ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 30/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

أوباما.. على طريق الرئاسة (الفاشلة)

كاترينا فاندين هويفل

(كاتبة ومحللة سياسية أميركية)

«واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»

الرأي الاردنية

29-12-2010

ذات مرة قال الرئيس الأسبق رونالد ريجان: «لقد تخلى عني الحزب الجمهوري قبل أن أتخلى عنه». ومثل كثيرين غيري من التقدميين المؤيدين لأوباما، فقد بدأ ينتابني ذات الشعور الذي عبر عنه ريجان في قولته الشهيرة تلك إزاء أوباما. ولننظر إلى ما يحدث حولنا منذ الهزيمة الكبيرة التي مني بها «الديمقراطيون» في انتخابات نوفمبر الماضي.

ففيما يتعلق بالحرب على أفغانستان، أعلنت الإدارة أن خطة الانسحاب المقرر بدء تنفيذها اعتباراً من شهر يوليو من العام المقبل لن تنفذ. فمن جانب يتحدث البيت الأبيض عن موعد محتمل لتنفيذ خطة الانسحاب في وقت ما من عام 2014. ومن جانب آخر يتحدث «بترايوس» عن عدة عقود من الاحتلال الأميركي لأفغانستان. أما في مجال التعاون الثنائي الحزبي على القضايا والتحديات التي تواجه أميركا، فيبدو أن الرئيس يعتقد أن التعاون الثنائي يتطلب حطاً من قدر الذات. فقد اعتذر أوباما للقيادة «الجمهورية» التي تعانده عن رفضها التعاون معه. ولم يكن غريباً أن نظر «الجمهوريون» إلى ذلك الاعتذار على أنه إشارة ضعف من الرئيس، فردوا عليها بالمزيد من التعنت والامتناع عن التعاون مع إدارته. كما اتخذ أوباما خطوة خاطئة باجتماعه بمسؤولي غرفة التجارة المعروفين بقوة انتمائهم الحزبي على رغم أن الحملة المستقلة التي قادتها الغرفة مؤخراً تعد الأكثر تجرداً من النزاهة في التاريخ الأميركي.

أما في المجال الاقتصادي، فقد تخلى الرئيس عن أهم ما يهم الأميركيين: الأمن الوظيفي وخلق الوظائف الجديدة، ليسلط جهوده كلها على ما تهتم به نخبة «بلتواي»: عجز الموازنة الحكومية. كما أن تجميده لدفعيات العمال والموظفين الفيدراليين -وهو قرار رمزي أكثر من أن يكون له تأثير يذكر على خفض عجز الموازنة الحكومية- لم يفعل شيئاً سوى تعزيز معارضة الجناح الأكثر يمينية بين صفوف «الجمهوريين»، الذين وصفوا القرار بأنه يعني عملياً دفع رواتب وامتيازات للعمال والموظفين الفيدراليين تفوق ما يستحقونه فعلاً. ويقول معارضو القرار من اليمينيين إن مشكلتنا الرئيسية هي ارتفاع معدل الإنفاق الحكومي. ومثلما تعارض الإدارة استمرار الخفض الضريبي على الفئات الاجتماعية الأكثر ثراءً، فإن علينا أن نطالبها بتبني سياسات التقشف الاقتصادي الآن، بدلاً من التعاون معها في المجال الاقتصادي، وهو ما تريده.

وها هو الرئيس يسجل مزيداً من التراجعات عن سياساته السابقة. تشمل هذه التراجعات إبرام صفقة تجارية مع كوريا الجنوبية شبيهة باتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة «نافتا». كما يبدي أوباما استعداداً الآن لقبول إجراء خفض لفوائد نظامي الضمان الاجتماعي ومديكير، إضافة إلى قبوله خفضاً غير مسؤول للاستثمار في البرامج الداخلية. وفي الاتجاه نفسه يبدو الرئيس على وشك الانحناء أمام أجندة «الجمهوريين» الهادفة إلى تمديد سريان الخفض الضريبي لأثرياء أميركا -وهو الخفض الذي أقرته إدارة بوش السابقة- مقابل الحصول على تأييد «الجمهوريين» لتشريع تمديد سريان فوائد ضمانات البطالة، فضلاً عن الأمل في كسب تأييدهم لمشروع معاهدة «ستارت» الجديدة.

وعلى أية حال، فإن المخاطر أكبر بكثير مما يكون عليه مصير أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي لا تزال بعيدة جداً من الآن. يذكر في هذا الصدد أن أوباما قد أشار -إشارة غير مقنعة للكثيرين- إلى تفضيله لأن يكون عهده الرئاسي ولاية واحدة بدلاً من أن يستمر لولايتين رئاسيتين دون أن ينجز فيهما شيء مما يطمح إليه. غير أن هناك خيارات وبدائل أخرى لذلك التصريح. فإذا ما استمر الرئيس في نهجه الحالي، فإن ذلك يعني أننا إزاء عهد رئاسي فاشل حتى في ولايته الوحيدة، وهذا ما لم يمكن للأميركيين احتماله.

وإذا ما صرفنا النظر مؤقتاً عن التفويض الانتخابي ووعود الحملات الانتخابية الرئاسية، فقد منح هذا الرئيس تفويضاً تاريخياً. ومثلما كان على الرئيس الأسبق أبراهام لنكولن قيادة أمتنا من الاسترقاق إلى الحرية واحترام الكرامة الإنسانية، وكذلك كان على الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت إنقاذ أميركا من هوة الكساد العظيم التي سقطت فيها، فإن على أوباما إنقاذ أمتنا من ثلاثة عقود مستمرة من هيمنة «المحافظين» و»الجمهوريين» على الحكم.

ويتطلب القيام بهذه المسؤولية، تصحيح السياسات الضريبية الحالية -وهي ذات السياسات التي ساهمت في انتشار الظلم الاجتماعي في فترة نشوء النقابات والاتحادات المهنية سابقاً في التاريخ الأميركي- إضافة إلى تجفيفها للموارد الحكومية اللازمة للاستثمار الذي يمثل أهمية كبيرة لتعافي ونمو اقتصادنا القومي. كما يتطلب القيام بالمسؤولية نفسها، تصحيح انعدام التوازنات الاقتصادية الدولية المسببة لعدم الاستقرار المالي الاقتصادي، ووضع أساس جديد لإحياء الصناعات الأميركية وتعزيز الاستثمار المالي. ويعني كل ذلك أن تتولى أميركا زمام القيادة العالمية في المجال الاقتصادي بدلاً من تخلفها عن الركب فيما يعرف بالثورة الصناعية الخضراء. وإن كان أوباما مستعداً للنهوض بمسؤوليته التاريخية هذه، فإن عليه التخلي عن المغامرات العسكرية الخارجية التي لا تجلب لأميركا شيئاً سوى الدمار الذاتي. كما أن على الرئيس تعزيز «العقد الاجتماعي الأميركي» الأساسي في الاقتصاد العالمي بدلاً من إضعافه.

وإذا كان الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون قد ضل أجندته الرئاسية عقب تبنيه للمشروع المحافظ الذي حددته الشركات، فخضع بذلك لغواية قادة مؤسسات وول ستريت أكثر من غواية مونيكا لوينسكي التي زلزلت أركان رئاسته، فإن أوباما يواجه تحدياً مشابهاً اليوم، إذ ينبغي عليه مقاومة المشروع الاقتصادي المحافظ، قبل أن تضل أجندته الرئاسية طريقها، فتتماهى مع أجندة المحافظين الذين جثموا على صدر أميركا وكتموا أنفساها لعدة عقود مضت.

===========================

 «ستارت 3» تقوض التفوق الروسي

الاربعاء, 29 ديسيمبر 2010

كونستانتين سيفكوف *

الحياة

بعد جهود مضنية نجح الرئيس الأميركي باراك اوباما، في إقناع الكونغرس بالمصادقة على معاهدة « ستارت -3 « مع روسيا لتقليص حجم الأسلحة الاستراتيجية الهجومية النووية. ولقاء المصادقة هذه، اضطر أوباما إلى قبول تعديلات على المعاهدة تلزمه نشر الدرع الصاروخية وتحديث القوة النووية الأميركية، والإبقاء على الإعفاءات الضريبية التي يستفيد منها الأثرياء.

