ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 29/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

اين اختفى الإصلاح العربي؟

ميشيل كيلو

2010-12-27

القدس العربي

عقب فترة ازدهار وصعود عاشها مع مطالع الألفية الثالثة، تراجع مبدأ الإصلاح في كل مكان من عالمنا العربي، بعد أن كان حديث الساعة، وأدى إلى انتعاش ظرفي لآمال المصلحين الخائفين على العرب من سياسات نظمهم، وتحديات داخلية وخارجية استمرت طيلة نصف القرن المنصرم، وانتهت بالعرب إلى ما هم عليه من ضعف وفرقة وتنازع وضياع حقوق وأدوار.

ومن يتأمل حياتنا العربية اليوم، يظن انه لم يكن لمطلب الإصلاح نصيب من حاضرنا، وأننا نرتضي أمرنا القائم، الذي يشهد تراجعات يومية في ميادين شتى لطالما اعتبرنا النجاح فيها والتصدي الناجع لمشكلاتها معيار نهضتنا وجدارتنا بالانتماء إلى عصر يضج بصراعات وتطورات متنوعة، كانت شعوبنا خلال حقبة غير قصيرة بين أكثر من ناضلوا لجعله عصرا لها أيضا: يلبي مطالبها وطموحاتها وتحتل فيه ما هي جديرة باحتلاله من مكانة بين الشعوب.

تراجع مطلب الإصلاح، بعد تعرض حملته في كل مكان لاتهامات وملاحقات حولتهم من مواطنين يحرصون على أوطانهم وشعوبهم إلى أتباع لأعداء أمتهم، الراغبين في اختراقها من الداخل عبر مطلب الإصلاح الذي رفعوه، فلم يكن إذن غير مطلب حق في خدمة الباطل، وأداة لتفتيت وحدة وصمود العرب في وجه الغزاة.

بهذه الاتهامات المضحكة والملفقة، أرادت النظم العربية الإيحاء بأنها صامدة في وجه المخاطر، وأن حكوماتها ليست اختراقا خارجيا داخل بلدانها، وأن اختراق نظم العرب الصامدة محال دون تسريب فكرة الإصلاح إلى رؤوسهم ومطلبه إلى ألسنتهم.

تجاهلت التهم أن الأمة وبلدانها ضحايا اختراقات خارجية وداخلية مركبة ومتشعبة ومزمنة جدا، فهي ليست مرابطة بمطلب الإصلاح بل بواقع الضعف الذي أنزلته بها النظم الحاكمة، وبأنهما أشد ضعفا اليوم من أن تستطيع مد يدها لمساعدة الخارج ضد حكامها، خاصة وأن هؤلاء يحظون جميعهم بحمايته، فلا يمكن أن يبلغ غباء الشعب حدا يجعله يتجاهل هذه الحقيقة التي تفقأ العين، ويندفع إلى معركة لا مصلحة له فيها، ولا يقدر على خوضها نتيجة لما هو عليه من تهميش وسلبية وتفكك وضعف.

نجحت الحكومات في مقاومة مطلب الإصلاح، وعاقبت من طالبوا بضرورته بحجة مضحكة، هي أنها تريد تحقيق إصلاح كبير وحقيقي، ولكن في الوقت المناسب: عندما تتخلص من المخاطر الخارجية وتضمن بيئة وطنية تخلو من أي نفوذ أو وجود أجنبي وتآمر داخلي !. نحن نريد الإصلاح، قالت حكوماتنا يوميا بألف لسان، لكننا نريده وطنيا صرفا، وفي ظروف وشروط مختلفة عن الظروف والشروط الحالية، التي نتعرض فيها لهجمة خارجية شرسة، تجعل نجاحه مستحيلا، وتحوله إلى جزء من الهجمة الخارجية على أمتنا يضر بالوطن والمواطن بدل أن يفيدهما.

يتوقف تحقيق الإصلاح، في المنطق الرسمي، على صد الخطر الخارجي ودحره وعلى انتفاء أي نوع من المعارضة الداخلية.

فهل نجحت حكوماتنا في صد الخارج وردعه خلال السنوات العشرة الماضية، التي عطلت فيها الإصلاح ورفضته، أم شهدت هذه الفترة أحداثا جساما أهمها انهيار العراق واحتلاله؟ وهل تركزت جهودها على صد هذا الخطر، ونجحت في ذلك إلى حد يجعلها قادرة على الانتقال إلى تنفيذ وعد الإصلاح في بلدانها؟

يؤكد امتناع الحكومات عن الإصلاح خلال العقد الماضي أنها لم تكن صادقة في شيء مما قالته، وأنها لم تقم بأي أمر من شأنه إعداد الأجواء القومية والوطنية المناسبة لتحقيق أي نوع من الإصلاح: عاما كان أم جزئيا، يطاول الدولة والمجتمع والسلطة، أو فقط قطاعات محددة من الأولى . بسبب الامتناع عن الإصلاح، تدهور الواقع العربي تدهورا حثيثا، وغدا حالنا أكثر سوءا بكثير اليوم منه قبل عقد، رغم اللغة التي تحاول تسويق صورة زاهية عن أوضاعنا، متجاهلة أن أعدادا هائلة ومتزايدة من المواطنين تعيش في بؤس يستشري كل يوم، وتعاني الأمرين بسبب ما يشهده واقعها اليومي من تهتك وتراجع في سائر مجالاته، فضلا عن ما ينمو فيه من تناقضات وصراعات جديدة تقوض حياتها المادية والروحية وتدفعها إلى التطرف والجنون.

لم يتحقق الإصلاح، أو ما اعتبر شرطه اللازم: طرد الغزاة وقلب موازين القوى لصالح العرب في صراعهم ضد هؤلاء، ووقف التقهقر الداخلي الشامل .

وبما أن هناك علاقة سببية بين الإصلاح وبين حرية المواطن وحقوقه وقوة الوطن، فإن تفويت فرصة الإصلاح أضعفت العرب جميعهم، حكاما ومحكومين، وأعدتهم أكثر من أي وقت مضى للسقوط بين مخالب الأعداء الخارجيين والداخليين، الذين تمكنوا من التقدم على حساب تراجعنا وبؤسنا، إلا إذا اعتبرنا سقوط العراق بيد أمريكا والقوى الإقليمية نجاحا، ومثله انقسام العالم العربي بين طرفين وحلفين: واحد مع إيران وآخر ضدها، وواحد مع إسرائيل وآخر ضدها، ونشوب حروب بالجملة داخل البلدان العربية، وهجوم القوى الإقليمية على الرقعة العربية والتعامل معها وكأنها لقمة سائغة تبحث عن من يلتهمها، فضلا عن تنمر إسرائيل التي تهدد وتتوعد وتستعرض عضلاتها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فلا تجد حتى من ينظر إليها بغضب. من الطبيعي أن يصير الإصلاح، بفضل هذه ' النجاحات '، أمرا بعيد الاحتمال والمنال، وأن ينقلب المطالبون بتحقيقه إلى أعداء لنظم بلدانهم، يتم التعامل معهم بالقمع والعنف والسجون.

انقضى حين من الدهر اعتقد التقدمي العربي فيه أن الإصلاح أمر جزئي وبراني وتاليا مرفوض، وأنه عاجز في أكثر أشكاله تطورا وعمقا عن معالجة أمراض مجتمعاتنا الخطيرة، التي لا علاج لها غير الثورة: الفعل التغييري الشامل والجذري، الذي لن يبقى بعده عيب أو نقص في حياتها، فنحتاج إلى إصلاحه. ومر حين من الدهر كافحت معظم النظم العربية خلاله النزعات الثورية بموافقات كلامية متكررة على إصلاح يحسن جوانب من علاقاتها مع المجتمع والمواطنين، ويرمم بعض أبنيتها وأساليب عملها في ميدان السياسة والثروة. واليوم، صار الثوري يطالب بما كان يرفضه البارحة: الإصلاح. بينما أخذت النظم ترفض السياسات الإصلاحية، التي كانت تعتبرها سلاحا إنقاذيا يحميها من الثورة والثوريين. والعجيب أن هذا يحدث رغم اعتراف أرباب النظم بعيوب الواقع الذي أقاموه وبنواقصه المزرية، ورغم إقرار الثوريين أن الإصلاح هو سقف مطالبهم وليس مطلبا التفافيا أو احتياليا يستهدف خلخلة الأمر القائم، وبأنهم يقبلون التعاون مع السلطة الحاكمة بل ويعلنون استعدادهم لان يروا فيها أداة للإصلاح، بما أن التخلص منها مطلب صعب المنال، وتحقيق الإصلاح ضد إرادتها ضرب من المحال!.

سقط مطلب الإصلاح، وسقطت سياساته وقواه في شبكة احتجاز عام وشامل. ومن يستمع اليوم إلى محطة تلفاز رسمي أو يقرأ صحف أي نظام من الأنظمة، يضع يده على محاولات تريد إيهامه أن الحكام يصدقون ما يقوله إعلامهم حول سلامة أوضاع بلدانهم، ويقاوم الميل إلى تكذيب نفسه والاقتناع بأن أوضاع بلده لا تحتاج إلى إصلاح أو ترميم، مع أنه يعاني شخصيا الأمرين كي يدبر لقمة عياله، ويبذل جهودا يائسة من أجل الخروج من حطام حياته، ويكاد يلفظ يوميا أنفاسه الأخيرة في الركض وراء الرغيف الحاف!.

والآن، وقد صار المواطن العربي عاجزا حتى عن مجرد المطالبة بالإصلاح، وصارت حكوماته معادية إلى درجة القتل حتى لكلمة الإصلاح، فإن شيئا لن يوقف تدهور العرب وتهافت أوضاعهم، ولن يحول بينهم وبين أن يستوطن اليأس في نفوسهم، في حين يتفرجون مكتوفي الأيدي على وطنهم وهو يخسر معاركه الصغيرة والجزئية واحدة بعد أخرى، بعد أن خسر معركته الكبرى: معركة الانتماء إلى العصر عبر التغيير الديمقراطي والوحدة القومية.

لا أتذكر اسم من قال: الإصلاح هو ردم الهوة بين الفكرة والواقع. هل يمكن أن يتحقق عندنا إصلاح ترفض الحكومات قبوله حتى كفكرة، لأنها عاجزة ببساطة عن الخروج من مواقعها الحالية، التي تخشى إن هي غادرتها أن تنهار أوضاعها وتختفي سلطتها؟. وهل يمكن أن يصلح واقع تنزهه عن العيب أو النقص قوى أقامته ودأبت على الدفاع باستماتة عنه، بينما المجتمعات العربية ضعيفة حيال حكامها، والقوى القليلة المطالبة بالإصلاح عاجزة عن ممارسة أي ضغط أو تأثير فعال، تحت في الشارع أو فوق عند لسلطة؟

مجتمعات ضعيفة تحتاج إلى الإصلاح وتريده، ودول عاجزة ترفضه وتراوغ من يطالبون بإنجازه أو تقمعهم. ترى، من الذي سيحقق إصلاحا يحتاج إلى معجزة، في زمن أعظم معجزاته أن العرب ما زالوا أحياء!

' كاتب وسياسي من سورية

===================

ذكرى العدوان الصهيوني على غزة ..النتائج والتداعيات

فؤاد دبور

الدستور

28-12-2010

امس صادفت ذكرى العدوان الصهيوني الدموي حيث تعرض شعبنا في قطاع غزة إلى حرب وحشية قذرة شكلت حلقة إرهاب فظيعة في السلسلة الطويلة المتصلة من الهجمات والاعتداءات والحملات والحروب الصهيونية التي استهدفت إبادة شعبنا الفلسطيني والشعب العربي في أقطار عربية أخرى وقد واجه شعبنا العدوان بشجاعة ومقاومة باسلة أفشلت أهداف العدوان الصهيوني العسكرية والسياسية ولم تنجح الا بانزال الدمار والخراب في القطاع مثلما ألحقت خسائر باهظة بالأرواح جراء عمليات القتل والاغتيال والذي طال الآلاف من أبناء شعبنا شيوخا ونساء وأطفالا وفرضت حصارا ظالما مشددا حرم اهل القطاع من ابسط مقومات الحياة الضرورية. وقد شهد العالم اجمع هجمة الصهاينة وعدوانيتهم وعنصريتهم وأحقادهم على الأخر ، حيث ارتكب جيش العدو مجازر وجرائم وحشية ضد الإنسان والبنيان والمؤسسات المدنية والدينية والصحية والبنية الاقتصادية حيث طالت المساجد والمدارس والمستشفيات ومصادر المياه والكهرباء والطاقة بكل أشكالها. لقد كانت الحرب ، حربا شرسة استخدمت فيها قوات العدو الصهيوني كل ما تحتويه ترسانتها الحربية من احدث الأسلحة المتطورة واسلحة محظورة دوليا وأخرى فتاكة تستخدم لأول مرة ما جعل العالم الحر يجمع على ان هذه الحرب مجنونة لا يقوم بها الا من فقدوا عقولهم ومشاعرهم وأحاسيسهم الإنسانية وهي بالتأكيد غير موجودة عند الصهاينة الذين امتهنوا القتل والإجرام الذي يشكل يدلل وبالأدلة الواضحة على جوهرهم وطبيعتهم كما أثبتت وبشكل قاطع على معاداة هؤلاء القتلة المجرمين "للسلام" والذي هو بالنسبة إليهم مجرد غطاء يحتاجونه لاستكمال مشروعهم الاستعماري الاستيطاني التوسعي الاحلالي.

 

وقد اتخذت الحرب الصهيونية العدوانية على القطاع أشكالا متعددة عدا عن العدوان الجوي والبري والبحري تمثلت في التصفيات الجسدية المتعمدة للمواطنين بشكل عام واغتيال عدد من قادة فلسطين بشكل خاص ، كما فرضت حصارا شديدا حيث اغلقت المنافذ والمعابر المؤدية إلى القطاع ومنعت وصول ما يحتاجه الإنسان لحياته من مواد غذائية وأدوية ما يشكل انتهاكا مريعا لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية ومواثيقها. وقد اثارت هذه الممارسات الوحشية غير المسبوقة ضد الإنسان ردود فعل عنيفة عند أصحاب الضمائر الحرة على امتداد العالم وحركت الرأي العام الذي تفاعل مع قضية الشعب العربي ومعاناته تحت الاحتلال ولا سيما بعد ان شاهدوا حجم الكارثة التي اصابت شعبنا في قطاع غزة ، وهذا ما دفع المجتمع الدولي إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية قدمت تقريرا إلى المحكمة الجنائية الدولية حملت فيه قيادات العدو الصهيوني مسؤولية جنائية عن أعمال القتل العمد وارتكاب المجازر وجرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد الإنسان.

 

مثلما تداعت العديد من المنظمات الإنسانية والشخصيات الحرة من العديد من دول العالم لتقديم الدعم المادي والمعنوي وكسر الحصار على القطاع عبر قوافل وأساطيل تحمل المواد الغذائية والأدوية والحاجات الضرورية اللازمة لحياة الإنسان وهذا دفع الصهاينة إلى التحرك ضد هذه القوافل وكان أبشعها وأكثرها دموية الهجوم الوحشي على أسطول الحرية الذي ضم مواطنين من (32) دولة وقد اسفر هذا العدوان على سفينة مرمرة التركية وفي أعالي البحار الخاضعة لحماية القانون الدولي عن استشهاد تسعة مواطنين أتراك وجرح عدد آخر ما ادى إلى ردود فعل عالمية تشجب وتدين الإرهاب الصهيوني مثلما ادى إلى توتر العلاقات إلى درجة كبيرة بين الحكومة التركية والكيان الصهيوني ومما يعتبر خسارة سياسية تلحق بالعدو الصهيوني نظرا لدور تركيا في المنطقة والعالم ، كما اظهر هذا العدوان الصهاينة حقيقته الإجرامية العنصرية ودل على أحقادهم على الاغيار ، كما شجع هذا العمل الإجرامي العديد من أحرار العالم على تنظيم قوافل وأساطيل تهدف إلى كسر الحصار الظالم المفروض على القطاع من اجل تقديم الحد الأدنى مما يلزم المواطنين هناك من جهة وفي تحد واضح لقادة العدو الصهيوني من جهة أخرى. سيما وان هذا الحصار قد اسفر عن وفاة مئات المواطنين بسبب نقص الماء والغذاء والدواء كما وضع القطاع في قبضة براثن الفقر والجوع والحرمان والبطالة وتفشي الأوبئة والأمراض ويتذرع الصهاينة بأن حصارهم إنما يستهدف منع وصول السلاح إلى قطاع غزة والحقيقة انه يستهدف كسر إرادة الشعب وصموده ومقاومته وإخضاعه للقبول بما يسمى بالمفاوضات مع العدو الصهيوني التي ثبت وبشكل واضح انها مجرد مناورة صهيونية أمريكية تصب في مصلحة الكيان الصهيوني وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التوسع في الاستيطان وفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين المتمثل بتهويد الأرض الفلسطينية بعامة ومدينة القدس العربية الإسلامية بشكل خاص.

 

بمعنى ان الحصار الصهيوني على القطاع حصار سياسي قبل ان يكون حصارا امنيا ، ومن جملة أهدافه إدامة الانقسام بين الضفة والقطاع ومعاقبة المقاومة الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني على صموده ومقاومته وتمسكه بثوابته الوطنية وعدم خضوعه للشروط الصهيونية.

 

ونستطيع التأكيد على فشل العدو الصهيوني حيث فشل في تحقيق أهدافه من الحصار مثلما فشل في تحقيق أهدافه السياسية والأمنية من الحرب العدوانية بل شكل مأزقا سياسيا للعدو أمام شعوب العالم ، في الوقت الذي رفع ثقة الشعب العربي الفلسطيني بنفسه وبقدراته على التحدي والصمود وكسر الحصار باجتراح الطرق والوسائل اللازمة كما كانت للعدوان والحصار تداعيات على الكيان الصهيوني دوليا وداخليا من اهمها فضح عدوانيته وتأليب الرأي العام العالمي ضده وتوتير علاقاته بالعديد من دول العالم وبخاصة بعد عدوانه القذر على أسطول الحرية الذي شكل قرصنة صهيونية واضحة واعتداء على القانون وحرية الإنسان.

 

وبهذه المناسبة ، مناسبة العدوان فإننا نتوقف أمام نوايا الصهاينة بارتكاب عدوان جديد بدأت ملامحه تتجلى بوضوح حيث قامت حكومة الإرهابي نتنياهو برفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي على القطاع بذريعة إطلاق صواريخ وقذائف ضد مستعمرات العدو وتجمعاته العسكرية وذلك من اجل توفير غطاء لشن عدوان واسع على القطاع كما يشكل تكثيف الغارات الجوية على العديد من مدن القطاع مؤشرا آخر مثلما تشكل تصريحات القادة العسكريين والسياسيين حول الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة حيث يصف هؤلاء الوضع بأنه هش وقابل للانفجار إضافة الى أن الادعاء الكاذب بدخول خبراء عسكريين من إيران وسورية إلى القطاع لتدريب عناصر المقاومة يعتبر مؤشرا خطيرا ودليلا على النوايا العدوانية لحكومة نتنياهو بالإقدام على شن حرب ضد القطاع.

 

ويتوجب على العرب للرد على نوايا العدو والاعتداءات اليومية المتواصلة على القطاع بذل الجهود من اجل رفع الحصار عن القطاع ودعم صمود ومقاومة شعبه وتصديه للإرهاب والعدوان الصهيوني ويأتي في مقدمة الرد على الصهاينة توحيد شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع على قاعدة برنامج وطني ودعم العرب كل العرب لصمود الشعب ومقاومته ووقف الرهان على المبادرات الأمريكية التي لا تخدم إلا العدو الصهيوني.

