم. يجب أن يكونوا ممتنين للجنود، يا لهم من ناكرين للجميل!!!!‏

فلا يفترض بأي أحد، وبالتأكيد بأي مسلم، أن يناقش على الإطلاق وجود الإمبراطورية أو ما تقوم به بحق الشعوب في الدول الأخرى. فالإمبراطورية صالحة. الإمبراطورية تهتم بالشعوب. إنها ترسل الطعام والمؤن للشعوب خلال الأعاصير، تماماً مثلما توفر للأميركيين معاشاً تقاعدياً ورعاية صحية وتعليماً وغذاء ومأوى وتعويضاً عن البطالة. الإمبراطورية هي المعيلة والحامية ومانحة السلام.‏

لقد قتل غزو أفغانستان وشوه ونفى أعداداً لا تحصى ومعظمهم لا علاقة له بهجمات الحادي عشر من أيلول. وغزو العراق قتل وشوه ونفى أعداداً لا تحصى وأي منهم لم يكن على علاقة بهجمات الحادي عشر من أيلول. ولا تنسوا التشويه والإساءة الجنسية والاغتصاب والإعدامات في أبو غريب وأماكن أخرى، غوانتانامو والمحاكمات العسكرية، الاختطاف والتمثيل.‏

وماذا كان رد العالم الإسلامي؟ لم يكن مطابقاً لذاك الذي اتخذه شعبا غرانادا وبنما. فقبل وبعد الحادي عشر من أيلول كانت ردة الفعل غضباً تحول إلى حنق أدى إلى تهديد دائم بانتقام إرهابي إلى جانب حرب لا منتهية على الإرهاب.‏

وهذا ما أغضب الأميركيين المؤيدين لمركزية الدولة، وهاهم يصرخون: ( إنه دينهم. إنهم يريدون إخضاع العالم. إنهم يكرهوننا بسبب حريتنا وقيمنا. إنهم يكرهون إمبراطوريتنا.)‏

ولكن في العمق، السبب الحقيقي لغضبهم هو اعتقادهم بأنه يتوجب على العالم الإسلامي أن يرد على ما فعلته الإمبراطورية لهم بنفس الخضوع والاستسلام اللذين ميزا ردة فعل شعبي غرانادا وبنما. إنهم يشعرون بأن العالم الإسلامي يجب أن يقبل ببساطة الأمر المحتوم ويحتضن الإمبراطورية ويركع أمام واشنطن قلب الإمبراطورية، وأن يصلي مردداً ابتهالات الأميركيين المؤيدين للمركزية:( الإمبراطورية صالحة. الإمبراطورية تهتم. الإمبراطورية هي الحرية ومشروع حر. لتحيا الإمبراطورية)....‏

كاتب المقال مؤلف وصحفي وسياسي أميركي.‏

=========================

الخطوة التالية: إقرار الكنيست للقدس

"عاصمة الشعب اليهودي"!

المستقبل - الاحد 12 كانون الأول 2010

العدد 3855 - نوافذ - صفحة 9

ماجد الشّيخ

بعد مصادقة وإقرار الكنيست بالقراءة الثالثة على "قانون الاستفتاء" الذي يشترط عرض أي "اتفاق سلام" بالانسحاب من القدس والجولان والضفة الغربية، وإخضاعه لمزاج الناخب الإسرائيلي، ما يعني عرقلته ومنعه من التحقق أو التنفيذ، يجيء الدور الآن على اعتبار القدس "عاصمة الشعب اليهودي"، حيث يناقش الكنيست، مشروع قانون مقدم من حزب "إسرائيل بيتنا"، في وقت يمضي تهويد القدس بسرعة صاروخية، عبر إقرار والمصادقة على المزيد من آلاف الوحدات الاستيطانية داخل القدس الشرقية وفي محيطها، وذلك في محاولة مستميتة لإنهاء الوجود الفلسطيني، وإتمام حلقات تهويدها في أسرع وقت ممكن، وتحويلها إلى "عاصمة الشعب اليهودي". كل هذا عبر ما يتم التخطيط له خلال السنوات القليلة المقبلة لبناء ما يزيد على 50 ألف وحدة استيطانية جديدة، وبما يحقق زيادة في أعداد المستوطنين إلى حوالى نصف مليون مستوطن، وتقليص أعداد الفلسطينيين إلى 80 ألفاً.

وإذ يسعى الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف، الحاكم اليوم في إسرائيل، إلى حسم المعركة الديموغرافية، بهذا الشكل أو ذاك من إقرار القوانين العنصرية، وإجراءات التطهير العرقي، وتحقيق تهويد متسارع للقدس وما يحيطها؛ فلأجل إفقاد الدولة الفلسطينية العتيدة الموعودة لمقوماتها، كما ولمقومات أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها. الحكومة وأحزابها اليمينية المتطرفة وأذرعها الاستيطانية تسعى للمصادقة على عشرات الوحدات الاستيطانية الجديدة في مخططات هيكلية مختلفة، جميعها تسعى لتهويد القدس، وجعلها على الأرض بمثابة أمر واقع احتلالي استيطاني، عبر إقامة شبكة مستوطنات كبرى داخل المدينة، وفي شرقيها تحديداً.

وهكذا.. ويوماً بعد يوم، تفقد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بريقها، لفقدان الثقة بين الطرفين، وعدم اعترافهما ضمنياً بشراكة الواحد منهما للآخر. وهي لم تزدد تعقيداً فحسب، بل أضحت تزداد غموضاً، وتدخل منطقة من السواد والإعتام عليها، كونها لم تعد تتم في سياق تسووي ممكن، بقدر ما يُراد لها أميركياً وإسرائيلياً أن تتم وفق ترسيمتهما الخاصة، بمعنى إفقاد المفاوضات روحية التسوية ومضامينها الجوهرية. وما سلة المحفزات وصفقة الرشاوى الأميركية، سوى واحدة من ألاعيب "السياسة الأميركية" غير المسؤولة، التي تحاول قيادة عملية تلفيقية، تعرف هي قبل غيرها أنها لن تكون ممكنة، وبالتالي فهي مستحيلة، كاستحالة الدولة الفلسطينية بمواصفات "دولة الرابع من حزيران". خصوصاً بعد أن تشكلت السلطة في إسرائيل من ائتلاف يميني فاشي، يحاول من خلال قوانين الكنيست الملزمة للحكومة تكبيلها بما لن يكون بمقدورها تحريك عجلة المفاوضات لو أرادت، وذلك بالترافق مع خيبة أمل ب"التغيير" الأميركي، الذي خفّض منسوب الآمال والتفاؤل بقدرة الولايات المتحدة على تذليل عقبات التسوية، بين إسرائيل من جهة، والفلسطينيين والعرب من جهة أخرى.

وبعد عامين من ممارسة السلطة في إسرائيل وفي الولايات المتحدة، انخفضت سقوف التوقّعات؛ ومعها انخفضت، بل تكاد تنعدم، رؤية أي ملامح لما يمكن أن تفضي إليه نتائج المفاوضات العبثية المتقطعة، وهي تتوقف اليوم على أعتاب تواصلها البيني فقط، بين حكومة نتنياهو والولايات المتحدة، فأي نتيجة يمكن توخيها لصالح الشعب الفلسطيني، إلى حدّ بات فيه الحديث عن دولة فلسطينيّة مهما تكن مواصفاتها مثل حلم من الوهم أو السراب، يعتّم في فضاء مفاوضاتها سلوك إسرائيلي عام، وخيبة أمل فلسطينية لم تعد خافية؛ في ظلّ معطيات تفاوضيّة ليس يؤيّدها؛ حتّى إمكانيّة الوصول إلى اتفاق مبادئ تفاوضي مشابه لاتفاق أوسلو.

وفي وقت يجري فيه الحديث عن مقايضة تجميد البناء الاستيطاني، لمدة تسعين يوماً، مقابل سلة التحفيز الاستراتيجي عسكرياً، لمجرد التلويح بهدف تكتيكي، يتضح الآن أنّ إسرائيل تمضي بتنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تقسيم الضفّة الغربيّة إلى عدد من الكانتونات ومحاصرتها بالمستوطنات، وتقطيع أوصالها بالأنفاق والحواجز، وعزلها عن غور الأردن وعن قطاع غزّة تماماً. وهذا هو مضمون خطة استيطانيّة كانت وافقت عليها الإدارة الأميركيّة في العام 2004، والعمل جارٍ للربط بين المستوطنات لتكوينها شبه دولة مترابطة جغرافياً. حيث تتم في هذا السياق مصادرة نحو 35 في المئة من أراضي القدس الشّرقيّة، في حين أخرج جدار الفصل العنصري نحو 125 ألفاً من سكّان القدس الفلسطينيين منها. وفي هذا السبيل تتجه إسرائيل إلى إنفاق مبالغ كبيرة تصل إلى 5,1 مليارات دولار سنويّاً لفرض أمر واقع جديد في القدس، تتطابق تصوراته مع تصورات أن تصبح القدس بكاملها "عاصمة لدولة يهودية"، وفق مشروع قانون حزب "إسرائيل بيتنا" المقدم للكنيست، بما في ذلك تنفيذ مخطط من الأنفاق والإنشاءات في القدس القديمة يتضمّن إخراج عدد كبير من مواطنيها الفلسطينيين منها في العام 2020.

