ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 21/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الدولة الفلسطينية: العالم أوسع من أميركا

الدكتور عاطف أبو سيف

القدس

20-12-2010

يبدو أن العقبة الوحيدة أمام التوجه الفلسطيني للمجتمع الدولي من أجل إقرار الرابع من حزيران كحدود للدولة الفلسطينية العتيدة تكمن في الموقف الأميركي. فموقف إسرائيل رغم اهميته ليس ذا تأثير في اتخاذ القرار الأممي فإسرائيل في محصلة الأمر هي "الخصم" قانونياً. والولايات المتحدة التي استطاعت ان تحتكر رعاية عملية السلام لعوامل عديدة، ربما حان الوقت للفلسطينيين لإعادة التفكير فيها، لم تكن يوماً طرفاً نزيهاً، ولا حتى أوباما أو إذا شاء العرب أن ينادوه ب"أبو حسين"، فليفعلوا. فالولايات المتحدة هي الراعي لأنها القوة العظمى أو القوة الهابير بكلمات وزير خارجية فرنسا الأسبق فردين. والثابت في السياسة الشرق أوسطية وخاصة المتعلق منها بعملية السلام بين العرب وإسرائيل والمسار الفلسطيني على وجه الخصوص أن واشنطن لا تدع أحداً يتدخل بشكل فاعل إلا بالتنسيق معها أو بإشارة منها.

على كلٍ، هكذا درجت العادة في توزع الأدوار في السياسة الدولية: أميركا تقرر وتنفذ والعالم الغربي برمته يدفع إذا اقتضى الأمر. فأميركا تقرر سياسياً مثلاً بخصوص عملية السلام والاتحاد الأوروبي يدفع النفقات التي تضمن استمرار هذه العملية. وبكلمة دارجة في التحليل السياسي بهذا الشأن فإن أوروبا تنظف صحون الحفلة التي تديرها واشنطن. بالطبع فوحدها واشنطن وليست بروكسل ولا موسكو من يمتلك مفتاح الباب الإسرائيلي.

لكن هل تمتلك واشنطن حقاً مفتاح الباب الفلسطيني؟ يبدو أن القول بالإيجاب صار مسلمة من مسلمات عملية السلام في المنطقة رغم أن الأمر بحاجة لاعادة نقاش. صحيح أن الولايات المتحدة هي القوة الأولى في العالم وصحيح أنها هي الترجمة الحرفية لمفهوم "أهل العقد والحل" بالمعنى العربي وهي من يقرر في الكثير من القضايا الدولية. وهي بالطبع دولة يجب أن يؤخذ حسابها في أية تسوية إقليمية خاصة في منطقة ساخنة مثل الشرق الأوسط. ويمكن للمرء أن يسرد مئات الأسباب التي تؤيد ذلك. لكن ماذا تستطيع الولايات المتحدة ان تفعل للفلسطينيين؟ أقصى ما قد تذهب إليه هو وقف المعونات. السلطة بأمس الحاجة لهذه المعونات خاصة أنها ترعى مئات الآلاف من الموظفين وتقوم بمئات المشاريع التنموية الحيوية لنهوض الدولة المرغوبة. ولكن إذا كان ذلك يأتي على حساب تطور المشروع الوطني وتجسيد الاستحقاق التاريخي ألا يجب إعادة النظر في سبل التخلص من ورقة الضغط هذه. ليس من أحد يشك بأن ثمة مسارات مالية كثيرة يمكن لها أن تكون أكثر سيولة من المال الأميركي عند الأزمة خاصة المصادر المالية العربية التي تنفق على أتفه الأسباب. بالطبع ليس من أحد أكثر من "أبو مازن" يدرك تقاعس الدور العربي في أية مواجهة محتملة دبلوماسياً مع واشنطن. لكن على ما يبدو أنه يدرك أن المواجهة المحتملة وربما الأكثر صعوبة في المحافل الدولية لن تكون مع إسرائيل بل مع واشنطن التي قررت قبل أن تنطلق صفارة المباراة أن تكون إلى جانب إسرائيل وربما قررت أن تكون كاثوليكية أكثر من البابا. الإشارة هنا إلى قرار مجلس النواب الاميركي الأخير الذي لا يمكن وصفه إلا أنه اعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني السياسية ومصادرة لها من مجلس شهد ولادة الديمقراطية الأولى في التاريخ المعاصر. إن أميركا التي لا يشك إلا مكابر في دورها القيمي في تطوير الديمقراطية ممارسة وفكراً قررت أن تمارس ديكتاتورية مفرطة في السياسة الدولية تجاه الشعب الفلسطيني.

إن على السلطة ان تكمل طريقها في التوجه إلى المجتمع الدولي شاءت أميركا أم أبت، وافقت أم عارضت. من المفضل أن يحظى هذا التوجه بالدعم الأميركي، لكن هل يعقل تجميد كل شيء حتى ترضى أميركا. كان يجب معاقبة إسرائيل على رفضها منح جهود واشنطن فرصة وعلى رفضها العرض المغري مقابل تجميده لأشهر لكن الإدارة الأميركية تبدو عاجزة عن فعل شيء إلا إطلاق عنان مجلس الشيوخ لقطع أي طريق أمام نضوج موقف أميركي يرد على اعتداء إسرائيل على الإرادة الدولية.

عموماً، من الطبيعي ان تعترض واشنطن على أي قرار أممي بخصوص الدولة الفلسطينية، ولكن على أميركا أن تدرك أنها ستصبح ربما مع أقلية ضئيلة في ذلك. إن تراكم الاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية من شأنه أن يخلق حقيقة واقعية في السياسة الدولية. فمن اعتراف البرازيل والأرجنتين إلى بوليفيا. يجب العمل على تطوير وتسريع موجات الاعتراف الذي لابد أن يترافق مع إجراءات على الأرض كي لا يتحول الاعتراف إلى مجرد اعتراف بالحق وليس بالممارسة. وعليه على السلطة والمنظمة تطوير أفكار خلاقة حول ذلك تشكل مثلاً التعامل مع المستوطنين بوصفهم منتهكين للقانون الدولي وربما تقديم كشوفات بأسمائهم لهذه الدول حتى تعلنهم أشخاصاً غير مرغوب بهم، وربما أمكن لمنظمات حقوق الإنسان ملاحقتهم بوصفهم يعيشون على أرض غيرهم. ما أقصده هو تطوير برامج وخطط تجعل من الدولة ومن الاعتراف بها أمراً قانونياً وليس معنوياً.

في نهاية المطاف هل تستطيع واشنطن بوزنها في السياسة الدولية أن تترك السلطة أو الدولة الفلسطينية وحيدة؟ هل يقبل شرطي الكون أن يترك الحانة (وفق مصطلحات الكاوبوي الأميركي) دون تدخل؟ بالطبع لا، فأميركا صاحبة النفوذ والمصالح لا تملك أن تدير ظهرها بشكل كامل للفلسطينيين لحكمة ليس للفلسطينيين ضلع فيها إلا أنهم جزء من أكثر الصراعات ضراوة في المشهد الكوني المعاصر. في نهاية المطاف قد تقاطع واشنطن شهراً أو عشرة شهور أو سنة لكنها في النهاية ستفتح قنوات اتصال تضمن اطلاعها على مجريات السياسة في الإقليم، لأنها لن تقبل بأن تكون بالكامل وبشكل فاضح إلى جانب إسرائيل في وجه العالم. فنحن نريد أميركا التي أنتجت دستور فلادلفيا وليست أميركا التي تمنع الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم، أميركا نقاط ويلسن الأربعة عشر وليست أميركا التي تقف بشكل أعمى مع إسرائيل ضد حقوقهم السياسية.

وفي نهاية الأمر وكما يقترح عنوان المقال فالعالم أوسع من أميركا، ولكن نحن من يجب أن نقرر ذلك!!

====================

استراتيجية لمواجهة الفشل

اخر تحديث:الاثنين ,20/12/2010

كلوفيس مقصود

الخليج

في أعقاب قرار لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الأخير وقرارها بأن لا تعود السلطة الفلسطينية إلى “المفاوضات” مع “إسرائيل”، ومن ثم قرار السلطة القيام بحملة “دبلوماسية” بهدف تأمين اعتراف دولي بدولة فلسطين ضمن حدود يونيو/ حزيران ،1967 صار لزاماً الاعتراف بفشل “مسيرات السلام” التي استولدتها اتفاقيات أوسلو وما تبعها من محادثات برعاية أمريكية فقط، كون “إسرائيل” كانت ولا تزال تصّر على أنها لن تقبل بأية مشاركة دولية كونها (أي الولايات المتحدة)، كما أكد الرئيس الراحل أنور السادات، تملك تسعاً وتسعين بالمئة من الأوراق .

 

كانت هذه القناعة الراسخة عند الرئيس السادات هي التي بدورها أنتجت معاهدة الصلح مع “إسرائيل” عام 1979 والتي بدورها أيضاً أنتجت عبثية “مفاوضات أوسلو”، حيث كان سحب إدارة أوباما مطالبة “إسرائيل” بتجميد لمدة ثلاثة أشهر للمستوطنات مقابل 20 طائرة “اف 35” وتعهد اللجوء إلى حق النقض في مجلس الأمن ضد أي مطلب عربي أو فلسطيني للاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود 67 وعاصمتها “القدس الشرقية” .

 

لذا، وقبل الإبحار في “الحملة الدبلوماسية” التي تنوي السلطة الفلسطينية القيام بها في الأسابيع والأشهر القادمة لا مفر من معالجة نقدية للمنهج الذي اتبعته السلطة أو هل هي “منظمة التحرير”، والتي أوقعها في المصيدة التي كادت أن تؤدي إلى إجهاض القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مسلسل من المشكلات المتصاعدة وتحريفها عن المستلزمات الأساسية لأي حركة تحرير وطني ما أفقد منظمة التحرير الفلسطينية كونها إطاراً للشعب الفلسطيني بكل شرائحه وبالتالي مرجعية نضاله ومقاومته .

 

إزاء هذه الخلفية التي دفعت بالمنظمة باتجاه قناعة مستجدة لديها بأن حصر التعامل عملياً مع الإدارات الأمريكية المتتابعة هي الوسيلة الأنجع إن لم تكن الوحيدة لانتزاع أية حقوق كانت “إسرائيل” تعتبرها “تنازلات” وأحياناً “أليمة”، إضافة إلى أن ما آلت إليه سياسات التطبيع من إضعاف لقدرات الردع في مواجهة تمادي “إسرائيل” في تصعيد الاستباحة للحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني، كما ضمها لهضبة الجولان واعتداءاتها المتكررة على لبنان وغيرها من الاختراقات ومحاولات التحريض على دول صديقة ومتعاونة مع العديد من أقطار الوطن العربي .

 

في ما تقدم لا مفر بادئ ذي بدء من التعرف إلى دلالات المعنى في المصطلحات التي تعامل معها الفريق الذي كان مكلفاً المحادثات وتأمين اسضافتها حتى لا تكرر الحملة المنوي القيام بها الوقوع في المغالطات والتشويهات التي استعملت أثناء المحادثات العبثية التي أعطت آمالاً مغلوطة وأجازت ل “إسرائيل” أن تبقى منفلتة من المساءلة ناهيك عن المعاقبة . لذا سوف أعطي بعض الأمثلة لمفردات ومصطلحات جعلت معظم المحادثات وخاصة منذ اتفاق أوسلو لغاية الآن مجرد تمرينات في العبث إذ تآكلت في هذه الأثناء المزيد من الأرض الفلسطينية وسقط الآلاف من الضحايا والشهداء، كون الشطط في استعمال المفردات جعلها عرضة لفقدان الخطاب الفلسطيني استقامته ويتلعثم في خطابه تجاه الشعب الفلسطيني والعربي من جهة والعالمي من جهة أخرى . ويكفي التذكير بمصطلحات تم تداولها وأوجدت آمالاً مغلوطة فتاهت البوصلة وساد القلق والإحباط، ولعل كما أكدنا مراراً أن استعمال “مفاوضات” كان خطأ فادحاً في توصيف محادثات كانت بدورها عبثية كما اكتشفت الإدارة الأمريكية الحالية، فالإمعان باستعمال “المفاوضات” بدلاً من المحادثات جعلها مجرد سبر غور لاكتشاف حقوق بدل من أن تكون عملية تفاوض ناتجة عن اتفاق مسبق على نتيجة، بمعنى مثلاً أن التفاوض كان مستنداً إلى إنجاز الحل الذي انطوت عليه قرارات قمة بيروت والتي أعيد تكرارها في جميع القمم اللاحقة .

 

إذاً أين الخلل؟ إنه يكمن بأن “إسرائيل” اعتبرته إحدى الوثائق المرجعية لا كما أرادتها القمم العربية المتتالية كحل نهائي، أي “الانسحاب الكامل مقابل المصالحة” . لكن حتى هذا الحل المبتور أصلاً لم يكن ليحصل، لأن التباساً آخر ساد “المفاوضات”، بحيث إن “إسرائيل” لم تعترض مطلقاً أنها سلطة احتلال خاضعة لتنفيذ بنود اتفاقيات جنيف الرابعة، بمعنى آخر، الاحتلال هو مؤقت ولو دام طويلاً وهو يفترض عدم تغييره للتركيبة السكانية ولا لمعالم الأراضي التي تحتلها دولة الاحتلال، أي “إسرائيل”، لهذا عندما تغاضت السلطة الفلسطينية عن ضرورة انتزاع إقرار من “إسرائيل” بأنها دولة محتلة، ما كان منها إلا التصرف وكأنها سلطة فاتحة مغتصبة، وبالتالي تستعمل كل وسائل الاغتصاب لتؤكد رسوخ حقها في الملكية .

 

لذا، لأن الفريق الفلسطيني “المفاوض” لم يؤكد استقامة معادلة التفاوض، فقد تحولت مسيرة “المفاوضات” إلى الحالة الراهنة، التي تجد القضية الفلسطينية نفسها فيها .

 

استتبع انعدام استقامة المعادلة المناط بها إيجاد الحل المعلن أن “إسرائيل” اعتبرت أن أية مقاومة أكانت سلمية أو مسلحة بمثابة تمرد انفصالي عن “إسرائيل” القادمة، إلا أن “إسرائيل” تصرفت على هذا الأساس من دون الإعلان إلا في السنوات الأخيرة عن نواياها، كون وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان كان يعلن بوضوح ما يفكر به ويخطط نتنياهو . هذا في ما يتعلق بالضفة الغربية والقدس الشرقية، أما بخصوص قطاع غزة فقد تعاملت معه “ككيان عدائي” ما يجيز الاعتداء عليه بارتكاب جرائم حرب، كما حصل في أواخر 2008 . وفي هذا الصدد تسوّق “إسرائيل” أنها انسحبت من غزة، في حين أن كل ما حصل هو إعادة تموضع وليس انسحاباً، فالانسحاب من أرض محتلة يعني استرجاع السيادة، بينما إعادة التموضع تجيز ل “إسرائيل” العودة متى تشاء، كما يدل عليه الحصار وما قامت به في غزواتها المتقطعة وجرائم حروبها على هذا “الكيان العدائي” .

