ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 20/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

عبثية التوجه إلى مجلس الأمن

علي الصفدي

الدستور

19-12-2010

بعد أن مُني التفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي المباشر بفشل ذريع ووصل إلى طريق مسدود وفق ما كان متوقعاً جرّاء سياسات حكومة نتنياهو العنصرية - الاستيطانية التي لا تؤمن بحل الدولتين ولا تريد المفاوضات إلا من أجل المفاوضات ليس أكثر ، وبعد أن عجزت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما وبالرغم من كل الإغراءات المالية والتسليحية والضمانات الأمنية التي قدمتها لإسرائيل ، عن إقناعها بتجميد شكلي جديد للاستيطان في القدس والضفة الغربية لا تزيد مدته عن ثلاثة أشهر ، فتراجعت عن مسعاها وأعلنت تخليها كلياً عن بذل محاولات جديدة لوقف الاستيطان وعمليات التوسع في قضم الأراضي الفلسطينية ، وبعد أن نعت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها ليوم الأربعاء الماضي العملية السلمية وأعلنت موتها بهدوء ، وبشكل غير درامي مع استمرار الاستيطان ، دون وجود من يأخذ جثتها ، بعد كل ذلك لم تجد السلطة الوطنية الفلسطينية أمامها من بديل سوى التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بدعم من لجنة المبادرة العربية بغية استصدار قرار بوقف الاستيطان والإقرار بعدم شرعيته في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في حدود ما قبل حزيران 1967 ، وكأن الطريق إلى ذلك القرار مفروش بالورود ، فلو كان أمر استصدار القرار الدولي يسيراً لما انتظرت السلطة ومعها الدول العربية جميعها كل هذه السنوات العجاف التي مرت على حالة الجمود السلمي منذ اتفاقات أوسلو وحتى الآن ، فالفيتو الأمريكي يقف بالمرصاد لأي قرار لا يتفق مع التفاهمات التحالفية الأمريكية - الإسرائيلية ، وقد استبق مجلس الشيوخ الأمريكي التحرك الفلسطيني فقرر أن واشنطن لن تعترف بالدولة المطلوبة فلسطينياً لأنه يعتبر ذلك إعلاناً أحادي الجانب ، وأن مجلس الشيوخ طلب من الإدارة الأمريكية استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد الطلب الفلسطيني ، وأعلن (هوارد برمان) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أنه يتوجب على الولايات المتحدة القيام بحملة دبلوماسية لإقناع دول العالم بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، الأمر الذي اعتبرته السلطة انحيازاً مطلقاً إلى جانب إسرائيل واحتلالها اللامشروع ، وتشجيعاً لها على مواصلة سياساتها المعادية للسلام والذي من شأنه أن يضعف الدبلوماسية الأمريكية وقدرتها المتآكلة على لعب دور الراعي لعملية السلام.

وتثبت محاولة طرح أحد البدائل الفلسطينية أن لا جدوى من مثل هذا الخيار ومن كل ما يتم التلويح به من بدائل ، لأنها تصطدم بواقع دولي وأمريكي غير آبه بممارسة أي ضغط على إسرائيل لإلزامها قانونياً بوقف تعدياتها المتواصلة على أرض فلسطين وعلى شعبها الرازح تحت نير استعمار صهيوني عنصري عدواني ، فإسرائيل لا تعرف سوى لغة القوة ، ولا تتقن غير استخدامها ، ولا يردعها عن غطرستها ، ويوقفها عند حدها سوى لغة قوة مضادة لقوتها ، وإلا فكارثة الضياع الكلي تتربص بسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

=====================

هل يتعظ العرب الأميركيون من اللوبي اليهودي؟!

د. أسعد عبد الرحمن

الرأي الاردنية

19-12-2010

مع تعاظم معضلة القضية الفلسطينية، التي تصر الولايات المتحدة على اعتبارها مصلحة أمريكية عليا، بات مشروعا أن نتساءل: لماذا لم ينجح حتى الآن مئات الآلاف من العرب الأمريكيين من تشكيل لوبي عربي فاعل، يجاري، حتى لا نقول يوازي، قوة اللوبي اليهودي؟! وهل يمكن أن نرى «لوبيا» عربيا في قادمات الأيام قادراً على لعب دور إيجابي في عملية «التسوية»؟! وهل يمكن لهذا اللوبي الاستفادة من تجارب نظيره الإسرائيلي في الولايات المتحدة؟! هل يمكن للوبي عربي إقامة جسور التعاون مع القوى اليهودية الأمريكية المعتدلة لمقاومة التأثير الشرير للوبي اليهودي على السياسة الأمريكية؟!

ومع حزننا على مجمل أوضاعنا، ومن ضمنها عدم تبلور «لوبي عربي» في واشنطن يملك قاعدة جماهيرية واسعة، يدعم الموقف الرسمي والشعبي العربي ويكون فاعلا في تغيير السياسة الامريكية بشأن الصراع في الشرق الأوسط، إلا أن هناك الآن فرصة حقيقية لنجاح هكذا لوبي، بعد أن أدرك العالم الغربي، ومن ضمنه الولايات المتحدة خطر التطرف اليميني الإسرائيلي على مصالحه في الشرق الأوسط.

 

نجاح اللوبي اليهودي لم يكن ليحدث فقط بسبب رغبة اليهود في التوحد بقدر ما كان نتيجة لنضج مؤسسات اليهود التنظيمي والسياسي. وفي السياق، فإن نظرة سريعة على المؤسسات والجمعيات الأمريكية الداعمة للشعب الفلسطيني تبين أن أمام العرب الأمريكيين فرصة كبيرة لإنضاج لوبي فاعل عبر التنسيق وربما التوحد مع هذه المؤسسات والجمعيات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ثمة مؤسسات مثل: «اعملوا لوقف الحرب وإنهاء العنصرية» التي تأسست بعد هجمات أيلول 2001، وتعادي الصهيونية وتتعاطف مع الفلسطينيين. ثم مؤسسة «العودة» وهي تحالف ينشط في الجامعات الأمريكية، ويدافع عن حق العودة واللاجئين الفلسطينيين. كذلك، هنالك «مجلس العلاقات الأميركية – الإسلامية» الذي زاد نشاطه بعد أيلول 2001، الأمر الذي جعله هدفا للجماعات الصهيونية. يضاف إلى ذلك منظمة «لو عرف الأميركيون»، التي أسستها الصحافية الأمريكية (اليسون وير) التي زارت الضفة الغربية وقطاع غزة في 2001 ووجدت ان الحقائق على الأرض نقيض لما يسمع الأمريكيون في بلادهم، وغيرها الكثير. وتزايد عدد هذه المنظمات والجمعيات، حدا بزعيم «رابطة مكافحة التشهير باليهود» (ابراهام فوكسمان) لإدراك خطرها بالقول: «هناك مئات الجماعات التي تشارك في نشاطات ضد اسرائيل، وقد حدّدنا أكبرها وأكثرها نشاطا»!!! في هذا المجال، تبرز «حركة التضامن الدولية» التي تأسست عام 2001 كجماعة تعمل ضد التفرقة العنصرية (الابارتهيد) الذي تمارسه اسرائيل ضد الفلسطينيين. ولربما تكون هذه من أهم المنظمات خاصة لجهة فضحها السياسة الإسرائيلية على الأرض عبر مشاركاتها الفاعلة في التظاهرات الأسبوعية في قرى الضفة ضد جدار الفصل العنصري. كما أن «الحملة الأمريكية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي» التي تنضوي تحتها 180 منظمة أمريكية مناهضة للاحتلال منتشرة في أكثر من 32 ولاية أمريكية، هي التي قامت بتقديم خطاب للكونغرس الأمريكي في 16 حزيران/ يونيو 2009 تطالب فيه بتجميد المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني أو تعليقها حتى قبول إسرائيل بما وصفته ال 180 منظمة بشروط تخدم مصالح السياسة الأمريكية.

 

كما يجب استثمار المؤسسات الإعلامية وثورة الاتصال والمعلومات التي باتت تسهل عمل جماعات الضغط السياسي والإعلامي. فعلى نحو معكوس، عندما ازداد سخط الرأي العام الأمريكي من السياسات والممارسات الإسرائيلية الوحشية، سارع أنصار إسرائيل بإنشاء «اللجنة الطارئة من أجل إسرائيل»، والتي من ضمن أهدافها مهاجمة (إدارة أوباما) بسبب سياستها في التعامل مع إسرائيل.

 

الكل يعرف ان السياسة الخارجية الامريكية هي انعكاس في معظم الاحوال لتأثير اوضاع السياسة الامريكية الداخلية ودور جماعات الضغط. لذا، فان اي صانع قرار امريكي في البيت الابيض أو الكونغرس (أو حتى في أي جزء من العالم الغربي) لا يرى ضرورة لمراعاة خواطر العرب عند اتخاذ اي قرار بشأن المنطقة، في حين انه يهتم كثيرا ويحرص بشدة على ارضاء اسرائيل حتى لو استباحت الأرض الفلسطينية كلها. بالمقابل، في الولايات المتحدة آلاف الأكاديميين العرب وحملة الشهادات العليا يتبوأ الكثير منهم مراكز علمية وإعلامية مهمة، إضافة إلى الإمكانيات المادية والمساهمات المالية الكبرى للعرب في الجسم الاقتصادي والمالي الأمريكي. وإذا أحسن استثمار هذا الوجود سياسيا سيكون له دور وتأثير فاعلان. فهل يتعظ العرب الأمريكيون؟!! وقبلهم، هل يتعظ العرب الآخرون: حكومات وفعاليات؟!!

=====================

استراتيجية أوباما.. بين الفشل والقفز في الهواء

يوسف الحوراني

الرأي الاردنية

19-12-2010

على مسافة عام من الخطاب «الشهير» الذي ألقاه في جامعة القاهرة، والذي بدا وكأن سياسة أمريكية جديدة تشرع أبوابها نحو فهم قضايا ومشكلات المنطقة وأن صفحة جديدة تحدد مسار السياسة الأميريكية نحو العالمين العربي والإسلامي، أعلن باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميريكية عن ما سمي ب « إستراتجية أوباما «، مستفيدا من تجربة الرؤساء السابقين وتصحيح ما وقعوا فيه من أخطاء، شريطة الحفاظ على النهج العام للسياسة الأميريكية بما يخدم مصالحها في العالم.

 

وفي مراجعة سريعة لما حققته هذه الإستراتجية التي ارتكزت على عنصرين أساسيين في سياساتها الخارجية، الأول، وضع كل إمكانيات الولايات المتحدة الإقتصادية والتقنية والثقافية والإيديولوجية في خدمة هذه السياسات كعنصر أساسي لتحقيق مصالحها دون التخلي عن القوة العسكرية في حالات الضرورة، وإخضاع العمل العسكري لصالح التحركات السياسية بخلاف ما كانت عليه سياسة خلفه بوش الأبن الذي انتهج سياسة الحرب الإستباقية وفق نظرية الصدمة والرعب وفرض العقوبات وممارسة سياسة الإحتواء لتحقيق الأهداف السياسية والمصالح القومية، وإخضاع كل ماهو سياسي لصالح العمل العسكري.

 

والعنصر الثاني، تسخير المؤسسات الدولية ( مجلس الأمن) والقوى الحليفة المتعاونة والتي تخضع لتأثيراتها وزجها في معاركها هي ووفق رغباتها وسياساتها التي يجب أن تسهم في الرد عليها كل الدول التي لها مصلحة في التصدي لها. وترى الإستراتجية الأوبامية أن الإقتصاد العالمي شبكة من المصالح المشتركة مركزه الولايات المتحدة ويدور في فلكها وما تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها في معظم دول العالم إلا أحد تجليات ذلك.

 

لذا سعى الرئيس الأمريكي الى تصليب دور الهئيات الدولية (مجموعة العشرين ) و (الدول السبع) بما تملكه من إقتصاديات قوية وإمكانات مالية كبيرة تشكل الولايات المتحدة الأمريكية فيها مركز الثقل والمحرك لها مستندة لما تتمتع به من قوة عسكرية وإقتصادية وتكنولوجية وعلمية وبإعتبارها القطب الأوحد القادر على تحقيق مصالح هذه الدول التي لا تتعارض مع مصالحها، ساعية من وراء هذه السياسة إلى إبقاء العالم تحت رقابتها وهيمنتها بالقبض على الأهداف الإستراتجية وبخاصة الإقتصادية منها، من خلال الإبقاء على قوتها المنتشرة في العالم برا وبحرا وجوا يقظة ومتأهبة لدعم أهدافها السياسية.

 

لقد حاول اوباما خلال العام الأول من رئاسته، أن يخرج بلاده من الظروف الصعبة التي أورثته إياها سياسات بوش الأبن بسبب حربيه غير العادلتين في العراق وأفغانستان وما الحقته من أضرار للسياسة الخارجية الأمريكة وما خلقته من أزمات داخلية. والإعتراف الذي قدمه في تقييم استراتيجيته الخميس الماضي بفشل حربه في العراق و«التقدم الهش» والقابل للإرتداد في أفغانستان، والقرار بالانسحاب منه عام 2014 إلا نتيجة لقناعة إدارته بأن أهداف الحرب لضمان سلامة بلاده أصبحت أمراً مشكوكاً فيه وأن المعارضة في الشرق تزداد قوة وأن زيادة عديد قواته لم تحقق الهدف المرجو، ولذا حاول اوباما الاستنجاد والتعويل على أن تلعب باكستان دورا مغايرا في أفغانستان.

 

أوباما الذي استشعر الهزيمة وفشل استراتيجيته، وفشله الفاضح وإخفاقه في معالجة قضايا المنطقة وخاصة في فلسطين والعراق والسودان ولبنان واليمن قد تدفعه الى تحويل اتجاه بوصلته بالعودة لإنتهاج سياسات سلفه، والتجربة لا توحي بأن الرجل قد تعلم الكثير، وصار على النظام العربي، أن يبدي الكثير من الحذر والتخوف وأن يبدأ التفكير بتقليع شوكه بيده .

=====================

أفغانستان.. مقبرة الإمبراطوريات

سمير الحجاوي

hijjawis@yahoo.com

الرأي الاردنية

19-12-2010

«تفادي الهزيمة الكاملة والبحث عن مخرج مشرف».. هو العنوان الحقيقي للمراجعة الأمريكية الأخيرة في أفغانستان، فقد أكدت هذه المراجعة التي أعدها مجلس الأمن القومي الأميركي « أن المكاسب التي حققتها قوات الحلفاء هشة يمكن أن لا تدوم رغم تأكيده أن الحرب تسير «كما هو مخطط لها» بدون تقديم أي أدلة أو تفاصيل تؤيد ذلك.وذهبت إلى أن «التقدم يكفي للسماح للقوات الأميركية بالبدء في «الانسحاب المسؤول» من أفغانستان في منتصف العام المقبل.

 

الرئيس الأميركي باراك أوباما حاول أن يجمل وجه المراجعة الإستراتيجية لبلاده في أفغانستان بقوله إن العمليات الأميركية المتواصلة وضعت مزيدا من الضغوط على تنظيم القاعدة،وان التنظيم «مختبئ».. وأن هزيمته ستستغرق وقتا، لأنه ما زال عدوا صلبا لا يعرف الرحمة».