===================

غزة على صفيح محرقة جديدة في الافق

نواف الزرو

الدستور

28-12-2010

الاجواء الحربية العدوانية التي تنتجها آلة الاعلام الاسرائيلية في هذه الايام ، انما تعيد الى الذاكرة بسرعة هائلة اجواء ومناخات ذلك العدوان الذي شنته "اسرائيل" ضد غزة واهلها قبل عامين ، فما اقترفته آلة الحرب الاسرائيلية في غزة ارتقي الى مستوى زلزالي اهتزت له ارجاء العالم ، فكافة مفردات المحرقة  الكارثة مهما بلغت درجات ومقاييس وشدة وقعها لن يكون بمقدورها أن تعبر تعبيرا حقيقيا عن قسوة المحرقة ، ولن يكون بمقدورها ان تختصر ما جرى بعبارات الالم والمأساة والوجع الكبير. فالمحرقة كانت تبث من هناك.. من كل مدينة وبلدة وقرية فلسطينية في القطاع بالبث الحي والمباشر..،.

ومشاهد وصور جثث الاطفال والنساء والشيوخ والشبان الفلسطينيين المحترقين بالفوسفور ، وعملية تدميرالمدارس والجامعات ومؤسسات الاونروا والجوامع والمباني العامة المدمرة تدميرا شاملا الاسرائيلي دوت في انحاء العالم...،

الجميع شاهدها وتابعها بمنتهى الذهول والاستنكار..،.

والعناوين الكبيرة التي تسيدت المشهد الفلسطيني كانت مرعبة:

- دمار وخراب ومحارق لا توصف وأحزان لا يمحوها مرور الايام...،

- اشلاء متناثرة.. دماء.. أجساد مقطعة وأخرى متفحمة.. وجدران مهدمة.. أصوات صراخ.. هكذا بدا المشهد داخل ومحيط مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا بعد أن قصفتها الطائرات الحربية الإسرائيلية بالصواريخ ".

- إسرائيل تحول غزة مسرحا للأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا".

- قنابل الإبادة الجينية تستخدم في المحرقة...

الامم المتحدة كانت متفرجة ولم تستحضر مواثيقها وقوانينها وادبياتها الاخلاقية الانسانية لوقف المحرقة..،.

كما لم تتحرك قبل او بعد المحرقة..،.

وفي اعقاب ذلك ، وعلى نحو غير متوقع من جهتهم ، يأتي "تقرير غولدستون" رئيس اللجنة الاممية ليتحدث عن جرائم حرب وجرائم اسرائيلية ضد الانسانية...،

وليفتح ملفا بالفواتير والاستحقاقات التي يتوجب على تلك الدولة المجرمة ان تدفعها مركبة ، وهي كثيرة متراكمة عاجلة لا تموت مع التقادم...،

هكذا كان وما يزال المشهد في قطاع غزة ، واليوم ، يعود جنرالات الاحتلال بعد عامين على تلك المحرقة ليهددوا ويتوعدوا بعدوان جديد وبمحرقة جديدة اشد شراسة من الاولى ، لتصبح غزة ثانية على صفيح محرقة جديدة في الافق...،

يتمنون ابتلاع غزة

اهل غزة ورفح وخانيونس وبيت حانون ودير البلح وبيت لاهيا وعبسان الكبيرة والصغيرة وكل مخيمات اللجوء في القطاع لم يعرفوا سوى الصمود والمقاومة.. والتضحيات الكبيرة المستمرة بغية دحر الاحتلال والاستقلال.

والذاكرة الوطنية لاهل غزة لا تعي سوى الاحتلال والانتفاضة والمقاومة.

يعترف شارون وجنرالات الاحتلال بهذه الحقيقة الكبيرة الصارخة رغما عن انوفهم.. فلولا الانتفاضة والضربات المؤلمة للمقاومة.. ولولا نجاح اهل القطاع من اقصاه الى اقصاه بتحويل مشروع الاحتلال الى مشروع خاسر بالكامل ، لما طأطأ شارون رأسه وهامته معترفا بصورة غير مباشرة بأن "مشروع الاستيطان فشل في غزة.. وانه لا امل في ان يتحول اليهود الى غالبية في تلك المنطقة".

يقول شارون في لقاء اجرته معه صحيفة يديعوت احرونوت العبرية: "ان غزة ليست واردة في اي خطة اسرائيلية ولم نخطط ابدا للبقاء فيها".

وكان ديفيد بن غوريون مؤسس دولتهم يخشى من اجتياح القطاع عام 1948 ، بينما تمنى اسحق رابين ان يستفيق ذات صباح ليرى"غزة وقد ابتلعها البحر" ، "فقطاع غزة يشكل كابوسا ل"لإسرائيليين" ، يصل الى حد انهم يقولون بالعبرية "ليخ لغزة" (أي اذهب الى غزة) عندما يريدون القول "اذهب الى الجحيم".

بن غوريون الذي رفض غزو غزة خلال الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى أطلق كذلك فكرة "نقل الإشراف على قطاع غزة من مصر الى الأردن" ، لكن هذه الخطة لم يكتب لها النجاح...،.

ويقول الباحث عكيفا الدار "الوحيد الذي كان رفض التخلي عن القطاع هو رئيس الوزراء مناحيم بيغن 1977( - )1983 الذي لم يدرك أن مسألة اللاجئين ستتحول كابوسا ل"إسرائيل" رافضا التخلي عن القطاع لمصر ، بغية إقامة مستوطنات جديدة فيها".

وقد اندلعت الانتفاضة الأولى في كانون الاول  ديسمبر 1987 في مخيم جباليا للاجئين ، وبعد شهر على اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول  سبتمبر ، 2000 بدأ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه "إسرائيل".

رئيس اركان جيش الاحتلال الاسبق الجنرال موشيه يعلون اعلن قائلا: "ان حربنا مع الفلسطينيين صعبة ومعقدة وليس فيها ضربة قاضية".

جنرال فك الارتباط

الجنرال "عيبال جلعادي" احد الآباء المؤسسين ل "فك الارتباط" رئيس وحدة التخطيط الاستراتيجي في شعبة التخطيط في الاركان العسكرية الاسرائيلية اعترف في لقاء صريح له مع صحيفة معاريف وبمنتهى الوضوح قائلا: "رغم كل القدرات الاسرائيلية والافضلية العسكرية على الفلسطينيين بكل المقاييس والقدرات الاقتصادية والسياسية والدولية.. رغم كل ذلك لم نتمكن من اخضاع الفلسطينيين".

ويكشف "جلعاد" النقاب عن "ان شارون كان قد اقترح الانسحاب من غزة عام 1988 - في اعقاب الانتفاضة الاولى - ثم عاد وطرح الفكرة نفسها عام 1992 - في اعقاب تفاقم الوضع الاسرائيلي في كل المجالات - واخيرا رأى شارون - في اعقاب الانتفاضة الثانية  2000 - ان الوقت قد حان للانسحاب من غزة".

مؤيدو "فك الارتباط" يعترفون بدورهم "ان للمقاومة الفلسطينية تأثير كبير على اتخاذ القرار بالانسحاب واخلاء المستوطنات بينما يقول معارضو الخطة: "ان خطة شارون هي استسلام للارهاب - الانتفاضة والمقاومة ".

الانتصار في الوعي الفلسطيني

الكاتب الاسرائيلي المعروف "عوزي بنزيمان" يكثف هذه المعطيات والاعترافات الاسرائيلية بفعل صمود ومقاومة اهل غزة في مقالة نشرتها صحيفة هآرتس تحت عنوان "نعتذر عن الهزيمة" قائلا: "ان الجولة الاخيرة في الصراع - المواجهات - كوت الوعي الفلسطيني بفكرة الانتصار ودفعت الاسرائييلين الى ادراك قصور قوتهم ومحدوديتها.. وبكلمات اخرى: "للانتفاضة الفلسطينية المسلحة تأثير حقيقي على قرار الانسحاب ، وبينما يصر القادة الاسرائيليون على الادعاء بأن اسرائيل قد انتصرت على الفلسطينيين ، الا ان الحقائق تشير الى عكس ذلك.. فكل المساحيق لن تغطي ندوب الواقع: فحرب العصابات الفلسطينية تدفع اسرائيل الى جر ذيولها من كل قطاع غزة ، والجيش الاسرائيلي العظيم وباقي الاذرع الامنية المتطورة لم ينجحوا في تركيع الانتفاضة.. وقد توصلت اسرائيل الى هذه النتيجة مؤخرا..".

غزة - المحرقة والصمود  2008 - 2009

وفي غزة هاشم - استخدمت دولة الاحتلال في عدوانها الاخير عليها ما اطلق عليه لديهم"استراتيجية الضاحية" ، - اي التدمير الشامل ومحو البنية التحتية وما فوق الارض عن وجه الارض ، على نمط "ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت في صيف  2006"، فلذلك ما ظهر بعد "وقف اطلاق النار احادي الجانب - في غزة" ان هناك"أحياء كاملة مدمرة محيت عن وجه الارض على نحو وصفه شهود عيان انه لا يصدق ابدا... ،"، احصائيا وصل عدد المباني التي دمرت الى نحو 25 الف مبنى منها نحو خمسة آلاف دمرت تدميرا كليا...،.

كما استخدم الاحتلال سياسة"الابادة والمجازر الجماعية البشعة التي ارتقت الى مستوى ما بعد الجريمة ...والى مستوى المحرقة الحقيقية" ، فكان هناك" آلاف الشهداء والجرحى نحو نصفهم من الاطفال والنساء -

لنتابع بالتالي حصاد الشهداء والجرحى جراء تلك الحرب التي تجاوزت كل الحدود ، وخاصة من الاطفال والنساء والمسنين ، وكذلك على مستوى الدمار والخراب الذي اصاب القطاع ، ففيما يلي اهم المعطيات المنشورة حتى صباح الثلاثاء  2009  1  21:

1350 شهيدا

5500 جريح نصفهم من الاطفال والنساء  1755 طفلا 178و امرأة.

437 شهيدا من الاطفال.

122 شهيدة فلسطينية

123 شهيدا من المسنين .

 16شهيدا من رجال الاسعاف.

5 صحافيين واعلاميين.

5 اجانب.

- نحو 400 في حالة خطرة جدا.

الى ذلك فقد تم "قنص وجرح 51 من الطواقم الطبية ، فضلاً عن قصف 11 عربة إسعاف ، وكل هذا تحت مسمى حركي هو القضاء على المقار العسكرية والبنية التحتية لحماس - ".

وكشف تقريرل"أطباء لحقوق الإنسان" النقاب عن"استشهاد 16من الطواقم الطبية وأصابة 25 آخرين ، وتعرض 34 مركزا طبيا للأذى من بينها ثماني مستشفيات 26و عيادة للعلاجات الأولية. ويقول التقرير أن ذلك "يتناقض مع تعليمات القانون الدولي والتي تمنع المس بالمراكز والطواقم الطبية خلال الحرب".

قطاع غزة منطقة منكوبة من كافة النواحي

كما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن قطاع غزة بات "منطقة منكوبة" من النواحي الإنسانية والاقتصادية والصحية والاجتماعية جراء العملية العسكرية الإسرائيلية التي استمرت 23 يوما" ، وقال الجهاز في تقرير له"إن العدوان الإسرائيلي أدى إلى تدمير البنية التحتية لقطاعات الخدمة العامة وتدمير مباني المؤسسات العامة والجمعيات والممتلكات الخاصة ، حتى أنها وصلت إلى المؤسسات الصحية والتعليمية والرياضية ومباني وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) ، كما أدى إلى شلل كامل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية -"، وذكر التقرير في تقديرات أولية لحجم الدمار في قطاع غزة ان أكثر من 22 ألف مبنى تعرض للدمار الجزئي أو الكلي" وأوضح "أن عدد المنازل السكنية المدمرة يقدر بحوالي 4100 بشكل كلي 17000و بشكل جزئي ، وأن إجمالي الخسائر الاقتصادية المباشرة في المباني والبنية التحتية وخسائر الاقتصاد الوطني في قطاع غزة بلغت أكثر من مليار وتسعمئة مليون دولار -"، وأضاف "أن العدوان شمل البشر والحجر والقطاعات الاقتصادية وجميع الفعاليات العامة والممتلكات الخاصة ، وقد تم حصر الخسائر في ثلاثة قطاعات رئيسية هي البنية التحتية والمباني ، والأنشطة الاقتصادية ، والخسائر البشرية ".

قصف وتدمير 67 مدرسة 41و مسجدا

وأكد مركز لميزان لحقوق الانسان من جهة ثانية "إن سبعة وستين مدرسة على الأقل من بينها (36) مدرسة تابعة لوكالة الغوث الدولية "الأونروا" تعرضت للقصف والاستهداف من قبل قوات الاحتلال خلال ثلاثة أسابيع من عمليات التطهير العرقي التي نفذتها ، واسفرت "استراتيجية الضاحية" عن تدمير 41 مسجدا بالكامل 25و من المدارس والجامعات والمستشفيات ، 31و مقرات أمنية ومجمع للوزارات 16و مبني وزارات وجسرين وخمسة مقرات بلديات وهيئات محلية وملاعب  سما 24  1  2009 ، واكدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة :"بأن هذه المساجد تتوزع هذه المساجد على النحو التالي: (16) في غزة ، و(2) في الوسطى ، و (2) في خان يونس ، و (19) في الشمال ، و(2) في رفح ، موضحة أن (51) مسجداً دمر تدميراً جزئياً بدرجات متفاوتة ، وبعضها لا يمكن اقامة الصلاة فيه ، مشيرة الى انه تم قصف بعض المساجد اثناء تواجد المصلين داخلها أو على أبوابها - المصدر نفسه" ، كما أعلنت الوزارة المقالة "انه تم قصف (5) مقابر ، (3) في غزة ، وواحدة في خان يونس ، وأخرى في الشمال ، حيث وتطايرت جثث الأموات من جراء القصف".

واكدت الوزارة :"إن تدمير المساجد سياسة منهجية للاحتلال ، وان تدمير المساجد ودور العبادة مخالف للشرائع السماوية والمبادئ الإنسانية والقانون الدولي ، ويكشف عن الوجه الحقيقي للاحتلال اتجاه قضية الصراع ، فهو يقوم بحرب دينية على الإسلام والمسلمين" ، موضحة" إن استهداف المساجد يمثل استهدافاً لدورها في التربية الإيمانية والأخلاقية والجهادية لأجيال المسلمين وخاصة أبناء الشعب الفلسطيني المسلم ، فهذه المساجد خرجت آلاف الحفظة لكتاب الله في أقل من عام -"، وقالت "إن دعوى الاحتلال تخزين السلاح في المساجد دعوة كاذبة -"، متسائلة "فأين السلاح الذي يزعمون؟ إنهم يقصفون كل شيء ، المساجد والمنازل والمراكز الصحية والمدارس والمؤسسات الحكومية ، بدعوى السلاح، وهل يا ترى ضاقت الأرض بفصائل المقاومة حتى لم تجد مكاناً سوى المساجد لتخزين السلاح ؟ وهل تصلح المساجد لتخزين السلاح ويدخلها عامة الناس من المصلين؟ - ".

العدوان الإسرائيلي يجهز على البنية الصناعية

الى كل ذلك - لم تترك الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شيئا إلا أتت عليه ، لتضيف عبئا جديدا على الاقتصاد الفلسطيني المصاب بالشلل بعد أكثر من عامين بسبب الحصار ، والزائر لما كان يعرف بالمنطقة الصناعية الممتدة على طول حدود شرق مدن وبلدات شمال القطاع ، يدرك حجم الإصرارالإسرائيلي الواضح على شطب وإزالة كافة المصانع والمخازن الإستراتيجية التي تمد سكان غزة والضفة بالكثير من الاحتياجات والمستلزمات التي استغنى أهل غزة على مدار السنوات ال15 الماضية عن استيرادها من إسرائيل أو الخارج ، كما ان حملة التخريب أو التطهير على حد وصف أصحاب تلك المصانع لم تدع داخل أو خارج أو حول تلك المصانع شيئاً مهما كان صغيراً ، إلا وأتت عليه ولم تبق ولم تذر منه شيئاً" ، و"المصانع التي عجزت عن تدميرها الجرافات الإسرائيلية ، أوكلت مهمة تفجيرها للدبابات ، وما لم تنل منها الدبابات ترك العنان للمقاتلات لتفعل فيها فعلها ، لتكون المحصلة النهائية اختفاء معالم تلك المصانع التي تعذر على أصحابها معرفة أماكن تناثر أشلائها" ، وإلي جانب تدمير مصانع النسيج والدباغة والأثاث والمشروبات الخفيفة وتجهيزات شبكات الكهرباء والهاتف ، امتدت يد الاحتلال لتنال من مخازن الحبوب والبقوليات والمواد الغذائية ومستودعات الأدوية ومصانع الباطون وغيرها.

ويسود الانطباع بين أوساط أصحاب المصانع والشركات التي دمرها الاحتلال" أن تل أبيب كانت خلال حربها على غزة شديدة الإصرار على اجتثاث البنية التحية الاقتصادية من جذورها ، والدفع باتجاه تحول سكان غزة صوب الاعتماد على الصناعات الإسرائيلية".

الى كل ذلك ، كان هناك ان"اطلقت قوات الاحتلال الكلاب لنهش جثث الشهداء"، وكان هناك" عشرات العائلات المحتجزة في غرف صغيرة داخل المنازل"و كان هناك"الموت يترصد المواطنين في كل زاوية"، وكذلك كان هناك ان"فلسطين تشهد اضخم واخطر عدوان حربي مجازري و أطول حصار في تاريخ الصراعات"، وكان هناك ان" بلدوزرات الاحتلال اخذت تعمل على إعادة رسم خريطة فلسطين من جديد ".

الى ذلك - فان هدير الطائرات والدبابات والجرافات على امتداد مساحة القطاع لم يتوقف عن أهلها أبداً ..

وعربدة الوحدات الخاصة وأصوات التفجيرات الإرهابية المبيتة وصواريخ المروحيات والاغتيالات باتت تطغي على كل شيء فيها .

تشومسكي عاجز عن الوصف

وصف"ناعوم تشومسكي" عالم اللغويات والمفكر اليهودي الأمريكي الشهير "محرقة غزة" قائلا:

"بشاعة العدوان الإسرائيلي على غزة جعلت لساني عاجزا عن وصف دقيق لما يحدث هناك.. بحثت في القاموس عن لفظة تجسد هول ما يحدث ، فلم أجد.. حتى مفردة (الإرهاب) أو (العدوان) غير معبرة عن حقيقة المأساة".

لقد اثقلت مشاهد القتل الجماعي والتدمير المروع التي ألحقتها آلة الحرب التدميرية الإسرائيلية مجددا الذاكرة الوطنية الفلسطينية ...