 

بعد التجاهل الذي ميز المحادثات المسماة خطأ بالمفاوضات منذ اتفاقية أوسلو وحتى الآن، وبعد قرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العنصري، وبعد تهديد الولايات المتحدة باستعمال حق الفيتو في حال الدعوة للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، إضافة إلى الافتراق القائم بين حكومتي رام الله وغزة، فإن واقع الحال يستدعي المزيد من الحيطة ودراسة الخيارات بشكل دقيق وصارم وذلك بعد إتمام مصالحة قابلة للتصديق بين جميع الفصائل، ومن ثم تأمين مشاركة عناصر المجتمع المدني الفلسطيني وممثلي اللاجئين ومؤسسات بحثية ودراسية وكبار المفكرين وذلك من أجل وضع استراتيجية مدروسة لتوفير فرص أكثر للنجاح في كل خطوة يأخذها الاجماع الفلسطيني تكون على شكل استراتيجية مجابهة، لا أن يبقى الوضع الفلسطيني يرتجل اقتراحات وحملات “دبلوماسية” أو غيرها .

 

لقد عانى الشعب الفلسطيني العربي بما فيه الكفاية، ولعل ما حصل في الأيام الأخيرة يوفر فرصة الوحدة باتجاه تحقيق مرجعية موثوقة توجه النضال وسط تعقيدات متزايدة . وكل ذلك يتطلب سرعة المبادرة واجتناب التسرع .

====================

الأغذية المعدلة... ومجاعات المستقبل!

تاريخ النشر: الإثنين 20 ديسمبر 2010

الاتحاد

في المستقبل البعيد، أو ربما حتى القريب، ستمكننا تطبيقات الهندسة الوراثية من خلال الأغذية المعدلة وراثيّاً من إنتاج أطعمة تحتوي في مكوناتها على عقاقير وأدوية طبية أنتجت داخل النباتات، أو زراعة نبات موز يحتوي على تطعيمات طبية طبيعية ضد بعض الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد الفيروسي (ب)، أو تربية أسماك حسنت العمليات الحيوية داخلها، بشكل يسرع من تكاثرها ونموها ونضجها، أو غرس أشجار فواكه ومكسرات، تبلغ مرحلة النضج وتطرح ثمارها في جزء بسيط من الوقت الذي تحتاجه أشجار الفواكه الحالية، وربما حتى الحصول على أطعمة لا تحتوي على مسببات الحساسية، أو يمكن إنتاج أنواع جديدة من البلاستيك.

 

وهذه الوعود المستقبلية يمكن أن نضيفها إلى الوعود الأساسية للشركات المنتجة للأغذية المعدلة وراثيّاً، التي تضمنت خفض أسعار الغذاء، ورفع قيمته الصحية، وإطاله فترة صلاحيته. وضمن هذه الوعود القديمة والحديثة، يظل الوعد بزيادة عائد المحاصيل الزراعية من خلال التعديل الوراثي للنباتات -بهدف مد العالم باحتياجاته المتزايدة من الغذاء نتيجة تزايد عدد سكانه المستمر- هو الوعد الأهم على الإطلاق في الجدل الدائر حول جدوى الأغذية المعدلة وراثيّاً، وحول تبعاتها الصحية والبيئية.

 

ويمكننا إدراك أهمية وجوانب هذا الوعد بسهولة إذا ما وضعنا في الاعتبار أنه منذ ظهور الإنسان قبل مائتي ألف عام تقريباً وحتى بداية القرن العشرين كان عدد أفراد الجنس البشري لا يتخطى مليار نسمة فقط. ولكن مع حلول عام 1927 وصل التعداد البشري إلى مليارين، أي أن الجنس البشري في أقل من ثلاثة عقود قد نجح في مضاعفة عدد أفراده. واستمرت هذه الزيادة لتصل إلى ثلاثة مليارات عام 1959، ثم أربعة مليارات عام 1974، ثم خمسة مليارات عام 1986، ثم ستة مليارات عام 1999، لتصل عام 2007 إلى 6.6 مليار. وهو ما يعني أن الجنس البشري نجح خلال مئة عام فقط في مضاعفة عدد أفراده بمقدار ستة أضعاف إلى ستة مليارات، مقارنة بالمليار الأول الذي استغرق أسلافه مائتي ألف عام للوصول إليه.

 

وهذا الانفجار السكاني البشري الحالي المتوقع ازدياده باطراد خلال العقود القادمة أصبحت المصادر الطبيعية عاجزة عن مده باحتياجاته الغذائية بشكل كافٍ، ولعدة أسباب. وأهم هذه الأسباب هو أن 89 في المئة من المياه الموجودة على سطح كوكب الأرض مياه غير صالحة للشرب أو الزراعة، أما جزء المياه العذبة الباقي فيتواجد أكثر من ثلثيه في شكل متجمد في القطبين الشمالي والجنوبي. ولذا يتوفر، في النهاية، واحد في المئة فقط من المياه الموجودة على سطح كوكبنا للاستخدام البشري. وهذا يترجم عمليّاً إلى شح حاد في العديد من مناطق العالم في المياه العذبة، مما يهدد قطاع الزراعة والأمن الغذائي في هذه المناطق بشكل خطير، وينذر بصراعات مسلحة في المستقبل القريب، وهو ما يتمثل في نقص الكفاية الغذائية، وينتج عنه تكرار وقوع المجاعات في العديد من مناطق العالم بين الحين والآخر. وحتى في المناطق التي لا تتعرض لمجاعات شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً مطرداً في أسعار الغذاء، بسبب ديناميكيات وقوى قوانين العرض والطلب.

 

ولهدف زيادة عائد الحصاد من المحاصيل الزراعية تعتمد الشركات المنتجة للأغذية المعدلة وراثيّاً على حماية هذه المحاصيل ضد أمراض النباتات الناتجة عن الحشرات أو الفيروسات، وزيادة تحملها لمبيدات الحشرات والحشائش. وعلى سبيل المثال يمكن زيادة قدرة المحصول على مقاومة الحشرات من خلال دمج مادته الوراثية مع جين مأخوذ من المادة الوراثية لنوع خاص من البكتيريا مسؤول عن إنتاج سموم تمنع الحشرات من التهام النبات، وفي الوقت نفسه لا تشكل خطراً على الإنسان. وهذا الأسلوب أظهر بالفعل أن النباتات التي دمج هذا الجين في مادتها الوراثية أصبحت لا تحتاج إلى مبيدات حشرات لوقايتها، أو أصبحت تتطلب كميات أقل. وعلى المنوال نفسه يتم تعديل المادة الوراثية للنباتات من خلال دمج جينات من كائنات حية أخرى بشكل يسمح لتلك النباتات بمقاومة الأمراض التي تنتج عن العدوى بالفيروسات، أو يمنحها قدرة أكبر على تحمل تركيزات مرتفعة من المواد الكيميائية المستخدمة لإبادة الحشائش والنباتات الطفيلية الأخرى. ويتم تطبيق استراتيجية مماثلة في تغيير المادة الوراثية للمحاصيل بشكل يسمح بزيادة قدرتها على تحمل درجات أعلى من ملوحة التربة أو يسمح لها بالنمو والازدهار حتى لو لم تتوفر كميات كافية من الماء العذب.

 

إن كل هذه الآمال المعقودة على الأغذية المعدلة وراثيّاً دائماً ما نمت وترعرعت تحت سحابة من الشكوك في تأثيراتها البيئية والصحية، وخصوصاً التأثيرات بعيدة المدى. ولكن على ما يبدو في ظل الزيادة السكانية البشرية المستمرة، وشح المتوفر من المياه العذبة، والنقص الغذائي المزمن في بعض مناطق العالم، لن يحظى الجنس البشري برفاهية الاختيار. وربما كان أفضل تشبيه لشكل العلاقة المستقبلية بين البشر وبين النباتات المعدلة وراثيّاً هو علاقته الحالية بالطاقة النووية، المعروف عنها خطورتها، وفداحة التلوث الناتج عن نفاياتها. ولكن في ظل التغيرات المناخية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري ستصبح الطاقة النووية، مثلها مثل الأغذية المعدلة وراثيّاً، خياراً لا مفر منه للجنس البشري إذا ما رغب في الحفاظ على مستوى المعيشة والرفاهية اللذين حققهما خلال رحلته التي امتدت لأكثر من مائتي ألف عام.

====================

برلمان بديل ونظام بديل

عبد الحليم قنديل

2010-12-19

القدس العربي

في يوم عاصف ممطر مترب، وفي أجواء باردة بأكثر مما يحتمله المصريون في العادة، بدت طلائع الغضب كأنها تعاند الريح السموم، وشارك الآلاف في مظاهرة 12 /12 التي دعت إليها حركة 'كفاية'، وبقدر ما بدت 'كفاية' قوية قادرة في عيد ميلادها السادس، والذكرى السادسة لأولى مظاهراتها في 12/ 12/2004، وفي نفس المكان أمام دار القضاء العالي، وفي وسط القاهرة المزدحم كيوم الحشر، وبقدر ما بدت عليه حيوية 'كفاية' ومقدرتها الفائقة على المبادرة، بقدر ما بدت الصورة خليطا من رايات وأعلام وألوان سياسية، فقد بدت مشاركة جماعة الاخوان الرمزية مؤثرة، وبدت المشاركات لافتة من قيادات في أحزاب معارضة تخرج إلى الشارع لأول مرة، وبدت أطياف حركة التغيير مؤتلفة في قبضة يد، وبدت الرغبة طافرة في تحدي ظروف طقس غاية في التعاسة، وفي تحدي جيوش النظام الأمنية التي احتشدت في الشوارع بعشرات الألوف، وحجزت آلافا آخرين على مخارج المدن الكبرى، ومنعتهم بالقسر من اللحاق بالمظاهرة الوطنية الجامعة، التي رفعت شعارا من كلمة واحدة لا غير هي (باطل).

ومن المعنى الرمزي الإيحائي لما جرى، وإلى المعنى السياسي المحدد بكلمات مباشرة، فقد لا نبالغ في القول التالي، وهو اننا بصدد نقطة تحول فارقة، فقد كانت مظاهرة 'كفاية' الأولى في نهايات 2004 لحنا افتتاحيا لمرحلة احتجاج، فيما بدت مظاهرة 'كفاية' الأخيرة ومعها القوى الوطنية تقدما بالاحتجاج إلى مشارف المقاومة المدنية والعصيان السلمي، كانت كفاية عند ظهورها لونا من المعارضة لم يألفه المصريون، فيما تبدو كفاية الآن، وكأن روحها الفوارة تحل في بدن أقسام أوسع من المعارضة المصرية، فقد تبددت كل أوهام الإصلاح من داخل النظام، ولم يعد من سبيل بالإجبار لا بالاختيار غير الخروج السلمي عن النظام، والاعتصام بأسفلت الشارع وقوة الناس، ولم يعد ممكنا بعد تزوير البرلمان وتزوير النظام بالكامل، أن تعود 'ريمة' إلى عاداتها الاصلاحية القديمة، ولم يعد ممكنا غير ما هو واجب، وهو السعي لتغيير شامل، ورمي النظام الباطل القائم بحجر البرلمان البديل والنظام البديل .

بدت الاستجابة لمبادرة 'كفاية ' مما له مغزى بتغير الظروف، استجابة واسعة رمزيا للخروج والتظاهر، وفي تنظيم حملة متصلة تحت شعار 'باطل'، تبدأ بكشف بطلان البرلمان، ولا تنتهي بفضح بطلان النظام بمؤسساته كلها، وتحل فكرة منازعة النظام في أصل وجوده، وتجعلها محل فكرة معارضة النظام من داخله، وهو ما يفسر الاستجابة العفوية التلقائية لخطة كفاية في طلب التغيير، فقد طرحت كفاية فكرة البرلمان البديل والنظام البديل قبل عشرين شهرا خلت، ولم تلق استجابة كافية وقتها، وبعد صدمة التزوير الجامع المانع، وهو ما توقعته كفاية بالحرف والفاصلة والنقطة، تغير الموقف نوعيا، وصارت كلمتا 'البرلمان البديل' أشهر عناوين السياسة المصرية الآن، وإلى حد أن أكثر من مئة نائب سابق سارعوا لانشاء ما أسموه 'البرلمان الشعبي' كنواة للبرلمان البديل .

وفي لحظة الاختلاط والمخاض الراهن، وتكسير 'قلل' الأفكار الاصلاحية المتقادمة المتآكلة، وتقدم الأفكار الراديكالية، بدأ حوار جامع، تشارك به حركة 'كفاية' ومبادرة النواب وقيادات الجمعية الوطنية للتغيير، ويدور بالأساس حول استكمال صيغة البرلمان البديل، وبالذات حول تكوين البرلمان وأدواره بالدقة، وحتى لا تتحول فكرة راديكالية بامتياز إلى نوبة رد فعل، أو إلى خيمة إيواء لنواب مجروحين بسيف التزوير، أو إلى 'ملجأ أيتام برلماني' لنواب محترمين هم عندنا أجل وأكرم .

وللقصة أصولها، فمن معرفة ما تكره إلى معرفة ما تريد، تقدمت 'كفاية' من زخم الأشواق إلى وضوح الخطط، التي كان لي شرف التعبير عنها في مقالات مبكرة تكرمت بنشرها جريدة 'القدس العربي'، فأنا كما تعلمون ممنوع من الكتابة في مصر التي أقيم بها، ما علينا، المهم أن 'البرلمان البديل' خطوة في سيناريو تغيير بلورته وتبنته حركة 'كفاية'، ودعت إليه بإلحاح وثقة بالنصر على مدى عامين كاملين، وانبنى على تحليل أساسي للوضع في مصر، عنوانه أن النظام مات سياسيا، لكن مراسم الدفن تأخرت وتعثرت، وأن تعديلات الانقلاب على الدستور المستفتي عليها صوريا في 26 اذار/مارس 2007 عكست صورة ما جرى، فقد انتهى النظام لنقطة التجمد، انتهى لقبضة اليد المتخشبة، ولم يعد ممكنا فك أصابعه، ولم يعد بوسعه إجراء أي تعديل أو تبديل، وهو وضع انتهت معه قصة الانتخابات في مصر، وإلى أن يتغير نظام كفت مقدرته على التغير، وهو ما يعني، بالضرورة، أننا نحتاج إلى خطة أخرى، صاغتها حركة 'كفاية' في ثلاث خطوات متتابعة، أولها: مقاطعة أي انتخابات، أي تزويرات، يجريها النظام، بما فيها ما يسمى بانتخابات الرئاسة. وثانيها: تنظيم حملة عصيان سلمي في الشارع بقيادة برلمان بديل ونظام بديل. وثالثها: فترة حكم انتقالي تعقب الإنهاء السلمي لإدارة مبارك، تمتد لسنتين، وتتضمن جملة مهام ديمقراطية ووطنية واجتماعية تنتهي بإصدار دستور جديد عبر جمعية تأسيسية منتخبة، وتنتقل بمصر المأزومة من حكم العائلة إلى حكم الشعب .