 

هذه بعض الاقتباسات من المراجعة التي أعلنها الرئيس الأميركي، وهي لم تتطرق للحديث عن «انتصار» على طالبان، بل إن وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون كانت أكثر صراحة حين قالت «لا اعتقد أنكم ستجدون أشخاصا في قيادة هذه الإدارة، بمن فيهم الرئيس، يضعون سيناريوهات وردية، فقد كانت مراجعة صعبة للغاية»، إلا أن رئيس أركان الجيوش البريطانية ذهب ابعد من ذلك عندما قال «إن النصر الكامل في أفغانستان مستبعد وغير ضروري، وان القاعدة لن تمنى يوما بهزيمة كاملة»، واعتبر ميخائيل غورباتشيوف آخر زعيم سوفيتي «أن انتصار الغرب في أفغانستان أمر مستحيل». وهو ما حذرت منه «مجموعة الأزمات الدولية» في تقرير نشرته «من أن الغربيين يفشلون في أفغانستان وان انسحاب قواتهم القتالية المرتقب في نهاية 2014 يمكن أن يدفع البلاد نحو حرب أهلية.. وانه بدون دعم خارجي فان الحكومة ستنهار وحركة طالبان ستسيطر على معظم أنحاء البلاد والنزاعات الداخلية ستتفاقم»، وهو رأي تشاطرهم فيه كيت كلارك كبير الباحثين الدوليين في «شبكة المحللين الأفغان»، ومقرها كابل وتؤكد كلارك «أن التقرير الأميركي متفائل لدرجة فائقة، وان تقييمه للوضع «غير واقعي»، وتجاهل نقاطا عدة خصوصا «تقدم طالبان باتجاه الشمال.وتقول الباحثة إن «الفكرة الأميركية بان تقدما يحصل حاليا مقلقة للغاية، لأنه من المستحيل تصور كيف يمكن أن تقود الإستراتيجية الحالية إلى السلام أو الاستقرار على المدى الطويل»، وعندما سئل وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن النحو الذي ستسير عليه الأمور بعد تموز- يوليو 2011، أجاب: «لا نعرف في هذه المرحلة».

 

هذا هو الحصاد المر للأميركيين وحلفائهم في أفغانستان، هزيمة قاسية لم يبق سوى الإعلان عنها، فمع دخول الحرب عامها العاشر لم تتمكن الولايات المتحدة من القضاء على طالبان، وباتت الحرب الأميركية- الغربية في أفغانستان أطول من الاجتياح السوفيتي لهذا البلد في ثمانينيات القرن الماضي، وهي الحرب التي دقت آخر مسمار في نعش الإمبراطورية السوفيتية وقادت إلى سقوطها وتفككها.

 

الجنرالات والسياسيون الكبار في العالم يصفون أفغانستان بأنها «مقبرة الإمبراطوريات»، والإمبراطورية الأميركية ليست استثناء، فقد تحولت أفغانستان إلى مستنقع تحاول الخروج منه أميركا بأقل الخسائر، فلا احد يستطيع أن يكسب حربا في ارض لا يتقن أهلها سوى القتال ولا ينتصر فيها احد.

=====================

المسؤولية الدولية تجاه البيئة

ميخائيل جورباتشوف (آخر رئيس للاتحاد السوفييتي)

 «نيويورك تايمز الاميركية»

الرأي الاردنية

19-12-2010

أمضيت شهر أغسطس بكامله في موسكو. فمن كان في العاصمة الروسية آنذاك لن ينسى يوماً السحب الدخانية الكثيفة الناجمة عن الحرائق الهائلة في المناطق المجاورة والتي خنقت المدينة لأسابيع. فبدت المدينة مغمورة بواقع مغاير، إذ عانى الناس، والنبات والحيوانات العذاب والإحباط والخوف.

وحتى مؤخراً، تحدث العديد في روسيا، ومن بينهم أعضاء من النخبة الحاكمة عن الاحتباس الحراري، ولكنّهم كانوا يشكّون بذلك مع ازدراء البيانات العلمية.

بيد أنّ دائرة الشكوك هذه تقلّصت اليوم. ولكن بالطبع، هذا التفاوت غير الطبيعي في الطقس هو من ضمن العديد من التفاوتات الأخرى التي ظهرت في هذا العام. فكانت انزلاقات التربة في الصين، وارتفاع نسبة الجفاف بشكل استثنائي في أستراليا والهند، بالإضافة إلى الفيضانات في باكستان وأوروبا الوسطى، وغيرها.

 فالعام 2010 سيكون أبرز الأعوام من خلال نسبة الاحتباس الحراري المرتفعة، في حين تم الحديث في شهر أغسطس الماضي عن انجراف قطعة جليدية كبيرة، تضاعف حجم باريس، ومصدرها النهر الجليدي في جرينلاند، فكانت هذه الأخبار بمثابة تهديد يسبّبه الاحتباس الحراري.

ولكن في المقابل، وعلى الرغم من الخطر الواضح والمتزايد لتغيّر المناخ، فإنّ وتيرة المفاوضات والإجراءات المعتمدة لمواجهته شهدت تراجعاً.

 فالشعب يشعر بالإحباط إزاء قدرة الحكومات على مواجهة المشكلة بفعالية. وهذه المسألة قد تؤدّي على نحوٍ محفوف بالمخاطر إلى تحرّر الشعب ولا مبالاته.

ما الذي حصل؟ ما سبب هذا الانحراف كلّه في العام الذي تلا مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في كوبنهاجن السابق لأوانه؟ تكمن الأسباب في فشل القادة السياسيين وضعف الإرادة في صفوف الذين خضعوا للمصالح المكتسبة فضلاً عن عدم قدرة الحكومات على القيام بتسويات تلبي المصالح المختلفة في معظم الأحيان وهي تابعة لأبرز محرّكي العجلة الاقتصادية والسياسية في العالم.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مؤتمر كوبنهاجن لم يأت بالتوقعات المنتظرة. فالهوة الكبيرة بين الدول النامية والدول المتقدمة وقفت حجر عثرة في طريق الهدف الرئيس والطموح لاتفاق المناخ العالمي.

 وبدل أن تقوم وسائل الإعلام بتحليل أسباب هذا الإخفاق وتعقيداته، وتحثّ على العثور على حلول واقعية وبناءة، سارعت هذه الأخيرة إلى وصف هذا المؤتمر بالفشل المدقع.

 فبعض المعلّقين رفعوا أيديهم بيأس في حين شعر آخرون بالارتياح، ولكن قلّة هم الذين قدّموا تحاليل جيدة ودقيقة أو أفكاراً إيجابية.

ونذكر في هذا الإطار فضيحة «كلايمت جيت»- المهندسة بشكل دقيق والتي اختلست اقتباسات من رسائل البريد الإلكتروني لعلماء المناخ– وحملة لتكذيب اللجنة الدولية للتغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة التي ساعدت أيضاً على تضليل الشعب إلى حدّ كبير. فحالياً ما من شيء مفاجئ في عناوين الصفحة الأولى الرئيسية التي تسلّط الضوء على اتهامات دُحضت في ما بعد: إذ يتم تمويل مجالس الشركات التي تنظّم حملات لمكافحة التغيير المناخي بإسراف، مستنزفة بالتالي من يدعم الخطوات الضرورية بنسبة 7 مقابل واحد.

وتظهر الإعانات المالية السنوية بقيمة 550 مليون دولار وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة توجيهها إلى قطاع الوقود الأحفوري في مجال الطاقة.

 هذا صحيح، فقد أعلنت مؤخراً مجموعة العشرين للقوى الاقتصادية عن إعانات مماثلة – ولكن «على المدى المتوسط.»

يدرك الجميع أنّه لا يمكن تجاهل مسألة التغييرات المناخية، فلا تزال المفاوضات المتعلقة بكيفية مكافحة التغييرات المناخية مستمرة.

 وبعد الجولة الأخيرة من المحادثات في الصين، أسنأنفت الأمم المتحدة أعمالها في مدينة كانكون في المكسيك. بيد أن المشاركين يبدون قلقهم المتزايد حيال «الحد من التوقعات» بدلاً من تحقيق النتائج الأولى الملموسة.

 ولا يزال الدبلوماسيون والخبراء يعلّقون على مسائل تقنية، في حين سُمعت أصوات تؤيد أبسط الحلول الممكنة، أو إعادة تهيئة العملية حتى، آملين أن يأتي قطاع الأعمال بحلول تكنوقراطية للتغييرات المناخية.

ولكن على هذا النحو لن نمضي قدماً، فعلى الرغم من اضطلاع قطاع الأعمال بدور رئيس في الانتقال إلى اقتصاد قليل الكربون - مع قدرته على تكييف تقنيات جديدة وجني الأرباح منها، إلا أنّ هذا القطاع ساذج، على الأقل، بحيث لا يمكننا أن نتوقّع منه أن يصبح المحرّك الرئيس لهذه العملية. فالواقع أنّ مجتمع الأعمال سيقوم دائماً بالأفضل: فيبحث عن مصالحه الخاصة ويضاعف الأرباح على المدى القصير.

 أما في ما يتعلق بالنظرية التي تفيد أن «السوق الحرة»، هي الحل لكل شيء، فيجدها البعض مقنعة وبوجهٍ خاص بعد أن قاد مؤيدوها الاقتصاد العالمي إلى حافة الهاوية.

أما الاقتراحات التي تفيد أنّه يجب ترك الصراع لمكافحة الفوضى المناخية لأكثر الدول «تقدّماً» فهي غير مقبولة البتة. لن يتسبب ذلك في انتهاك دور الأمم المتحدة والإساءة إلى مصداقيتها وحسب، بل قد يؤدي إلى توسيع نطاق الفجوة بين الدول النامية والدول المتقدمة.

ومن الواضح أنّه يتعيّن على الدول التي تنمّي قوتها الاقتصادية، أن تتحمّل المسؤولية الأكبر تجاه البيئة، فعلينا إقناعها أنّ ذلك يخدم مصالحها بشكلً جيد؛ كما يجب أن نبذل قصارى جهدنا لإنشاء حوافز تتيح لها اعتماد تقنيات الطاقة الفعالة والوقود البديل، بالإضافة إلى تحفيز الدول المستعدة لنقل هذه التقنيات إلى الدول النامية. ويمكن عقد اتفاقيات بهذا الشأن ضمن إطار عمل متعدد الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة فقط.

وبالتالي، وعلى الرغم من كون عام 2010 أكثر الأعوام خيبة بالنسبة إلى الذين يدعون إلى اتخاذ الخطوات الضرورية للحفاظ على كوكبنا، فليس بوسعنا تحمّل فرضيات الفشل أو التشاؤم.

 لم يرضخ العديد من الأشخاص في المجتمع المدني للانهزامية، وهم مستعدون لاتخاذ تدابير تفرض على الحكومات الاستماع إليهم.

ومن المأمول أن غريزة الحفاظ على الذات في كوكبنا أن تلزم القادة العالميين باستئناف مفاوضات جدية ذات أهداف طموحة.

=====================

غزة: حتى لا يتكرر سيناريو «قبرص التركية»

الأحد, 19 ديسيمبر 2010

خالد الحروب *

الحياة

قطاع غزة ينفصل عن الجسم الفلسطيني يوماً بعد يوم، وعلى مرأى ومتابعة القيادات الفلسطينية الأنانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى مرأى الدول العربية المجاورة، التي ستدفع هي الأخرى ثمناً باهظاً بسبب تكرس الانفصال الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني. الوضع الراهن يسير حثيثاً باتجاه تنفيذ رؤية أفيغدور ليبرمان، العنصري الكبير في حكومة نتانياهو ووزير خارجيته. ليبرمان طرح فكرة التخلص من غزة نهائياً وتدريجياً ورفع يد إسرائيل عنها، والسماح للمجتمع الدولي بتوفير مقومات الحياة للقطاع وأهله من دون المرور بإسرائيل. عملياً تدلل المؤشرات على أن السياسة الإسرائيلية تتحالف مع التعنت الفلسطيني الضفاوي الغزاوي في تحويل رؤية ليبرمان إلى واقع سياسي وجغرافي. وبكل الأحوال، فإن فكرة التخلص من غزة وسكانها ليست جديدة، بل نعرف أنها دغدغت أحلام قادة إسرائيليين عديدين وتخطيطاتهم، قادة تمنوا أن يستيقظوا ويروها غارقة في البحر، كإسحاق رابين عام 1992. وقد مثل الانسحاب الأحادي الجانب من القطاع والذي نفذه شارون عام 2005، التجسيدَ الأهم لتلك الأحلام، وإن لم ينجح وفق ما تم التخطيط له: أي أن ترمي إسرائيل القطاع فتتلقفه مصر، فالذي حدث أن إسرائيل رمت لكن مصر رفضت أن تتلقف.

بيد أن المصيبة الكبرى حالياً هي أن إعادة غزة إلى الجسم الفلسطيني ليست أولوية عند «فتح» وليست أولوية عند «حماس»، وهذا يُقرأ من خلال السياسة الصبيانية التي يتعامل بها الطرفان مع ملف المصالحة، والتشاطر السمج لكل طرف لفرض شروطه على الآخر، فيما يتكرس انقسام الوطن وتتعقد مسألة الوحدة. فالحديث المتثائب عن المصالحة لا يصدر إلا من باب فك العتب ليس إلا، ويتم استخدامه لفظياً كمحاججة تناكفية لا أكثر ولا أقل. الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستخدم ملف المصالحة كورقة للضغط والتهديد إزاء إسرائيل والولايات المتحدة على خلفية فشل المفاوضات، وللتلويح للعالم بأن قطع طريق التفاوض لا يترك له خياراً سوى المصالحة مع «حماس». وتطرح هذه النظرة للمصالحة تساؤلاً مقلقاً حول مدى اهتمام الرئيس وإدراكه لخطر الانقسام الراهن وترسخه اليومي من خلال المأسسة الكيانية المنفصلة في المنطقتين. ولماذا لا تحتل المصالحة أولوية الأولويات على جدول اهتماماته؟ وكيف يمكن أن تتقدم المفاوضات كأولوية على المصالحة، في حين يدرك الرئيس عباس وكل المتابعين أن الوصول إلى أي اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبفرض حدوث معجزة وتذليل كل العقبات دفعة واحدة، لن يتم تطبيقه إلا في الضفة الغربية في ضوء الانقسام الراهن.

على الطرف الآخر من المرارة قال رئيس الحكومة في قطاع غزة اسماعيل هنية في خطابه المطول والعالي النبرة بمناسبة ذكرى انطلاق «حماس» هذا الأسبوع، قال إن حركته لن تلهث وراء المصالحة، وإنها ستقترب منها بقدر ما تقترب منها «فتح». وهذا يطرح تساؤلات عدة، أهمها: إن لم تلهث «حماس» خلف المصالحة والوحدة الوطنية والتئام الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، فوراء ماذا تلهث إذن؟ ثم لماذا تربط «حماس» اقترابها من المصالحة باقتراب «فتح» منها فقط؟ ماذا لو افترضنا أن «فتح» قالت انها لا تريد المصالحة، فهل ستردّ «حماس» بالموقف نفسه؟ فالواقع العملي الغزّي يقول أن سياسة «حماس» على الأرض تباعد بينها وبين المصالحة.

على كل حال يبدو من ناحية فعلية أن أولوية كل من التنظيمين لا تتعدى ترسيخ سيطرة كل منهما على جزء الجغرافيا التي يسيطر عليه، هذا على رغم أن السيطرة المُتنافس عليها هي سيطرة صورية، فالاحتلال هو المُسيطر الكلي على الوضع العام، بما في ذلك على الطرفين وعلى الجزأين الجغرافيين المنقسمين.