لقد اراد منفذوا عملية "الرصاص المصهور" حسب الباحث ميرون بنفنستي في هآرتس 22  1  2009

 ان يميزوها بتعريفين متناقضين: "رب البيت جن" ويرد بوحشية مجنونة ، و"غضب مضبوط" ايضا ، اي عملية عقلانية ترمي الى الردع ، ولكن ينبغي ان نضيف الى هذين التعريفين تعريفا اخر وهو انها رد غريزي مكرر من جماعة مهاجرين مغتصبة" ، ويوضح بنفنستي هذا البعد قائلا:"لقد كتب ديفيد دي ، وهو احد ابرز الباحثين في مسارات سيطرة مجتمعات المهاجرين على مجتمعات ابناء البلاد: "الرد الوحشي على كل علامة انتفاضة من قبل الشعوب من ابناء البلاد يرمي الى ان يسم وعي المحتلين والواقعين تحت الاحتلال بنطاق ومحدودية الاحتلال وعدم بقاء استمرار المقاومة ، بالرغم من ان هذه الوحشية قد تقوض المطلب الاخلاقي للمجتمع المغتصب للسيطرة على المنطقة التي احتلها" ، مردفا:"اجل توجد امثلة تاريخية كثيرة تبين كيف استعملوا مقاومة ابناء البلاد العنيفة لاغتصاب ارضهم لتسويغ رد عسكري غير متناسب ، يرمي تحت غطاء "محاربة الارهاب" الى تحطيم معنوياتهم وسلب اراضيهم. تنبعث رائحة شديدة للعفن الاستعماري من العملية الغزية وعمليات مشابهة تمت في الماضي".

ويرد الدكتور محمد الهندي احد قادة الجهاد الاسلامي على ذلك قائلا:"ان هذه منطقة فيها ثقافة وحضارة عريقة شهدت غزوات واجتياحات مختلفة عبر التاريخ ولم يكن أمام هذه الغزوات إلاّ أن تذوب أو ترتد ، وإذا لم تعترف إسرائيل بحقوق شعبنا فإن المنطقة ستشهد مزيداً من العنف ، وفي النهاية فإن قوانين التاريخ والديمغرافيا ستفرض نفسها على الجميع".

توم سيغف وتلقين الفلسطينيين درسا

الباحث الفلسطيني أنطوان شلحت يؤكد في سياق قراءة له نشرت على موقع عرب  48 يوم

 19  01  2009 قائلا:"ما من شكّ في أن "تلقين الفلسطينيين درسًا" هو "مبدأ أصيل" في الفكر الإسرائيلي المؤدلج بالصهيونية ، ينمّ عن عقلية كولونيالية راسخة" ، وبحسب ما يؤكد الصحافي والمؤرخ الإسرائيلي الجديد توم سيغف ، الذي كان واحدًا من الأصوات الإسرائيلية القليلة التي سمّت الأشياء بأسمائها الحقيقية ، فور أن بدأت المدافع دويّها" ، فقد كتب في زاويته الأسبوعية في صحيفة "هآرتس" ، 28 كانون الأول  ديسمبر 2008 ، يقول: إسرائيل تسدّد الضربات إلى الفلسطينيين من أجل "أن تلقنهم درسًا" ، وهذه هي إحدى الفرضيات الأساسية ، التي ترافق المشروع الصهيوني منذ بدايته ، فنحن - اليهود - مندوبو التقدّم والحضارة ، الحنكة العقلانية والأخلاق ، والعرب هم رعاع بدائيون ذوو نزعات عنيفة وهوجاء ، جهلة لا بُدّ من تربيتهم وتعليمهم الفهم الصحيح بطريقة "العصا والجزرة" ، على غرار ما يفعل المكاريّ مع حماره". ويضيف شلحت:"يفترض بقصف غزة أن "يقضي على سلطة حماس" ، وفقًا لفرضية أخرى ترافق الحركة الصهيونية منذ تأسيسها ، وبموجبها في الوسع أن نفرض على الفلسطينيين قيادة "معتدلة" تتنازل عن تطلعاتهم القومية".

يغطون المجزرة بمجزرة أفظع

ولذلك تدحرجت "المحرقة" وتصاعد لهيبها واخذ جنرالات الاحتلال يستخدمون المزيد والمزيد من القوة الابادية التدميرية ، واخذوا "يغطون المجزرة بمجزرة أفظع ، ويقابلون شجاعة أبنائنا المقاتلين ، بالمزيد من إبادة الأبرياء ، وبات الموت فائضاً يتجاوز قدرة من يراقبون من بعيد ، على الاحتمال والتماسك ، فالمدمنون على الجريمة لا يعرفون متى يتوقفون ، إن كانوا من الخاسرين أو كانوا من الرابحين ، فهم يرون في صمود الفلسطينيين ، وفي عدم رفعهم للرايات البيضاء ، مدعاة لنيران أعتى ، بصرف النظر عن الضحايا من الأبرياء  اقتباس عن الحياة الجديدة الفلسطينية  2009  1  17".

المحرقة والبطولة الفلسطينية

اذن - هي مشاهد وحكايات وجراح قديمة - جديدة - متجددة تنطق بها الاحياء والبيوت المهدمة والقبور الجماعية ... كلها تتراكم وتتقافز على أرض قطاع فلسطين لتحكي لنا قصة فلسطين من بدايات الصراع والنكبة الأولى مرورا بالفصول والمراحل المختلفة على مدى العقود الماضية من عمر القضية ، وصولا إلى حرب الاجتياحات المفتوحة عبر حملة"السور الواقي"حتى الإبادة السياسية كما يخططون ويبيتون ، وليس انتهاءا ب"محرقة غزة" الاخيرة...،

في مواجهة كل تلك العناوين التي تجمع كلها على اننا في مواجهة اعتى واقسى وابشع حرب عدوانية ، وامام جرائم حرب هي الابشع حتى الآن التي تقترفها دولة الاحتلال ، وفي مواجهة كمائن الموت اليومي التي نصبتها وما تزال تنصبها قوات الاحتلال لنساء وأطفال وشيوخ أهلنا هناك أيضاً نتابع:

كان هناك "قرار وارادة التصدي" و" روحية الصمود والإباء والكبرياء والبقاء" ، و" إرادة الحياة في مواجهة الموت"، و" كسر الحصار والإصرار على البقاء"، و كان هناك" الأطفال والنساء والشيوخ الذين يتحدون الصواريخ و الرصاص والدبابات"..،

إنها قصة الكارثة  المحرقة - والبطولة الفلسطينية تتفاعل في قلب مدن وقرى ومخيمات القطاع ، وعلى امتداد مساحة فلسطين التاريخ والتراث والحضارة والاقتصاد والسياسة والنضال .. ،.

لا هو موت ولا انتحار

الراحل محمود درويش شاعر فلسطين والعرب كان قد عبر اعمق تعبير عن "غزة وروحها وصمودها وبطولاتها ومعنوياتها وجدارتها بالحياة" حينما كتب قائلا:

"ليست لغزة خيول ، ولا طائرات ، ولا عصى سحرية ، ولا مكاتب في العواصم ، إن غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ، ومن غزاتها في وقت واحد ، وحين نلتقي بها  ذات حلم  ربما لن تعرفنا ، لأن غزة من مواليد النار ، ونحن من مواليد الانتظار ، والبكاء على الديار ، صحيح أن لغزة ظروفًا خاصة ، وتقاليد ثورية خاصة ، ولكن سرها ليس لغزًا ، مقاومتها شعبية متلاحمة ، تعرف ماذا تريد "تريد طرد العدو من ثيابها".

لم تقبل وصاية أحد ، ولم تعلق مصيرها على توقيع أحد ، أو بصمة أحد ، ولا يهمها كثيرًا أن نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها ، لم تصدق أنها مادة إعلامية ، لم تتأهب لعدسات التصوير ولم تضع معجون الابتسام على وجهها.

قد ينتصر الأعداء على غزة ، وقد ينتصر البحر الهائج على جزيرة ، قد يقطعون كل أشجارها ، قد يكسرون عظامها.. قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها ، وقد يرمون في البحر أو الرمل أو الدم ، ولكنها لن تكرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم وستستمر في الانفجار.

لا هو موت ، ولا هو انتحار ، ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة".

فالحقيقة الكبيرة الصارخة في عمق هذا المشهد اذن:

اندحار اسرائيلي امام عظمة الصمود والمقاومة هناك لدى اهل غزة..وعلى ارض غزة...

لذلك - يحق لشوارع وازقة واحياء غزة..بل يحق لكل بيت غزاوي على امتداد المدن والمخيمات والقرى والبلدات هناك على امتداد القطاع ان تعيش مخاض وملحمة التصدي والصمود في مواجهة اعتى آلة عسكرية في المنطقة ، برغم حجم التضحيات والمعاناة المتصلة على مدى سنوات الاحتلال..

فهناك في كل شارع وزقاق وحي.. بل في كل بيت غزاوي ...

الف قصة وقصة عن التضحيات والشهداء والجرحى والمعتقلين...

وعن الاجتياحات والتجريفات وعمليات الهدم والتدمير..

وكذلك عن خيام الالم والمعاناة والصبر..

وكذلك عن البطولات الفردية والجماعية ..

وعن الملاحم التي يسطرها اهل غزة منذ احتلالها عام  ..1967

===================

الحوار الأمريكي الأوروبي حول الحل النهائي!

امجد معلا

الرأي الاردنية

28-12-2010

اعترافات دول اوروبية ولاتينية امريكية بالدولة الفلسطينية المستقلة سواء عبر الاعلان الرسمي او برفع مستوى تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية وان كانت دولة الحلم الفلسطيني لم تقم على الارض بعد إضافة الى ما تعيشه السلطة الوطنية الفلسطينية من صعوبات في اتخاذ قرارات مستقلة فيما يتعلق بالكثير من جوانب الحياة، الا ان هذا الحراك الدولي، يجب ان ينظر له بجدية كبيرة ومن اكثر من زاوية.

فمجرد حديث الاوروبيين العلني عن نيتهم الاعتراف بدولة فلسطين في حال عدم التوصل الى اتفاق نهائي خلال عام ومحاولات اسرائيل لاستخدام اللغات الثلاث في معركتها مع عملية السلام وهي لغة السياسة والدبلوماسية ولغة السلاح او التلويح بالحرب سواء على غزة او على لبنان او حتى على ايران هو بحد ذاته جزء مهم من المشهد الامامي لحال المنطقة الحبلى اصلا بسيناريوهات كثير منها ما يتحدث عن حلول سلمية شاملة ومنها ما يتحدث عن حروب وقد تكون كارثية اذا ما اندلعت.

 

من نافلة القول سياسيا ودبلوماسيا ان تلويح اوروبا بقرب اعترافها بالدولة الفلسطينية خلال عام وايماءاتها العلنية وغير العلنية الرافضة لموقف اسرائيل المتمسك بمواصلة الاستيطان على الارض الفلسطينية يعتبر ضغطا على غرفة التفاوض «الفارغة» التي من المفترض ان تجمع الفلسطينيين والاسرائيليين برعاية امريكية من اجل التوصل الى اتفاق خلال فترة عام بشأن الوضع النهائي.

 

وبما ان الجانب العربي قال كلمته فيما يتعلق بالعقبات التي تضعها اسرائيل على طريق بدء المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين فإن الحوار الان بات بين القطبين الرئيسيين في المعادلة الدولية وهما اوروبا والولايات المتحدة الامريكية ليطفو على السطح من جديد وعلى نحو يضع كلا من هذين القطبين امام مسؤولياته: هل هناك ارادة دولية حقيقية وجدية لانهاء الصراع في الشرق الاوسط على اسس العدل واحترام حقوق الانسان افرادا وشعوبا ام ان احتمال العودة الى نقطة الصفر في هذا الصراع بات امرا واردا؟

 

اوروبا تتحمل مسؤوليات تاريخية واستراتيجية جسام تجاه المنطقة وفي المقابل فإن الولايات المتحدة حملت نفسها مسؤولية تنظيم سير الديمقراطية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وهو ما يواجه الان المحك الرئيسي والاختبار الحقيقي في مسعاها للتوصل الى حل نهائي وشامل للقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للصراع في الشرق الاوسط وام المشاكل في المنطقة.

واذا كان الموقف العربي اصبح واضحا ويتسم بالاجماع وكذلك الموقف الاوروبي والعالمي تجاه الاسس التي يجب ان يرتكز لها اي حل للقضية الفلسطينية والمتمثل في حتمية اقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا الى جنب مع الدولة العبرية مع ضمان أمن اسرائيل وهو مالا يعترض عليه الجانب الامريكي ويبقي الطرف الاسرائيلي وحده المتلكيء في مواقفه والساعي على الدوام الى اختراع العقبات من اجل عرقلة تمرير الحل المجمع عليه دوليا فإن العصا السياسية والدبلوماسية يجب ان تشهر في وجه اسرائيل لارغامها على الانصياع للارادة الدولية بدل من ان يبقى العالم يدور في دوامة البحث عن الحلول الجزئية لصراع تاريخي شل عجلة التنمية في المنطقة على مدى عشرات السنين وادخلها في حروب متتالية الكل فيها خاسر.

===================

السودان.. بين الوحدة والانفصال

د. جورج طريف

الرأي الاردنية

28-12-2010

من المفترض ان يكون يوم التاسع من شهر كانون الثاني 2011م موعد إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان في الوحدة مع الشمال او الانفصال عنه بموجب اتفاق السلام الشامل المبرم بين الجانبين عام 2005 كما يجري استفتاء آخر بشأن مصير اقليم ابيي الغني بالنفط والى أي قسم من البلاد سينضم اذا وقع الانفصال.

 

ومع ان معظم المؤشرات والمعطيات تعتبر ان الانفصال اصبح حتميا الا ان المرحلة التي يمر فيها السودان مرحلة صعبة للغاية وتبعث على القلق من حدوث حرب بين الشمال والجنوب قد تطال دولا اخرى وتمتد لسنين في ضوء بطء التقدم في الاستعدادات للاستفتاءين حيث ما زال المناخ على الجانبين (الشمال والجنوب) مشحونا بصورة سلبية، والمسؤولون في الشمال والجنوب ما زالوا يتبادلون الاتهامات بأن كل طرف يحشد قواته على جانبه من الحدود التي لم يكتمل ترسيمها واتهمت الحركة الشعبية لتحرير السودان الشمال بتنفيذ عمليات قصف جديدة في الجنوب، قائلة إن الخرطوم تحاول إعادة البلاد إلى الحرب وعرقلة الاستفتاء على الاستقلال.

وتحدث الأمين العام للحركة (باقان أموم) في تصريحات صحفية بان حكومة السودان وحزب المؤتمر الوطني تنفذ عمليات قصف في جنوب السودان، خصوصا في محافظة بحر الغزال وأنه بات من الواضح أن حزب المؤتمر الوطني ينفذ خطة تهدف لإعادة السودان إلى الحرب، وتجنب إجراء الاستفتاء على تقرير المصير في الجنوب الامر الذي يذكرنا بتصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما قبل اكثر من شهر والذي اعلن فيها ان فشل اجراء الاستفتاء يعني اشتعال الحرب التي ستؤدي الى سقوط «ملايين القتلى « حسب قوله وليس هذا فحسب وانما حل مشكلة دارفور ستصبح اكثر تعقيدا.

ومن جهة اخرى فأن المفوضية التي من المفترض أن تدير الاستفتاء على استقلال الجنوب تفتقر الى التمويل ولا تملك ما يكفي من المال لتوظيف عاملين أو دفع ثمن التجهيزات الاساسية أو نقل مواد التصويت علما بان التمويل يجب ان يأتي من كل من حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان كما ان التوتر يسود في منطقة ابيي النفطية والوقت المتبقي قليل ولا يسمح بزيادة قوات حفظ السلام في السودان قبل الاستفتاء.

اجواء التوتر بشكل عام تسود السودان والمخططات لتفتيت وحدته الجغرافية جاهزة واحتمالات قيام الحرب بين الشمال والجنوب وتبخر مرحلة الاستقرار الحالية التي استمرت ست سنوات منذ توقيع اتفاق السلام بينهما،- وهي المرحلة التي نعمت فيها البلاد ببعض الرخاء الاقتصادي نتيجة عوائد النفط.

إذن في انتظار العديد من المفاجآت التي لا يستطيع احد التنبؤ بها على الاطلاق والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها فالاستفتاء على فصل الجنوب او بقائه مع الشمال سيتم في التاسع من كانون الثاني المقبل، حيث تشير كل التوقعات الى تصويت غالبية الجنوبيين لمصلحة الاستقلال عن الوطن الام، وهي التوقعات التي دفعت بعض الدول الى التعامل مع الجنوب كدولة مستقلة وتخصيص المساعدات له في حين تتحدث الانباء عن اعداد كبيرة من الجنوبيين الذين يعيشون في شمال السودان والذين سيصوتون للوحدة ومع ذلك كله فان مكامن خطر نشوب حرب اهلية اوصراع قبلي بين قبائل الجنوب قائمة مثلما ان مخاطر الحرب بين الشمال والجنوب مستمرة بسبب النزاع على النفط ومحاصصته ولعل هذا ما دعا العديد من العقلاء الى المطالبة بتأجيل الاستفتاء لسنوات قادمة الى حين الاتفاق على حل المشاكل القائمة واعادة ترسيم الحدود وحصص النفط الا ان ذلك اصبح الان مستبعدا.

===================

طل الملوحي أسيرة حرب متشابكة “المصالح “بل أُضحية قدّم لها كادر استخباراتي مُنظم

نشطاء الرأي - ديسمبر 27 2010

http://opl-now.org/?p=2583

أحمد سليمان, منظمة ائتلاف السلم والحرية

  أدخلها النظام السوري لعبة للتخاطب بينه وبين الغرب ،

  إذا كانت ” طل الملوحي ” طرفاً كما يُشاع أو كما يحاول البعض إقناع العالم ، فإنه في هذه الحال سيتم محاسبتها وفقاً لبرتوكول الدول المعنية

  نرجح عدم السماح لأهلها من الإفصاح عن اعتقالها إلا بعد شهرين ونصف قائم على تحذير من الأجهزة الأمنية والتي ربما تابعت ” التخابر” مع أطراف القضية من داخل السجن عبر كومبيوتر طل الملوحي

  بوسع الدبلوماسية المصرية القيام بمساءلة أفراد السفارة السورية حيث تبين استخدام السلك الدبلوماسي كغطاء لأجندة أمنية و كون التخابر المزعوم تم بمعرفة السفارة السورية وعلى أرض مصرية

  لم يصدر ذات المحامي الذي فرضته الدولة تقريراً مفصلاً وأيضا لم يأذنوا لأطراف حقوقية كنا نتوقع منها دوراً بنشر تقارير مستقلة ، سوى إننا توصلنا بأخبار تعلنها مواقع تعيد نشر نصوص وفقرات بدت لنا وكأنها مكتوبة من ضابط مخابرات

  نخلص إلى القول بأننا أمام قضية كُبرى ليس لأنها كذلك بل لأن النظام السوري أرادها على هذا النحو ، فقد تم تركيب أياد وعيون وأرجل وأذن واحدة بالتالي أصبح ملف مُلتبس ثم راحوا يتحدثون عن عمالة

  نستبعد التواطؤ العمد ( وفقاً لنص الاتهام الذي يشير الى التخابر لصالح دولة أجنبية ) و الذي يهيئون العالم لسماعه من محكمة سورية إلا أننا في ذات الوقت نشير إلى حقوق يتسم فيها حتى مرتكبي الجرائم

 

أحمدسليمان / مانهايم ، زيورخ ، بيروت : الحديث لن يكتمل طالما توجد حقيقة غير مُكتملة ،أما قبل مَنْ هم رواة الحقائق الكبرى كحالات مثل الاحتجاز ثم الاعتقال بالتالي الاختفاء والمطاردة لكل من يتداول ملف أو قضية أصبحت ذات بُعد دولي

أجهزة أي نظام عربي لديه ما يقوضه عادة لتصدير أزماته الداخلية فيما هو ينطوي على تمرير اتفاقيات وتأسيس برامج وتحالفات وأحياناً يهندس لضرب مصداقية جهة مناوئة