وفي التفاصيل، تبدو فكرة 'كفاية' عن 'البرلمان البديل' في وضوح الشمس وصفاء البدر، وفي صورة أقرب إلى معنى المجلس التشريعي الجامع لحركة التغيير النامية، وبتصور ناصع عن الموارد والأدوار، في موارد 'البرلمان البديل' تبدو الفكرة محددة تماما، ومن موردين أساسيين، مورد أول من نواب المعارضة الجدية الذين جرى انتخابهم في ظل نظام مبارك عبر الثلاثين سنة المنقضية، وهؤلاء يربطون حركة التغيير بكتلة سكانية واسعة بطول وعرض وعمق الجغرافيا المصرية، والمورد الثاني ممن تصح تسميتهم بالنواب الاعتباريين، من طيف واسع يضم أساتذة القانون الدستوري والشخصيات العامة الراديكالية وقادة الأحزاب وحركات التغيير الاجتماعي والسياسي وقادة الشباب والنساء والمدونين، وبعدد إجمالي تحكمه اعتبارات عملية تيسر اللقاء والتشاور واتخاذ القرارات، وفي الأدوار والوظائف تبدو القصة كلها مرتبطة بسيناريو التغيير، فالبرلمان البديل قيادة ذات مصداقية شعبية لحركة العصيان السلمي، وله أن يختار 'مجلسا رئاسيا بديلا' يتحدى وجود الرئيس الحالي، وأن يقوم بأدوار الجمعية التأسيسية في توفير الإجماع الوطني على دستور جديد وقوانين مكملة للدستور، وأن يتصدى بالفضح والإبطال لقرارات وتشريعات برلمان مبارك المزور بالكامل .

وبالجملة، فقد صارت خطة كفاية مرشحة لنيل إجماع وطني متزايد الأثر ويبقى أن نحذر الشياطين التي في التفاصيل.

====================

هل بقي من شيء لدى «جورج ميتشيل»!

د. فيصل الرفوع

alrfouh@hotmail.com

الرأي الاردنية

20-12-2010

يبدو أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948 وحتى اليوم لم تعي بعد أهمية السلام في المنطقة، ليس للعرب وحدهم بل لإسرائيل وشرعية وجودها، وما زالت بعيدة عن إدراك الأخطار المترتبة على رفضها لكل نداءات السلام سواء العربية ام الاقليمية ام الدولية أم الامم المتحدة وتوصياتها بشان حل الصراع العربي- الإسرائيلي بالطرق السلمية.

 

فخلال العقود الماضية من الصراع العربي- الصهيوني استمرأت إسرائيل عملية إحباط ممنهجة للجهود الأميركية للتعامل مع ملف الصراع العربي- الاسرائيلي ومحاولة حله سلميا. وكان آخر محطات «التسفيه» الاسرائيلي للجهود الأميركية، هو رفض حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل الإقتراح الأميركي بوقف عملية الاستيطان لمدة تسعين يوماً من أجل البدء في المفاوضات المباشرة بين الضحية العربي-الفلسطيني والجلاد الصهيوني.

 

لقد بدأت الجهود الاميركية بشكل جاد مع بداية عهد الإدارة الأميركية الجديدة، التي تعتبر في رأي المراقبين أكثر جدية من سابقتها في التعامل مع ملف القضية الفلسطينية. حيث يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية برئاسة «باراك حسين أوباما» إلتقطت الإشارة المهمة والمحورية عن أهمية حل القضية الفلسطينية بناءً على مفهوم الدولتين، لأن استتباب السلم والأمن في المنطقة يعتبر مصلحة قومية أميركية. وبالتالي فإن الإدارة الحالية تقوم منذ قدومها للبيت الأبيض، ولو بسرعة السلحفاة، بمراجعة لسياسات سابقتها تجاه العالم، خاصة فيما يتعلق بمصالحها مع العالمين العربي والإسلامي.

 

ويبدو أن الإدارة الأميركية قد عادت من جديد لإحياء مهمة « جورج ميتشيل» المكوكية بين العواصم العربية والدولة العبرية لتلمس مخرجاً لحل قضية لم يشهد التاريخ الإنساني مثيل لها، والمتمثلة في طرد شعب من أرضه وإحلال شتات اليهود مكانه في لحظة تيه قومي عربي وتمزق إسلامي وبمباركة من القوى الإستعمارية المهيمنة على القرار السيادي لشعوب العالم الثالث آنذاك ومنهم العرب والمسلمين.

 

وفي اللحظة التي لا يستطيع فيها أي كان التشكيك في مهنية المبعوث الأميركي جورج ميشيل ومقدرته الدبلوماسية، فهو الرجل الذي استطاع إنهاء الحرب في إيرلندا وجمع الفرقاء على طاولة المفاوضات، إلا ان العقبة الكأدا في طريق أحياء عملية السلام والإنصياع للشرعية الدولية هي إسرائيل ذاتها، وهي من يتصدر « إهانة» الرجل وإحباط محاولاته الجادة في إيجاد مخرج للصراع.

 

وهذا يعني بأن المعضلة أمام مهمة «ميتشيل» لا تتعلق بالجانب العربي بقدر تعلقها بالجانب الإسرائيلي، فالعرب قدموا كل ما يستطيعون من تنازلات للجانب الإسرائيلي والذي عبرت عنه المبادرة العربية التي اطلقت في قمة بيروت 2002، ولم يبق في رصيدهم اي من الأوراق المتعارف عليها دبلوماسياً والتي يمكن التفاوض بشأنها.

 

في حين استطاعت إسرائيل، وكعادتها، استثمار الوقت وبناء مزيد من المستوطنات وتهويد مؤسسي للقدس والأراضي الفلسطينية، وتحويل القضية الأساسية من قضية احتلال وتشريد شعب الى قضية إستيطان ومستوطنات وأمن ومصطلحات سياسية لا تلتقي مع أبجديات الصراع العربي-الإسرائيلي وسبل حله. بالإضافة إلى الالتفاف على نواميس الشرعية الدولية، سواء ما يتعلق بقراري مجلس الأمن 242/ 1967 و338/ 1973، وقبلها توصيات الجمعية العامة رقم 194/1949 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وإظهار القضية وكأنها قضية علاقات سياسية- دبلوماسية.

 

ويبدو أن إسرائيل، وشعورها المفرط بالعنجهية كنتيجة لتحصنها بالقوة العسكرية، وإعتمادها على اللوبي الصهيوني في الإدارة الأميركية، وضعف العرب، وتفكك العالم الإسلامي، يجعلها أبعد ما تكون عن التعامل بجدية مع مفهوم السلام والإيمان به. وبالتالي فإنني أعتقد بأن مهمة جورج ميشيل في غاية الصعوبة وربما لن تنجح بدون تدخل مباشر من الإدارة الأميركية، إن صدقت النوايات، وإرغام إسرائيل على تغليب منطق العقل على لغة التهديد والإحتلال والعدوان من أجل شرق أوسط آمن ومزدهر؟.

====================

عن زوكربرغ واسانج ولاري كينغ

أسامة الشريف

الدستور

20-12-2010

رغم معاناة الصحافة المطبوعة هذه الايام فان اختيار مجلة "تايم" الاميركية العريقة لشخصية العام يحظى باهتمام واسع من قبل الاعلاميين والرأي العام على حد سواء. هذا التقليد السنوي الذي يعود لعشرات السنين يثير ضجة في كل مرة ، ولذلك فان قرار مجلس تحرير المجلة مؤخرا اختيار مارك زوكربرغ ، مؤسس موقع "فيس بوك" للتواصل الاجتماعي ، خلق زوبعة من ردود الفعل على مختلف الاصعدة.

 

كان من المتوقع ان يحظى بهذا الشرف جوليان اسانج ، صاحب موقع "ويكيليكس" الأشهر. ولذلك فهناك من يعتقد ان قرار "تايم" كان مسيسا وجاء تحت ضغوط من سياسيين اميركيين اعلنوا الجهاد على الاسترالي الذي فضح الدبلوماسية الاميركية بنشره وثائق سرية عن الحرب في افغانستان والعراق وعن برقيات متبادلة بين سفارات اميركا وخارجيتها.

 

في معرض تبرير فوز زوكربرغ صرح رئيس تحرير "تايم" ان "فيس بوك" غير حياة ملايين البشر بحصوله على خمسائة مليون مشترك من مختلف الجنسيات ، ما يضع الموقع كثالث اكبر دولة من حيث عدد المواطنين ، لو تم التعامل معه من ذلك المنطلق. ببساطة فان واحدا من كل عشرة اشخاص على هذه البسيطة هو عضو فاعل في "فيس بوك". وفي رأي محرري "تايم" فان ذلك يجعل من زوكربرغ أحد أهم الاشخاص المؤثرين في حياتنا.

 

من الصعب تفنيد حقيقة ان "فيس بوك" غير حياة الملايين من البشر ، وهناك من يقول ان الموقع يشكل ثورة اجتماعية كبرى هي أهم من كل الثورات التي تعرض لها الانسان في التاريخ الحديث، وقد عرض فيلم سينمائي انتجته هوليوود مؤخرا لقصة زوكربرغ ورفاقه الذين اطلقوا "فيس بوك" كموقع للتواصل الاجتماعي بين طلاب جامعة هارفرد. وكان ان نجح الموقع بشكل خرافي بحيث ان اصبح زوكربرغ اصغر بليونير في العالم ، 26 سنة ، بثروة تفوق السبعة بلايين دولار. الطريف في الأمر ان زوكربرغ ، مثله مثل بيل غيتس مؤسس "مايكروسوفت" ، لم يكمل تعليمه في هارفرد واكتفى بالنجاح الساحق الذي حققه من خلال "فيس بوك".

 

على النقيض من ذلك فان اسانج ، الذي يخوض معركة قضائية في انجلترا للحيلولة دون ترحيله الى السويد حيث يواجه تهما بالاعتداء الجنسي ، ليس مليونيرا وهو يعتمد على دعم شخصيات أدبية وصحفية وفنية اضافة الى تبرعات المؤمنين بقضيته ورسالته. اسانج ايضا غير العالم وان اختار طريقا مختلفا عن زوكربرغ. المهم أن "ويكيليكس" لم تعد وحيدة في الفضاء التفاعلي. فقد اطلق عدد من النشطاء مؤخرا مواقع مختلفة للتسريبات التي تتعلق بمصلحة المستهلك وفضائح البنوك وسياسات الاتحاد الاوروبي وغيرها.

 

أهمية اسانج لا تكمن في ما تضمنه موقعه من تسريبات ، على اهميتها ، وانما في إلهامه للعديد من النشطاء المؤمنين بمبادئ منها الشفافية وحق الحصول على المعلومة واجبار الحكومات والشركات والبنوك على المكاشفة. ولذلك فحتى لو لم تختر "تايم" اسانج كشخصية العام فان تأثير الرجل على حياتنا كمواطنين يعد مؤثرا وفاعلا.

 

في ملاحظة إعلامية اخرى ودع ملك المقابلات التلفزيونية ، وقبلها الاذاعية ، لاري كينغ اتباعه بعد ان قدم آخر حلقة من برنامجه "لاري كينغ لايف" والذي كان يذاع على شبكة "سي. ان. ان" لمدة تجاوزت 25 عاما. هذا الاعلامي المخضرم قابل مئات الشخصيات وربما اكثر خلال عمله الصحفي وبلغ عدد من شاهدوا آخر حلقة له اكثر من 2,25 مليون مشاهد. لم يترك كينغ ملكا أو رئيس دولة ، ممثلا أو مغن أو شخصية خلافية الا وقابلها. هذا الصحفي الذي تجاوز عمره الثمانين عاما لم يتخل عن دوره كمحاور فذ استضاف أهم شخصيات القرن الفائت والحالي. انه انجاز اسطوري بكل المقاييس،

====================

تصورات السياسات الاقتصادية للبلدان الصناعية

د.انور عادل الخفش

الدستور

20-12-2010

الشكوك محيطة بالاوضاع الاقتصادية المتوقعة على المدى المتوسط ، كما ان مؤشرات اتجاه النمو القوى خلال العام 2011 غير واضحة ، واتجاهات التوسع في امريكا ضعيفة ، وبوادر الانتعاش في اوربا الغربية غير واعدة ، كما ان ارتفاع معدلات التضخم والعجز الكبير في الميزانيات نتيجة لتصحيح قيمة العقارات المتضخمة وغيرها من الأصول والذي ادى بدوره إلى انخفاض اسعارها ، من هذا المنطلق نتحسس حاجة المؤسسات المالية وقطاع الاعمال إلى تصحيح ميزانياتها ، ان العامل الاساسي والمؤشر على عملية التصحيح واثرها على النشاط الاقتصادي ، هي المقدرة على التعامل مع السياسة النقدية بمرونة ويسر والتي تؤدي الى تخفيض تكلفة التمويل والتحكم في الاصول غير المنتجة والمربحة في النظام المالي .

 

من المعروف ان لهذا علاقة في تكييف اسعار الفائدة مع المتطلبات والاوضاع الاقتصادية السائدة ، وزيادة النطاق قد يودي الى فقدان الموثوقية في السياسات المالية والاقتصادية ويزيد من المخاطرة في بعض البلدان ، كما يجمع المحللون الماليون والاقتصاديون بان توسيع نطاق التغير في اسعار العملات هو حل مؤقت لمواجهة تضارب المصالح ، والعودة الى نطاق ضيق يتطلب الاتساق بين الاداء الاقتصادي والسياسة النقدية ، ولا يمكن أن تتحقق هذه المتطلبات الاقتصادية المحلية دون حدوث انتعاش اقتصادي عام ، وما يعزز هذا الاعتقاد ضرورة توفر تعاون عالمي على درجة اكبر تقدماً في المجالات النقدية والمالية العامة والاقتصادية ، من هنا ظهر الاهتمام الدولي بضرورة تحقيق التعاون العالمي في المجالات الاقتصادية .

 

اثبتت التجارب العالمية الاخيرة ان الخطط الحالية لتخفيض العجز لا تساعد على تحقيق اهداف اقتصادية واسعة النطاق في تحسين اداء الادخار القومي والاستثمار وتحقيق معدلات نمو تساعد على توفير رصيد في القطاع الخارجي وزيادة الوفورات لمواجهة الاعتمادات المطلوبة في المستقبل لمواجهة زيادة السكان والميزانيات المستقبلية ، ويجب ان يرافق ذلك تخفيض في العجز الهيكلي والذي يهدف الى تحقيق فائض في وضع الميزانيات ، من هنا جاءت ضرورة مواكبة لهذا التوجه باعطاء القطاع الخاص الدور بالقيام بمهامه الوطنية من خلال المحافظة والعمل على تحسين ادائه الجيد وذلك لمواجهة الاثار الناجمة عن الأزمه العالمية ، فان هذا التوجه الايجابي والريادي بمشاركة ومساهمة القطاع العام والخاص نحو تحقيق النمو الاقتصادي بهدف المحافظة على اتجاه الوضع المالي وان لا يقتصر على مشاريع القطاع العام فقط .