وفي كلّ الأحوال، فإن ما يربك المفاوض الفلسطيني، وأضحى يشكّل مصدر خشيته، أن تسعى الولايات المتّحدة إلى فرض حل (الدولة ذات الحدود الموقّتة)، ما يعني تحديداً انتهاء حلم الدولة في حدود الرابع من حزيران، فأيّ حلّ يمكن أن يقبله الشعب الفلسطيني إن كانت كل الحلول لم تعد ترقى إلى (حلّ الحد الأدنى)؟. وما يجري على الأرض من وقائع الجمود والمراوحة، إزاء قضايا المفاوضات الست كلّها، لا تجد ما يؤيّد إمكانيّة حلحلة سياسيّة ممكنة إزاء أيّ منها، وبالتالي لن يكون هناك بصيص أمل للانتقال إلى اليوم التالي لانتهاء المفاوضات. إذ ليس في السلوك الإسرائيلي سوى إيصال هذه المفاوضات إلى الجدار المسدود، عبر إقرار الكنيست لما يسمى "قانون الاستفتاء" أخيراً، كونه يستدعي "إجماعاً إسرائيلياً" جاهزاً، لم يعد يقف عند حدود اتفاق أوسلو، بل هو يتخطاه إلى ما صاره الأمر الواقع الاحتلالي الاستيطاني؛ كالجدار ومخطّطات الاستيطان والتهويد، ك"أولويات وطنية" تلتزمها حكومة الائتلاف اليميني المتطرف.

وفي كلّ الأحوال ليس من المتوقع أن يجري تجاوز ذلك باتّجاه إمكانيّة تحريك المفاوضات مما تغرق فيه؛ من أحلام أو كوابيس إسرائيليّة وأوهام فلسطينية، لا سيّما وأن جولات التفاوض التي "أنجزت" حتى الآن، بيّنت أن لا سقف ولا مرجعيّة لما كان يجري على طاولة اللقاءات التفاوضيّة، كما لا سقف ولا مرجعيّة للقاءات الرّسميّة أو غير الرّسميّة بين الأطراف السياسيّة المختلفة مجتمعة. وبحسب ليبرمان فإن هناك تفهماً أصبح يتعزز مفاده استحالة التوصل إلى تسوية دائمة في غضون عام. وذلك في رد غير مباشر على تصريحات للرئيس الفلسطيني، ذكر فيها أنه "لا يمانع من التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، يتم تطبيقه خلال فترة زمنية تمتد من عام إلى عامين"، مجدداً رفضه لدولة فلسطينية بحدود موقتة.

لهذا فإن ما قد تفضي إليه سلسلة اللقاءات التفاوضية الأميركية الإسرائيلية، وهي الفعلية، يضاف إليها اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية غير التفاوضية، وهي الشكلية، وكل الحراك الذي يحضّ عليه وجود أوباما اليوم في البيت الأبيض؛ وحاجته إلى إنجاز ديبلوماسي؛ يخرجه ولو جزئياً من إخفاقات حروبه العبثية خارجياً، وإخفاقات السياسات المالية داخلياً، وإخفاقات حزبه في الانتخابات النصفية للكونغرس، إضافة إلى كل هذه الإخفاقات التي تحمل مسبباتها ونتائجها جوهراً لصيقاً يتجاور وما تولده سياسات حكومة نتنياهو، وهي الحليف الأوثق لواشنطن، من كونها العقبة الكأداء، وحجر العثرة الأكبر أمام سياساتها المتهالكة.

وحتى لو تشدّقت كل أطراف العملية التفاوضية بالحديث عن مرجعيّات مفترضة للتفاوض، فلن يكون في مقدورها تحريك الجّمود الرّاهن في الحركة السّياسيّة الآيلة إلى الفشل أو الإفشال مسبقاً، جرّاء الضخ والدفع المستمرين لدواليب العملية التفاوضية نحو هاوية سحيقة بلا قرار، وعلى الصعد المختلفة كافة: فلسطينياً عبر استمرار واقع الانقسام السّياسي والجغرافي، وإسرائيلياً جرّاء الموقف الإسرائيلي و"إجماعه العام" المتوافق على قضية الاستيطان، وأخيراً جرّاء غياب الحدّ الأدنى من الموقف الرّسمي العربي، القادر على ممارسة ضغوطه، ولو في حدود "أضعف الإيمان" لجهة عدم إبداء الرضا، عن واقع الحال الذي أوصلته الإدارة الأميركيّة بضعفها وعدم تماسكها أمام موقف إسرائيلي متصلب، عماده الاستيطان أولاً وأخيراً، حتى ولو باتت الدولة الفلسطينية مستحيلة، وهذا هو ما تسعى إليه حكومة اليمين وائتلافها المتطرف: إفقاد الدولة الفلسطينية كامل مقومات بقائها واستمرارها، وحشرها في زاوية من زوايا "تطوير" السلطة الفلسطينية و"ترقيتها" ك"سلطة للحكم الذاتي"، وإحلال "السلام الاقتصادي" بديلاً لحل سياسي تفاوضي، وتقاسم كانتونات الدولة وظيفياً عبر أشكال من الهيمنة الإقليمية، وتكريس واقع تشظيها جغرافياً وديموغرافياً.

=========================

"ويكيليكس" إبنة العصر المعولم... وجوليان أسانج إمبراطورها المتوّج

المستقبل - الاحد 12 كانون الأول 2010

العدد 3855 - نوافذ - صفحة 9

دلال البزري

عندما كانت البحار هي صلة الوصل بين الشعوب أو الحضارات أو البلدان، كان قراصنتها هم الكابوس الذي تواجهه أي سفينة "شرعية" مبحرة، برجالاتها ونسائها وحمولاتها الثمينة. "ملوك البحر" كانوا يهدّدون الدول والأفراد بحياتهم وثرواتهم، ويخوضون المعارك البحرية الطاحنة.... يشغلون السفراء الناشئين، ويدخلون أحياناً في مفاوضات حول محصلة المغانم.. إلخ.

وفي زمن غير بعيد، صعد نجم قراصنة الجو، الذين يخطفون الطائرات لأهداف سياسية أو إعلامية أو، نادراً، مالية، ويضعون الشروط لإطلاقها، ويتفاوضون، أيضاً، مع حكومات أو سلطات أو سفارات، إلخ.

اليوم صارت القرصنة المتماشية مع منجزات العصر التكنولوجية هي السطو على مواقع خاصة، أو سرية، تسرق منها معلوماتها، لتعود وتنشرها على مواقع خاصة، أيضاً. حتى الآن، كل الذي تغير هو طرق التواصل بين البشر، وطرق الانقضاض والاستحواذ على ما يملكه الآخرون. كانت بحرية ثم جوية، والآن الكترونية. والقرصنة الأخيرة، الالكترونية، صار لها اسم خاص، (hacker)، تعرفها بالعربية، "هاكر"، وكذلك بكل لغات الدنيا المتعاملة مع الشبكة الالكترونية. بالضبط كما كان لقراصنة الجو، في زمن غير بعيد، اسمهم (skyjacker)، فيما بقيت كلمة قرصان (pirate)، كما كانت، تدلّ على قراصنة البحار فقط.

كل هذا التحول اللغوي حصل من دون أن تُلغى القرصنتان القديمتان، البحرية والجوية، واللتان تبدوان، الأولى أكثر من الثانية، كأنهما من عصر ساحق في القدم. قراصنة البحر، الذين لم نعد نسمع عن نشاط لهم، اللهم سوى هؤلاء المتشددين الصوماليين، حاملي الكلاشنكوف، الذين لا يتحركون أبعد من بضعة كيلومترات عن شواطئهم الطويلة، يسطون على سفن يتّهمونها باستغلال بحار هذه الشواطئ الغنية بالتونة، يحتجزون "الرهائن" ويطالبون بفديات مالية، هي غنيمتهم الفعلية. كم تبدو عليهم الرثاثة وقلة الحيلة، قلّة "السلطة" خصوصاً، أمام بطل القراصنة الراهن، جوليان أسانج، القادر على الدخول إلى ثروات العصر، أي المعلومات؛ ما منحه قوة وسطوة، وحتى كاريزما، نعم كاريزما، وما سهل على أحد المنشقين عنه بنعته بال"الامبرطوري".