هناك أسباب مهمة وراء الرغبة والسياسة الاستراتيجية الإسرائيلية للتخلص من غزة، وهي نفسها التي من المفترض أن تدفع الفلسطينيين الى اعتبار أولوية أولوياتهم تقديم المصالحة وتأكيد الارتباط العضوي الجغرافي والديموغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. أول تلك الأسباب يكمن في أن بيئة القطاع السكانية المتخمة باللاجئين المطرودين من مدنهم وقراهم الأصلية في الشمال الفلسطيني كانت على الدوام محضن الانتفاضات الفلسطينية. ولم تستطع إسرائيل تحقيق نجاح حقيقي في السيطرة على القطاع وإخضاعه لسيطرتها العسكرية والأمنية. وثاني تلك الأسباب يكمن في الكثافة السكانية للقطاع بمليونه ونصف المليون راهناً والثقل الكبير الذي يمثلونه في ميزان القوى الديموغرافي في فلسطين التاريخية. والتخلص منهم يعني كسر ذلك الميزان وقصر مكوناته على فلسطينيي الضفة الغربية والخط الأخضر. والسبب الثالث يتمثل في أن القطاع هو الرئة البحرية الوحيدة لأي دولة فلسطينية قد تنشأ في المستقبل، والتي ستكون شريان الحياة الحقيقي لتلك الدولة وتواصلها مع العالم. عندما يتم فصم القطاع جغرافياً وسياسياً وحشر مَن فيه في كيان لا تعريف له في القانون الدولي، فإن إسرائيل تحقق عدة أهداف في آن واحد. ففضلاً عن إخراج القطاع وسكانه من المعادلة الديموغرافية، فإنها تضمن أن الدولة الفلسطينية الموعودة حتى لو قامت على كل مساحة الضفة الغربية فإنها ستكون ضعيفة جغرافياً ومحاصرة ولا منفذ لها على البحر. وفي الوقت نفسه فإن الكيان الناشئ في قطاع غزة سيكون ضعيفاً ومحاصراً وانفتاحه على البحر سيكون مضبوطاً بمراقبة دولية أطلسية أو أوروبية.

إذا استمر القصور الاستراتيجي الفلسطيني والعربي إزاء مسألة الانقسام كما هو، فإن قطاع غزة سينتهي إلى حالة شبيهة ب «قبرص التركية»، وهي حالة مثالية بالنسبة الى إسرائيل، وقد سبق لكاتب هذه السطور أن كتب عن انحدار الوضع الغزّي باتجاه تلك الحالة. والخلاصة هنا هي أن القطاع سيأخذ شكلاً كيانياً لا تعريف له في القانون الدولي، لكن سيتم توفير شريان الحياة له، تماماً كما في حالة قبرص التركية، المُعلنة منذ عام 1985. ففي تلك الحالة هناك كيان أو دويلة لها حكومة وموازنة ووزارات وتدير السكان كما يحدث في أي دولة، لكن ليس هناك سيادة أو اعتراف دولي أو تمثيل خارجي. وفي حالة قطاع غزة، تتوافر حكومة ووزارات الآن ونظام أمني ورعاية لشؤون السكان، وليس هناك حاجة لمنح الوضع القائم أي تمثيل قانوني أو سيادي، ويمكن التعايش معه إلى أجل غير مسمى. من جهة إسرائيل، هناك عنصران مباشران يشجعان على قبول هذا الحل، بالإضافة إلى الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي أشير إليها أعلاه: العنصر الأول هو تحقيق الأمن على «الجبهة الجنوبية» من خلال الردع الذي ترسخ بعد حرب نهاية 2008 وأول 2009، وجوهره توجيه ضربات عسكرية قاسية ل «حماس» والقطاع رداً على أي خروقات أمنية وإطلاق صواريخ. ونلاحظ خلال السنتين الماضيتين أن نظرية الردع هذه، في ظل خشية «حماس» على سيطرتها على القطاع ورغبتها في استمرار الهدوء والتقاط الأنفاس، تحقق الأمن لإسرائيل كما لم تحققه أي نظرية أخرى. العنصر الثاني الأساسي هو التخلص الكلي من أي مسؤولية خدماتية وحياتية تجاه القطاع وسكانه، مثل التزويد بالطاقة، والاحتياجات الاقتصادية، ومراقبة الواردات، وسوى ذلك. هذا كله سيتم التخلص منه دفعة واحدة عبر فتح ممر بحري للقطاع على العالم، يعفي إسرائيل تدريجياً من أي علاقة ومسؤولية لها عن القطاع، وبحيث «تتحرر» صورتها في العالم عما يجري فيه – سوى ما يتعلق بالأمن والردع. بطبيعة الحال سوف يخضع أي تواصل بحري مباشر بين القطاع والعالم إلى رقابة أمنية مشددة دولية (من قبل الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو) في عرض البحر ومن دون تنسيق مع «حماس» حاكمة القطاع.

عندما أعلن القبارصة الأتراك عن «استقلال» دولتهم عام 1985، بعد سنوات من اجتياح الجيش التركي لشمال الجزيرة عام 1975، لم يتصور أحد أن يستمر الكيان الجديد الذي رفضت أن تعترف به أي دولة من دول العالم غير تركيا. لكن منطق السياسة المُدهش وجنونها أحياناً لا يخضعان لأي تقدير أو توقع عقلاني، فالأحداث وما تخلقه من وقائع على الأرض تصبح هي من يقود السياسيين، وليس العكس. في حالة قطاع غزة و «حماس» لم يخطر ببال أحد أن الانقسام الذي أتم أكثر من ثلاث سنوات من عمره (المديد!) سيتواصل حتى الآن. الشيء الأكثر مرارة هو أن هذا الانقسام سيستمر لسنوات أكثر مقبلة طالما استمرت العقلية الفصائلية الفلسطينية هي التي تتحكم بالسياسة الفلسطينية ومصائر الشعب الفلسطيني، على حساب المصلحة الوطنية العليا، وطالما استمرت السياسة العربية متحالفة عضوياً مع قصر النظر واللامبالاة، وتراقب تدهور الوضع من دون تدخل أو مبادرات.

* محاضر في تاريخ وسياسة الشرق الأوسط الحديث – جامعة كامبردج

=====================

آن الأوان لإعفاء الولايات المتحدة من دور الوسيط

آخر تحديث:الأحد ,19/12/2010

غسان العزي

الخليج

لم يفاجأ عاقل بانهيار المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” المباشرة التي بدأت في سبتمبر/ أيلول الماضي بعد ضغوط أمريكية مكثفة على العرب والفلسطينيين الذين دخلوها من غير أوهام . ولم يفاجأ أحد بانحياز الولايات المتحدة للطرف “الإسرائيلي” رغم موقعها كوسيط يفترض أن يكون محايداً ونزيهاً، فمنذ زمن طويل يتبارى السياسيون الأمريكيون على اكتساب رضا “الإيباك” . لكن أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه من مهانة وتخاذل وضعف أمريكي حيال رئيس الوزراء “الإسرائيلي” فهذا ما لم يكن بحسبان الكثيرين ممن تفاءلوا خيراً بوصول شخص متميز إلى رئاسة الولايات المتحدة .

 

والحال أن ما من سبب يدعو إلى التشكيك في نوايا الرئيس أوباما لجهة رغبته في إيجاد حل دائم للصراع العربي - “الإسرائيلي” . فالرجل باشر في تنفيذ وعوده الانتخابية، في السياستين الداخلية والخارجية، منذ لحظة وصوله إلى البيت الأبيض . وتطول لائحة الإشارات الإيجابية التي أرسلها في اتجاه علاقة أمريكية جديدة مع العرب والمسلمين والفلسطينيين الذين جدد وعده لهم بدولة مستقلة قابلة للحياة، وذلك في الأشهر القليلة التي تلت استلامه للسلطة .

 

كان من الطبيعي أن يفرض أوباما على “الإسرائيليين” وقف الاستيطان كشرط لبدء مفاوضات غير مباشرة أولاً ثم مباشرة تالياً مع الفلسطينيين . هذه المرة لم يكن من الممكن القول بعدم وجود شريك فلسطيني، فالرئيس عباس كان قد عقد أكثر من مئتي جولة تفاوض مع ايهودا أولمرت قبل أن يستقيل هذا الأخير ويحل محله نتنياهو - ليبرمان لتعود الأمور إلى المربع الأول .

 

وقف نتنياهو في وجه أوباما رافضاً وقف الاستيطان . وبدأت علامات الضعف تظهر في الموقف الأمريكي قبل أن يبدأ المراقبون بالتوجس خشية من التراجع أمام العناد “الإسرائيلي”، وهذا ما حصل . بعد الدعوة إلى وقف الاستيطان انتقل أوباما إلى المطالبة بتجميده فحسب قبل أن يضطر مجدداً إلى التراجع مطالباً بالتجميد المؤقت أي طيلة فترة التفاوض فقط والتي ينبغي ألا تطول نظراً إلى أن الأفكار موجودة ولن يستهلك الوقت بحثاً عنها . لكن أوباما لم يكن يعرف أن ما يضمره نتنياهو هو بالضبط ما كان قد أعلنه رئيس الوزراء الليكودي شامير في عام 1991 بأنه سوف يجعل التفاوض يستمر إلى ما لا نهاية من دون تقدم .

 

في سبيل إنقاذ ماء وجهه أولاً بعد الفشل في انتخابات الكونغرس النصفية، وفي سبيل إنقاذ المفاوضات ومن خلالها هيبة سياسته الخارجية لجأ أوباما إلى إغراء نتنياهو أو رشوته كما يقول بعض المراقبين . قدم له رزمة من الإغراءات التي لا يمكن لعاقل أن يرفضها وذلك في مقابل مجرد القبول بتجميد الاستيطان ولمدة ثلاثة أشهر فقط غير قابلة للتجديد . رغم ذلك رفض نتنياهو العرض الأمريكي وأعطى الأوامر بالمزيد من الاستيطان وفي القدس الشرقية على وجه التخصيص .

 

ما الذي يجعل نتنياهو قوياً إلى هذه الدرجة في وجه إدارة أمريكية تتقبل الإهانة من دون أن تبدي أي قدر من المقاومة؟ أليس نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لاسيما في الانتخابات التشريعية والرئاسية؟

 

إن إعلان الإدارة الأمريكية عن فشل مفاوضاتها مع “إسرائيل” بشأن تجميد النشاطات الاستيطانية هو اعتراف علني بالفشل في لعب دور الوسيط، لا يغير في الأمر شيئاً دعوتها الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات من دون هذا الشرط المسبق ثم إرسال مبعوثها ميتشل إلى المنطقة غداة إعلان الفشل هذا بعد إلقاء هيلاري كلينتون خطاباً أمام مؤسسة صابان التابعة لمعهد بروكينز تقول فيه إن إدارتها مستمرة في دور الوسيط “الفاعل وغير المتفرج” وإنها لا تزال تعتقد بأن الاستيطان يضر بالسلام وأخطر من ذلك بمستقبل “إسرائيل” .

 

ماذا يريد العالم أكثر من ذلك كدليل على عجز واشنطن عن لعب دور الوسيط الفاعل؟ القضية ليست في النوايا الأمريكية . فمنذ دعوة الرئيس بوش الأب إلى مؤتمر مدريد في خريف عام 1991 واستخدامه الضغوط على الجميع لانعقاد مؤتمر السلام هذا، مروراً بكل جهود الرئيس كلينتون التي لم تثمر الشيء الكثير (أوسلو لم تكن بفضل جهوده) وصولاً إلى باراك حسين أوباما والآمال التي حملها انتخابه، تبلورت القناعة التي عبر عنها محللون وسياسيون أمريكيون كثر عن أن السلام في الشرق الأوسط أضحى مصلحة استراتيجية أمريكية . بل أكثر من ذلك هناك من العسكريين الكبار من أعلن بأنه بسبب غياب هذا السلام يقتل الجنود الأمريكيون في المنطقة وتتعرض الولايات المتحدة إلى شتى أنواع الكراهية والحقد والتطرف وفقدان المصداقية .

 

الحقيقة أنه يمكن للولايات المتحدة، القوة التي لا تزال الأعظم، القيام بأدوار فاعلة في طول العالم وعرضه، ما عدا الشرق الأوسط . فهي في هذه المنطقة تقدم في كل يوم دليلاً جديداً عن عجزها الفاقع عن القيام بدور الوسيط لإنهاء صراع ما انفك يهدد الأمن والسلم الدوليين . ويمكن التأكيد على أن انفرادها بهذا الدور هو السبب في استمرار هذا الصراع وفي كل المآسي التي تنتج عنه . ونحن لا نتحدث هنا عن الجرائم الأمريكية المباشرة في العراق وغيره .

رأفة بالسلام وخدمة للولايات المتحدة آن الأوان لإعفائها من هذا الدور مهما كانت النتائج المترتبة على هذا الإعفاء والتي ستكون بالتأكيد أقل ضرراً على السلام من استمرارها في هذا الدور .

=====================

"ويكيليكس" عالم ما بعد الدبلوماسية

آخر تحديث:الأحد ,19/12/2010

هاشم عبدالعزيز

الخليج

ترسم عملية موقع “ويكيليكس” نشر وثائق سرية للخارجية الأمريكية مشاهد مختلفة وعديدة، ويطال هذا التأثير لطبيعتها غير المسبوقة وآلياتها واسعة الانتشار في عالمنا بأسره . هناك المذعورون والمحرجون، هناك المستغربون والمبهورون، وإذا ما نظرنا إلى المهتمين والمحللين هناك من يعطي أولوية للتساؤلات عن كيف تم الوصول إلى هذه المعلومات؟ وهل جرى ذلك بصورة انتقائية، أم عشوائية؟ وهل هي قاصرة على فترة محدودة من عمر الدبلوماسية الأمريكية، أم مفتوحة على سجل هذه الدبلوماسية خلال عقود الزمن والمراحل التاريخية؟ وهؤلاء يتوقفون أمام ما حدث باعتباره يرتبط ب “عقل” الدبلوماسية الأمريكية ممثلة بوزارة الخارجية التي يتوقف على تلك المعلومات ليس تعاملها وحسب بل وخططها وعلاقة الولايات المتحدة الدولية بمجالاتها العديدة ومستوياتها المختلفة ومصالحها الحيوية والاستراتيجية ليتساءلوا: هل ما حدث ناجم عن اختلال أدى إلى “تسرب” تلك المعلومات، أم أن “عقلاً” ذاته كان وراء ال “تسريب”؟ فيما آخرون من هؤلاء المحللين والمهتمين كانت أولوياتهم المعلومات لا لكونها الأولى التي تصير موثقة للرأي العام بعد أن كانت في قبو التوثيق السري الذي لا يصل إليه غير قليل ممن تناط بهم المسؤولية فقط، بل ولأن كشف هذه المعلومات أقرب إلى كسر الزجاج سيترتب عليه أكثر من نتيجة .

 

في أي حال ما حدث صار واقعاً ولا يغير في الأمر من أوصاف هذه العملية، البعض يراها فضيحة والبعض الآخر جريمة وآخرون اعتبروها كارثة، وهي بعد ردود الفعل الالتوائية التي طالت منها صاحب الموقع وجرى اعتقاله في لندن بعد أن أصدرت محكمة سويدية مذكرة اعتقال بتهم اغتصاب امرأتين، واندلعت من ثم ما وصف ب “حرب إلكترونية” باتت في نظر رأي عام عالمي واسع، قضية حرية الحصول على المعلومات ومبدأ الشفافية .

 

العملية بالإجمال ومنذ بدايتها دخلت مرحلة مفتوحة على المجهول، لكنها مصحوبة بتداعيات متسارعة، ولعل ما هو جدير بالإشارة إلى أن العملية التي جرت وتجري لنشر 251 ألف وثيقة سرية للخارجية الأمريكية من أصل مليوني وثيقة لدى الموقع المذكور غدت حدثاً قابلاً للقراءات المختلفة والعديدة .