 

تمكنت اليابان من ادارة السياسة المالية بمرونة كافية ساعدها على المحافظة علي موثوقيتها ومن المتوقع ان يتم اجراء تخفيض في معدل الخصم والذي سينعكس على تحسين مستوى المعيشة ، والتوجه نحو فتح الاسواق واجراء اصلاحات هيكلية من رفع القيود والحماية وتحويل أثار قوة الين على المنتجين والمستهلكين ، وفي فرنسا من المتوقع بذل جهود نحو تخفيض العجز الكبير في الميزانية علي المدى المتوسط من أجل تخفيض العجز ليساعد على التحسن في الوضع الاساسي للميزانية ، بذلك لا بد من استكمالها بتدابير اخرى تساعد على اجراء هذا التحسن . بينما ساعد تخفيض اسعار الفائدة في بريطانيا على تحسين قدرتها التنافسية نتيجة لتعويم سعر الصرف ، والذي ساهم بتحويل الانتعاش الى توسع معتدل مع المحافظة على هبوط التضخم ، إلا ان وجود كبير من الطاقة الانتاجية غير المستغلة يعرضان الأوضاع الاقتصادية المستقبلية لمخاطر عدة .

 

فيما يتعلق بسوق العمل خاصة في اوربا ، من المنتظر ان يصل معدل البطالة 12 % في نهاية 2011 ، وذلك كنتيجة لابطاء الاجراءات التصحيحية اللذى يعتبر عقبة رئيسية في استيعاب العاطلين الجدد ، فان الاجراءات الواجب اتخاذها تهدف الى تصحيح الاختلال المالي في تكوين السياسات الاقتصادية في اوربا الذي بدوره سيسهم في دعم الانتعاش الاقتصادي ، كذلك من الضروري اصلاح نظم التأمين الاجتماعي وقوانين سوق العمل ، ومرونة الاجور ، وخلق فرص العمل .

====================

ما لم يتوصّل المسعى السعودي – السوري إلى تسوية لأزمة المحكمة

هل تتدرّج خطوات التعطيل إلى انسحاب من الحكومة وفراغ؟

اميل خوري

النهار

20-12-2010

إذا كان فريق 8 آذار نجح في تعطيل جلسات مجلس الوزراء او في ربط اقرار اي بند من بنود جدول اعماله ببت ملف شهود الزور، سواء بالتوافق او بالتصويت، وكان قد نجح سابقا في تعطيل جلسات مجلس النواب واقفال ابوابه في وجه الحكومة والنواب معا للحؤول دون اقرار النظام الاساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فانتقل الموضوع الى مجلس الامن الدولي، ونجح ايضا في تعطيل اجراء انتخابات رئاسية وتشكيل "حكومة وحدة وطنية" الا بشروط استطاع فرضها في مؤتمر الدوحة باستخدام سلاحه في 7 ايار، فهل ينجح هذه المرة في تعريض البلاد لخطر الفراغ بعد التعطيل اذا ما رد على القرار الظني عند صدوره ولم يكن مضمونه مقبولا منه، وذلك بالانسحاب من الحكومة بحيث توضع البلاد عندئذ امام ازمة وزارية قد يستعصي حلها فتتحول ازمة حكم مفتوحة على كل الاحتمالات؟

أوساط سياسية مراقبة ترى انه ينبغي منذ الآن البحث في الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة اي احتمالات قد تتعرض لها البلاد والتحسب مسبقا لها، خصوصا بعد تساؤل قياديين في "حزب الله": "اي حكومة تبقى بعد صدور القرار الظني اذا لم تبدأ المعالجة ببت ملف شهود الزور قبل صدوره، لان لبنان بعد صدوره سيكون غيره ما قبل صدوره". وسيجد فريق 14 آذار انه لم يعد لديه ما يتنازل عنه بعد كل التنازلات التي اقدم عليها حرصا على وحدة لبنان ارضا وشعبا ومؤسسات، وبعد أن تنازل بما فيه الكفاية كونه ام الصبي، حيث تنازل على هذا الاساس عن ترشحه لرئاسة الجمهورية ووافق على انتخاب رئيس توافقي للجمهورية ليس من 8 ولا من 14 آذار هو العماد ميشال سليمان، ووافق على تشكيل حكومة "وحدة وطنية" برغم عدم اقتناعه بجدوى تشكيل مثل هذه الحكومة لانها تجمع اضدادا ومتخاصمين قد لا يلتقون على موقف واحد حيال امور كثيرة، وهو ما حصل فعلا فاثبتت انها حكومة تعطيل كل شيء وألغت بالتالي المعارضة البناءة وشطبت المساءلة والمحاسبة، وبدأ الانقلاب على هذه الحكومة منذ تأليفها، كما بدأ الانقلاب على المؤسسات. ولم تكن هي الحكومة التي تغنى بها فريق 8 آذار عند تشكيلها بالقول انها ستكون في حالة توافق داخلها، وان مرحلة حكمها ستكون في خدمة المواطن وليس في خدمة السياسة والسياسيين، وان البلد تعب من المناكفات ويريد الخروج الى الاستقرار والازدهار. إن حكومة "الشراكة الوطنية" هي التي تقيم الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها على كل اراضيها فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. وان كل شيء يهون امام ضرورات الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، وان اي حكومة غير توافقية يعني اللااستقرار.

 وقد دعا الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله النخب السياسية "الى هدنة سنة على الاقل تريح البلد وتعطي الحكومة الفرصة للعمل، حكومة متكافلة متعاونة"، مضيفا "ان الوزير الذي لا يريد ان يعمل لاولويات الناس فليستقل". وقال العماد ميشال عون "ان الحكومات التوافقية لا تزول الا بتغيير النظام والقوانين وانها ستكون ترسيخا للوحدة الوطنية ومتعاونة بجميع اعضائها"... فيما كان لفريق 14 آذار مواقف مختلفة، فقال النائب روبير غانم عنها انها حكومة هرطقة دستورية تجعلها مجلس نيابي مصغر يُفقد النظام البرلماني دوره، وقول النائب جان اوغاسابيان "ان حكومة الوحدة الوطنية تجربة فاشلة وغير مجدية"، وقول النائب بطرس حرب: "انا موال لحكومة سيئة لا اؤمن بها"، لانه لا يمكن حكم البلاد بحكومة التناقضات وفقدان التجانس، وقول النائب السابق فارس بويز "ان الاجواء الحالية في لبنان قد تنتج حكومة إمرار الوقت الضائع وتصريف الاعمال، حكومة معطلة بالمعادلات السلبية الداخلية فيها ولا تستطيع ان تقوم بحكم البلاد وان كان البعض يرى انه حل افضل من لا حكومة"، وايضا قول النائب السابق عبد الحميد بيضون "ان لبنان محكوم اليوم من السلاح وليس من الدستور"، حتى ان الرئيس بري قال ان الحكومة تعمل منفردة وكل وزير مرتبط بزعيمه وليس بمؤسساته، وان التضامن مفقود، والمدير يتجرأ على الوزير والوزير يهاجم رئيس الحكومة".

وها هي حكومة "الوحدة الوطنية" تثبت فشلها بعد مرور اكثر من سنة على تشكيلها لان الثلث فيها لم يكن ثلثا مشاركا كما ادعي بل كان ثلثاً معطلاً، مثل الحكومات السابقة، وعلى صورتها ومثالها لانها لم تكن حكومة الارادة الجامعة كما تمناها الرئيس الحريري ان تكون، فلم تتمكن من انجاز تعيينات ضرورية واساسية في المراكز القيادية الشاغرة ولم تتمكن من اقرار المشاريع التي كان في الامكان اقرارها لو كان ثمة حكومة طبيعية متجانسة ومنسجمة لا تتميز معظم اجتماعاتها بمماحكات ومشاكسات وهدفها التفتيش عن حل للمشكلات لا التفتيش عن مشكلات لا حل لها، في انتظار تمرير المرحلة وانتظار تطورات تكون نتائجها في مصلحة 8 او 14 آذار...

وقد اثبتت حكومة ما يسمى "وحدة وطنية" ان الثلث فيها موحد على التعطيل فقط، وان من يحكم الشارع يحكم الدولة، وانه لا يمكن الحكم بالتوافق، اي بالاجماع، مع حكومة التناقضات، وهو ما جعل لبنان يمر بمرحلة تشبه ما سبق اتفاق الطائف...

والسؤال المطروح الآن، ويقلق الناس هو: ما هي الخطوة التي سيتخذها فريق 8 آذار عند صدور القرار الظني اذا لم تتوصل المساعي السعودية – السورية الى تسوية تسبق صدوره لتستوعب تداعياته المحتملة؟ هل سينتقل من خطوة التعطيل الى خطوة الفراغ ليضع لبنان امام المجهول بوحدته وكيانه ونظامه وهويته؟ وهل تبقى البلاد في حالة تعطيل في انتظار طائف او دوحة جديدين؟ هل يكون الفراغ الحكومي وسيلة لإحداث انقلاب على كل المؤسسات بما فيها مؤسسة رئاسة الجمهورية فيتحقق عندئذ حلم الطامعين بها؟ هل مطلوب من فريق 14 آذار مزيد من التنازلات حرصا على الاستقرار والوحدة الوطنية والعيش المشترك، ولم يعد لدى هذا الفريق ما يتنازل عنه سوى حقه في العدالة ومعرفة قتلة الرئيس الحريري ورفاقه وسواه من شهداء هم من خيرة رجال لبنان؟ وهل المطلوب حتى عدم معرفة هؤلاء القتلة وان كانوا قد باتوا معروفين عند كل الناس، وان يتخلوا عن المطالبة بالعدالة وان ينسوا شهداءهم والا اصبح لبنان نفسه شهيدا... اي انه مطلوب من اهل الشهداء ان يختاروا بين رفض المحكمة واسقاط الاتهام سلفا عن "حزب الله" او يتحملون مسؤولية زعزعة الاستقرار في البلاد واستقالة الحكومة اذا ما خرج منها وزراء 8 آذار؟

لذلك ينبغي منذ الآن البحث في مواجهة شتى الاحتمالات اذا ما اتخذ فريق 8 آذار خطوات سواء قبل صدور القرار الظني او بعده ولم يكن المسعى السعودي – السوري وكل مسعى آخر، عربيا او دوليا، توصل الى تسوية تتدارك محاذير التداعيات، خصوصا اذا انقسمت الآراء والمواقف حيال مضمون القرار الاتهامي بين من يرى ان الاتهامات الواردة فيه مبنية على ادلة قاطعة ومن يرى خلاف ذلك. وقد يكون الحل هو في استقالة الحكومة والمساعدة عربيا ودوليا على تشكيل حكومة تكنوقراط لا عمل لها سوى خدمة مصالح الوطن والمواطن بعدما شبع الناس من مناكفات السياسيين وقرف منها وبات لا همَّ له ولا اهتمام الا بلقمة عيشه...

====================

 تراجع أوباما وضوء أميركي لاتيني أمام الدولة الفلسطينية

المستقبل - الاثنين 20 كانون الأول 2010

العدد 3862 - رأي و فكر - صفحة 19

نظام مارديني

لم يكن جديداً إقرار أميركا بالفشل في إقناع "إسرائيل" على تنفيذ المواثيق الدولية، فهذا دأب أميركي بالرضوخ للإملاءات الإسرائيلية، وشيء معتاد أنْ تعجزَ الإدارة الأميركية في ثَني "إسرائيل" عمَّا تريد، بل الأسهل أنْ تنفذ واشنطن كُلَّ ما تطلبه تل أبيب.

ومع أن إعلان الإدارة الأميركية فشل محاولاتها في كبح جماح الاستيطان الإسرائيلي قد أثار موجات من الإحباط والغضب في العالم العربي، ولدى كافة الدول والجهات التي تؤمن بمبدأ حق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن هنالك جوانب ايجابية لهذا التنصل ينبغي على النظام العربي أن يتنبه لها ويتعامل معها، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع الدولي.

النتيجة الايجابية الأولى هي انتهاء أي أوهام أو آمال كان يعقدها الطرف الفلسطيني أو الأطراف العربية على قيام الإدارة الأميركية بدور مؤثر يتجاوز ما قامت به الإدارات السابقة، وبالتالي فإن الصورة الاستثنائية التي حاولت إدارة أوباما أن ترسمها لنفسها في العالم العربي قد ظهر زيفها، ما يعني إعادة قواعد ومعايير السياسة الى حالتها الأصلية والتي تتضمن الانحياز الإسرائيلي الكامل "لإسرائيل".

النتيجة الايجابية الثانية هي توقف مسلسل التنازلات والابتزاز الذي كانت تمارسه "إسرائيل" من خلال الإدارة الأميركية والتي تمثلت في سلسلة طويلة من المطالبات الإسرائيلية مقابل تجميد الاستيطان لمدة شهر، مثل المطالبة بمساعدات مالية وعسكرية كبرى وفيتو أميركي صالح لمدة سنة كاملة في مجلس الأمن وغيرها من أدوات الابتزاز.

وهذا معروف منذ وقت طويل ولا حاجة لإثباته، وأيضاً العرب ليسوا مضطرين للتدليل على هذا بما وصلت إليه المفاوضات المباشرة الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي جعلوا لها اسماً كبيراً "مفاوضات السلام"، فحولتْها "إسرائيلُ" إلى مفاوضات الفشل الدولي، وكسر إرادة من يريد أن يفرض أفكارَه على "إسرائيل".

لذا صدح مسؤول المستوطنات في الضفة الغربية بأن كيانه صمد ولم يستسلم لرغبات الأميركيين، واصفاً إياها بأنها غريبة ومتطرفة، ويشير إلى أنه لم تحدث كارثة نتيجة لرفضنا الانصياع للضغوط "وأن كل الذين يعتقدون أنه ليس بإمكاننا التصدي للضغوط الأميركية مخطئون".

هكذا أراد نتنياهو إفهام الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وَعَدَ بإعلان الدولة الفلسطينية قبل أن ينتهي عام 2010. ولكن انتهى العام، وجلس نتنياهو وكلُّ الإسرائيليين، وطبعاً أطقم الضغط الصهيوني في أميركا وهم يشكرون الرئيس الذي وعد فأخلف.

فالرئيس الأميركي رفع الراية البيضاء، وأعلن أنَّه ثابت على استراتيجيته، إلا أنه سيغيِّر التكتيك وإن لم يعد يضع مسألة استمرار إقامة المستوطنات أو وقفها في أولى اهتماماته، إذ إنَّ التوجه الجديد سيعتمد على طرح قضايا الحل النهائي مباشرة، كقضايا الحدود، ووضع القدس، وإنهاء الاحتلال بالعودة إلى حدود عام 1967م.

وعُود أميركية جديدة تُقَدَّم للفلسطينيين، وتُعرضُ على الإسرائيليين، يَقبلُها الفلسطينيون والعربُ مجَّاناً، ويحصل الإسرائيليون جراء مجرد التفاوض وسماعها وعوداً وإغراءات بمليارات الدولارات ومئات الطائرات المقاتلة المتقدِّمة. ولعل آخر هذه المنح موافقة مجلس النواب الأميركي على تقديم 205 ملايين دولار "لإسرائيل" كمساعدة لنشر نظام دفاعي مضاد للصواريخ القصيرة المدى يعرف بالقبة الفولاذية (ايرون دوم). وفي النهاية تُرفعُ الرايةُ الأميركية البيضاء، بينما يُضافُ إلى الأرض الفلسطينية المحتلة واقعٌ إسرائيليٌّ استعماريٌّ جديدٌ لتَصْعِيب إقامة الدولة وإنهاء الاحتلال.