شريك جوليان أسانج، والناطق الرسمي باسم "ويكيليكس"، المعروف باسم دانيال شمت، هو الذي أطلق عليه هذه الصفة الأخيرة، "الامبرطور"، تبريراً لانشقاقه عنه منذ ثلاثة أشهر. وقتها سرّبت "ويكيليكس" وثائق عن أفغانستان، ولم تخف، كما هو معتمد لديها أسماء "مرشديها" إلى الحقيقة. المنشق دانيال شمت احتج على ذلك، وكشف عن لعبة "غميضة" بين زعيم "ويكيليكس"، جوليان أسانج، وبين ال"سي اي اي"، المخابرات الأميركية؛ ناعتاً اياه بالعامل على "عبادة شخصيته"؛ تماماً كما يحصل في الأحزاب البلشفية، وكما يحصل، أيضا، في المساومات بين طرف مكرس أنه قوي وآخر استقوى عليه فجأة، بمجرد معرفة نميمة ديبلوماسيي الأول تجاه زعماء وشعوب أخرى. إنها قوة المعلومة المحجوبة، وطموح "ويكيليكس" أن تتحول بحسب "زعيمها" إلى: "أقوى جهاز معلومات في العالم"، يعززه عدم خضوعها لأي قانون معلن، لأي رقابة، وكذلك سرية أسماء عملائها ومتطوعيها والمتفرّغين للعمل في موقعها.

أما النميمة نفسها، فكيف وصلتنا، بعد هذا كله؟

بالمصافي الثلاث التالية: أولاً: المصفاة التي وضعها "الامبرطور" نفسه على المعلومات التي قرر ترويجها على الشبكة؛ ويقول موقعها، "ويكيليكس"، إنه، من أجل ذلك، اعتمد على "كتيبة من المتطوعين الذين يقومون بعمل التقاطع بين المعلومات والتحقّق من صحتها والتي يأتي بها مخبرون سريون". ولا مكان هنا للاستفاضة في التشكيك بصحة هذين التقاطع والتحقّق، وموضوعيتهما، طالما أن "الغنيمة"، أي المعلومة المحجوبة، هي وحدها الهدف.

أما المصفاة الثانية، فهي تلك التي اتبعتها "ويكيليكس"، بأنها سرّبت ربع المليون وثيقة الأخيرة إلى صحف بعينها، هي "الموند" الفرنسية و"النيويورك تايمز" الأميركية و"الغارديان" البريطانية و"البايس الاسبانية" و"درشبيغل" الألمانية؛ أي أهم الصحف الغربية. وما "تلتزم" به تلك الصحف بعدم نشر وثائق "سرية للغاية" وبتقطيع الوثائق وتحليلها وتقديمها ثانية إلى القراء ب"حلتها" الجديدة، خالية مما لا نعرفه، ولا يمكننا معرفته.

صحافتنا اللبنانية قامت بالتصفية الثالثة عندما نشرت ما يناسب خطها السياسي وولاءاتها. ولكن صحيفة بعينها "تفردت" بحصولها على الوثائق الخام، على طريقتها التي "لن تبوح بها"، ثم اختارت، هي الأخرى، أن تمتنع عن نشر كل هذه الكمية الكبيرة التي بحوزتها، وذلك "حفاظاً على حياة" من قد تعنيهم هذه الوثائق. تماماً كما "فعلت" الصحف العالمية التي أُرسلت لها الوثائق؛ أي بأن تنشر ما تختاره منها. وما التشبّه بحذافير التصفية التي مارستها الصحافة الغربية إلا مفارقة عجيبة لصحيفة "تقاوم نظام القطب الواحد" وثقافته وحضارته.

والمتوقع تبعاً لذلك، أن تختار الصحيفة "وقائع" تمزجها بال"تحليل"، لتؤكد على صحة "خطها السياسي" المعروف بأنه "مقاوم". خذ مثلاً: ماذا قالت تقارير "ويكيليكس" المنشورة عن لقاء بلمار والسفيرة السابقة في لبنان ميشال سيسون؟ تشير الوثيقة، بحسب كتّاب الصحيفة، إلى أن هذا اللقاء يثبت بوضوح أن الإدارة الأميركية هي التي تدير عمل المدعي العام للمحكمة الدولية وتشرف على التحقيقات في أدق التفاصيل. وهي بالتالي تؤكد أن المحكمة إسرائيلية - أميركية.... وهي تحمست لجملة نطق بها بلمار أمام السفيرة الأميركية: "أنتم اللاعب الأساسي. إذا كانت الولايات المتحدة لا تساعدني، فمن سيفعل؟". وهذا السؤال الأخير لبلمار لاقى حظاً كبيراً من الذيوع على مختلف المواقع ذات التوجه "المقاوم"؛ ونحن هنا لا نتكلم عن المعلق النابش في قبور القطط النافقة، والذي تأكدت بالنسبة له "المؤامرة"، بعد قراءته لوثائق "ويكيليكس"، لم يعد هناك من شك، المؤامرة الأميركية - الصهيونية على العالم...

ولكن الصحيفة نفسها لم تنقل مثلاً ما قاله بلمار للسفيرة بأنّ لدى المحكمة الخاصة بلبنان ستين يوماً ابتداءً من الأول من آذار للطلب من الحكومة اللبنانية نقل الجنرالات الأربعة. فيما أخبره الجميع أنّه لا يمكن لأحد أن يملي على المحكمة طريقة عملها، ما يعني أنّه يستطيع احتجاز الجنرالات إلى أجل غير مسمى، في لاهاي؛ وهو لا يوافق على هذه المقاربة لأنّه يخاف من أن يواجه ضغوطاً (من المحكمة نفسها) للإفراج عنهم مباشرة إذا لم يكن يملك قضية". الخبر نفسه، أي الاجتماع بين بلمار وسيسون، نقلته صحافة أخرى، غير مقاومة، قائلة إن بلمار شرح لعدد من ديبلوماسيي الأمم المتحدة أن القرار سيتهم ثلاثة أعضاء من حزب الله، ولكنه أشار أيضاً الى أن البراهين الموجهة ضدهم ليست حاسمة، وإنما تحتاج إلى براهين يدلي بها "شهود مختصون"(؟) لا "شهود مباشرون". في مكان آخر، يُنقل عن التقرير أن بلمار "بدا مهتماً بأمر عرفه بالأمس، ويمكن أن يؤثّر على عملية التنصّت. فقد أبلغت وزارة الاتصالات شركتي الاتصالات الخاصتين في لبنان بوجوب إعلام الوزارة بخصوص أي طلب للتنصّت" إلخ.

اللائحة تكاد لا تنتهي. وقد يمضي المرء أياماً في بحثه عن دقة ما قاله بلمار إلى السفيرة الأميركية بحسب "ويكيليكس". وقد لا يحصل عليه. لشدة ما هي منتشرة المعلومة نفسها، والسؤال نفسه: "إذا كانت الولايات المتحدة لا تساعدني، فمن سيفعل؟"، لكثرة ما تتداولها المواقع المختلفة. ولكثرة المصافي والاختيارات الايديولوجية التي مرت عليها.

"ويكيليكس" صنيعة عصر "المعلومات" المفرطة، عصر تكرار هذا الإفراط. الخاضعة للمصافي المتنوعة، المتناقضة البواعث. ما نوعية هذه المعلومات؟ ما مدى دقتها؟ "ويكيليكس" مسؤولة فقط عن المصفاة الأولى؛ أما الباقي فترميه كاللقمة السائغة في حقل الإعلام الموجه، الآتي من صحافة الدول الديموقراطية المحافظة، بنظرها، على أمنها القومي، ومن بعدها، في ما يعنينا نحن، قراء اللغة العربية، مصفاة الصحافة المنحازة، التي تخدمها المعلومة لتكريس انحيازها وإضفاء المصداقية عليه.

الكثيرون أشاروا إلى سخافة المعلومات المنشورة، إلى كونها أقرب إلى النميمة منها إلى المعلومات الأساسية التي يمكن أن تفضح؛ مع أنها نطقت بما هو معروف، تقريباً، حتى مساندة إيران ل"طالبان"، وأضافت سواداً على صورة الولايات المتحدة المكروهة من الجميع. فما يهم من هذه الوثائق بالنسبة للإعلام، المكتوب والمرئي والالكتروني، أو لغالبيته على الأقل، هو الإثارة السياسية، التي "تبيع"، لا التي تعلم. الصحيفة "المقاومة" اياها، عندما أشارت إلى الوثائق التي بحوزتها، اعتبرت أن نشر ما تهواه منها إنما هو تعبير عن التزاماتها الفكرية وعن اقتناصها ل"فرصة إعلامية استثنائية.."..

"ويكيليكس" ابنة عصر العولمة. وصلتنا ثمار أعمالها، كما وصلت إلينا الحداثة على مدى موجاتها المتتابعة: علمتنا عن أنفسنا، أكثر ما علمتنا عن تجليات العولمة التي تلتها.

=========================

لا مفاوضات.. بل فوضى

غازي العريضي (وزير الأشغال والنقل اللبناني)

الاتجاد الاماراتية

لرأي الاردنية

12-12-2010

كما أكدنا سابقاً، تقدمت إسرائيل وتراجعت الإدارة الأميركية. سقطت كل الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس باراك أوباما لإطلاق المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

رفضت إسرائيل تمديد فترة تجميد الاستيطان. وأصرّت السلطة الفلسطينية على تجميده انطلاقاً من مبدأ عدم التفاوض في ظل الاستيطان.