 

والحق أن أوباما سعى في استمرار «تحسين العلاقات» مع الكرملين. ومعارضة قسم من قيادات الجمهوريين المعاهدة مرده، في المرتبة الأولى، إلى حساباتهم السياسية الرامية إلى تحجيم مكانة أوباما، في وقت تبرز معاهدة «ستارت 3 « أهم إنجازاته في مجال السياسة الخارجية .

 

وإثر إقرار المعاهدة، يجوز القول أن نهج أوباما الذي يحظى بموافقة (الرئيس الروسي) ديمتري ميدفيديف منذ عام ونصف العام لتحسين العلاقات الأميركية – الروسية كان مثمراً . ومن بنات التعاون المشترك هذا، فرض العقوبات على إيران والتعاون في أفغانستان والتخلي عن خطة بوش نشر الدرع الصاروخية بأوروبا الشرقية .

 

لكن سيطرة الجمهوريين المنتظرة على الكونغرس، في 2011، تعوق مسيرة تحسين العلاقات هذه. وهؤلاء عازمون على الانتقام من أوباما ويسعون في إعادة النظر بما انجزه، ويرفضون سياسة منع إجراء التجارب النووية انسجاماً مع رغبته الصادقة في بروز عالم غير نووي. ويرى عدد من الجمهوريين أن مثل هذه السياسة تقيد حق الولايات المتحدة في اختيار الوسائل المناسبة للدفاع عن امنها.

 

ولن تنجو من سهام الطعن خطط الإدارة الأميركية مناقشة مشروع الدرع الصاروخية المشتركة واستكمال الإجراءات الضرورية لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وروسيا نفسها لا تكترث بمتابعة موضوع تقليص التسلح، خصوصاً في مجال السلاح النووي التكتيكي. وترى أن كفتها الراجحة في المجال هذا تعوضها عن التفوق الشامل الذي تحظى به القوى المسلحة العادية التابعة لحلف «الناتو» في أوروبا.

 

وتبدو استراتيجية اوباما الطامحة إلى التخلص من السلاح النووي غير واقعية، وهي اقرب إلى يوتوبيا جميلة. والسيناتور الجمهوري، جون كايل، محق في قوله إن عصر اتفاقات تقليص حجم التسلح انتهى. ومعاهدة «ستارت– 3 « هي خاتمة عنقود اتفاقات تستوحي روحية «الحرب الباردة».

 

ومعاهدة «ستارت-3» هي في مثابة فخ وقعت فيه روسيا. فالأميركييون يستطيعون تطوير الدرع الصاروخية على ما يشتهون من غير التزام قيد أو شرط. وقبل المعاهدة، تفوق « الناتو» على روسيا في مجال الرؤوس النووية بنسبة 30 في المئة فحسب. أما اليوم، فتقدر نسبة تفوقه في هذا المجال بنحو ضعفي ونصف قدرات روسيا. والنسبة هذه تصل إلى ثمانية أضعاف إذا احتسب مخزون أميركا «الاحتياطي».

 

وإلى ذلك، لا تتناول المعاهدة وضع القوى غير النووية التي يمكن أن تتفوق على قدرات روسيا الاستراتيجية، في الأعوام القادمة. وفي وسع الدول هذه تطوير صواريخ مجنحة، وسلاح صاروخي عالي السرعة يضاهي السلاح النووي. وقوة الصواريخ هذه التدميرية كبيرة، وقادرة على إصابة أهداف العدو. والمشكلة هي أن روسيا لا تملك مثل الأسلحة هذه، ولم تلحق بركب «الناتو».

 

والمعاهدة هي حلقة من حلقات استراتيجية الولايات المتحدة للسيطرة على إدارة العالم، وهي تسهم في الحد من الخطر الروسي. وتسعى واشنطن في الحصول على الموارد الروسية بأسعار بخسة، وفي استمالة موسكو إليها في المحافل الدولية. وتبرز أهمية التقارب الأميركي من روسيا، في وقت تتوالى فصول الأزمة المالية – الاقتصادية العالمية ويتنامى الصراع بين الغرب والدول الناشئة، وفي طليعتها الصين، على أسواق المواد الأولية وتصريف السلع. وروسيا معنية بالصراع هذا. ولكنها ستجد نفسها ضعيفة في مواجهة السياسات الأميركية وقوتها العسكرية المكرسة في معاهدة «ستارت 3» . وبذلت جهود كبيرة لإقناع مجلس الدوما الروسي بالمصادقة على المعاهدة التي رأى فيها بعضهم تنازلاً يقوض الأمن الوطني. ويرى وزير الخارجية، سيرغي لافروف، أن «ستارت3» هي فرصة لبلاده، وأن الكرملين يملك يحق الانسحاب منها ساعة يشاء، خصوصاً إذا لم تتراجع الولايات المتحدة عن إنشاء الدرع الصاروخية الشاملة وإذا نشرت قوات «الناتو» على الحدود الروسية.

* نائب اكاديمية الشؤون الجيوبوليتكية، عن «برافدا» الروسية،24/12/2010، اعداد علي ماجد

===========================

على أبواب عام جديد

هل مستقبل الفلسطينيين سؤال يحتاج إلى إجابة ؟

د. حسن نبيل رمضان

2010-12-28

القدس العربي

الأحداث تتشكل وتفرض ذاتها على الأرض وبشكل مريع ، وتصنع واقعا يتطلب دوما التكيف معه أو محاولة التعاطي مع إفرازاته ، تحت سقف زمني لا محدود مجهول البداية والنهاية .

وتتجه القضية دوما من تفصيل إلى تفصيل التفصيل ، ومن اجتهاد إلى قاموس موسع الاجتهادات ، ومن مرونة تكتيكية إلى سرداب من التكتيكات ،ودون أي تغيرات يشعرها السياسي الذي يخفي إحباطه أو المواطن البسيط الذي يدعو إلى الله يوميا أن يخفف عنه ويمنحه حريته، فلا تزال عمليات الالتهام للأرض والتوسع ، وتتسارع كل وتيرة لطرد المقدسيين، وعربدة للمستوطنين، ويأتي قطار الحقيقة دوما ليمر أمام أعيننا ، يقف على محطاتنا لنعتليه ولكننا نشير إلى قطار أخر ربما يأتي مع انفلات المفاهيم وتعارض الطرق والمسارات ، ويأتي السؤال على أبواب العام الجديد عن المستقبل الذي يستمد حيثياته من تراكمات تاريخية، و قراءات متعددة تسعى لتحقيق ذات الهدف ، والحديث هنا لن يكون عن تاريخ الصراع عبر عقود خلت بل هو محصور عن مرحلة عملية السلام ومسار المفاوضات ، مرحلة يبدو الزمن بها حاصل على شيك مفتوح ، فمنذ إعلان المبادئ ومنذ خطاب رابيين من على منصة الكنيست بتاريخ 5-10-1995 ونحن في ذات المسار والرؤية الإسرائيلية حتى هذه اللحظة ، فقد تحدث رابيين حينها قائلا " نحن ننظر إلى الحل النهائي في إطار دولة إسرائيل التي ستضم معظم رقعة ارض إسرائيل ، نريد أن يكون هذا الكيان اقل من دولة يدير على نحو مستقبل حياة الفلسطينيين القاطنين ضمن سلطة"، وأكمل قائلا "نحن لن نعود إلى خطوط 4 حزيران ، فلا تزال ذات الرؤية تتراقص على مسرح الخطاب الإسرائيلي بأثواب مختلفة ،منذ اغتيال رابيين أكمل بريس الاستيطان وجعله من أولويات حكومته ، وفي العام 1996 جاء نتنياهو وطرح الفصل، وفي العام 2000 أصر براك على ذات الأفكار في كامب ديفيد ، لا عودة لحدود 67، ولا عودة للاجئين ، ولا سيادة على القدس ،حتى جلبت انتخابات2001 الإسرائيلية شارون ليضع شروطه في عملية السور الواقي ، ليعلن عن بناء الجدار في 2002 ، بعد ذلك عرضت خارطة الطريق التي كان بمقتضاها ترتيبات أمنية وتفاصيل أخرى تتعلق بالانتخابات واستحداث مناصب جديدة في هرم السلطة ، وقيام دول ذات حدود مؤقتة في العام 2005 ، و تحت مبرر عدم وجود شريك فلسطيني للسلام أكمل شارون خطته وذلك من خلال الإعلان عن خطة الانسحاب من غزة وشمال الضفة الغربية بتاريخ 20-10- 2004 في سبيل تعزيز موقف إسرائيل عالميا ولو شكليا ، ولم يكن اولمرت بعيدا عن ذات الأفكار ضمن مصطلح (التجميع) أي تجميع المستوطنين بالمستوطنات القريبة من الجدار والحفاظ على 8 كتل استيطانية كبيرة في الضفة ، وتعود الأحداث تحمل ذات المعاني من جديد في نهايات العام الحالي ومن على ذات المنبر وفي فعاليات إحياء ذكرى رابيين في الكنيست بتاريخ 20-10-2010 ، ليقول انه يسير على درب رابيين في مطلبه بان يتم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، ترتيبات أمنية متشددة، ورفض تجميد المستوطنات و كيان فلسطيني "هو أقل من دولة"، ومعتبرا انه في هذا الإطار خطى خطوة أكثر تقدما من رابيين بان يمنح الفلسطينيين دولة مجردة من السلاح مقابل الاعتراف بيهودية الدولة ,