 

في النظرة العامة أحدثت عملية نشر الوثائق السرية للخارجية الأمريكية تأثيراً مباشراً على وزارة الخارجية الأمريكية التي وصفت ما حدث ب “العمل التخريبي” لعلاقة الولايات المتحدة الدولية، وحسب المعلومات التي كشفها عديد مواقع أمريكية ومنها “ذا دايلي بيست” المتخصص في السياسة الأمريكية أن الولايات المتحدة تنوي إجراء حركة تشكيلات في صفوف دبلوماسييها في العالم لاستبدال الدبلوماسيين الذين نقل موقع “ويكيليكس” معلومات عنهم، وأن إدارة باراك أوباما وضعت برنامجاً لإجراء حركة تبديل لدبلوماسييها العسكريين والعاملين في مجال المخابرات في السفارات الأمريكية في العالم أجمع، وكانت صحيفة “التلغراف” البريطانية اعتبرت في تقرير لها الأسبوع المنصرم أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ربما كانت أكثر المسؤولين الكبار الذين تضرروا جراء زوبعة “ويكيليكس” الأخيرة، واستشهدت الصحيفة على ذلك بحالة الإرهاق التي بدت عليها كلينتون أثناء تواجدها في مملكة البحرين مؤخراً وهي تعلن أنها “لن تترشح بكل تأكيد لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2012”، وإعلانها أن “المنصب الحالي الذي تشغله سيكون آخر المناصب التي ستشغلها في الحياة العامة”، ورأت الصحيفة أن “التوقيت الذي أفصحت فيه كلينتون عن أمر كهذا كان توقيتاً مهما للغاية، حيث أتى بعد أيام من نشر موقع “ويكيليكس” لمئات الآلاف من برقيات وزارة الخارجية السرية .

 

لقد كشفت الوثائق المنشورة أوجهاً لم تكن معروفة بهذا السفور عن سياسة الولايات المتحدة على المسرح الدولي، وأظهرت مدى تأثير الولايات المتحدة على صناع القرار في مختلف دول العالم بما في ذلك على حلفائها من القادة الأوروبيين الذين تصدر إليهم تعليمات بشكل مباشر، كما أظهرت أن المبعوثين الأمريكيين يتعاملون مع من يبعثون إليهم باستخفاف وأن الاستعلاء الأمريكي على الدول يطال دولاً كبيرة مثل روسيا .

 

هذا يعني أن الولايات المتحدة مقبلة على أضرار كبيرة في علاقتها الدولية، غير أن قياس هذا بالحسابات يصير مبالغاً فيه لسبب بسيط هو أن عملية “ويكيليكس” ستصير مع خفوت الضجة الإعلامية بمثابة إعلان متأخر لنهاية الدبلوماسية الدولية، ولو لم يكن الأمر كذلك، وكأن ما حدث في دولة غير أمريكا، مدعاة لوضع الوثائق الدبلوماسية لتلك الدولة في قبضة الحراسة الدولية بزعم أمريكي القيام بتحقيق دولي يصل إلى ما جرى لما يحمل من أضرار ومخاطر على علاقة دول، وعلى دول في أوضاعها السياسية والأمنية .

 

والواقع أن الإجهاز العملي على الدبلوماسية الدولية كان قد جرى بالقرار الأمريكي البريطاني في غزو العراق واحتلاله والذي كان مناهضاً للرفض الدولي ومناقضاً للشرعية الدولية .

 

وكانت الولايات المتحدة قد أوجدت لها بدائل للدبلوماسية الدولية بآلياتها ووسائلها وأساليبها وأنظمتها وتقاليدها وجاء هذا من خلال ثلاثة مستويات متداخلة ومتكاملة تبدأ بالانتشار السرطاني للقواعد العسكرية في المواقع والمناطق الحيوية والاستراتيجية في عالمنا بأسره، وهي تمضي على توظيف مظلة الحرب على الإرهاب تجاه الدول الأخرى، حيث تمكنت بالضغوط والابتزاز من الوصول إلى الإمساك بالحلقات الأساسية في خريطة واسعة من البلدان وبخاصة الصغيرة، وعلى الاتفاقيات العسكرية والأمنية وهي أذرع وأصابع الدبلوماسية الأمريكية البديلة، غدت الولايات المتحدة على هذه الدول ليس في وضع الهيمنة فقط بل والسيطرة، وهذا الوضع يجعل من الشأن الدبلوماسي الدولي أمريكياً غير ذي قيمة .

 

ولمجرد الاستدلال كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أبلغ رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان أن الوثائق الدبلوماسية التي نشرت ونالت أردوغان لا تعبر عن موقف الإدارة الأمريكية، وهذا التأكيد ليس تبريراً بل هو التعبير عن أن الدبلوماسية الأمريكية راهناً هي عسكرية واستخباراتية مباشرة، وعلى هذا يمكن قياس أرباح وخسائر أمريكا من “ويكيليكس” مع الأخذ في الاعتبار أن هذا شكل من أشكال الإمبراطورية الأمريكية التي تستجر تجاه المستقبل أسلحة إمبراطوريات أغلبها زالت وما بقي منها كسيحة، وقد صار السفير الأمريكي مندوباً سامياً بكل ما تعني الكلمة لا ممثلاً دبلوماسياً لبلاده والاستثناء قليل في خريطة دول عالمنا بأسره .

=====================

مصير المسيحيين في العالم العربي

حسني عبيدي

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

17 كانون الأول/ديسمبر 2010

www.commongroundnews.org

جنيف – هل يجب أن نقلق حول مصير الجاليات المسيحية في العالم العربي؟

يشغل هذا الموضوع الملتهب عناوين الأخبار مرة بعد أخرى كلما تتعرض كنيسة لهجوم في العراق، أو يجري التهجّم على المصريين الأقباط. وقد قامت مجموعة من المفكرين العرب مؤخراً بنشر مناشدة في وسائل الإعلام الفرنسي بعد هجمة وحشية ضد مسيحيين عراقيين، تدعو إلى التسامي فوق الخلافات الطائفية.

ويصف الإعلام وبشكل روتيني اختفاء المسيحيين الشرق أوسطيين أو هجرتهم الجماعية على أنها "وشيكة" أو "لا يمكن تجنّبها". وقد كان الميل إلى تفسير المخاطر التي تواجه المجتمع المسيحي على أنها ناتجة عن تصاعد الإسلام "الأصولي". ويعزز هذا الشرح فكرة أن المسيحيين هم ضحايا يجب "إنقاذهم" من الإسلام.

كما توفر هذه التغطية فرصة للحكومات العربية للهروب من مسؤوليتها من خلال إلقاء اللوم على الدين لأي تململ سياسي أو اجتماعي، الأمر الذي يجدّد وصايتها على الشرعية دون ثمن يُذكَر.

ومن ناحية أخرى، لا يدرك بعض زعماء الرأي الغربيين أثر البيانات التي تؤكّد، على سبيل المثال، بأن نهاية الاستعمار حرمت مسيحيي الشرق الأوسط من دعم الأوروبيين الثمين، أو تسمية المسيحييين العرب ب "العرب المتشبّهين بالغرب". تتجاهل ملاحظات كهذه أهمية المساهمات الأيديولوجية للمسيحيين في مجتمعات الشرق الأوسط، وحقيقة أنه في منتصف القرن العشرين، كانت النخب المسيحية هي التي تصوّرت وأوجدت ونفّذت المشروع الملهِم للوحدة العربية.

ارتكز مفهوم القومية العربية الذي أوجده المفكرون المسيحيون العرب مثل ميشيل عفلق، المؤسس السوري لحزب البحث الاشتراكي، على مفهوم جسم اجتماعي تصنَّف فيه الخلافات العشائرية والقبلية والدينية ضمن الأمة أو حتى في المجتمع العربي. كانت الوحدة العربية هي الطريق الواسع نحو دولة عربية شاملة تدفعها قيم المنطق والجنسية والحداثة.

 

ورغم جهود التعددية، مثل قيام الأمم المتحدة بتسمية عام 1999 عام حوار الحضارات، يبدو المجتمع الدولي مصاباً بالعمى أمام التحديات الحقيقية من التنوع في العالم خلال العقد الماضي.

ليس الاحتفال بالتعايش هو الرد الوحيد، فالحوار بين الحضارات على المستوى الدولي لا يستطيع النجاح إلا إذا تمّت مواءمته مع التغييرات على المستوى الوطني. كيف يمكن للتعايش الثقافي أن يحصل على دفعة إذا كان أتباع الدين المهيمن داخل الحدود القومية أو نظام الحزب الواحد بالتأكيد، ما زال موجوداً؟ يتوجّب على الحكومات في الدول العربية أن تحمي مواطنيها المسيحيين بدلاً من محاكمة رجال ونساء اختاروا سبيلاً غير سبيل الأغلبية.

تستطيع المنظمات متعددة الجنسيات كذلك أن تمدّ يد العون. تستطيع منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الثقافة والعلوم والتعليم الإسلامية، إضافة إلى الدفاع عن المسلمين الذين يقيمون في الغرب أن تدافع كذلك ضد الإساءة التي يلاقيها المسيحيون في الشرق الأوسط.

 

تحذّر بعض الأصوات، بما فيها صوت الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز، أخو الملك السعودي عبدالله، من أن مغادرة المسيحيين سوف تشكّل تهديداً للديمقراطية والحداثة في العالم العربي. يتوجّب على المزيد من هذه الأصوات أن ترتفع حتى يتسنى البدء بحوار طال انتظاره حول الأحوال المعيشية وحقوق الأقليات الدينية. ويعتبر فشل الديمقراطية الذي يفتقر فيه المواطنون للحقوق المتساوية بموجب القانون وحيث لا توجد سوى قيود محدودة جداً على القادة وسلطاتهم، يعتبر مسؤولاً عن الكارثة الحالية.

إن القول بأنه يتوجب "تحمل" وجود المسيحيين في العالم العربي هو قول غير عادل إلى درجة بعيدة، فالمسيحيون طالما كانوا جزءاً أساسياً من الأرض التي ولدوا ونشأوا بها، وهي أرض أجدادهم وأرض إنجيلهم. وهم ليسوا أقلية دينية جرى استيرادها مؤخراً تستحق منا أعمال الحسنة والخير. لم يأتوا من دولة أجنبية، فهم مواطنون نشطون في وطنهم حيث يجب أن يتمتعوا دائماً بخيار البقاء.

وإذا غادروا فسوف يكون ذلك نهاية تاريخنا وبداية سقوطنا. مصير المسيحيين في الشرق الأوسط مرتبط بمصير العالم العربي ككل.

ــــــــ

* حسني عبيدي، المحلل السياسي هو مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف.

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

=====================

العلم والتكنولوجيا في خدمة الإرهاب

 بقلم :جانا بوريسوفنا

البيان

19-12-2010

في القرن الماضي كان امتلاك الأسلحة الفتاكة والتقنيات العسكرية الحديثة، حكرا على عدد محدود من الدول الكبيرة التي تملك الإمكانيات العلمية لتصنيع هذه الأسلحة والتقنيات، وتغير الأمر خلال العقدين الماضيين.

 

فأصبح في مقدور أي دولة تملك المال أن تشتري أي نوع من الأسلحة، وأن تسعى لحيازة التقنيات النووية لاستخدامها في أغراض سلمية أو عسكرية. ثم تبين أن هناك أيضا غير الدول من يملك المال الكثير ويسعى أيضا لحيازة وسائل القوة والقتل والدمار، إنها التنظيمات الإرهابية التي باتت تهدد أكبر الدول وأقواها، والتي يصعب على أقوى جيوش العالم وآلاته العسكرية، قمعها والحد من أعمالها وأنشطتها الإرهابية التي انتشرت في كل أنحاء الأرض.

 

لقد بات واضحا أن الإرهابيين يبذلون جهودا مكثفة لامتلاك ناصية العلوم والتقنيات الحديثة والمتطورة، لتسخيرها لخدمة أغراضهم الإرهابية. وفي حال أفلح هؤلاء في الحصول على منفذ للتقنيات الحديثة، سوف يحدث تغيير خطير في موازين القوى خلال العقود القليلة المقبلة، إذ سيعني ذلك أن دولا كثيرة في العالم لن تستطيع مواجهة الإرهاب وتنظيماته القوية، وربما يضطر بعض هذه الدول للخضوع للإرهابيين وتسليمهم زمام السلطة في البلاد.

 

وقد بلغت قوة المجموعات الإرهابية مستويات فوق المتصور والمتوقع، لدرجة أن بعض هذه المجموعات يحاول استخدام أنواع من الطائرات التي يمكن التحكم فيها عن بعد، أو استخدام صواريخ مجنحة محلية الصنع، وهي صواريخ قادرة على حمل كيلوغرام واحد من المتفجرات أو المواد الفتاكة. وهذا النوع من الصواريخ يمثل خطراً كبيراً، لأنه يمكن إطلاقه من أي مكان، ومن الصعب اكتشافه بواسطة الرادار أو بواسطة أجهزة المراقبة الأخرى المعدة لرصد الصواريخ الكبيرة.

 

المجموعات والتنظيمات الإرهابية تسعى بجدية لجمع كافة عناصر القوة التي تمكنها من مواجهة أقوى الجيوش في العالم، ولدى بعض هذه التنظيمات عناصر متخصصة في التقنيات المعلوماتية، تستطيع اختراق المواقع الإلكترونية، مثل «الهاكرز» المستعدين للعمل لحساب أية جهة تدفع لهم المال. وهناك أيضا عناصر أخرى من الهاكرز متخصصة في تحصين المواقع الإلكترونية التابعة للمنظمات الإرهابية.

 

ومع السعي لضم أخطر وأقوى عناصر الهاكرز للتنظيمات والمجموعات الإرهابية، فقد أصبح في الآونة الأخيرة من الصعوبة بمكان اختراق قنوات الاتصال بين الجماعات الإرهابية، ذلك أن تلك الجماعات زادت من استخدام الشيفرات المعقدة لحماية المعلومات التي يجري تداولها، وهكذا أصبحت التنظيمات الإرهابية تملك من التقنيات الحديثة ما لا يملكه العديد من الدول، وقد ثبت أن من يملك هذه التقنيات يستطيع أن يهدد أقوى دول العالم ويعرض مصالحها للأخطار.

 

بعض الخبراء يرون أن الوسائل الإلكترونية التقليدية في المستقبل القريب، لن تكون قادرة إلا على الكشف عن مخترقي الشبكات «الهاكرز» الهواة أو غير المحترفين، أما مافيا الهاكرز الكبار فسيعملون لحساب التنظيمات الإرهابية التي ستدفع لهم المال الكثير من عائدات المخدرات العالمية، التي ثبت أن أكثر من نصف عائداتها الذي يتجاوز المائة مليار دولار سنويا، يذهب للإنفاق على الإرهاب العالمي. وهذه المليارات تذهب للإنفاق على العمليات، ولحيازة أحدث أنواع الأسلحة التي لا يستطيع معظم دول العالم الحصول عليها.

 

ويخشى العسكريون من أن الإرهابيين سيحصلون على القنبلة الكهرومغناطيسية، التي يمكن تصنيعها إذا توفرت المعرفة والتمويل الكافيان. وجل ما يخشاه العسكريون هو قوة الموجة الكهرومغناطيسية التي قد تقضي على أربعين في المائة من قدرة شبكة الإنترنت، ويتطلب إصلاح العطب من هذا النوع وبهذا الحجم مدة عام كامل.

 

لكن الخطر الأكبر الذي يمكن أن يهدد أمن المجتمع الدولي، هو ذاك الذي يمكن أن ينجم عن تمكن الإرهابيين الماهرين من استخدام البيوتكنولوجيا أو «الأسلحة البيولوجية» في الأعمال الإرهابية، ذلك أن عددا من المهندسين البيولوجيين في مختلف أنحاء العالم، يعملون على خلط المورثات المختلفة، ويجرون اختباراتهم على البكتيريا والفيروسات المختلفة، ونتيجة لذلك تم في غضون العقود القليلة الماضية اكتشاف كمية كبيرة من مسببات الأمراض التي تستهدف فئات معينة من السكان والأفراد.