جمّدت إسرائيل «نظرياً» الاستيطان في بعض المواقع مدة ثلاثة أشهر، وهذا أمر كانت الإدارة الأميركية تحتاجه لمواجهة الانتخابات النصفية في الكونجرس.

 لكن إدارة أوباما، خسرت المعركة الانتخابية، حيث فقد «الديمقراطيون» أغلبيتهم داخل مجلس النواب، وربحت إسرائيل الوقت والمعركة الاستيطانية.

تل أبيب أصبحت هي أكثر قدرة على الضغط على الإدارة في الداخل الأميركي من خلال جماعاتها ومراكز نفوذها.

وعندما انتهت انتخابات التجديد النصفي، شرعت في إطلاق حملة استيطانية كبيرة في مناطق مختلفة وخصوصاً في القدس. ثم ذهبت إلى سنّ قانون يربط بين الجنسية الإسرائيلية والولاء لإسرائيل «دولة يهودية». ثم إلى محاولة سن قانون يؤكد أن «القدس عاصمة للشعب اليهودي» إضافة إلى الاستمرار في عمليات القتل والتدمير والتهجير والحصار...

اليوم سلمّت الإدارة الأميركية رسمياً بعدم القدرة على الإقناع في تجميد الاستيطان. وهذا يمكن اعتباره كما لو أن الولايات المتحدة قالت لإسرائيل: لديك الحرية في فعل أي شيء، وأن يدك مطلقة. وقالت للفلسطينيين كالعادة: هذا كل ما تمكّنا من تحقيقه لكم: لا شيء.

السلطة الفلسطينية كانت تنتظر القرار الإسرائيلي. ولجنة المتابعة العربية كانت هي الأخرى تنتظر التطورات. الاثنان في مأزق. عناد إسرائيلي وإصرار على تنفيذ كل الشروط والخطوات التي رسمت من الأساس.

وفشل وسقوط أميركي أمام إسرائيل وعدم اكتراث أميركي بكل ما يريده العرب...

وموقف الولايات المتحدة الرسمي المعلن الذي نعى المفاوضات جاء بعد تطورات مهمة على المستوى الفلسطيني في أميركا اللاتينية. فالبرازيل أعلنت اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة حدودها أراضي عام 1967.

وتبعتها الأرجنتين التي أعلنت إن اعترافها المماثل سيأتي في عام 2011. والأوراجوي والباراجوي على الطريق. وربما البيرو وغيرها من الدول.

 ولا شك في أن مثل هذه المواقف تشكل تطوراً كبيراً في مسار القضية الفلسطينية. مع الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية لا ترتاح أبداً إلى سياسات هذه الدول ومبادراتها تجاه عدد كبير من القضايا المطروحة في العالم وخصوصاً إلى مواقفها من الملف النووي الإيراني وبالتحديد موقف البرازيل شريكة تركيا في المبادرة التي أطلقت لمعالجة هذا الملف في مواجهة الضغط الأميركي الغربي على طهران.

إن إعلان التسليم الأميركي بالضغط الإسرائيلي يعني إعلان الدخول في مرحلة جديدة من الإرهاب الإسرائيلي الشامل ضد الفلسطينيين الذي سيعبّر عنه بسلسلة من الإجراءات والممارسات والقرارات التي لا يمكن أن تولّد إلا المزيد من الحقد والعنف والكراهية...

وبالإمكان القول إن الإسرائيليين واضحون. لديهم رؤيا ومشروع متكامل وخطط مختلفة جاهزة للتنفيذ. والأميركيون أعطوا الضوء الأخضر المفتوح لهم للقيام بما يشاؤون.

أما الفلسطينيون، فهم لا يزالون منقسمين. وسينقسمون أكثر. سوف نشهد موجة جديدة من الاتهامات والاتهامات المضادة بين من راهن على التفاوض ووصل إلى ما وصل إليه، وبين من رفض التفاوض ودعا إلى التمسك بالحقوق والثوابت.

ولكن كيف سيواجه هؤلاء وأولئك المرحلة الأميركية – الإسرائيلية الجديدة؟

الذين دخلوا في متاهات المفاوضات ضاعوا، وربما ضعفوا. تم التخلي عن جهودهم. وهم جزء من منظومة قد تكون غير فاعلة.

 هي الأخرى ضائعة في المنطقة وخارجها. والذين اختاروا «الجهاد»، مختلفون. فرئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية أعلن وبعد القرار البرازيلي المذكور الموافقة على دولة فلسطينية لحدود العام 67 على أساس إجراء استفتاء شعبي. إذا جاءت نتائجه مع هذا الخيار فحركة «حماس» توافق عليه. «الجهاد الإسلامي» ردّت على هذا الطرح باعتباره غير منطقي أو موضوعي أو ضروري. وهو ليس من عادات وتقاليد الحركات الإسلامية حيث لا استفتاءات على القضايا الأساسية.

ويبدو أنه لا خطة ولا رؤيا لدى الفلسطينيين. والواقع يشير إلى أن العرب يزدادون ضعفاً وانقساماً.

على سبيل المثال نجد مصر مستهدفة مائياً وسياسياً واقتصاديا،ً وهي تترقب التطورات المحيطة بها خاصة في السودان حيث نتائج الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وما يحمله من احتمالات انفصال «الجنوب» خلال الأسابيع المقبلة.

 وما أدراك ما سيولّده هذا الأمر، إلى العراق، والخليج كله إلى المغرب... الخلافات تعصف بين الجميع، فيما تحاول سوريا القيام بدور مركزي من خلال توسيع دائرة العلاقات مع الخارج، ومع تركيا وإيران في المنطقة، ومع السعودية فيما يخص قضايا أساسية لا سيما لبنان.

إن المطلوب أكثر من أي وقت مضى الوصول إلى حد أدنى من التفاهم الفلسطيني - الفلسطيني، والعربي- العربي لتقليل الخسائر على الأقل لا أكثر وتجنّب الضياع في لعبة الفوضى التي سنشهدها في المنطقة.

 إنها المرحلة الأمثل لإسرائيل التي هزمت في لبنان وفي غزة والتي تحاول دائماً تحويل هزيمتها إلى انتصارات أو مكاسب فيما يعجز أصحاب الانتصارات العرب عن استثمار إنجازاتهم !

=========================

المطلوب مواثيق دولية أكثر انسانية!

د. عايدة النجار

الدستور

12-12-2010

 في العاشر من كل ديسمبر ومنذ عام 1948 ، تاريخ الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، يطبل ويزمر العالم في احتفالات تكاد تكون صورية ، وكأنها فقط للتذكير بذلك اليوم الذي يبدو اليومَ وكأنه يومّ عادي . ولكن الحقيقة أنه لم يكن يوما عاديا عندما اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذا القرار من قبل الدول التي ألت على نفسها أنت تلتزم به .وجاءت مواد الاعلان العالمي في ( 30 مادة ) واضحة وصريحة غطت كل الجوانب الانسانية "لتمنع" تعاسة الانسان . ولعل أهم ما جاء فيه وجد في" المادة الاولى"التي نصت على :"يولد جميع الناس أحرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق ، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الاخاء".

 

هذا البند يلخص الثلاثين مادة المتعلقة بالانسان ، كجسم وفرد له روح وله نفس ، وله رأي سياسي واجتماعي ، رغم لونه الأبيض أو الأسود أو الأصفر ، وفي كل مكان أكان باردا أم دافئا ، وسواء أكان الفرد غنيا ام فقيرا ، فهم كما يقول التقرير" سواسية أمام القانون". ويأتي هذا اليوم والعالم يئن من أثقال الآلام والمشاكل والحروب ، والتمييزالعنصري والفساد ، وعدم وجود الحرية التي تسلحه ضد ناكري حقوق الانسان الذين وضعوا هذه الوثيقة . .

 

نعم الحرية وبكل معنى الكلمة وعلى جميع المستويات الفردية والجماعية ، تنتهك اليوم في عصرعدم احترام المواثيق الدولية التي وجدت من أجل احترام الانسان وحقوقه . ولعلنا في هذه اليوم نذكراسرائيل والعالم بما يجري ل 6700 أسير فلسطيني في سجون إسرائيل العنصرية المحتلة ، كأحد الامثلة" لخراب بصيرة"الدول التي تدعي أنها تؤمن بحقوق الانسان وتراوغ أنها أم الديمقراطية كأمريكا وعدد من دول الغرب المتحضر . يحشرون في السجون الاسرائيلية في بيئة وظروف غير انسانية تؤدي الى تدهور صحتهم . فهل يعقل أن يظل أكبر السجناء سنا هو الاسير سامي يونس ، من عارة داخل الخط الاخضر ، الموجود في السجن منذ عام 1983 وقد تجاوز عمره الثمانين سنة . بالاضافة الى الطفلة الاسيرة هديل أبو تركي من الخليل ، وعمرها 15 عاما . هل يعقل أن يظل السجناء أمثالهم في السجن لأنهم يحبون أرضهم ويحلمون بدولة فلسطينية مستقلة ، على أرضهم المسروقة ؟ .