وهنا ترسخ منطلقات الفكر السياسي الإسرائيلي مع حسابات الزمن ،وهذا الأمر عبر عنه الكثير من الساسة والقادة الآمنين ويكفي أن نعرض موقف غيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي في عهد اولمرت والذي عبر عنه في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" يوم الأحد 4 حزيران 2006 ، إن التوصل إلى تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في هذه المرحلة هو ضرب من المستحيل. والسبب هو:"أن الاسرائيليين ليسوا مستعدين للتنازل للفلسطينيين عن الحد الأدنى الذي يطالبون به وهو دولة فلسطينية على حدود 1967 تكون عاصمتها القدس الشرقية وضمان حقوق اللاجئين، والفلسطينيون ليسوا مستعدين للتنازل لإسرائيل عن الحد الأدنى الذي تطالب به ، وهو استمرار وحدة القدس عاصمة لإسرائيل و20 % على الأقل من مساحة الضفة الغربية والتنازل عن حق عودة اللاجئين إلى الأراضي الإسرائيلي. وبعد أربع سنوات من هذا التصريح لم يحصل أي تقدم ، إلا بما يتعلق بفرض وقائع جديدة على الأرض

وحتى تكتمل الصورة فان المأزق التفاوضي الحالي لا يجبر الكثير من الساسة الإسرائيليون على مراجعه حساباتهم اتجاه ما يتطلبه السلام وبالتالي فان خيارات الفلسطينيين التي يتم الحديث عنها لا تشكل هاجسا قويا لدى الإسرائيليين وخصوصا خيار التلويح بإعلان الدولة من جانب واحد ، فالعديد من الساسة والمحللون يقرءون هذه الخطوات بأنها خطوات تفاوضية تكتيكية لا أكثر ولا اقل ، والسبب أنهم يعتبرون أن الجانب الفلسطيني يدرك جيدا أن الأقطاب الدولية الأساسية ترفض هذا التوجه ، كمان أن الإعلان من جانب واحد يمكن أن يدفع حكومة إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات من جانبها مثل ضم الكتل الاستيطانية ، مصادرة أراضي وبناء مستوطنات جديدة ،أو اعتبار الدولة المعلن عنها دولة معادية ، ولا تخشى إسرائيل الجمعية العامة للأمم المتحدة فلها سابقة في محكمة العدل العليا وكيفية التعامل مع قضية الجدار ،ذلك لان إسرائيل لم ترضخ للضغط الأمريكي بما يتعلق بتمديد تجميد الاستيطان( الذي لم يتوقف أصلا) لمدة 60 يوما ،مع أن كافة المحللين يجمعون أن هذه المدة لن تكون كافية للوصول إلى اتفاق نهائي يتعلق بكافة القضايا ، وبالتالي فان رفض إسرائيل محكوم باتجاهين الأول مناورة الإدارة الأمريكية للحصول على امتيازات أخرى سياسيه غير الامتيازات الأمنية التي عرضت عليها مقابل هذا التجميد وان تصل على ضمانات تحقق الرؤية الإسرائيلية للسلام ، والاتجاه الثاني أن إسرائيل قررت أن تدخل الجميع في هذا المأزق تحضيرا لحدث كبير تصنعه هي يخلط الأوراق في المنطقة.

أخيرا على أبواب العام الجديد المستقبل القادم سؤال يحتاج إجابة علنية وليست إجابة تحليله ،فهل للتصور الإسرائيلي للحل نصيب اكبر من العام القادم ، الإجابة متروكة لكم فربما تكون معروفة ومجهولة في ذات الوقت .

كاتب فلسطيني

===========================

الولايات المتحدة.. عملاق عاجز!

موقع Information clearing house

الأربعاء 29-12-2010م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

في عام 1956، تواطأت بريطانيا وفرنسا مع «إسرائيل» بهدف الإطاحة بزعيم مصر جمال عبد الناصر ذي الشعبية المنقطعة النظير، لذلك بدأت «إسرائيل» بمناوشات استفزازية اجتاحت بعدها شبه جزيرة سيناء في الوقت الذي قامت به القوات البريطانية والفرنسية بالهيمنة على قناة السويس.

 

اعتبر الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور أن العدوان الثلاثي على السويس يمثل عملاً لا أخلاقياً ويسيء للمصالح الأميركية في العالم الإسلامي، وأنذرهم بضرورة الخروج من مصر بأسرع وقت ممكن.‏

 

وبعد مضي مايزيد عن خمسة عقود، جاء الرئيس باراك أوباما ليطلب من «إسرائيل» وقف بناء المستوطنات اليهودية التي شيدت حول القدس والضفة الغربية بشكل غيرمشروع وذلك بعد أن توصل إلى قناعة تامة بأن الصراع في فلسطين قد جعل العالم الإسلامي يتخذ موقفاً معادياً للولايات المتحدة وأفضى إلى ما تسميه واشنطن « بالإرهاب».‏

 

إثر حرب السويس قامت الفئات المؤيدة «لإسرائيل» في أميركا بإحداث شبكة نفوذ من شأنها أن تحول دون تبوء منصب الرئاسة الأميركية أي مرشح قد يمارس الضغط على «إسرائيل» ليلزمها تنفيذ أعمال لاترغبها، ومنذ ذلك الحين أصبح اللوبي الصهيوني يمثل قوة يحسب حسابها باعتباره يسيطر على الكونغرس ووسائل الإعلام بشكل عام.‏

 

مؤخراً ، بدت قدرات اللوبي أكثر فعالية عندما رفض زعيم التحالف اليميني الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجلف المناشدات والطلبات التي قدمها أوباما والتي قد تفضي إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وسبق له إهانة نائب الرئيس جوزيف بايدن عند زيارته «إسرائيل» بهدف مناقشة وقف بناء المستوطنات وفي هذا السياق، برز نفوذ اللوبي عندما أشاد الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام اليمينية بالإهانة المعلنة لرئيس البلاد ونائبه.‏

 

ويبدو أن أوباما قد أخذته الخشية والتحسب من اللوبي الإسرائيلي عندما تبين له أن حظوظه السياسية آلت للتدني فضلاً عن الضجة المثارة حول ما ورد في موقع ويكيليكس من معلومات.‏

 

يدرك البيت الأبيض أن المصالح الأميركية الحيوية في الشرق الأوسط تتأثر سلباً على نحو مطرد، ويعود ذلك لتعنت نتنياهو ورفضه السماح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة دون أن يأبه لما قد يحدث من تقويض للأمن الإسرائيلي في المدى الطويل أو يحقق الرفاهية لشعبه وذلك برفضه إقامة سلام مرض ودائم مع الفلسطينيين وإعلانه أن «إسرائيل» ستحتفظ بالقدس كاملة وبالكتل الاستيطانية حولها، ومصادر المياه، والطرق الرئيسية، ومرتفعات الضفة الغربية، ووادي الأردن وفي ضوء ذلك فلن يبقى للفلسطينيين سوى الأراضي القاحلة التي تفتقر للمياه بشكل عام، أما بالنسبة لمرتفعات الجولان فلم يتطرق لها باعتبارها قد ضمت إلى «إسرائيل» .‏

 