 

وبالإضافة إلى ما تقدم، يكثف الإرهابيون جهودهم الرامية إلى صنع القنابل الفراغية البدائية، التي على الرغم من صغر حجمها، تستطيع أن تدمر مساحات واسعة حول مركز انفجارها، علما بأن هذه الأسلحة بسيطة التركيب نوعا ما، لكنها تمتلك قوة تفجيرية كبيرة.

 

ويبقى الأخطر من كل هذا وذاك، هو امتلاك الإرهابيين لتقنيات النانو واستخدامها في أنشطتهم الإرهابية، ذلك أن ما يسمى بالغبار الذكي يحدث من الأضرار ما يفوق بكثير تلك التي تنتج عن استخدام المتفجرات. وأخيرا، ثمة ما يسمى «أشعة الألم» التي قد تصبح الأخطر بين أسلحة الدمار الشامل المعروفة حاليا، إذا وقعت في أيدي المجرمين، علما بأن «أشعة الألم» هذه يجري استخدامها حاليا من قبل بعض الأجهزة الأمنية.

كل هذه الأمور تستوجب توحيد جهود المجتمع الدولي لمواجهة خطر الإرهاب ونموه المطرد، ولا يمكن لدولة واحدة مهما بلغت قوتها أن تتصدى لهذه المهمة، بل على العكس إذا سعت دولة بمفردها للتطلع لهذه المهمة، فسوف تصبح هذه الدولة هدفا رئيسيا للإرهاب.

=====================

جدل أميركي حول غوانتانامو

بقلم :صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية

البيان

19-12-2010

ينبغي على أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عدم مسايرة مجلس النواب في تعقيد خطة أوباما لإغلاق معتقل غوانتانامو. هناك الكثير من الأمور التي ينبغي على مجلس الشيوخ القيام بها قبل نهاية الدورة الحالية العاجزة عن اتخاذ القرار، ولكن هناك أيضاً شيء واحد لا يجب أن يقوم به المجلس، وهو مسايرة مجلس النواب في تعقيد خطة الرئيس أوباما لإغلاق المعتقل في خليج غوانتانامو.

 

أقر مجلس النواب، أخيراً، مشروع قانون الإنفاق الذي من شأنه أن يحظر جلب مدبر هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 خالد شيخ محمد، وغيره من الإرهابيين المشتبه فيهم، إلى الولايات المتحدة. وليس هذا الحظر المقترح إلا أحدث مثال على إصرار الكونغرس على إخلاء مسؤوليته من أي شيء يمكن أن يتصور أنه تساهل مع الإرهاب.

 

المعارضة لإغلاق معتقل غوانتانامو، وإجراء محاكمات مدنية في حق المشتبه في ضلوعهم في عمليات إرهاب، أصابت هدفها أخيراً بعد أن برأت هيئة المحلفين إرهابياً تنزانياً من جميع التهم ال285 الموجهة إليه، باستثناء واحدة. وبدلا من أن يلقى القرار ترحيبا بالحقيقة القائلة إن هيئة محلفين قد فحصت الأدلة وأدانت أحمد خلفان غيلاني بتهمة خطيرة، فقد هاجم النقاد المحاكمات المدنية، على أساس أنه تجب محاكمة الارهابيين المشتبه فيهم، إذا حوكموا على الإطلاق، أمام اللجان العسكرية في غوانتانامو.

 

وقد ندد وزير العدل والنائب العام الأميركي «اريك هولدر» بتشريع مجلس النواب، وحث مجلس الشيوخ على رفض ما أسماه «تعدياً متطرفاً وخطيراً على السلطة التنفيذية، بشأن تحديد توقيت ومكان ملاحقة الدعاوى الإرهابية».

 

والسؤال المطروح هو ما إذا كان الرئيس أوباما سيكون متحمساً في معارضة هذه المادة؟ على الرغم من أن البيت الأبيض يصر على أن الرئيس لا يزال ملتزماً بإغلاق معتقل غوانتانامو، إلا أنه لم يجعل ذلك من الأولويات. وأرسلت الإدارة إشارات مختلطة حول ما إذا كان شيخ محمد، كما وعد هولدر، سيقدم إلى محاكمة مدنية. فهذه المحاولة الأخيرة من أجل تقييد أيدي الرئيس، تتطلب رداً أكثر قوة عليها.

 

كما يواجه مجلس الشيوخ قراراً بشأن مبادرتين طال انتظارهما. لقد عرقل الجمهوريون في مجلس الشيوخ، تصويتاً على مشروع قانون التفويض العسكري، الذي تم إرفاقه بإلغاء مبدأ «لا تسأل، لا تخبر». لكن المؤيدين للسماح لمن يثيرون تحفظات اجتماعية على الالتحاق علنا بالخدمة في الجيش، يؤيدون الآن مشروعاً منفصلاً بالإلغاء. وقد أوضحت دراسة للبنتاغون أن هذه السياسة يمكن أن تنتهي دون تقويض الانضباط العسكري. هذه الحقيقة، والعدالة البسيطة، تتطلب تصويتاً حاسماً.

 

وأخيرا، ينبغي على مجلس الشيوخ تمرير مشروع قانون التنمية والإغاثة والتعليم للأقليات الأجنبية، المعروف اختصاراً باسم «دريم»، الذي من شأنه أن يوفر طريقا لإضفاء الصفة القانونية على أطفال المهاجرين غير الشرعيين، الذين تم جلبهم إلى أميركا عندما كانوا صغارا.

 

وتاريخيا، حظي هذا التشريع بدعم قوي من الحزبين، ويظهر استطلاع للرأي أجراه معهد «غالوب» أخيراً، أن 54% من الأميركيين يؤيدونه. وتمريره عبر مجلس النواب، بمساعدة بعض الشجعان من الجمهوريين، منح مؤيديه الأمل في أن يتم الحصول على الأصوات الشجاعة في مجلس الشيوخ.. ونحن نأمل ذلك أيضاً.

=====================

2000 – 2010: صورة "حزب الله" كم تغيّرت

احمد عياش

النهار

19-12-2010

الايام التي تفصل لبنان عن نهاية سنة 2010، هي نفسها تفصل "حزب الله" عن انقضاء عقد من السنين بدأ عام 2000 عندما تحقق انجاز تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي وأعلنت الامم المتحدة تطبيق قرارها الشهير الرقم 425 الذي وصفه غسان تويني ايام كان مندوب لبنان الدائم في المنظمة الدولية بأنه "اعلان جديد لاستقلال صادر عن أرفع السلطات الدولية" بعدما اطلق امام مجلس الامن في 17 آذار عام 1978 باسم لبنان النداء الشهير "اتركوا شعبي يعيش".

لو كان للامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله ان يتأمل اليوم حصاد عشرة اعوام لظهر فرق هائل بين العام الاول عندما كان لبنان والعالم يحتفلان بعرس تحرير اول ارض عربية احتلتها اسرائيل وانسحبت منها تطبيقاً لقرار دولي ومن دون الفوز بأي مكاسب إلا مكسب الخروج من المستنقع، كما وصفه آنذاك رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك، وبين العام الاخير من هذا العقد الذي ينشغل فيه لبنان والعالم بأمر "حزب الله" وصلته بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005 وما سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من قرار اتهامي في هذه الجريمة.

انها بالتأكيد مفارقة هائلة بين صورة "حزب الله" بطل تحرير أرضه المحتلة وبين صورة "حزب الله" التي يجري ربطها بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. لهذا السبب يبدو الحزب في اقصى توتره لنفي الصورة الثانية بأي ثمن حتى لو كانت كلفته لبنان نفسه، كما ظهر احياناً في فلتات لسان بعض المتوترين.

ما يفعله الحزب اليوم هو محاولة تحطيم المرآة وليس رؤية الواقع. وقد يكون من الوهم الاعتقاد بأنه سيعمد الى اجراء مراجعة شاملة لما آلت اليه الامور فحوّلت بطل تحرير أرضه المحتلة مرشحاً للاتهام بارتكاب جريمة وصفت بأنها "جريمة العصر".

هناك كثر ممن صنعوا انتصار التحرير عام 2000 يكافحون اليوم على الارض المحررة من اجل ان ينالوا لقمة العيش الشريفة. وكاتب هذه السطور يعلم كثرة من هؤلاء المقاومين الذين ينصرفون بهمة الى أعمال زراعية وحرفية وتجارية. ثم ان اهل هؤلاء المقاومين وبيئتهم الحاضنة جاهدوا عبر الزمن من اجل الغاء صورة البؤس التي لازمت ولا تزال مناطق الحرمان في كل اطراف لبنان وأحزمة الفقر حول مناطق ثرائه. وعندما أزف عرس التحرير عام 2000 انهمرت ثروات المغتربين من كل اصقاع الدنيا من اجل تحويل الجنوب المحرر لؤلؤة اعمارية على جبين الوطن.

لكن "حزب الله" وفق ما شاءت ايران وسوريا اخذ انتصار العام 2000 الى جلجلة لعبة الأمم التي ارادت ان يبقى الجنوب المحرر ومعه لبنان ملجأ بديلاً لحروب مستحيلة. كل من احب "حزب الله" ولا يزال انغرس في صورة النضال حتى إنجاز التحرير عام 2000. اما المواقف في الأعوام العشرة التالية فهي من منطلق الوفاء لذلك الإنجاز التاريخي الذي ذهب إلى سوق النخاسة الداخلي والاقليمي والدولي.

التطهر من لعبة الأمم ليس بالأمر اليسير اطلاقاً. فالمستفيدون اكثر من ان يعدوا او يحصوا. ولهم مصلحة دائمة في تورط الحزب في هذه اللعبة. وهؤلاء في كل مكان وعلى مستوى من يدعون التحالف مع الحزب داخلياً وخارجياً، ولهذا يبدو صراخ جميع هؤلاء قبل صدور القرار الاتهامي عن المحكمة، كحال المقامر الذي يوشك على الخسارة. انه الخوف الكبير من ان ينتهي زمن استغلال دماء المقاومين الذين رووا بدمائهم الارض حتى ازهرت تحريراً عام 2000. ولا يهتم هؤلاء المتاجرون ان اصبحت هذه الارض مليئة بالاشواك، فالمهم ان يبقى الملعب مفتوحاً وان يبقى انتصار العام 2000 قميص عثمان.

لو قيّض للأرض ان تتكلم لصرخت مجدداً "اتركوا شعبي يعيش".

=====================

واشنطن تتخلى عن الشرعية الدولية كأساس للتفاوض

بلال الحسن

الشرق الاوسط

19-12-2010

أعلنت لجنة المتابعة العربية، أنها توافق الفلسطينيين على رفض الذهاب إلى مفاوضات جديدة مع الإسرائيليين، إلا إذا تم تلقي عرض أميركي جاد بالعمل على إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي وفقا لمرجعيات السلام.

هذه الصيغة تعني أن الفلسطينيين لن يتفاوضوا مع الإسرائيليين الآن، ولكنهم سيتفاوضون مع الأميركيين. فالاقتراح الذي حمله ديفيد ميتشل إلى الرئيس محمود عباس في رام الله، لا يدعو إلى العودة للتفاوض مع الإسرائيليين، بل يقترح عليه إجراء محادثات (وليس مفاوضات) موازية مع الإسرائيليين، ولمدة ستة أسابيع، تبدأ ببحث موضوع الأمن، ثم تنتقل على ضوء ذلك إلى البحث في موضوع الحدود. وهدف هذه المباحثات حسب ميتشل هو أن تتمكن الإدارة الأميركية من بلورة تصورها لبدء المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الوقت المناسب.

وتأكيدا لهذه الصيغة الأميركية المقترحة للمحادثات، أرسلت الإدارة الأميركية كبير مستشاريها دينيس روس إلى إسرائيل، ليدرس حسب المصادر الإسرائيلية: تحديد ما هي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، ثم تحديد ما هي الخطوط الحمراء الأمنية الإسرائيلية، ثم مناقشة الترتيبات الأمنية البعيدة المدى. وسيلتقي دينيس روس من أجل إنجاز هذه المهمة مع غابي أشكنازي رئيس الأركان الإسرائيلي، ومع يوفال ديسكن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، ومع ضباط كبار يعملون في هيئة الاستخبارات.

أما بالنسبة للقضايا التي تلي ذلك، أي قضايا الحل النهائي الجوهرية، فقد قدمت الإدارة الأميركية للفلسطينيين، قبل مجيء ميتشل، ورقة حملت عنوانا (غير رسمية) من ست نقاط، تتناول هذه القضايا الجوهرية، إنما من وجهة نظر إسرائيل. وهي تقدم بذلك دليلا آخر على توجهها لإدارة المحادثات الأميركية مع الفلسطينيين، من منظور إسرائيلي منحاز منذ اللحظة الأولى. وأساس هذا المنظور التخلي عن قاعدة قوانين الشرعية الدولية التي تعالج قضايا الاحتلال، وهو ما تصر عليه إسرائيل دائما، فقد ورد في هذه النقاط الست ما يلي:

أولا: حل متفاوض عليه للقدس. بينما تنص قوانين الشرعية الدولية، على أن القدس منطقة محتلة، مثلها مثل أية منطقة في الضفة الغربية، وهذا يعني ضرورة الانسحاب الكامل منها، وليس التفاوض حولها.

ثانيا: تقرير مستقبل المستوطنات الإسرائيلية. وهذه المستوطنات هي حسب القانون الدولي مستوطنات غير شرعية، لأنه لا يجوز للمحتل إحداث أي تغيير جغرافي أو ديمغرافي في المناطق التي يحتلها.

ثالثا: إيجاد حل منصف وواقعي لقضية اللاجئين. وتتجاهل هذه الصيغة أحد أهم قرارات الشرعية الدولية، وهو القرار 194، الذي ينص على عودة اللاجئين إلى ديارهم. ولا يتحدث عن حل «منصف» أو عن «حل واقعي».

رابعا: تقرير حصص المياه. وهذه أيضا صيغة مخالفة للقانون الدولي. إذ لا حصة للمحتل في مياه المنطقة التي يحتلها، وهي بكل ثرواتها ملك لأهلها وسكانها. وإسرائيل تسرق حاليا 80% من مياه الضفة الغربية، وبنت جزءا أساسيا من مستوطناتها فوق الأراضي التي توجد بها الآبار الجوفية.

وبهذا يتضح بشكل لا لبس فيه، أن الولايات المتحدة الأميركية تدعو الفلسطينيين للمشاركة في محادثات معها، حول جدول أعمال يتبنى مطالب إسرائيل بالكامل. ولذلك فإن الفلسطينيين يعتبرون العرض الأميركي غير جدي، وقد وصفه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (حنا عميره) بأنه دعوة للثرثرة وليس للمفاوضات، وهو يتبنى الموقف الإسرائيلي بالكامل، خاصة أنه يتجاهل أي موقف واضح بخصوص قضية مرجعية المفاوضات، وبخصوص قضية الاستيطان.

وعلى الرغم من هذا الانحياز الأميركي المطلق لوجهة النظر الإسرائيلية، فقد يكون من الصعب على الرئيس محمود عباس أن يرفض دعوة أميركية للتباحث. ويبدو أن المسؤولين العرب يشاركون أيضا في مثل هذا التوجه، فقد أعلن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عشية اجتماع لجنة المتابعة العربية أنه «لا توجد مصلحة لأي طرف في إفشال الجهود الأميركية، بل على العكس يجب أن نرغب في دور أميركي فاعل وقادر». وقد أضاف أبو الغيط «نوايا» مصرية إلى هذا الموقف، فقال: «هناك حاجة للمزيد من الدعم الدولي، وبالذات من جانب اللجنة الرباعية الدولية، لتعزيز هذا الدور الأميركي»، ثم زاد على ذلك «نوايا» أخرى تتعلق بحدود 1967، وبالقدس الشرقية التي لا بد أن تكون فلسطينية، ولكنها كلها «نوايا» لا تقترن بأي ضغط عربي على الإدارة الأميركية.

