ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 14/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

نهاية الديبلوماسية او اللعب 'عالمكشوف'!

محمد صادق الحسيني

2010-12-12

القدس العربي

قد نتفق جميعا على ان ما قامت به جماعة موقع 'ويكيليكس' في نشرها لهذا الكم الهائل من الوثائق السرية حول عمل الديبلوماسية الامريكية في العالم انما يشكل سابقة خطيرة وغير متعارف عليها في تاريخ نشر الاسرار كشفت عن عورة الديبلوماسي الامريكي والسياسي الامريكي ومن يتعامل معهما من تابعين او عملاء او حلفاء وهم في حالة ارتكاب الجرم المشهود!

بمعنى انها المرة الاولى التي يتم نشر مثل هذه الاسرار وآثار الجرم لاتزال

قائمة ولم يتم محوها بعد كما كانت قد جرت عليه العادة بنشر مثل هذه الاسرار بعد عشرين او 25 او ثلاثين او ستين سنة!

لكننا قطعا سنختلف حول الجهة الحقيقية التي تقف وراء تمكين جماعة موقع 'ويكيليكس' من الوصول الى هذا الكم الهائل من الوثائق السرية' وكذلك حول حقيقة الاسباب التي دفعت بتلك الجهة او هذه الجماعة الى القيام بنشر هذا الكم الهائل من اسرار وخفايا الديبلوماسية الامريكية مرة واحدة لتصل الى اكبر عدد ممكن من سكان العالم وهكذا مجانا دون ان تبذل الجهات الاستخبارية الامريكية لبذل اي جهد يذكر لمنع مثل هذا العمل المثير للدهشة وغير المتعارف والفاضح لاسرار اكبر دولة عظمى ماديا كما يفترض!

ثمة من قال انه تسريب من داخل الادارة سببه صراعات امريكية داخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين مثلا الهدف منه تظهير صورة التصعيد الموجود في النزاع على السلطة الداخلية وعلى ثروات العالم فيما بينهما بشكل دراماتيكي للوصول الى هدف ما لا يزال خفيا!

وثمة من نسب المهمة الى جماعة امريكية استشاطت غضبا من سياسة قادة بلدها تجاه العالم وارادت الانتقام من كل ما يمت الى تلك السياسة من خلال هذا العمل الصادم!

فيما ذهب آخرون الى نسب هذا العمل الى جماعة الموقع انفسهم الذين استطاعوا اختراق الجدارالالكتروني المحصن الذي تتكدس خلفه اسرار الديبلوماسية الامريكية بهدف فضح لا اخلاقية نظام النيوليبرالية الامريكي وهؤلاء هم الغالبية من المنبهرين بما بات يعرف بفضائح 'ويكيليكس' وهو رأي صاحب الموقع ايضا الذي تصرف منذ البداية على انه 'البطل' الابيض الجديد وهكذا تحول!

لكنني اريد ان اختلف مع اصحاب الفرضيات الثلاث الآنفة الذكر طارحا بعض الاسئلة لاصل الى فرضية مختلفة ارجو التأمل فيها اما الاسئلة فهي:

اولا: لماذا لم تهتز للادارة الامريكية شعرة كما يقول المثل ولم تقدم على هدم الموقع او ايقاف مسلسل نشره بالقوة وهي القادرة كما يفترض كما حصل مع صاحب الكتاب الذي حاول كشف بعض اسرار البنتاغون فقامت الجهات المعنية باحراق كافة نسخه بعد الطبع؟!

ثانيا: لماذا تحركت السويد ضد صاحب الموقع وعلى خلفية جريمة اخلاقية - اغتصاب جنسي عنفي - لا علاقة لها بالفعلة الاصلية محل النزاع مما حول الرجل الى بطل عالمي وهو ما اراده اصلا؟!

ثالثا: لماذا لم يتقدم اي مسؤول امريكي او اي من حلفاء امريكا الاقوياء بمن فيهم استراليا على تقديم شكوى قضائية تتهم صاحب الموقع بالاعتداء على الامن القومي الامريكي وتعريضه كما تعريض رجاله وكذلك العديد من حلفاء امريكا للخطر؟!

رابعا: لماذا لم يتقدم اي من الزعامات والقيادات التي يفترض ان اسرار تعاونها الصريح مع امريكا سواء ضد بعضها البعض او ضد شعوبها او ضد جيرانها قد افشيت حسب الوثائق المنشورة، بشكاوى قانونية ضد صاحب الموقع، وماذا افشت لهم الادارة الامريكية في اتصالاتها الهاتفية حتى همدوا جميعا؟!

اعرف ان كثيرين سيقولون بانني من جماعة نظرية المؤامرة، وانا بالفعل كذلك!

فهذه ليست سبة ولا تهمة بل هي واقع حال تؤكده وقائع امريكية وصهيونية بشكل يومي وعلى الهواء مباشرة وما فضائح 'ويكيليكس' الا شاهد اضافي على اقول!

واما رأيي المتواضع في قصة 'ويكيليكس' فهو باختصار بانها الخطة الامريكية - الصهيونية الجديدة للعب على المكشوف كما يقال عندنا ونهاية عصر الديبلوماسية المقنع وذلك للاهداف التالية:

اولا: ازالة حاجز الحياء الظاهري لدى الحلفاء او التابعين او المتعاونين

واشاعة نظرية سقوط قبح التعامل مع امريكا والترويج لنظرية الخيانة وجهة نظر!

ثانيا: اشاعة الشك والريبة وانعدام الثقة بين الدول والجماعات والافراد حتى

بين اولئك المتعاونين مع امريكا لان ذلك سيسهل عملية الاحتفاظ بكل طرف او مجموعة في موقعها الراهن من الجانب الامريكي كما سيسهل تجنيد جدد!

ثالثا: الاحتفاظ بجبهة حلفاء امريكا واصدقائها مقفلة وغير قابلة للاختراق على اعداء او خصوم امريكا، لتسهيل ادارة معركة الهروب المنظم من الحالة الامبراطورية المنتشرة والمتناثرة بتعاون رجالها الى حين حلول لحظة الانكفاءة الامريكية المتوقعة بعد تعاظم وتنامي الفشل المتكرر لمشاريعها التوسعية في اكثر من موقع على امتداد الخريطة العالمية!

رابعا: ولما كان نحو تسعين في المائة او اكثر مما نشر على موقع 'ويكيليكس' معروفا اصلا لدى الرأي العام المعادي لامريكا بالتجربة الملموسة للثوار والمجاهدين وقادة وزعماء المقاومة المناهضة لامريكا اثناء خوض المعارك معها، كان لابد ان يمنح الفضل للرجل الابيض مرة اخرى تأكيدا لنظرية التفوق العرقي التني قامت عليها دولة الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني المدعوم من معسكر الغرب الامبريالي.

خامسا: وهذا بدوره سيشكل سابقة لقيام هذا الموقع او ما يشابهه في المستقبل القريب او البعيد بنشر ما يحلو له من اكاذيب او اتهامات او اباطيل تطال رموز المقاومة والممانعة لامريكا والكيان الصهيوني على قاعدة ان من يصدق وينبهر بما جاء عبر قناة البطل الابيض في موقع 'ويكيليكس' عليه ان يصدق ما ينشر حوله والا اتهم بالكيل بمكيالين!

انها باختصار محاولة اشاعة مقولة نهاية الديبلوماسية والعمل السري مع العملاء والتابعين فضلا عن الحلفاء وذلك على قاعدة نهاية التاريخ الامريكية لفوكوياما باعتبار ان النهاية دائما ينبغي ان تكون مع جماعة 'الواسب' اي الرجل الابيض الانكلو ساكسوني النقي باعتباره شعب الله المختار!

نعم هناك وثائق مهمة و دامغة نشرها موقع 'ويكيليكس' تدين امريكا وجماعة امريكا لاسيما في منطقتنا وبلادنا العربية والاسلامية، لكن ذلك كان معروفا لدى المقاومين اولا واذا كان ثمة من فضل ثانيا للجوء احدهم الى هذا الاسلوب في كشف الاسرار فهو للمقاومين الذين تمكنوا من تعرية العملاء والتابعين وتهشيم صورة المستكبرين ورجالهم وقواعدهم المعلنة مما اضطر العدو لكشف ما تبقى من وجوه مستترة لعله يخفف من شدة الصدمة على تجار الصداقة مع امريكا والمروجين لمقولة ان خيانة الوطن والدين والهوية مجرد وجهة نظر.

=======================

الاستثناء (النووي) الإسرائيلي لعنة أم امتياز

زياد علوش

2010-12-12

القدس العربي

صاحبة الجلالة في بلاد الانكليز نظرت استثناءً بعين العطف لليهود فأعطتهم فلسطين، لم يكن الفرنسيون اقل كرماً دشنوا بتكنولوجيتهم النووية واليورانيوم (التائه) مفاعل ديمونة، تبعهم السوفييت بالاعتراف الأول بالكيان المحتل، سباق ارساليات تاريخي، للتخلص من لعنة الامتياز الالهي لشعب الله (المختار) ولا يزال العم سام يحتضن نتاج الثلاثي المسخ اسرائيل الاستثناء المتكرر يصبح قاعدة، هل سترث بكين واشنطن بتأييدها اللفظي للعرب وتبادلها الفعلي مع اسرائيل حسب التسريبات الهزلية في مسألة الحلول القطبي (الاعتدال العربي) يواكب المراحل بدقة يخبو ويشتعل، اليوم فجأة تذكر البريطانيون رائعة التلمودي المرابي في تاجر البندقية للشهير وليم شكسبير وتنكروا لتقاطعهم الثنائي الدائم (تفاوض؛ ارهاب؛ خداع)، وانهم سلخوا ارضاً من شعب يستحق الى آخر عليه أن يرحل، من دمنا وخبزنا على رأي من يزداد حضوره فينا مع كل رحيل محمود درويش.

ترتفع اليوم اصوات الانكليز مطالبة بدور بريطاني ريادي في عملية (السلام).. كان رد رجل داونغ ستريت السابق رجل الرباعية الآن (السيد) توني بلير استشرافياً بهذا الشأن؛ بقوله للمطالبين له بتقمص دور الجنتلمان الانكليزي التقليدي وليس التابع لبوش الابن ابان اجتياح العراق، في التذكير أن بريطانيا العظمى لم تعد الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إنما تستمد دورها ونفوذها الحاليين من تلك العلاقة أو التبعية للولايات المتحدة الامريكية، إلا أن السيد بلير لم يكن السباق لإدراك هذه الحقيقة البراغماتية السياسية التي غفل عنها كثير من العرب، إنما كان اليهود وعبر فلسفتهم التاريخيّة للتحكم بالعالم عن طريق التحكم برأس المال، أمّا وأنّ أمريكا قد انتقل إليها واستقر فيها ذلك الأكسير فان اليهود يمموا شطرها، فأمريكا ولا شك تشكل قوة جذب مغرية للطامحين والطامعين بلعب دور ما مركب في الحياة المعاصرة، فالعقل اليهودي الربوي يدور مع الذهب والمال والأعمال كيفما دار، مما يمنحه حركة مثاليّة، ولأجل تحقيق أهداف الصهاينة ومشروعاتهم كان لا بد عبر هذا الممر من تأسيس قوى خفية أو معلنة شرحتها بروتوكولات حكماء صهيون في (بازل السويسرية) اخذت على عاتقها هذا الهم وهذا الدور والتحكم بمسار العالم، ففي موقع اللوبي اليهودي الإسرائيلي الامريكي في واشنطن إيباك على الانترنت، يبرهن على أن إيباك هي المنظمة الأهم في التأثير على العلاقات الامريكية الإسرائيلية، في أدبيات العلوم السياسية في الولايات المتحدة، وفي وسائل الإعلام العالمية، يتعاملون مع إيباك على أنها مجموعة الضغط ذات التأثير الأكبر على السياسة الخارجية الامريكية، باعتبارها نموذجاً يحتذى للعمل السياسي الضاغط داخل مركزي القرار في الكونغرس والإدارة الامريكية، فمهمة إيباك الأساسية دعم المصالح الحيوية لإسرائيل في مجال الأمن والسياسة، منها منع الدول العربية والإسلامية من امتلاك الأسلحة غير التقليدية وحتى السلاح التقليدي المتطور واستيعاب القنبلة الباكستانية والحؤول دون الإيرانية، والدفاع عن بقاء أنظمة الطوق الجغرافي المثالية وعدم المخاطرة بأنظمة تبدو أقل كفاءة في هذا المجال، من خلال تحويل جيوش تلك الدول الى شرطي حدود، وهذا ما يفسر لنا عدم كفاءة الجيوش الرسمية العربية في مواجهة إسرائيل، حيث وظيفتها الثانية حصراً الحفاظ على تلك الأنظمة، كذلك الضغط على الاتحاد الأوروبي في عدم الذهاب بعيداً في الغزل مع العرب والفلسطينيين، وتأييد إقامة جدار الفصل العنصري، وشجب وتعطيل قرار محكمة لاهاي التي اعتبرت الجدار غير قانوني ومنع استمرار تحركات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد الجدار وغيره من القرارات، واستمرار المصادقة على المساعدات الأمنية والاقتصادية المقدمة لإسرائيل، وضمان تفوقها على العرب جميعاً مع تحديد وحصر المساعدة المقدمة للفلسطينيين والأردن ومصر بما يوازي القيام بالمهام المطلوبة منهم، على الرغم من حاجة أمريكا للطاقة الهيدروكربونية البترول والغاز وحاجة الاقتصاد الأمريكي اليومي لاستثمار 4 مليارات دولار يومياً، الذي يشكل التمويل العربي أهم ركائزه، وهذا بمعناه منع العرب من توظيف امكاناتهم بطريقة إيجابية، من هنا كانت وظيفة إيباك في أمريكا الوقوف وراء حكومات إسرائيل المتعاقبة في مساعيها للحصول على مصادقة الكونغرس على مبادئ السلام في الشرق الأوسط حسب الشروط اليهودية وفقاً لرسالة بوش لشارون سنة 2004.

الاعتراف بالكتل الاستيطانية ومنع عودة اللاجئين بالطبع، فإن أبرز تلك التفاهمات التي دفع إليها ذلك اللوبي للحفاظ على التفوق الصهيوني النووي كان اتفاق تفاهمات: ريتشارد فيكسون وهنري كيسنجر مع غولدا مائير، الذي كان فحواه كالتالي: ستمتنع الولايات المتحدة عن تعقب ما يجري في المفاعل النووي في ديمونة، وستتمسك أيضاً بصيغة أنها لا تملك معلومات موثقة عن أن إسرائيل تملك سلاح إبادة جماعية طالما حافظت إسرائيل على غموض ذري، من غير اعتراف بأنها تملك سلاحا كهذا بالفعل، وما لم تجر تجربة ذرية.

وقد حافظت إسرائيل على نصيبها من الاتفاق، كما لم تفعل باتفاقات كثيرة أخرى، منها عدم استخدام الكثير من الأسلحة التي افرطت في استخدامها مع العرب لكن بالعودة للسلاح النووي الإسرائيلي فإن ثرثرات فعنونو الخبير الذري اليهودي المسيحي لاحقاً، وزلات لسان أولمرت السابقة، والزعم العربي بتجربة إسرائيل الذرية أواخر السبعينات لا قيمة لها بفعل عدمية التأثير للوبي العربي الهش، فإسرائيل التي تتقن المناورة اللفظية التي تؤدي دورة عن خيار ذري وسلاح ذري، بالطبع إسرائيل لم توقع على قيود وكالة السيد البرادعي قبل تحوله للمعترك السياسي الداخلي المصري والتي اعادت عينته الديمقراطية الأخيرة الى مربع الصفر ومطالبة امريكا بعدم اسقاط الدولة المدنية لصالح (المتعصبين)، إلا أن اسرائيل تحررت من قيود التوقيع وتمتعت بمزايا التوقيع في النادي النووي الدولي، فميثاق انتشار ذلك السلاح ينحل على الملأ كما في كوريا وإيران فتقرير اللجنة الأمريكية لشؤون الاستخبارات في مجال الذرة الإيرانية أن الولايات المتحدة لا تعرف شيئاً سوى ما يردد في الدعاية الإعلامية إلا أن نتنياهو كان الأكثر إثارة نووية في تاريخ رؤساء الوزراء الإسرائيليين منذ إقامة دولة إسرائيل من بن غوريون إلى شتريت، ليون، بيغن، شارون، شامير، بيريز، باراك وأولمرت. الذي كاد يعود بالعقيدة النووية الإسرائيلية إلى سابق عهدها وبدايتها والاستخدام عند الشك لا اليقين، حسب التعديل الجديد لمفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، ففي مرحلة معينة من الغزو الأمريكي للعراق طلب من الإسرائيليين إعداد الأقنعة الواقية وتنامى إلى علم شارون أن رئيس الوزراء (بيبي) يفكر في استخدام سلاح يوم الحساب إذا تعرضت إسرائيل لهجوم، استدعى شارون رفائيل إتيان على عجل وحذرا نتنياهو من أن مجرد التفكير بالأمر إذا تنامى إلى علم الأمريكي سيؤدي إلى زوال القدرة الردعية لإسرائيل إلى الأبد، فالسوط الأمريكي بيد الإسرائيلي للتهويل لا للاستخدام، إنما ذلك حق حصري وحيد للولايات المتحدة الأمريكية، عندها تراجع (بيبي) لكن الحكاية سربت للجمهور وأضحى الرجل مسار سخرية كرجل دولة وهذا ما يفسر إبعاده فترة طويلة عن رئاسة الحكومة حتى برجل كأولمرت الى أن استوعب الدرس النووي، فخضوع الترسانة الإسرائيلية لوكالة الطاقة الذرية غير مطروح، وخط أحمر إلى الأبد، على الرغم من الاحتجاج المصري الخافت بفعل التبادل القبطي (أزمة مقابل أزمة) والإشارة الإيرانية الاحتجاجيّة على الازدواجيّة في المعايير والمكاييل النووية، فشرط إسرائيل وإلى الأبد وقد سوقته إيباك لدى أمريكا هذه الأولوية: فعند انتفاء الدول الشمولية في المنطقة ليس رحمة بالديمقراطية وعدم وجود أية دولة أو منظمة أو جماعة أو حتّى فرد في الشرق الأوسط يفكر في شطب إسرائيل وعندما يبرهن على أنه لا يوجد سلاح فعال في أي من الدول من المحيط إلى الخليج ولا توجد خطط لإنتاجه حتى عند ذلك فإن صمت إسرائيل بشأن الرد على المطالبين بمراقبة أنشطتها النووية يجب ألاّ يفسر على أنه موافقة صامتة ولا حتى مشروطة، كما قال شموئيل عوروديش ذات يوم: حتى عندما يسود العالم السلام على شاكلة سلام النبي أشعياء ويسكن الذئب مع الغنم، على إسرائيل أن تكون الذئب لكن حتى وإن أقنعت إيباك أمريكا عبر المحافظين الجدد ان الإسلام هو العدو الحقيقي للغرب بعد انتهاء الحرب الباردة، ولئن كانت الأمور نسبية دائما يمكن للوبي العربي الطري العود وأيضاً على الرغم من السؤال المحير لئن كان اللوبي الإسرائيلي يقف خلف حكومات إسرائيل فاللوبي العربي خلف أية حكومة سيقف ربما يكون الجواب بالقفز والقول بالوقوف وراء الحقوق العربية، فقوة إيباك الأسطورية تمخضت في السابق عن أزمات ومناكفات مع الإدارة الأمريكية، مما يعني أنه ليس كل الأمريكيين صهاينة جددا وحاقدين على العرب والمسلمين، وأيضاً كانت تلك المناكفات مع حكومة إسرائيل نفسها، فالهزل التاريخي في حقيقة أن إيباك قد تحولت إلى دولة عظمى وإلى خرافة في السياسة الأمريكية بالتحديد فكما ساعدها هذا النمط من التفكير إلاّ أنه أحياناً كان شيئاً سلبياً بالتحديد إثر فشلها في إحباط قرار إدارة ريغان في عام 1982 في بيع طائرات أواكس للسعودية، اللوبي الإسرائيلي بخع في حشد غالبية (3:1) في مجلس النواب ضد الصفقة السعودية، إلا أن البيت الأبيض نجح بعد ذلك بثلاثة أسابيع في ممارسة ضغوط لا سابق لها لإنقاذ الصفقة في تصويت عاجل داخل مجلس الشيوخ، مع ذلك أدى وقوف اللوبي الدراماتيكي في وجه الإدارة إلى إخفاء مكانة اعتيادية مهمة عليه في داخل اللعبة السياسية في واشنطن لصالح الرئيس ليقف بعد ذلك بعشر سنوات الرئيس جورج بوش الأب في أيلول (سبتمبر) 1991 ويلقى أمام الأمة الامريكية خطابا تضمن ضربة موجعة لللوبي الصهيوني، وقال انه الوحيد، أي الرئيس، يواجه وحده قوى سياسية هائلة تمارس التهديد ضده، أي إيباك من خلال ألف مناصر ضاغط انقضوا على مجلسي النواب والشيوخ برعاية اللوبي الصهيوني لإجباره على المصادقة على الضمانات بقيمة عشرة مليارات دولار لإسرائيل، تصارع بوش في حينه مع شامير في قضية المستوطنات وطلب تأجيل طلب إسرائيل إلى مداولة أخرى حتى ينجز التخطيط لمؤتمر مدريد مع العرب. في إطار ذلك تذكر المشادة الكلامية الحادة بين رابين وبيلين من جهة وبين قادة إيباك من جهة أخرى، حيث اتهموهم بالنشاط المفرط في مواجهة الإدارة الأمريكية في عملية السلام.