 

ليعرف العالم أن هذا العدد من الأسيرات والأسرى ، متساوون في التمسك بحقوق الانسان لأنهم يدافعون عن فلسطين أرضهم ، وينتفضون ضد المحتل . وليعرف العالم أن من بين هؤلاء السجناء الذين يتوزعون في 20 سجنا أطفالا وشيوخا يقومون بترجمة اعلان حقوق الانسان الى فعل شريف من أجل وطن وكما ينص الاعلان كحق انساني لكل فرد . النساء والرجال والاطفال متساوون في ايمانهم وهنا فهم يطبقون الإعلان بأمانة تغيظ العًدا .

 

ويأتي هذا اليوم واسرائيل لا زالت تبني المستوطنات ، وما زالت أمريكا تتحيز لها وبشكل فاضح وهي بذلك لا تحترم حقوق الانسان . وأية حقوق وأي انسان هذا الذي تدعيه امريكا وهي تشاهد ما يجري في تحويل المكان الى ثكنة عسكرية من أجل مصالحها دون احترام مصالح الاخرين . وأي دولة" كبرى وديمقراطية"كما تدعي وهي لا زالت تمول اسرائيل لهدم بيوت الفلسطينيين من أجل بناء الدور القبيحة للمستوطنين . تتفرج الدولة الكبرى على إسرائيل العنصرية وهي تفرق بين الناس وتصنفهم كما تريد . وهي بذلك تميز بين اللغة والدين واللون والمنشأ والثروة .إنه تمييز بامتياز إنه خرق واضح لحقوق الانسان . بالاضافة فان خرق قانون حقوق الانسان واضح بشكل لافت وهي تقوم بتعذيب النساء في سجونها القذرة ، كما قامت أمريكا بتعذيب من يؤمن بالعقيدة الاسلامية الذين دمغتهم"بالارهاب". ها هي أمريكا قد تخلت عن اقامة الدولة الفلسطينية"لتبرطع"اسرائيل في الارض طولا وعرضا.

 

لقد وضع إعلان حقوق الانسان بعد الحرب العالمية الثانية التي ذاق العالم بها ويلات الحروب وبعد أن كانت الدول قد وضعت ميثاق الامم المتحدة في عام 1945 والذي تضمن اهداف المنظمة الدولية في سبعة مواد تبشر بحياة رغيدة ووفاق دولي جميل كثيرا. ولكن مع الاسف ، يصبح الكلام اليوم حبرا على ورق أو كلاما يطير في الفضاء وأمريكا تحبس من يتجرأ على كشف الحقائق المخلة بالديمقراطية والتناقضات بفهم معنى" حقوق الانسان". ولا شك أن العالم اليوم بحاجة لازالة الغبار عن أوراق الامم المتحدة ووثائقها ، ووضع نصوص جديدة تحكمها الشعوب التي خاب ظنها بالدول الكبرى والصغرى مثل إسرائيل التي تضرب حقوق الانسان بعرض الحائط . العالم بحاجة الى ميثاق أكثر انسانية في زمن المصالح الجشعة على حساب الشعوب المعذبة .

=========================

ماذا سيفعل عباس؟ ماذا سيفعل العرب؟

بلال الحسن

الشرق الاوسط

12-12-2010

ليس صحيحا القول: إن الإدارة الأميركية قد تراجعت عن مطالبة إسرائيل بوقف مؤقت للاستيطان من أجل الذهاب إلى المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين.

الصحيح هو القول: إن الإدارة الأميركية قررت التبني الكامل للخطة الإسرائيلية، خطة بنيامين نتنياهو بالذات، في كل ما يتعلق بالتسوية السياسية مع الفلسطينيين. خطة نتنياهو للتسوية أعلنها مع بدء الحديث عن العودة إلى المفاوضات برعاية أميركية. أعلنها يوم قال إنه يرفض العودة إلى المفاوضات بناء على شروط معلنة، وإنه يريد مفاوضات من دون شروط مسبقة، لا حول الحدود، ولا حول الاستيطان، ولا حول أي شيء آخر. ويومها قبلت واشنطن شروطه وذهبت إلى المفاوضات غير المباشرة. ولم يكن هذا كله سوى الأمور الإجرائية المتعلقة بخطة نتنياهو، أما جوهر خطة نتنياهو فكان إعلانه أنه يريد التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق مبادئ، أو اتفاق إطار، أو اتفاق مرحلي، حول الدولة الفلسطينية وقضاياها، ثم يتم تنفيذ هذا الاتفاق في مدة عشر سنوات.

هذه هي خطة نتنياهو، وهذا هو ما وافقت عليه الإدارة الأميركية، ولتأكيد ذلك نلجأ إلى قراءة متأنية في المواقف المختلفة المعلنة في السنوات الخمس الماضية؛ حيث نجد تأكيد هذه الخطة في المواقف الإسرائيلية، ونجد التأييد لهذه الخطة في المواقف الأميركية، والعجيب أننا نجد تأييدا لهذه الخطة الإسرائيلية - الأميركية في بعض المواقف العربية أيضا.

نقرأ أولا الموقف الأميركي كما أعلن رسميا، وجاء فيه على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية قوله: لقد قررنا أن تجميد الاستيطان لن يزودنا بأرضية صلبة لاستئناف مفاوضات مباشرة مستدامة وذات مغزى. وجاء فيه أيضا، وهنا بيت القصيد، قوله: نبقى مركزين على هدف التوصل إلى (اتفاق إطار) حول قضايا الحل الدائم. هذا هو جوهر الموقف الأميركي الجديد، العمل للتوصل إلى (اتفاق إطار) كما طلب نتنياهو منذ اللحظة الأولى.

ونقرأ ثانيا في الموقف المصري، كما أعلنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في بلغاريا في بيان صحافي، جاء فيه: إن رباعي الوساطة (دول اللجنة الرباعية الدولية)، يجب أن يضع (اتفاقية إطار)، تحدد حدود دولة فلسطينية، ووضع القدس الشرقية، مع ضمان أمن إسرائيل. وقال: إن الاتفاقية يمكن أن يصوغها الأميركيون، أو رباعي الوساطة، أو مجموعة من الخبراء، لتفاهم كبير يقدمه المجتمع الدولي لكل من الطرفين، مع تحديد وقت للتوصل إلى اتفاق. وهذه الجملة الأخيرة (أي: تحديد وقت) هي النقطة الوحيدة الجديدة في الموقف المصري. وهي بناء على هذا الموقف طلبت من الرئيس محمود عباس التمهل قبل قرار الذهاب إلى مجلس الأمن، كما أعلن سابقا عن البدائل التي لديه إذا لم يتم وقف الاستيطان.

ونقرأ ثالثا الموقف الإسرائيلي، وهو موقف أعلنه الجنرال شاؤول موفاز، رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، في مؤتمر صحافي عرض فيه خطة سياسية للسلام من مرحلتين، قال فيه: أقترح كخطوة أولى السعي إلى (اتفاق مرحلي)، نعلن خلاله إقامة دولة فلسطينية (من دون رسم الحدود) تسبق المفاوضات حول القضايا الجوهرية، مع ترسيم الحدود بشكل (تدريجي). وقسم موفاز خطته إلى مرحلتين، يتم في المرحلة الأولى إنشاء الدولة الفلسطينية على نحو 66% من الضفة الغربية، بالإضافة إلى قطاع غزة، ومن دون إخلاء مستوطنات إسرائيلية، مع ضرورة الاعتراف بسلطة دولة إسرائيل على كتل الاستيطان في الضفة الغربية، ومع ضرورة التسليم بالحد الشرقي (أي: حد نهر الأردن بعمق 14 كم، كما هو معلن) لدولة إسرائيل كحد ضروري للحفاظ على أمن إسرائيل. وتبدأ بعد ذلك مفاوضات مع الفلسطينيين حول (المواضيع الجوهرية) كالقدس واللاجئين والترتيبات الأمنية.

أما المرحلة الثانية، حسب خطة موفاز، فيتم فيها تطبيق التسوية في (المواضيع الجوهرية)، ولن يكون هذا التطبيق فلسطينيا - إسرائيليا، بل يحتاج، حسب قول موفاز، إلى «ترتيبات سياسية بين الدول، وإقامة سلام شامل في المنطقة». وهذا يحتاج طبعا إلى زمن أطول، وهو الزمن الذي قدره نتنياهو سابقا بعشر سنوات.

ويتطرق موفاز، في خطته هذه، إلى أمرين: القدس وقضية اللاجئين. حول القدس يقول: «الحفاظ على الوضع القائم (أي: القدس جزء من إسرائيل).. وإدارة المفاوضات لإيجاد (حل مبدع) بالنسبة لسير الحياة اليومية». والحل المبدع هذا هو الكلمة الملطفة للقول بالسيطرة الإسرائيلية على المدينة. أما حول قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فهو يقول بالحرف الواحد: «ترك حل مشكلة اللاجئين إلى منظومة دولية، تركز على حلول، وإعادة تأهيل، لا تشتمل العودة إلى مناطق إسرائيل». ويعني هذا أن الحل الإسرائيلي بعد عشر سنوات يستثني القدس واللاجئين، ولا يشمل إلا 66% من الضفة الغربية.