فوجىء أوباما باللامبالاة والازدراء الذي بدا في موقف نتنياهو عندما عرض عليه مليارات الدولارات بشكل 20 طائرة من نوع إف 35 والوعد باستخدام الفيتو ضد أي قرار يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية وكل تلك الوعود جاءت مقابل تجميد البناء الاستيطاني لمدة 90 يوماً ولأنه على قناعة أن الكونغرس الأميركي لن يبخل بأي شيء على «إسرائيل» حيث تجاوزت المبالغ المقرة لها كمعونات رسمية مبلغ 114 بليون دولار منذ إنشائها يضاف إليها عشرات المليارات من الدولارات التي قدمت لها كمساعدات سرية.‏

 

ماذا يعني لنا توجيه الإهانة إلى أوباما؟ إن ذلك يعني التمهيد لإلحاق الهزيمة به في الانتخابات الرئاسية المقبلة وفسح المجال لمنافسته هيلاري كلينتون المؤيدة «لإسرائيل» بالفوز وأخذ موقعه في الحزب الديمقراطي ويعني ذلك أيضاً أنها بمثابة رسالة موجهة لكل من الدبلوماسية الأمريكية، والاستخبارات، والمؤسسة العسكرية تنذرهم بها بعدم العبث مع «إسرائيل» ، وخاصة أنهم رأوا بأم أعينهم ما حل بالرئيس الأسبق جورج بوش من فشل بإعادة انتخابه عندما حاول كبح جماح الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وكيف أن الأبواق قد انبرت لتصف وزير خارجيته جيمس بيكر بمعاداة السامية.‏

 

إن رضوخ أوباما لليمين الإسرائيلي المتشدد فيما يتعلق بالضفة الغربية يعطي مؤشراً عن مدى ضعفه، ويؤكد بأن «إسرائيل» -وليس البيت الأبيض- هو من يصنع السياسة في «الشرق الأوسط» والسياسات الأمريكية المعادية لكل من باكستان وأفغانستان وإيران وكوريا الشمالية في الوقت الذي يفضي إلى علاقات أكثر دفئاً مع الهند باعتبارها صديقة «لإسرائيل» .‏

 

بدت السلطة الوطنية الفلسطينية كدمية أميركية إسرائيلية ينافسون بها حماس، فزعيمها محمود عباس قد وقع عليه الاختيار من قبل الولايات المتحدة و«إسرائيل» بعد وفاة ياسر عرفات الذي يعتقد الكثير من الفلسطينيين أنه مات مسموماً/ وإزاء ما يحدث في الساحة الفلسطينية على عباس أن يستقيل من منصبه.‏

 

إن الهزيمة التي لحقت بأوباما أعطت انطباعاً أن «إسرائيل» تلقت تفويضاً مطلقاً بشن هجوم على المقاومة اللبنانية وسورية وإيران أيضاً.‏

 

ويبدو أن لدى «اسرائيل» القدرة على دفع الولايات المتحدة لخوض حرب مع إيران عندما ترى أن الوقت مناسب لذلك وتلك القدرة هي التي جعلت نتنياهو لا يأبه بالرئيس أوباما ، ويعود الفضل في ذلك لحروب جورج بوش المتهورة الذي جعل القوات الأميركية في العراق وأفغانستان رهينة لإيران في الوقت الحاضر.‏

 

بعد أن أصبحت الولايات المتحدة لا تمثل سوى عملاق مقعد يتعين على العالم أن يتصدى للحيف الذي لحق بالشعب الفلسطيني حيث نجد أن البرازيل والأرجنتين قد اتخذتا خطة مهمة ففي هذا المضمار عند اعترافهما بدولة فلسطينية في حدود ما قبل 1967 كما أن خطة السلام السعودية التي طرحت في عام 2002 وما زالت قائمة وينبغي على الهيئة العامة للأمم المتحدة أن تصادق عليها وتدعو إلى مزيد من الضغط على «إسرائيل» ، لأن الحركة المؤيدة للسلام في «إسرائيل» بحاجة إلى دعم من الخارج ، ولأن نتنياهو وأنصاره من غلاة اليمين يتمسكون بكل جزء من الضفة الغربية والجولان فضلا عن أن بعض اليمينيين المتطرفين يرغبون بتوسيع الحدود حيث بدا ذلك جليا عندما عارض نتنياهو الإقرار بحدود دائمة «لإسرائيل».‏

 

إن رفض «إسرائيل» تقديم تنازلات يشكل سبيلاً لمواجهة محتملة في المستقبل أما إذا تم التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين فإن احتمال المواجهة سيتضاءل.‏

 

ونافلة القول، إن الفشل المخزي لأوباما في «الشرق الأوسط» سيكون له منعكساته السلبية على العالم لعدة عقود.‏

===========================

هل يرضى العالم أن يحكمه عنصريون؟

 ضياء الفاهوم

الدستور

29-12-2010

ما زالت اعتداءات القوات الإسرائيلية الغاشمة على أهلنا في كافة أنحاء فلسطين الحبيبة تترافق مع كلام كثير وفعل قليل من كثير من مسئولي العالم المتحضر وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية التي عول عليها كثيرون باتخاذ مواقف جدية فيها شيء من العدل والإنصاف والتماشي مع ما تدعيه من مبادئ إنسانية . ومما يدعو إلى العجب تساؤل أميركيين بعد خنوع إدارتهم الحالية لما أرادته حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية عن أسباب انتشار كراهية الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي وفي كثير من أنحاء العالم بشكل غير مسبوق .

 

من حق هؤلاء المتسائلين أن يتأكدوا من أن أحد أهم الأسباب هو تشدق الولايات المتحدة الأميركية بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية دونما حرص فعلي عليها بسبب تبعيتها لقوى الضغط الصهيونية التي صارت منذ عهد بوش الصغير حتى يومنا هذا تحكمها على رؤوس الأشهاد . ومن حقهم أن يعلموا أيضا أنه إن لم تعدل الولايات المتحدة سياساتها بشكل جذري يرتكز فعلا على الحرية والعدل والديمقراطية الحقيقية ، وليست المشتراة بالمال الصهيوني ، فإن كراهيتها سوف تزداد أكثر فأكثر.

 

ومما يجدر ذكره في هذا الصدد هو أنه رغم أن مسئولين أميركيين على أعلى مستوى أعلنوا مرارا وتكرارا أن إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي على أساس حل الدولتين مصلحة أميركية فإن أميركا لم تستطع حتى الآن أن تضع حدا للنفوذ الصهيوني فيها الذي يؤثر مصلحة إسرائيل على المصالح الأميركية بل وعلى مختلف المصالح العالمية .

 

ولعله أصبح معروفا أيضا أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى ملتزمة بأمن الإسرائيليين بينما الأمن الحقيقي المعرض للخطر الشديد هو أمن الفلسطينيين وأمتهم العربية والإسلامية رغم الادعاءات الكاذبة ضد الاستيطان اليهودي في الأراضي العربية المحتلة وتأييد مبادرة السلام العربية الداعية إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على أساس حل الدولتين بالقول دون فعل يذكر .

 

ولذلك فإنه يمكن التأكيد مرة أخرى بأن توحيد الصفوف الفلسطينية والعربية والإسلامية لدحر الاحتلال الكريه للأراضي العربية المحتلة أصبح واجبا وطنيا من الدرجة الأولى لأن من شأنه أن يعزز المواقف المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني الصامد صمود الأبطال أمام الهجمة الإسرائيلية الصهيونية الشرسة على كل الحقوق العربية في فلسطين والجولان والجنوب اللبناني و المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينتنا المقدسة وغيرها من المناطق المحتلة الغالية أيضا على قلوبنا بالإضافة إلى اعتقالها المتواصل للآلاف من الناس في أبشع وأقسى ظروف شهدتها الإنسانية حتى اليوم .

 

إن الأمة تعيش أياما صعبة للغاية يواصل أعداء الله وأعداؤها فيها اعتداءاتهم الغاشمة على المقدسات الإسلامية والمسيحية ، وفي مقدمتها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، وتشريد المقدسيين من مدينتهم الغالية جدا على كل مسلم ومسيحي في هذا العالم واستمرار حصار الأهل في قطاع غزة وقتل الناس فيه وفي أنحاء أخرى كثيرة من فلسطين بصورة شبه يومية .