المكان ليس دمشق ، أو القاهرة ، وليس بتحريض من برلمان أوروبي أو من جهات مؤسسية أمريكية أو سواها كما يحاول رمينا بعض فقهاء الإفك التحريضي وهم كُثر بلا شك ، كذلك لديهم أسباب سننظر فيها حين تتوفر شروط العدالة وقوامها قوانين حرة تنصف الجميع

نروي اليكم مجدداً ، حيث لا رابط واضح بين حدث وقضية ، بين مُتهم ومحكمة سورية تأخذ من دمشق مكاناً آمناً برعاية ما يمكننا توصيفه بالإمارات المتفرقة حيث قضاء “اللا” نزاهة وتشريع الإستبداد ،

على الرغم من لغط وسوء تقدير فظيع وقع بطريقة الدفاع عن طل الملوحي ، حتى لحظة اعداد هذا التقرير،لم يتراجع أي كان ينشط منادياً لحريتها ، بل ارتفع سقف المناشدات والمطالبات السلمية لتشمل كثير من الملفات التي مازال النظام السوري يُعتم عليها

طل الملوحي الكاتبة والمُعتقلة على ذمة قضية بدأت على أنها قضية رأي وبعد شهور عدة نتجت مُعطيات جديدة للاعتقال الذي امتنعت السلطات السورية بكشف كل تفاصيله ، لليوم ، توجد احتمالات وخصوصيات ومحاذير من الاقتراب في قضية وقفنا إلى جانبها إيماناً منّا بحق الدفاع عن كاتبة لديها مايُبهضها من الشجون والاهتمامات والكتابات ، فيما نسرد هنا مسوغات موضوعية جعلت من التعاظم الدولي الإنساني منظمات وأفراد يهمّون لمتابعة الدفاع عن حقوقها

قضية الشابة والكاتبة طل الملوحي :

إننا منذ البدء ننحاز لجلاء الحقيقة بمعناها الدقيق فهي أسمى من ان تكون ناطقة باسم فئة أو جماعة أو فرد ، بالتالي لسنا بمكان يجعلنا أسرى أو عبيد لمعلومات ترد كرسائل مشفرة تنقصها الكثير من التفاصيل التي سنأتي يوماً على ملامسة خفاياها

حتى مطلع الشهر الثاني من العام الحالي كنا بالكاد قد سمعنا عن خبر اعتقال شابة سورية ، وفقاً لخبر مقتضب وصل بريد منظمتنا ، وقد رجح الخبر اعتقالها على خلفية كتابات تناولت هموم إنسانية مشروعة ، وبعد حين انهالت الكتابات لتأخذ شكلاً لافتاً ، ولم ننقاد حينها للمجازر المعلوماتية التي راحت تنتشر بمعدل كل يوم خبر أو إشارة أو حتى حديث هاتفي عابر

إلى ان شيع عن قضيتها كسجينة رأي حينها كان لنا تحرك دولي ملموس أثمر نتائجه في عدد من البرلمانات الأوروبية إضافة لتحركات مستقلة عّنا وكنا نشجعها وقد أصدرنا بيانات وتقارير إلى جانب تجنيد مكنة إعلامية مواكبة للإعتصامات السلمية التي ساندناها بقوة إضافة إلى إننا قمنا بإنتاج عدد من أشرطة الفيديو كتحية لطل الملوحي ( راجع الفيديو و هنا ) كونها سجينة رأي وفقاً للمعلومات التي تسبب النظام السوري بتأكيدها نظراً لتغيبه أصغر مُعتقلة واحتكار المعلومات الصحيحة كخطوة قذرة تهدف ضرب مصداقية نشطاء حقوق الإنسان ، حينها قلنا بأن النظام السوري يوحي للعالم بأن القضية تخص أمن البلاد بدون مستندات رسمية مُعلنة سوى تسريبات وبعض تصريحات يكتبها رجال الأمن ويطلبون من أطراف كي تتبناها وأبرز خبر حين صرح والد طل الملوحي السيد ” دوسر الملوحي” بأن أبنته ستحاكم في قضية تخص ” التخابر لجهة أجنبية “

معلوم عن ” الدولة ” السورية وآلية احتكارها لأي ملف قضائي قد يسبب حرج معين ، و عمل كهذا لا يمت للقانون بِأي صلة إضافة إلى إنه تدخل في شؤون المحاكم ، لذلك نجد الأجهزة الأمنية ترتكب تجاوزات كي تبدو أمام العالم بأنها تلاحق أشخاص من ذوي السوابق المسيئة لأمن البلاد.

تهم لا حصر لها تُقاس وتُفصل لأي شخص ، سواء كان صاحب رأي وسياسي أو مجرد قارئ لصحيفة أو مُرسل بريد من كومبيوتره ، هي ذي سوريا التي يقول المسؤولين فيها بأنها لم تعد تعاني من اختراقات لحقوق الإنسان ، رواة بلا شعب ، وحقيقة بلا واقع ، هو ذات العين والصواب كما حصل مع طل الملوحي

ذات العقلية نجدها اليوم ، وربما لأعوام ، ” الدولة ” السورية تحتكر ملفا حديث النشأة يقلقها إذا تم تداوله للعلن ، في وقت يمثل قمة الحرج عبر اصغر مُعتقلة تنطوي على معلومات تمثل بالنسبة للنظام السوري عيباً سياسياً إذا تم تحريرها وسُمح لها بالكلام عن ملفها بلا رقيب .

 لم يٌسمح لأحد بتداول ملف طل الملوحي إلا ما ندر ، وعبر هوامش ضئيلة ، تستقي معلوماتها من أروقة القضاء ومن مشاهدات عابرة ، لليوم ، نجد أغلب ما صدر إعلامياً هو خلاصة تقارير غرف تحقيق ونشرته وسيلة إخبارية تمثل صدى أجهزة ومؤسسات النظام ، لم يسمحوا لعائلة طل الملوحي بتوكيل محام ، فقد تم تعين محام من طرف ذات الدولة التي عرف عن عدم احترامها لحقوق الإنسان منذ تشكيلها لليوم بالتالي يترتب على المحامي الموّكل الالتزام بما تم رسمه مسبقاً وليس على شابة متهمة مثل طل الملوحي سوى تكرار ماقالته تحت تأثير نفسي وبدني

على الرغم من هذا وذاك لم يصدر ذات المحامي الذي فرضته الدولة تقريراً مفصلاً عن وأيضا لم يأذنوا لأطراف حقوقية كنا نتوقع منها دوراً بنشر تقارير مستقلة ، سوى إننا توصلنا بأخبار تعلنها مواقع تعيد نشر نصوص وفقرات بدت لنا وكأنها مكتوبة من ضابط مخابرات

طل أسيرة حرب متشابكة المصالح ومن هو العميل المفهومي ؟

أعين العالم مُنصبة للتعرف على حيثيات أساسية منها كيف لدولة مثل سوريا عبر قبضتها الحديدية ، كيف لشابة صغيرة أسست لعمل استخباراتي مُنظم حسب ما تشيع عنه التسريبات ؟

حيث ذهبت تلك التسريبات بحالة تبدو وكأننا أمام جريمة منظمة أبطالها ضباط يتمرنون على متابعة فصولها من داخل السجن مثلاً كالقول بأن طل كانت على صلة غير مصرح بها قانونا مع أحد أفراد قوات الطوارئ منذ الثانية عشر ، وكأن الأحداث والقاصرات يخضعون لذات المساءلة التي تطال من بلغ السن القانوني

بالرغم من عدم اقتناعنا بالرواية الأمنية التي جعلت من طل الملوحي مسرحاً لمجموعة شبكات تهدف التجسس على ضباط ومسؤولين إلا إننا سنحاول تقويم اعوجاج تعمده سيناريو الأجهزة الأمنية

في وقت مُبكر من صباح 14 أكتوبر اتصلت بي منسقة عربية في برلمان أوروبي مستوضحة عن دقة المعلومات التي نقلتها بعض مواقع حول طل الملوحي، فكان جوابي ” مصدر الخبر دولة بوليسية قمعية لا تتسم بأي مصداقية، وعدد زنازينها أكثر من مدارسها وجامعاتها، برجاء توجهي بالسؤال للخارجية السورية أو بسفير دولتكم في دمشق ثم ابلغيني ، إذا أمكن ” وفعلت مشكورة ابلغتني استياء الدولة السورية من الحملات المتصاعدة والتي كانوا يوحون للعالم بأن مصدر الحملات ألمانيا ، ما جعلهم يتوجهون لإطلاق تصريحات عبر الصحف الألمانية فواجههم رد رسمي عبر برلماني وناطق بإسم مجلس حقوق الإنسان ( راجع هذا النص هنا )

قبل يوم واحد من اتصال “المنسقة العربية “ بي ، وصلتني أكثر من إشارة من زملاء خبراء في شؤون المحاكم الأوروبية وآخرين ينشطون في منظمة العفو الدولية أكدت إشارتهم القائمة على استنتاج يبين إحتمال أخطاء أمنية حصلت أثناء التقصي عن معلومات تحصلوا عليها من طل الملوحي التي كانت تطلع السفارة كمقيمة عن تحركاتها ، هذا ما أشرنا إليه ذات مقال بأنها كانت تشارك بأنشطة ثقافية وتقوم بزيارات ذات منحى دبلوماسي بتشجيع من السفارة السورية والتي كأنها نصبت كميناً لطرف آخرلكنها وقعت فيه.، وقد وضعنا تقييماً للقضية حسب الاعتبارات التالية :

 

1. نظراً لتخبط المعلومات المتضاربة بين نفي وتأكيد وتشويه لم نأخذ بتلك التسريبات على انها تحمل بعض الدقة التي أرادت الأجهزة نشرها إلى أن قرأنا قسماً من ذات الرسائل الأمنية في صحيفة إلكترونية بناء عليه تشكل لدينا إيمان عميق بأن “طل الملوحي ” زُج فيها ضمن مؤامرة أسس لها كادر استخباراتي مُنظم ، ونظراً لبدء تشابك القضية قبل سنوات خمسة ( أي حين كانت في الرابعة عشر ) فإذا وضعنا نضج الوعي السياسي عند طفلة فإنه بالمُطلق سنركز على عنصر مهد لأرض خصبة لما تدعيه السلطات بالتعامل مع دولة ثانية ما يوحي ثمة صمت مذاك الوقت من قبل أجهزة المخابرات لغاية يمكننا تفسيرها بعمالة “الدولة ” المتمثلة بعناصر ذات صلة لصالح جهة خارجية ، فليس رمي تهمة كبيرة ومفاعيلها بشابة دخلت سن الرشد حديثا ، أي حين أصبحت طل الملوحي في الثامنة عشر

2. على الرغم من تحفظنا على نص الإدعاء الرسمي كونه يفتقر للاعتبار القانوني والذي قام على أساس احتجاز طل الملوحي وفقاً لهذه المُعطيات والمعلومات التي كانت مُحتكرة من قبل الدولة السورية فإنه تشكل لدينا كمراقبين بأن طل الملوحي نظراً لوجودها في مُعتقل مؤكد تم استخدام بريدها الشخصي ونذكر تماماً حين دهمت مجموعة أمنية بعد يوم من اعتقالها وأخذوا كومبيوترها الشخصي من منزلها في حمص ، أما بعد مؤكد طلبوا منها القيام ببعض مراسلات باسمها ووفق ما تم إملاءهم عليها ، وربما طلبوا منها إجراء تواصلاً ( عبر أدوات التواصل المختلفة التي تمت مصادرتها وكانت بحوزتهم وهي خاصة طل الملوحي ) مع ذات الأشخاص الذين تدور أحداث القضية عبرهم و نرجح عدم السماح لأهلها من الإفصاح عن اعتقالها إلا بعد شهرين ونصف قائم على تحذير من الأجهزة الأمنية والتي ربما تابعت ” التخابر” مع أطراف القضية من داخل السجن عبر كومبيوتر طل الملوحي

3. لهذه الأسباب وسواها نطالب بمقاضاتها وفقاً لنص الاتهام إذا ثبت تورطها وفي ذات الوقت يجب النظر إلى الدوافع الحقيقة ومن هم المحرضون الفعليين بل من طلب منها للتخابر لصالح دولة أجنبية ، بمعنى أدق يجب مساءلة جهاز أمن السفارة كونهم متورطون عن عمد حين طلبوا من طل الملوحي المشاركة بأنشطة السفارة الأمريكية بشرط ألا تغيب عن أنظارهم أثناء الأنشطة

4. نقرأ في صحيفة تفضي إلى تحليل يستشف بأن النظام السوري يقوم على إظهار الشابة بأنها تعمل لصالح ثلاث جهات مختلفة بوقت واحد ( الأمن السوري -السفارة الأمريكية بالقاهرة – جبهة خدام ) (راجع النص هنا )

5. ونحن سنضيف احتمال أبعد من ذلك ، وهو إن النظام السوري مسرح الجريمة بمكان آخر والواقع انه يبدو لنا ابعاد طرف رابع يُفترض إن تكون طل الملوحي تعمل لصالحه بدون أن تكون منتظمة لصالح جهاز أمني بمعنى أن السفارة السورية في القاهرة نظراً لوجود صلة وثيقة معها كانت تعمل بأشراف تلك الجهة التي تأخذ من العمل الدبلوماسي غطاء للأنشطة الأمنية فكانت طل الملوحي ممراً لبعض ما يصعب عليهم القيام به … لذلك ننحاز لوجود احتمال لارتباط أمني غير ممنهج بين طل الملوحي والسفارة السورية

6. الثابت لدينا ،إن طل كانت تتردد إلى السفارة السورية بشكل منتظم حسب طلب السفارة وقولهم بأنه حرصاً عليها كمغتربة نظراً لخصوصية إقامتها الجديدة والتي اعتبرت العائلة أن السفارة السورية هي مرجع لكل السوريين ومن هذه النقطة كانت مرتبطة عن غير قصد أمني حسب فهمنا لحالة طل الملوحي كونها تكتب وتقوم بمساندة قضايا عادلة فكان الموقف من جهة السفارة أن يجعلوا منها عميلاً مفهومياً مزدوجاً بدون ان تكون منتسبة لجهاز أمني ، يكفيهم سؤالها عن اخبارها بين حين وآخر لتقدم لهم إجابة شاملة عن فترة انقطاعها منذ آخر لقاء معهم … بموجب هذا الاحتمال أننا نجد مقاضاتها مُكلفة بالنسبة لجهاز أمني متورط أصلاً باستغلال السلك الدبلوماسي مسرح لنشاطه في القاهرة .

7. ليس غريباً عن أجهزة مخابرات النظام السوري انه عمل على استخدام نتائج ذلك ضمن برنامج يخص عمله بالتالي تكون طل الملوحي أدت مرغمة مهمة أمنية من داخل غرف التحقيق تحت الضغط والإكراه تالياً فإن طل الملوحي إذا كانت متورطة بقدر معين فإن تورطها نتاج ما يمكننا تسميته فضول أوقعها ضحية مؤامرة خبيثة

8. يوجد خيط يجمع بين طل الملوحي وبين الاحتمالات الواردة كون احهزة الأمن على معرفة بتحركات الشابة طل وكانت تستفيد من انخراطها بعالم متداخل ، خصوصاً ان السفارة السورية في القاهرة كانت مرجعاً لها ، وأثناء تلقيها دعوة للمشاركة في العيد الوطني في السفارة الأمريكية وعند مراجعة طل سفارة بلدها طُلب منها تلبية الدعوة وفق محددات معينة وقد التزمت بها

وفقاً لهذه المعطيات إننا نعتبر طل الملوحي أسيرة حرب متشابكة المصالح ، فقد أدخلها النظام السوري لعبة للتخاطب بينه وبين الغرب ، فإذا كانت “طل ” طرفاً كما يُشاع أو كما يحاول البعض إقناع العالم ، فإنه في هذه الحال سيتم محاسبتها وفقاً لبرتوكول الدول المعنية

وإن كنا نستبعد التواطؤ العمد ( وفقاً لنص الاتهام الذي يشيرالى التخابر لصالح دولة أجنبية ) و الذي يهيئون العالم لسماعه من محكمة سورية إلا أننا في ذات الوقت نشير إلى حقوق يتسم فيها حتى مرتكبي الجرائم

وفقاً لنص دستوري :

سنعتبر حالة طل الملوحي ما يمكننا وصفه بتورط عن غير عمد … أو أخطاء شابة دخلت نسيجاً من الصداقات والتنقلات الاجتماعية أدت إلى نمط غير مقبول قانوناً لكن في ذات الوقت انه خطأ يقع فيه كثيرون ثم يعدلون عنه في حال توفرت شروط أساسية مثل ، الإقامة ، المحيط السليم، العمل المستقر إلخ

نخلص للقول بأنه لا يوجد تورطاً قائماً على وعي وتفكير مُسبق ، في ذات الوقت توجد خفايا لم تُعلن نظراً للتعتيم على القضية ، وان كنا أصلاً نحاجج نظام تسلطي غير شرعي مرجعه مؤسسات أمنية فاسدة نظام قائم على الزوير لمصلحة تدعي أمن البلاد وكلام فيه مزايدات وعنجهية ، على الرغم من ذلك يمكننا إخضاع التهمة القائمة على توريط شابة لإسدال الستار عن الذين أسسوا لهذا الدور وربما لعدم كشف القضية الأساسية التي قد تكون فعلاً تخص أشخاصاً ذوي نفوذ ..مع أخذ العلم فإن التهمة التي سيتم محاكمة طل الملوحي عليها فهي قابلة لاستئناف ومناقشة فعلية بموجب فقرات من الدستور السوري حيث يورد في الآتي :

المادة 273 من الدستور السوري” :

 

1-من كان في حيازته بعض الوثائق أوالمعلومات كالتي ذكرت في المادة271 طبعه أو أفشاه دون سبب مشروع عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين

2- ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل .. ذلك إذا ابلغ دولة أجنبية

3- إذا كان المجرم يحتفظ بما ذكر من المعلومات والأشياء بصفة كونه موظفاً أو عاملاً ومستخدماً في الدولة فعقوبته الإعتقال المؤقت في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى والأشغال الشاقة المؤبدة في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية

4-إذا لم يؤخذ على أحد الأشخاص إلا خطأ غير مقصود كانت عقوبته الحبس من شهرين الى سنتين

توصيات قانونية :

-العمل على تسلسل القضية حيث بدأت في سن الرابعة عشر

-مقاضاتها بموجب نفاذ شرطها القانوني الذي أشرنا إليه

-إطلاق سراحها وفقاً لنص قانوني ذكر في المادة271 بالحبس من شهرين الى سنتين ، فقد انقضى عام على اعتقالها

ملاحظات على خرق قانوني :

1. يتضح للمتابع لهذه القضية إنه تم اختصار كل الطرق التي تعزز وضع “طل ” القانوني حيث لم يُسمح لها بتعين محام من اختيارها، كذلك لم يُسمح للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية من حضور الجلسة الأولى ما يؤكد وجود فضائح كبرى تطال رؤساً في الأجهزة الأمنية

2. الاعتقال قائم على الاستدراج حيث تم إبلاغها لطرح بعض الأسئلة كما يحصل عادة معها في كل مرة، لكنها في هذه المرة خرجت حيث الموعد المقرر وهناك تم احتجازها

3. حضرت الجلسة الأولى ولم يتم معاينه سلامتها النفسية ولم تُعرض على طبيب وفقاً لأصول المحاكمات

ملاحقة أفراد السفارة السورية :

بوسع الدبلوماسية المصرية القيام بمساءلة أفراد السفارة السورية حيث تبين استخدام السلك الدبلوماسي كغطاء لأجندة أمنية و كون التخابر المزعوم تم بمعرفة السفارة السورية وعلى أرض مصرية

دور إقليمي أعوج و قضية شعب :