هذا ما يتعلق بالاشتباك بين إيباك وحكومة إسرائيل: إلا أن العلاقة الأمريكية في عهد بوش الابن تخطّت كل الاعتبارات الواقعية حتى بين الحلفاء، ولم يعد الرئيس الأمريكي بحاجة لأية ضغوط تمارس عليه فلربما كان هو نفسه أحد أهم صقور إيباك نفسها وإلا ما معنى مكافأة إسرائيل أخيراً عقب فشلها في حرب تموز (يوليو) في تحقيق الأهداف الصهيوأمريكية وبعد أن ثبت عقم العصا الغليظة الإسرائيليّة التي يقضي العلم السياسي بالتخلص منها بعد ثبوت فشلها في تحقيق الأدوار المرسومة لها: فقد أعلن بوش عن اتفاق جديد للمساعدات العسكريّة لعشر سنوات قادمة. وفي بيان لبوش وأولمرت مشترك أكد التزام ضمان أمن وبقاء إسرائيل كدولة يهودية والمحافظة على تفوقها النوعي، وفيما توجه حينها المسؤول الأمريكي بيرنز إلى إسرائيل مع مندوبين من عدد من الوكالات الحكومية الأمريكية لابرام اتفاقات الدعم والمساعدات يتجول المسؤولون الأمريكيون الآخرون على العرب بالتهديد والوعيد والمزيد من الفرمانات والأوامر، الا أننا وبحق بعد واحد وستين عاماً من ممارسات الاحتلال بحق الشعوب العربية نستطيع التأكيد على أن اسرائيل لعنة والغرب الشيطان الأكبر وبعض الآخرين شيطان أخرس.

' اعلامي كاتب لبناني

=======================

ازمة المحادثات التركية الاسرائيلية

مازن حماد

الدستور

13-12-2010

 يؤكد مسؤولون اتراك واسرائيليون ان حكومتيهما تعملان من اجل التوصل الى اتفاق لوقف النزف في علاقاتهما لكن المحادثات عالقة بشأن بضع قضايا وخاصة ما اذا كان يتعين على اسرائيل ان تعتذر او تكتفي باعلان اسفها لمقتل تسعة مواطنين اتراك في اعتداء اسرائيلي مسلح على سفينة تركية كانت تقود اسطول الحرية في مايو الماضي خلال سعيه لكسر الحصار على غزة.

 

وكانت تركيا استدعت سفيرها من تل ابيب بعد الهجوم على السفينة ثم اتجهت نحو تعزيز علاقاتها مع ايران وسوريا لكن حريق غابات الكرمل قبل اسبوع دفع نتنياهو الى السعي لمساعدات دولية حيث سارعت تركيا الى ارسال طائرتين لاطفاء الحرائق وقد زار رئيس الحكومة الاسرائيلية الطيارين الاتراك وذكرهم بالمساعدات التي قدمتها اسرائيل الى بلادهم بعد زلزال عام ,1999

واذا كان الاسرائيليون قد ظنوا ان هذه الظروف مواتية لتحسين العلاقات فقد اخطأوا في ظنهم ذلك ان الاتصال الهاتفي الذي اجراه نتنياهو مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لم يسهم في تغيير موقف انقرة.

وكان اردوغان قد اعلن بضع مرات ان تركيا لن تعيد سفيرها الى اسرائيل الا اذا تلقت انقرة تعويضات مناسبة لعائلات ضحايا الهجوم وقدمت اسرائيل اعتذارها عن الهجوم اما الاسرائيليون فيقولون انهم مستعدون لدفع التعويضات لكنهم يرفضون الاعتذار وجاهزون للتعبير ان الاسف فقط زاعمين ان جنودها كانوا في حالة دفاع عن النفس كما يريد الاسرائيليون ان تؤدي اي صفقة مع انقرة الى شطب تحقيق الامم المتحدة حول الهجوم على اسطول الحرية ووقف اي اجراءات قانونية دولية ضد اسرائيل وجنودها.

وحتى الآن ما زالت الدولتان تتمسكان بموقفهما فاسرائيل ترفض الاعتذار وتركيا ترفض التعهد بالامتناع عن اتخاذ اجراءات قانونية ضد الجنود الذين اعتدوا على سفينتها في اعالي البحار كما ترفض اصرار اسرائيل ان الجنود كانوا يدافعون عن انفسهم.

المحادثات اذن لم تصل الى نهاية مقبولة لكنها لم تمت: بدليل ان تلك المحادثات ستسانف قريبا وخلال محدثات تليفونية بين الجانبين يوم الخميس الماضي اصبح واضحا ان اردوغان يرفض تماما المزاعم القائلة ان الجنود الاسرائيليين قتلوا الاتراك دفاعا عن النفس وقد سبق له ان قال ان مياه المتوسط كلها لن تكفي لغسل دماء القتلى الاتراك.

وذكرت الصحف التركية السبت ان ممثلين عن الجانبين التقيا في جنيف لبحث طلب اسرائيل التوصل الى اتفاق رسمي مع الحكومة التركية وعائلات الضحايا بهدف وقف ملاحقة الجنود الاسرائيليين الذين اعتدوا على السفينة.

وطبقا لانباء سابقة فقد عرضت اسرائيل تقديم مائة الف دولار لكل عائلة فقدت احد افرادها في الهجوم لكن وزير خارجية تركيا وصف الرقم بانه مجر تكهنات.

وفي الوقت نفسه ابلغ مسؤول تركي صحيفة "هآرتس" ان الخلاف يتركز على صياغة الاعتذار وليس على قضية التعويضات ويدور موقف اسرائيل حول اعتذار لا يشمل تحميل جنودها مسؤولية ارتكاب جرائم قتل على ظهر السفينة لكن اردوغان لم يوافق على هذه التسوية.

وقالت صحيفة "الزمان" التركية نقلا عن مصادر رسمية ان محادثات جنيف فشلت لان الجيش الاسرائيلي تبنى الموقف المتشدد الذي يروج له وزير الخارجية افيغدور ليبرمان كما اضافت الصحيفة ان وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك يرفض مبدأ الاعتذار رغم اهتمامه الشديد باستعادة العلاقة الاستراتيجية مع تركيا.

ويتردد في نيويورك ان لقاء سيتم هناك الاسبوع المقبل بين وزير الخارجية التركية ونائب الرئيس الامريكي للبحث في سبل استرداد تركيا واسرائيل علاقاتهما الطبيعية.

=======================

رائد صلاح إذ يؤكد بيعته للأقصى من بوابة السجن

ياسر الزعاترة

الدستور

13-12-2010

 مثلما ذهب إلى السجن قبل خمسة شهور وسط موكب رهيب ، ها هو يخرج منه امس بذات الطريقة ، ليكون على موعد مع استقبال جماهيري آخر في بلدته الرائعة (أم الفحم) التي كانت السباقة إلى بيعته ، قبل أن تبايعه كل فلسطين شيخا لأقصاها وبطلا مدافعا عن مقدساتها.

لم يتغير شيء ، هو ذات الشيخ بكلماته الطيبة الرائعة المدججة بالعزة والكبرياء. يخرج مثلما خرج من سجنه السابق ، أكثر إصرارا على الدفاع عن المقدسات والاستخفاف بالعدو.

من باب السجن أعلن أن برنامجه لم يتغير ، فهو لم ولن يأبه لتهديدات المحتل ، ولا للقضايا الأخرى التي تنتظره في المحاكم ، فقد بايع أمته على المضي في ذات الطريق حتى يلقى الله. وها هو بذات النبرة الواثقة يعلنها مدوية من جديد "بالروح بالدم نفديك يا أقصى".

جاء سجن الشيخ هذه المرة بعد أسابيع من نجاته من الموت الذي تربص به على متن سفينة مرمرة التركية ، حيث ثبت أنهم كانوا يريدون قتله لولا أن جاءت الرصاصات من نصيب تركي يشبهه من الرجال الذين كانوا على متن السفينة ، كما يأتي بعد وقت قصير من كشف أحد مجرمي اليمين الصهيوني عن طلب وجّه إليه من جهاز "الشاباك" بقتل الشيخ.

الشيخ رائد صلاح يحمل روحه على كفه منذ سنوات طويلة ، وهو يفعل ذلك بملء إرادته ، والسجن هو أقلّ ما يتوقعه ، وقد جرّبه سنوات من قبل ، ومعه ثلة من إخوانه من دون أن يفت في عضدهم ، أو يحرفهم عن المسار الذي اختطوه لأنفسهم. نعم ما يتوقعه الشيخ عمليا هو الشهادة في سبيل الله ، وفي سبيل القضية التي آمن بها وعمل لأجلها ، وإذا كان مشروعا القتل المشار إليهما قد فشلا ، فإن القوم سيواصلون التربص به من دون شك.

الشيخ رائد نموذج فريد للإنسان المخلص المؤمن بعدالة قضيته ، ولذلك لم يكن غريبا أن يثير ذلك إعجاب تلك الشابة اليهودية المغربية ، وصولا إلى إعلان إسلامها بعد نجاته من معركة السفينة التركية.

على خلفية مواقفه البطولية وبساطته ورجولته ، تنحاز جماهير الأمة إلى الشيخ ، ومعه إلى قضية المسجد الأقصى التي يعمل من أجلها ليل نهار ، بينما يشعر الصهاينة بالغيظ والقهر من هذا الرجل الذي يعطل مخططاتهم الشيطانية للسيطرة على الحرم ومن ثم بناء الهيكل مكانه.

الأكيد أن حقد الصهاينة على الشيخ إنما ينبع بشكل أساسي من حراسته للمقدسات وفي مقدمتها الأقصى ، ووقوفه في وجه مخططات تهويده وهدمه وبناء الهيكل على أنقاضه ، الأمر الذي يحظى بإجماع في الأوساط الصهيونية التي تردد في السر والعلن مقولة بن غوريون "لا معنى لإسرائيل بدون القدس ، ولا معنى للقدس بدون الهيكل".

لكن ذلك ليس كل شيء في واقع الحال ، فالشيخ لم يحرس الأقصى فقط ، بل حرس الذاكرة الجمعية لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48 ، ومن يعرف ما كان عليه الحال في السبعينات ، مقارنة بما عليه اليوم ، يدرك أي جهد رائع بذله في مواجهة سياسة "الأسرلة" التي اتبعتها سلطات الاحتلال وكانت على وشك النجاح لولا ظهور الحركة الإسلامية وتجذر فكرها وحضورها تحت قيادته الربانية.

لقد ثبّت الشيخ وحركته إلى جانب قوىً أخرى الهوية الفلسطينية والعربية والإسلامية لمواطني الأراضي المحتلة عام 48 ، كما أعادهم إلى قضيتهم بعدما ضيعتهم سياسات منظمة التحرير إثر اعترافها بالقرارات الدولية.

وبرفضه دخول الكنيست كان الشيخ يوجه صفعة أخرى للاحتلال ، لأن الدلالة لا تخفى عليهم ، فهنا ثمة دولة احتلال لا يعترف بها الشيخ وأنصاره ، ولا يمكن أن يعترفوا بها ، وقد ثبت عمليا أن المفاسد التي ترتبت على دخول العرب للكنيست كانت أكبر من المصالح المحدودة التي تحققت.

إلى جانب ذلك كله كان الشيخ يقف بكل إباء إلى جانب إخوانه في حركة حماس وتيار المقاومة برمته ، يمدهم بما تيسر من أسباب الدعم ، الأمر الذي كان سببا من أسباب استهدافه وحركته أيضا.

داخل السجن كان أم خارجه ، سيظل الشيخ رائد صلاح شوكة في حلوق الغزاة ، وستظل صرخاته "الأقصى في خطر ، القدس في خطر" ، "إنا باقون ، ما بقي الزعتر والزيتون" ، ستظل ترهق أسماعهم وتقض مضاجعهم ، لا سيما أنها تجد صداها في قلوب وعقول ، ومن ثم وسواعد مئات الآلاف من الرجال الذين لن يخذلوا شيخهم ، ولن يخذلوا الراية التي رفعها مهما كانت الظروف.

=======================

أوباما واسترضاء إسرائيل

افتتاحية «جابان تايمز» اليابانية

الرأي الاردنية

13-12-2010

ربما تثبت سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما في الشرق الأوسط، أنها الأكثر ضرراً حتى الآن، متجاوزة السياسات اليمينية التي كان يتبعها سلفه جورج بوش.

حتى من حذروا من التفاؤل الصريح الذي رافق وصول أوباما إلى البيت الأبيض، لا بد أنهم يفاجأون الآن بمدى المستوى المتدني الذي وصل إليه الرئيس الأميركي في سعيه لإرضاء إسرائيل، وذلك في إطار المنطق الخطير المتعلق بالحاجة إلى الحفاظ على دفع عملية السلام قدماً.

كتب «آرون ديفيد ميلر» الدبلوماسي السابق الاختصاصي في مسألة البحث عن السلام في الشرق الأوسط، في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية يقول: «أي تقدم في عالم المفاوضات المؤلمة على نحو فظيع بين العرب واسرائيل، هو أمر مهم».

وادعى كذلك أن: «إدارة أوباما تستحق أن ينسب إليها الكثير من الفضل في إبقاء الإسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية الرئيسية على مائدة المفاوضات، خلال أوقات بالغة الصعوبة. وأصرّ الرئيس الأميركي على التمسك بهذه القضية، ولم يتخلّ عنها، وهو شرط جوهري لتحقيق النجاح». ولكن في مقابل أي ثمن؟ ألا تتفقون على أن نجاح طرف واحد، يمكن أن يعني أيضاً فشلا مطلقاً وبائساً للطرف الآخر؟

تقول التقارير إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمضت ثماني ساعات في اجتماع مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، فقط من أجل إقناعه بقبول إحدى أكثر الرشاوى سخاء التي قدمتها الولايات المتحدة لأي قوة أجنبية!

يتضمن الاتفاق بيع طائرات حربية أميركية بقيمة ثلاثة مليارات دولار (بالإضافة إلى مليارات الدولارات في شكل معونة سنوية)، وتوفير غطاء ضد أي قرار من مجلس الأمن يدين إسرائيل، وإزالة القدس الشرقية من أية معادلة لتجميد الاستيطان (وبالتالي التغاضي عن الاحتلال غير المشروع للمدينة، وما صاحبه من عملية تطهير عرقي للسكان).

والأكثر خطورة من كل ذلك، هو «تعهد خطي أميركي بأن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يطلب فيها الرئيس أوباما من الاسرائيليين وقف بناء المستوطنات عبر القنوات الرسمية».

مهم.. إنجاز.. نجاح.. هل هذه هي الكلمات الصحيحة لوصف أحدث فضيحة مروعة؟

حتى مصطلح «الرشوة» الذي يستخدم كثيراً لوصف السخاء الأميركي، ليس كافياً تماماً في هذا السياق. لقد حددت الرشاوى العلاقة بين البيت الأبيض دائم السخاء، والكونغرس الخائن لكسب حظوة لدى إسرائيل التي لا تكف عن المطالبة، واللوبي الاسرائيلي العدواني متنامي النفوذ في واشنطن.

ليس مفهوم الرشوة هو الذي يجب أن يصدمنا، إنما حجم الرشوة، وحقيقة أنها يتم تقديمها من قبل رجل نصّب نفسه كصانع للسلام (والذي أصبح معتمداً بهذه الصفة، بفضل لجنة جائزة نوبل للسلام!).

ولكن بعيداً عن الغطرسة الاسرائيلية في الاستجابة للأمر، ومحاولات الولايات المتحدة إعلامياً لإيجاد جانب إيجابي في فضيحة أوباما الأخيرة، فإن هناك أسئلة مطروحة، وهي: ماذا يحدث الآن وقد أوضح أوباما أخيراً أنه لا يختلف عن سابقيه من رؤساء الولايات المتحدة؟ هل فقدت الولايات المتحدة سيطرتها على سياستها الخارجية في الشرق الأوسط؟ هل، بكل صراحة، أثبت نتنياهو أنه أكثر مرونة وصموداً وبراعة من الرئيس الأميركي؟

هل سنواصل طرح الحجة نفسها، مرارا وتكرارا، أم أنه حان الوقت أخيراً للفلسطينيين للتفكير خارج المظلة الأميركية؟ هل يستطيع العرب المغامرة أخيراً بالسعي إلى البحث عن شركاء وحلفاء آخرين يتفهمون العلاقة بين السلام والاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي؟

=======================

تحديات «ويكيليكس».. وكي نبارح وضعنا المشين!

ميشيل كيلو

السفير

13-12-2010

لا أعرف النتائج التي ستترتب على نشر وثائق موقع ويكيليكس الفاضحة، التي تغطي لأول مرة في التاريخ العالم كله: دولاً وقادة وساسة ومؤسسات وهيئات عالمية ومحلية ومثقفين واقتصاديين وفنانين ورجال دين وأفراداً عاديين.

لا أعرف أيضاً من يقف وراء الوثائق، وإن كان معظم من أعرفهم وأحترم رأيهم يعتقدون أن الإدارة الأميركية ليست، ولا يمكن أن تكون بعيدة عنها، لسببين:

- أن معظمها كان معروفاً ومتاحاً لبضعة ملايين من البشر دون أن يكون معلناً، فجاء الموقع وكشف الستر وجعل مضمون الوثائق معروفاً لعدد غير محدود من الناس بل ومعروفاً للإنسانية كلها، في أربعة أقطار الأرض.