 

أما وقد اتضح الآن بما لا يدع مجالا للشك أن الإسرائيليين لا يريدون السلام فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق : هل بقي أمام العرب والمسلمين وكل أشراف العالم غير قبول التحدي والسعي الجاد لوضع الأمور في نصابها ؟ ولعله من حسن الطالع أن كثيرين جدا في هذا العالم أصبحوا يؤمنون بأن من لا يفعل ذلك فإنه يفسح المجال للصهيونية العالمية بالسعي للتحكم في آسيا وإفريقيا كيفما تشاء على غرار ما هي فاعلة في أميركا وعدد من دول أوروبا وغيرها ، وهذا هو ما يريده العنصريون الإرهابيون الصهاينة بالفعل . فهل يتركهم العالم يفعلون فيه ما يريدون ؟ هل يرضى العالم بأن يحكمه من بقي على وجه الأرض من العنصريين ؟

===========================

معنى الرهان على القوى الإقليمية

تاريخ النشر: الأربعاء 29 ديسمبر 2010

الاتحاد

د. برهان غليون

خلال أقل من شهر دعيت للمشاركة في أربع ندوات تبحث العلاقات العربية الإيرانية، شارك فيها الكثير من الباحثين العرب، وبعض الإيرانيين وقليل من الأتراك أحياناً. كان بعضها في دول الخليج العربية أو بدعوة من مراكز خليجية. لا يعكس هذا الطلب المتزايد على دراسة العلاقات بين إيران والعرب تغيراً إيجابياً في تصور العلاقة التي تجمع الطرفين عند أطياف النخبة العربية والرأي العام. فلا تزال إيران تشكل بالنسبة للقسم الأكبر من الحكومات العربية مصدراً للقلق د، بسبب سعيها لمراكمة القوة العسكرية، وطموحها للعب دور قيادي في المنطقة، وما أصبحت تمتلكه من قواعد مادية وسياسية لمد نفوذها في العالم العربي. كما أن صورتها لم تتأثر كثيراً عند قطاعات من الرأي العام العربي، خاصة التيارات القومية واليسارية التي تستفزها سياسات إسرائيل والغرب الممالئ لها. فهي لا تزال تمثل في نظر الكثيرين تلك القوة الإقليمية التي انقلبت في ثمانينيات القرن الماضي من دولة تعادي القضية الفلسطينية علناً وتعمل حارساً للمصالح الغربية في الخليج، إلى قوة معادية للغرب ومناصرة للقضية الفلسطينية وشريكة للعرب في تأكيد الهوية الإسلامية التي تحولت إلى مكسر عصا لدوائر اليمين الغربي.

 

وبالمثل، لم يطرأ أي تغير جوهري على سياسة طهران التقليدية تجاه المنطقة المشرقية. فهي لم تتخل عن مشروعها النووي الذي يثير قلق جيرانها، خاصة في الخليج، ورفض جميع المبادرات الرامية إلى حرمان طهران مما تعتبره حقها الطبيعي في امتلاك التقنية النووية، والتخصيب على أراضيها. بل ليس من المبالغة القول إنها لم تكن في أي وقت مضى قريبة من تحقيق هدفها هذا، كما هي الآن، وذلك بصرف النظر عن الحصار المفروض عليها والعقوبات التي تتعرض لها منذ ثلاثة عقود.

 

ورغم زيارات وخطابات التطمين التي قام بها ولا يزال يقوم بها مسؤولوها إلى العواصم العربية، لم تتراجع طهران عن أي من خياراتها الإقليمية في دعم "قوى الممانعة". وما كان للسياسة التي مارستها في العراق بعد سقوط نظامه السابق، وفي ظل الاحتلال الأميركي، إلا أن تزيد مخاوف الدول العربية من سياسة المحاور التي تتبعها، وتعمق الشك في إمكانية التوصل مع إيران إلى تفاهم يضمن الحد الأدنى من التعاون والتنسيق.

 

وهذا يعني أن تنامي الطلب على دراسة العلاقات العربية الإيرانية لا يعكس ازدياد الأمل في تحقيق اختراق في هذا الميدان يسمح بإعادة بناء هذه العلاقات على أسس أفضل، ويزيل أو يخفف القلق الناجم عن الدور الإيراني في سياق الانقسام العربي وغياب أي أجندة أمنية عربية، عند الحكومات العربية والرأي العام. وربما كان يشير، بالعكس من ذلك، إلى تزايد شك العرب، خلال الأعوام القليلة الماضية، في تماسك سياساتهم الأمنية، وقلقهم من تنامي عوامل التآكل في الأسس التي قامت عليها هذه السياسات، وخاصة تجاه إيران. ومن هذه العوامل انحسار الثقة بقوة الردع الأميركية وبصدقية واشنطن الاستراتيجية في منطقة شهدت فيها استراتيجية الدولة الأعظم ولا تزال نكسات حقيقية. وهذا ما يعكسه المصير المأساوي لمبادرة الإدارة الأميركية السابقة لإعادة هيكلة الشرق الأوسط الموسع، واضطرار واشنطن للعودة نحو سياسة تعزيز الاستقرار والحفاظ على الوضع القائم السابقة، وخسارتها الحرب في العراق لصالح خصمها الإيراني الذي لم يخض الحرب، بالإضافة إلى فشل إدارة أوباما في احتواء "طالبان" وتحقيق النتائج المنشودة في الحرب الأفغانية، وأخيراً انكشاف العجز الأميركي المريب في مسألة وقف سياسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، فما بالك بفرض حل الدولتين الذي بشر به أوباما لعام 2011 في فلسطين التاريخية، أي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي بأكمله. ومن المؤكد أن انحسار الثقة بالصدقية الاستراتيجية الأميركية لا يساعد غالبية أقطار المنطقة على الشعور بالأمن والاستقرار، بل ربما يدفعها إلى البحث عن حلول بديلة ممكنة.

 

والعامل الثاني هو ما يبدو على طهران من تنامي الثقة بنفسها، في موازاة تعثر المساعي الغربية لوقف محاولاتها الحصول على التنقية النووية، سواء أكان ذلك عن طريق فرض العقوبات عليها أو التهديد بعملية عسكرية لا يكاد أحد يعتقد بعد بنجاعتها أو حتى بإمكانية تحقيقها، بما في ذلك أكثر الدول حماساً لعملية "جراحية" تقضي مرة واحدة وإلى الأبد على قدرات طهران النووية. وهذه الثقة بالنفس، رغم جميع المصاعب الداخلية التي تعانيها إيران، هي ما يفسر تصاعد اللهجة القومية عند القيادة الإيرانية وحرصها المتزايد على التعبير عن مطالبها السياسية وعدم ترددها في تأكيد حقها في امتلاك التقنية النووية بموازاة المطالبة العلنية بلعب دور رئيسي في السياسات الإقليمية، بل وضع هذا "الحق" في مقدمة أهدافها السياسية.

 

أما العامل الثالث الذي يكمن وراء قلق الأطراف العربية فهو من دون شك تأكد عجز العرب الملفت عن التوصل في ما بينهم إلى أي نوع من التفاهم حول أجندة أمنية تساعدهم على مواجهة التهديدات المتزايدة، وتتيح لهم المشاركة ولو بدور ثانوي في تحديد هوية النظام الإقليمي الذي هو الآن قيد التكوين، وضمان الحد الأدنى من توازن القوى الذي يمنع من تحويلهم إلى فريسة تتقاسمها القوى الدولية والإقليمية. وهذا ما عبر عنه على أفضل وجه مؤتمر مداولات آخر القمم العربية في مدينة سرت الليبية، وقد فشل بشكل خاص في معالجة مسألة تصاعد وزن القوى الإقليمية بالتوازي مع تدهور استراتيجيات الحماية الأجنبية التقليدية وتعثر مشروع الحل السياسي للمسألة الفلسطينية.

 

أمام زوال أي أمل ببلورة أجندة أمنية عربية لا يمكن من دونها مواجهة أي مشكلة من المشكلات السياسية والاستراتيجية المطروحة على الدول العربية، لا يكاد العرب يجدون حلاً لمشاكلهم الأمنية في نهاية هذه العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين غير الرهان على قوى إقليمية صاعدة أخرى توازن صعود إيران. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يتحول مركز الاهتمام مباشرة نحو تركيا، وتحل المراهنات على دورها الإقليمي الإيجابي محل الجهد المطلوب لتكوين قوة توازن عربية، يشكل الافتقار إليها المصدر الأول للشك والقلق والاضطراب في منطقة يمثل العرب، بما لا يقاس، كتلتها السكانية الرئيسية.