بقي أن نشير إلى أدوار يلعبها النظام السوري فكانت نتائجه صفقات سياسية مُخلة بأخلاقيات الدول ، مثلاً قامت بتسليم الزعيم الكردي عبدا لله أوجلان وفقاً لإنفاقات جانبية ، وتلاه تسليم عدد من قيادات تنشط في الحركة الأهوازية ، إضافة للعب دور إقليمي سيئ عبر تدخله في شؤون الجوار لبنان والعراق ، ولا يخفى على أحد قيام ذات النظام بلعب دور الوصايا على منظمات فلسطينية منذ نشأتها من منطلق الحفاظ على الدور العربي الذي يدعيه وقد أشبع العالم مزاودات تحت مُسمى الصمود والتصدي فيما هو اليوم يتابع على نحو خانع أمام مُعطيات سياسية استسلامية يكفي أن نشير إلى تدخله في شؤون السُلطة الفلسطينية مستخدمة حركة حماس كمدخل تفاوضي لرسم ملامح سياسته كما يفعل مع حزب الله في لبنان وتحالفه مع إيران

 على ذات النسق نجده يعد أجندة غير نزيهة بحق مجتمعه فما كانت قضية “طل الملوحي ” إلا مدخلاً كشف لنا عيوب النظام دفعة واحدة ، وواضح منذ نشأة الملف انه وقع أسير عقول أمنية استنفرت طاقاتها في الهباء وبلا مقابل عملي سوى تشويه لوقائع يُفترض بها أن تكون غير ما هي عليه ، أنها لعبة أكثر من جهاز أمني حيث تحولوا من حماة للأمن إلى معتدين على شعب وقانون يحكمه

نخلص إلى القول بأننا أمام قضية كُبرى ليس لأنها كذلك بل لأن النظام السوري أرادها على هذا النحو ، فقد تم تركيب أياد وعيون وأرجل وأذن واحدة بالتالي أصبح ملف مُلتبس ثم راحوا يتحدثون عن عمالة

بناء على السرد المتعلق في قضية حاضرة عند الضمير العالمي … مؤكد لن يُغلق حتى وإن أُطلق سراحها تحت مرسوم أمني أو عفو رئاسي أو بموجب نفاذ شرطها القانوني الذي أشرنا اليه ، بدءا من شهرين الى عامين أو خمسة أعوام وفق بنود يحددها دستور البلاد ، إلا ان هذه القضية لن تغلق لدى الضمير العالمي ولدى الذاكرة السورية طالما إن الملف برمته يتسم بالغموض المتعمد لغايات لا علاقة فيها بأمن سوريا إنما لغايات تخص سمعة جهاز مخابرات يحاول تشويه الحقائق ولعب دو الحفاظ على المصلحة الوطنية وإن كان بذلك مصير مئات من القضايا التي يُصر بأنها تمس سمعة البلاد وتوهن عزيمة الأمة ، ذات الأمة التي تم دفنها وسُحق شعبها قمعاً وجوعاً ومطاردة وسجون سرية وملفات ملفقة واعادة فتح سواها كالتي طوُيت قبل ثماني عشر عام

واقع نتبنه كل لحظة ، ونحن على يقين تام بأن قضية طل الملوحي فتحت كل الملفات دفعة واحدة .، لذلك قلنا بأنها ” قضية شعب ، وللحق فأنني اختصرت العنوان ذاك نظراً لضيق الهامش آنذاك وهنا أضيف بأنها قضية بلاد تتنازعها بؤر تنتج الفساد وترعاه ، ليس هجوماً بقدر ما هو تشخيص لواقع يتبينه أي متابع لتطورات قضية طل الملوحي

نحن نعرف جزء من الحقيقة… طل الملوحي تعرفها كاملة ، عام على غيابها ، عام من العار المعلوماتي السياسي والقيمي والأخلاقي الزائف… عام وهي مُعتقلة ومعزولة عن العالم بمشيئة دولة المخابرات … دولة تستخدم مواطنيها دروعاً من أجل ازدهار الفساد والقمع و مصادرة الحريات… طل الملوحي اعتقلت ليتستروا على أخطاء جهاز أمني في السفارة السورية بالقاهرة … هي ضحية مؤامرة قذرة … أطلقوا سراحها يا دولة الدراويش

 

بصدد تعريف الدولة

هذه التي يسمونها دولة ، إذ انها تتمتع بتقاليد مجموعة ( كنتونات مافياوية) ، إمارات مفككة ومتناغمة بآن معاَ حيث بلاد مثل سوريا تحولت الى مزرعة للفساد السياسي برعاية ضباط .. و قد أشرنا في غير مكان إلى “دولة” فإنما حسب فهمنا للدولة الفاعلة التي يتم إدارتها عبر مؤسسات مدنية ، ليس عبر مافيات ومخابرات وأمزجة المصالح التي تحددها مجموعةضباط ومرتزقة يعتاشون من غياب الدولة ، هذه التي يسمونها دولة تعتقل نشطاء مدنيون وكتاب ، محامون وأطباء ، مهندسون ودعاة فكر تحرري ، وتقاضيهم في محاكم لا تتسم بأي معايير لأصول المحاكمات العادية ، متسلحة بقانون يتم تطبيقه في زمن الحروب ، وسوريا لم تخض حرباً منذ عقود وليس بوارد اي اقتتال مع خصوم وأنها حسب تصريحات مسؤوليها مُقبلة على تسوية سياسية وسلام استراتيجي مع الجوار والعالم ، لكنها كما نلاحظ تقوم بحرب مفتوحة بحق مجتمع برمته ، يكفي أن نورد اسماء مثل هيثم المالح ومهندالحسني ، أنور البني وتهامة معروف ، راغدة الحسن وفاطمة حاوول ، علي العبد الله وكمال اللبواني ، حسن صالح ومشعل تمو ، محمود باريش وخلف الجربوع ،مصطفى حاج بكري والمُغييب نزار رستناوي ومجموعة من المدونين الشباب الذين شاركوا بحلقات حوارية علنية ، طارق الغوراني و عمر علي العبدالله ، ماهر اسبر وحسام ملحم ، أيهم صقر وعلام فخور ، دياب سرية و طارق بياسي ،وسواهم من الذين يقاسون من القمع والتعنيف والملاحقة ، هذه هي التي يسمونها دولة فهي تُشرّع “اللا” نزاهة وتستبد بالإنسان ،

مع كل هذا وذاك فإن المواطن في سوريا يعيش بين محرقة القمع وسوط التجويع الذي يرفعه أصحاب النفوذ الذين احتكروا الثروات وكافة مقدرات البلاد ، إبتسموا إنها إمارات التابعية السورية

إعداد وتوثيق : أحمد سليمان

www.opl-now.org

ــــــ

صدر التقرير عن منظمة ائتلاف السلم والحرية، و صادقت عليه المنظمات المنضوية في الائتلاف : جمعية النهضة الثقافية البلغارية – مقرها بلغارية، جمعية أصدقاء الكتاب – مقرها النمسا،التجمع الدولي لأقليات الشتات – مقره أمريكا ، المركز العالمي للصحافة والتوثيق – مقره سويسرا ، تجمع نشطاء الرأي والدمقراطية – مقره ألمانيا، مركز حلبجة لمناهضة انفلة وابادة الشعب الكردي – مقره هولندا، مركز حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية “شمس” مقره فلسطين ، مركز الآن للثقافة والإعلام – مقره بيروت .

===================

قضايا العرب المعلقة:(الحق على الأميركيين والعتب على قدر المحبة)

المستقبل - الثلاثاء 28 كانون الأول 2010

العدد 3868 - رأي و فكر - صفحة 19

جنى الحسن

تراجع حجم التفاؤل العربي بالسياسات التي يعتمدها الرئيس الاميركي باراك اوباما من 51% الى 16%، وفق ما اظهره استطلاع للرأي اجراه معهد "بروكينغز" مؤخراً، ما يعكس وضعاً حرجاً للسياسة والمصالح الاميركية في الشرق الاوسط. وكذلك سقوط صورة "المخلص" التي ظهر فيها الرئيس الاميركي إبان انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في الرابع من تشرين الثاني 2008.

عند انتخابه رئيساً للولايات المتحدة حينها، كان من الطبيعي أن تعيش الجماهير في المنطقة العربية حالة ابتهاج (عاطفي) عابر بفوز رئيس أفريقي - أميركي يدعو إلى الحوار مع العالم الإسلامي، فاوباما الذي ارتدى ثوب المخلص، ترك الجماهير لأعز ما تملك وهو خيالها الجامح. وبالتالي كان لها كل الحق في ان ترفع من مراهنتها على تقدم ما يحرزه في الملفات التي تهم الدول العربية.

عندما نستعيد بداية انتخاب الرئيس الاميركي، نسترجع التعليقات الشعبية التي واكبت تسلمه الرئاسة، ومفاخرة الجماهير العربية بأصوله، وصلت الى حد الزعم بأنه مسلم ايضاً. لكن الرئيس الجديد، الذي ليس بطبيعة الحال مطلق اليدين في تنفيذ ما يرتأيه من تغيير، يتحرك بحدود الممكن، فالسياسة الأميركية لا يقررها الرئيس وحده بل تتولاها مؤسسة واسعة من الخبراء في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وقد تزايدت الإنتقادات لسياسة أوباما تجاه العراق وما يسميه بعضهم إفساح الطريق للجار الإيراني، وكذلك الموقف الأميركي من الحراك السياسي في لبنان، وما إذا كانت إدارة أوباما قد تخلت عن إلتزاماتها مع حلفائها هناك، وأخيرا الصراع العربي الإسرائيلي وما لم يحققه أوباما لثني شريكه الإسرائيلي في إيقاف الإستيطان وإطلاق عجلة المفاوضات المباشرة بين الإسرائليين والفلسطينيين.

لم تساعد الظروف الاقتصادية وتداعيات الازمة المالية الداخلية اوباما لكي ينجز برنامجه، فهو لم يتمكن من انجاز سلسلة الاصلاحات التي وعد بها الشعب الاميركي وبنى عليها جزءا اساسيا من حملته الانتخابية. وبالتالي، تبين هذا العجز في امتعاض الناخبين وترجمته في الانتخابات النصفية ما أدى الى عودة الجمهوريين الى الكونغرس.

ولا شك في ان هذه العودة تشكل ضغوطاً اضافية على الرئيس الاميركي، الذي أصبح أكثر تكبيلا لم يعد متفرداً في صنع القرار. وخير دليل على ذلك الفشل في تطبيق سياسة الانفتاح على سوريا، فالولايات المتحدة لم ترسل سفيرها الى دمشق رغم الاحاديث والمحاولات المتداولة لذلك.

وبقدر ما كان قرار اوباما بسحب القوات المقاتلة من العراق ايجابيا للولايات المتحدة فإنه انعكس سلباً بدل ان يعود بالافادة على حلفائه العرب، وظهر جلياً الامتداد الايراني في العراق المتخبط ولم يستطع اوباما تقديم اي شيء على هذا الصعيد.

بالاضافة الى ما تقدم فقد خسر اوباما ايضا حليفه التركي الاستراتيجي غداة عملية اسطول الحرية، إذ لم يبذل اي جهد أو ضغط لدفع تل ابيب باتجاه تقديم اعتذار الى انقرة، فكانت النتيجة ان مالت تركيا الى التواصل مع ايران ومنيت وشانطن بخسارة اضافية في سياستها الخارجية.

ليست المعضلة هنا ان كان اوباما قد نجح او فشل في سياسيته فحسب انما السؤال: هل هو وحده المسؤول عن تراجع شعبيته ام ان الآمال المعقودة عليه في الشرق الاوسط فاقت حدود المنطق والمعقول؟

ينقل المحلل الاميركي والتر روجرز عن صحافي عربي قوله ان العرب "غاضبون على الدوام، ويبحثون دائما عن الجانب السيئ ويضربون على وتره"، مستنتجا ان "الجزء الاكبر مما يحدث يكمن في المفاهيم الخاطئة والتصلب الذهني في الشارع العربي بقدر ما يكمن في الاخفاقات الاميركية".

وكان الباحث في الشؤون الاسلامية في جامعة برنستون برنارد لويس وهو صهيوني معروف لفت الانتباه الى ميل العرب الى ممارسة ما وصفه "لعبة القاء اللوم على الآخرين" حيث القوا اللوم على المغول والاتراك العثمانيين والقوى الاستعمارية وهم يواصلون اليوم النهج نفسه بالقائهم اللوم على الاميركيين واليهود.

نحن بحاجة دوماً الى شبكة خلاص وطوق نجاة. نضع التوقعات العالية ونتردد في الاعتراف بأي قصور داخلي، مما يشكل اول عائق امام التطور الانساني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي. نحن لا نملك سوى انفعالاتنا ولا نضع استراتيجية واضحة للخروج من الازمات. نريد من اوباما او سواه المسارعة لحل مشاكلنا ولا نريد التوصل الى صيغة تساهم في بناء مجتمعاتنا.

الضعف في العالم العربي ليس مصدره الآخر فحسب، انما التفتت الداخلي والصراعات ضمن الاقليم الواحد تسهل على الخارج اختراقنا. ولأننا في عصر المصالح، لم تعد الشهامة العربية او النبل ينفع في السياسة التي اثبتت على مر العصور انها بحاجة الى الكثير من الهدوء والدهاء والاعصاب الباردة.

واوباما الذي اتخذ موقعاً وسطياً، لاعتبارات عدة، لن يتبنى القضية الفلسطينية ولن يهب لانقاذ العرب من مآزقهم. وبانتظار حلول جاهزة ومعلبة يغدق علينا بها الغرب كهدايا في عيد الميلاد، يبقى "الحق عالامركان" ويبقى عتب العرب على اوباما "على قد المحبة".

===================

الإسلام والدين والإيديولوجيا قراءة في رقصة البشير

د. أسماء بن قادة

جريدة الراية القطرية

26/12/2010 م

الرقص، لغة الجسد التي يعبر من خلالها عما يتفاعل داخل الذات من مشاعر الفرح والخوف والسعادة والحزن والألم والارتياح والابتهاج، فمن خلال الإيماءات والإشارات والتمظهرات التي تتجلى من خلالها منظومة متناسقة ومتناغمة من الإيقاعات الحركية، يعبر الجسد عن عناصر الحمولة العاطفية والثقافية والدينية والسياسية التي تتفاعل داخل الكيان الانساني المركب وتعبر عن أحوال الذات الانسانية، فمن أمير الباليه الروسي تشايكوفسكي مع " بحيرة البجع" و" كسارة الجوز" و" الحسناء النائمة " وإيقاعاتها الفاتنة والرقيقة والرشيقة، إلى جلال الدين الرومي وطريقته المولوية التي أسس وفقا لمراتب مقاماتها الصوفية رقصة "الدراويش" وما يصاحبها من آيات وابتهالات من الذكر الحكيم، إلى رقصة العرضة الخليجية المعبرة من خلال رمزية السيوف وإيقاع الطبول والأشعار الحماسية عن الفن الحربي وقيم القبيلة في الدفاع بشموخ عن شرف القبيلة وعزتها ومكانتها بين القبائل...الخ... أما عندما يرقص الرئيس السوداني البشير، فالأمر يختلف تماما، إذ عليك أن تتهيأ وتتوقع وتتساءل وتتطلع إلى ما ستنتهي إليه الرقصة البشيرية من قرارات خطيرة، فرقصة البشير دائما رقصة حبلى يعقبها مخاض خطير، والتنبؤ بنوع الجنين فيها صعب، ولكن لك أن تتوقع شيئا واحدا فقط يكمن في أن الجنين إما يولد مريضا أو ينتهي بمفارقة الحياة! ....

أما تعبيرات الجسد في هذه الرقصة فإنها تجر حمولة يتأرجح الإسلام على إيقاعها دوما بين معاني الدين والإيديولوجيا، وإذا لوح البشير بعصاه عليك أن تتنبأ بأن الأمر سيسفر عن مجموعة من القرارات التي تتضمن الكثير من التبريرات الايديولوجية منذ انقلاب 1989 إلى اليوم.

فعندما أعلن اوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن قرار استصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني، انطلق البشير يجوب الولايات والمقاطعات السودانية شمالا وجنوبا شرقا وغربا ليعبر من خلال تلك الرقصات الفولكلورية المحلية عن موقفه الرافض وسياسته المستقبلية في التعامل مع ذلك القرار، وأولها طرد بعض المنظمات غير الحكومية الناشطة في دارفور تعبيرا عن التحدي في مواجهة ذلك القرار.

وبعيدا عن تحليل قرار المحكمة كنتاج لتفاعلات سياسات القوى الدولية تجاه السودان فضلا عن التجاوزات الداخلية، فإن رقصة هذا الأسبوع قد أسفرت عن الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال إذا ما انتهت نتيجة الاستفتاء إلى فصل الجنوب عن الشمال، وكأني بالبشير يريد أن يغطي فشل الاحتفاظ بالجنوب عن طريق إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال، الأمر الذي يفرض طرح تساؤل جوهري في هذا السياق يدور حول مدى استمرارنا في توظيف الدين كإيديولوجيا من أجل علاج إحباطاتنا وآثارها السيكولوجية الناتجة عن فشلنا في إدارة أزماتنا السياسية وإلى متى سنظل نتسامح مع هذه الأدلجة المستمرة للدين، وهذا الرجوع الاستظهاري المؤدلج أيضا للنصوص من حيث توظيفها حسب الطلب كلما شعرنا بالقصور والعجز والضعف في مواجهة الواقع المعقد وما يفرزه من إشكاليات مركبة!

إن عملية أدلجة الديني لم تبدأ منذ اليوم في السودان، لقد بدأت من أول يوم انطلقت فيه ثورة الإنقاذ، عندما جرى التمويه على كل القوى الوطنية والطبقة السياسية، على إثر تحالف الدكتور حسن الترابي مع الفريق عمر حسن البشير، وإلقاء البشير للترابي في السجن مداراة لأيام معدودات، ثم تهريبه إلى أوروبا أياما أخر، ليعود به إلى السودان وفق الاتفاق والتحالف الخفي مرة أخرى حيث يستحوذ الحليف على التخطيط ورسم السياسات الأساسية وتحديد الاستراتيجيات ومشاريع القوانين بعيدا عن البشير الذي لم يعد له من دور وفقا لتصوره عن نوايا الترابي غير استقبال الضيوف وتوديعهم، الأمر الذي أوحى للبشير وفريقه أن الترابي لايريد أن يكون للرئيس في ذلك النظام الانقاذي أي صلاحيات تنفيذية ، لتنتهي الأمور مع قانون التوالي الذي اقترحه الترابي إلى قرار من البشير يقضي بإزاحته من الطريق، قبل أن يصل الأخير إلى استكمال قواعد اللعبة حفاظا على صلاحياته المهددة، وقد حق أن يقال للترابي حينها، (لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض) أي في اليوم الذي همشت فيه باقي القوى والأحزاب السياسية وكافة مكونات الشعب السوداني، فأنت تحصد اليوم نتاج تنظيراتك المختلفة للنظام السياسي الانقاذي الذي كان ينبغي أن يقوم على أساس توافقي، وإني أذكر في ذلك الوقت أني سألت احدى القيادات الإسلامية الفكرية التي توسطت فيما بعد لدى البشير في خلافه مع الترابي عن مدى شرعية تركيب نظام سياسي على إثر انقلاب لا يحمل أي صيغة توافقية؟ فجاءني الرد: إنه انقلاب أبيض وإن الحرب خدعة، فقلت الحرب خدعة مع العدو الخارجي وليس مع القوى الوطنية الداخلية التي يعتبر توافقها على ميثاق يقوم على مبادئ وأسس دستورية أمرا ضروريا لتحقيق الأمن والاستقرار للدولة والوطن، وبقيت أتابع الأحداث والتطورات إلى غاية اليوم حيث أصبح السودان من أعمق الجراح التي تنزف في جسد الأمة.