- من غير المعقول أن تكون دولة لديها إمكانات أميركا المعلوماتية عاجزة عن حماية ما تريد حمايته. ومن المحال أن يكون لدى أي ضابط، مهما علت رتبته، إمكانية الوصول بمفرده إلى هذا الكم الهائل من الوثائق دون أن يكشف أمره، فكيف إذا كان من سرّبها جندياً عادياً! وهل يعقل أن يوضع في عهدة جندي عادي هذا الكم مما صار يسمى «أسراراً خطيرة «؟

لا أعرف، أخيرا، الهدف من نشر الوثائق، وهل هو هدف واحد أم مجموعة أهداف متشعبة من الصعب معرفتها اليوم، وإن كان ممكناً رغم كل شيء تلمس بعض جوانبها القريبة، المباشرة، التي تحمل طابعا محيراً بدورها لكثرة ما فيها من تناقضات وتشابكات وتقاطعات، فضلاً عن أن قادة عالميين كباراً اعتبروا الوثائق إما تعبيراً عن «خبث الديبلوماسية الأميركية» (رئيس روسيا ميدفيديف) أو قرروا إهمالها ومقاضاة سفراء أميركا في بلدهم، الذين ذكر الموقع أسماءهم (تركيا)، أو وصفوها بالكذب وتنصلوا منها (معظم البلدان في جميع القارات وخاصة منها بلداننا العربية)، بينما أصدر عدد كبير من القادة والساسة ورجال الرأي توضيحات وتكذيبات رسمية وغاضبة تردّ على ما نُسب إليهم في الوثائق، التي أعلن ناشرها، كي يزيدنا حيرة على حيرة، أنه تلقى تهديداً بالقتل، بينما أصدر البوليس الدولي أمراً دولياً بإلقاء القبض عليه نفذته الشرطة البريطانية ظهر اليوم (7/12). أخيراً، قالت وزيرة خارجية أميركا كلاماً حانقاً حول نشر الوثائق وأعلن أنها ستقوم بجولة عالمية كي تخفف من وقع الفضائح التي تضمنتها، ومن انعكاسها على مكانة وعلاقات واشنطن الدولية، التي تعرّضت لأذى شديد، حسب ناطقين مختلفين باسم البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية، في حين أعلن الكونغرس أن النشر هو أكبر عملية تجسس في تاريخ أميركا الحديث، وطالب بمعاقبة من مارسه، وأشيع بصمت أن تحقيقاً واسعاً يتم في صفوف الجيش الأميركي، وإجراءات جديدة ستتخذ بشأن عمل وزارات أميركا، وخاصة الخارجية والدفاع، لمنع تكرار الحادث.

بالمقابل، أعرف كغيري أن الوثائق أثارت بلبلة دولية لن يكون من السهل التخلص منها أو امتصاص نتائجها، وأن فيها الكثير جداً مما هو صحيح، إلى جانب كم غير قليل من أنصاف الحقائق والأكاذيب، وأن الصحيح وغير الصحيح يرسمان صورة لعلاقات دولية مسمومة، تتسم بقدر هائل من الهشاشة والنفاق واللؤم والتوتر والخداع والكذب والعنف والنهب، تدار من قبل أشخاص نسمّيهم مسؤولين وقادة ليس لديهم أي حس بالمسؤولية وأي مؤهل من مؤهلات القيادة، عدا الخسة والكذب والغدر، ويكشفان كم هي برانية «صداقة» أميركا مع حلفائها، ومفعمة بالحقد والكره والتآمر علاقاتها مع خصومها وأعدائها، وكم يكن الأميركيون من الاستخفاف والازدراء حيال البلدان الأخرى وقادتها، الذين يطلقون عليهم جميعهم ألقاباً تحقيرية لا علاقة لها بأسمائهم، مع أن بعضهم «صديق صدوق»، أو مداهن متملق.

أخيراً أعرف أن نشر الوثائق سيسمّم العلاقات الدولية، أكثر مما هي مسمّمة أصلاً، إلى فترة غير قصيرة، لذلك أود قصر الحديث عنها على أمرين: انعكاسها على القيادة الأميركية من جهة وعلى عالمنا العربي من جهة أخرى.

- أعتقد أن لنشر الوثائق علاقة بالوضع الداخلي الأميركي، وأنها يمكن أن تقرأ من زوايا كثيرة متناقضة، ألمح الإعلام إلى بعضها، كالقول إن نشرها يعني نهاية السيدة كلينتون كوزيرة خارجية لواشنطن، وبأن الرئيس نفسه عبر لدائرة ضيقة من معاونيه عن رغبتها في إنهاء خدماتها. في هذه الحالة، يحتمل أن تكون جهة ما في الإدارة وراء النشر، خاصة أن مضمون الوثائق يبدو كرد على نجاح الجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية، وكتذكير بما فعلوه خلال حقبتهم الرئاسية، التي يبين ويكيليكس ما غشيها من تهافت في إدارة مصالح أميركا وعلاقاتها الدولية، وكم كانت مشحونة بالتوتر والتسرع والارتجال والجهل.

بالمقابل، يمكن قراءة الوثائق كضربة للرئيس أوباما، الذي قدم وعوداً كثيرة بالتغيير، فجاءت الوثائق تبين أنه لم يغير شيئاً، بل واصل نهج أسلافه الذي أضعف أميركا، فلا بد من شد مفاصلها من جديد عبر نشر قصص وحكايات فشلها، لإخراجها من علاقات وعقليات مليئة بالالتباس والبلبلة، وأخذها إلى حال تستعيد فيه المبادرة، بعد أن كادت تفقدها بسبب العراق وأفغانستان وأزمتها الاقتصادية المتمادية، وسياساتها الرخوة تجاه روسيا والصين وباكستان. هنا، في هذه الحالة، يكون نشر الوثائق من فعل فاعل ينتسب إلى اليمين الجديد وربما الأكثر جدة، الذي بدأ يتبلور مع «حزب الشاي»، وشرع ينمو داخل الحزب الجمهوري وأوساط مذهبية / عنصرية / صهيونية تريد شن موجة جديدة من العنف ضد خصوم أميركا في العالم، كإيران وكوريا الشمالية، وتصفية بعض القوى المحلية كحزب الله وطالبان والقاعدة.

- أما علاقة الوثائق بعالمنا العربي، فهي أكثر ما يعنيني، ليس فقط بسبب عددها الكبير المتعلق بنا كعرب، وإنما كذلك بسبب نوع المعلومات التي تنقلها لنا، والموجهة على وجه التقريب نحو إظهار كم هي عميقة خلافاتنا وشديدة تناقضاتنا وكم تختزن نفوسنا من حقد واستعداد للتآمر بعضنا ضد بعض، وكم هي هشة وبرانية الروابط الرسمية القائمة بين قادتنا وبلداننا، وبين هؤلاء وشعوبهم، بينما هي بالمقابل عميقة وقوية علاقاتنا السرية مع إسرائيل، وما هي أفضليات الواقع السياسي العربي الحقيقية، المتناقضة أشد التناقض مع التصريحات والوعود الإصلاحية والتحسينية التي نسمعها من هنا وهناك وهنالك، كما مع إرادة الشعوب وغالبية المواطنين.

تبدو الوثائق وكأنها تريد توسيع خلافات وتناقضات العرب، وتقوية مشكلاتهم مع جيرانهم، وتبيان قوة ووثوق علاقاتهم «الطبيعية « مع «عدوهم المزعوم» إسرائيل وأعدائهم الكبار في الغرب. في هذه النقاط بالذات بيت القصيد ومكمن الضرر، فالعالم عامة، وأميركا خاصة، يراهنان على خلافاتنا، التي تبقي عالمنا العربي عموماً، وكل بلد من بلداننا خصوصاً، مشلولاً وعاجزاً، وتفتح أبوابه أمام اللاعبين الدوليين والإقليميين، وتضع قدراته وثرواته وجزءا كبيرا من طاقاته تحت تصرف أجانب يستخدمون إمكاناته لمزيد من إضعافه وكشفه واختراقه. فلا بد من وعي هذه النقطة والرد على ما نشره الموقع ببذل جهود صادقة، علنية وملزمة، تنقي حياتنا الوطنية والقومية من عوامل الشقاق والعداء، فلا يكون بوسع سفير أجنبي تقويلنا ما لم نقله، ولا نقول شيئا لا نعنيه ولا يعبر عن مصالحنا، ولا ندخل في علاقات كواليس مع أي كان، بل نقيم سياساتنا على مصالح معلنة وجيدة التعريف، تحققها أدوات ووسائل تتفق معها في النزاهة والجدوى، يستخدمها مواطنون شركاء في صنع مصيرهم وواقعهم، تلبي أهدافاً تخدمنا من دون أن تلحق الضرر بغيرنا، إن كان صديقا حقيقيا أو محتملا، وتقوينا ضد أي اختراق من أية جهة معادية. بمثل هذا الوضع، لن يكون لدى ناشري أسرار الدول ما يسيء إلينا، ولن نُضطر للاعتذار أو للإنكار أو لفلفة الأمور، في حال نشر ما لديهم، كما فعلت معظم دولنا بعد نشر الوثائق وستفعل من جديد بعد نشر ما هو متوفر بعد منها.

أعتقد أن بعض ما في علاقات العرب من أزمات وتوتر وعداء يجعل نشر الوثائق يبدو وكأنه موجّه ضدهم، أو يستهدف فضحهم، خاصة أن في تجربتهم مع الغرب عموماً، وأميركا خصوصاً، ما يؤكد صحة استنتاج كهذا، وأن أهميتهم وحيوية منطقتهم الجغرافية الهائلة والحاكمة، وقدرتهم على ممارسة نفوذ جدي على مليار مسلم ونيف، والحاجة ما لديهم من أموال وثروات وطاقات بشرية هائلة وقوة كامنة، ما يجعلهم هدفاً لخصومهم في كل مكان، ويشجع هؤلاء على ضبطهم وتقييد تطورهم من خلال توريطهم في مشكلات لا نهاية لها فيما بينهم، على أن تحل، إن حلت، على حسابهم جميعاً، بوسيلة مجربة هي تمزيقهم وتعميق خلافاتهم ووضعهم في مواجهة بعضهم البعض. كي لا يكون هذا الحديث مجرد اتهام للآخرين ورد مآسينا إليه، لا بد من التذكير بأن حكامنا لم يقصروا إطلاقاً، وأن علاقاتهم عدائية ومتضاربة منذ زمن بعيد، وأنها السبب الرئيس لما نزل بنا من ضرر وحاق بوجودنا من خطر، فلا بد من تدابير وردود بعيدة المدى تصلح أحوالنا من جذورها، وإلا سقطنا للمرة الألف ضحية رؤية خاطئة، منتشرة أوسع انتشار، تحمل الآخرين المسؤولية عن كل كبيرة وصغيرة في مآزقنا، ترى طريقة واحدة للتصدي لنشر هذه الوثائق اليوم، وغيرها غدا، هي تقييد حرية النشر والتعبير والشفافية وملاحقة الداعين إليها وجزهم في السجون، كي لا ينشروا غسيلنا الوسخ، والأصح أن تكون علاقاتنا مع بعضنا والعالم، خالية أصلا من مثل هذا الغسيل، فلا ننشره نحن ولا يستطيع غيرنا نشره، لأنه غير موجود أساسا. وللعلم، فإن تقييد الحرية والشفافية لم يكن يوما ردا يحفظ الكرامة ويصون العلاقات الطيبة مع الذات والآخر، والدليل واقع عالمنا العربي خلال نصف القرن الماضي .

هل نفيد من نشر الوثائق كي نبارح وضعنا المشين الراهن، الذي يزداد تدهوراً وفضائحية؟ إذا فعلنا هذا نكون قد أفدنا من خطوة، هي أعظم تعبير عن الشفافية في تاريخ العالم، تؤكد أن يد الحكومات تزداد ضعفاً باضطراد تجاه مجتمعاتها، وأنها هشة وتحتاج إلى إصلاح كوني وشامل، وأن الحكومات لم تعد بالضرورة الفاعل الوحيد في مسائل الشأن العام، بينما يظهر نمط مختلف من البشر، يستطيعون متى أرادوا وضع أنفسهم في مواجهة أية حكومة، بفضل ثورة المعلومات والمجال الكوني/ المجتمعي المفتوح سياسياً وثقافياً. وإذا لم نفعل، وواصلنا إنتاج الغسيل الوسخ ومنع مواطنينا من التحدث عنه أو التخلص منه، فإننا نكون كذلك الحمار الذي لطالما وقع المرة تلو الأخرى في الحفر، لكنه لم ينجح ولو مرة واحدة في تفادي أي منها!

=======================

هل بلغت "المحكمة" مرحلة الحسم لبنانياً؟

سركيس نعوم

النهار

13-12-2010

بدا واضحاً من تصريحات قادة "حزب الله" ونوابه وكوادره وخصوصاً يوم السبت الماضي انهم باتوا شبه مقتنعين بأن لا إمكان لتسوية مع فريق 14 آذار وقائده زعيم "تيار المستقبل" ورئيس الحكومة سعد الحريري. واوضح المواقف على هذا الصعيد كان الذي ورد على لسان رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النيابية محمد رعد والذي تضمن تحذيراً علنياً نهائياً من المماطلة وتحديد نوع من المهلة القصيرة جداً ل14 والغالبية الحكومية المنتمية اليه لانجاز التسوية التي ترضي فريقه وتبدد هواجسه وتحفظ مكتسباته، والذي انطوى في الوقت نفسه على تهديد مبطن اعتبره الكثيرون ظاهراً بأن ما بعد استحالة التسوية المقبولة من الحزب لموضوع "المحكمة الخاصة بلبنان" لن يكون مثل ما قبلها. والحملة المذكورة تضع مجلس الوزراء الذي يعمل رئيسا الجمهورية والحكومة لانعقاده في جلسة رسمية يوم الاربعاء المقبل امام الامتحان الاخير ربما، لأن موعده يصادف انتهاء المهلة التي حددها النائب رعد. وهذا يعني ان استمرار اخفاقه في ايجاد التسوية التي يريدها الحزب وحلفاؤه المحليون وحليفاه الاقليميان سيعيد حال الشلل التي تسبب بها، أو ربما تعمّد احداثها، الى الحكومة. هل ينجح مجلس الوزراء بعد يومين في انجاز تسوية تبعد شبح تطورات سلبية سياسية واسعة وتطورات ميدانية محدودة ولكن بالغة التأثير، وتعيد شيئاً من الاستقرار أو الانتظام الى الحياة السياسية في البلاد، رغم اقتناع الغالبية فيه وهي من صلب 14 آذار بأنها ستكون نوعاً من الاستسلام الى "حزب الله" ومن خلاله الى سوريا وربما لاحقاً الى ايران؟ كما انها ستكون أول غيث الخطوات اللاحقة التي ستُطلب او ستُفرض بالطريقة نفسها أو بوسائل أخرى متنوعة، وكلها معتمدة في صورة اساسية على امرين، أولهما اختلال ميزان القوى بين الفريقين لمصلحة 8 آذار وعلى استشراس سوريا وايران في الدفاع عنه وفي دعمه. وثانيهما عجز اميركا وعرب الاعتدال وفي مقدمهم السعودية عن تقديم الدعم الذي يمكِّن 14 آذار من الصمود وربما الربح لاحقاً رغم صدق رغبتهم في المساعدة؟

لا يمكن استباق الأمور. لكن تحليل المعلومات والمعطيات والتصريحات التي حفلت بها وسائل الاعلام اللبنانية في اليومين الماضيين، والتي تناولت تذليل الصعوبات التي تشمل عمل للحكومة ومجلس الوزراء، يوحي ان فريق 14 آذار بزعامة الرئيس سعد الحريري لا يزال غير مقتنع بالتسوية التي يريدها الحزب وحلفاؤه المتنوعون، وان التسوية "العادلة" في رأيه لم يتم التوصل اليها بعد. فهو قَبِل على مضض وبعد مشاورات ومناقشات مستفيضة مطلب "حزب الله" أن يكون ملف "شهود الزور" أول على جدول أعمال جلسة الاربعاء المقبل. لكنه رفض التزام اعتماد التصويت لحسمه في حال تعذّر التوافق داخل الجلسة. وهذا الأمر يرجع إلى معرفته (أي الحريري) بأنه سيخسر وفريقه التصويت لانتقال الغالبية الحكومية من 14 آذار الى 8. ويرجع إلى رفضه التزام أمر وعدم تنفيذه اي التصويت، الأمر الذي يعني فرط الجلسة بالانسحاب منها. ولهذا السبب تأخر الاعلان رسمياً عن دعوة الرئيس الحريري حكومته (وحكومة غيره) الى عقد الجلسة التي قيل انها ستعقد يوم الاربعاء المقبل.

هل يدفع التراجع عن الدعوة الى مجلس وزراء بعد يومين أو فرطه "الحزب" الى التصعيد السياسي الواسع والتصعيد الميداني المحدود ولكن المؤثر جداً المشار اليهما اعلاه؟

المعطيات والمعلومات المتوافرة، ومعظمها منشور في وسائل الاعلام على تنوعها، تدعو الى انتظار الخطاب الذي يتوقع ان يلقيه الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله الخميس المقبل آخر أيام عاشوراء. ذلك انه قد يعطي من خلاله الاشارة لتنفيذ الخطوات "التصعيدية" المشار اليها. وهذا الأمر يرجحه بعض العاملين مع "المقاومة" و8 آذار ومع حليفها الاقليمي لأن "السيد" لم يعد في وسعه الانتظار، وخصوصاً بعدما تكوَّن لديه اقتناع بأن المطلوب من "حكومة 14"، وهو تخلي لبنان رسمياً عن "المحكمة الدولية" عبر البدء بحسم ملف "الشهود الزور"، لا يزال غير مقبول منها ومن حلفائها في الخارج. كما تكوّن لديه اقتناع بأن هدفها كسب الوقت في انتظار صدور القرار الاتهامي الدولي، او ربما توريط الحزب وحلفائه في فتنة داخلية لن ينجو هو من شظاياها. لا بل انه قد يكون الأكثر تضرراً منها وفيها ولا سيما من حيث المسؤولية عن اندلاعها لا من حيث احتمال الخسارة فيها عسكرياً.

اين الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بشار الاسد من ذلك كله؟

لا تريد هاتان الدولتان الحليفتان تدهوراً سياسياً وامنياً ومذهبياً في لبنان. لكنهما مع تسوية "للمحكمة" الدولية تماشي موقفهما السلبي منها كما موقف "حزب الله". وهذا ما حاول الرئيس السوري ايصاله على طريقته الى رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي في باريس قبل أيام وذلك بالاشارة الى انه لن يضغط على حلفائه اللبنانيين من أجل تسوية تؤذيهم. وهذا ما حاول ايضاً أحد أرفع المسؤولين في ايران ابلاغه صراحة الى الرئيس سعد الحريري أثناء زيارته الأخيرة لها. وقد تضمن الابلاغ اذا جاز وصفه على هذا النحو: 1- لا بد من الغاء "المحكمة الدولية". 2- يجب السعي لمعرفة اذا كان القرار الاتهامي الدولي يحاول توريط ايران من طريق اتهام مواطنين ايرانيين بالاشتراك في قتل الحريري. كما يجب العمل لاقناع "المدعي العام" بالامتناع عن هذا الأمر في حال وروده عنوة. 3- عدم قبول ايران بأن تُمَس المقاومة (الاسلامية) في لبنان بأي شكل من الأشكال.

=======================

الأنظمة الصاروخية الدفاعية.. لن تحمينا!!