===========================

سنة 2010: كيف واجه "حزب الله" المحكمة الدولية ماذا حقق وماذا خسر؟

ابراهيم بيرم

النهار

29-12-2010

ما يزيد عن سبعة اشهر هي عمر الحرب الضروس، التي شنها "حزب الله" على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحت عنوان انها "محكمة مسيّسة" ترمي الى استكمال أهداف حرب تموز الاسرائيلية عام 2006.

وثمة رأيان داخل الحزب وخارجه حيال نتائج هذه المواجهة التي ما برحت ابوابها مفتوحة، الاول يعتبر ان الحزب الذي جنّد ما ملكت أيمانه من "اسلحة" سياسية واعلامية و"تهديدية"، قد "برع" الى حد كبير وحقق نجاحات كبيرة على نحو جعل المحكمة ورعاتها وحماتها ومتبني منطقها هم "المحاصرون" بدليل بيّن هو اضطرار كل قضاتها الى النزول الى الميدان الذي اراده "حزب الله" وهو المساجلة والدفاع عن المحكمة وفق ادبيات سياسية، وتنأى عن اللغة القانونية. وبدليل آخر هو ان القرار الظني الموعود صدوره عن هذه المحكمة والذي سيشير بأصبع الاتهام الى مجموعة من افراد الحزب، وفق ما صار الحزب يعتقد، قد تأخر صدوره وبات في ظهر الغيب بعدما حدد في السابق اكثر من موعد لصدوره بدءاً بشهر ايلول الماضي وصولاً الى الشهر الجاري.

اما وجهة النظر الاخرى فتنهض على اساس ان القرار الظني سيصدر عاجلاً ام آجلاً وان كل الجهود والمساعي المبذولة لحرف ما هو مرسوم وتغيير واقع الحال المعلوم سلفاً سيكون بعد صدور القرار الموعود. وهذه الوجهة تتعاطى مع القرار اياه على اساس انه قضاء لا يرد وقدر لا مفر منه. لانه لا يمكن المحكمة الدولية المعلنة منذ عام 2007 ان تحل نفسها او تضيّع جهودها سدى، وهي اعدت في الاصل وكلّفت كل هذا الجهد لتلفظ في خاتمة المطاف حكماً في حق مجموعة معيّنة.

وفي منأى عن كلتا وجهتي النظر هاتين، فالثابت ان "حزب الله" امضى اكثر من نصف العام الموشك على الرحيل يبذل جهوداً استثنائية ليدفع عن نفسه حبل التهمة الذي يُعد له، وليس سراً الاشارة الى ان ثمة خلايا عمل شكلت ودوائر اعدت في داخل الهرم القيادي للحزب لتواجه ما اعتبره امينه العام السيد حسن نصرالله "حرب" المحكمة الدولية عليه، كما ليس سراً ان غالبية جهود الحزب وعمل ماكينته القيادية قد كرس لجبه هذا "الحدث" الجلل بالنسبة اليه وخصوصاً انه يراه سيفاً مصلتاً يستهدف ماضي الحزب ومقاومته وحاضره ومستقبله، ويتوخى تشويه صورته في المديين العربي والاسلامي، وهي امر يشكل مادة اعتزاز كونه يعتبر نفسه طليعة مشروع متصادم لا يرمي بلوغ سلطة او الاستحواذ على حكم، او تحصين موقع.

اشارة الإنطلاق العملية في مشروع مواجهة المحكمة اعطاها أمينه العام السيد نصرالله في مطلع تموز المنصرم حين ظهر على الشاشة متجهماً اكثر من العادة، مسقطاً كل الخطوط الحمراء السابقة من خلال اعتبار المحكمة الدولية مشروعاً اسرائيليا بكليته، مما اوحى للمراقبين أن الرجل وحزبه شرعا في خطة المواجهة الضارية.

بدا جلياً، من خلال هذه المحطة الاولى في الرحلة الطويلة والشاقة التي فرضت عليه سلوكها، ان الحزب يجاهر برفضه العرض الذي قدم اليه في غرف مغلقة عن رئيس الحكومة سعد الحريري وفحواه ان يقبل الحزب قرار الاتهام الموعود لمجموعة غير منضبطة من عناصره، على ان يكون الجزء الثاني من العرض ان يبادر الحريري الى القول إن هذا الواقع لا يعني ان الحزب كله متهم، وعليه تعقد صفقة سياسية تتصل بكل مستقبل الوضع في لبنان والعلاقات بين الطرفين.

وفي قراءة دوائر القرار في الحزب للاسباب العميقة التي دفعت الى حمل هذا العرض "المتفجر" الى قيادة الحزب، ان المعطيات والأجواء والوقائع لا تبيح له رفضه بناء عن اعتبارات عدة أبرزها:

- ان سوريا التي فتحت ابوابها قبل فترة امام الرئيس الحريري وعقدت معه مصالحة، وخصوصاً بعدما برأها سياسياً من تهمة الضلوع في اغتيال والده، صارت في وارد آخر، ولن تبادر الى التضحية ب"المكاسب الضخمة" التي حصلت عليها حديثاً، والتي لا يتهمانه بها، في سبيل الوقوف مع الحزب ومشاركته في معركته.

- إن الحزب لن يستطيع هذه المرة الذهاب في اتجاه الجنوب وفتح مواجهة مع اسرائيل على غرار مواجهة تموز 2006، فهناك القرار 1701 وهناك نحو 13 ألف جندي دولي وهناك اخطار الفصل السابع.

- الى ذلك، ليس في امكان الحزب خوض مواجهات داخلية على غرار تلك التي قامت عامي 2007 و2008، وما تخللها من اعتصامات واحداث ايار عام 2008، لأن المعطيات التي سمحت له بذلك حينذاك قد تحوّلت وتبدلت وليس في امكانه استخدام الاسلوب عينه مرتين.

ومع كل ذلك اختار الحزب المواجهة وانطلق في هذا الخيار مركزاً جهده استهلالاً للنيل من نزاهة المحكمة نفسها وشفافيتها قبل ان تصدر في حقه "قرار الاعدام" وفق ما يراه هو.

ولقد تولى السيد نصرالله نفسه هذه المهمة، اذ ظهر في خمس اطلالات متقاربة زمنياً، خلافاً لجاري العادة، ومستخدماً في احدى هذه الاطلالات وثائق واشرطة تعرض للمرة الاولى سعى من خلالها الى تكريس فرضية توسيع التحقيق في اتجاه ضم اسرائيل الى قائمة المتهمين بالضلوع في هذه الجريمة.

ولاحقاً ركّز الحزب عبر العديد من رموزه ونوابه على مسألة الاختراق الاسرائيلي لشبكة الاتصالات الخليوية في لبنان، وهو امر من شأنه ان يدعم نظرية تلاعب هذا الكيان بهذه الشبكة، مما يحاصر بالشكوك الفرضية الاساسية التي اعتمدت عليها المحكمة الدولية لتتهم الحزب، وفحواها ان ثمة اتصالات بين رموز امنية من الحزب اجريت قبيل عملية اغتيال الرئيس الحريري وبعدها.

ولم يفت الحزب ان يبرز "لا شرعية" اقرار المحكمة، وانها اقرت خارج الاجماع الوطني، وتالياً ليس هناك من نظرة وطنية واحدة اليها، وهو ما ظهر جلياً في المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل فترة قصيرة رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد والمحامي سليم جريصاتي وتمثلت "الضربة" الاخيرة وليس النهائية التي يعتبر الحزب انه سددها الى المحكمة في اظهار "فساد" محققيها الاول، وبالتحديد المحقق الالماني غيرهارد ليمان الذي كشف نصرالله انه "مرتش" وانه باع وثائق عائدة للمحكمة بمبلغ زهيد (50 الى 75 الف دولار) وانه عرض على الحزب شراء كل وثائق التحقيق بمبلغ مليون دولار.

وليس جديداً الاشارة الى ان الحزب امسك ايضاً ببراعة بملف آخر له علاقة بماضي المحكمة وحاضرها، وبالشكوك المحيطة بمراحلها الاولى وهو ملف "شهود الزور"، مستغلاً بطبيعة الحال "اقرار الرئيس الحريري بوجود هذا الملف من خلال التصريح الشهير الذي ادلى به عشية عيد الفطر الى صحيفة "الشرق الاوسط" السعودية، وهو الملف عينه الذي "نجحت" المعارضة عموماً في توظيفه لتعطيل عمل الحكومة وتالياً احداث شلل سياسي واداري عام مستمر منذ اكثر من شهر، كجزء لا يتجزأ من حصار محكم على حركة الرئيس الحريري، واظهاره في موقع العاجز حتى لدعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد.