 

" الحرب خدعة" إذن، إنها الايديولوجيا عندما تحاصر الدين بتبريرات ومغالطات خارجة عن نطاقه وبعيدة عن جوهر رسالته، لقد بدأت تلك الايديولوجيا وتبريراتها بالاستبداد تجاه باقي الأحزاب والمكونات، وقد يقول قائل إنها السياسة التي تعرف بكونها فن الممكن، وليس ما ينبغي أن يكون، والجواب في هذه الحالة يكمن بضرورة الابتعاد بالدين عن هذا السلوك الذي يدخل في إطار الحيل والأدلجات والمغالطات وألعاب ما هو ممكن، والأفضل الاحتفاظ بالدين والرسالة في دائرة المثالية التي غالبا ما تفضل أن تبقى في ظل وإطار المحاولات المستمرة للاقتراب مما ينبغي أن يكون.

 

وفي سياق متابعة هذه التطورات تساءلت بيني وبين نفسي هل المشكلة تكمن في الخريطة الإدراكية وقدرتها على تفكيك الواقع المعقد واستيعاب معطياته وإشكالياته قبل الخريطة الجغرافية بألوانها وطوائفها وأديانها وأعراقها، وقد صادف ذلك قراءتي لدراسة نشرت في عدد ديسمبر الجاري من أهم دورية علمية فرنسية (العلوم والمستقبل) Sciences et Avenir تحت عنوان(الذكاء: كيف تجعلنا انفعالاتنا أكثر ذكاء) يحاول من خلاله مجموعة من علماء الأعصاب التأكيد على أن الفرح والخوف والمفاجأة تنشط التفكير وتسرع عوامل الربط والتجريد وهي تجعلنا بذلك أكثر ذكاء في مواجهة التعقيد، ولكني توقفت في منتصف المقال متسائلة على من تنطبق هذه المقولة ولمن يكتب هؤلاء العلماء، وهل يمكن إسقاطها على كافة الأمم والمجتمعات والأفراد، وجاء الجواب يقينا بالنفي ولاسيما على مستوى الأمم، فأمتنا ومنذ سقوط الخلافة بل قبلها، مبتلاة بمجموعة لا حد لها من الاحباطات والأزمات التي ولدت أشكالا من الانفعالات لدى القادة والشعوب، ولكن لم يؤد ذلك إلى ارتفاع مستوى الذكاء بما يسمح باستنهاض حقيقي للأمة، ذلك أن المفاجأة والخوف والفرح، يتبعه التأمل والتفكير وفقا لمنهج معين وتحليل محدد يكون على مستوى من التجرد والعقلانية والقدرة على التفكيك وإعادة التركيب وفقا لقاعدة من البيانات والمعلومات ورصيد لا حد له من تراكم المعارف وتوالدها وتنوعها، إنها عناصر إذا ما غابت، فإن انفعالاتنا لا يمكن أن تتجاوز حدود الرقص لتقف وراء مظلة الإسلام تحاول من خلالها تبرير الفشل بكل ما تحمله عملية التبرير المعياري للقرارات السياسية من خطورة!

 

فإلى متى نظل نستخدم الإسلام كإيديولوجيا لتبرير الفشل تارة وللاستبداد تارة أخرى ولقتل الأبرياء ولهضم حقوق المرأة...الخ.... مرات ومرات أخرى!

الشيخ شريف شيخ أحمد (25 يوليو 1964) الرئيس السابع للصومال، ورئيس اتحاد المحاكم الإسلامية، يمثل فيما يجري في الصومال نموذجا آخر للعجز عن ضبط العلاقة بين الدين والسياسية.

 

ومثال إضافي على ذلك التداخل والخلط بين الإيديولوجيا والدين ولكن من زاوية مختلفة، فالشيخ أحمد اختير لرئاسة المحاكم الشرعية الخمس في الصومال عام 2004 وبدأ يظهر كأحد الحلفاء المقربين من الشيخ حسن ظاهر عويس، ومع هزيمة المحاكم الإسلامية في معركة جيليب وسقوط كيسمايو تمكن من الفرار، ثم مر بعد ذلك عبر تنقلاته المختلفة بمجموعة من التحولات الفكرية التي قلبت مواقفه الدينية أو بالأحرى الإيديولوجية، انتهت على إثر الكثير من التنسيق والمفاوضات والترتيبات بانتخابه رئيسا للصومال في جيبوتي من خلال تصويت 550 نائبا اجتمعوا هناك لانتخاب رئيس جديد خلفا للمستقيل عبد الله يوسف أحمد، ومن ثم أتمت أثيوبيا انسحابها من الصومال بموجب اتفاق مع فصيل الشيخ شريف أشرفت عليه الأمم المتحدة، ولكن السؤال الذي لا مفر من طرحه يدور حول ما تكلفه الصومال من ضحايا وخسائر خلال ذلك المدى الزمني الذي استغرقه الشيخ شريف أحمد وغيره ليصبح أكثر قدرة على استيعاب مركبات الواقع المعقد وأقصد الواقع المحلي والاقليمي والدولي والتوازنات والأبعاد الجيوسياسية والمصالح المختلفة، وكم من صوماليين دفعوا حياتهم ثمنا لكي يتمكن الشيخ شريف وأمثاله من فك الاسلام السياسي والايديولوجي عن الدين، إن الزمن الذي استغرقه شيخ أحمد وغيره من المتحاربين، كلف سقوط أكثر من 17 ألف مدني، كما بات ثلث سكان الصومال يعتمدون على المساعدات الغذائية، ومثلهم مشردين ومهجرين بدون مأوى ولا غذاء ولا أدنى شروط الحياة الكريمة!

 

والجماعات المسلحة نتاج آخر لتلك التداخلات بين الدين والسياسة ومغالطات التباس الدين بالايديولوجيا وارتباط بعده الرسالي بآليات الصراع ، وإلا ماذا يستفيد هذا الفاعل الجديد في النظام الدولي عندما تقطع يد موظف مستقبل للبريد في احدى السفارات الأجنبية إذا تبينت العلاقة مع تلك الجماعات، وماذا تستفيد تلك الجماعات عندما يقتل رجال ونساء أبرياء في أوروبا أو أمريكا أو أفغانستان أو باكستان أو النيجر ومالي، لاعلاقة لهم بالأكاذيب التي بررت غزو العراق، أو بالقوى التي أسقطت نظام طالبان، أو بما يجري في فلسطين أو غيرها، إنه الإسلام السياسي والجهادي وغير ذلك من التسميات التي لازالت تحاول تجريد الإسلام من ابعاده الرسالية والسلمية والحضارية بسبب ذلك التداخل المغلوط والتعسفي والتبسيطي بين الإسلام والسياسة.

 

والجماعات الإسلامية ومراجعاتها المتتالية في مصر وليبيا وغيرها، نماذج هزلية أخرى لما مرت وتمر به الأمة من مآس، وما يمكن أن يؤدي إليه الجهل المقدس من انزلاقات تؤثر على الأمة ودينها ووجهها الحضاري والانساني، فعندما نقدس المغالطات من خلال التعلق بالأشخاص أو ما يسمى بالقيادات التاريخية لهذه الجماعات ونحصر أنفسنا في افهامها، ثم نحتاج إلى زمن ليس بالقصير لكي نصل بها إلى الرشد من خلال رحلة طويلة من المراجعات، يكون الواقع خلالها قد أفرز ظاهرة أخرى من نفس النوع وإن اختلفت في الشكل لكي تبدأ رحلة جديدة من التطورات، الأمر الذي يؤكد على أنه لم تتحدد لدينا بعد الإشكالية الحقيقية المعقدة التي تقف وراء انتاج هذه الظواهر.

 

وأخيرا، نصل إلى الأحزاب والجماعات السياسية التي لم تمل بعد من استخدام شعار " الإسلام هو الحل " ذلك الشعار المفارق لمفهوم الحزب السياسي والمجتمع المدني، وبدون تفصيلات يعرفها جيدا طلاب السنة الأولى من العلوم السياسية حول تعريف الحزب السياسي ومكوناته وأهدافه ...الخ... وهي في خلفية كل رجال السياسة والمثقفين، أنتقل إلى التساؤل حول مدى شرعية تقدم حزب أو جماعة لعشرات الملايين ممن أثقلتهم الحياة بمختلف متطلباتها من تعليم وغذاء وصحة ...الخ...لتربت على أكتافهم وتقول لهم (الإسلام هو الحل)! في حين أن المطلوب من الأحزاب هو عرض برامجها الاقتصادية والتنموية التي تطرح فيها آخر نتائج ما توصلت إليه دراساتها الأكاديمية الميدانية، التي ترد من خلالها على أسئلة الشعب المرتبطة بقوته اليومي وتعليمه وصحة أبنائه، فأين تلك الدراسات حول موضوع البطالة والأمية وكيفية القضاء عليها أو تخفيض نسبها التي لاتزال تعتبر الأعلى في العالم، أين نتائج الدراسات التي من المفترض أن تكون قد قامت بها مراكز بحثية تابعة لتلك الأحزاب والجماعات حول مشاريعها التنموية الخاصة بالبنية التحتية ووسائل النقل وتحسين المعيشة واستقطاب الاستثمارات وتفعيل النشاط الاقتصادي، وتحسين الانتاج وتشغيل الشباب وتعزيز الوحدة من خلال تكريس التنوع والتوافق وقيم السلام والأخوة في المجتمع الواحد، ما علاقة " الاسلام هو الحل" بكل هذه القضايا، أين مشاريع المحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، أم أن كل المطلوب هو النزول بالناس إلى الشارع وتسليمهم لافتات يحملونها كتب عليها شعار الإسلام هو الحل، كيف يكون الإسلام حلا للمشاكل الاقتصادية والتنموية والتقنية والبيئية للدولة، هل يقدم الإسلام حلا سحريا لمشاكل الفقر ووسائل النقل و..... هل الاسلام هو صندوق العجائب أم مصباح علاء الدين، أم أننا نسير على إيقاع خرافات رواياتنا من ألف ليلة وليلة فاقتربنا من حيث التفكير من بساط الريح في حكايات سندباد البحري ومصباح صلاح الدين، بل علاء الدين ومن هو العفريت الذي سيخرج من القمقم هذه المرة أردوغان ...أم ... أحد الأشخاص من الذين سندعى إلى التعلق به مرة أخرى بدلا من الأفكار والمشاريع، ومن هو الكاريزما الجديدة التي ننتظر قدومها من كاريزمات القلب التي ولى عهدها وانتهى.

 

إن المثل يقول، إذا أردت أن تتحقق الأحلام لابد أن تستيقظ أولا، وعندما نستيقظ سندرك بأننا في عهد التكنوقراط وكاريزما العقل، وأن ثقافة البطل والعصا السحرية لم يعد لها مكان ولايمكن أن يكون لها مكان في غير عصور الانحطاط والتخلف، وعلى أمتنا أن تعتبر مما يحدث معها على مستوى الواقع، فقبل أشهر قليلة فقط نادي العرب أردوغان بالبطل المنقذ، واعتبروا بأن هذه الشخصية الفذة من شأنها أن تتقدم بالقضية الفلسطينية خطوات عملاقة، لكن سرعان ما اصطدمت هذه الأحلام بالواقع وتعقيداته، الأمر الذي ينبغي أن يعلم الأمة بأن التغيير لايمكن أن يأتي من خلال الأشخاص الأبطال، ولكن التغيير ينطلق من نظام التفكير ومن ثقافة استيعاب جديدة هي أبعد ما تكون عن ثقافة البطل أو الشعارات التي لازالت تطغى على عقولنا، فنحن لازلنا نعيش في ظل توهمات كثيرة تسيطر على عقولنا، وإلا لماذا لايجيب من يقف وراء تلك الشعارات عن كيف سيحل الإسلام مثلا مشكلة كون 98% من الصادرات العربية من البيتروكيميائيات، وهل سيستنبت الإسلام مثلا تكنولوجيا النانو في العالم العربي، وكيف سيعمل شعار الإسلام هو الحل عمليا على تضييق الفجوة المعرفية التي باتت تقدر بيننا وبين الغرب، بعقود من السنين إذا لم تكن بالمئات.

 

وبدلا من هذا الشعار، لماذا لا يعرض خبراء تلك الأحزاب والجماعات في الاقتصاد وتكنولوجيا القمة والتنمية المستدامة والعلاقات الدولية...الخ... نتائج دراساتهم العلمية ورؤيتهم المستقبلية إن وجدت ومن ثم يكشفون عن الحلول العلمية التي يرونها مناسبة لمشاكل مواطنيهم بدلا من طرح هذا الشعار الإيديولوجي، الذي بات ينتعش ويزدهر في المناسبات والاستحقاقات الانتخابية، دليل على التوظيف الايديولوجي للدين، فالذي يريد أن يدعو إلى المنظومة القيمية الإسلامية وللاهتداء بتعاليم رسالة الإسلام، فيدعو لها من منابر دعوية أخرى لها مؤسساتها غير الأحزاب السياسية المعنية بتقديم برامج تنموية تتناول تحسين الحياة اليومية للمواطن، بعيدا عن الاستغفال والاستغباء والعمى المعرفي الذي بتنا نسوق به الأمة وكأنها قطيع، يسير وراءنا، فذلك الشعار وقبل أن تعترض عليه الطوائف غير المسلمة من إخواننا المسيحيين وغيرهم لا محل له من الاستحقاقات الانتخابية، باعتباره لايزيد عن محاولة أدلجة للدين لم يعد عقل المسلم يتحملها، كما أن قضايا الأمة ليست كلها قضايا فقهية أو شرعية يتمثل حلها في استجلاء الحلال من الحرام، حتى تصبح الدولة وكأنها دائرة فتوى، لابد أن تتوقف آليات الصراع عن توجيه نشاطاتنا ومشاريعنا ولابد من الانطلاق باتجاه البناء الحضاري بعيدا عن هذه العقد التي كبلتنا وأبعدتنا عن جوهر رسالتنا وجعلتنا نقف عند حدود الرقص والشعار.

===================

الكرة في الملعب الأميركي

سميح صعب

النهار

28-12-2010

 ربما تأخرت لجنة المتابعة العربية في مطالبة الولايات المتحدة بعرض "جدي" للسلام حتى تعود السلطة الفلسطينية الى المفاوضات. كما ان قرار اللجوء الى مجلس الامن من شأنه ان يزيد الضغط على اسرائيل كي تقبل بتجميد الاستيطان مدخلاً الى المفاوضات ويحرج الديبلوماسية الاميركية التي سلمت بفشلها في احياء عملية السلام.

لكن ماذا بعد ان اعلن العرب كلمتهم في مواجهة التشدد الاسرائيلي وفي مواجهة الاقتراح الاميركي الواهي بالدعوة الى اجراء مفاوضات متوازية مع الفلسطينيين واسرائيل حول قضايا الوضع النهائي؟

 والى أي مدى يمكن الفلسطينيين والعرب الذهاب في "التمرد" على الطلب الاميركي بالعودة الى المفاوضات ليس بهدف إنقاذ عملية السلام وإنما بهدف إنقاذ ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي لن تكون سعيدة بإضافة فشل آخر الى سلسلة الاخفاقات التي تعانيها في السياسة الخارجية؟

ويمكن طرح هذا التساؤل بصيغة اخرى وعلى الشكل التالي: ألا يحق للفلسطينيين ان يرفضوا الدعوة الاميركية، على غرار ما فعل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ رب قائل إن الرفض الفلسطيني معناه تمكين اسرائيل من المضي في فرض الامر الواقع اكثر في الضفة الغربية والقدس الشرقية وتالياً فإن الوقت لا يلعب لمصلحة الفلسطينيين الذين يتعين عليهم، وفق النسخة الاخيرة من الاقتراحات الاميركية، المسارعة الى الدخول في المفاوضات على القضايا الجوهرية وعدم إضاعة الوقت في انتظار قبول اسرائيل تجميد الاستيطان.

بيد ان الاميركيين لا يقولون للفلسطينيين على اي اساس سيخوضون فيه المفاوضات، وما هو عنوان التفاوض، وهل هو دولة فلسطينية بحدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؟ ام ان المطلوب التفاوض على الاسس التي يراها نتنياهو مناسبة لاسرائيل ولضمان استمرار ائتلافه الحكومي؟

وفي الوقت الذي يرى الفلسطينيون كل تلك الحوافز الاميركية المقدمة الى اسرائيل وكل ذلك الاهتمام الاميركي بأمن اسرائيل، من أجل مجرد ان يقبل نتنياهو بالتفاوض من دون تجميد الاستيطان، فلماذا ليس من حق الفلسطينيين ان يطالبوا بدورهم ان يدخلوا المفاوضات هذه المرة مع ضمانات اميركية بأن الهدف هو الوصول الى دولة فلسطينية بحدود 1967، لا سيما ان مواضيع الصراع باتت معروفة ومحددة اكثر من مرة، ولن يجدي نفعاً التوصل الى اتفاق على اطار جديد للقضايا الجوهرية وهي القضايا عينها التي سبق وان حددها اتفاق اوسلو لكنها بقيت من دون تنفيذ بسبب عدم وفاء اسرئيل بالتزاماتها؟

لذلك صار لزاماً على الولايات المتحدة، اذا ما كانت جدية في تحركها، ان تتقدم هي بافكارها للحل وألا تكتفي بالاضطلاع بدور ساعي البريد. وبداية الجدية الاميركية تكمن في مثل هذه الخطوة. لكن لا يبدو ان ادارة اوباما في وارد الاقدام عليها نظراً الى المعارضة القوية التي تبديها اسرائيل في هذا المجال.

وما دامت واشنطن لا تجرؤ على مغادرة الموقع الذي حددته لها اسرائيل، فإن عملية التسوية ماتت فعلاً وقد تأخر العرب في ادراك ذلك. والقرار الذي اتخذته لجنة المتابعة العربية بعدم التفاوض الا بوجود عرض اميركي "جدي" هو الرد المناسب على التغاضي الاميركي عن المراوغة الاسرائيلية في عملية التسوية.

باتت الكرة الآن في الملعب الاميركي، فإذا ما كانت ادارة اوباما جدية في السعي الى السلام فعليها ان تغير نهج المسايرة لاسرائيل وتقلع عن تقديم الحوافز ولتجرب مرة اسلوب الضغط لأنه في اي حال سيكون أجدى من دفع الاثمان للدولة العبرية من دون مقابل، وهو اسلوب أثبت عقمه. وفي حال لم تكن الادارة الاميركية قادرة على ممارسة مثل هذا الضغط على تل ابيب فليس عدلاً ان تمارسه على الفلسطينيين فقط!

===========================

أوروبا الشرقية وخيار الحياد

المصدر: صحيفة "موسكو تايمز" الروسية

التاريخ: 28 ديسمبر 2010

البيان

يصعب التوصل إلى قصص النجاح في ما وصفه الاتحاد الأوروبي بأنه «الجوار». في البداية كانت جورجيا، ثم أوكرانيا، وحديثاً مولدافيا، حيث شكلت جميعها آمالاً للاتحاد الأوروبي. ولكن في كل حالة، تبددت هذه الآمال.

يراجع الاتحاد الأوروبي سياسته بشأن الجوار، التي بدأت في 2004، والشراكة الشرقية التي بدأت في 2009، وذلك قبل القمة الكبرى الثانية في بودابست التي ستعقد في ظل رئاسة المجر للاتحاد في مايو المقبل. ولكن فرنسا تباطأت بشأن تخفيف شروط منح التأشيرات للأوكرانيين.