هآرتس

ترجمة

الاثنين 13-12-2010م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

حذر الماجور جنرال عاموس يادلين الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الاجتماع الذي عقدته لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست مؤخرا من مغبة التوقعات لما سيحدث في حروب إسرائيل المستقبلية

ومقارنتها بما جرى من ويلات في كل من عملية الرصاص المصبوب أو حرب لبنان الثانية، مؤكدا أن أي حرب مقبلة ستكون أكثر شراسة وأكبر مساحة وستفضي إلى الكثير من القتلى والجرحى. وهو في هذا السياق، ذكر أنه لا يستطيع تقدير مدى سوء الأوضاع التي قد تصل إليها الأمور، إذ لا يمكن أخذ الماضي معياراً لما يمكن حصوله في المستقبل، حيث يلاحظ أنه في الحرب الثانية على لبنان قد أطلق على المواقع الإسرائيلية أربعة آلاف صاروخ، أما في حرب غزة فقد أطلق الفلسطينيون ستمئة صاروخ على أهداف في الداخل الإسرائيلي إبان عملية الرصاص المصبوب.‏

ما إن مضى بضعة أيام على هذا القول حتى انبرى عوزي روبن الذي ينظر إليه باعتباره أحد مصادر الأخبار والمعلومات الإسرائيلية الموثوقة ليقول إنه يوجد حاليا 1500 صاروخ وقذيفة مختلفة الأنواع في لبنان وسورية وإيران وقطاع غزة جميعها موجهة إلى مدينة تل أبيب، كما وتوجد الآلاف من الصواريخ والقذائف الأخرى الموجهة إلى مواقع كثيرة في الداخل الإسرائيلي.‏

لا ريب بأن كلاً من يادلين وروبن كان صريحاً وواضحاً في وصفه للتهديدات المحتملة التي تواجهها إسرائيل في الوقت الحاضر عندما قالا إنه يوجد لدى حزب الله أكثر من 50.000 صاروخ متنوع وبقدرات مختلفة، يملك البعض منها قدرات بعيدة المدى ما يوفر لها الوصول إلى العمق الإسرائيلي في النقب. أما حماس فتملك الآلاف من الصواريخ التي يصل مدى البعض منها إلى العشرات من الكيلومترات. أما بالنسبة إلى سورية فلديها الآلاف من الصواريخ البالستية وعشرات الآلاف من القذائف المتنوعة. وهذا يعني أن كل نقطة على الأرض الإسرائيلية تقع في متناول ومدى الصواريخ والقذائف الممتلكة من الجهات المعادية.‏

يبدو أن كلاً من الرجلين قد تجنب في حديثه ذكر الأمور على حقيقتها كي يبعد عنا الشعور بالقلق، لكنهما مع ذلك ألمحا عنها فيما أدليا به من أقوال ألا وهي أن إسرائيل تنفق بلايين الدولارات بهدف تطوير أنظمة دفاعية لن تكون لها الفعالية المرجوة في أي حرب قد تواجه البلاد، وهي بذلك تصوغ إستراتيجية خاطئة في مواجهة التهديدات التي تحدثها القذائف البالستية والصاروخية. لكن إدارة المؤسسة العسكرية ما انفكت تصر وتصمم وتبذل المزيد من الجهد في دراسة مشاريع دفاعية لا تحقق لها ما تبتغيه فضلاً عن التكاليف الباهظة التي تتحملها خزينة الدولة. ويظهر ذلك جلياً في الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ البالستية (السهم) وصواريخ (قبة حديدية، وعصا سحرية) فهم يقدمون على إعداد تلك الوسائل الدفاعية دون إجراء حوار مهني حول مدى فعالية الأنظمة التي يبدو واضحاً بأنها لن تحقق ما يهدف إليه كل من روبن ويادلين.‏

إننا على قناعة تامة بأن اعتمادات الميزانية ستكون عائقاً دون اقتناء عشرات الآلاف من القذائف الدفاعية، وعلى الرغم من أن الجميع على علم بهذا الأمر نجد المسؤولين في قوات الدفاع يتحدثون عن ضرورة توفير المئات من تلك الصواريخ، مؤكدين ثبوت فعاليتها (على الرغم من عدم وجود حقائق مؤكدة بهذا الشأن) هذا وإن صحت تلك المقولة فإنه بإمكان الأنظمة أن تزود الدفاع بقدرات لصد نسبة ضئيلة من الصواريخ والقذائف التي من المحتمل أن تتعرض لها البلاد في أي حرب مقبلة في المنطقة. وهنا نشير إلى أن تكلفة القذيفة الواحدة من نوع سهم تبلغ حوالي 3 ملايين دولار، وتكلفة قذيفة القبة الحديدة 100.000 دولار، أما قذيفة العصا السحرية فتبلغ تكاليفها حوالي مليون دولار. الأمر الذي يحول دون تمكن القوات الإسرائيلية من اقتناء واسع النطاق لمثل تلك القذائف عالية التكاليف.‏

يقول أولئك الذين يؤيدون ويدافعون عن التطوير المستمر، ويؤكدون ضرورة اقتناء تلك الأنظمة الدفاعية إنه بإمكانها منع وصول أعداد تتراوح بين 200 إلى 300 صاروخ وقذيفة قد تطلق على مواقع إسرائيلية الأمر الذي يؤكد أن تلك الأنظمة لا داعي لها لأن تطويرها يتطلب طاقات ومبالغ طائلة دون أن يحقق الجدوى المرغوبة. كما أنه حتى روبن ويادلين اللذان يقولان بضرورة تطوير وشراء تلك الأنظمة يتوقعان بأن آلافاً من القذائف والصواريخ ستطلق على إسرائيل في الحرب القادمة، الأمر الذي لا تجدي معه الصواريخ الدفاعية نفعاً.‏

إزاء هذا الواقع، فإن الحرب لو حصلت فلا ريب بأن ترسانة القذائف الدفاعية التي تقتنيها إسرائيل ستنفد بعد يوم واحد من القتال، وستعود مواقعنا الداخلية إلى سابق عهدها، وعلى الرغم من ذلك، فإن مؤيدي تأمين تلك الأنظمة يعتقدون بأن إسقاط ال200 صاروخ الأولى التي ستطلق على إسرائيل سيجعل العدو يحجم عن استخدام الصواريخ والقذائف الكثيرة المتوفرة لديه.‏

إن النتيجة التي نخلص إليها هي أن الاستعداد لمجابهة الصواريخ والقذائف عن طريق تلك الأنظمة الدفاعية أمر عديم الجدوى وغير مؤثر على الإطلاق، وأن الاستراتيجية المتبعة غير كافية لحل مشكلة المجابهة للأسلحة المتطورة ذات المدى البعيد وعلى الدولة اعتماد خطة أخرى لا تبدد بها أموالاً طائلة لتوفير أنظمة لا تؤمن حماية فعلية للبلاد برمتها.‏

=======================

تسريبات ويكيليكس وتغيير السياسة الأميركية

بقلم :أريانا هافنغتون

البيان

13-12-2010

لنبدأ بما ليست عليه مراسلات سفارة الولايات المتحدة التي نشرها موقع ويكيليكس أخيراً. فهي ليست، كما ادعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، «اعتداء على مصالح السياسة الخارجية الأميركية» التي عرضت «أشخاصاً أبرياء» للخطر.

 

وهي ليست، كما وصفها «روبرت غيبس»، «عمل طائش وخطير» يعرض «قضية حقوق الإنسان» للخطر. وهي لا ترقى إلى ما وصفه وزير الخارجية الإيطالي، في واحدة من أكثر اللحظات مدعاة للأسف في تاريخ المغالاة (أو الهستيريا؟)، اعتبرت «بمثابة أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للدبلوماسية العالمية».

 

كما أنها ليست «سرية للغاية»، حيث أن هناك ما بين مليونين وثلاثة ملايين موظف حكومي مخول لهم الاطلاع على هذا المستوى من «الوثائق السرية»، ونحو 500 ألف شخص لهم حق الدخول على شبكة بروتوكول الإنترنت السرية (سيبرنت)، حيث تم تخزين هذه المراسلات. ربما سوف ينبغي عليهم التفكير في تغيير الاسم إلى شبكة بروتوكول الإنترنت غير السرية (ناتسيبرنت).

 

وما هو أكثر من ذلك، أن هذه التسريبات ليست كاشفة بشكل خاص. وكما قال «ريتشارد هاس» رئيس مجلس العلاقات الخارجية: «الكثير مما رأيناه حتى الآن يؤكد أكثر من كونه يأتي بجديد».

 

ولكن هنا ما يجعل هذه المراسلات المسربة غاية في الأهمية، فهي توفر فرصة أخرى لجذب الانتباه إلى الحرب في أفغانستان، وهي التي، رغم حقيقة أنها تكلف أميركا 8 .2 مليار دولار أسبوعيا، تبقى متوارية عن الأنظار، حتى في هذا الوقت الذي يسود خلاله الهوس بالعجز.

 

وتعتبر هذه المراسلات عنصر تذكير قويا بما تكلفه هذه الحرب الفاشلة، من حيث الخسائر في الأرواح والمال، وأمن أميركا القومي على المدى الطويل.

 

إنها لم تسبب ضرراً أو تلحق الرعب الذي نجم عن الكشف عن سجلات ويكيليكس للحرب في أفغانستان في يوليو الماضي، بما تحمله من تفاصيل مزعجة لقتل المدنيين والأطفال الموتى، والجنود المضطربين، والفوضى المتصاعدة.

 

ولكن الطريف بشأن النقاط الفاصلة، هو أنه لا يمكنك أن تعرف أي حقيقة أو صورة أو رواية سوف تجعل الأمور تصل إلى الحالة الحرجة، وأي من اللحظات الصغيرة ستؤدي إلى أن ترسيخ فكرة كبيرة في نهاية المطاف.

 

فلتقم بتصور قفل معقد للغاية، والذي يتطلب إدارة ثمانية أرقام مختلفة لفتحه. لديك سبعة أرقام منها، ولكن القفل لن يفتح حتى تصل إلى هذا الرقم النهائي.

 

وربما لا يبدو الثمن «كبيراً» مثل السبعة أثمان، ولكن بدون النقر على العدد الأخير في مجموعة الأرقام، فإن قداحات القفل لن تستقر في مكانها الصحيح.

 

وكما كتب «مالكولم غلادويل» في كتابه «النقطة الفاصلة» يقول: «إننا بحاجة إلى إعداد أنفسنا، تحسباً لإمكانية أن تنجم التغييرات الكبيرة أحياناً نتيجة أحداث صغيرة، وفي بعض الأحيان يمكن أن تحدث هذه التغييرات بسرعة... ولتنظر إلى العالم من حولك، قد يبدو مكاناً ساكناً ومتصلباً، لكنه ليس كذلك. فمع أقل دفعة، في الاتجاه الصحيح، فإنه يمكن أن ينقلب».

 

لذلك، ربما النقطة الفاصلة سوف تكون رسالة التذكير من خلال هذه المراسلات، بأننا وضعنا ثقتنا بشأن مستقبل أفغانستان في أيدي رئيس يعتبر الدبلوماسيون لدينا أنه «ضعيف للغاية» و«مدفوع بجنون العظمة».

 

ربما سوف تتمثل هذه النقطة في أنباء قيام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي بإطلاق سراح العديد من المعتقلين الخطرين، بما في ذلك ال29 الذين تم احتجازهم في معتقل غوانتانامو، وإصدار العفو عن العديد من تجار المخدرات. وربما ستكون صورة أخرى للأخ غير الشقيق للرئيس قرضاي، بوصفه «فاسداً وتاجر مخدرات».

 

أو ربما ستكون الأمانة الصادقة ل«آن باترسون»، السفيرة الأميركية في باكستان منذ عام 2007 حتى الشهر الماضي، وهي التي بادرت دون زيادة أو نقصان، بتسليط الضوء على العلاقة المعقدة بين حلفاء أميركا المفترضين في أجهزة الاستخبارات الباكستانية، وحركة طالبان.

 

وهي العلاقة التي تمثل خطراً واضحاً وقائماً على القوات الأميركية في أفغانستان. وعلى حد وصف «سيمون جنكينز: «تشبه مراسلات باترسون رسائل خطية من تايتانك، وهي تتجه بالفعل نحو القاع».

 

فلو أن أياً من هذه التسريبات قلبت الميزان، من حيث تذكير الناس بأن إعادة القوات الأميركية إلى الوطن يجب أن تكون أكثر طموحاً (حسبما وصفت وزارة الدفاع الأميركية أخيراً الهدف الزمني للخروج بحلول عام 2014)، حينئذ فإن هذه الجولة من وثائق ويكيليكس سوف تكون أمراً جيداً جداً في الواقع.

مؤسسة ورئيسة تحرير صحيفة «هافنغتون بوست» الأميركية

=======================

الجزيرة الكورية والاتجاه نحو الهاوية

بقلم :صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية

البيان

13-12-2010

يتجه الوضع الأمني الهش في شبه الجزيرة الكورية إلى هاوية خطيرة. وقد آن الأوان لقيام الأطراف المعنية بدراسة إيجابيات وسلبيات زيادة تصعيد التوتر.

رغم تحذيرات بيونغيانغ، فقد أطلقت كوريا الجنوبية مناورة بحرية بالذخيرة الحية أخيراً، بما في ذلك مواقع في المياه المتنازع عليها قبالة الساحل الغربي لشبه الجزيرة المقسمة. وقد فاقم هذا بشكل أكبر، العداء بين الجمهورية الكورية وجمهورية كوريا الشعبية.

 

اشتعل التوتر الأخير بعد تبادل إطلاق النار المميت بين كوريا الشمالية والجنوبية، في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي. وبعد ذلك، بدأت الولايات المتحدة وجمهورية كوريا مناورات بحرية مشتركة لمدة أربعة أيام، في المياه الغربية لشبه الجزيرة الكورية.

 

إن مثل هذا الاستعراض الهائل للقوة، الذي تلاه أكبر تدريب بحري للولايات المتحدة واليابان، الذي بدأ أخيراً، ليس من شأنه إلا زيادة في حدة التوتر في المنطقة، والتهديد بتفجير برميل البارود في أي وقت.

 

وربما يخرج الوضع عن السيطرة، في الوقت الذي يبدو أن العداء بين الدولتين قد بلغ ذروته خلال عقود.يتعين على جميع الدول المعنية، أن تقيّم الوضع بحكمة، وتبحث ما إذا كان الصراع يسير وفق ما يريدونه حقاً.

 

تعتبر شبه الجزيرة الكورية إلى حد ما، المنطقة الوحيدة في العالم التي لا تزال تحت مظلة تفكير الحرب الباردة. ويعتبر هذا ضد الاتجاهات السائدة في العالم اليوم، والتي تميل بشكل متزايد في اتجاه السلام والتنمية.

 

لا ينبغي أن تكون شبه الجزيرة الكورية مكاناً لممارسة لعبة صفرية، الأمر الذي يعتبر غير مسؤول وغير أخلاقي، من خلال تعريض حياة عشرات الملايين من البشر للخطر.

 

وينبغي على الأطراف ذات الصلة، إدراك أن هذه المواجهة ليست هي الحل للأزمة الحالية بين الكوريتين، وينبغي أن تكون على وعي تام بالعواقب المحتملة لأي تصعيد متزايد للتوترات في شمال شرق آسيا.

 

إن الصين، كدولة كبيرة مسؤولة في المنطقة وكجارة قريبة من الكوريتين، دعت باستمرار جميع الأطراف إلى التحلي بالهدوء وضبط النفس، وبذلت جهوداً دبلوماسية نشطة من أجل تهدئة الوضع، من خلال محاولة إعادة الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات.

 

وخلال محادثة هاتفية أجراها الرئيس الصيني «هو جينتاو» مع نظيره الأميركي باراك أوباما، حذر من أن التوترات في شبه الجزيرة الكورية من الممكن أن تزيد من التصعيد وفقدان السيطرة، الأمر الذي لن يكون في مصلحة أحد.

 

تظهر تصريحات «هو جينتاو» قلق الصين العميق إزاء الوضع، ووجهة نظرها تجاه الأزمة الحالية. فلو اندلعت الحرب حقاً، فلن يكسب أي من الطرفين، وكلاهما سوف يدفع ثمناً باهظاً.

 

لقد حثت الصين على إجراء الحوار والمفاوضات في إطار المحادثات السداسية، وهو الإطار الوحيد لمناقشة المسائل الأمنية في شمال شرق آسيا، الذي يضم الصين وكوريا الديمقراطية والولايات المتحدة وجمهورية كوريا وروسيا واليابان.

إن استئنافاً مبكراً للمحادثات السداسية، يعتبر الحل الواقعي الوحيد للأزمة الجارية في شبه الجزيرة الكورية، ذلك أنه يتفق مع المصالح الأساسية لجميع الأطراف.

=======================

قوة "ويكيليكس"

آخر تحديث:الاثنين ,13/12/2010

بيير بولر

الخليج

بعيداً عن العناوين الرئيسة، والحرج الشديد الذي وُضِعَت فيه الحكومات، والضربة الموجعة الموجهة إلى سرية المراسلات الدبلوماسية، فإن البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي كشفت عنها “ويكيليكس” تعرض لنا تصويراً فظاً لمدى عمق التحول الذي طرأ على جوهر القوة في عصر المعلومات .

 

منذ نشأتها، كانت الدولة بمثابة الوعاء الرئيس للسلطة؛ وكان الوصول إلى السلطة يعني عادة السيطرة على الدولة، سواء كان ذلك عن طريق الانتخابات أو الاستيلاء عليها بالقوة . بيد أن هذا النموذج، الذي يتحول الأفراد بموجبه إلى رعايا أو في أفضل الأحوال إلى دافعي ضرائب وناخبين، بات عُرضة للهدم والزوال بفعل العديد من الاتجاهات الحديثة التي عملت على تمكين الفرد .

 

ولنتأمل هنا الإنترنت، تلك الشبكة المؤلفة من نقاط التقاء لا حصر لها، والتي ابتكرت في ستينيات القرن العشرين في أوج الحرب الباردة للحفاظ على الولايات المتحدة من الفوضى الشاملة بعد وقوع أي هجوم نووي على مراكزها العصبية . لقد صممت هذه الشبكة عمداً بحيث تكون بلا تسلسل هرمي أو قلب أو سلطة مركزية، ولو أن قِلة من الناس في ذلك الوقت كان ليخطر على ذهنهم أن يتساءلوا إلى أين تقود العالم هذه السلطة غير المركزية الجديدة المتمثلة في الإنترنت، خاصة في ضوء الاختراقات العلمية العديدة التي حققتها الثورة الرقمية لاحقاً .

 

لقد قادتنا شبكة الإنترنت إلى الاتجاه الثاني: التحول الذي طرأ على عملية الإنتاج . فقد أصبحت المعلومات أكثر من مجرد رسالة تنقل بواسطة التكنولوجيا؛ بل إنها باتت الآن تشكل المادة الخام التي يتغذى عليها الاقتصاد المتقدم المعتمد على الخدمات المكثفة، والوحدة الأساسية لبناء المنظمات الاجتماعية والإنتاجية الحديثة .

 

وهناك اتجاه ثالث يتعلق بالحيز الذي أتيح للفرد والعمل الجماعي . في كتاب “الحالة الإنسانية” تربط الفيلسوفة، هانا أرندت، السياسة بالقدرة البشرية، ليس فقط على العمل ببساطة، بل على “العمل الجماعي المتضافر” . ورغم أن العمل الجماعي المتضافر يمثل فكرة مألوفة، فإن الهدف منه في الأساس كان يتلخص في التأثير في الدولة، والذي تجسد في الطريقة التي نجح بها المجتمع المدني في التعجيل بانسحاب أمريكا من فيتنام .