لا شك أن التحدي الأكبر الذي يواجه العرب والفلسطينيين الآن هو غياب أي خطة بديلة وأسوأ الخيارات هو استمرار الوضع الراهن. ف"إسرائيل" سوف تواصل مسلسل الاستيطان والتهويد ونهب الموارد ومحاولة محاصرة الحقوق المدنية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 والشعب الفلسطيني سوف يواصل المعاناة تحت الاحتلال والحصار وانقسام القيادة، ولذا يبقى المطلوب الآن أن تلعب الدول العربية دوراً أكبر وأكثر تنظيماً مع المجتمع الدولي في إبقاء الملف الفلسطيني على رأس أولويات العمل السياسي الدولي ولكن الأهم من ذلك إبقاء الصوت والموقف العربي هو الأهم في المنطقة وعدم السماح بتدخلات سياسية خارجية لا تعمل على تحقيق المصالح الفلسطينية في إنهاء الاحتلال وإنشاء الدولة المستقلة.

المطلوب الآن هو موقف عربي سريع وفعال يعيد القضية الفلسطينية الى الساحة السياسية الدولية بمفرداتها الأصلية نفسها كشعب تم تهجيره قسراً بسبب الاحتلال، ولا حل إلا بزوال هذا الاحتلال. وأمام هذا الوضع غير الصريح للعرب والفلسطينيين، هل ستبْقِى "كل بيوضهم في سلة الأميركيين؟".

إن مواقف قادة "إسرائيل" وسياستهم والعجز الأميركي لا يعرّض للخطر قيام دولة فلسطينية فحسب بل إن ذلك يشكل إعلاناً واضحاً لا لبس فيه عن موت هذه الدولة، التي أخذت طريقها للنور من الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، من دول أميركا اللاتينية، حيث أن اعتراف البرازيل والأرجنتين بالدولة الفلسطينية سيشكل حافزاً لدول أخرى (وهو ما ألمحتّ إليه دول أوروبية) لاتخاذ خطوة مماثلة ودافعاً للمجتمع الدولي للضغط على "إسرائيل" ليس لوقف الاستيطان ورفع حصارها عن غزة فحسب، بل استرجع الأرض الفلسطينية المحتلة من جهة، والقيام بمبادرة لعزل هذا الكيان السرطاني دولياً حتى يلتزم بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

====================

الشباب المسلم المعرَّض: تحدي مجابهة التحول إلى الأصولية

عباس بارزغار

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

17 كانون الأول/ديسمبر 2010

www.commongroundnews.org

أتلانتا، جورجيا – ما زال الكثيرون منا مشدوهين من الأخبار الغربية حول اعتقال محمد عثمان محمود، الشاب الأمريكي الصومالي المولد والبالغ من العمر 19 سنة، الذي اعتُقِل يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر لمحاولته تفجير حفل إشعال أنوار شجرة عيد الميلاد في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون. وإذا وضعنا جانباً الأسئلة المتعلّقة بطبيعة دور مشاركة مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي أي) في هذه القضية، يبدو أنه بالرغم من مئات الملايين من الدولارات التي أنفِقَت على برامج محاربة التطرّف في الولايات المتحدة وأوروبا والدول ذات الغالبية الإسلامية حول العالم، فإن الشباب الأمريكي الذي يبدو أنه تأقلم بصورة جيدة، مستعد مرة أخرى للقيام بأعمال عنف رهيبة.

وإذا أريد لإستراتيجيات ردع العنف المتطرف أن تكون فاعلة يتوجب علينا إلقاء نظرة حادة على بعض نقاط القوة والضعف فيها.

في الوقت الذي خبت فيه أصوات أسامة ابن لادن وأيمن الظواهري فإن هذا التيار الجديد من الشباب المعرّض للخطر أصبحت تلهمه أفكار عقائديين من أمثال رجل الدين أنور العولقي. ورغم أعدادهم الضئيلة وانعدام وجود أتباع لهم في التيار الرئيس فإن متطرفين من أمثال العولقي يؤثّرون وبشكل غير متناسب على طروحات العلاقات بين المسلمين والغرب لأن أعمال العنف التي يقومون بها تحوز على معظم عناوين الصحف وتوفّر ذخيرة للاستغلاليين السياسيين المصمّمين على تعقيد العلاقات بين العالمين الغربي والمسلم بطريقة أسوأ.

ضمن جهود لمحاربة تأثير العقائديين المتطرفين، قام كادر بأكمله من القادة المسلمين حول العالم بحملات نشطة لإخراج "الإسلام" من "الإرهاب الإسلامي". وهم يهدفون إلى التوضيح أن أعمال عنف كهذه ليست فقط كريهة بغيضة وإنما تشكل انتهاكات واضحة للمبادئ والقوانين الإسلامية.

تجمّع عدد من علماء المسلمين، على سبيل المثال، في فترة مبكرة من هذه السنة في ماردين بتركيا لدحض فتوى أطلقها ابن تيمية، رجل الدين من القرن الرابع عشر، التي تنادي بالعنف ضد الحكام غير المسلمين. وقد استُخدِمَت هذه الفتوى بشكل متكرر كتبرير من جانب المتطرفين.

وبالمثل، وفي فترة مبكّرة من هذه السنة أصدر العالم محمد طاهر القادري فتوى من 600 صفحة تدين "الإرهاب الإسلامي". ويأمل علماء مثل القادري، معتمدين على مصادر ومنهجيات تقليدية كسر هيمنة واحتكار الأيديولوجيات العنفية التي سلّطها أتباعها على طروحات العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي.

لقد دعمت الحكومات والمجموعات المدنية والزعماء المسلمين حول العالم هذه الجهود بعدد من الأساليب. على سبيل المثال وفي المملكة المتحدة، سعت منظمة "الطريق الوسيط المتطرفة" (Radical Middle Way) ومؤسسة كويليام إلى تثقيف الجمهور حول الإسلام، وفي الوقت نفسه تشجيع هوية بريطانية مسلمة مميزة للشباب الصاعد، وهم يفعلون ذلك بمساعدة زعماء مسلمين بارزين مثل حمزة يوسف وعبد الحكيم مراد.

وفي الوقت الذي يتوجب فيه تشجيع هذه الجهود، إلا أن العديد منها لم تصل مستوى تكليفها بسبب توجهها غير السياسي إلى درجة بعيدة. إذا كان الهدف هو عكس اتجاه العمل على دفع الشباب المسلم ذو الميول العنفية المحتملة نحو الأصولية وردع التطرف الديني، فكيف يمكن لهذه التوجهات أن تصل إلى جمهورها المستهدف دون تقديم ضغوطات قادرة على الاستمرار في عالم اليوم شديد النزاع؟ كيف يمكن لبرمجة كهذه أن تؤثر على الغاضبين والمهمّشين وردع التطرف؟

من المنطقي بالنسبة لمعظم الناس أن أعمال العنف التي ترتكبها مجموعات كالقاعدة وأنصارها الناشئين في دولهم والذين يطمحون للقيام بأعمالها هي سياسية من جذورها ولكنها ملفوفة بعقيدة دينية. الشباب المسلم اليوم غاضب، على سبيل المثال من ضربات الطائرات بدون طيار سيئة التوجيه في الباكستان والتي تؤدي إلى قتل الأبرياء من النساء والأطفال، والظلم الذي يبدو أنه لن ينتهي للفلسطينيين. لقد كان كل من أفغانستان والصومال، وهي أماكن ساخنة من الإرهاب، دولاً فاشلة منذ جيلين من الزمان. لم يعرف الشباب في هاتين الدولتين سوى الاقتتال الاجتماعي والحرب والوعود الفاشلة من جانب المجتمع الدولي.

وهذه الأحوال الفجّة هي التي تولّد التطرف. رغم ذلك فإن برامج مجابهة الأصولية تبتعد بخجل أحياناً عن الحوارات السياسية الصعبة والمباشِرة، وتؤكد بشكل زائد، بدلاً من ذلك، على مواضيع مثل الإرث متعدد الثقافات في قرطبة بأسبانيا والتعاليم الروحية الداخلية لعلماء الصوفيين والإنجازات العلمية للعالم الإسلامي في العصور الوسطى.

يتوجّب على الزعماء المسلمين وحلفائهم في الحكومة والمجتمع المدني أن ينتقلوا إلى ما وراء مجرد رعاية مثال "المسلم المصالح" وتشجيع أعمال المواطَنة مثل أعمال الخير والخدمات المجتمعية. عليهم أن يدركوا أن قصص التعذيب بالماء والصور من سجن أبو غريب سوف يكون لها تأثير أعمق بكثير على تشكيل وجهات النظر السياسية للشباب المسلم مقارنة بكلمات الرئيس باراك أوباما المنمّقة عن السلام أو إعلانات عبر الديانات التي يلقيها رجال الدين المسلمين.

إذا كان يُتوقَّع من الزعماء المسلمين إرشاد الشباب ضمن قضية دينية ضد العنف والتطرف، يجب تشجيعهم كذلك قول الحقيقة ضد قضايا الظلم السياسي، وهي عوامل دفع حقيقية تذكي نار التطرف. من خلال تجاهل هذا النداء لا يُنظَر إلى زعماء المسلمين وحلفائهم من قبل جمهورهم المستهدَف كمجرد لعب في أيدي الحكومات الغربية فحسب، وإنما يضمن ذلك أن تُدفَع هذه الجماهير المهمّشة إلى عالم التطرّف المظلم من خلال شبكة مواقع الإنترنت وسواعد أشخاص مثل العولقي.

ـــــــــــ

* عباس بارزغار هو أستاذ مساعد في الإسلام بدائرة الدراسات الدينية بجامعة ولاية جورجيا والمحرر المشارك لِ "الإسلامية: وجهات نظر خلافية حول الإسلام السياسي" (مطبعة جامعة ستانفورد 2009).

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

====================

من حلم الوحدة إلى تشطير الكيان الواحد

اخر تحديث:الاثنين ,20/12/2010

محمود الريماوي

الخليج

عاشت أجيال ما بعد منتصف القرن الماضي حلم الوحدة بين الكيانات العربية، وقد تم قطع شوط على طريق تحقيق هذا الحلم، كما في الوحدة المصرية السورية ،1958 واتحاد الإمارات العربية ،1971 ووحدة الشعبين الأردني والفلسطيني ،1951 في إطار المملكة الأردنية . قبل ذلك كانت الحجاز ونجد قد توحدت في إطار المملكة العربية السعودية . وفي أواخر القرن الماضي تحققت الوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي لليمن .

 

صمدت بعض هذه التجارب وأصبحت من حقائق الحياة والواقع السياسي والاجتماعي، وانتكس بعضها الآخر . ورغم ذلك فإن الأجيال السابقة التي تفوق فيها الأعمار حالياً الخمسين عاماً، ظلت تنطوي على حلم الوحدة القومية وترى فيه ممكناً قائماً يستحق بذل الجهد من أجل بلوغه، وإن بالتدريج . وقد دفع كثيرون من حياتهم وزهرة أعمارهم قرباناً لتحقيق هذا الحلم .

 

يستحضر المرء تلك الوقائع وما كان يحف بها من آمال ومن انفعالات وسجالات، وهو يعاين المشهد السياسي العربي منذ مطالع القرن الحادي والعشرين، حيث لم تتراجع فقط فكرة الوحدة أو الاتحاد، في الأذهان كما في الأعيان، ولكنها أخلت المكان والوجدان وأفسحت حيزاً واسعاً لظهور توجهات انفصالية داخل البلد الواحد، والتي بات بعضها “متفقاً” عليه وفي منزلة تحصيل الحاصل، بانتظار نضج الظروف واستكمال الاستعدادات لتحقيق ذلك التغيير الجيوسياسي .

 

لقد حفل عام 2010 الذي يوشك على الانصراف بتطورات ومواقف تلتقي حول اندفاع جنوب السودان للانفصال، وإقامة دولة مستقلة في ذلك الجزء الإفريقي من العالم العربي . والراجح أن الأسابيع الأولى من العام المقبل سوف تشهد تسريعاً لحدوث هذا التطور، وذلك مع قرب إجراء الاستفتاء لأهل الجنوب . وقد بات هؤلاء كما أهل الشمال، وكما هو حال السياسيين في الحكم والمعارضة، يجمعون على أن الانفصال بات أمراً راجحاً وشبه محتم . وهناك من أخذ يتحدث عن “اليوم التالي” للانفصال، راسماً صوراً وردية لمآل الأوضاع في كل من الشمال، حيث الحكم المركزي والشمال موطن الدولة المرتقبة . يتمنى المرء حصر الضرر، وأن لا تعقب الانفصال حالات من الاضطراب وما هو أسوأ منه في العلاقة بين جناحي الوطن، خاصة أن هناك ميراثاً حالكاً من الاحتراب والتنازع بين الجانبين دام نحو ثلاثة عقود .

 

وإذا كانت العلاقة بين الطرفين بين المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان التي ستقود دولة الجنوب، قد سادتها حالة من الاستقرار والاعتراف المتبادل بعد تجربة المشاركة في الحكم، بما سوف ينعكس مستقبلاً على العلاقات بينهما، فإن الخشية تبرز بعدئذ من حالة استقطاب إقليمية يثيرها قيام الدولة الجديدة، وما قد ينشأ عنها من اصطفافات تورث السودان المزيد من المتاعب، وذلك دون إغفال انعكاسات هذا الحدث المفصلي على الوضع في إقليم دارفور ثم على العلاقات المتوترة بين أهل الحكم والأحزاب المعارضة في الشمال .

 

سوف يصعب حقاً أن تدور عقارب الساعة إلى الوراء، كتخيل أن يعود نحو ثمانية ملايين من أبناء الجنوب، مهرولين نحو استعادة الوحدة مع أبناء شعبهم ووطنهم، غير أن مسؤولية الحكم في الشمال تبقى بأن ينجح ولو متأخراً في اجتذاب هؤلاء، نحو علاقات اقتصادية تكاملية وفتح الحدود بين الجانبين والأحرى عدم إغلاقها، وتنشيط أوجه التواصل والتبادل بين الجانبين، ودرء مخاطر الاستقطابات الاقليمية . وهذه مسؤولية كل القوى السياسية في الشطرين في الحكم والمعارضة، وبحيث يتسنى في النهاية أن يستشعر السودانيون مزايا الوحدة حتى لو ضمن واقع انفصالي . وذلك بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب، واستنزاف الطاقة في الحديث عن مؤامرات معلومة وخفية أدت إلى ما أدت اليه .