الضغط العربي الوحيد الذي تمت الإشارة إليه، هو أن العرب، وفي حال عدم نجاح المحادثات الأميركية - الفلسطينية، سيتوجهون إلى مجلس الأمن حتى لو كانت الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يمكن أن يصدر عن المجلس، ومن أجل تحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس، حسب ما أعلن الشيخ حمد بن جاسم وزير خارجية قطر. وقد سئل الشيخ حمد في المؤتمر الصحافي الذي تلا لجنة المتابعة: هل هذا هو كل ما لديكم؟ فرد مؤكدا: وماذا نستطيع أن نفعل؟ نحن نرد على الدبلوماسية بتحرك دبلوماسي آخر.

والآن، ما هي الاحتمالات النظرية والمنطقية أمام مسار من هذا النوع؟

الاحتمال الأول: أن يذهب الفلسطينيون إلى (محادثات) مع الأميركيين، تصوغ اقتراحات تنطلق من المنهج التفاوضي الذي ترغب فيه إسرائيل. والذي يحقق بالضرورة مصالح إسرائيل. وينشأ عن ذلك في النهاية كيان فلسطيني ما، مؤقت، ويخضع للهيمنة الإسرائيلية: الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية، وذلك لأن ما يسمى بالأمن الإسرائيلي يتضمن وجودا عسكريا إسرائيليا في غور الأردن، وبعمق خمسة عشر كيلومترا، كما أعلن ذلك نتنياهو نفسه. كما يتضمن قاعدتين عسكريتين للإنذار المبكر تكونان طبعا تحت السيطرة الإسرائيلية، وكذلك الطرق الموصلة إليهما. وكل هذا يلغي نظرية الانسحاب الإسرائيلي من أراضي 1967.

الاحتمال الثاني: أن يرفض الفلسطينيون صيغة التفاهم التي تقترحها الإدارة الأميركية، ويذهبون مع العرب إلى مجلس الأمن، طالبين الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 1967. وهنا تقوم الولايات المتحدة باستعمال الفيتو ضد قرار من هذا النوع، تماما كما يتوقع العرب، وتنهي بذلك فعالية مثل هذا التحرك.

الاحتمالان إذن ينطويان على فشل محتم. أو خنوع وتبعية للاحتلال الإسرائيلي، وبرعاية أميركية.

كل هذا لأن العرب لا يفكرون باستعمال أوراقهم الضاغطة على الولايات المتحدة الأميركية، لدفعها نحو اتخاذ مواقف تراعي مصالح العرب، وتحفظ للعالم الإسلامي مكانة القدس. وفي النهاية يتحول الفشل العربي إلى نظرية سياسية تحميها قرارات لجنة المتابعة العربية.

أما إذا واصل العرب التمسك بهذا الفشل، فسيسود منطقهم لزمن، ولكن سيبرز في وجه ذلك بالضرورة، المنهج الذي يخشونه ويهربون منه، منهج مقاومة الاحتلال والتصدي له، وسيصبح هو النظرية السياسية السائدة.

=====================

أوباما المثابر على تحقيق وعوده

المستقبل - الاحد 19 كانون الأول 2010

العدد 3861 - نوافذ - صفحة 11

تقديم وترجمة فادي طفيلي

بعد الهزيمة التي مُني بها الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، فإنّ مراقبي تجربته الرئاسيّة يحاولون اليوم تسليط الضوء على الوقائع الاجتماعيّة والاقتصاديّة في القواعد الأميركيّة التي مثّلت في الأساس جوهر وعود أوباما التغييريّة.

مواضيع وقضايا جوهريّة تاريخيّة، كمثل التفاوت العرقي والاقتصادي داخل المجتمع الأميركي، تعاود احتلال موقعها بقوّة في السجال بين مؤيّدي سياسات أوباما ومعارضيها.

العودة إلى المواضيع المبدئيّة، كمواجهة التفاوت العرقي ومكافحة الفقر والإجحاف الرعائي ودعم الطبقة الوسطى، تمثّل عودة دفاعيّة في مواجهة الانتقادات. على أنّ جوهريّة تلك المبادئ الإصلاحيّة بالنسبة للأميركيين تدفع البعض إلى التساؤل: هل سيحققّ أوباما من خلال خسارته الأخيرة ما عجز عن تحقيقه من خلال انتصاره المدوّي قبل سنتين؟ هل سيحققّ الدفاع عن المبادئ الجوهريّة وتذكير الأميركيين بها الاندفاعة التي كانت مرجوّة قبل سنتين ولم تتحقق بعد؟

في ما يلي نصّ كتبه جون ماكوورتر في مجلّة "تايم" الأميركيّة (6 كانون الأوّل 2010) تناول فيه ما يستمرّ أوباما مثابراً في تحقيقه بالنسبة للسود الأميركيين، الذين كانوا قد وضعوا آمالاً تاريخيّة في انتخابه. ماكوورتر هو كاتب أميركي أسود، وآخر كتبه الصادرة حمل عنوان: "لساننا الرائع اللعين: تاريخ اللغة الإنكليزيّة غير المكتوب".

إذّاك في يوم التنصيب عندما وقف باراك وميشيل أوباما يراقبان معاً الطوافة التي أقلّت بوش وعائلته في رحلة العودة إلى ديارهم في تكساس، كانت تلك المرّة الأولى التي نشعر فيها حقّاً أنّه بات لنا رئيسٌ جديد. الأمر لم يكن في الجِدّة فقط، ولا حتّى في رئيس من الحزب الديموقراطي مختلف عن بوش. بل الأهم في أذهان الأميركيين، وهذا ما بوسعنا جميعاً الإقرار به، كان انتخابنا رئيساً أسود.

ماذا وراء الرمزيّة التاريخيّة هذه، وماذا عن معانيها؟ كثيرون أمِلوا أنّه مع رجل أسود في المكتب البيضوي، فإن أميركا السوداء قد تحظى بانطلاقة جديدة. لكنّ الأحلام والواقع يتناقضان. مع مطلع الأشهر الأولى لحملة أوباما، رأى الناس، تحديداً أولئك الذين يعيرون انتباهاً في العادة، أنّ أجندته المهتمّة بمآل الفقراء لم تتضمّن جهداً محدّداً "لنجدة" الشعب الأسود. هذا النقص في سياسات الإنقاذ غدا أكثر وضوحاً وإيلاماً خلال أزمة الركود الاقتصادي.

في وقت سابق من هذا العام استضاف المقدّم الإذاعي تافيس سمايلي مجموعة من المفكّرين السود في ندوة متلفزة دعوا خلالها الرئيس أوباما إلى سنّ قوانين تبدد مخاوف السود، غير أنّ ذلك لم يتعدَّ الكلام الخطابي كي يبلغ النتائج الملموسة.

في الإجمال، للناس نوعان من الأفكار الخاطئة المرتبطة بأوباما والسود.

أولى هذه الأفكار تتمثّل بالاعتقاد السائد الذي يقول إنّ أيّ رئيس، مهما كان لونه، بوسعه حلّ أزمات السود الأميركيين المزمنة في وقت لا يتعدّى بضعة أعوام. ثاني الأفكار المذكورة ترى أن التغيير الذي قد يحقّقه رئيس أسود لصالح الأميركيين السود سيكون تغييراً ثوريّاً، كمثل قانون الحقوق المدنيّة في العام 1964.

في الحقيقة ما قدّمه الرئيس أوباما لأميركا السوداء يتعدّى بكثير ما بوسع معظم الناس معاينته، لأنّه تغيير مختلف عن صنف التغيير الذي كانوا يتوقّعونه.

التحليل السياسي الشائع يرى بأن الأمر كان سيعدّ انتحاراً سياسيّاً لأوباما لو قام الأخير بممارسة الحكم ك"رئيس أسود". لكنّ التحليل الجوهري هنا يؤكّد أنّ الأزمات التي يواجهها الفقراء السود اليوم هي أزمات أكثر تجريداً وصعوبة في حلّها، بالمقارنة مع مظالم جيم كرو الصلفة.

إحدى المشكلات تكمن في المعتقدات القديمة الطراز المرتبطة بالتقدّم. إذ تعدُّ بعض أساطير الشارع الأسود أكثر إعاقة في هذا الإطار من الكلام الشائع الذي يقول إن رجلاً بلا شهادة جامعيّة كان بمقدوره، فيما مضى، إعانة عائلته من خلال وظيفة في المصانع لا تتطلّب مهارة عالية، أمّا في اقتصاد اليوم فإنّ الرجال السود غير المتعلّمين باتوا غير مؤهّلين للوظائف المنتجة. هذه الرؤيا القاتمة للتوقعات، المرتبطة برجال الغيتو السود، تفترض للتسليم بها نوعاً من العمى. حيث بات من النادر لدرجة الانعدام أن يكون فنّي تركيب الكابل التلفزيوني، أو المصلّح الميكانيكي، أو فنّي الصوت، أو المختص في تصليح مكيّفات الهواء، شاباً أبيض يحمل شهادة من "ديوك" (Duke College).

إلى هذا ثمّة شعورٌ يصرّ على أنّ عدم الذهاب إلى الجامعة وقضاء أربع سنوات فيها بدراسة الفنون الحرّة، بالمعنى التقليدي، لهو أمر يمثّل إعاقة كاملة. كثر منّا مقتنعون بهذا الأمر لأنّه جرى تعويدنا على التفكير بأن التدرّب المهني هو بمثابة جائزة ترضية، أو خيار أدنى. لكن ارتجافنا أمام فكرة اختيار المرء عملاً يتطلّب منه استخدام يديه، تبدّد منذ زمن ليس ببعيد.

للرضا المهني، أو حتّى للانتماء إلى الطبقة الوسطى، ثمّة طريق واحد اليوم ألا وهو الكليّات الأهليّة (كوميونيتي كوليدج). على ضوء هذا فإنّ تصميم أوباما في استثمار مليارات الدولارات على الكليّات الأهليّة في الولايات المتّحدة يندرج تماماً ضمن الأجندة السوداء التي ينبغي علينا انتهاجها.

ربّما لا تحتل برامج كهذه موقعاً بين عناوين الأخبار الساخنة كما احتلّت "قمّة البيرة" في البيت الأبيض إثر عجالة حديث عنصريّ مزعوم. غير أنّ ذلك لا ينفي أهمّيتها الكبيرة. كم من الناس سمعوا عن "الأحياء الموعودة"؟ دائرة التعليم في إدارة أوباما تخطّت ساعات الدوام إلى مواقيت عمل إضافيّة بغية تأمين الدعم المالي لواحدٍ وعشرين حيّاً فقيراً في أنحاء الولايات المتّحدة، وذلك في محاولة لمحاكاة جهود الناشط الاجتماعي جيفري كندا في "هارلم تشيلدرنز زون" (منطقة الأطفال في هارلم). كندا ذاك كان يسعى للقضاء على الفقر في سبعة وتسعين بلوك سكني في حيّ هارلم النيويوركي من خلال برنامج تضمّن مزيجاً من الخطط التربويّة المكثّفة (بدءاً بالمدارس الإعداديّة)، والدورات التدريبيّة المخصّصة للأهل إضافة إلى المبادرات الصحّيّة. خلال حملته أطلق أوباما وعداً في توسيع هذه المبادرات وتعميمها في جميع أنحاء البلاد، وقد وفى بذلك الوعد، إذ أنّ الدعم المالي للمبادرات المذكورة سوف يتزايد بمعدّل ستّة مرّات خلال العام المقبل (إلى 60 مليون دولار). الأمر لا يتطلّب من المرء سوى القليل من المخيّلة كي يدرك ما يمثّله هذا الأمر من "إيجابيّة سوداء" تعادل ما تتيحه القوانين، حتّى لو لم يقترن بالخطب الرنّانة المليئة بعبارات كمثل "الأزمة" وتعابير من طراز "وأخيراً". كما تزداد القضيّة قوّة إن أخذنا إصلاح نظام الرعاية الطبي في عين الاعتبار (الموضوع ذو الأهمية الخاصّة بالنسبة للسود) وزيادة الدعم المالي للمدارس والجامعات المُعدّة تاريخيّاً مدارس وجامعات سوداء.

ما كان يُطلق عليه في ما مضى وصف "الصراع" ما زال قائماً، لكن على المرء أن يعرف مكامنه. غير أنّ المرجّح هو ألا يبقى الصراع المذكور محتلاً عناوين الأخبار الرئيسة. من ينتظر تحقّق التغيير في حياة السود الأميركيين مرّة أخرى عبر التظاهرات الدراماتيكيّة سيصاب بحِيرةِ من ينتظر العثور على موسيقاه المفضّلة مسجّلة على شرائط كاسيت.

الزمن يمضي. الوقائع تتبدّل. والناس يغيّرون عيشهم.

باراك أوباما بدا رئيساً "أكثر سواداً" ممن اعتبرته توني موريسون بمثابة الرئيس الأسود الأوّل لأميركا، بيل كلينتون. فما الذي يوحي بالسواد أكثر في النهاية إطلاق إحدى وعشرين عمليّة إنقاذ في إحياء سوداء معدمة أم العزف على الساكسوفون؟

=====================

أسياد اقتصاد المضاربة ومطلقاتهم "الإيمانية المقدسة"!

المستقبل - الاحد 19 كانون الأول 2010

العدد 3861 - نوافذ - صفحة 12

ماجد الشّيخ

وسط تمنّع وتردّد دول العالم الرأسمالي، من أن تكون التدخلات السياسية هي الحاسمة، في منع تدهور الاقتصاد العالمي، والحد من الأزمة المالية التي تهيمن بظلالها المرّة على معظم دول العالم، على قاعدة "النظرية الإيمانية" القائلة بضرورة أن يوازن الاقتصاد العالمي نفسه بنفسه؛ وسط هذا التمنّع والتردد، تواصل الأزمة اشتغالها واختراقها سيادات الدول واقتصاداتها الواقعية، بعد أن انحازت شرائح النخب الحاكمة إلى نهج في المحاولات الإنقاذية للاقتصادات الافتراضية بسماتها المضاربة، واستفحال نمط من أنماط المقامرة بأموال المدّخرين، ودافعي الضرائب لصالح المتهرّبين من دفع ما يستحق وما يتوجب عليهم دفعه من ضرائب لمصلحة شعوبهم، ولو مؤقتاً بخسارة جزء من مدّخراتهم، بدلاً من هذه السياسات التدخلية لمصلحتهم فقط، وعلى حساب شعوب وأمم بأكملها، أضحت في ظل العولمة الحالية، تعيش على وقع استفحال الأزمة المالية والاقتصادية، وما يترافق معها من سياسات تقشفية، وإجراءات تحاول الحد من تسارع خطوات الإفقار الإجتماعي، كما في بعض دول الأزمة على جانبي الأطلسي.