 

بيد أن العمل الجماعي اكتسب اليوم حجماً مختلفاً . فبفضل عالمية اللغة الرقمية، وسهولة استخدامها، والغياب الفعلي للتكاليف الهامشية لإنتاج أو نشر المعلومات، أصبحت الأدوات التي تستعين بها الدولة لفرض سيطرتها ضعيفة ومستنفدة .

 

وكان التمويل العالمي من بين أشد الكيانات حرصاً على الاستفادة من هذه الميول والاتجاهات الجديدة، فاستخدم شبكات الإنترنت ليس فقط كأداة لتنفيذ العمليات بقدر أعظم من الكفاءة والسرعة، بل أيضاً كوسيلة للالتفاف حول إشراف الدولة والتحايل عليه . ولقد توسعت الشركات في استخدام هذا النوع من التواصل بهدف إضفاء طابع العولمة على أسواقها، وقياداتها، ومشاريعها في مجال البحث والتطوير، فضلاً عن ترويض الضرائب، الأمر الذي أدى إلى تحويل علاقاتها بالدول، سواء داخل بلدانها الأصلية أو في أي مكان آخر .

 

وبطبيعة الحال، ساعد الوصول إلى عالم مترابط بشبكة واحدة في موازنة قوة الدولة بطرق إيجابية، من خلال إعطاء دفعة هائلة لسبل الدعوة المستقلة، كما رأينا في الحملة التي نُظِمَت على الإنترنت للدعوة إلى حظر الألغام الأرضية والمعاهدة التي صدقت على نجاح هذه الحملة، على الرغم من معارضة البلدان القوية، وازدهرت العديد من المنظمات باكتسابها القدرة على صياغة النتائج السياسية وتشكيل السياسات العامة .

 

بيد أننا لن نجد في العالم أجمع مكاناً أكثر من الصين توضيحاً للقدرة التحويلية العظيمة المتمثلة في أشكال التواصل الجديدة، حيث يصل عدد مستخدمي الإنترنت في الصين إلى 420 مليون شخص . ومهما كانت السلطات الصينية حريصة على إبقاء الإنترنت تحت سيطرتها، على سبيل المثال من خلال حجب المواقع الأجنبية، فإنها تدرك أيضاً مدى احتياج اقتصاد الصين لشبكة الإنترنت الآن .

 

في أواخر ثمانينيات القرن العشرين كان مبدأ الجلاسنوست الشفافية واحداً من المسامير التي دُقَّت في نعش الاتحاد السوفييتي . ورغم أن ويكيليكس لم تؤد إلى تأثير مماثل بكل تأكيد، فإنها نجحت في تجسيد مدى تمكين الفرد في عالم تربطه شبكة واحدة . إن تحدي القوة الأشد عتياً على مستوى العالم لم يتطلب أكثر من وجود محلل استخباراتي عسكري أمريكي ساخط، وبعض الخبرة في اقتحام الشبكات، وبضعة أجهزة كمبيوتر، وحفنة من الناشطين من ذوي العزيمة الذين يستظلون براية الشفافية المتنازع عليها .

 

عندما تم تعيين آن ماري سلوتر الباحثة المحترمة في مجال الشؤون الدولية مديرة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، بشرت بجرأة بظهور عالم مترابط متشابك . وفي مجلة “الشؤون الخارجية” كتبت في شهر يناير/كانون الثاني 2009: “إن الحرب والدبلوماسية والمال والأعمال والإعلام والمجتمع، كل ذلك يشكل كياناً مترابطاً متشابكاً، وفي هذا العالم يصبح مقياس القوة هو الترابط” . والواقع أن أمريكا التي تتمتع بالقدر الأعظم من القدرة على التواصل تمتلك الآن ميزة هائلة في “قرن تربطه شبكة واحدة” .

 

ولقد دفع هذا المفهوم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في يناير/كانون الثاني 2010 إلى الإعلان عن “حرية التواصل” باعتبارها المعادل الإلكتروني للحريات الأكثر شيوعاً مثل حرية التجمع وحرية التعبير . وأضافت كلينتون قائلة إن هذه التكنولوجيات ليست بطبيعة الحال نعمة تامة، ومن الممكن إساءة استخدامها لأغراض شريرة . ولكن قائمة الانتهاكات المحتملة التي عرضتها لعالمنا المتصل لم تحتو على أي شيء شبيه بعاصفة ويكيليكس .

 

إن هذه العاصفة لن تخلف من ورائها أي أثر للتفهم إذا تم تقييمها في عزلة عن أي شيء آخر، بدلاً من تقييمها كجزء من نمط أوسع نطاقاً . والواقع أن أحدث المعلومات التي نشرتها ويكيليكس تظهر بشكل واضح أن التحول الذي طرأ على القوة والسلطة بفعل “الثورة الرقمية” قد لا يقل بعداً في مداه وتأثيراً من ذلك التحول الذي أحدثته ثورة الطباعة في القرن الخامس عشر . وفي هذه اللعبة، حيث يدعو لاعبون جدد أنفسهم إلى المشاركة، فإن التميز يصبح لمن يمتلك القدر الأعظم من خفة الحركة والإبداع .

 

إن كل هذا يعني ضمناً أن الترابط سوف يظل دوماً بمثابة سيف ذي حدين، فالنفوذ الذي يوفره حافل بنقاط الضعف، وهذا يعني أننا نستطيع أن نتوقع المزيد من المفاجآت المختزنة لمختلف دول العالم .

دبلوماسي فرنسي سابق، وكان أستاذاً مساعداً في معهد باريس للدراسات السياسية . والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

=======================

تداعيات الانفصال

آخر تحديث:الاثنين ,13/12/2010

عبدالله السويجي

الخليج

لا شك في أن العالم العربي من محيطه إلى خليجه يزخر بالعرقيات والديانات والمذاهب والأقليات الكثيرة، وهذا يعود إلى أسباب كثيرة معروفة تاريخياً . ومما لا شك فيه أيضاً، أن هذه التشكيلة والفسيفساء إن صح التعبير بدأت تظهر على السطح في العقدين الماضيين بغرابة لم تشهدها المنطقة، وبإلحاح يثير العديد من التساؤلات، وتحول البعض منها إلى مشاريع دينية وقومية ومذهبية . ومن الطبيعي القول إنها باتت تهدد السلام المجتمعي ووحدة الدول وأمنها، بل إن البعض منها، ولاسيما حين يتركز في مناطق جغرافية محددة، بدأ يسعى إلى الانفصال، وتأسيس دول أو دويلات، وما يلاحظ بوضوح أن معظم هذه الحركات مدعومة خارجياً .

 

ولو اقتربنا من التخصيص أكثر، لوجدنا الخريطة الديمغرافية والعقائدية والعرقية في معظم الدول العربية، قد بدأت تعيد تشكيل حدودها وفق العرقيات والمذاهب الموجودة، فمعظم الدول العربية مشكلة من مجموعات دينية مختلفة العقائد .

 

وبصورة عامة، يمكن تقسيم العرقيات والأديان والمذاهب إلى سني وشيعي، ومسلم ومسيحي، وعربي وبربري وكردي، وكل جهة تبرر إحياء شخصيتها ونهوضها وتكتلها في إطار الدولة الواحدة، وكل جهة لها ثقافتها وإيقاع معيشتها اليومي، وكل جهة، حتى تقوي نفسها، تعمل على الاتصال بمن ينسجم معها في الخارج لاكتساب القوة والسلطة، لكنها لا تدري أنها لو استقلت ستكون كياناً هزيلاً تابعاً، وأنها تشق صف الوحدة الوطنية للدولة الكبرى، وتعمل على تجزئة الأرض وتقسيمها . لنتخيل معاً وجود دولة شيعية في جنوب لبنان، ودولة مسيحية في غربه، ودولة درزية في جبله، ودولة سنية في شماله، ولنتخيل أيضاً، أن تنشأ دولة شيعية وأخرى سنية وثالثة كردية في العراق، وتقام دولة بربرية في المغرب العربي، ودولة مسيحية في جنوب السودان، على الرغم من وجود مسلمين فيه، ولنتخيل أيضاً إقامة دولة زيدية في اليمن، وينفصل اليمن من جديد إلى اليمن الشمالي واليمن الجنوبي . . إلخ . وفي المحصلة، سيكون لدينا 40 دولة على الأقل في حدود ما يسمى الوطن العربي، لأنه لن يبقى هناك وطن عربي بعد ذلك، إذ سيمتد النفوذ الأجنبي، ومن بينه الصهيوني، الذي يلعب دوراً رئيسياً الآن في جنوب السودان، وبالتالي، ستنهار الجامعة العربية، ويعود الوطن العربي إلى قبائل ودويلات صغيرة، لا حول لها ولا قوة .

 

لقد نبه أكثر من مفكر عربي لهذا المخطط الذي يهدف إلى تقسيم الوطن العربي وتفتيته، لأن المسألة لن تقف عند هذا الحد، بل سيطالب كل مذهب وعرقية بالانفصال، وبذلك نصل إلى الطامة الكبرى، في الوقت الذي يبحث العالم عن التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية .

 

إن أكبر مثل في التاريخ الحديث يمثل أمامنا بقوة، يتجسد في انهيار الاتحاد السوفييتي، ونظرة سريعة إلى الدويلات التي نشأت في ما بعد، سنجدها تعاني الفقر والبطالة والجوع والتخلف، ناهيك عن نشاط المافيا والمتطرفين، وارتهان كل دويلة منها إلى دولة عظمى كبيرة، والشعب (الذي كان سوفييتياً) في السابق، يبكي على ماض لن يعود، والحرية التي أوهمه البعض بها، والديمقراطية التي أغرقه البعض بها، أو ورّطه بها، لم تستطع تأمين الأمن والخبز له، والنتيجة تتبدى في الحال الذي وصلت إليه الآن .

 

لقد أشرنا إلى أن هذه التكتلات والمذاهب والعقائد نشطت في العقدين الماضيين، إلا أنها لم تكن صامتة أبداً، بل كانت نائمة إلى حين، ومحاولات رد الاعتبار إلى كينونتها تعود إلى أن الدولة العربية أهملت هذا الواقع ولم تلتفت إليه، بل في بعض الدول مارست نوعاً من الظلم والمصادرة والاستبداد والتجاهل، أدى إلى مسح لملامح شخصية وانتماءات متعددة وطقوس كانت تمارس في صمت وهدوء وسرية أحياناً، وكانت تصمت تلك التكتلات على مضض، ولكنها الآن تجاهر من دون خوف، لأن هناك من يدعمها ويسندها ويحرضها .

 

المسألة لا تقتصر على الوطن العربي فقط، أوروبا بعظمتها كانت تعيش هذه الحالة، ونشبت حروب دينية وأهلية سال فيها دم كثير، واستقرت إلى شكل يرضي الأطراف كلها، فقليلون يعرفون أن هذه الدول والممالك الأوروبية تعيش بداخلها كيانات تتمتع بحكم ذاتي وقوانين خاصة، وأبرز مثال على ذلك بلجيكا وسويسرا، إلا أن هناك في النهاية دولة فيدرالية تضم كل تلك التكتلات والقوميات والعرقيات والمذاهب، وهو ما ساهم في تحقيق السلم الداخلي، ورسم خطوطاً متفقاً عليها من قبل الجميع، وساعد تطبيق القانون بصرامة على الاستقرار، وعلى الرغم من ذلك لا يخلو الأمر من مناوشات بين الفينة والأخرى، نتيجة تحريضات خارجية، فحدود هذه الدول متداخلة مع دول أخرى كبيرة، يتداخل الفرنسي بالسويسري والإيطالي بالهولندي والألماني، ولهذا نجح الاتحاد الأوروبي، وصار الإنسان الأوروبي يتحرك ويتنقل بتلقائية وطبيعية .

 

في الوطن العربي، يغض أصحاب القرار أبصارهم عن هذا الواقع، ويمارسون ضده نوعاً من التعسف الذي لن يحل المسألة أبداً، بل هذه الممارسات، سمحت لكيان غاصب مثل الكيان الصهيوني، بأن يتغلغل في هذه التكتلات، ويدعمها ويستميلها إلى جانبه، غير قاصد مساعدتها في ممارسة طقوسها الخاصة والتمتع بثقافتها، ولكن بهدف تفتيت هذا الوطن، وإقامة دويلات ضعيفة لا حول لها ولا قوة، سوى الاعتماد على المساعدات الخارجية، وقد نجح في أكثر من مكان، نجح في العراق والسودان نجاحاً باهراً، و”الحبل على الجرار” كما يقول المثل .

 

آن الأوان أن تنهض جامعة الدول العربية من سباتها الذي طال أكثر مما يجب، وآن الأوان أيضاً أن تنهض كل دولة على حدة لمعالجة هذا الأمر، فانفصال الجنوب السوداني لن يتم في إطار الدولة السودانية، ولكن في قيام كيان مستقل لا دخل للحكومة السودانية المركزية فيه، وهذا يعني، أن على السودان الاستعداد ليكون جاراً لكيان قد يتحالف مع الكيان الصهيوني، وهذا ما يحدث الآن، أو يتحالف مع الولايات المتحدة، أو مع الشيطان إن شئتم، والشيء ذاته يحدث في العراق، حيث الدولة الكردية باتت واقعاً ملموساً، بل إن جامعة الدول العربية افتتحت مكتباً هناك، والكل يعلم مدى النفوذ الصهيوني في هذه البقعة الجغرافية .

 

العالم العربي مقبل على تشرذم أكبر، وتفتيت أخطر، إن لم يتم تدارك الأمر، والسعي بكل جدية إلى معالجته معالجة منطقية تحافظ على لحمته وكيانه موحداً .

=======================

الحاجة إلى إستراتيجية وليس إلى تكتيك فحسب!

الإثنين, 13 ديسيمبر 2010

جورج سمعان

الحياة

أن تنهار العملية السياسية وتفشل الإدارة الأميركية لعجزها عن الضغط على بنيامين نتانياهو شيء، وترك واشنطن المنطقة في مهب الريح والفراغ شيء آخر. إذا كانت التسوية مستحيلة، أو هكذا جعلها اليمين الإسرائيلي، فإن الولايات المتحدة ليست مستعدة للمجازفة بانزلاق المنطقة إلى الأسوأ. لا بد من الإيحاء بأنها لا تزال ملتزمة عملية السلام. لذلك سيأتي المبعوث جورج ميتشل إلى الشرق الأوسط في تكتيك جديد، بعدما فشلت محاولات إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بوقف الاستيطان ولو لتسعين يوماً. يأتي المبعوث ليدشن صيغة جديدة: المفاوضات المتوازية، أي مفاوضات غير مباشرة، لكنها ستتناول هذه المرة كل قضايا الحل النهائي، كما صرحت هيلاري كلينتون، التي أعلنت ان الخطر لا يأتي من إيران وحدها بل من غياب التسوية واستمرار الاحتلال الاسرائيلي، مجددة رفضها الاستيطان غير القانوني.

كأن ذاكرة المنطقة مثقوبة: جربت السلطة نتانياهو في التسعينات، فقادها هذا إلى تدمير كل مقومات اتفاقات أوسلو، وجربت هذه السنة طوال أشهر المفاوضاتِ غير المباشرة، ثم لشهرٍ المفاوضات المباشرة، ولم تسفر العملية عن أي نتيجة. الإيجابية الوحيدة من هذه التجارب أنها كشفت ضعف إدارة الرئيس باراك أوباما، أو جهلها على الأصح. ألم يعترف أوباما نفسه بأنه لم يكن يعتقد بأن القضية بمثل هذا التعقيد والصعوبة؟ فشل تكتيك رهن التفاوض بوقف الاستيطان، وتورَّطَ محمود عباس بهذا الشرط، مع أنه كان يعرف سلفاً أن كل تجارب المفاوضات السابقة جرى في ظل الاستيطان، بل يعرف العالم أيضاً أن إسرائيل قامت على الاستيطان الذي لم يتوقف منذ 1948 وما قبلها، ورسخت فكرة المستوطنات في الأراضي التي احتلت في 1967 لمنع قيام أي دولة فلسطينية قابلة للحياة مستقبلا.ً

يجب أن تعترف الإدارة بأن الحاجة ليست إلى تكتيك جديد بقدر ما تحتاج إلى استراتيجية واضحة تفرض التسوية وشروطها استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية بدل الاكتفاء بالقول إن الاستيطان عمل غير شرعي! تحدثت دوائر أميركية، أوائل السنة، أن إدارة أوباما ستعد لتسوية تفرضها على الطرفين المتصارعين، بل إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صرح علناً في حينه بأن واشنطن ستتقدم بمثل هذه التسوية وتفرضها. ولكن تبين أن لا قدرة للإدارة على فرض أي شيء. وحتى أوروبا تبدو عاجزة عن أداء أي دور، وهي اكتفت بالتعامل مع القضية على أساس أنها قضية إنسانية واجتماعية... ناهيك عن غياب اللجنة الرباعية.

لا يمكن الولايات المتحدة أن تتخلى عن المبادرة لإبقاء العملية السياسية ولو في إطار «الإدارة والانتظار»، لئلا يغري الفراغ الطامحين إلى أداء أدوار أو تقديم مقاربات ومشاريع في منطقة جعلتها الولايات المتحدة منذ قيام إسرائيل في صلب مصالحها الاستراتيجية، الأمنية والعسكرية والنفطية. لن تتخلى عن تجديد المحاولات ما دامت حروبها مفتوحة، من أفغانستان إلى العراق، إلى مواجهة الارهاب، من باكستان إلى اليمن إلى شمال أفريقيا... لا بد إذاً من أن تستعد المنطقة لحال من اللاحرب واللاسلم.

لن تتخلى واشنطن عن المحاولة، مع أن الجميع يعرفون أن العملية السياسية ماتت عملياً، فالمشكلة لم تعد في تعنت إسرائيل وضعف واشنطن والانقسام الفلسطيني والعجز العربي فحسب، بل المشكلة هي في غياب أي بارقة أمل بعد «الأوهام» التي عُلِّقت على الرئيس الأميركي الجديد. المشكلة أن أحداً في الجانب العربي والفلسطيني، بعد جنوح المجتمع الاسرائيلي نحو يمين اليمين ونحو عنصرية فاضحة، لم يعد يؤمن بأن السلام ممكن. وسيعزِّز هذا الاقتناع، معطوفاً على فشل الادارة الأميركية طوال عامين، معسكرَ أولئك الذين عارضوا في صفوف الطرفين المفاوضات في السابق.

أظهرت الشهور الماضية من هذه التجربة الأميركية، خطأ تحويل المحادثات إلى جدل عقيم في مدى قدرة إدارة أوباما على الضغط على إسرائيل وإلزام نتانياهو بوقف الاستيطان شرطاً لأي محادثات. وهو خطأ وقعت فيه أيضاً السلطة الفلسطينية التي كان يجب أن تركز على الاحتلال، كما قال الرئيس بشار الأسد. وبما أن الانتخابات النصفية أظهرت مدى ضعف الإدارة الحالية، فإن ذلك يعني انعدام القدرة على ممارستها أي ضغط في الصيغة الجديدة من المفاوضات المتوازية التي يحملها ميتشل اليوم إلى المنطقة. كل ما يمكن أن يقدمه الأميركيون ومبعوثهم هو محاولة إدارة الأزمة في انتظار ما ستكشف عنه تطورات كثيرة، على رأسها المفاوضات بين إيران والدول الكبرى في شأن الملف النووي. أليس ملفتاً أن تنهار كل الصيغ والحوافز التي طرحتها واشنطن على نتانياهو بالتزامن مع استئناف المفاوضات بين الجمهورية الاسلامية والدول الخمس الكبرى وألمانيا حول هذا الملف؟!