ما الذي يجمع بين هذه المواقف الثلاثة: الأميركية والعربية والإسرائيلية؟ يجمع بينها أمر واحد هو (الحل المؤقت) أو اتفاق إطار، أو اتفاق مبادئ. ومهما اختلفت التسميات فالمضمون واحد. وهذا الحل الذي يريد، حسب الإسرائيليين، ضم ثلث الضفة الغربية، يعني أن الدولة الفلسطينية المؤقتة، التي سبق لعباس أن رفضها بشدة، هي المطروحة للبحث، وهي ستقوم خارج جدار الفصل العنصري الذي تم بناؤه، واستولى سلفا على ما يوازي نسبة الثلث من الضفة الغربية.

طبعا.. يعرف الرئيس محمود عباس، أكثر من غيره، ما يعنيه هذا الحل. وهو يواجه الآن قرارا وصفه هو بالصعب. فهل سيقبل هذا الخيار، أم سيرفضه؟ تصريحاته تدل على أنه في حيرة من أمره، فقد أرسل صائب عريقات إلى واشنطن ليعرف بالضبط ما هي خطة العمل الأميركية. وقد ذهب إلى مصر للتداول معها بالموقف، وقدمت له هناك نصيحة التريث مع وصايا أحمد أبو الغيط في تصريحه المكتوب. وقد طلب عقد لجنة المتابعة العربية التي دفعته سابقا باتجاه التفاهم مع واشنطن، والبقاء في فلكها مرتين، ومن غير المستبعد أن تدفعه للأمر نفسه مرة ثالثة. فهل سيقبل عباس؟ السؤال صعب، والجواب أصعب؛ فهو أمام خيار يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالحقوق الفلسطينية، وبالتاريخ الفلسطيني، وبمصير شعب من عشرة ملايين إنسان.. فماذا سيختار؟

إذا ذهب ليسأل «المندوبين» العرب في الجامعة العربية، فالجواب معروف؛ لأنه لا أحد منهم يرغب بأن يتقدم الصفوف ليناطح أميركا، أما إذا ذهب ليطرح خطة نضالية فلسطينية جديدة، فسيحرج العرب جميعا، وسيضعهم أمام مسؤولياتهم، وسيبرئ نفسه أمام التاريخ، تماما كما فعل عرفات بعد مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، فماذا سيفعل عباس؟

=========================

الجولان تحت الاحتلال الحلقة (1) : «البركان النائم» في الجولان.. مستوطنات مقابل قرى عربية

«الشرق الأوسط» ترصد ميدانيا ماذا يحدث في الجولان بعد 43 عاما من الاحتلال

هضبة الجولان: نظير مجلي

الشرق الاوسط

12-12-2010

«الجولان لنا وليس لهم»، هذه الجملة بنفس الكلمات وترتيب الحروف، يقولها العرب السوريون والمستوطنون اليهود في المرتفعات السورية التي احتلتها إسرائيل عام 1967. العرب واليهود من الطرفين مختلفون في كل شيء، لكنهم متفقون على التفوه بتلك المقولة، وليس صدفة. فالعرب فيها سوريون، يعتزون بانتمائهم إلى موطنهم الأصلي، ويرون في الإسرائيليين غزاة مستعمرين. واليهود يرون في استيطانهم هناك «عودة إلى أرض الآباء والأجداد». وعندما قمنا بزيارتهم هذا الأسبوع، وجدنا هضبة الجولان ساحة لأحداث مثيرة وصراع ملتهب.. قد لا يظهر كل شيء فيه على السطح، لكن اللهيب يشتعل تحت تلابيبها على نار هادئة جدا.

«لا تنس، إن الجولان منطقة طبوغرافية تعتبر أرض بركان نائم، لا أحد يعرف متى ينفجر»، يقول لنا شيخ جولاني عاصر الاحتلال الفرنسي والسيادة السورية ويعيش صابرا تحت الاحتلال الإسرائيلي اليوم. ورغم أنه تجاوز الثمانين من العمر، فقد كان عائدا من العمل في فلاحة الأرض، ويقف على طرف الشارع ينتظر مسافرا عابرا يحمله إلى بلدته مسعدة، فاهتم بمعرفة أصلي وفصلي، قبل أن يخبرني بأنه في كل يوم يسافر «ترمب»، وعندما عرف ما غرضنا هز كتفيه بشيء من الاستخفاف، وقال «إسرائيل مش أشطر من العثمانيين ولا الفرنسيين»، وقصد أن كل احتلال إلى زوال.

توجهنا إلى الجولان صاعدين من الجنوب إلى الشمال، مخلفين وراءنا بحيرة طبرية الشهيرة، متسلقين سلسلة الهضاب المرتفعة، التي جعلتها المتغيرات الطبوغرافية غورا فسيحا جدا ومليئا بالتناقضات:

- أرض سهلية خصبة، ماء وفير وخضرة يانعة، لكن التفاعلات البركانية على مدى ملايين السنين في هذا المكان تدمغ كل حجارتها باللون الأسود «المشحّر».

- هواء نقي نسيمه عليل، وشاحنات تشحن ليل نهار أرتال دبابات ال«مركباه»، آخر صرعة من أسلحة المدرعات الإسرائيلية الفتاكة.

- قطعان كبيرة وكثيرة من الماشية والأبقار تغمر أرض الجولان بطولها وعرضها، وفي الليالي تخرج إلى الشوارع الخنازير البرية والثعالب، وفي الوقت نفسه تشاهد كميات كبيرة من جنود الاحتلال المنتشرين في كل زاوية، مدججين بأسلحتهم ومتنقلين بمجنزراتهم ومصفحاتهم وسياراتهم العسكرية.

- ألوف البيوت العربية المهدمة، ذات الحجارة الكئيبة، المستظلة بأشجار يتيمة صفراء.. مقابل عشرات المستوطنات اليهودية الحديثة ذات المباني البيضاء المستظلة بالأشجار الخضراء وارفة الظلال.

- أعلام إسرائيل فوق المستوطنات والسيارات العسكرية مقابل الأعلام السورية المرفرفة فوق البيوت في القرى العربية، والتي فشلت إسرائيل في إنزالها رغم تعسفها المتواصل طيلة ثلاث وأربعين سنة ونيف. لكن في قرية الغجر، التي وافق سكانها على الحصول على الجنسية الإسرائيلية، وجدنا بيتا يرتفع فوقه العلمان، الإسرائيلي والسوري، متعانقين.

- عرب أصليون وأصيلون يعيشون في خمس قرى سورية، وبالمقابل مستوطنون يعيشون في 33 مستوطنة. ويمثل التناقض هنا حتى بين المستوطنين اليهود، حيث وجدنا بينهم «مستوطنين عربا»، أجل عربا، من المواطنين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعرفون باسم «فلسطينيي 48»، يعيشون جنبا إلى جنب مع المستوطنين اليهود في إحدى هذه المستوطنات.

- سياح أجانب ومستجمون إسرائيليون وفلسطينيون وسوريون، وحرارة شمس حارقة في نهار الخريف المتقلب، وبرد قارس في ليله الداكن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الحشد من التناقضات يجعل الجولان شيئا مهما. وخلال أربعة أيام بلياليها، أمضيناها بصحبة المواطنين السوريين في الجولان والمستوطنين اليهود أيضا، وجدناها منطقة بركانية، ليس فقط في الجغرافيا وعلم طبقات الأرض، بل بركانية أيضا في السياسة وفي الرواية التاريخية وفي الحاضر والغائب أيضا. وعلى الرغم من الهدوء السائد في بلداتها العربية ومستوطناتها اليهودية، لا يغيب عن آفاق الناس هنا أن خطر اندلاع الحرب يخيم فوق الرؤوس. فالجميع يعرف هنا أن المنطقة كانت ميدانا لحروب شتى على مدى التاريخ، اثنتان منها وقعتا في وقت قريب: عامي 1967 و1973. ومن عاش ذكريات هاتين الحربين لا يريد للحرب أن تنشب من جديد. فالإسرائيليون يملكون أعتى أنواع الأسلحة الفتاكة والسوريون أيضا. وأرشيف الجيش الإسرائيلي وكتب التاريخ الحربية الصادرة في إسرائيل تعترف للجندي السوري بقدرات قتال عالية، لا تقل بشيء - إن لم تزد - عن قدرات الجندي الإسرائيلي.

ولما جاءت جولتنا في الجولان، في وقت كان فيه الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، قد أقر قانون الاستفتاء الشعبي (الذي يلزم أي حكومة تنوي الانسحاب من الجولان - والقدس الشرقية - بأن تتخذ قرارا بأكثرية 80 من مجموع 120 نائبا، أو بأكثرية الشعب في استفتاء شعبي)، فقد عبر من قابلناهم عن آرائهم في هذا القانون. كثيرون منهم لم يسمعوا بالقانون، وآخرون سألونا عن نتائج التصويت عليه. ومن تابعوا الموضوع أدلوا بآراء معروفة سلفا. فالمستوطنون اليهود هناك أيدوه، والمواطنون العرب السوريون اعتبروه سدا يقضي على الآمال الضعيفة أصلا في السلام.