 

على أن السودان ليس البلد الوحيد الذي ترتفع فيه رايات الانفصال، ففي اليمن استقر الخطاب السياسي ل “الحراك الجنوبي” على الدعوة لإجراء مفاوضات مع صنعاء . وترددت أنباء عن محادثات جرت بعيداً عن الأضواء بين مسؤولين كبار من “الجانبين” في عاصمة أوروبية، وسواء كانت هذه المباحثات جرت أم لم تحدث، فالبادي أنه لم يكن لها أي انعكاس على الوضع المضطرب الذي يعيشه جنوب اليمن، والذي لا يبدو هناك أفق لوضع نهاية توافقية له بين الأطراف الفاعلة، وهي أطراف كثيرة متعددة المشارب بينها من عناصر الافتراق ما بينها من عوامل الالتقاء، رغم ما يبدو على السطح من علاقة محكومة بالتناقض بين طرفين رئيسيين فحسب .

 

الخشية أن تكون الأمور قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، بحيث تنحصر الخيارات بين وضع يزداد اضطراباً ويستنزف الجميع، أو يتم الانكفاء ولو واقعياً على الأرض إلى التشطير مجدداً وفي أجواء عدائية . وهو ما من شأنه أن ينعكس بالسلب على منطقة واسعة في القلب منها إقليم الخليج العربي .

 

قريباً من قلب المشرق العربي، فقد ارتفع مجدداً صوت يدعو لاستقلال إقليم كردستان العراق، وذلك على وقع الأزمة السياسية التي لم تشهد بعد الفصل الأخير من انفراجها . ورغم أنه تم بعدئذ التراجع جزئياً عن تلك الدعوة، وإحلال المطالبة بعراق فيدرالي محلها، إلا أن هذا الخيار ازداد ارتسامه وضوحاً في الأفق، ولا يعدو مستغرباً المطالبة به في أجواء من الانقسام والتقسيم الفعلي على الأرض وفي النفوس، بين الجماعات السياسية والاجتماعية في بلاد الرافدين .

====================

الولي الفقيه ظل جديد لله على الأرض

د.أحمد لاشين .أكاديمي مصري

كتاب من أجل الحرية

الجمعة, 17 ديسمبر 2010 06:39

 (إذا وضعنا نِعَم الله في كفة والولي الفقيه في كفة أخرى لرجحت كفة الولي الفقيه) آية الله مصباح يزدي

 أثارت تصريحات آية الله أحمد جنتي الأخيرة في خطبة الجمعة الكثير من الجدل في الأوساط الإعلامية،حينما صرح أن من ينكر الولي الفقيه فكأنما أنكر وجود الله ذاته،معتبراً أن ولاية الفقيه ركناً أصيلاً من أركان الإسلام،فلا صلاح للعالم إلا به،ومن ينكره أو يتجرأ على مجرد التفكير أو التشكك في مكانته يخرج من الملة مباشرة.فولاية الفقيه من ولاية الله،فلا ولاية لأحد بعد وفاة النبي على الأمة إلا للولي الفقيه خاصة في فترة الغيبة للإمام المهدي.

رغم أن لهذه التصريحات بعدها السياسي،في محاولة التيار الأصولي المتشدد أن يستعيد قداسة منصب الإرشاد،بعد أن تم تجاوزها من قبل بعض التيارات الموالية للحركة الإصلاحية،بل من قبل بعض قيادات الحرس الثوري الموالين لرئيس الجمهورية أحمدي نجاد،وإن كانت بشكل أقل حدة.إلا أن تلك التصريحات جاءت معبرة عن فكرة أكثر عمقاً تتسق مع البنية الفكرية للشخصية الإيرانية من مجرد هتافات السياسية.

البعد التاريخي لظل الله على الأرض:

 في مرحلة الدولة الفارسية القديمة أي منذ حوالي الألف الثالث قبل الميلاد،كانت نظم الحكم الإيرانية تعتمد على فكرة الملك/الإله،أي الملك ذا الإمكانيات المقدسة المطلقة،خاصة في فترة الحكم (الأكميني الهخامنشي)،حيث كان الملك مجسد للسر المقدس الذي منحه تفوقه عن غيره،ورغم أن هذه الفكرة كانت نابعة من فكرة القبيلة المميزة التي استطاعت أن تحكم البلاد ،وتصل بها إلى مرحلة التوسع الإمبراطوري الذي وصل إلى مصر وحدود اليونان القديمة،إلا أنها قد تطورت لتحمل دلالة الدم الأزرق،فالتفوق السياسي كان بداية التقديس الديني.فكان الملك هو المعبود بوصفه نعمة السماء للأرض،وهو الموكول له صياغة العالم.أي التوحيد المطلق بين التاريخي والمقدس/ الديني في شخصية الفرد.

 وفي سياق التطور الحضاري،انسحبت القداسة الدينية من فردية الملك،إلى الموابذة (كهان الديانة الزرادشتية) خاصة بعد اعتماد الأسرة الساسانية للفكر الزرادشتي كدين رسمي للبلاد،فأصبحت القداسة مصدرها السماء بواسطة النبوة،ثم الكهان أو السدنة،الذين أصبح منوط لهم الحالة الدينية كاملة،وبالتالي تخلصت الحضارة الفارسية في تلك المرحلة من فكرة قداسة شخصية الملك،وإن لم يكن ذلك بشكل كامل،فقد ظل للمك قيمته الذاتية التي لا ينافسه فيها غيرة،ممنوح للقداسة من الكهان وليس هو مصدرها الوحيد.ورغم ذلك الانسحاب النسبي ظهر مفهوم أخر أكثر عمقاً وتأثيراً،وهو مفهوم التقسيم الطبقي،فقد نالت طبقة الملوك أو الأسرة الساسانية الحاكمة المرتبة العليا في تسلسل الهرم الاجتماعي،ثم تلاهم طبقة الكهنة أو رجال الدين،بواسطتهم تُمنح الرعية للحاكم،ثم الحرس الملكي أو الجيش المقدس،ثم عامة الشعب،وظلت كل طبقة مغلقة على نفسها،ولا تسمح بتسلل أي عنصر دخيل من أي مرحلة اجتماعية أخرى.

 الملاحظة الجديرة بالاهتمام أن ذلك التقسيم الثلاثي الأبعاد،الذي يبدأ بالحكام،ثم رجال الدين وصولاً للحرس المقدس،ظل هو القائم منذ الدولة الساسانية،وصولاً للعهد البهلوي الذي سبق الثورة الإسلامية مباشرة،وذلك على اختلاف أسماء الأسر الحاكمة واختلاف الديانات.فرجل الدين يُكسب المشروعية المقدسة للحاكم ويحميهما الحرس.حتى تم التطور المدهش الذي قام به الإمام الخوميني في نظرية ولاية الفقيه،وهنا اندمجت طبقتان رجال الدين وطبقة الحكام،فالحاكم هو رجل الدين،يُكسب لنفسه مشروعية الحكم أو الملك،وقداسة الوجود الاجتماعي.أي العودة إلى أصل الفكرة التاريخية وهي عبادة الفرد.

الحاكمية وولاية الإمام:

 رغم أن أصل التشيع ذا أصول عربية،إلا أن التطور المذهبي خاصة بشقه السياسي جاء إيرانياً بامتياز،فمع غيبة الإمام الثاني عشر الغيبة الكبرى،ظهرت فكرة النائب عن الإمام كضرورة ملحة لبقاء المذهب أو تواجده على الأقل كمنافس ديني للمذهب السني الحاكم والأكثر شيوعاً،وتفرع التشيع وتمذهب في عدة أشكال اعتماداً على فكرة النيابة عن المهدي،واتخذ التشيع الإثنا عشري في بدايته الشكل الطبيعي والأكثر انضباطاً ،وهو أن نائب الإمام ليس إلا مرشد للأمة لحين عودة الإمام،ليس له وصاية مباشرة على الدولة،بل أن التقية كانت الحاكمة لعلاقة الشيعة بالدولة السياسية.ولكن مع مضي الزمان،حصل انسحاب سياسي قوي للشيعة هدد وجودهم بشكل عام،بحيث أصبح الوجود الشيعي أو مشروعية وجوده على شفا الزوال،نتيجة لثبات الفكر الشيعي على المستوى الحركي أمام المتطلبات السياسية المتغيرة من انهيار لخلافة أو قيام دويلات مستقلة.فكانت فكرة الولي الفقيه،هي أولى المراحل التي حولت التشيع من الثبات الاستاتيكي إلى ديناميكية الفعل السياسي.

 مر الولي الفقيه كفكرة بتطورات تبدوا بطيئة للوهلة الأولى،ولكنها قفزت قفزتها التاريخية على يد آية الله الخوميني الذي ،الذي حررها من طابعها الجدلي في الحوزات الدينية،إلى مرحلة الفعل السياسي المباشر كنظرية سياسية اكتملت فيها مواصفات الحاكمية الدينية.فكانت الثورة الإيرانية هي الوعاء الاجتماعي الذي استغله الخوميني لينفذ فكرته الجديدة،فتحولت الثورة من الإيرانية إلى الإسلامية في عام واحد من هبوط الخوميني بطائرته في مطار طهران.

 فالولي الفقيه هو نائب الإمام،الممنوح القداسة المتناهية من قبل الله ذاته،فهو الذي يحكم باسمه وبديلاً للإمام إلى يوم عودته،ورغم الخلافات التاريخية التي تمت بين آية الله حسين علي منتظري المتوفي في عاشوراء العام الماضي كممثل للوسطية وبين الخوميني،حول أحقية منصب ولاية الفقيه من مجرد منصب إرشادي كما يرى منتظري،إلى ظل الله على أرضه كما أراد الخوميني،إلا الدستور الإيراني تم الإقرار فيه بولاية الفقيه كمرشد أعلى للثورة ومتحكم في كل شؤون الدولة الإيرانية الحديثة،وإن ظلت كلمة (مطلقة) غائبة من الدستور حتى عام 1989،في التعديلات الدستورية الأخيرة.

 فما صرح به (آية الله أحمد جنتي) ومن قبله (آية الله مصباح يزدي)،لا يعبر فقط عن الوضع السياسي الراهن،ولكن يأتي متسقاً بشكل كامل مع طبيعة الدولة الدينية،فرغم الخلاف الذي مازال قائماً في بعض أروقة الحوزة الدينية في قم،على يد بعض المجددين في النظرية الدينية لولاية الفقيه،مثل (آية الله صانعي) أو تلامذة منتظري الذي كان يعتبر إلى ما قبل وفاته بقليل أن كل مفاسد الجمهورية الإيرانية،من بطش وقمع لهو ناتج عن الحاكمية المطلقة للفقيه،فيجب أن يتم تحديد صلاحيات الولي الفقيه ،وإلا دب الإنهيار الكامل في جسد الثورة،إلا أن الحكم النهائي يُجسده الولي الفقيه المطلق،المتجسد في شخص خامنئي.

 فالولي الفقيه هو إعادة تجسيد لحالة الحاكم المقدس المطلق،الممنوح السلطة الإلهية من قبل الله،أي صياغة ما يتسق مع نظرية الحكم التي نمت عليها الدولة الإيرانية منذ العهود التاريخية الأولى.ويبقى لدينا الضلع الأخير في مثلث الدولة الإيرانية،وهو الحرس المقدس،الذي اتخذ اسم الحرس الثوري في بداية الثورة الإيراني.

خامنئي يُعيد توزيع أوراق اللعب:

 تنقسم الدولة الإيرانية الأن إلى ضلعين رئيسيين،وهما الضلع السياسي المقدس،ويمثله الولي الفقيه،والضلع العسكري،والمتجسد في الحرس الثوري،المشكلة الحقيقية التي يعاني منها النظام في هذه المرحلة ،هي تفاقم الدور السياسي للمؤسسة العسكرية،خاصة في المرحلة الثانية من حكم الرئيس أحمدي نجاد،فقد أصبح العسكر هم القوة الضاربة التي خرجت سلطتها من يد السلطة السياسية بشكل ملحوظ،رغم الانقسامات التي قد تظهر على السطح بين المؤسسة العسكرية ونجاد،مثل غضب المؤسسة العسكرية من تصريحات نجاد التي مست الخوميني فيما يتعلق بصلاحيات البرلمان،إلا أنها في رأيي لا تتعدى محاولة من الحرس للتعجيل من الصدام بين المؤسستين العسكرية والسياسية،فقيادات الحرس أصبحت ذات تواجد سياسي واقتصادي ملحوظ،فمعظم المشروعات الاقتصادية داخل إيران وخارجها بيدهم بشكل كامل،بل أن المشروعية المقدسة أصبح لديهم القدرة على استجلابها من المهدي المنتظر مباشرة،بعيداً عن مباركة المرشد أو الولي الفقيه.مما أثار مخاوف خامنئي أو السلطة السياسية،فقرر أن يعيد توزيع أوراق اللعب من جديد،بين العسكر والمؤسسة السياسية والضلع الذي ظن أنه متوحداً معه منذ البداية وهم رجال الدين في الحوزة الدينية.

 ولأن خامنئي ما زال يمثل اللاعب الوحيد تبعاً لشرعية الدستور ،أو مالك الأوراق فله عدد النقاط الأكبر،قرر أن يقوم بثلاث زيارات متتالية إلى قم المدينة المقدسة في الدولة الحديثة،رغم أن زيارته لها تكاد تكون معدومة خلال سنوات ولايته الفقهية.وهناك قرر زيارة كل التيارات الدينية من اعتدال إلى اليمين المتشدد،خاصة (جامعه روحانيت مبارز) و (جامعه مدرسين حوزه علميه قم)،ليحصل على أكبر تأييد ممكن في هذه المرحلة،مما أستتبع ذلك تصريحات (آية الله جنتي) و(مصباح يزدي)،محاولة دعمهما لزيارة خامنئي للساحات الدينية التي كانت منسية إما بسبب الاختلافات الفكرية،أو بمحاولات المؤسسة العسكرية لعزل رجال الحوزة خاصة من منهم خارج منظومة العمل السياسي المباشر،خاصة بعد الأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2009.حتى يوزع خامنئي بعضاً من أوراق اللعب على الساحة الدينية،ليُعيد التوازن السياسي ثانية الذي اهتز كلية بسبب سلطة أحمدي نجاد وشعبيته القوية في صفوف الحرس الثوري بشكل مثل تهديداً على مؤسسة المرشد ذاتها.فيكون من البديهي أن يحاول آيات الله بعد ذلك التذكير بالقداسة المطلقة للحاكم،حفاظاً على نفوذ طبقته ،ونفوذهم من بعده.

 وعلى جانب أخر،لم يحاول خامنئي التدخل بشكل مباشر في الخلافات التي نشبت بين البرلمان برئاسة (لاريجاني)،وبين مؤسسة الرئاسة في أزمة الموازنات الأخيرة،ومحاولات البرلمان التقليص من النفوذ الاقتصادي لنجاد بعزل رئيس الجمهورية من اللجنة العليا للبنك المركزي،وبحيث يكون تابعاً مباشراً للبرلمان ليضمن نزاهته وشفافيته،خاصة في ظل حالة التضخم ،وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 30%،مما ينذر بغضب شعبي استتبعه سيطرة أمنية جديدة على الشارع الإيراني،أي سيطرة المؤسسة العسكرية بشقيها الحرس الثوري، والباسيج (التعبئة).