وهذا التطور السلبي سبقه تطور آخر تجسد في فرض جو من الغموض والإبهام على مصير الوضع في البلاد من جوانبه اذا صدر القرار الظني الموعود قبيل حدوث اية تسوية، من خلال رفضه الافصاح عن توجهاته وخططه للرد، وذلك رغم الحاح السفراء والموفدين العرب والاجانب عليه في السؤال مكتفياً بانه "لن يقف مكتوفاً وان من حقه الدفاع عن نفسه بكل الوسائل".

هل في الامكان القول ان هذا النهج "السلبي" الذي سلكه الحزب قد اعطى ثماره واظهر نتائجه؟

لا ريب ان الحزب يعتبر انه حقق مجموعة مكاسب، وجملة انجازات تجعله اليوم في وضع المرجح انه نجح في جعل المحكمة في وضع المتداعي او المرتبك والمحاصر، وانه كان يرى ان فصول المواجهة معها لم تنته بعد، وهي تحتم عليه المزيد من التحفز وبذل الجهد ليبلغ غايته المرتجاة.

ولعل اول هذه المكاسب تجسد في المسعى السعودي – السوري الذي وإن راهن عليه الحريري رهاناً قوياً، وهو في الاصل، وفق اكثر من مصدر، استتباع لرهان قوي من الرئيس السوري بشار الاسد على العاهل السعودي، الا انه بقي يعمل على فرضية انه ربما عاكست رياح الظروف هذا المسعى وبالتالي لم يصل الى خواتيمه.

فالذي يرى أن طريقة مواجهته للمحكمة والنهج المتبع التي دفعت المملكة السعودية الى وضع ثقلها في السعي لإنجاح المبادرة. ومما لا شك فيه ان الحزب قد راقب سلوك خصومه تجاه هذه المبادرة، وهم الذين تجاهلوا اصلاً وجودها ثم اعتبروها مجموعة افكار لا تلزمهم الى ان اقروا بوجودها اخيراً وابلغ الرئيس الحريري اخيراً من يعنيهم الامر انه سيلتزمها.

اما ثانية تلك "النتائج"، التي يعتبر الحزب انه حصل عليها، فتتمثل في سلوك بعض العواصم الغربية ولا سيما باريس تجاهه، فهي حاولت اولاً اقناعه بالقبول بالقرار الظني على ان تبقى هي تتعامل معه كأنه غير متهم، ثم عرضت عليه بطريقة غير مباشرة عرضاً فحواه ان الامر كله سيتمحور حول اتهام لا يطاول سوى ثلاثة اشخاص وسيقال لاحقاً انهم اما مفصولون من الحزب منذ زمن او هم مختفون او قضوا.

ولعل المكسب الابرز الذي يدرجه الحزب في لائحة مكاسبه السريعة، يتمثل في عجز المحكمة عن إصدار القرار الظني في المواعيد المحددة لذلك سابقاً لاعتبارات عدة ابرزها أن المدعي العام دانيال بلمار لا يملك قراراً متكاملاً لا يرقى اليه الشك وان المعنيين بالمحكمة باتوا يخشون التداعيات الممكنة في لبنان والمنطقة إذا ما صدر القرار، اضافة الى صعوبة تنفيذ مندرجات هذا القرار وما يمكن ان ينجم عن ذلك في حينه، وخصوصاً ان ثمة مراجع قضائية وامنية لبنانية ابلغت من يعنيهم الامر سلفاً انها لن تدخل هذا المدخل.

وللحزب بطبيعة الحال تجربته العملانية في هذا المجال وخصوصاً بعد حادث العيادة النسائية في الضاحية الجنوبية التي حصلت بين مجموعة نسوة وفريق من المحققين الدوليين، وما اعقب ذلك من نداء وجهه السيد نصرالله بتحريم التعاطي مع المحكمة وفريقها المحقق وهو نداء يقيم الحزب على اعتقاد فحواه انه اعطى ثماره وحقق مرتجاه. ولا شك ايضاً في ان الحزب ينظر بعين الارتياح الى الموقف السوري من موضوع المحكمة والقرار الظني، وهو موقف يتصف بالشدة في رفضه والحزم في القبول به وصل الى حدود "مقاطعة" غير معلنة للرئيس الحريري.

وهو موقف اقترن ايضاً بمعلومات وردت الى الحزب فحواها ان دمشق ابلغت عواصم عدة غربية وعربية أنها لن تقوم بأي دور في الداخل اللبناني يساهم في ضبط الاوضاع اذا ما صدر القرار الظني قبل حصول التسوية المرتجاة.

وفي العموم يبدو "حزب الله" على ثقة كبيرة انه استطاع بنجاح كبير ادارة معركة مواجهة المحكمة الدولية، الى الآن، وهو لا ينام على حرير هذا الامر، لانه ما زال يستنفر كل قواه. فهو يعرف ان للمعركة تتمتها وان خصومه لم يقتنعوا بعد انهم سيجربون ويجربون علّهم ينجحون.

===========================

مستقبل العرب و«دولهم» بين السودنة والعرقنة واللبننة

طلال سلمان

السفير

29-12-2010

لا تشقق السودان الى»دولتين»، على الأقل، بانفصال جنوبه عن شماله، رسمياً، خلال أيام، يمكن أن يكون نهاية المأساة الدامية التي يعيش في إسارها هذا البلد المصنف عربياً، الغني نظرياً بموارد للثروة هائلة، والفقير حتى العظم، واقعياً، وبشهادة الظروف القاسية التي يعيشها أهله.

... ولا التحايل على حفظ وحدة الكيان العراقي بتقسيمات جهوية أو عرقية أو طائفية قد تحمي «وحدة الدولة» برغم الاعتراف بانقسام أهلها وتوزعهم «شعوبا»، يمكن أن يطمس عمق الأزمة الكيانية التي تعصف بالأرض التي بدأ فيها التاريخ الإنساني والتي تبدو الآن وكأنها في طريقها للخروج من التاريخ.

كانت زيارة عابرة الى السودان تكفي لأن يداهمك الإحساس بأن كيانه السياسي قد تم اصطناعه وتركيبه بعيداً عن إرادة «شعوبه» التي أريد لها أن تكون ضمن هذه «الدولة» الممتدة بحجم قارة، مع تجاهل مقصود لتهاوي الروابط في ما بينها، ومع تجاوز لواقع أن «الدولة المركزية» لم تصل في أي يوم الى سائر أنحاء السودان التي تكاد الجهات الأصلية فيه أن تكون هويات لقبائله وأعراقه المختلفة: فالجنوب مختلف كلية عن الشمال، لوناً وتركيبة سكانية، ودينا، والشرق مختلف عن الغرب في الكثير مما يتجاوز الدين... ثم ان الشمال عاصمة وبعض المدن، أما الباقي فهو متروك للنيل متى وهب، يعيش أهله حياة بدائية ويمر بهم الزمن فلا يحفل بهم ولا هم يحفلون.

هل من المفيد أن نستذكر التاريخ وكيف أقام الاستعمار البريطاني وحدة مصر والسودان تحت عرش أسرة محمد علي، مع قفز عن حقائق التاريخ والجغرافيا والتركيبة السكانية في «وادي النيل» وهي تتكون من عناصر مختلفة لا يجمع بينها جامع غير الارض التي رسم حدودها أجنبي لا يهتم إلا بمصالحه، وبالتالي فهو قد وجد في تلك الصيغة حلاً مؤقتا يحمي تلك المصالح تاركا المستقبل لله.