وكانت تلك باختصار جولة مثيرة، واكبنا خلالها الجولان المنسي بتاريخه العريق وحاضره الأليم ومستقبله المحاط بتساؤلات كثيرة. فما هو هذا الجولان؟ وما هي قصته؟ هل هو منطقة استراتيجية فعلا، لذلك تتمسك بها إسرائيل؟ ما الذي أدى إلى تكوينه على شكله الحالي؟ هل هي التغيرات الجغرافية وحسب، أم أنها السياسة التي جعلته أرضا أخرى تحتلها إسرائيل؟ ولماذا احتلته إسرائيل أصلا، بينما كان الكثير من قادتها يمتنعون عن احتلاله، وحسموا الأمر فقط بعد ثلاثة أيام من حرب الأيام الستة؟ وكيف كان ممكنا أن يحتل وهو تلك المناطق المرتفعة التي سيطر عليها الجيش السوري بقوات كبيرة، وكانت فيه القوات الإسرائيلية تحت فوهات المدافع السورية في السهول الممتدة تحت الهضاب؟ وما الذي جرى للجولان منذ احتلاله؟ ولماذا لم تنجح المشاريع الإسرائيلية لاستيطانه؟ لماذا لم يزد عدد المستوطنين اليهود فيه على عشر عدد المستوطنين في الضفة الغربية؟ وكيف صمد من تبقى من أهله السوريين رافضين كل المغريات الإسرائيلية؟ وما الذي ينتظر هذه المنطقة مستقبلا؟

شيء من التاريخ والجغرافيا

* الجولان، وجذر الكلمة يعني بالعربية «جوال»، هو عبارة عن مجموعة هضاب تقع في بلاد الشام، ما بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال. من الغرب تطل على بحيرة طبرية ومرج الحولة في الجليل، ومن الشرق تطل على سهول حوران والريف الدمشقي، تلامسها ضفاف وادي الرقاد القادم من الشمال بالقرب من طرنجة، باتجاه الجنوب حتى مصبه في نهر اليرموك. وأما من جهة الشمال فيشكل مجرى وادي سعار - عند سفوح جبل الشيخ - الحدود الشمالية للجولان، حيث تمتد بين منابع نهر الأردن وشلالات بانياس، وحتى أعالي وادي الرقاد في الشرق. وأما حدودها الجنوبية فيشكلها المجرى المتعرج لنهر اليرموك والفاصل بين هضبة الجولان وهضبة عجلون في الأردن.

تبعد هضبة الجولان 50 كم إلى الغرب من مدينة دمشق. وتقدر المساحة الإجمالية لها ب1860 كيلومترا مربعا، وتمتد على مسافة 74 كم من الشمال إلى الجنوب من دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كم.

على مدى التاريخ سيطرت على المنطقة حضارات متعددة. مع نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد سيطر عليها العموريون أو العماليق، الذين وصلوا في تلك الفترة إلى أواسط بلاد الرافدين وسورية على شكل موجات كبيرة من شبه الجزيرة العربية، واستمرت سيطرتهم حتى ظهور الآراميين، الذين قدموا كما يعتقد من جنوب الجزيرة العربية ليؤسسوا مجموعات زراعية مستقرة ودولا وأسرا حاكمة في سورية. في العهد القديم يذكر اسم جولان في سفر التثنية، وفي سفر يوشع، كإحدى مدن الملجأ الثلاث الواقعة عبر نهر الأردن، والتي يلجأ إليها من قتل إنسانا سهوا وخشي من الانتقام (التثنية 4:43، يوشع 20:8). وتذكر مدينة جولان كمدينة واقعة في منطقة باشان ضمن الأراضي التابعة لسبط منشيه.

كان الجولان تابعا لسورية الكبرى، كجزء من ولاية الجليل حتى عام 1923، حينما رسمت الحدود الدولية استنادا إلى اتفاقية «سايكس بيكو» بين بريطانيا وفرنسا اللتين احتلتا بلاد الشام من الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وبعد تأسيس سلطة الانتداب الفرنسي على بلاد الشام، قررت فرنسا تقسيم منطقة الانتداب إلى وحدتين سياسيتين - سورية ولبنان - وحددت الجبال الواقعة شمال الجولان (جبل روس، جبل الشيخ، وغيرهما) حدودا بين البلدين. لكن السلطات الفرنسية لم ترسم الحدود بين سورية ولبنان بدقة لاعتبارها حدودا داخلية، مما أثار الخلافات عندما استقلت كل منهما عن فرنسا. وبرزت آثار هذه الاختلافات في منطقة مزارع شبعا وقرية الغجر عند رسم الحدود الأخيرة (الخط الأزرق) قبل خمس سنوات.

عندما قامت إسرائيل في سنة 1948، تحول الجولان إلى منطقة سورية حدودية معها. وأقام الجيش السوري فيه عدة قواعد واستحكامات. واقتحم الأراضي التي كانت إسرائيل قد احتلتها وهي المخصصة للدولة الفلسطينية (حسب قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1949)، وحرر قسما منها في منطقة الحمة في الجنوب الغربي للجولان وعلى ضفاف بحيرة طبرية وفي مناطق أخرى. هذه العمليات، أنشأت خطا حدوديا جديدا هو خط الرابع من يونيو (حزيران) ويقصد به ما قبل عام 1967. وهو الخط الذي بسببه فشلت المفاوضات السلمية بين إسرائيل وسورية ثلاث مرات، الأولى في زمن حكومة إسحق رابين الثانية (1992 - 1995)، والثانية في زمن حكومة بنيامين نتنياهو الأولى (1996 - 1999)، والثالثة في زمن حكومة إيهود باراك (1999 - 2001). فقد طالبت سورية بأن تنسحب إسرائيل إلى هذا الخط، وردت إسرائيل بأنها مستعدة للانسحاب إلى خط الحدود الدولية (الذي تقرر سنة 1923)، لكي تضمن بقاء الحمة وكل بحيرة طبرية وحتى بانياس في تخومها.

فضيحة الاحتلال

* احتلال هضبة الجولان السوري كان عبارة عن فضيحة سياسية وأمنية كبرى، لو جرت وقائعها اليوم لكانت الحكومة الإسرائيلية قد أرغمت على إقامة لجنة تحقيق رسمية، ولكان وزير الدفاع، موشيه ديان آنذاك، أقيل من منصبه ومعه ثلة من القادة الآخرين.

فقط قبل أربع سنوات شهدت إسرائيل وضعا شبيها، فأقيمت لجنة تحقيق في حرب لبنان الثانية (لجنة فينوغراد)، وخرجت بالاستنتاج أن الجيش جر الحكومة إلى حرب غير مدروسة استراتيجيا. وانتهت إلى الإطاحة بوزير الدفاع (عمير بيرتس) ورئيس أركان الجيش (دان حالوتس) وعدد آخر من قادة تلك الحرب، وفي نهاية المطاف وجد رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، طريقه إلى الاستقالة. فما بالكم في حرب امتنعت الحكومة عن إقرارها، وطلبت من الجيش إعطاءه تصورا لها خلال يومين، لكن وزير الدفاع قرر الخروج إلى الحرب في اليوم التالي من دون علم رئيس الحكومة؟

قصة احتلال الجولان

* طيلة السنوات منذ قيام إسرائيل وحتى حرب الأيام الستة عام 1967، شهدت منطقة الجولان مناوشات حدودية كثيرة. سورية من جهتها أرسلت إلى الجولان حشودا ضخمة للسكان وللجنود. وشجعت الحكومات السورية مواطنيها، خصوصا العسكريين منهم، على القدوم للسكنى فيه. وأقامت عددا كبيرا من المعسكرات، وبنت استحكامات قوية على طول الحدود مع إسرائيل، وكذلك في عمق الجولان. ونشبت معارك ومناوشات بين الجيشين الإسرائيلي والسوري، أقدم السوريون خلالها على قصف البلدات اليهودية في سهل الحولة والجليل، وأقدمت إسرائيل على قصف مدفعي مكثف وغارات جوية.