أظهرت قمة العشرين في سيؤول أخيراً، ما كانت أخفته قمتي واشنطن ولندن من قبل، على صعيد وحدة قوى النظام الرأسمالي، لتظهر الفردية على حقيقتها، في اتجاه كل دولة التفاتاً نحو مصالحها القومية، في معزل عما كانت دعت إليه قمم "الثمانية الكبار" وقمم "مجموعة العشرين" في بدايات الأزمة، حيث باتت دول الفوائض كالصين وألمانيا، تطالب بشيء من التدخّل، تدخّل الدولة في الحد من دهورة الأزمة للاقتصادات المحلية، بدلاً من الاعتماد والطلب من الخارج أن يعمل على ذلك، عبر القروض وضخ طاقة جديدة في شرايين اقتصاد المضاربة، وتمويل ديون دول عاجزة عن النهوض بأعباء اقتصاداتها الواقعية. وفي تقرير اقتصادي دولي صدر حديثاً تحذير من أن عجز اقتصادات الدول المتقدمة، قد يتضاعف من الآن وحتى العام 2014، في ظل قناعات تتزايد يوماً بعد يوم بضرورة التدخل والترشيد من قبل الدولة. فيما الولايات المتحدة وحدها ما برحت تصرّ على سياسات تعرف قبل غيرها، أنها لا يمكن للاقتصادات العالمية وللأسواق في ظلها موازنة نفسها بنفسها، من دون تدخلات سياسية.

ولهذا لم تنته فقاعات الأزمة المالية العالمية، فما فتئت تنفجر هنا وهناك، مخلفة وراءها أزمات اقتصادية حادة في عدد من بلدان القارة الأوروبية، وهي في مبتداها وانطلاقها من محطتها الأميركية ذات أواخر صيف العام 2008، وانتشارها الواسع عبر البوابة الأوروبية، إنما دمغت وتدمغ النظام الرأسمالي بالوحشية، وبعدم إلزام نفسه الالتفات إلى مراعاة شؤون الناس ورعايتها، وإلاّ ما معنى أن تتخلى الدولة وفق أنماط النظام السائدة، عن مجموع الناس، ولتهتم بمعالجة شؤون النخب المالية والمصرفية التي غامرت، بل قامرت بأموالها وأموال الناس في اقتصاد رقمي افتراضي، معمّمة خسائرها على كامل قطاعات المجتمع، بعد أن كانت في السابق تحصد أرباحها الخاصة، من دون مساءلة ومن دون إشراك أي أحد معها، وها هي في أتون الأزمة أصبحت هي الشغل الشاغل للدولة، وما فوق الدولة وما تحتها. فأي اقتصاد يُراد إنقاذه؟ سوى أن يكون اقتصاد المضاربات، لا الاقتصاد الحقيقي. ولماذا تُجبر الدولة دائماً على تلك الملاءات المالية التي تغطي محطات مهمة من حياة اقتصاد افتراضي، لا دخل للناس من دافعي الضرائب به سوى في الملمات والمغارم، بينما تقتصر مغانمه لصالح فئات ونخب السلطة المستفيدة والمتنفذة والمسيطرة. ألم تدفع الدولة الأميركية للمصارف المتعسرة منذ بداية الأزمة، ثم ها هي الأزمة تواصل استفحالها، أقلها في هذا القطاع المصرفي الذي بلغت إفلاساته 149 مصرفاً حتى الآن. فأين هي الحلول التي وُعد الناس بها، بينما لم تستطع الأسواق أن توازن نفسها بنفسها، وتدخلات الدولة لم تكن لصالح تلك الحلول الشاملة، وإنما دافعها الرئيس، كان ويكون إنقاذ بعض المضاربين عبر السياسة الخاطئة أو "لا سياسة تعميم الخسائر وتخصيص الأرباح".

وعلى خطى اليونان وإسبانيا وفرنسا، تشهد إيرلندا والبرتغال بدورهما، انعكاسات الأزمة داخل بلديهما، وذلك عبر اتجاههما الاضطراري لتبني خطط وسياسات تقشفية، انعكست إضرابات واسعة واضطرابات اجتماعية تهدد الاستقرار الاجتماعي، وربما السياسي كذلك، على ما هو الحال في ايرلندا. في حين تواجه البرتغال عودة التوتر إلى الأسواق المالية، لا سيما وهي تعزز قناعتها بأن هذا البلد، سيكون الدولة المقبلة في منطقة اليورو التي ستلجأ إلى طلب المساعدة الخارجية، بعد اليونان وإيرلندا.

وفي هذا الاتجاه، أعلن يوم (24 نوفمبر) الماضي أن الحكومة الإيرلندية كشفت تفاصيل خطتها التقشفية الرامية إلى توفير 15 مليار يورو حتى نهاية العام 2014، وذلك تمهيداً لمنحها مساعدة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تبلغ قيمتها 85 مليار يورو، هي بمثابة "افتتاح خط اقتراض" على حد تعبير رئيس الوزراء الإيرلندي براين كوين. وهذا المبلغ لا يشكل كل المبلغ المطلوب، في حين أن نصف هذا المبلغ سيكون مخصصاً لتغطية العجز الإيرلندي المتوقع حتى العام 2013، والنصف الآخر لدعم رأسمال المصارف الإيرلندية، التي تعاني من أزمة سيولة مع عجزها عن الاقتراض من الأسواق، نتيجة نسبة الفائدة المرتفعة التي يطلبها الدائنون. ولهذا تأخذ الخطة في الاعتبار القروض الأوروبية التي ستوفرها "الآلية الأوروبية للاستقرار المالي" التي أنشئت في الربيع الماضي لمساعدة اليونان والدول الأعضاء، ممن يواجهون صعوبات في الحصول على القروض من أسواق المال.

وعلى رغم وجود المساعدات الخارجية لإيرلندا، فإن دعوات محلية إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة، قد يعيق خطة الانقاذ الحكومية المدعومة أوروبياً، ما وضع الحكومة الإيرلندية في موقف حرج، استدعت من رئيس الوزراء براين كوين، توجيه نداء للمعارضة من أجل المساعدة في إقرار موازنة عام 2011، قبل أن يدعو إلى انتخابات مبكرة، ويواجه كوين إضافة إلى الاستياء الشعبي من تعامله مع مسألة الإنقاذ؛ ضغطاً سياسياً شديداً، إذ تطالبه المعارضة بالتنحّي. لكنها كذلك تعهدت إعادة صياغة الخطة بعد إطاحة الحكومة الحالية، في انتخابات مبكرة من المتوقع إجراؤها في آذار (مارس) المقبل.

أما بالنسبة للبرتغال، فقد أظهر استطلاع للرأي، أجرته وكالة رويترز على 50 محللاً اقتصادياً، أن 43 من هؤلاء أكدوا أن البرتغال ستضطر إلى طلب دعم مالي خارجي، في وقت وصلت قيمة المضاربة الإضافية على سندات البرتغال السيادية مقارنة بالسندات الألمانية، وهو قياس لمدى الضغوط التي تمارسها الأسواق على الدول، إلى مستوى قياسي عند 481 نقطة، مقارنة ب645 لإيرلندا و260 لإسبانيا.

وبذا فإن إجراءات التقشف البرتغالية التي أقرها البرلمان صيف هذا العام، وإقرار موازنة متقشفة للعام القادم في البرلمان أخيراً، لم تضمن بصورة كافية الابتعاد عن صدق تكهنات تتوقع أن تكون البرتغال، الدولة الأوروبية الثالثة التي تطلب مساعدات إنقاذية بعد اليونان وإيرلندا، فبعد مضي نحو نصف العام على إقرار إجراءاتها التقشفية، لا تزال الخشية قائمة من أن تتعثر البرتغال لتجد نفسها مكبلة بديونها، خصوصاً بعد أن انخفض معدل النمو خلال العام الماضي إلى 2،6 في المئة، في ظل انعكاس تداعيات الأزمة الاقتصادية على الحياة الاجتماعية، بعد تفاقم البطالة وزيادة مديونيات العائلات، الأمر الذي ضاعف من عدد الفقراء في البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، وبحسب ما أعلنته بعض المؤسسات الاجتماعية، فإن كل رابع شخص يطلب المساعدات الاجتماعية في البرتغال يقضي يوماً كاملاً على الأقل بدون طعام.

مرة أخرى، وفي ضوء النتائج الكارثية التي تُنذر بها الأزمة المالية العالمية من عواقب وخيمة على الأداء الاقتصادي العالمي، وما يستتبع ذلك من أزمات اقتصادية أعم وأشمل، لا يبدو أن الأسطوانة المشروخة القائلة بموازنة الاقتصاد العالمي لنفسه، وتحكم الأسواق حتى بمسلكيات الدول، من دون الاستناد إلى تدخل الدولة السياسي والسيادي في الاقتصاد، وتأثيراتها على الأسواق، هذه الاسطوانة ليست كفيلة بمعالجات التعافي الاقتصادي أو المالي، من دون تدخل "السياسة السيادية"، بمعنى تدخل الدولة في كامل المعالجات التي تصب في مصلحة الأغلبية من الناس، الذين تسوقهم المعالجات الرأسمالية العمياء بمطلقاتها "الإيمانية المقدسة" نحو خدمة الصفوة، أو النخبة من أسياد الاقتصاد المضارب، اقتصاد الفقاعات القابلة للانفجار، كل ما آل الرأسمال المتوحش لفرض نزقه في فرض سياسات "تعميم الخسائر وتخصيص الأرباح" القابلة للاختفاء من الأسواق، لا للتدوير، أو دخولها دورة الحياة الاقتصادية للبلد أو البلدان التي تتلقى فوائض التدفقات المالية، في معزل عن إدخالها نسيج الدورة الإنتاجية، التي باتت مرذولة في عالم الاقتصاد والأسواق الافتراضية، وهنا مكمن الداء، لا الدواء الذي بات يقدم كسم زعاف، لن يقوى على إيجاد الحلول والمعالجات، مهما بلغت وتبلغ عملية طباعة العملة الورقية الأميركية من ضخامة بين الحين والآخر.

=======================

«الإخوان المسلمون» المصريون ومسارات التحول نحو السلفية

الحياة - السبت, 18 ديسيمبر 2010

حسام تمام *

تعيش «حركة الإخوان المسلمين» منذ مدة حالة من الإرباك في مواقف كانت تبدو اقرب الى الحسم منذ بدأ «الإخوان» مسلسل المشاركة السياسية؛ المقصود مواقفها من قضايا الحجاب والنقاب وعلاقاتها المتوترة مع الشيخ يوسف القرضاوي على خلفية موقفه من سيد قطب وفكره ومن شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي بسبب موضوع حظر النقاب في المؤسسات التعليمية والجدل الذي انخرطت فيه من قضايا موقع التعليم الديني في المدارس والموقف من الشيعة، ومواقفها النقدية في شأن قضايا تمس مجال الفنون والآداب فضلاً عن برنامجها السياسي الذي انتقص من حق المرأة والأقباط في المواطنة ودعا إلى هيئة رقابة شرعية على المجلس التشريعي!

 

وإذا تركنا مجال المواقف الظاهرة لننظر في التفاعلات التي تتم داخل الجماعة، فسيبدو نطاق الحركة ضيقاً داخل الجماعة بحيث صارت سمة التفاعلات داخل الحركة تنظيمية بحتة منذ استقالة مرشدها السابع محمد مهدي عاكف. الانتخابات الأخيرة التي أُجريت أواخر عام 2009 وبداية عام 2010 أسفرت عن تراجع واضح لرصيد الإصلاحيين داخل البنية التنظيمية للجماعة فخرجت الرموز الإصلاحية من مكتب الإرشاد وأحكم التنظيميون سيطرتهم على مجلس الشورى في الجماعة قبل أن يسيطروا على مكتب الإرشاد ومنصب المرشد العام وثلاثة من نوابه.

 

هذا التزامن الذي حصل في تفاعلات الحركة ومواقفها كان لافتاً لكثير من الملاحظين الذين أبدوا تخوفاً من نكوص الجماعة عن مربع الحركة المعتدلة وجنوحها نحو التشدد، لا سيما بعد سلسلة ضغوط النظام عليها في السنتين الأخيرتين وإغلاق المجال السياسي. لكن افتراضاً أساسياً بدا أنه يطرح نفسه لتفسير هذا التوجه الجديد الذي لوحظ لدى الحركة الإخوانية، يرى أن له صلة بالتركيبة الداخلية للجماعة التي تعتمل منذ السبعينات من القرن العشرين؛ التزامن بين صعود عدد من الوجوه الإخوانية الى المناصب العليا التنظيمية في الإخوان والمواقف التي ظهرت بها الجماعة تعني أن هناك توجهاً كامناً لدى الجماعة منذ فترة ممتدة بدأ يعلن عن نفسه تماشياً مع مزاج عام مجتمعي في مصر لم تسلم منه قواعد الجماعة وتحولات طاولت محيطها ايضاً. الجماعة الإخوانية اليوم تميل الى السلفية أكثر مما كانت في أي وقت من تاريخها الممتد؛ وهي سلفية في المظهر والسلوك والفكر والمعتقد أيضاً، تعيد فتح عديد من القضايا التي يفترض أن الجماعة قد تجاوزتها بفعل تجربة المشاركة في النظام منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.

 

بالفعل، لقد كانت المكونات السلفية في الإخوان حاضرة منذ نشأتها الأولى كدعوة سلفية في عهد مرشدها الأول الشيخ حسن البنا، لكنها كانت بالطبع سلفية مختلفة عن تلك التي تجلت اليوم لدى الإخوان من حيث هي سلفية جامعة ومتفاعلة مع المكونات الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع كما تميزت في سنوات الثلاثينات في شكل خاص. لقد تجسدت في شكل واضح في ابتعاد الحركة عن النقاط الخلافية وأمور الخلاف، لا سيما في جانب العقيدة. سيبدو مع التدقيق أن البنا أسس في العشرينات حركة إخوانية كانت تجمع بين العسكريتارية في التنظيم المحكم والسلفية كإطار عام وبرزت النكهة الصوفية في برامج التكوين والتذاكر.

 

لكن ظروف المواجهة مع النظام الناصري التي بدأت مع منتصف الخمسينات ستحيل الى ضيق في أفق الحركة الإخوانية ليس فقط في المجال السياسي والحياة العامة المصرية التي ستغيب عنها لأكثر من عقد كامل، بل ضيق في مساحة التنظير التي ستؤول الى سيد قطب ومن ثم تنظيم 1965 وولادة التيار القطبي في تاريخ الجماعة، وكلها عوامل ستعزز من نسبة التشدد في النظرة الى تطورات المجتمع وثقافته داخل الإخوان.

 

سنلاحظ أن المكونات الفكرية التي كانت تتبع السلفية في حركة الإخوان، أصبحت لاحقاً مزاجاً عقدياً وحالة اجتماعية نقلها الإخوان الذين فروا من الاعتقالات الناصرية الى دول الخليج. وعرفت ظاهرة التسلف في الإخوان نتيجة هذه الهجرة الكثيفة موجتين تبعاً لمستويات عدة: الموجة الهادئة التي امتدت خلال سني الخمسينات والستينات كانت موجة نخبوية شملت قيادات الإخوان الذين نجوا من الاعتقال وأنتجت رعيلاً من شيوخ الإخوان المتسلفين، كثيرون منهم استثمروا في الاقتصاد وتفاعلوا مع قطاع التعليم وعايشوا الوهابية اجتماعياً في السعودية.

 

على خلاف ذلك، كانت الموجة الثانية في فترة السبعينات في عز الفورة البترولية، وتمت عبر مستويين مهمين، الأول من التسلف حمله الكادر الإخواني ممن عادوا من السعودية أواخر السبعينات وحملوا معهم المزاج السلفي العقدي في المظهر واللباس والسلوك، بينما كان المستوى الثاني هو الأهم والأكثر تأثيراً لأنه حدث داخل مصر وعبر شباب الجامعات المصرية.