ومنذ وقت طويل تتمثل إحدى المشكلات، في غياب الحماس من جانب الاتحاد الأوروبي لمزيد من التوسع في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، كان يتعين على الاتحاد الأوروبي أيضاً مواجهة واقع التنافس مع روسيا، في ما يطلق عليه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف «مجال المصالح المتميزة» لروسيا. وعلى نحو متزايد، رغم ذلك، تعتبر المشكلة مع دول أوروبا الشرقية نفسها.

أولاً؛ إن هذه دول جديدة كانت سيادتها غالباً محل تنازع لدى ميلادها في عام 1991، وظلت ضعيفة.

ثانياً؛ لدى هذه الدول اقتصادات ضعيفة، وباستثناء جوهري لأذربيجان الغنية بالنفط، فإن هذه الدول لديها القليل من الموارد الطبيعية أو الصناعات ذات القيمة العالية، ولديها قطاعات زراعية كبيرة. وتعتمد أيضاً على الإيجارات الاقتصادية أو المشتقات الروسية بدلاً من أن تضيف قيمة بنفسها.

ثالثاً؛ رغم أنها بلا شك قد تحتج عالياً على مثل هذا الوصف، فإن دولاً مثل أوكرانيا يعتقد أنها قوى توازن وليست قوى انضمام للاتحاد. وتتيح ممارسة دور التوازن بين روسيا والغرب، للنخبة البقاء في السلطة والحفاظ على اقتصاد أوليغارشي، داخل توازن كان لولا ذلك يمكن أن يكون ضاراً.

في الواقع، يعتبر القادة المحليون نظراء محدثين للرئيس اليوغسلافي السابق تيتو، فهم غير قادرين أو غير مستعدين للانضمام إلى أوروبا أو روسيا. ولكن كلاً من روسيا والغرب يهتمان بما فيه الكفاية، بأنهم يغذون لعبة التوازن من خلال الموارد الكافية لتمكين القادة المحليين من مواجهة المنافسين، ويلتمسون لهم عذر افتقارهم إلى الإصلاح. هناك توقعات حقيقية لتغيير هيكل الحوافز في دول صغيرة مثل مولدافيا، خاصة إذا استطاع الاتحاد الأوروبي المساعدة في بناء القدرات المؤسسية على المدى الطويل. ولكن في أماكن أخرى في المنطقة، يجب على الاتحاد التعرف إلى واقع كل لعبة فردية في ما يتعلق بالتوازن، والعمل في حدود ما هو ممكن من أجل تعزيز مصالح الاتحاد الأوروبي.

أولاً، يتعين على الاتحاد الأوروبي العمل على تحويل أوكرانيا إلى النموذج الفنلندي، فأوكرانيا تعتبر سياستها الخارجية، مثل سياسة الرئيس اليوغسلافي السابق تيتو، رسميا في الوقت الحالي «غير منحازة». ويمكن للاتحاد الأوروبي قبول قيود السياسة الخارجية الخاصة بأوكرانيا، في حين يركز على مساعدتها في تحويل هياكلها الاقتصادية والاجتماعية، والحفاظ على ديمقراطيتها.

وهناك استراتيجية ثانية تتمثل في تحويل جورجيا إلى النموذج الصربي، بتشجيعها، مثل صربيا وكوسوفو، والتخلي عن هذا النوع من سياسة «القدر الحتمي»، الذي يربط كل شيء باستعادة الأراضي المقدسة، تاركاً للبلاد حرية التركيز على الإصلاح الداخلي. وأخيراً، يتعين على الاتحاد الأوروبي، أن يعمل على استلهام النموذج الفرنسي في حالة روسيا البيضاء. وكما هي الحال مع إسبانيا، فإن اقتصاد روسيا البيضاء سوف يشهد التغير قبل أن يتغير لوكاشينكو، ما سيمهد الأساس لتحقيق تنمية سريعة لدى تركه الحكم.

===================

استفتاء أم استثناء؟

آخر تحديث:الثلاثاء ,28/12/2010

عبدالحسين شعبان

الخليج

القاعدة في القانون الدولي المعاصر وفي العلاقات الدولية المعاصرة هي عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال أو بالنتائج التي يتمخض عنها الاستيلاء على الأراضي وضمّها بالقوة، لاسيما عن طريق العدوان، وهو الأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو العام ،1945 وما درجت عليه قراراتها، لاسيما الصادرة عن الجمعية العامة، أو حتى ما يطلق عليه “الشرعية الدولية”، والمقصود بها في الغالب قرارات مجلس الأمن، وهذه هي الأخرى اتّخذت مواقف في غالبيتها الساحقة لا تتعارض مع مبادئ القانون الدولي، لاسيما عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال ورفض ضم الأراضي المستولى عليها بالقوة، وإن كانت أحياناً وبسبب اختلال توازن القوى وتغليب المصالح الأنانية الضيقة تجانب الحقيقة أو تزوغ من استحقاقاتها أحياناً، الأمر الذي يُظهر تناقضاً في بعض الأحيان، بين ما يسمّى بالشرعية الدولية، التي هي اتفاق مرهون بتوازن القوى الدولية في لحظة معينة على قرار يعبّر عن التوافق بين القوى الكبرى المتنفذة والمتسيّدة في العلاقات الدولية، وبين قواعد القانون الدولي المعاصر، حيث تتجلى أحياناً المفارقات والمساومات، لاسيما إزاء الشعوب المُستَضعَفة .

 

إن هذه المقدمة النظرية تبدو بديهية لا على مستوى الفقهاء فحسب، بل على النطاق الدولي والدبلوماسي، باستثناء “إسرائيل” التي لها قانونها الدولي “الخاص” أو حيث يصبح القانون “الإسرائيلي” فوق القوانين . ففي سابقة خطيرة، بل هي الاولى من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة، أصدر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قانوناً جديداً يوم 22/11/2010 يقضي بإجراء استفتاء عام على أية اتفاقية تتضمن الانسحاب “الإسرائيلي” من الأراضي العربية التي ضمّتها اليها سابقاً .

 

وحسب القانون “الإسرائيلي” الذي حصل على أغلبية 65 صوتاً ومعارضة 33 صوتاً فإن عدم موافقة الكنيست على اتفاقية الانسحاب بأغلبية الثلثين (أي 80 نائباً أو أكثر) يقضي بطرح المسألة على الاستفتاء العام . ويأتي صدور هذا القانون بعد قرار اتّخذه الكنيست “الإسرائيلي” بشأن “المواطنة النقية” أي الإقرار “بيهودية الدولة” وأداء قسم الولاء لها، في محاولة لتفريغ ما تبقى من عرب فلسطين، سكان البلاد الأصليين من وطنهم وترحيلهم أو سلب ما تبقّى لهم من حقوق على أرضهم .

 

ولا يحتاج الباحث إلى عناء كبير لدحض محاولات تكييف القانون “الإسرائيلي” الأخير بشأن الاستفتاء، لكن استعراض بعض الحقائق والوثائق الدولية، كفيل برد حجج “إسرائيل” والقوى المتنفذة التي تشجّعها أو تتغاضى عن سلوكها، بحيث يتحوّل ما هو أساسي إلى ثانوي وتصبح المناقشات العقيمة بشأن تجميد الاستيطان من عدمه هي الأساس، في حين أن القضية تتعلق بحق تقرير المصير والانسحاب الكامل .

 

إن قواعد القانون الدولي الانساني، لاسيما اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 لا تعطي أية شرعية للمحتل باجراء تغييرات ديموغرافية أو قانونية أو اقتطاع أجزاء أو ضمّها من الإقليم المحتل، بل تفرض عليه ضرورة احترام المكوّنات القائمة والعمل على توفير مستلزمات إدارة السكان المحليين لها، ولعل أيّ إجراء من هذا القبيل يعتبر باطلاً ولاغياً ولا شرعياً . وقد صدر عن مجلس الأمن العديد من القرارات التي تؤكد عدم شرعية الاحتلال “الإسرائيلي”، واعتبار الأراضي التي ضمّتها “إسرائيل” “أراضي محتلة” بما فيها القدس، وقضت تلك القرارات ببطلان اعلان “إسرائيل” ضم القدس أو اعتبارها عاصمة لها، حيث تعتبر القدس منذ قرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر في 29/11/1947 “مدينة مدّولة”، الأمر الذي يضع المركز القانوني للجزء الغربي منها محل تساؤل قانوني عندما أقدمت إسرائيل على ضمه في العام 1949 .

 

كما ان القرار 194 بشأن حق العودة الصادر في 11/12/1948 نصّ على “تدويل القدس” وأنشأ لجنة تحقيق لوضع نظام دائم للتدويل، ودعا قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد عدوان 5 يونيو/حزيران العام 1967 إلى إلغاء التدابير المتّخذة لتغيير وضع مدينة القدس (قرار ج . ع في 4 يوليو/تموز 1967) .

 

ولعل قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22/11/1967 كان قد دعا إلى انسحاب القوات “الإسرائيلية” من الأراضي المحتلة، وإيجاد تسوية عادلة للاجئين الفلسطينيين، أي انه لم يعترف بشرعية الاحتلال أو الاستيلاء على الأراضي وضمّها بالقوة، بما فيها القدس، وكذلك القرار 338 الصادر في 22/10/1973 والذي صدر اثر حرب اكتوبر تنفيذاً للقرار 242 قضى بانهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة .

 

وعندما أقدمت “إسرائيل” على ضمّ القدس الشرقية والجولان السورية اليها أصدر مجلس الأمن قرارين يقضيان ببطلان ضمّ الأراضي بالقوة والمطالبة بالانسحاب، وكان القرار الأول قد صدر بشأن القدس في ،1980 أما القرار الثاني فقد صدر بخصوص الجولان السورية العام 1981 .

 

سقتُ أرقام وتواريخ القرارات الدولية والنصوص القانونية، التي تدين “إسرائيل” وتمنع عليها وعلى اداراتها فرض قوانين جديدة أو تغيير قوانين الاقليم المحتل، بهدف تبيان أن القانون الإسرائيلي الأخير يعتبر باطلاً من أساسه، سواءً حصل الاستفتاء أو لم يحصل، وسواءً وافق المحتل أو لم يوافق، لاسيما إذا تعلّق الأمر بالانسحاب، لأن المناطق التي ضمّت إلى “إسرائيل” واعتبرت ضمن السيادة “الإسرائيلية”، هي مناطق واقعة تحت الاحتلال، والاحتلال في القانون الدولي هو: عمل مادي وليس تصرفاً قانونياً فحسب، ويعتبر حسب قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية جريمة تستحق العقاب، لاسيما بموجب قرار الجمعية العامة 1514 (الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة) الصادر في 14 ديسمبر/كانون الأول 1960 .

 

وبما انه تصادف الذكرى الخمسين لصدور هذا القرار التاريخي، الذي يعتبر محطّة مهمة في تصفية الكولونيالية وعدم الاعتراف بشرعية ضمّ الأراضي بالقوة أو الاستيلاء عليها تحت أي سبب كان، فإن استعادة هذا القرار له دلالة مهمة حين يقرر “منح الاستقلال للبلدان والشعوب التابعة والمستعمرة” وقد حصلت الكثير من الشعوب على حريتها واستقلالها، لاسيما في آسيا وإفريقيا تنفيذاً لهذا القرار التاريخي المستند إلى مبدأ حق تقرير المصير .

 

الاحتلال كما ذكرنا عمل مادي باطل بطلاناً تاماً، إذ لا يجوز الاتفاق على مخالفة قواعد القانون الدولي الإنساني تحت أي مبرر، أي معالجة الانتهاك المادي بانتهاك قانوني، خصوصاً أن الاحتلال يخالف قاعدة آمرة مهمة في القانون الدولي Jus Cogens التي تقول بتحريم الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ولا يمكن لقانون القوة أن يفرض استفتاءً لمحتلين على أراضٍ محتلة ليس من حقهم الوجود فيها، فما بالك بحق التصرف بمستقبلها بالضد من حق تقرير المصير .

 

إذا كانت قواعد القانون الدولي السبعة الأساسية لا تجيز الحق في الحرب أو العدوان أو الاستيلاء على الأراضي، فإن التطويرات اللاحقة لقواعده أكّدت احترام سلامة الأراضي لجميع الدول الأعضاء واحترام الاستقلال السياسي، مثلما هو احترام الحدود ووحدة الأراضي، وهذان المبدآن أصبحا من الحقوق الآمرة، مثلما هي حقوق الانسان باعتبارها من الحقوق ذات العلوية في القانون الدولي، وحصل ذلك اثر اتفاق هلسنكي للأمن والتعاون وبحضور 33 دولة أوروربية، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا في العام 1975 في ظل توازن القوى الدولي آنذاك، وحتى إن جاءت هذه المبادئ في إطار ميثاق الأمم المتحدة الاّ أنها اعتبرت مبادئ مستقلة في هلسنكي، أي أسست لقواعد قانونية شارعة ومنشئة سواءً كانت جديدة أو مثبتة لها .

 

الاحتلال مؤقت وليس دائماً وليس بإمكانه نقل السيادة إلى القوات المحتلّة أو التصرف بها حسب اتفاقيات جنيف لعام ،1949 وبهذا المعنى فإن أي إجراء لإدامة أمد الاحتلال يعتبر جريمة إضافية تستحق الملاحقة للقائمين عليها كمجرمي حرب وهي جرائم لا تسقط بالتقادم . وقد جاء في تعريف ماهية العدوان في القرار رقم 3314 في العام 1974 (م 1): العدوان هو احتلال كل أو جزء من أراضي دولة، مثلما نصت المادة (5) من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية: العدوان جريمة من الجرائم التي تقع ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة .

إن مبدأ السيادة يقضي بعدم إملاء أي قرار محلي أو دولي على اقليم الدولة المحتلة بالضد من ارادتها الحرة وبالضد من ارادة سكانها، وأوجب القانون الدولي احترام القوات المحتلة القوانين المدنية والجنائية والادارية التي كانت سائدة قبل الاحتلال .

وبهذا المعنى أن الاستفتاء هو مخالفة صريحة لمبدأ حق تقرير المصير المنصوص عليه في المادتين الأولى والخامسة والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، وإن “إسرائيل” بتصرفها تريد جعله قاعدة على الرغم من كونه استثناءً غير مقبول، لذا فالجهد ينبغي أن ينصّب فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وإنسانياً، بما فيها لمؤسسات المجتمع المدني على رفض الاحتلال والتمسك بحق تقرير المصير والانسحاب الكامل وإقامة الدولة الفلسطينية، وعدا ذلك سيكون مناقشة في تفاصيل الاستثناءات “الإسرائيلية” التي تجري بالضد من القانون الدولي المعاصر وقواعد العلاقات الدولية .

===================

لا تسوية مع إسرائيل من دون تسويات عربية وشرق أوسطية

الثلاثاء, 28 ديسيمبر 2010

ماجد كيالي *

الخليج

لا يمكن إحالة استعصاء عملية التسوية لمجرد تعنّت إسرائيل، وعدم حسم الولايات المتحدة الأميركية أمرها في هذا المجال، فالاستعصاء الحاصل يعود، أيضاً، إلى ضعف العامل الفلسطيني، وعدم وجود حاضنة عربية ملائمة، وإلى اضطراب أوضاع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في مجال الشرق الأوسط.

 

ومع الإقرار بتحمل الفلسطينيين بعضاً من المسؤولية عن ذلك، بالنظر لخلافاتهم وانقساماتهم وترهّل بناهم وعدم تهيئتهم شعبهم لخيارات بديلة، إلا أنه ينبغي الإقرار، أيضاً، بأن هؤلاء لا يملكون شيئاً إزاء هذا الواقع، بحكم ضعف مكانتهم في إطار موازين القوى والتفاعلات الإقليمية. ولعل هذه الحقيقة تفيد بتنمية إدراك الفلسطينيين أن عدالة قضيتهم وقوتها ومفاعيلها الإقليمية والدولية لا تشفع لهم في صراع يتعلق أساساً بموازين القوى، وبالمعطيات العربية والدولية؛ فكيف إذا كانت أوضاعهم على هذه الدرجة من التدهور؟

 

ويستنتج من ذلك أن الوضع العربي الراهن يتحمل مسؤولية كبيرة عن فشل خيار «السلام»، كونه لم يرتق بأحواله، وعلاقاته، إلى الدرجة التي تتيح له تشكيل عامل ضغط على إسرائيل، في هذا الشأن. وكما نعرف فإن العلاقات البينية العربية ليست على ما يرام، وثمة مشكلات حدودية بين أكثر من قطر عربي وآخر، كما ثمة مشكلات واختلافات سياسية بين معظم الأطراف الفاعلة والوازنة في العالم العربي. وكما نشهد، فثمة واقع يدفع نحو تفجّر الأوضاع في لبنان، وها هو السودان يذهب نحو الانقسام، فيما الأوضاع في اليمن تنذر بالتوجه نحو ذلك، أو نحو الفوضى، والحال في العراق لا تبشر بالاستقرار، مع تعمق التمزّقات المذهبية والطائفية والاثنية فيه، وما زال الخلاف الجزائري  المغربي على أشده في شأن الصحراء؛ هذا من دون أن نتحدث عن الأزمات الكبيرة المتعلقة بالشرعية والاندماجات الوطنية والتنمية والديموقراطية في بلدان العالم العربي.

 

هكذا فإن العطب في الجسم العربي، على صعيدي الحكومات والمجتمعات، وتضارب سياسات دوله، لا يخدم في إيجاد حالة عربية يمكن أن تستثمر في «السلام»، ولا حتى في دفع إسرائيل نحو تنفيذ استحقاقاتها إزاء عملية التسوية؛ على الإجحافات المتضمنة فيها بالنسبة لحقوق الفلسطينيين. ففي ظل واقع عربي هو على هذه الدرجة من الضعف والتمزق، ما الذي يدفع إسرائيل نحو التسوية؟ أو ما الذي يضطرّها فعلاً إلى ذلك؟ وما الذي يجبر أميركا على الضغط عليها؟

 

وتفيد تجربة عقدين من الزمن بإدراك حقيقة مفادها أن عملية التسوية لا تبنى على الرغبات، ولا على المطالبات والتوسّلات، وإنما تبنى على استثمار علاقات القوة والمصالح وتوليد رؤى مستقبلية مشتركة، وهذا بالضبط ما يفتقده الوضع العربي الراهن. ولعل هذا يفسر بقاء «المبادرة العربية للسلام»، التي أطلقت من مؤتمر قمة بيروت (2001)، حبيسة الأدراج، وان إسرائيل الصغيرة والمحدودة الإمكانات تؤثر في السياسة الأميركية، أكثر بكثير من العالم العربي.

 

وخارج الوضع العربي، فإن تفاعلات القوى الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط لا تبشر بالذهاب نحو التسوية، فصيحات الحرب تطلق في أكثر من اتجاه، ومن أكثر من مكان. فإسرائيل تطلق صيحات الحرب ضد لبنان وسورية والفلسطينيين وإيران، والولايات المتحدة الأميركية، التي تعد نفسها للخروج من العراق وأفغانستان، تعلن صراحة بأن مختلف الخيارات موضوعة على الطاولة في مواجهة إيران، للحد من نفوذها الإقليمي ولوقف برنامجها النووي، وبدورها فإن إيران لا تفوّت فرصة إلا وتهدّد فيها بأنها ستستهدف المصالح الأميركية في المنطقة (أي في دول الخليج العربي)، في حال شنت الولايات المتحدة الحرب عليها! ويمكن في هذا الإطار الحديث، فقط، عن تركيا كاستثناء، كونها تعتمد في توسيع نفوذها الإقليمي على «القوة الناعمة»، أي على تنمية المصالح الاقتصادية والسياسية والرؤى المستقبلية المشتركة، بينها وبين دول المنطقة.