كيف ستحل «المفاوضات المتوازية» مثلاً مسألتي الأمن والحدود؟ فعندما تشدد إسرائيل على موضوع الأمن، فإن المنطق يعني ربطها ربطاً محكماً بين الملف النووي الإيراني والتسوية، ونجحت في ذلك، وأظهرت «وثائق ويكيليكس» أن الأولويات في المنطقة هي للملف الإيراني. ولم يبق سوى تقديم إسرائيل نفسها مظلة لا بد منها لحماية العرب، خصوصاً أهل الخليج، من صواريخ إيران وقنبلتها النووية! وهكذا، لم يعد حل القضية الفلسطينية حاجة ملحة للحفاظ على السلم والاستقرار في المنطقة، وأولاً وأخيراً للحفاظ على المصالح الأميركية وأمن القوات والقواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة العربية أو في الشرق الأوسط الكبير! وقد يلتقط نتانياهو، للتخفيف من موجة الاستياء الدولي، الطموح الفرنسي لمعاودة إحياء المسار السوري، خصوصاً إذا نجح في رتق العلاقات مع تركيا. فإسرائيل تدرك حيوية العلاقات واستراتيجيتها مع هذه الدولة الإسلامية الكبرى في المنطقة... من دون أن يعني ذلك احتمال تحقيق اختراق.

لم يعد ملف التسوية أولوية أميركية. ستحاول الادارة إبقاء «وهم» المفاوضات قائماً ليتفرغ الرئيس أوباما لمعركة التجديد بعد سنتين. في هذه الأثناء يرتاح نتانياهو من كابوس سقوط حكومته وفرط عقد الائتلاف، بل يمكنه أن يقطع الطريق على مزايدات أفيغدور ليبرمان وبعض أركان «ليكود». يمكنه أن يزهو بقدرته على الصمود في وجه واشنطن. وهو ما لم يقدر عليه اسحق شامير في عز قوته عشية انطلاق قطار مدريد، يوم أوقف الرئيس بوش الأب ضمانات القروض (عشرة بلايين دولار) لإرغامه على القبول بالتفاوض.

وفي هذه الأثناء، يمكن السلطة الفلسطينية الحفاظ على «سلطتها» في ظل انسداد الأفق أمام أي مصالحة داخلية، ويمكنها أن تحظى بتغطية عربية لأي موقف قد تتخذه ما دامت لا تزال تؤمن بجدوى التفاوض، أو أنها لا تملك سوى هذا الخيار، ما دامت تعتقد بأن الخيارات التي لوحت بها لا قيمة لها، لأن معظمها سيصطدم بإرادة من لا يملك إرادة قادرة على الضغط على إسرائيل.

أعلنت السلطة أنها تملك خيارات عدة لمواجهة هذا الانسداد في العملية السياسية. تستطيع أن تعلن وفاة العملية السياسية، وأن أميركا عاجزة، إن لم تقل إنها لم تعد وسيطا ناجحاً وأنها تقف إلى جانب إسرائيل وتخشى إغضابها، وأن تسحب القضية من يدها وتنقلها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن. تستطيع أن ترفع من وتيرة حركتها الديبلوماسية لتوفير اعترافات جديدة بالدولة، كما فعلت البرازيل والارجنتين... إلى آخر الخيارات المعروفة.

ولكن إذا بدا الآن أن دون هذه الخيارات شروطاً ومعطيات وظروفاً صعبة، وإذا كانت ثمة رغبة لبعض العرب والفلسطينيين في إعطاء الأميركيين فرصة أخرى وإبقاء الكرة في ملعب إسرائيل والمجتمع الدولي، فإن لا شيء يحول دون أن تتقدم السلطة في «خيارات متوازية» مع «المفاوضات المتوازية». وأول الخطوات الجدية نحو الخيارات التي تلوح بها، دعوة كل الفصائل إلى اجتماع لإنهاء الانقسام. فلا تظل المساعي للمصالحة أسيرة التلهي والتشاطر للحصول على مواقع ومصالح ضيقة فيما القضية تتلاشى. لا شك في أن السلطة نجحت في حملتها الديبلوماسية بإصرارها على التفاوض ونجحت في إظهار الطرف المعرقل. لكن هذا لا يكفي، ما لم تقم استراتيجية فلسطينية واحدة تدعمها أيضاً استراتيجية عربية تظهر للإسرائيليين و... الأميركيين أيضاً ما يعنيه غياب السلام. ولا يُعْدَم العرب من أسباب القوة ما يجعل الآخرين يعيدون النظر في حساباتهم.

لقد جربت «حماس» مشروعها في غزة، وجربت السطة المفاوضات بلا جدوى ولا تزال، وكلاهما لم يحقق شيئاً، لذلك لا بد من إعادة النظر في سبل العمل الفلسطيني. لا يمكن أن يظل هدف الحركة كيفية الإمساك بالقطاع وتَحَيُّن الفرص للقيام بانقلاب في الضفة لإلحاقها بغزة. لا يمكنها أمام انهيار العملية السياسية أن تظل على موقفها من الهدنة ووقف إطلاق الصواريخ من غزة، وعلى موقفها المناهض للسلطة؟ كما لا يمكن السلطة أن تستكين لجولات وجولات عقيمة من مفاوضات تكاد تفرغ القضية من كل عناصر قوتها وشرعيتها الدولية.

=======================

الشرق الأوسط معنيّ بحرائق حيفا أكثر من النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي

الإثنين, 13 ديسيمبر 2010

روجر أوين *

الحياة

أشارت تعليقات الصحف الأميركية إلى أنّ التقارير الإخبارية عالجت موضوع الحرائق التي اندلعت في مدينة حيفا في بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، إما في إطار النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني متسائلة من الذي افتعلها وأي حكومة من بين الحكومات المعادية السابقة قدمت المساعدة لإخمادها، أو اعتبرتها قصة إسرائيلية لافتة إلى أنّ البلد أنفق بلايين الدولارات على الطائرات النفاثة ومبلغاً زهيداً على الطائرات التي تقذف المياه. لكن، يعي معظم الأشخاص الذين يعيشون في الشرق الأوسط أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في شحّ الأمطار في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الذي تسبّب بدوره بجفاف كبير في كلّ مكان فتحوّلت الأحراج والغابات إلى مكان يحتوي على مواد قابلة للاشتعال مع أبسط شرارة.

ويجب أن نتأكد ما إذا كان الجفاف مرتبطاً في شكل مباشر بعملية الاحتباس الحراري الذي يبدو أنه يغيّر حالياً أنظمة الرياح في العالم بطرق غير اعتيادية. لكن، يبدو أنّ زمن الأمطار التي كانت تسمح قرناً تلو قرن على مرّ السنوات القليلة الماضية للفلاحين والمزارعين بزراعة الحبوب الشتوية في شهر تشرين الثاني من كلّ عام قد ولّى.

كما تمّ التطرق إلى وجه آخر ناتج من هذه الظاهرة ألا وهو انخفاض مناسيب المياه التي تتدفق في أهمّ الأنهار في هذه المنطقة، لا سيما نهر النيل ونهري دجلة والفرات. ويؤدي ذلك إلى نوع آخر من الكوارث إذ ينتج كلّ من مصر والعراق كميات أقل من الأغذية التي تلبّي حاجات سكانهما الغذائية، ما أجبر العديد من الأشخاص على الرحيل عن أراضيهم والتوجه نحو المدن المكتظة.

والأسوأ هو أنه تمّ إهمال القطاع الزراعي في العراق وتجاهله أقله على مرّ العقود الثلاثة الأخيرة بعد أن تمّ التركيز في شكل كبير على وجه حيوي واحد وهو السيطرة على كميات المياه الهائلة في دجلة والفرات التي كانت تفيض في القرون السابقة في معظم أنحاء المناطق الواقعة تحت مدينة بغداد في شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو) من كلّ عام. وتمّ التخلص من هذه المشكلة في أول عقد من الحكم البعثي في السبعينات بفضل بناء مجموعة من السدود وقنوات تهريب المياه. وساهم هذا المجهود في تقليص مشكلة الملوحة التي تبرز حين تبقى المياه راكدة في أنحاء السهول الفيضانية الواسعة في البلد، ما يسمح لحرّ الصيف بسحب الأملاح الجوفية فتتشكّل قشرة بيضاء سميكة على سطح الأرض.

ولم تنجح الحكومات العراقية المتعاقبة في إنشاء بنية الملكية الخاصة التي تسمح للزراعة بالازدهار مع العلم أنه لم يتمّ دعم المحاولات المتعددة لإصلاح الأراضي في بداية الخمسينات من أجل استبدال الملكيات الكبيرة بملكيات صغيرة على غرار تلك التي نشأت نتيجة عمليات مماثلة في سورية ومصر. وأدى ذلك إلى مشاكل كبيرة على صعيد تزويد المزارعين الفقراء بالبذور والائتمان والدعم التقني الذي هم بحاجة إليه.

حتى أنّ الحكومات التي كان على رأسها صدام حسين لم تحقق نجاحاً على هذا الصعيد. وفقد صدام حسين في الثمانينات الأمل في الإصلاح ففضّل سلوك الطريق الأسهل من خلال التنازل عن قطع الأراضي ووضعها في يد أصدقائه الأثرياء والمؤيدين الآخرين لحزب البعث. وزاد توافر عائدات النفط الهائلة الوضع سوءاً، فارتفعت رواتب الأفراد من غير المزارعين العاملين في البناء وفي أنشطة أخرى وتمّ استيراد اللحوم والحبوب التي كان ينتجها هذا البلد.

وظنّ البعض أن سلطة الائتلاف الموقتة التي يرأسها بول بريمر ستعمل على تحسين أوضاع الزراعة بعد اجتياح عام 2003 وذلك نظراً لتطلعاتها الإصلاحية. إلا أن ذلك لم يحصل. وبسبب الجهل من جهة والأوضاع الأمنية المتردية في المناطق الريفية من جهة أخرى، تمّ بذل جهود قليلة ولم يتمّ تحقيق نتائج مهمة، فبقيت الأوضاع الحالية على ما كانت عليه في زمن العثمانيين حين قامت المجموعات القبلية وشركاؤها التجار في المدن باختيار الأراضي الأكثر خصوبة للزراعة والحصاد على مدى سنتين أو ثلاث. والأسوأ هو أنّ بساتين النخيل شمال البصرة لم تعد تنتج المحاصيل الأساسية القديمة التي كان ينتجها البلد منذ زمن بعيد. فبات بالتالي إدخال المؤسسات الرأسمالية المتخصصة بالدواجن والخضار واللحوم الإضافة الوحيدة المهمة إلى مصادر العراق الزراعية.

وتبدو الأوضاع في كردستان أكثر سوءاً. فعلى غرار ما يحصل في سائر أنحاء العراق، دفعت عائدات النفط والشركات التي تدفع رواتب أفضل في المناطق القبلية بالشعب الذي يعتمد على الزراعة الى التخلي عن مهنته التقليدية. لكن لا تواجه الأراضي التي تمّ التخلي عنها في المحافظات الكردية مشاكل مماثلة، فيما تعاني الأراضي التي لا يتمّ الاهتمام بها من الموصل إلى بغداد مشكلة الملوحة مع العلم أنّ معالجتها تستهلك مبالغ كبيرة من المال وجهداً كبيراً.

فما الذي يمكن فعله؟ يجب معالجة المشكلة المرتبطة بأنهار الشرق الأوسط الأساسية على أنها جزء من مشكلة إقليمية كبيرة تضمّ شرق أفريقيا في ما يخص النيل وتركيا وسورية في ما يخص دجلة والفرات. لكن، يمكن تحقيق الكثير على الصعيد الوطني من خلال إيلاء اهتمام جدي في المستقبل بالقطاع الزراعي بما فيه التركيز على الأبحاث في الريف نفسه. ويعرف البعض القليل عن التحولات التي حصلت في ملكيات الأراضي في العراق ومصر في السنوات الماضية. وفي مصر، قد تكون الزراعة التقليدية اختفت لتحل مكانها مزارع العائلات الصغيرة من دون أن يلاحظ ذلك السياسيون والمفكرون الموجودون في المدن. كما يجب التركيز على توفير المياه وتكريرها واعتماد وسائل جديدة للري بالتنقيط، مع العلم أنّ مصر تعتبر البلد العربي الوحيد الرائد فيها. إلا أن ما نحن بحاجة إليه هو قرار سياسي لوضع الزراعة على رأس الأجندة الوطنية والسياسية في كلّ بلد.

* أكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد

=======================

الجولان تحت الاحتلال الحلقة (2): حرب على المياه.. أم على الآيديولوجيا؟

ماذا يحدث في الجولان بعد 43 عاما من الاحتلال؟

الشرق الاوسط

13-12-2010

احتلال الجولان، رغم أنه بدا قرارا مفاجئا، اتخذه وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه ديان، يومها من دون معرفة رئيس حكومته ليفي أشكول، فإنها كان أمرا ذا جذور عميقة في السياسة الإسرائيلية. ومع أن الرواية التاريخية للاحتلال اتخذت من الموضوع الأمني حجة تتذرع بها لهذه الحرب، فتدعي أنها جاءت لوقف القصف السوري للبلدات الإسرائيلية القائمة في المروج الممتدة تحت هضاب الجولان، ومع أن المؤرخ توم سيجيف يأتي بأسباب أخرى للحرب تتعلق باليأس والإحباط الذي ساد في إسرائيل قبلها، والأزمة الاقتصادية فيها، وبدء الهجرة من البلاد للخارج، فإن أحد أهم الأسباب للحرب يكمن في موضوع المياه. فالجولان منطقة جغرافية غنية بالمياه، وحسب خبراء المياه العرب فإنها أغنى منطقة بالمياه في العالم العربي كله. ثلث المياه التي تستهلك في إسرائيل مصدره في هضبة الجولان. فهي تشهد شتاء طويلا كل سنة يمتد لسبعة شهور من سبتمبر (أيلول) وحتى مايو (أيار)، وفيها 25 نهرا وجدولا في منطقة جبل الشيخ تصب كلها في مجرى نهر الأردن شمال بحيرة طبرية، وجدولان آخران في الوسط، وستة جداول في الجنوب، وفي الجولان 10 شلالات يزيد ارتفاع الواحد منها على 10 أمتار، أعلاها شلال بانياس (53 مترا). وحسب تقارير مصلحة المياه الإسرائيلية، فإن حجم المياه التي تصب في بحيرة طبرية ومصدرها مياه الجولان يبلغ 9 مليارات متر مكعب في السنة.

نحشون بن ديفيد، أحد المشاركين في المفاوضات الإسرائيلية مع سورية، وهو نفسه مستوطن في الجولان، لا يقول صراحة إن المياه هي السبب المباشر للحروب مع سورية، لكنه يقولها بكلمات أخرى «الخلاف هو على الحدود، والحدود مبنية على قضية المياه». ويذكر أمامنا أن القسم الأكبر من الجولان كان خاضعا للانتداب البريطاني بموجب اتفاقية «سايكس بيكو» سنة 1919، ورسم الحدود الدولية في سنة 1923. لكن بريطانيا وافقت على إبقائه بيد الفرنسيين منطقة مؤجرة يدفع ثمن تأجيرها ومن المفترض إعادتها عندما يطلب البريطانيون ذلك.

ويضيف بن ديفيد أن البريطانيين دخلوا في نقاشات محتدمة وحادة حول هذا الموضوع مع الفرنسيين في ذلك الوقت، وأن الدافع الأساسي لإصرارهم على إبقاء الجولان تحت سيادة انتدابهم كان المياه. فقد أدركوا ما هي قيمة هذه المنطقة. وينهي «بما أن إسرائيل هي الوريث الشرعي للانتداب البريطاني في هذه المنطقة، فإن المياه من حقها وحدها. ومن هنا جاء إصرارها على رفض المطلب السوري بالعودة إلى حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، ورفضها أن تطأ الأقدام السورية مياه بحيرة طبرية. فحسب القانون الدولي تتقاسم إسرائيل وسورية المياه إذا كانت البحيرة مشتركة للطرفين.

وكان يغئال ألون، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال الحرب، قد تحدث عن المياه خلال محاولته إقناع رئيس الحكومة، ليفي أشكول، ووزرائه بضرورة شن الحرب على سورية في الثامن من يونيو سنة 1967. فذكر أن سورية بدأت في مطلع الستينات في محاولة لحرف مياه نهر اليرموك عن مساره لكي يصب في الجهة الشرقية لنهر الأردن وليس في النهر نفسه، حتى لا تفيد منها إسرائيل، وهي المحاولة التي أفشلتها إسرائيل بواسطة شن غارات جوية على المشروع حتى دمرته. وهناك قناعة تامة في إسرائيل بأن حرب الأيام الستة سنة 1967، كانت بسبب المياه في الأساس.

الجفاف والمعاناة

* لقد جاءت جولتنا في الجولان هذا الشهر في عز الشتاء المفترض أن تشهده هضبة الجولان. ففي العادة يبدأ هطول الأمطار في شهر سبتمبر، و70% من كمية الأمطار السنوية في الجولان تأتي خلال الشهور الثلاثة من ديسمبر (كانون الأول) وحتى فبراير (شباط). وها نحن ندخل ديسمبر، لكننا لم نشم رائحة الشتاء بتاتا، بل إن درجة الحرارة تصل إلى نحو الثلاثين في ساعات الظهر. والسهول والكثير من الأشجار صفراء اللون، خصوصا في المناطق التي ما زال العرب السوريون يديرونها ويعيشون فيها (مجدل شمس ومسعدة وعين قنيا وبقعاثا). ومنسوب بحيرة طبرية ينخفض خمسة أمتار عن المنسوب العادي لهذا الوقت من السنة. وفي إسرائيل يتحدثون عن خطر جفاف حقيقي.

«نحن نتمتع بمياه الشرب، فهي مياه صافية نقية كنا قد أقمنا مشاريع ذاتية لتوفيرها لأنفسنا. لكننا لا نتمتع بخيرات الجولان من المياه كما يجب. بل يعاني المزارعون هنا نقصا شديدا في مياه الري من جراء التقليصات المتعسفة التي فرضتها علينا سلطات الاحتلال»، يقول هائل أبو جبل، أحد المزارعين، ويضيف «الاحتلال قرر تقليص كميات مياه الري، ولا نعرف كيف وكم وعلى أي أساس. حتى الآن كانوا يسمحون لنا بصرف 150 مترا مكعبا في السنة عن كل دونم، وفي الوقت نفسه يخصصون 750 مترا مكعبا للمستوطنين اليهود».

ويضيف نزيه أبو فياض، وهو أيضا مزارع جولاني، أن موسم إنتاج التفاح قد ضرب بشكل قاس هذه السنة. ويمكن الحديث عن جفاف. ويقول إن بركة ران التي تتجمع فيها مياه الشتاء والجداول، وكانت تخدم القرى السورية الأربع منذ إقامتها، ينخفض منسوبها هي الأخرى. وإسرائيل تسحب كميات هائلة من مياهها لمصلحة المستوطنات، فيما تحرم أصحابها السوريين مما يستحقونه منها.