 

وشكلت فترة السبعينات أوج ظاهرة التسلف التي اجتاحت الإخوان مع انضمام الطلبة الذين أسسوا «الجماعة الإسلامية» في جامعات مصر، فالمزاج الديني المصري اتجه نحو المحافظة في السنوات التي أعقبت النكسة عام 1967 وكرد فعل على ذيوع ما اعتبر مظاهر للابتذال لازمت سياسات الانفتاح في حقبة السبعينات وخيبة الأمل التي أصابت كثيرين بعد انكسار المشروع الناصري. لقد أدى هذا الى ما سمي لاحقاً بظاهرة الصحوة وإن كانت تعكس ميل المجتمعات الى المحافظة في المنعرجات التاريخية الحرجة، فكانت الجماعات الإسلامية تمظهرها الأكثر بروزاً وكانت السلفية أكثر التوجهات الدينية الموجودة على الساحة في ذلك الوقت محافظة وتزمتاً بفعل المد الآتي من الكتب السلفية ومن كتب التراث التي أعيد نشرها وإحياؤها ومن شيوخ السلفية وجمعيات عادت الى الحياة بعد تراجع الأطروحة الإخوانية.

 

لا عجب في أن يختار قسم كبير من أعضاء الحركة الطلابية التي أنشأت الجماعات الإسلامية في كليات مصر الانضمام الى الإخوان المسلمين؛ فقد تعودوا على وقع الانتظام في جمعيات دينية وتدرب قسم كبير منهم على العمل التنظيمي في الاتحادات الطلابية التي سيطروا عليها قبل ان يلتئموا تحت مسمى الجماعة الإسلامية مع منتصف السبعينات. وخلال السنوات التي لحقت خروج الإخوان من السجون جرت محاولات حثيثة انتهت الى استقطابهم أخيراً الى صفوف الجماعة العتيدة. وهناك نقاط مشتركة كثيرة سمحت بحدوث هذا الانضمام التاريخي الذي أعاد التنظيم الإخواني الى العمل، فالهيكل التنظيمي الإخواني كان مترهلاً بالفعل، لكنه كان جاهزاً للحياة بمجرد أن ضخت فيه الدماء الجديدة، ثم إن الشباب ذا التكوين السلفي انجذب الى الإخوان في ما تبقى من سيرتهم كممثلين للأطروحة الإسلامية، فساد احترام كبير لشيوخ الإخوان ممن تبقى من المرحلة البنّاوية مثل فريد عبدالخالق وعباس السيسي وعمر التلمساني. ومن المرحلة القطبية وجد الشباب المتزمت كثيراً من التقارب مع تيار قطبي التقى بتجربة النظام الخاص وتنظيم 1965 فامتزجت قيم الطاعة والجندية وبناء الجيل القرآني الفريد مع التشدد ذي الطبعة السلفية لدى شباب الجماعة الإسلامية فتيسرت سبل الانضمام على يد أهم رموز التيار القطبي في تلك الفترة مصطفى مشهور وكمال السنانيري، ثم كانت وسائل الإخوان قناة جديدة لنمو تجربة التدين لدى الشباب كمجلة «الدعوة» التي عاد الإخوان الى إصدارها عام 1976.

 

لكن الأحداث المتسارعة التي شهدتها الحركة الإسلامية في الثمانينات حجبت توجهات التسلف الى حين، تحت وقع سيل من الاجتهادات التي قادها مفكرون إسلاميون مستقلون مثل طارق البشري وكمال أبو المجد وسليم العوا وفقهاء صاروا مرجع الجماعة ممن تصدوا للمنهج السلفي ومذهبيته أمثال الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي وكلهم ساهموا مع شباب الجماعة في انطلاق قطار العمل العام الإخواني، فكانت مرحلة كمون للسلفية الإخوانية الجديدة.

 

ربما كانت الجهود الذي بذلها شيوخ الإخوان لتأطير الفكرة الوهابية السلفية بمزاج مصري، واضحة جداً في هذا الكمون الذي طاول الظاهرة، لكن السلفية ستعود بقوة مع تراجع واضح لهؤلاء ممن كانوا لا يزالون يحتفظون بتأثير المرحلة البنّاوية. وساهم المناخ الديني العام وانغلاق الأفق السياسي أمام الإخوان في نمو مزاج ديني سلفي في المجتمع ولم تكن قواعد الإخوان بمنأى عنه. هذه الحركية الاجتماعية ما كان لها إلا أن تتفاعل مع السلفية الإخوانية الكامنة ممثلة في ثلاثة مكونات مهمة:

 

المكون الأول هو المكون الدعوي الممثل في الشيوخ الإخوانيين المتسلفين الذين جمعوا بين التكوين العلمي "المدني" والعلم الشرعي الذي حازوا عليه إما في مصر أو في المملكة العربية السعودية؛ جمعوا بين التركيبتين بسلاسة فكانوا مؤثرين في قنوات التربية والتكوين أكثر منه في العمل العام، من أمثال محمد حسين عيسى في الإسكندرية وجمال عبدالهادي في جامعة الأزهر ومحمود غزلان في تيار التنظيم وجمعة أمين في التيار القطبي وغيرهم، إضافة الى دعاة إخوان أو من المدرسة الإخوانية مثل الدكتور صفوت حجازي والدكتور راغب السرجاني والداعية حازم صلاح أبو إسماعيل والشيخ عبدالخالق الشريف. لقد أصبحوا نافذين في الدعوة الإخوانية التي تطعمت بالمنهج السلفي ليس في المظهر العام فقط، بل وفي الموقف من قضايا تمس الآخر، سواء من داخل الإطار الإسلامي السنّي أم من خارجه.

 

ثانياً، المكونات التنظيمية داخل الجماعة التي انتعشت مع سياق المحاصرة والتضييق من جانب النظام، فكانت فرصة سانحة حاصر بها التنظيميون الأصوات الإصلاحية داخل الجماعة فخرج ممثلوهم من مكتب الإرشاد وسيطروا على مجلس شورى الجماعة ومكاتب المحافظات في أهم انتخابات داخلية شهدها الإخوان خلال العامين الأخيرين.

 

ثالثا، المكونات القطبية المتبقية من تراث تنظيم 1965 وقبله النظام الخاص فوجدنا تعاضداً بين فكر الطاعة والولاء والعزلة الشعورية وبين التوجهات السلفية التي تغلب السمع والطاعة والإتباع والعلاقات الهرمية التي يسود فيها السمع والطاعة.

 

هكذا تبدو ظاهرة تسلف الإخوان ظاهرة فكرية واجتماعية بامتياز وقد تحول الإخوان بفعلها الى مربع الحركات المغلقة على اتباعها وأصبحت قضايا النقاب والموقف من الآداب والفنون ومسائل الرقابة ذات الطبيعة الاجتماعية والتركيز على القضايا الخلافية من سمات الإخوان على رغم تاريخهم الطويل من التفاعل مع المجتمع والدولة.

 

وهذا يعني أن الإخوان يبتعدون تدريجاً عن مساحات التفاعل المجتمعية، والسلفية بطبيعتها تميل الى خلق سلوكات ومظاهر وتوجهات تدّعي لنفسها الاختلاف وإن على قاعدة الإسلام الصحيح فتميل بذلك الى الابتعاد عن المجتمع. في هذه الحالة، فإن نتائج التعاضد الثلاثي الذي يحدث في الإخوان ستؤدي الى تحول في الأرثوذكسية الإخوانية التي انتقلت من مساحة الدفاع عن الهوية في الأربعينات الى مفهوم الحاكمية لله وجاهلية المجتمع في السبعينات. وعلى رغم تجربة المشاركة التي حولت الإخوان الى مدافعين عن قيم المجتمع من داخل مؤسسات الدولة في سنوات التسعينات، فإن المأزق الذي وصل إليه تيار العمل العام الإخواني يوحي بأن هناك تحولاً نحو أرثوذكسية جديدة مفارقة للثقافة والمجتمع على نحو مواقفها المذكورة.

* باحث مصري

=======================

ماذا عن الأزمة المائية العربية عام 2030؟

المستقبل - الاحد 19 كانون الأول 2010

العدد 3861 - نوافذ - صفحة 13

نبيل السهلي

تشير المصادر الجغرافية والتقارير الاقتصادية الصادرة عن الجامعة العربية والمؤسسات ذات الصلة إلى أن مساحة الوطن العربي تصل إلى نحو (1.4) مليار هكتار. تشكل تلك المساحة عشرة في المئة من مساحة العالم، في حين يشكل سكان الوطن العربي نحو خمسة في المئة من سكان العالم. ولا يستحوذ الوطن العربي إلا على (0.5) في المئة من إجمالي حجم الموارد المائية العالمية المتجددة. وتقدر المصادر نفسها حجم الموارد المائية العربية المتاحة في الوطن العربي بحوالى (295) مليار متر مكعب سنوياً، لا يُستغل منها سوى (193) مليار متر مكعب أي نحو (75) في المئة من الموارد المائية، منها 87 في المئة هي من نصيب قطاع الزراعة في الوطن العربي، في حين يستحوذ القطاع المنزلي والصناعة على النسبة الباقية من إجمالي الموارد المائية العربية المتاحة.

وفي هذا السياق يُذكر أن متوسط نصيب الفرد العربي من الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي يصل إلى 890 متراً مكعباً سنوياً، في حين يصل نصيب الفرد في إفريقيا بالمتوسط الى 5500 متر مكعب سنوياً؛ وفي آسيا 3500 متر مكعب؛ و7700 في العالم. واللافت أن المساحة المروية في الدول العربية تشكل حوالى (15.7) في المئة فقط من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في الدول العربية. ويتسم الاستخدام الحالي للمياه في الزراعة المروية، بكفاءة متدنية، إذ يبلغ فاقد المياه أثناء النقل والتوزيع في الحقول ما يقارب (80) مليار متر مكعب. ويرجع ذلك أساساً إلى أن الأسلوب السائد في الري هو الري السطحي التقليدي الذي يشمل (90) في المئة من الأراضي المروية في الوطن العربي. وفي هذا السياق يذكر أن كمية الأمطار التي تتساقط على الوطن العربي تصل إلى 2286 مليار متر مكعب سنوياً. وبشكل عام ثمة ثلاث عشرة دولة عربية ترزح تحت خط الفقر المائي خلال السنوات الأخيرة. ويضاف إلى ذلك أن الدول العربية مهددة بتناقص في كمية المياه التي ترد من الخارج والتي تمثل حوالى (50) في المئة من حجم المياه المتاحة؛ وذلك مثل المياه الواردة عبر نهر النيل إلى كل من مصر والسودان؛ وعبر نهري الفرات ودجلة إلى كل من العراق وسورية.

تشير الدراسات المختلفة حول الزراعة والموارد المائية العربية إلى أن ظاهرة التصحر آخذة في التوسع في ظل اتباع نفس السياسات المائية، حيث من بين المساحة الجغرافية للوطن العربي (1.4) مليار هكتار، لا تتجاوز مساحة الأراضي القابلة للزراعة (197) مليون هكتار، تمثل نحو (14.1) في المئة من إجمالي المساحة العامة للوطن العربي. وتتسم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي بظاهرة لها دلالات استراتيجية غاية في الأهمية للأمن المائي، وهي أن حوالى نصف هذه الموارد ينبع من خارج الوطن العربي، لذلك، وبجانب الأسباب الطبيعية، فإن هذا الأمر يجعل هذه الموارد عرضة للنقص والتدهور في النوعية نتيجة عوامل استراتيجية، أو استخدامات جائرة، مما يؤكد أهمية العمل على وضع التشريعات الدولية التي تتضمن حقوق الدول العربية وبشكل خاص مصر والسودان وسوريا والعراق، وحسن تنفيذها من قبل جميع الدول المعنية سواء المتشاطئة على نهر النيل؛ وكذلك المتشاطئة على نهري دجلة والفرات.

ويبرز التحدي الإسرائيلي أيضاً بكونه أحد التحديات التي يواجهها الأمن المائي العربي أيضاً، حيث استطاعت إسرائيل السيطرة على نحو (81) في المئة من إجمالي الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين والبالغة (800) مليون متر مكعب سنوياً. إن التحديات المذكورة، إضافة إلى الزيادة السكانية العالية في الوطن العربي، والتي ستؤدي إلى ارتفاع سكانه من (360) مليون نسمة عام 2010 إلى 720 مليون نسمة في عام 2030، فضلاً عن الاستخدامات التقليدية والفاقد الكبير في المياه، كل ذلك سيؤدي في حال عدم وضع استراتيجية عربية لمواجهته، الى احتمالات ارتفاع وتيرة العجز المائي العربي لتصل إلى نحو (320) مليار متر مكعب بحلول العام المذكور.

إن الأزمات المائية العربية الآخذة بالتصاعد باتت تتطلب من الدول العربية والمؤسسات ذات الصلة في الجامعة العربية اتباع خيارات وسياسات جمعية محددة لمواجهة شح المياه والفجوة الغذائية العربية، فضلاً عن استغلال بعض دول المنبع للأنهار بعيداً عن القانون الدولي وحصة الدول العربية منها؛ ومن تلك الخيارات والسياسات :

1- إعطاء الخلاف المائي بين أي دولة عربية ودول أخرى حول تقاسم المياه بعداً عربياً.

2- رفع كفاءة استخدام المياه في الدول العربية من خلال تطوير نظم وأساليب الري الحالية.

3- ترشيد استخدام المياه سواء مباشرة أو بصفة غير مباشرة من خلال التسعيرة، وضرورة اتباع سياسات من شأنها التوسع في المحاصيل الزراعية ذات القيمة العالية والمستخدمة لأقل كميات من المياه، والأمر الذي تفرضه ندرة المياه في الدول العربية واحتمالات حصول عجز مائي كبير بعد عقدين من الزمن.

4- الخيار الأهم يكمن في ضرورة استخدام المياه غير التقليدية من مياه الصرف الصحي المعالجة وتحلية المياه، من خلال دعم البحث العلمي العربي لترسيخ تكنولوجيا تحلية المياه التي من المتوقع أن يتطور استعمالها في الدول العربية خارج منطقة الخليج.

5- وتتطلب الضرورة التخطيط المتوازن، من خلال الربط بين الزيادة المتوقعة لسكان الدول العربية والطلب المتوقع على المياه في مجالات الاستخدام المختلفة.

والأهم من ذلك الضرورة تحتم التنسيق بين كافة الدول العربية في مجال تطوير البحث العلمي في استخدامات المياه، والتفاوض بشأنها في كافة المحافل الإقليمية والدولية، واعتبار الأمن المائي العربي جزءاً من الأمن القومي العربي، وهذا بحد ذاته يعتبر مدخلاً أساسياً للحد من تفاقم المسألة المائية العربية وانتشار ظاهرة التصحر في الوطن العربي. ولا يمكن اكتمال دائرة مواجهة الدول العربية للتحديات التي تهدد الأمن المائي العربي، من دون معرفة حقيقة الأطماع الإسرائيلية، والزحف الإسرائيلي المبرمج لسرقة مزيد من كميات المياه العربية في جنوب لبنان والجولان المحتل ومن المصادر المائية المتاحة في الضفة الفلسطينية، حيث تسيطر السلطات الإسرائيلية عل نحو 81 في المئة في المئة من إجمالي الموارد المائية الفلسطينية البالغة نحو 800 مليون متر مكعب سنوياً، وتعمل إسرائيل جاهدة من خلال مشاريعها الاستيطانية وبخاصة مشروع الجدار العازل في عمق الأراضي العربية المحتلة للإبقاء على السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مصادر المياه العربية، وهذا ما يفسر كيف أن القسم الأكبر من كمية المياه الفلسطينية ستبقى - وفق الخرائط المختلفة لمسار الجدار - غرب الجدار العازل العنصري، الذي سيعزل المدن والقرى الفلسطينية في الضفة في كانتونات في مواجهة المستوطنات والمستوطنين فيها، حيث بات يستهلك المستوطن الصهيوني خلال الأعوام الأخيرة - حسب دراسات منظمات وهيئات دولية - ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني صاحب الأرض الشرعي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