 

القصد مما تقدم لفت الانتباه إلى أن التسوية الفلسطينية  الإسرائيلية دخلت في غيبوبة حقاً، في المدى المنظور على الأقل. فهذه التسوية، التي تجرى في ظل اختلال بيّن في موازين القوى لغير مصلحة العرب، مستحيلة من دون ضغط أميركي (ودولي) فاعل على إسرائيل، وهو أمر غير وارد في الحسبان في هذه المرحلة، كما بات واضحاً. وهذه التسوية غير ممكنة، أيضاً، بوسائل المفاوضات، التي حوّلتها إسرائيل إلى مجرد لعبة علاقات عامة، وفرصة لتكريس هيمنتها في الأراضي المحتلة، وفرض إملاءاتها على الفلسطينيين، في قضايا الحل النهائي.

 

الآن، وطالما أن الوضع هو كذلك، وطالما أن الأوضاع العربية، وأوضاع القوى الدولية والإقليمية، المعنية بالمنطقة، لا تدفع نحو التسوية، أو لا يبدو أن التسوية تدخل في سلم أولوياتها وحاجاتها، فكيف ستحدث التسوية؟

 

وبكلام آخر، كيف يمكننا أن نتوقّع تسوية فلسطينية  إسرائيلية، أو عربية  إسرائيلية، في واقع يحتاج إلى تسوية عربية  عربية، وإلى تسويات داخلية في أكثر من بلد عربي؟ ثم كيف لنا أن نتحدث عن تسوية مع إسرائيل في ظل هذا الصراع الضاري بين القوى الإقليمية والدولية على خرائط الشرق الأوسط؟ وبالأساس لماذا نندب حظ التسوية مع إسرائيل في حين أن الفلسطينيين غير قادرين على تسوية أوضاعهم بين الضفة وغزة (حتى على مستوى التنقل والإفراج عن المعتقلين من الجانبين!)، وعلى تسوية أوضاع الفلسطينيين في العراق وفي لبنان (خذ وضع اللاجئين المقتلعين من مخيم نهر البارد مثلا)؟

 

ماذا يعني كل ذلك؟ هذا يعني أن إسرائيل، في واقع الاحتلال المريح أو الرخيص (بحسب تعبير الرئيس محمود عباس) ليست مضطرة للتسوية بعد، لا سيما مع الفلسطينيين، بالثمن الذي يطلبونه (دولة في مساحة الأراضي المحتلة عام 1967). لكن ذلك يعني، أيضاً، أن إسرائيل باتت تربط هذه التسوية، وشكلها وحدودها، بمآل الصراع على الشرق الأوسط، وبالترتيبات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمكن أن تتمخّض عنه في المستقبل القريب.

 

في هذا الإطار ربما على القيادة الفلسطينية الكف عن الحديث عن الخيارات والبدائل، فهي لم تهيئ نفسها وشعبها لأي خيار خارج المفاوضات، فمؤسساتها (وضمنها منظمة التحرير) ضعيفة ومغيبة، واستمرار الانقسام يستنزف الطاقات ويحبط الفلسطينيين ويضر بصدقية قضيتهم. والأجدى لهذه القيادة، بدلاً من ذلك، إعادة بناء أوضاعها ومؤسساتها وإطاراتها، وتوضيح ذاتها كحركة تحرر وطني تناضل ضد آخر شكل من أشكال الاستعمار والعنصرية.

 

في المرحلة الماضية رصدت القيادة الفلسطينية جزءاً كبيراً من جهدها، وتضحيات شعبها، في معارك التمثيل والشرعية، في المجالين العربي والدولي، وحتى ضمن المجال الفلسطيني، ويأتي ضمن ذلك حؤولها دون تولّد قيادة شعبية للانتفاضة الأولى، والتفافها على الوفد الفلسطيني المفاوض (الذي كان يترأسه المرحوم حيدر عبدالشافي)، وكان ثمن ذلك تخليها عن طابعها كحركة تحرر وطني والتحول إلى نوع من سلطة تحت الاحتلال، والنتيجة أنها ضيعت المنظمة، وشعب المنظمة (لا سيما اللاجئين)، ولكنها لم تربح الدولة ولا السلطة.

 

ولعل غروب عملية التسوية يفسح المجال، والوقت، أمام القيادات المعنية لمراجعة المسيرة السابقة، بطريقة نقدية ومسؤولة، ما يتيح توليد استراتيجية فلسطينية جديدة، أكثر مواءمة لأوضاع الشعب الفلسطيني وللمعطيات المحيطة به.

* كاتب فلسطيني

===================

عام ضائع آخر

الثلاثاء, 28 ديسيمبر 2010

حسام عيتاني

الحياة

أمضى اللبنانيون عام 2010 بين انتظار القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة والاعتداء الإسرائيلي الواسع. الأمل في الحصول من حال التوقع والمراوحة كان في تهديدات «بالحسم» السريع.

 

وعام يمضي في الانتظار هو عام آخر ضائع. وبذريعة الحفاظ على الاستقرار، تراجع أداء الدولة في وضع السياسات العامة وفي مستوى الخدمات. لم تشهد أحوال الاقتصاد سوى زيادة الاعتماد على الأموال التي يحولها اللبنانيون العاملون في الخارج وتكريس تصدير الكفاءات كسلعة وحيدة قابلة للصرف.

دعونا من خرافة النجاة من الأزمة الاقتصادية العالمية. مروجو هذه الأقوال يفترض أن يكونوا أول من يعلم أن الاقتصاد اللبناني انهار فعلاً منذ أعوام طويلة وأن إنقاذه يتطلب إعادة هيكلة جذرية لن تكون في مصلحة أي من القوى الممسكة بالمجالين السياسي والاقتصادي.

المفارقة أن اقتصاد الرأفة والشفقة اللتين يعتاش لبنان عليهما، يرتبطان باستمرار أدائه دور الساحة للصراعات والمنافسات الإقليمية. وأن خروجه منها يعني توقف الهبات والتقديمات والمساعدات التي تتلقاها الدولة والأحزاب والتيارات المعلومة. وعندها سيضطر لبنان إلى تصدير من تبقى من أصحاب المهارات لإعالة بقية المواطنين.

وتُعلم التجربة أن منح الأولوية للحفاظ على الاستقرار انتهى إلى إصابة البلاد بالشلل الكامل. فلا الدولة استطاعت احياء مؤسساتها وأداء دور القاطرة في مجالات البناء والإنفاق الاستثماري المجدي، التزاماً منها بما تعتقد أنه سياسة تبعد كأس الحرب الأهلية عن اللبنانيين، ولا القوى التي تبجح قادتها بقدرتهم على «إدارة امبراطوريات»، قدمت المثال على أخذها وجود حاجات مادية ومباشرة لأعداد من المواطنين، تترافق مع حاجتهم الماسة «إلى الكرامة والمنعة والعزة».

ربما لا يتعارض حفظ كرامة اللبنانيين من إذلال العدوان الإسرائيلي مع تأمين حياة كريمة. لكن الحال التي تعيشها البلاد اليوم تقول إن الجمود المخيم بات يشكل إهانة حقيقية وبليغة لكل اللبنانيين.

غني عن البيان ان للرئيس ميشال سليمان الحق الدستوري في التصويت أو عدم التصويت على أي قرار يطرح للنقاش على طاولة مجلس الوزراء. لكن على الرئيس سليمان أن يرى أيضاً قلة الانجازات التي حققها في الاعوام المنصرمة من عهده وتفاقم الأخطار الخارجية والداخلية ووصول البلاد كل ستة أشهر، وصولاً دورياً تقريباً، إلى حافة الحرب الأهلية.

يتشارك سليمان ورئيسا مجلسي النواب والوزراء، نبيه بري وسعد الحريري، كل بحسب موقعه في النظام السياسي، مسؤولية جسيمة في التدهور المستمر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان. ويتحمل المسؤولية كذلك كل لبناني يدلي بصوته عند كل استحقاق انتخابي لتجديد نخبة سياسية مأزومة وعديمة الكفاءة والخيال.

لا تكمن المشكلة في انتظار القرار الظني ولا في تصاعد نبرة التهديدات الإسرائيلية، وتعليق كل النشاطات في لبنان على شماعة الآخرين وأدوارهم. بل هي تكمن، أولاً وأساساً، في تفكك القاعدة التي يمكن أن تبنى الدولة عليها في لبنان وتجاور مصالح يرى أصحاب كل منها أن من واجب اللبنانيين، كلهم، تقديمها على همومهم اليومية الكثيرة والثقيلة.

في بلاد كهذه، تترى الأعوام بلا معنى ويهدر ملايين الناس أعمارهم سدى أو في ما يشبه السدى.

===================

العالم المتناهي

بول كروغمان

الشرق الاوسط

28-12-2010

عاودت أسعار النفط تجاوز حاجز ال90 دولارا للبرميل. كما ارتفعت أسعار النحاس والقطن لمستويات قياسية، وكذلك ارتفعت بشدة أسعار القمح والحبوب. وبوجه عام، ارتفعت أسعار السلع العالمية بمقدار الربع خلال الشهور الستة الماضية.

إذن، ما معنى هذه الزيادة؟

هل أصيبت المضاربات بحالة من السعار؟ أم أن ذلك نتاج لعمليات مفرطة لجني الأموال، ونذير على قرب وقوع تضخم؟ لا وألف لا.

إن ما تخبرنا به أسواق السلع أننا نحيا في عالم متناهٍ، يتسبب في إطاره النمو السريع للاقتصاديات الناشئة في خلق ضغوط على المعروض المحدود من المواد الخام، مما يدفع بالأسعار نحو الارتفاع. وتتخذ الولايات المتحدة موقف المتفرج في الجزء الأكبر من هذه القصة.

جدير بالذكر أنه خلال المرة الأخيرة التي ارتفعت فيها أسعار النفط والسلع الأخرى لهذا المستوى منذ عامين ونصف العام، تعامل حينها الكثير من المعلقين مع موجة الارتفاعات باعتبارها مجرد انحراف عن المسار المنطقي ناشئ عن نشاطات المضاربين. وأكدوا أن وجهة نظرهم ثبتت صحتها عندما انخفضت الأسعار فجأة في النصف الثاني من عام 2008. إلا أن هذا الانهيار في الأسعار تزامن مع ركود حاد في الاقتصاد العالمي، مما أدى لانخفاض شديد في الطلب على المواد الخام. أما الاختبار الأكبر فسيأتي عندما يستعيد الاقتصاد العالمي عافيته. والتساؤل القائم الآن: هل ستصبح المواد الخام باهظة السعر مجددا؟

داخل الولايات المتحدة، يبدو وكأن البلاد لا تزال تعاني من ركود، لكن بفضل النمو الذي حققته دول نامية، تجاوز الإنتاج الصناعي العالمي مؤخرا نقطة الذروة السابقة له - والمؤكد أن أسعار السلع سترتفع مجددا. إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن المضاربات لم تلعب دورا في 2007 - 2008. كما لا ينبغي أن نرفض فكرة أن المضاربات تقوم بدور ما في الأسعار الراهنة. مثلا، من هو ذلك المستثمر الغامض الذي اشترى جزءا كبيرا من المعروض العالمي من النحاس؟ لكن حقيقة أن التعافي الاقتصادي العالمي أدى إلى تعافٍ في أسعار السلع توحي بقوة أن التقلبات الأخيرة في الأسعار تعكس بصورة أساسية عوامل جوهرية.

وماذا عن أسعار السلع باعتبارها مؤشرا على قرب حدوث تضخم؟ على مدار سنوات، توقع الكثير من المعلقين المنتمين لتيار اليمين أن يقدم مصرف الاحتياطي الفيدرالي، عبر طبع الكثير من الأموال - المصرف لا يقوم بذلك بالفعل، لكن هذا هو الاتهام الموجه له - على خلق حالة تضخم حاد. من جهته، أعلن النائب بول ريان في فبراير (شباط) 2009 أن التضخم المصحوب بركود اقتصادي في طريقه إلينا. أما غلين بيك فيحذر من تضخم هائل وشيك منذ 2008. ورغم ذلك، ظل التضخم منخفضا. إذن، ماذا ينبغي أن يفعل من يخالجهم القلق إزاء التضخم؟

من بين ردود الأفعال: الترويج لنظريات المؤامرة، مثل ادعاءات بأن الحكومة تتكتم على الحقيقة بشأن ارتفاع الأسعار. ومؤخرا سارع الكثيرون من تيار اليمين للإشارة إلى ارتفاع في أسعار السلع كدليل على صحة وجهة نظرهم، وكمؤشر على قرب حدوث تضخم عام. ولا يسعنا سوى التساؤل عما كان يعتقده هؤلاء الأشخاص منذ عامين، عندما كانت أسعار المواد الخام في انحسار. وإذا كان ارتفاع أسعار السلع خلال الشهور الستة الماضية ينذر بقرب وقوع تضخم، فلماذا لم يحدث ذلك مع الانخفاض بنسبة 50% الذي شهده النصف الثاني من عام 2008؟

بيد أنه بخلاف عدم اتساق الآراء، تكمن المشكلة الكبرى فيما يتعلق بأولئك الذين يلقون باللوم على مصرف الاحتياطي الفيدرالي عن ارتفاع أسعار السلع في أنهم يعانون من أوهام العظمة الاقتصادية الأميركية. إن أسعار السلع تتحدد عالميا، ولا تضطلع الولايات المتحدة بدور على هذه الدرجة من الأهمية بهذا الصدد.

الواضح أنه اليوم، مثلما كان الحال في 2007 - 2008، تتمثل القوة الدافعة الرئيسية خلف أسعار السلع المرتفعة ليس في الطلب الأميركي، وإنما الطلب الصادر عن الصين واقتصاديات ناشئة أخرى. مع انضمام المزيد والمزيد من الأفراد داخل دول فقيرة سابقا إلى الطبقة الوسطى العالمية، فإنهم بدأوا يقودون سيارات ويتناولون اللحوم، ليخلقوا بذلك ضغوطا متنامية على إمدادات النفط والغذاء العالمية.

في الوقت ذاته، لا تنمو هذه الإمدادات بمعدل يتوافق مع تنامي الطلب. وتشير الإحصاءات إلى أن إنتاج النفط التقليدي ظل ثابتا لأربع سنوات. ومن هذه الزاوية على الأقل، يبدو أن إنتاج النفط قد بلغ ذروته بالفعل. من ناحية أخرى، فإن المصادر البديلة، مثل النفط المستخرج من رمال القطران في كندا، استمرت في النمو. لكن المصادر البديلة تنطوي على تكاليف مرتفعة نسبيا، على الصعيدين المالي والبيئي.

أيضا، على امتداد العام الماضي لعبت الظروف المناخية المتطرفة - خاصة الحرارة الشديدة والجفاف ببعض المناطق الزراعية المهمة - دورا حيويا في دفع أسعار الغذاء نحو الارتفاع. وهناك اعتقاد قوي بأن التغييرات المناخية تزيد معدلات وقوع مثل هذه الأحداث المناخية.

إذن، ما هي دلالات الارتفاع الأخير بأسعار السلع؟ إن هذه الزيادة، مثلما ذكرت آنفا، مؤشر على أننا نعيش بعالم متناهٍ، عالم تزداد فيه القيود على الموارد حدة يوما بعد آخر. إلا أن هذا لن يضع نهاية لنمونا الاقتصادي، ناهيك عن تردينا في حالة من الانهيار الكارثي. لكن الوضع الجديد يتطلب منا تغيير أسلوب حياتنا تدريجيا، وتكييف اقتصادنا وأسلوب معيشتنا بحيث يتوافقان مع حقيقة أن الموارد أصبحت أعلى تكلفة.

لكن هذا الأمر يخص المستقبل، أما في الوقت الراهن فتعد أسعار السلع المرتفعة نتاجا لاستعادة الاقتصاد العالمي عافيته. ولا تحمل دلالات بالنسبة للسياسة النقدية الأميركية، لأنها في جوهرها حدث عالمي لا صلة له بنا تحديدا.

===================

متابعة حالات متأزمة

إيان ليفينغستون وهيذر ميسرا ومايكل أوهانلون

الشرق الاوسط

28-12-2010

من السهل تلخيص العام الماضي في العراق وباكستان، بينما يبدو الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة إلى باكستان. شهد ذلك العام حدثين مهمين في العراق، هما: خفض عدد القوات الأميركية المقاتلة، وإجراء انتخابات مطولة في مارس (آذار)، أعقبها تعطيل تشكيل الحكومة لمدة 9 أشهر. على الرغم من الارتباك السياسي، لم تتصاعد وتيرة العنف، واستمر الاقتصاد في التقدم بخطى بطيئة. لكن لا يستطيع العراق تحمل المزيد من المراوحة خلال العام المقبل كتلك التي شهدها عام 2010، وستحتاج الحكومة الجديدة إلى تحقيق الأمن، والنمو الاقتصادي، وتقديم الخدمات العامة.

على الجانب الآخر، مرت باكستان بعام أصعب؛ فقد اجتاحت الفيضانات البلاد، مما أدى إلى نزوح عدد كبير من السكان لم يحدث خلال أي كارثة طبيعية في التاريخ. لكن النبأ الجيد هو تحقيق قدر من التقدم في حرب الحكومة ضد حركة طالبان باكستان. إن لم يتمثل هذا التقدم في تقليل مستوى العنف بشكل عام، فهو يتمثل في بسط المزيد من السيطرة على المناطق التي كانت فيما سبق معاقل للمتمردين.

لكن مع الأسف لم يحدث أي تقدم ملموس في مستوى تعاون باكستان مع الولايات المتحدة في الحرب ضد الجماعات الأفغانية المتطرفة خلال عام 2010، بل ربما يكون تراجعا على الرغم من زيادة الغارات الجوية الأميركية الفعالة التي تتم بطائرات من دون طيار على منطقة القبائل.

واستمرت الحكومة الباكستانية المدنية في خسارة ما حققته من مكاسب على الأرض أو مكاسب سياسية. رأت أفغانستان أن إتمام زيادة عدد القوات الأميركية وقوات حلف الناتو كان محور قرار أوباما السياسي في ديسمبر (كانون الأول) 2009. ازداد عدد قوات الأمن الأفغانية وتحسنت كفاءتها، وأوضح الناتو عزمه على الاستمرار في الاشتراك مع تلك القوات حتى عام 2014. على الرغم من أن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في سبتمبر (أيلول) قد شابها التزوير، هذه المرة كان الأفغان هم من حملوا أفغانا آخرين مسؤولية ذلك، مما يوضح عدم نضج النظام الديمقراطي المعمول به، إلى حد ما.

تتمتع كابل والمناطق المحيطة بها بمستوى لا بأس به من الأمن تحت قيادة الجيش الأفغاني والشرطة الأفغانية، لا قوات حلف الناتو. لكن المتمردين أثبتوا استعادتهم لقوتهم، وهو ما تشير إليه مستويات العنف. وتظل معاقل المتطرفين في باكستان تمثل مشكلة كبيرة على الرغم من زيادة واشنطن للمعونة المخصصة لباكستان. كذلك ما زال فساد الحكومة الأفغانية متوطنا. خلاصة القول: إن مسار الحرب الأساسي لا يزال غير واضح.

* إيان ليفينغستون وهيذر ميسرا باحثان في معهد بروكينغز بواشنطن.. ومايكل أوهانلون زميل بارز في المعهد

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