ويرد مدير لجنة المياه في مستوطنات الجولان، طال هار، بأن تقليص المياه ينسحب على الجميع (يقصد المواطنين السوريين والمستوطنين اليهود)، ولا يقتصر على فئة دون أخرى.. «فالكل يعرف أن إسرائيل تعاني من جفاف، ولا يعقل أن نظل نستهلك الكمية نفسها من المياه التي كنا نستهلكها في الماضي، عندما كانت لدينا وفرة منها. وقد وضعت سلطة المياه (الحكومية) خطة خلال السنوات الثلاث الماضية تقضي بتقليص نسبة الثلث من استهلاك المياه. المقياس الذي وضعناه هو كمية استهلاك المياه في سنة 1989. ووفقا لحساباتنا، ولكي لا نفقد المياه ونعيش حالة جفاف مستديمة، وجدنا أن علينا تقليص المياه إلى ما يعادل نسبة 66% من كمية الاستهلاك في سنة 1989. وقد أبلغنا اليهود والعرب، وجميعهم يشكون من هذا الوضع، بأنه لا يوجد أمامنا من حل آخر. عليهم أن يلائموا احتياجاتهم للأوضاع الجديدة».

ويؤكد هار الادعاء بأن هناك تمييزا في توزيع المياه، لكنه يرفض اعتباره تمييزا بين اليهود والعرب، ويدعي أن التمييز قائم على أساس حسابات ومعايير أخرى، يدخل فيها مجال استهلاك المياه وجودة شبكة المياه المستخدمة ونوعية الإنتاج. فيرد أبو فياض «نحن نعرف أن لدينا في الجولان وفرة في المياه. والخلل الذي أحدثوه ناجم عن الاحتلال ومشاريعه، التي تضع في رأس اهتمامها الاستيطان هنا وفي إسرائيل هناك. نحن في آخر جدول حساباتهم. ومعاناتنا لا تهمهم».

المياه قضية استراتيجية

* المهندس الزراعي ابن الجولان، شحادة نصر الله، يقول إن المياه بالنسبة لإسرائيل هي قضية استراتيجية لا تقل أهمية عن الأمن. وهذا لا ينبع فقط من كونها تستغل مياه الجولان السوري أو مياه لبنان أو المياه الجوفية في الضفة الغربية الفلسطينية ومياه نهر الأردن فحسب، بل لأن لديها أطماعا قديمة حول المياه حتى قبل قيام إسرائيل.

ويذكر المهندس نصر الله من شواهد هذه الأطماع أن حاييم وايزمان، الرئيس الأول لإسرائيل، عندما كان زعيما للحركة الصهيونية، بعث برسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج يحتج فيها على رسم الحدود كما وردت في اتفاقية «سايكس بيكو». وأكد في رسالته أن مستقبل فلسطين الاقتصادي يعتمد على مصادر الطاقة والمياه العذبة وهذه تتوافر من منحدرات جبل الشيخ ومن منابع حوض الأردن ومن نهر الليطاني، وأكد على ذلك لاحقا موشيه شريت، رئيس الحكومة الإسرائيلية الثاني، إذ قال «إن على دولة إسرائيل أن تفتش عن ضابط ماروني حليف في جنوب لبنان كي يتعاون معها ويساعدها في استغلال مياه نهر الليطاني، إضافة لذلك فقد شرعت المنظمة الصهيونية في شراء مساحات واسعة في سهول حوران الحد الشرقي للجولان، وذلك لضمان احتواء الجولان داخل دولة إسرائيل، عندما يطبق وعد بلفور بإقامة دولة يهودية في فلسطين».

وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي ومنذ أيامه الأولى استولى على جميع مصادر المياه في الجولان، بما في ذلك المصادر التابعة للسكان الباقين في القرى الأربع، وبنى السدود وضخ المياه في شبكات على طول مسطح الجولان إلى نهر الأردن وبحيرة طبرية لمنع السكان من استعمالها، وحفر الآبار الارتوازية قرب ينابيع الماء التي يستعملها السكان لري بساتين التفاح غير آبه لخطر جفافها، ومنع السكان من ضخ المياه لبساتينهم من بركة «معدة» التي اعتاد السكان قبل الاحتلال استعمال مياهها، وهي مجمع مائي طبيعي (فوهة بركان قديمة) تستوعب نحو 7 ملايين متر مكعب سنويا، وقدمت سلطات الاحتلال الكثير من المواطنين للمحاكم، وأرغموا على دفع غرامات مالية كبيرة بسبب ضخ مياه هذه البركة.

ويعتبر هائل أبو جبل المشروع الإسرائيلي سببا لتدمير الاقتصاد المحلي لسكان الجولان المحتل. ويقول إن المنتوج الزراعي كان المصدر الأساسي للدخل عندهم، خصوصا إنتاج التفاح والكرز. وقد عمدت إسرائيل إلى المساس بمياه الري للحقول العربية، وفي الوقت نفسه ازدهرت زراعة التفاح وغيره في الحقول الاستيطانية، مما جعل الزراعة اليوم مصدرا ثانويا لأهالي الجولان بعد أن كانت مصدرا أساسيا.

ويشير نزيه أبو فياض إلى أن منتوج التفاح هذه السنة يبدو ضعيفا، حيث التفاحة أصغر حجما وأقل جودة، وكميات المنتوج انخفضت بنسبة كبيرة. وهذا يؤدي إلى معاناة اقتصادية واجتماعية ونفسية شديدة لدى المواطنين العرب السوريين في الجولان، لأنه يزرع اليأس والإحباط ويعطي دفعة أخرى لعملية تحويل المزارعين اضطرارا إلى القطاع الصناعي أو التجاري.

تطور طبيعي لكنه يلائم مخططات الاحتلال

* من التناقضات التي يعيشها الجولان السوري المحتل، أن صمود السوريين في أرضهم المحتلة وعلاقاتهم الوثيقة بالوطن الأم، أدى إلى تطور طبيعي يخدم مخططات الاحتلال. فإسرائيل تسيطر على المياه وتدير سياسة تفقد الزراعة مكانتها كمصدر أول لمعيشة المواطنين. فالانتقال الاضطراري إلى الصناعة والتجارة، يخفض من مكانة الأرض اقتصاديا. وقد سبق للإسرائيليين أن مارسوا هذه السياسة مع المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبهذه الطريقة سيطر الاحتلال الإسرائيلي على مساحات واسعة من الأرض، قسم كبير منها بيع لملاك إسرائيليين يهود، وتحول إلى أراض استيطانية. والأمر نفسه كان قد حصل للمواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48).

ومع أن أهالي الجولان السوريين يتمسكون بأراضيهم ولا يبيعون شبرا منها للاحتلال رغم مضي 43 عاما عليه، فإن هذه السياسة تضطر السوريين إلى البحث عن مصادر رزق أخرى. وبما أن هناك نهضة علمية كبيرة في قرى الجولان السورية، حيث يوجد ما يزيد على 2000 خريج جامعي، أكثر من عشرهم درسوا في الطب في الجامعات السورية وجامعات روسيا وحتى في الجامعات الإسرائيلية، فإن الزراعة آخذة في الاندثار. وتحل محلها مهن أخرى تشكل مصدر رزق أفضل وأيسر. فالأطباء السوريون يملأون المستشفيات والعيادات الإسرائيلية من المطلة على حدود لبنان شمالا وحتى إيلات في الجنوب، وهم ناجحون ومطلوبون.

أحد هؤلاء الأطباء، الذي فضل عدم نشر اسمه، يعمل في أربع عيادات خاصة، بالإضافة إلى وظيفة كاملة في أحد المستشفيات الإسرائيلية. وقد وافق على كشف حجم دخله بشرط ألا ننشر اسمه، فقال «أنا أحصل في الشهر الواحد على ما معدله مائة ألف شيقل (نحو 28 ألف دولار). مثل هذا الدخل لا أحصل عليه في أي مكان في العالم العربي. لكن القضية ليست قضية مالية فحسب، فهنا يوجد مجال لتطوير القدرات بشكل كبير أكثر من عالمنا العربي. وأنا لا أقول هذا تنكرا لأصلي، بل بالعكس، فأنا متمسك بعروبتي وبقوميتي السورية، ورغم رغبتي في إحداث تغيير عميقة في النظام السوري لكي تصبح سورية بلدا أكثر تطورا وحرية، فإنني أرى في سورية وطني الأم الذي لا أتنازل عنه، وأرى في بشار الأسد رئيسي، وفي الحكومة السورية حكومتي، وأرى في إسرائيل دولة محتلة».

سألناه: أليس ما تقوله مجرد ضريبة كلامية في الوطنية؟.. فرد بلهجة غاضبة «بالعكس تماما. وفي نظري هذه هي الوطنية. أنا شخصيا سافرت للدراسة إلى دولة أوروبية شرقية بفضل الحكومة السورية. وأعتبر نفسي مدينا إلى الأبد لسورية أولا، ولتلك الدولة الأوروبية ثانيا. ما أقوم به من خدمات طبية يسعف ألوف اليهود والعرب في إسرائيل وفي السلطة الفلسطينية التي أعمل في أحد مستشفياتها تطوعا، وكذلك يخدم أهلي في الهضبة. نجاحي هو نجاح لأهلي في الهضبة وفي سورية. وهناك مئات الأطباء الذين تخرجوا في الجامعات السورية يشهد لهم الأطباء الإسرائيليون بالامتياز في العمل والدقة والمهنية، وهذه أيضا خدمة وطنية. وأعتقد أن السبيل لحل التناقضات في أوضاعنا، هو في تحقيق سلام حقيقي. فعندها يمكنني أن أواصل العمل في إسرائيل وفي سورية. وإذا قررت حكومتي السورية ألا أعمل في إسرائيل، فسأحاول إقناعها بأن هذا القرار خاطئ، لكن إذا أصرت فسألتزم بقرار حكومتي ولن أعمل في إسرائيل».

وسألناه عن الأرض التي كان يزرعها والده وتعتبر مصدر رزق أساسيا للعائلة، فأجاب «قضية الأرض عندنا مقدسة، وليس فقط لأنني تمكنت من الدراسة بفضل عمل والديّ، أبي وأمي، يدا بيد فيها. بل لأننا نعرف أن قضية الأرض وما عليها وفيها من ثروات، الماء والبازلت والنباتات، هي قضية الصراع الأساسية. لن نتخلى عن الأرض تحت أي ظروف. صحيح أننا لا نحتاج الأرض اليوم كمصدر رزق، والزراعة مهنة قاتلة في ظروف الجولان، وأنا أتمنى أن أرى والدي لا يعملان فيها، لكن هذا لا يعني أن أيا منا يفرط بها. فهذه قضية وطنية مرتبطة بكفاحنا ضد الاحتلال. وأنا أقول لزملائي الإسرائيليين إن تمسكنا بالأرض هو الذي يخدم قضية السلام، فإذا جردونا من أراضينا سيتسببون في تخليد الصراع، وسيأتي الوقت حتما لأن يدفعوا ثمن ذلك باهظا في عهد الأجيال القادمة».

القضية قابلة للحل

* وفي إسرائيل أيضا تجد من يطرح القضية بالاتجاه الإيجابي، مقابل اليمين المتطرف الذي يسعى لتخليد الاحتلال. ففي حديث خاص مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، ل«الشرق الأوسط»، أكد أن المياه كانت سببا لخلافات وصدامات عسكرية في الماضي. لكنه أضاف «في حينه كانت قضية المياه قضية حياة وموت. لكننا في إسرائيل لم نعد ننظر إلى الموضوع على هذا النحو. أنا أدرت مفاوضات مع (الرئيس الفلسطيني، محمود عباس) أبو مازن، بهدف التوصل إلى تسوية حقيقية للصراع. فعندما طرح لي قضية المياه، ضحكت. ووعدته بأن أزود الدولة الفلسطينية بكل ما تحتاجه من المياه. فنحن اليوم في عهد تحلية مياه البحر، وإسرائيل تعتبر من الدول الطليعية في تطوير هذا المضمار. وما ينطبق على الدولة الفلسطينية العتيدة، ينطبق على كل دول المنطقة بما فيها سورية».

لكن المشكلة أن أولمرت لم يعد رئيسا للحكومة، وقد حل محله بنيامين نتنياهو، الذي لم يتحرر بعد من قيود سياسة اليمين المتطرف، الذي تحكمه الآيديولوجيا التقليدية. أحد المستشرقين المنتمين إلى هذا التيار المتطرف، د.جاي بيخور، لا يكتفي فقط بالدعوة للحفاظ على الجولان كمنطقة استراتيجية توفر الماء والأمن لإسرائيل، بل يعيب أيضا على سورية رغبتها في الحفاظ على هذا الجزء من وطنها، ويقول إن كل ما تفعله سورية في المفاوضات السلمية يرمي إلى استعادة الماء. ويقول إن سورية فشلت في مواجهة سرقة مياهها من طرف تركيا (التي أقامت السدود على نهر الفرات وتسببت في خفض كمية المياه الواصلة إلى سورية والعراق)، وتواجه جفاف نهر العاصي وانخفاض المياه الجوفية وزيادة ملوحتها، لذا قررت أن الجولان هو مسألة حياة أو موت بالسبة لها، لذلك ترفض أي تسوية سلمية مع إسرائيل لا تضمن لها الحفاظ على مصادر المياه في الجولان.

* غدا: هكذا يقنعون الاسرائيليين بأن التمسك باحتلال الجولان سنين طويلة.. هو أمر ممكن

=======================

اللعبة النووية الإيرانية

جنكيز أكتر

الشرق الاوسط

13-12-2010

بعد أن عرقلته إيران لأكثر من عام، عقد أخيرا في جنيف مطلع هذا الأسبوع الاجتماع المخصص لمناقشة ملف إيران النووي. وقد اتفقت الأطراف المشاركة في هذا الاجتماع «على عدم الاتفاق» على أي حل جوهري.

وكان الاجتماع عاديا للغاية، حيث بدا أن المشاركين قنعوا بمجرد عقد الاجتماع الأول من نوعه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2009. ولذلك، فإن النقطة الوحيدة التي تم التوصل إليها هي الاتفاق على أن يعقد الاجتماع الثاني في يناير (كانون الثاني) في اسطنبول، مما يعني استيفاء الشرط الذي أعلنه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد.

إن إيران هي البلد الذي يقرر من تلقاء نفسه أين وماذا ومع من يناقش. إنها رائدة لاعبي الشطرنج المبتدئين بتدخلاتها وخطواتها الساعية لشراء الوقت. لقد بدأ البرنامج النووي لهذه الدولة الجارة عام 1995. وعقدت أول مفاوضات جدية مع «المجتمع الدولي» بعد 10 أعوام، في عام 2005. وعقدت جولة ثانية من المفاوضات مع مجموعة «5+1» التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، وذلك بعد توقف دام 4 أعوام لينتهي في أكتوبر عام 2009.

وخلال ذلك الاجتماع، وافقت إيران على ما يبدو على تبادل مخزونها من اليورانيوم المخصب، وبالتالي وضع حد لقدرتها على صنع قنبلة ذرية. لكن ما أن انفض الاجتماع حتى أعلنت إيران رفضها للاتفاق. وهذه المرة في جنيف أبلغت إيران مجموعة «5+1» التي اصطفت أمامها في بداية اللقاء أنها ستناقش موضوع تبادل الوقود النووي فقط مع مجموعة مؤلفة من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، على أن يكون ذلك متماشيا مع إعلان طهران الذي تم التوصل إليه مطلع هذا العام بوساطة من البرازيل وتركيا.

وقد لاحظنا، قبل اجتماع جنيف، عددا من التحركات المتبادلة، فبعد مقتل اثنين من علماء الفيزياء النووية الإيرانيين عام 2007 وأوائل هذا العام، تعرض اثنان من العلماء الذين يعملون في البرنامج النووي الإيراني للهجوم من قبل مجهولين يوم الاثنين الموافق 29 نوفمبر (تشرين الثاني). ووفقا لمصادر إسرائيلية، فإن ماجد شهراري، الذي لقي حتفه في الهجوم، كان يقود الفريق الذي يحاول القضاء على فيروس «ستاكسنت» الذي اخترق نظم التحكم النووية والعسكرية الإيرانية. ووفقا للمصادر نفسها، فإن «ستاكسنت» استطاع أن يعوق إنتاج الوقود النووي من مفاعل ناتانز وإجراء مناورات عسكرية خلال الفترة ما بين 16 إلى 22 نوفمبر. وكان عالم الفيزياء النووية فريدون عباسي دافاني، الذي أصيب في الهجوم، عميدا في جامعة الحرس الثوري.

وردا على ذلك، أعلنت إيران، يوم الأحد الماضي، وقبل أن يرتقي وفدها لاجتماع جنيف الطائرة، أنها أصبحت تمتلك كميات كافية من المواد النووية تسمى «الكعكة الصفراء». وفي جنيف التزمت لهجتها الصارمة فيما يتعلق بالأمور التي تفضل مناقشتها.

وعلى الرغم من أن دبلوماسيا من مجموعة «5+1» أصر على مناقشة القضايا النووية في اجتماع اسطنبول، أعلنت إيران بعد الاجتماع من خلال كبير مفاوضيها سعيد جليلي أنها لن تناقش القضايا النووية، بل مخزون الأسلحة النووية الذي يمتلكه الغرب وإسرائيل. وفي طهران، طلب أحمدي نجاد إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لكي تشارك طهران في اجتماع اسطنبول المقبل. وكانت الأمم المتحدة، وهي المضيفة للاجتماع، هدفا لسهام إيران لأنها كانت قد وضعت الفيزيائي، الذي نجا من الهجوم الأخير، على قائمتها السوداء منذ 3 سنوات بسبب اتهامه بالقيام بأعمال نووية محظورة. وجاءت الحركة التالية على رقعة الشطرنج المتوترة من دبلوماسي إيراني حصل على حق اللجوء السياسي في النرويج، حيث كشف أن علماء كوريين شماليين كانوا يتعاونون مع إيران.

ورقعة الشطرنج هذه التي يلعب عليها هؤلاء المتمرسون لم تترك مساحة كافية لجهود الوساطة التي تقوم بها تركيا. وعلى الرغم من اهتزاز ثقة مجموعة الخمس في تركيا بعد تصويتها ب«لا» عند تصويت مجلس الأمن الدولي على فرض عقوبات على إيران، فإن ثقة «صديقتها وجارتها» لم تكن مختلفة.

انظر إلى محتوى وأسلوب هذا الخبر الذي بثته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «فارس» بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الأول): «لقد بدأ رئيس الوزراء التركي، الذي غير فجأة موقفه بشأن الدرع الصاروخية التي يسعى لإقامتها حلف شمال الأطلسي، بدأ يتبع سياسات ثنائية مع إسرائيل الصهيونية! إن تركيا تتبنى سياسة ثنائية مع بداية (دبلوماسية النار) في العلاقات التركية الإسرائيلية وتحاول الاقتراب مع إسرائيل التي تمارس أعمال قرصنة، والتي أعلنت مرارا أنها لن تعتذر، على الرغم من أنها قتلت 9 أتراك، وكان لهذا وقع الصدمة على الذين كانوا يعتقدون أن تركيا معارضة لهذا النظام القاتل». لا تعليق!