 فالولي الفقيه قد استغل كل ما يمكن من قداسته وشرعيته المكتسبة من الدستور ومن الوعي الاجتماعي،في محاولة أخير للحفاظ على بقايا ظله على الأرض الإيرانية،فقد أصبح الحرس المقدس ورجال الدين على وشك صدام قد يودي بعرشه الإلهي من علياءه،رغم ما يبدوا على الخطابات السياسية الخارجية من توحد إلا أن الداخل يشي بما لا يحمد عقباه.

ahmedlashin@hotmail.co.uk

====================

آثار الجراحة الإيرانية

الإثنين, 20 ديسيمبر 2010

الياس حرفوش

الحياة

مهما قدمت حكومة الرئيس الايراني احمدي نجاد من مبررات لقرارها خفض الدعم عن استهلاك الايرانيين من الطاقة والخبز والمياه وسواها من حاجاتهم الاساسية، فان التفسير الوحيد الذي يراود المواطن الايراني العادي هو ان اضطرار حكومته لفرض هذه الاجراءات في هذا الوقت يعود بالدرجة الاولى الى العقوبات الدولية المفروضة على بلاده، بسبب النزاع القائم حول برنامجها النووي.

 

فنحن نتحدث عن بلد هو خامس اكبر مصدّر للنفط في العالم، ومع ذلك تستورد ايران 40 في المئة من حاجاتها من البنزين، نظراً لعجز مصافيها عن تكرير نفطها، بسبب الحظر المفروض على بيع المعدات التي يمكن استخدامها في قطاع التكرير.

 

اي أن الازمة التي يواجهها المواطن الايراني بسبب اجراءات احمدي نجاد سببها سياسي في الاساس وليس اقتصادياً، وبالتالي سوف يحتاج هذا المواطن الى جهد حكومي كبير لإقناعه بأن هذه «الجراحة الاقتصادية»، حسب وصف الرئيس الايراني، ضرورية لمعالجة الأمراض الاقتصادية التي تعاني منها ايران في ظل الحكم الحالي.

 

ولأنه بات صعباً اقناع الايرانيين بسياسات اخذت تطال حياتهم اليومية، كان اللجوء الى الاجراءات الامنية تحسباً لوقوع اعمال عنف في وجه قرارات الحكومة. ولهذا انتشرت قوات الشرطة بكثافة في احياء العاصمة طهران وسائر المدن الايرانية، للحيلولة دون تكرار اعمال الشغب التي وقعت قبل ثلاثة اعوام، عندما بدأت الحكومة تقنين توزيع البنزين، او تلك التي واجهت اعادة انتخاب نجاد، التي اعتبرت المعارضة أنها شابتها عملية تزوير واسعة، في العام الماضي.

 

ويذكّر القلق الحكومي من انعكاسات السياسة الاقتصادية بما واجهته حملة الانتخابات تلك. يومها كانت شعارات المعارضة تركّز على انتقاد الإنفاق الواسع على تمويل التنظيمات الموالية لسياسات النظام الايراني في الخارج، بينما تضرب الضائقة الاقتصادية المواطن الايراني في الداخل. من هنا مخاوف اركان هذا النظام من ان تتحول الصراعات الداخلية الى اداة للضغط على السياسة الخارجية، فقد بات الترابط بين الاستقرار الداخلي والقدرة على ادارة سياسة خارجية ناجحة ترابطاً وثيقاً، اذ إن ضعف الجبهة الداخلية يضعف بشكل كبير قدرة ايران على التفاوض من موقع قوة على ملفاتها الصعبة، سواء ما يتعلق منها بروابطها مع جيرانها الاقليميين، او تلك المتصلة بعلاقاتها مع الغرب بشأن الازمة النووية.

 

وليس أدل على التخبط وتبادل الاتهامات حول ادارة السياسة الخارجية من «الجراحة» التي اجراها نجاد في وزارة الخارجية، وانتهت بعزل الوزير منوشهر متقي، فكل متابع مبتدئ للاوضاع الايرانية يعرف ان من يمسك هذه الحقيبة، او سواها في ايران، هو مجرد اداة تنفيذية في يد القرار الذي يتخذه المرشد الاعلى علي خامنئي، او احمدي نجاد طالما بقي حائزاً على ثقة المرشد ومطيعاً لأوامره. من هنا، ان تبرير اقالة متقي بأنه اخفق في تحقيق النتائج المتوخاة منه، هو تبرير مثير للضحك. ومع ان متقي لم يشأ الدفاع عن عمله، فان مجرد قوله ان قرار عزله «مخالف للتعاليم الاسلامية» يرفع سقف الانتقاد عالياً في نظام يطلق على نفسه شعار «الجمهورية الاسلامية».

 

ليس منوشهر متقي في مرتبة محمد خاتمي او حسين موسوي او مهدي كروبي، لكن من المهم ان نتذكر انه كان الصورة الخارجية لايران طوال السنوات الخمس الماضية، وأن انتقاله المفاجئ الى صفوف منتقدي النظام يزيد من وطأة الصراع الداخلي، ويعزز الاتهامات الموجهة الى احمدي نجاد وفريقه بالدكتاتورية والتسلط، اذ لم يعرف يوماً أن متقي حاد قيد انملة عن التعليمات التي كان يتلقاها، وخصوصاً في المفاوضات النووية، لذلك لا يقول خَلَفه المعيّن علي اكبر صالحي أيَّ جديد عندما يدعو الى علاقات مميزة مع دول الجوار، وخصوصاً مع السعودية وتركيا، فليس معروفاً عن متقي انه كان ضد العلاقات مع هذين البلدين، او ضد اقامة علاقات تعاون مع الدول الاوروبية بدل سياسة المواجهة. واذا كان هناك من فشل في هذا المجال، فالمسؤولية على من يرسم السياسة لا على ادوات التنفيذ.

====================

إذن.. من يضع سياسة إيران الخارجية؟

طارق حميد

الشرق الاوسط

20-12-2010

كلام جميل ذاك الذي قاله وزير الخارجية الإيراني بالإنابة، علي أكبر صالحي، عن ضرورة تحسين علاقات بلاده بالمملكة العربية السعودية، حيث يقول صالحي إن «السعودية تستحق إقامة علاقات سياسية مميزة مع إيران، وإن إيران والسعودية يمكنهما كدولتين فاعلتين في العالم الإسلامي حل كثير من المشكلات معا».

لكن يبقى سؤال مهم ليتأكد المتابع من أن ما يقوله صالحي حقيقة، وليس مجرد تقية سياسية جديدة من قبل طهران، الهدف منها تحييد السعودية أو تشتيتها في المرحلة المقبلة، وخصوصا أن الوثائق الأميركية أظهرت أن الإيرانيين يعون جيدا موقف الرياض تجاه نياتهم النووية، وذلك ليس من خلال قراءات الدبلوماسيين الأميركيين في وثائق «ويكيليكس»، بل من خلال ما قيل للإيرانيين وجها لوجه من قبل أعلى سلطة في السعودية.. حيث تكشف أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز كان قد قال للإيرانيين إنه ليس لكم علاقة بقضايانا، واكفونا شركم.. بل وظهر أنه قد منحهم فرصة لتحسين العلاقات. ولم تفعل طهران شيئا يذكر، وخصوصا أنه قد سبق للملك عبد الله أن قام من قبل بمد الجسور مع إيران رفسنجاني وخاتمي.

وعليه، فإن السؤال الملح الآن هو: من الذي يضع سياسات إيران الخارجية؟ هل المرشد الأعلى، أو الرئيس الإيراني، أو وزير الخارجية؟ فبحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمنبراست، فإن «سياسات إيران الكبرى تحدد على مستويات أعلى، ووزارة الخارجية تنفذ هذه السياسات». ومن يقرأ تصريحات صالحي عن ضرورة تعزيز العلاقات مع السعودية، نظرا لثقلها الإسلامي والاقتصادي والعالمي، يجد أنها اعتراف إيراني رسمي بأن سياسات طهران الخارجية تجاه الرياض كانت خاطئة، وفاشلة. ولذا، فهم يحاولون اليوم ترميمها، لكن هل هذا يعني أن متقي كان أقوى من المرشد والرئيس منذ عام 2005، ولم يكن بمقدورهما فعل شيء إزاء سياساته الخاطئة تجاه السعودية؟ أمر لا يعقل، بل لا يستقيم ولا يصدقه عقل، فما هي القوة التي كان يعتمد عليها منوشهر متقي حينها وهو رجل لا يدير قوات مسلحة أو ميليشيا، بل إن إجراءات عزله قد تمت بشكل مهين، مما يوحي بأنه لا حول له ولا قوة؟!

بالطبع نتمنى أن تكون علاقات إيران جيدة، ومستقرة، مع الجميع وليس السعوديين وحسب، لكن السياسة ليست بالأماني والأقوال، بل لا بد أن تكون مقرونة كذلك بالأفعال. وستظل هذه مشكلة إيران الحقيقية مع كل دول المنطقة، وليست الرياض وحدها، مهما قيل من كلام دبلوماسي منمق، وخصوصا أننا بتنا نلحظ اليوم لغة أكثر وضوحا في العلن من دول المنطقة، والسعوديين، تجاه إيران، وذلك لأننا بتنا نعيش مرحلة ما بعد وثائق «ويكيليكس» التي يجب أن تشعر الإيرانيين بالقلق، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه لم يلحظ أي غضب أو انتقاد عربي، سواء شعبي أو إعلامي، على ما قيل بحق إيران في وثائق «ويكيليكس» من قبل دول المنطقة، وهذه ملاحظة تستحق التأمل طويلا من قبل الإيرانيين.

tariq@asharqalawsat.com

==================

أوروبا والحلول طويلة الأمد

بقلم :جاك أتالي

البيان

20-12-2010        

منذ اندلاع أزمة الدين اليونانية، حاولت أوروبا إصلاح مشكلاتها بطريقة مؤقتة وقصيرة الأمد. ولا عجب في ذلك، فالأزمة تواصل التوسع، وتهدد ليس فقط اقتصادات كل من ايرلندا والبرتغال وربما اسبانيا، ولكن المشروع الأوروبي نفسه. وقد آن الأوان لكي يتم التعامل مع النقطة الحاسمة في المسألة، من خلال تغيير منظم قبل فوات الأوان. وكما هي الحال الآن، فليس أمام الدول الأوروبية الأعضاء أية خيارات، سوى أن تضع نفسها تحت رحمة الأسواق المالية.

 

لقد دفعت الاحتياجات المتزايدة الدول الحديثة إلى الاقتراض بشكل متزايد، باستخدام أدوات أكثر تعقيداً واتساماً بالمخاطرة بصورة متزايدة. قام المستثمرون في الماضي بشراء هذه الديون السيادية، نظراً لكونها ملاذا آمنًا نسبياً. وبخلاف دين الشركات، تنطوي السندات العامة على ضمان مدعوم بقاعدة الدول الضريبية.

 

إلا أنه، كما تنشئ الدول أسواقاً تسمح لها بتمويل أنفسها، فإن هذه الأسواق يمكن أن تنقلب ضد الدول، عندما يقود النطاق الذي وصلت إليه القروض التي حصلت عليها دولة ما، إلى شكوك بشأن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. وكما شهدنا، يمكن أن يؤدي هذا إلى صراع مأساوي بين هذين الطرفين الحاملين للأسهم، اللذين يترقب كل منهما بحذر خطوات الآخر بيقظة شديدة، فيما يحاولان حماية مصالحهما. هذا هو الوضع الذي تجد أوروبا نفسها فيه حالياً. والمخرج الوحيد من هذه الورطة هو استعادة ثقة المستثمر، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تحديد معالم طريق يتسم بالمصداقية، في اتجاه عودة التمويلات العامة القابلة للاستدامة في أوروبا ككل. طريق اليورو ليس معرضاً للخطر على المدى القصير. إنه عملة صامدة تقوم على أكبر اقتصاد متكامل في العالم. ولكن لن يكون بمقدور الوحدة النقدية الاستمرار على المدى الطويل، إذا لم يتم فعل شيء ما خلال الشهور القليلة المقبلة، لتفادي رد فعل تسلسلي من حالات التعسر بين الدول في منطقة اليورو.

 

والسيناريو الأسوأ يعتبر أكثر سهولة من أن يتم تصوره. سوف تحاول الدول الأكثر عرضة للخطر تجنب كارثة، من خلال تبني برامج تقشف، ولكن سوف تثبت هذه الدول أنها غير كافية لاستعادة ثقة المستثمر، وغير فعالة لصد الهجمات من قبل المضاربين التي تؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض. سوف تبدأ أحجار دومينو إعصار الإعسار المتتابع في السقوط، حجراً تلو الآخر.

 

سوف تسقط بدورها المصارف والمؤسسات المالية الأخرى، التي ضمنت الدين المقيّم بأقل من قيمته للدول المعسرة، مما سيسفر عن دمار لمودعيها وأصحاب معاشات التقاعد والرواتب لديها. ولن يكون بمقدور البنك المركزي الأوروبي، بدوره، تجنب هذه الكارثة. فلو أنه حاول ذلك، على سبيل المثال من خلال القيام بطبع المزيد من المال، فسوف ينهار اليورو.

 

ولا يزال في الإمكان تجنب حدوث هذا السيناريو، إذا اتخذنا إجراء الآن قبل أن تبدأ أحجار الدومينو في التساقط. والحل واضح تماماً، حيث يتعين أن تتم مساندة البنك المركزي الأوروبي من قبل هيئة مالية أوروبية، من خلال أداوت متنوعة لا يمكن الاستغناء عنها، والتي تتمثل في القدرة على إصدار سندات خزانة أوروبية، وزيادة الضرائب الفيدرالية، والقدرة على اتخاذ إجراء حاسم على الصعيد الأوروبي.

 

إن الاتحاد الأوروبي هو الكيان السيادي الوحيد الذي ليست لديه القدرة على الاقتراض من الأسواق الخاصة، عبر إصدار سندات خزانة. فلو أننا في سبيلنا إلى شق طريق الخلاص من هذه الأزمة الشاملة، بدلاً من اللجوء إلى سد الفجوات على نحو متعجل، يجب أن يقام الصرح الأوروبي على أساس أكثر صلابة، من خلال التفويض بإصدار تلك السندات جنباً إلى جنب مع إنشاء خزانة أوروبية تتولى إدارتها. ويتم تمويل ميزانية هذه المؤسسة من خلال قروضها والضرائب.

 

وبهذه الطريقة، فإن الاتحاد الأوروبي بوصفه كياناً واحداً، يمكنه أن يأخذ على عاتقه جزءاً من الدين العام للدول الأعضاء فيه، والذي يشكل 60؟ من مجموع ناتجه المحلي الإجمالي.

 

في الآونة الحالية، لا يعاني الاتحاد الأوروبي من الدين، الأمر الذي يمنحه هامشاً كبيراً من المناورة. سوف تكون تكاليف خدمة الدين لسندات الخزانة الأوروبية الجديدة، أقل من تكاليف السندات التي تصدرها الدول الأعضاء كل على حدة. يمكن للدول الأعضاء أن تحول إلى الاتحاد الأموال اللازمة لتمويل خدمة الدين. وطالما أن مثل هذه الفيدرالية في الميزانية ليست قائمة، فإن العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، سوف تواصل كونها أكثر هشاشة.