وحسب مصادر إسرائيلية عسكرية، قتل 140 إسرائيليا وجرح مئات آخرون بسبب القصف السوري على إسرائيل، في الفترة ما قبل الحرب. لكن هذا لم يؤد إلى قرار إسرائيلي بإعلان الحرب على سورية. فقد خشوا من أن تؤدي حرب كهذه إلى تدهور شامل في المنطقة. وحتى عندما شنت إسرائيل هجومها على مصر ثم على الأردن، في الأيام الثلاثة الأولى من حرب 1967، امتنعت عن التحرش بالجيش السوري. والجيش السوري من جهته، اكتفى بقصف إسرائيل بشكل محدود، مدفعيا وبالغارات الجوية. لكنه امتنع عن استخدام سلاحي المدرعات والمشاة. وقد ترك الإسرائيليون الجولان بلا حرب طيلة الأيام الثلاثة. لكن، عندما رأت إسرائيل أنها تحقق انتصارا لم تحلم به على مصر، ثم تحتل القدس وسائر الضفة الغربية وقطاع غزة، انفجرت نقاشات حادة داخل الحكومة الإسرائيلية وقيادة الجيش. وتم تجنيد رؤساء المجالس المحلية والبلدية في الشمال لصالح الحرب، فتوجهوا إلى رئيس حكومتهم آنذاك، ليفي أشكول، يطالبونه بشن الحرب على سورية واحتلال الجولان على الأقل، ليمنعوا القصف المدفعي على بلداتهم.

القوى التي دفعت باتجاه الحرب في القيادة الإسرائيلية رأت في سورية خطرا استراتيجيا كبيرا. وحسب المؤرخ العسكري بنيامين زئيف فاكسلر، فإن رئيس أركان الجيش، إسحق رابين، كان في مقدمة الداعين لانتهاز فرصة هزيمة مصر والأردن، لتوجيه الضربة إلى سورية. وكان معه نائب رئيس الوزراء، يغئال ألون، الذي حاول إقناع الحكومة برأيه قائلا «إذا خضنا الحرب، سنحتل هضبة الجولان ونوقف عمليات قصف قرانا وبلداتنا، وسنضع حدا لمحاولات سورية حرف مياه اليرموك عن مسارها نحو بحيرة طبرية، ونحكم السيطرة على مصادر المياه. والضرر الوحيد الذي سيلحق بنا هو على الصعيد السياسي لا أكثر، حيث إنه في أسوأ الأحوال سوف يقطع الاتحاد السوفياتي علاقاته معنا. ومع أنني لا أعتقد أن الروس سيقدمون على خطوة كهذه، فإنني أرى أن الجولان بيدنا من دون الاتحاد السوفياتي أفضل لنا من أن يكون السوفيات معنا من دون الجولان».

وكان وزير الدفاع آنذاك، موشيه ديان، هو المعارض الرئيس ومعه رئيس الوزراء أشكول. فتقرر أن يعرض رئيس أركان الجيش خطة للحرب مع سورية خلال يومين أو ثلاثة. لكن الوزير ديان غير رأيه فجأة، عندما رأى مدى عمق الهزيمة المصرية والأردنية، وعندما وافقت مصر على اتفاق لوقف النار. فأخذ على عاتقه شن الحرب على سورية، من دون الرجوع إلى الحكومة أو رئيسها. ويكتب المؤرخ توم سيجيف في كتاب خاص ألفه وأصدره مؤخرا بعنوان «1967»، فيقول إن ديان أقدم على عمل لا يناسب أبدا النظام الديمقراطي. ويؤكد أنه لولا انتهاء الحرب بالانتصار لكان رد الفعل الإسرائيلي عليها بمثابة زلزال. ويقول إن الحظ فقط هو الذي خدم قادة إسرائيل في ذلك الوقت، فلم يكتشف المواطنون أن هؤلاء القادة أغبياء ومتغطرسون ومغامرون خطيرون وبلطجيون، جعلوا من إسرائيل دولة احتلال بشعة، تمارس أبشع أساليب الكولونيالية الاستعمارية الكلاسيكية في عصر يتخلص فيه البشر من الاحتلال.

لكن سيجيف لا يقصر توصيفه للحرب على هذا الجانب، فيذكر بالتفصيل الخلفية اليهودية لقصة هذه الحرب وما حصل بعدها. فهو يشير إلى أن الإسرائيليين وعددا كبيرا من القادة، كانوا قبل الحرب يعيشون حالة خوف وقلق شديدين. فالخطاب الحربي العربي ضد إسرائيل واليهود أعاد إلى أذهان الإسرائيليين مشاعر الخوف التي سادت بين اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، عندما راحت النازية تعلن وتمارس عملية إبادة لليهود. وعندما قرر الرئيس المصري جمال عبد الناصر إغلاق مضايق تيران، وهو الأمر الذي يعني حصار إسرائيل بحريا من البحر الأحمر، ثم عندما أمر عبد الناصر قوات الطوارئ الدولية بعد مغادرة ثكناتها العسكرية في سيناء، تضاعف الخوف. وهو يكشف في كتابه عن عدة شخصيات تحدثت عن هذا الخوف، بينهم رئيس الوزراء، ليفي أشكول، الذي عارض الحرب بشدة لكن الجنرالات من حوله لم يتيحوا له فرض إرادته، ووزير الزراعة، حايم جباتس، الذي كتب قائلا «نحن مشبعون بالخوف». ورئيس أركان الجيش، إسحق رابين، الذي أصيب بانهيار عصبي في الساعات الأولى من الحرب.

بيد أن هذا الخوف تحول إلى غرور وغطرسة بعد الحرب، كما اعترف موشيه ديان في آخر حياته. ويقول ديان، كما يشهد توم سيجيف، «نحن غريبون. ننجر وراء خوف الناس بشكل جارف، ثم نصاب بسكرة الانتصار». وقد وصف ديان بذلك حالة الإسرائيليين بدقة من خلال تجربة شخصية. فهو نفسه كان خائفا من الحرب. ولما انتصر، أصيب بسكرة. فأمر بالحرب على سورية. وعلى الرغم من تحقيقه الانتصار في سنة 1967، فإن العقلاء في إسرائيل، وتوم سيجيف أحدهم، يقولون إن هذا الانتصار كان كارثيا بالنسبة لإسرائيل. وعرف عن الفيلسوف اليهودي الإسرائيلي، يوشع لايبوفيتش، قوله إن إسرائيل ستبكي أجيالا بسبب هذا الانتصار، لأنه سيفسد المجتمع الإسرائيلي. وكان الشاعر الفلسطيني توفيق زياد قد كتب عن هذا الانتصار في إحدى قصائده، يقول «لا تقولوا لي انتصرنا، إن هذا النصر شر من هزيمة».

المفاوضات عالقة منذ «إسطنبول»

* مسار المفاوضات بين إسرائيل وسورية عالق، على الرغم من المحاولات الكثيرة لتفعيله. وقد كانت آخر جولات التفاوض في إسطنبول، حيث جلس المندوبون السوريون في غرفة في فندق والمفاوضون الإسرائيليون في غرفة أخرى مجاورة، والمندوب التركي يتنقل بينهما.

وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2008 شهدت هذه المفاوضات تطورا مهما، حينما وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، بشكل مفاجئ إلى أنقرة. والتقى نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، وخلال اللقاء تكلم أردوغان مع الرئيس السوري بشار الأسد هاتفيا، وراح ينقل الكلام بينه وبين أولمرت، وعرض الأسد صيغة للتسوية، فطلب أولمرت أن يعود إلى إسرائيل للتشاور، ولكنه لم يعد. وبدلا من ذلك، شن الحرب على قطاع غزة، فتدهورت العلاقات التركية - الإسرائيلية وانقطعت المفاوضات بين إسرائيل وسورية.

ومنذ ذلك الحين، طرحت عدة محاولات لاستئنافها. فقط في الأسبوع الماضي، أعلنت فرنسا، خلال زيارة الرئيس الأسد إلى باريس عن استعدادها لإيواء هذه المفاوضات، ولكن الفرنسيين كانوا قد أعلنوا مثل هذا الإعلان عدة مرات، وفي شهر سبتمبر (أيلول) الأخير عينوا وسيطا فرنسيا خاصا هو الممثل الشخصي للرئيس نيكولا ساركوزي، لهذه المفاوضات. ولم يحصل فيها أي تقدم. وفي الشهر نفسه، كانت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، قد أعلنت خلال استقبالها وزير الخارجية الأردني، عزم بلادها على إشراك سورية في عملية السلام.

وقبل ذلك كانت قد دارت مفاوضات إسرائيلية - سورية، بعضها مباشر (واي بلانتيشن سنة 1996)، وبعضها غير مباشر (بوساطة رسمية أميركية وبوساطة أشخاص منذ مؤتمر مدريد سنة 1991 وحتى سنة 2008)، ولكنها لم تنجح، مع العلم بأن هذه المفاوضات كادت تصل إلى نتيجة عدة مرات ولكنها علقت في الجمود من جديد في كل مرة.

ويعتبر أهم حدث في هذه المفاوضات، ما يعرف ب«وديعة رابين»، في سنة 1993، حيث أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحق رابين، وزير الخارجية الأميركي، وارن كريستوفر، تعهدا بالموافقة على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي احتلت عام 1967 مقابل السلام الكامل. وقد بدأت مفاوضات غير مباشرة حول الموضوع، لكن رابين قتل في عام 1995، مما عرقل المفاوضات. وأصبحت هذه العهدة أساسا لأي مفاوضات بين البلدين لاحقا.

* غدا: حرب على المياه .. أم على الأيديولوجيا

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