=======================

أسانج ونيكسون وأحمد عز

مأمون فندي

الشرق الاوسط

13-12-2010

قد يبدو عنوان المقال محيرا، فما علاقة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون بمؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج؟.. وما علاقة هذين الاثنين بأمين تنظيم الحزب الوطني في مصر أحمد عز؟ العلاقة تكمن في حركة الزمن. جوليان أسانج قدم عقارب الساعة 37 سنة، وأحمد عز أخر عقارب الساعة 50 سنة، ونيكسون هو المعيار، ودعوني أفسر. نشرت «نيويورك تايمز» في عدد السبت أشرطة تسجيل للرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وهي أشرطة يفرج عنها لأول مرة وقد سجلت عام 1973، حيث لعن فيها نيكسون يهود أميركا وشتمهم بأقذع الشتائم بمن فيهم كاتب خطاباته ويليام سافير، الذي أصبح في ما بعد كاتب عمود شهيرا في «نيويورك تايمز»، وكذلك مستشار الأمن القومي لدى هنري كيسنجر. في هذه الأشرطة، قال نيكسون إن يهود أميركا مرضى بمركب نقص، وهذا ما يدفعهم إلى إثبات التميز وتحقيق الإنجازات. ورغم كراهية نيكسون ليهود أميركا فإنه كان معجبا بيهود إسرائيل، حيث استقبل رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير أثناء حرب أكتوبر 1973، وأقام لها حفل عشاء في واشنطن، طلب ألا يحضره من يهود أميركا إلا الذين أيدوا حملته للرئاسة «لأنه ليس عشاء يهود كما يتصورون»، على حد قوله. ومع ذلك أعطت الولايات المتحدة غولدا مائير ما طلبته من الأسلحة، وتحقق لها الجسر الجوي الذي أرادته حتى تلحق هزيمة ماحقة بالجيوش العربية، وبالفعل أنقذ نيكسون إسرائيل يومها رغم ما أوضحته التسجيلات المفرج عنها من كراهيته لليهود الأميركيين واحتقاره لهم.

كان هذا في عام 1973، وقد أفرج عنه اليوم، أي بعد سبعة وثلاثين عاما. هذا هو الزمن الطبيعي المتعارف عليه للإفراج عن الوثائق الرئاسية الأميركية، وأحيانا يكون الوقت أسرع من هذا فيصل إلى خمسة وعشرين عاما في حال الوثائق غير الرئاسية. هذا هو الوضع الطبيعي.. أما غير الطبيعي، فهو أن يفرج عن الوثائق بعد أعوام قليلة من كتابتها، وهذا ما فعله جوليان أسانج وموقعه المعروف ب«ويكيليكس». فلو كشف عن هذه الوثائق في زمنها الطبيعي، لكان جيلي قرأها ونحن في الثمانينات من العمر، أي بعد ثلاثين سنة من الآن.. أما وقد رأينا وقرأنا ما كان من المفترض معرفته بعد سبعة وثلاثين عاما من الآن، فمعنى ذلك أن جوليان أسانج ومن خلال موقعه الإلكتروني قد استطاع وفي ضربة واحدة أن يحرك الزمن العالمي أكثر من ثلاثين عاما إلى الأمام. أما أحمد عز أمين تنظيم «الحزب الوطني» في مصر، فقد أدار عجلة الزمن في مصر إلى الوراء من خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فبدلا من أن يأخذ مصر ثلاثين عاما إلى الأمام، كما فعل بنا جوليان أسانج، أخذ أحمد عز مصر إلى عالم الحزب الواحد، وعالم الستينات، وعالم الاتحاد الاشتراكي. أي أخذ مصر أكثر من خمسين عاما إلى الوراء. وهكذا هو عالمنا اليوم يختلط فيه العالم الحديث بالعالم التقليدي بالزمن ما بعد الحداثي.. أناس يحركون الزمن إلى الوراء، وفي المقابل أناس يأخذون الزمن إلى الأمام.

حركة الزمن هي الأساس في كل الهوس الفكري والفني الذي ساد الفترة من اكتشاف نظرية النسبية حتى نهاية القرن العشرين. الهوس بفكرة الزمن هذه هو الذي أدى إلى الإبداعات الكبرى.. ففي الأدب مثلا، من مارسيل بروست و«الزمن الضائع»، إلى ويليام فوكنر ورواية «الصخب والعنف» التي يختلط فيها الزمن على شخصية بنجامين، أو بنجي في الرواية، الشيء نفسه قام به الروائي الأميركي كيرت فونيجيت في روايته الشهيرة «المذبح رقم 5»، التي تتحدث عن ضرب مدينة درسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، حيث يرسم شخصيته المحورية على أنها شخصية تتحرك في الزمن بحرية إلى الأمام والخلف معا، أي خليط ما بين أحمد عز وجوليان أسانج، للوراء وللأمام في الوقت ذاته.

الزمن ما بعد الحداثي زمن متقطع، فهو يتحرك مثلا إلى الأمام في أستراليا وأميركا وأوروبا، وربما ليس كلها، بينما يتحرك إلى الوراء في مصر.

ورغم أن الذين لا يعرفون المجتمعات الأوروبية والأميركية قد يرونها كلها وقد انتقلت إلى عالم ما بعد الحداثة، فإن هذا ليس صحيحا، ففي أميركا مثلا نجد أن سيلكون فالي وولاية كاليفورنيا مثلا يعيشان في زمن ما بعد الحداثة وعالم ال«سوفت وير»، أما مدينة بيتسبيرغ في ولاية بنسلفانيا في الشرق فهي تعيش على صناعات الحديد الثقيلة، تحيا في زمن الحداثة وزمن ال«هارد وير» أو الصناعات الثقيلة، في الوقت ذاته هناك ولايات مثل ألاباما وأيوا وأركنسا، تعيش في زمن ما قبل الحداثة وفي نمط الإنتاج الزراعي..

«ويكيليكس»، ليست حدثا عاديا كما يتصور البعض في محاولة فهم تبعاتها السياسية الآنية، «ويكيليكس» جزء من ظاهرة أكبر مرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة ومفهومنا للزمن وحركتنا فيه. عندما وصلت إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى قادما من قريتي في أقاصي الصعيد عام 1985 أرسلت خطابا إلى أهلي لطمأنتهم بالبريد العادي الوسيلة الوحيدة المتاحة وقتئذ، وجاءني الرد بعد ثلاثين يوما من إرساله! أما الآن، فأرسل رسالة قصيرة عن طريق الموبايل أو الإيميل فتصل للمرسل إليه بعد ثلاثين ثانية. إذن تم اختصار الزمان من ثلاثين يوما إلى ثلاثين ثانية، أي أن اليوم في الثمانينات يساوي ثانية في زماننا الآن، هذه هي التكنولوجيا الحديثة، وهذا جوليان أسانج و«ويكيليكس» قد نقلانا ثلاثين عاما على الأقل إلى الأمام. وهذا ما يقلص فكرة الجغرافيا، ويقلل خطأ من أهميتها، لأنه يخلق وهما لدينا بأننا نتواصل مع بعضنا بعضا من أطراف العالم المختلفة من خلال الرسائل القصيرة والإيميل، فيتكون لدينا انطباع بأن العالم هو قرية صغيرة.. زمن العولمة قلص إحساسنا بالمكان، وبدا الأمر وكأننا نعيش إلى جوار بعضنا بعضا. لكن الخطورة هي أن هذا التصور هو مجرد انطباع خاطئ. وفي هذا السياق الذي يشهد هذه «اللخبطة» بين الجغرافيا والتكنولوجيا، أسرد ما شاهدته منذ يومين يعرض على محطة بريطانية، حيث يقدم برنامج تلفزيوني أكثر الفيديوهات مشاهدة على ال«يوتيوب» خلال أسبوع، وكان منها فيديو لشابة تعلم ممارسة الجنس على ال«يوتيوب»، ولأن هذا الفيديو كان مطروقا بشكل كبير من زوار الإنترنت، فقد التقى معد البرنامج بهذه الشابة وسألها هل كانت تتوقع كمية الغضب والانزعاج التي جاءت في تعليقات على الفيديو من مجتمعات محافظة، فأجابته الصبية بكل تلقائية: «لا، لم أكن أتوقع هذا الغضب، لأنني بصراحة لم أكن أعرف أن الناس في هذه المجتمعات يعرفون الإنترنت».

هذا هو البعد التجريدي والفلسفي في ما حدث، لأن «ويكيليكس» لها دلالات كبرى، منها أيضا المفهوم الجديد الذي طرحته علينا لما هو سر، فما معنى السر أو السري في زمان ما بعد «ويكيليكس»؟.. فمثلا هل كان مهما أن يقبض البريطانيون على من يعتقد بأنها جاسوسة روسية تعمل في البرلمان البريطاني، في وقت تتسرب فيه المعلومات والوثائق بكل هذا الكم الهائل؟

في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، استخدم محمد عطا وجماعته التكنولوجيا المتقدمة للطائرات من خلال تكنولوجيا التخلف المتمثلة في تذكرة سفر وسكين، وارتطم زمان محمد عطا بزمان مركز التجارة العالمي، فأحدث كارثة كبرى.. وقد يرى البعض في ذلك مبالغة في المقارنة، لكن يبقى سؤال: ترى أي كارثة ننتظر عندما يرتطم زمان أحمد عز بزمان جوليان أسانج؟

========================

من مالك بن نبي إلى المهاتما غاندي

بقلم عبدالحسين شعبان

باحث ومفكر عربي

المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية

نقلاً عن مركز الحوار

في آخر زيارة لي إلى الجزائر استعدتُ قراءاتي الأولى للمفكر الجزائري مالك بن نبي، الخلدوني النزعة، لاسيما فيما يتعلق بدورة الحضارات وتعاقبها، و”الكانتي” الاتجاه، خصوصاً لجمعه بين كل من الواجب والحق، و”الجون ديوي” التوجّه، لاسيما بفكره التربوي الحديث، و”الماكس فيبري” التحليل وخاصة نهجه السوسيولوجي

لفت انتباهي إلى مالك بن نبي أحد الأصدقاء الجزائريين الذين كانوا يدرسون معنا في أوائل السبعينيات في براغ، ولذلك سعيت للحصول على بعض كتبه في مطلع الثمانينيات بعد أول زيارة لي إلى الجزائر، وأتذكّر أول كتاب قرأته له كان عن الثقافة والنهضة، وكان بعنوان “شروط النهضة”، وتوقفت حائراً أمام مصطلح بدا لي غريباً، لكن ابن نبي حاول تأصيله نظرياً وعملياً، بما له من علاقة بالتجربة الجزائرية، وهو ما أطلق عليه “القابلية للاستعمار”، أي أن هناك أوضاعاً نفسية تجعل بعض الشعوب مهيأة “لاستقبال” الاستعمار، خصوصاً في ظروف التخلّف، الأمر الذي يحتاج إلى استراتيجية شاملة ضد التخلّف من جهة، وضد ثقافة قبول الاستعمار من جهة ثانية، ولن تتحقق تلك الاستراتيجية إلا من خلال تأمين شروط النهضة التي أولاها الكثير من انشغالاته، ما دفعه للبحث في التراث لتنقيته وتخليصه من الترهات التي علقت به، لاسيما في فترات السبات والانحطاط، وإضاءة الجوانب الإيجابية منه، استناداً إلى حركة ديناميكية لتوعية المجتمع والفرد في آن .

استعدت كتابه “مشكلة الثقافة” وراجعته في خضم بحث أعددته عن “التربية والمواطنة” الذي كان عنواناً لندوة مهمة عقدت بدعوة من “منتدى الفكر العربي” ومشاركة كل من وزارة التعليم العالي الجزائرية والاسسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة) وجامعة البتراء الأردنية، خصوصاً أن مفهوم الثقافة يشمل حياة الناس وسلوكهم وتقاليدهم وطريقة عيشهم، أي واقعهم الاجتماعي، إضافة إلى طريقة تفكيرهم وفلسفاتهم وأديانهم وانتماءاتهم .

جعل ابن نبي الإنسان والوطن والزمن ثلاثية روح الحضارة المهمة، في الأخلاق والجمال والعمران بما فيه من صناعة، وبذلك كانت دعوته لإقامة الجسور وتعزيز الثقة بين الحضارات المختلفة، لا بروح العداوة، بل بروح البناء والمشترك الإنساني، تجاوزاً لحدود الأديان والأمم والقوميات، في البحث عن أسس التعاون والتواصل الحضاري والإنساني .

نشط المفكر مالك بن نبي، القسطنطيني المولد في العام 1905 والديني المنشأ والحداثي التوجّه والتحرري النزوع، في البحث عن شروط النهضة لبلاد العرب، لاسيما قبل وبعد تحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وسعى لإنشاء كومنولث إسلامي، كما كان داعية للفكرة الإفريقية- الآسيوية، وإذا كان قد انتقد الظاهرة الاستعمارية الغربية، لكنه لم يتحوّل في نقده إلى عدو للغرب أو ضد كل ما هو غربي، مثلما درجت على ذلك التيارات الإسلاموية والجماعات المتعصبة والمتطرفة، خصوصاً منذ ثلاثة عقود من الزمان أو ما يزيد، بل حمل نظرة متسامحة ومنفتحة عن العالم .

لعلّ السبب وراء استذكاري لمالك بن نبي وتفتيش مكتبتي، عسى أن أجد ما يعيدني إلى الجو الثقافي الذي تشبث به، كان مشاركتي في أعمال مؤتمر عُقد في نيودلهي تحت عنوان “الهند ودول مجلس التعاون الخليجي - إيران والعراق، مستجدات الأمن وآفاقه”، نظّمه المجلس الهندي للشؤون الدولية بالتعاون مع رابطة الأكاديميين الآسيويين، وبمشاركة نخبة متميّزة من المفكرين والدبلوماسيين والباحثين المختصين . ولكني وأنا في الهند وخارج نطاق عنوان المؤتمر المهم والنقاشات الحيوية، لا يمكن إلاّ أن تستفزني ذاكرتي وما كنت قد قرأته وكتبته، لاسيما في كتابي “فقه التسامح” بخصوص رجل الهند العظيم، المهاتما غاندي، رائد فلسفة التسامح واللاعنف، القائل: “لو وجدت أفضل من التسامح لاخترته، لكنني لم أجد أفضل منه” . وإذا كان التربوي الاجتماعي المفكر مالك بن نبي يمثّل عقلاً ناقداً وبنّاءً، فإن غاندي كان صاحب فلسفة تركت تأثيراتها في العالم خلال القرن الماضي كلّه، وأنجبت دولة اتحادية تتعايش فيها قوميات وإثنيات وأديان وطوائف ولغات مختلفة على نحو مذهل، فإضافة إلى الهندوس هناك المسلمون والسيخ والبوذيون والمسيحيون، وهم يتمتعون بحقوق متساوية في بلد تعددي يعترف بالتنوّع الثقافي وبلغات تزيد على 23 لغة أساسية وأكثر من ألف لهجة محلية، والهند بلد شاسع مترامي الأطراف والطقوس والمناخات لسكان يزيدون على مليار و20 مليون نسمة، يتوزعون على 25 إقليماً اتحادياً (فيدرالياً) .

قضى غاندي حياته مدافعاً عن الحرية واستقلال الهند، وتمكن من قيادة حركة جماهيرية مدنية- سلمية واسعة، تحت لواء اللاعنف محقّقاً انتصاراً تاريخياً على بريطانيا العظمى في العام ،1947 ورغم الانتصار الكبير وبذر بذور التسامح واللاعنف هندياً، فإن غاندي نفسه ذهب ضحية العنف من جانب بعض المتطرفين والمتعصبين وأعداء التسامح، وذلك حين أقدم فاتورام غودسي على اقتراف جريمة اغتياله في 03 يناير/كانون الثاني ،1948 وبرّر القاتل دفاعه في المحكمة أن غاندي سمح للبريطانيين بقتل الهنود بسبب إيمانه بسياسة اللاعنف، وذلك ردّاً على سؤال القاضي لماذا قتل غاندي؟

وإذا كان مالك بن نبي قد درس في باريس وتخرّج فيها وتعرّف إلى المستشرق الفرنسي الشهير ماسينيون الذي كتب عن ثورة الزنج، فإن غاندي تخرّج في جامعة اكسفورد (كلية الحقوق) في بريطانيا، داعياً في فلسفته اللاعنفية إلى التشبث بالعقلانية والواقعية وعدم الإنجرار وراء ردود الفعل غير العقلانية، مؤمناً بحتمية انتصار الحقيقة في نهاية المطاف . وبالفعل فقد كان سلاح الإضراب ورفض دفع ضريبة الملح التي فرضتها بريطانيا والتشجيع على التمسّك بالوطنية الهندية أدوات للانتصار على بريطانيا التي اضطرّت إلى التسليم باستقلال الهند .

وكما اعتقد ابن نبي أن رفض التخلّف والقضاء عليه، ومواجهة الاستعمار كفيل بانبعاث حضاري جديد مستفيداً من الحضارة الغربية ذاتها، فإن غاندي آمن بأن القضاء على الفقر والجهل والأمية، كفيل بنشر قيم اللاعنف ومقاربة العدالة، بالوسائل السلمية المدنية الحضارية . ولأن ابن نبي وغاندي كانا صاحبي فلسفة عميقة استقياها من دراستهما الحداثية، لاسيما في الغرب إضافة إلى قراءتهما لتاريخ شعوبهما، فالأول حاول تطبيقها عبر التربية على الحق بتأكيد الواجب، والثاني من خلال نشر التعليم والقضاء على الأمية، ولذلك فإن ما تركاه لنا من تراث أصبح ملكاً للبشرية جمعاء وإن تفاوت تأثير كل منهما .

ولعل توجهاتهما التربوية تنسجم مع أطروحات “جون ديوي” الفيلسوف التربوي الأمريكي الكبير الذي دعا منذ أوائل القرن العشرين (العام 1915) إلى فلسفة تربوية حديثة تقوم على ثلاثة أركان هي: الوعي الذاتي للإنسان والمجتمع (مستلزمات العنصر البشري)، وإتقان المناهج والأداء (الأساليب والطرائق)، والتنظيم والادارة (الأساس الذي لا غنى عنه لنجاح أي مشروع) .

وعلى الرغم من تفاؤل ابن نبي، لاسيما في مرحلة صعود حركة التحرر الوطني وأثناء عيشه في القاهرة، ثم عمله مديراً للتعليم العالي في الستينيات بعد تحرر الجزائر العام 1962 من ربقة الاستعمار، ومن ثم تعيينه مستشاراً للمؤتمر الإسلامي في القاهرة، إلاّ أن قضية تأسيس مشروع نهضوي ثقافي كانت شغله الشاغل الذي انصرف له كلياً، لكن غاندي الذي حقق حلمه الأول بالاستقلال وارتفع علم بلاده على يد رئيس وزرائه جواهر لال نهرو في 15 أغسطس/آب 1947 معلناً انتهاء الحكم البريطاني، لم يتمكن من رؤية حلمه الكبير يتحقق، في بناء مجتمع التسامح واللاعنف، بالوسائل السلمية- الديمقراطية، إلا أن رايات هذا الحلم ترفرف اليوم خفاقة على مدى اتساع الأراضي الهندية والتي تضم “راجات” حيث يرقد غاندي في مثواه الأخير والتي أصبحت مزاراً يؤمّه الناس من جميع أنحاء العالم .

لعل معلومة مثيرة كانت مبرراً آخر لهذه المقالة، وهي أن مالك بن نبي التقى غاندي في باريس في العام ،1932 حيث كان يعيش فيها، وكان غاندي قد زارها في إطار حركته اللاعنفية التي كان يبشر بها من بريطانيا إلى جنوب إفريقيا إلى العالم كله، والتي وجدت لها تربة صالحة ولا تزال في الهند حيث التنوّع والتعددية والثقافات واللغات والأديان المختلفة .

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