 

ولا يعتبر الوضع الحالي في أوروبا جديداً بحال، فالتاريخ يعلمنا أن أزمات الديون السيادية عادة ما تنتهي بانهيار الدولة، لا سيما إذا ما حاولت لمدة أطول من اللازم، الإبقاء على مستوى المعيشة لديها من خلال الاقتراض المفرط. هكذا فإنه لا يجب الاستخفاف بمخاطر الأزمة الحالية على مستقبل أوروبا.

 

وعلى أية حال، فإن التاريخ يعلمنا أيضاً أنه منذ بدايته، وخلال كل مرة تنشب فيها أزمة، دائما ما كان الاتحاد الأوروبي قادراً على إيجاد حلّ من خلال التزام الطريق الصحيح. البداية كانت السوق المشتركة، ثم العملة الموحدة، كلاهما وليد التصميم المشترك على التغلب على المواقف الصعبة.

وهناك من المبررات ما يكفي للاعتقاد في هذا المبدأ مجددا اليوم؛ عندما تتأزم الأمور، فسوف تنهض أوروبا أمام التحدي.

=====================

المشكلة فقط.. أن أميركا أخطأت العنوان

 بقلم :جلال عارف

 البيان

20-12-2010        

يبدو أننا نفهم الأمر خطأ، ولا نتابع جيداً ما يحدث أمامنا.. ولو فعلنا لوجدنا أن «حل الدولتين» يسير بأحسن طريقة ممكنة، وأن الإدارة الأميركية قد بذلت كل جهدها وجندت كل طاقاتها من أجله، واستخدمت كل ما تملك من أسلحة الوعد والوعيد، وضغطت بكل الأوراق التي في يدها، لتحقق في النهاية النتيجة التي عملت من اجلها لسنوات! وها هو الرئيس الأميركي يدعو من الآن ممثلي دول العالم، لأن يقفوا مع الدولة الوليدة ويمنحوها الشرعية من خلال الأمم المتحدة، ويعد للاحتفال بذلك بعد أسابيع!

 

لقد وعدت واشنطن وأوفت بوعدها، والمشكلة عندنا نحن.. فقد كنا نظن أن الحديث عن «حل الدولتين» مقصود به «فلسطين»، بينما كان الجهد الأميركي كله يتجه نحو الجنوب لتقسيم السودان، وإعلان جنوبه دولة مستقلة، في تطبيق شامل كامل ل«حل الدولتين» وفقاً للروشتة الأميركية، ولا عزاء للسودان، ولا لفلسطين، ولا للعرب أجمعين.. فالقصة كلها خطأ بسيط في العنوان، كانت نتيجته أن انتظر الجميع الدولة في «القدس»، فوجدوها في «جوبا»، وسيجدونها غدا في مدن عربية كثيرة ليس من بينها القدس الأسيرة.. إلا إذا استفاق العرب من حالة «الغياب» التي يمرون بها، وأدركوا حجم المخاطر في ترك «أوراق اللعبة» في أيدي غيرهم ليقرر مستقبلهم ومستقبل المنطقة!!

 

منذ أن بدأت الكارثة وأخذت الولايات المتحدة الأميركية كل أوراق اللعبة في يدها، وهي حريصة على الانفراد بالقرار في الملفات الأساسية وأولها قضية فلسطين، وعلى إبعاد كل القوى بما فيها الأمم المتحدة، وعلى وضع قواعد جديدة بديلاً لقرارات الشرعية الدولية.

 

وعندما جاء الرئيس أوباما للحكم وتبنى سياسة تتجه للمصالحة مع العالمين العربي والإسلامي، وتحاول إزالة آثار الجريمة التي ارتكبتها بلاده بتدمير العراق، والعداء لكل ما هو عربي ومسلم، والانحياز الكامل لإسرائيل، ومع إعلانه من القاهرة أن الأولوية ستكون لقضية فلسطين، باعتبارها القضية المركزية لاستقرار المنطقة، وأن إدارته ستضع كل إمكانياتها من اجل تسوية شاملة تقوم على أساس «حل الدولتين»، فقد كان طبيعياً أن تنتعش الآمال بتصحيح أخطاء السياسة الأميركية، خاصة بعد تأكيد الرئيس الأميركي أن السلام في المنطقة هو «مصلحة أميركية قومية»، وأن مفتاح ذلك هو في فلسطين وليس في غيرها.

 

وها نحن بعد عامين، نكتشف أن أسس السياسة الأميركية أقوى حتى من النوايا الطيبة للرئيس الأميركي، الذي استسلم في النهاية وأعلن الهزيمة أمام إسرائيل، وأمام اللوبي الصهيوني واليمين الأميركي الذي سيشاركه الاحتفال بتحقيق «حل الدولتين» في السودان، وينتظر احتفالات أخرى في بلاد عربية تواجه خطر الانقسام (تبدأ من العراق ولا تنتهي في اليمن)، بينما يستعد لتشييع جثمان «حل الدولتين» بالنسبة لفلسطين، ليعود إلى نفي السياسة الأميركية التي كنا نظن أنها تغيرت، بعد أن أضاعت عشرين عاماً في التفاوض العبثي الذي يمنح إسرائيل الوقت والفرصة لتمضي في الاستيلاء على الأرض، وبناء المستوطنات وتهويد القدس وفرض الأمر الواقع. وها نحن بعد كل ما جرى، لا نجد عند واشنطن إلا الدعوة للتفاوض.. ربما لعشرين سنة أخرى، كما يعد وزير الخارجية الإسرائيلي بعنصريته الوقحة، ولكن أيضا بوضوحه التام في التعبير عن حقيقة السياسة الإسرائيلية!

 

من هنا كان رد الفعل (فلسطينياً وعربياً) مختلفاً هذه المرة، وكان الموقف الذي نأمل ألا يتم التراجع عنه، بل ان يكون بداية لتصحيح الوضع الفلسطيني والعربي. إن التأكيد على أنه لا عودة للتفاوض دون توقف كامل للاستيطان، ودون تقديم عرض أميركي جاد يوضح مرجعيات هذا التفاوض، ويلتزم بقرارات الشرعية الدولية وبحدود الدولة الفلسطينية على أراضي 67 بما فيها القدس.. هو الموقف الذي كان لا بد منه منذ البداية. ومع ذلك فدعونا ننطلق منه، ونستكمله بالخيارات الأخرى التي نملكها، دون الوقوع في مصيدة الحديث عن أننا لا نملك أي بديل غير التفاوض، حتى ولو في ظل استمرار الاستيطان..

 

صحيح أن موازين القوى في غير صالحنا، وأن الانقسام الفلسطيني أفقد القضية الكثير، وأن الضعف العربي يزداد بينما التحديات تزداد شراسة، ومع ذلك فالصورة ليست بالغة السواد، والإمكانيات التي ما زلنا نملكها كبيرة لو استعدنا الإرادة وانهينا الانقسامات عربياً وفلسطينياً.. ثم إن العدو أيضا يواجه أزماته، وشرعيته تتآكل بفعل الجرائم التي يرتكبها، والعالم يتحرك لمحاصرته، والخطوة التي قامت بها البرازيل والأرجنتين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا بد أن تتحول إلى تيار يسود دول العالم، رغم الضغوط الأميركية التي نجحت في تعطيل اعتراف مماثل من دول أوروبا في اجتماع قادتها الأخير، ولكن إلى حين. والفيتو الأميركي قد يمنع صدور قرار من مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن ذلك سيضرب ما تبقى من مصداقية واشنطن، كما أنه ينبغي ألا يمنع صدور قرار يؤكد على عدم شرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، إن لم يكن من مجلس الأمن، فمن الجمعية العمومية في إطار «الاتحاد من أجل السلام» الذي يجعل قرارها ملزماً مثل قرارات مجلس الأمن.

 

وقد طالبنا منذ بداية تحرك إدارة أوباما، بتكوين فريق عمل عربي على أعلى مستوى، وفي إطار الجامعة العربية، يتولى فيه عدد من وزراء الخارجية إدارة المعركة السياسية بصورة دائمة، وبحيث تتوزع المسؤوليات على الدول العربية، في إطار جهد مشترك يستخدم كل الإمكانيات العربية، ويضغط بكل الوسائل لإقناع دول العالم وحشدها لمحاصرة إسرائيل، ولدفع الولايات المتحدة لتبني سياسة تقود حقيقة للتسوية العادلة التي لا يمكن أن تتم بهذا الانحياز السافر لإسرائيل.

 

طالبنا بهذه اللجنة منذ البداية، وربما عطلتها الانقسامات العربية والفلسطينية والإغراءات الأميركية. أما الآن فالموقف واضح، والطريق مفتوح أمام المصالحة العربية (وخاصة بين دمشق والقاهرة)، وفرص المصالحة الوطنية الفلسطينية لإنهاء الانقسام الذي لم يعد له مكان، بعد أن أصبح طريق التفاوض مغلقاً، وأصبحت المقاومة المدنية المشروعة سلاحاً مطلوباً ليبقي القضية حية أمام العالم، وليدعم الجهد العربي لاستعادة أوراق اللعبة، التي دفعنا غاليا وما زلنا ثمن التفريط فيها!!

======================

الجوع يجتاح العالم

سمير التنير

السفير

20-12-2010

عمّ الجفاف في عام 2004 مساحات واسعة في القارة الافريقية وفي ذلك تقول المزارعة دورسا موتاوا والتي تبلغ من العمر 35 عاماً: «لم يعد هناك من نبات ليأكله العجل والبقرة التي نملكهما». وبعد يومين ماتت كل الأبقار لديها، وكان عليها أن ترحل إلى مدينة فولوغا والتي تبعد 200 كلم من نيروبي. اشترت موتاوا هكتارين من الأرض. لم تكن تعرف شيئاً عن الزراعة. لم يكن لديها مال لشراء تراكتور، والأدوات الحديثة لزراعة الأرض. اما عن ري المزروعات، فلم يكن لديها أية إمكانية لذلك، وكان عليها ان تقطع مسافة 20 كلم للحصول على بعض الجرار الملأى بالمياه. جربت موتاوا كل شيء من زراعة الأشجار والنباتات. ولكن دون نتيجة.

وكان عليها أن تواجه الجوع.

ضواحي المدن الافريقية الكبيرة مكتظة بأحزمة الفقر. ويسكن بيوت الطين والتنك فلاحون فقراء قادمون من الريف، يعملون طوال النهار. ولكن ليس لديهم الغذاء الكافي لسدّ جوعهم.

لا يملك صغار المزارعين في العالم (والذين يبلغ عددهم 2 مليار) أراضي كبيرة. ولكن العالم كله يعتمد في غذائه عليهم. وفي ذلك يقول كارلوس ساري الخبير الزراعي الكيني: «إن أكثر من نصف سكان العالم يعتمدون على صغار المزارعين للحصول على غذائهم». اما المشكلة الكبرى ففي زيادة عدد سكان العالم بعد عقد أو عقدين، لذلك يبحث خبراء الزراعة منذ الآن سبل إرشاد المزارعين والعناية الصحية، وفي المقدمة محاربة الجوع في العالم.

في القمة التي عقدتها الأمم المتحدة عام 2000 في نيويورك قرر المجتمعون ان محاربة الجوع تبقى أولوية لديهم. وقرروا العمل على خفض عدد الجياع إلى النصف وذلك حتى عام 2015. أي ان يبقى عدد الجياع بحدود 600 مليون نسمة.

لم يتحقق نجاح يذكر. وبدلاً من ان ينقص عدد الجياع في العالم، زادت أعدادهم في السنوات الأخيرة. وبلغت أعدادهم نحو المليار. وتشير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن 925 مليون إنسان في العالم يعانون من الجوع ونقص التغذية.

تعطي منظمة «الفاو» توقعات مذهلة لما سيحدث في عام 2050، عندما يبلغ عدد سكان العالم 9 مليارات، اذ يجب عندذاك ان يرتفع الانتاج الزراعي بنحو 70% عما عليه الآن.

ظهرت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي «الثورة الخضراء» التي رفعت الإنتاج الزراعي في آسيا وأميركا الجنوبية. وقد استعمل جزء من المزروعات في إنتاج الوقود الحيوي. ولكن هذا النجاح كان له تداعياته. اذ قطعت أعداد كبيرة من أشجار الغابات المطرية. وفي روسيا انخفض محصول الحبوب إلى النصف نتيجة الجفاف والحرارة وحرائق الغابات أيضاً. ويؤدي تغير المناخ في العالم إلى الجفاف كما حدث في روسيا وإلى الفيضانات كما حدث في باكستان. ويؤدي كل ذلك إلى حدوث النقص في الانتاج الزراعي والحيواني.

يقوم الخبراء الزراعيون حول العالم بجهود كبيرة جداً للتغلب على مشكلات الزراعة والغذاء، وفي ذلك يقول الخبير الألماني فرديرك برس هاور «إن ما نحتاجه إلى جانب انتاج الزراعات المعدلة جينياً هو إعلان «الثورة الخضراء» الثانية».

في مجال معالجة مشكلة الجوع لا بد من التطرق إلى بعض تجارب البلدان النامية والصاعدة اقتصادياً ومنها البرازيل والهند والصين. ففي البرازيل كان الرئيس لولا داسيلفا يعرف معنى ان ينام العامل جائعاً. وفي بداية ولايته الرئاسية كان ثلث سكان البرازيل والبالغ 178 مليوناً من الفقراء و11 مليوناً من الجائعين. اما الآن فهناك مطاعم شعبية حكومية تقدم الطعام مجاناً. كما ان الدولة تساعد المزارعين بقروض مناسبة.

هذا وقد رفع الحد الأدنى للأجور. كما ارتفعت معاشات التقاعد. وكانت العقدة الرئيسية في ذلك المشروع هي جملة «صفر جوع Forne zero. وقد تم تعديل توزيع الثروة الوطنية لمصلحة الفقراء. وتلقت 12 مليون عائلة مساعدات حكومية. كان النجاح هائلاً. وانتقل 20 مليون برازيلي من حالة الفقر المدقع إلى مستوى الطبقة الوسطى. لقد اتخذت الحكومة البرازيلية استراتيجية مزدوجة هي دعم الفقراء أولاً وزيادة الانتاج الزراعي. وكانت مشاركة صغار المزارعين 70% من ذلك الإنتاج.

تضمّ القارة الإفريقية العدد الأكبر من الجائعين في العالم. وتخصّص الحكومات هناك 10% من موازناتها للزراعة. ويعيش 70% من الأفارقة على الإنتاج الزراعي الذي ينتجونه بأنفسهم، ولكن كل ذلك لا يكفي.

يحتاج العالم إلى «ثورة خضراء» ثانية تكون أولى مهماتها إعداد المزارعين الصغار علمياً للحصول على الإنتاج الوفير من الغذاء. وبغير ذلك فإن أعداد الجائعين لن تنقص، بل ستزداد في السنوات المقبلة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