هل يتذكر أحد أن أياً من المصريين أو السودانيين لم يظهر اعتراضاً أو يرفع صوته بالاحتجاج حين أعلنت ثورة 23 يوليه/تموز في مصر إنهاء تلك الوحدة الشكلية، والاعتراف باستقلال السودان، محاولة أن تعوض بعلاقات حسن الجوار والمصالح المشتركة عن «وحدة» أقيمت من فوق رؤوس الشعبين ثم أسقطت من دون ان يبكيها مواطن واحد في القطرين الجارين اللذين كانا «حتة واحدة» ثم عادتا دولتين مستقلتين؟

واذا كانت الحكومة في مصر قد تصرفت - حاليا - بفهم واقعي لانفصال الجنوب عن الشمال، مؤكدة حرصها على إقامة «علاقات طبيعية» مع الدولة، المستنبتة حديثاً، فإن الرئيس الاميركي الأسمر بجذوره الأفريقية باراك اوباما، قد بادر الى توجيه النصح الى قادة الجنوب بأن يحرصوا على التعاون مع الشمال.

بالمقابلن لا تخفي الإدارة الاميركية رعايتها الرسمية لانفصال الجنوب، بل ان الرئيس اوباما قد استخدم الهاتف في حديثه الى رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت ليؤكد له «تمسك واشنطن بأن يجري الاستفتاء بهدوء وفي موعده المحدد»... بل وهو قد حث سلفاكير على التعاون مع حزب المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس عمر البشير لحل المسائل العالقة.

في الوقت ذاته كان نائب الرئيس الاميركي جوزف بايدن يتصل بنائب الرئيس السوداني علي عثمان طه، ليبلغه التزام الولايات المتحدة الاميركية بإجراء الاستفتاء في وقته المحدد، كما شدد على أهمية التزام السودان بدفع المسار التفاوضي في ما يتعلق بالنقاط العالقة في اتفاق السلام الشامل.

لكن لا الرئيس الاميركي الأسمر ولا نائبه الأبيض كانا معنيين بكيف سيعيش جنوب السودان بعد الاستفتاء الذي سيجعله «دولة مستقلة»، ولا بماذا سيصيب الشمال بعد انفصال الجنوب، خصوصاً أن ثمة دعوات علنية تطالب بانفصال جهات أخرى من هذه الدولة - القارة التي لم تكن في أي يوم دولة موحدة.

في الوقت ذاته، وفي ما عدا الموقف المصري الرسمي الذي تعامل مع الانفصال واقعياً، فأوفدت القاهرة مسؤولين يبحثون مع قادة الدولة المستجدة مستقبل العلاقات في مختلف المجالات، مع تركيز على مسألة مياه النيل باعتبارها قضية حيوية لمصر، فإن أيا من الدول العربية لم تقل كلمة في هذا الموضوع الخطير، تاركة الأمور تأخذ سياقها الطبيعي... والأمر لله من قبل ومن بعد!

ولم يكن الاجتماع الطارئ الذي انعقد في الوقت الضائع في الخرطوم وجمع قيادات كل من مصر وليبيا والسودان (وموريتانيا التي لم تعرف لها صفة في هذا الاجتماع لدول الجوار) إلا محاولة متأخرة للبحث في التداعيات المحتملة لتفسخ السودان الى دولتين (قد يليه تفسخ آخر)، ثم الانفضاض من دون أية مقررات تطمئن الى الغد عبر خطة ما، مشروع ما لمواجهة ما قد يحدث تمهيداً للانفصال أو اعتراضاً عليه أو اتخاذه منطلقاً لمزيد من التفسخ في الخريطة العربية الرسمية.

ما حصل في السودان، وما قد يحصل في العراق وله، وما قد يحصل في اليمن ولها، وما يلوح كخطر محتمل على وحدة الكيان السياسي للبنان، له «أصل» في طريقة إنشاء أو إقامة هذه الدول العربية بالذات وغيرها... ففي ما عدا مصر التي كان لها عبر التاريخ «كيانها» السياسي تحميه الجغرافيا، فإن معظم الكيانات السياسية، وفي المشرق العربي على وجه التحديد، لم يكن لها ما يبرر إقامتها كدول إلا مصلحة القوى الاستعمارية التي ورثت السلطنة العثمانية.

أنشئت دول المشرق العربي بتقاسم معلن بين الإمبراطوريتين اللتين ورثتا عن الإمبراطورية العثمانية «أملاكها»، ولذا فلم يكن التقسيم مستنداً الى حدود طبيعية أو الى وحدة عناصر الشعب في كل من تلك الدول، أو الى قدرة «الدولة» الجديدة على توفير أسباب الحياة «لشعبها» فضلاً عن حماية كيانها السياسي.

لذا، أمكن زرع الكيان الإسرائيلي في فلسطين، بالقوة، دون ان تملك «الدول» العربية المحيطة ما يمكنها من درء هذا الخطر الذي زعزع مرتكزات وجودها المفتعل ذاته، فعاشت منذ 1948 حتى اليوم وهي تخاف القوة الإسرائيلية المعززة دولياً والمحمية بقوى الاستعمار القديم ثم الإمبريالية الاميركية.

لكن العسكريين الذين نجحوا في الاستيلاء على السلطة وجدوا ان تحرير فلسطين مهمة صعبة جداً، فقرر كل حيث ملك ان يبني دولته القوية، وانشغل بهذه المهمة عن التحرير، خصوصاً ان رفاقه كما خصومه من الضباط كانوا يعملون لخلعه بتهمة التخلي عن المهمة القومية والتفريط بالهدف المقدس... وتدريجياً، صار الحفاظ على الحكم بشعار التحرير أهم من العمل للتحرير، ثم تطور الأمر اذ اعتبرت المناداة بالتحرير مزايدة على الحكم الثوري واتهاماً له بالتقاعس، وهذه تهم تودي بمن توجه اليه الى التهلكة.

تكفي مراجعة كشوف الضباط الذين سيقوا الى ميادين الإعدام، في دول المشرق العربي، للتثبت من ان المئات وربما الآلاف من الضباط المؤهلين الذين كان يعدهم النظام - دعائيا - أو يعدون أنفسهم عملياً لمعركة تحرير فلسطين، قد شطبوا فأعدموا بتهم خطيرة أعظمها «التآمر على النظام» أو «التواطؤ مع الأجنبي لإضعاف الكيان السياسي» والتمكين لهيمنة الأجنبي على البلاد!

يمكن، هنا ايضا، مراجعة كشوف الضباط الذين أعدموا أو سجنوا ثم أحيلوا على التقاعد «المبكر» في السودان على امتداد الحقب التي تولى فيها الجيش الحكم، عبر مسلسل الانقلابات التي توالت منذ عهد «عبود» وحتى عهد «البشير»، والتي كانت «فلسطين» تحتل مع الجنرالات الأوائل موقع الصدارة ثم صارت «الشريعة» في هذا الموقع وضاع السودان، بدولته ووحدة شعبه بين الشعارين.

أما في العراق الذي استقر فيه الحكم، نظرياً، لحزب حاكم منذ أواخر الستينيات، وحتى الأمس القريب، فإن كشوف «الرفاق» من الحزبيين الذين أدينوا فأعدموا قبل المحاكمة أو حوكموا وحكموا بالإعدام خلال ساعات، تشهد بأن الصراع على السلطة قد دمر الحزب والجيش ووحدة الشعب، ثم انتهى بأن فتح الطغيان الباب على مصراعيه أمام الاحتلال الاميركي الذي دخله بفرية مبتدعة: انه يملك أسلحة نووية يهدد بها الأمن الإسرائيلي وبالتالي السلام الكوني!

وتشهد تلك الكشوف بأن الحاكم الفرد لم يتردد في إعدام أقرب الناس اليه، أبناء عمومة وخؤولة، ورفاقاً بل قادة لحزبه، إضافة الى الآلاف من المواطنين العاديين الذين اتهموا بالتواطؤ مع دول أجنبية أو التجسس لحساب جهات ودول لا يعرفون أين تقع على الخريطة.

...ويحدثونك عن « الدولة المركزية»، ضعفها أو قوتها، نجاحها أو فشلها.

ان معظم دول المشرق العربي يمكن اعتبارها - بالتصنيف العالمي - دولاً فاشلة، سواء في دخلها القومي، أو في توزيع الدخل الوطني على أهلها، أو في أهليتها لرعاية مجتمعها.. ثم انها دول «الشخص» ملكا كان أم رئيساً مالكاً.

لكن ثمة في هذه الأخبار ما يفرح: لقد زاد عدد الدول «العربية»، وزاد عدد أصواتنا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزاد مهرجان الأعلام الوطنية علماً، صحيح أنه لن يكون عربياً صافيا، لكنه علم يشابه بزركشة ألوانه الأعلام العربية... وهذا يكفي: من قال إن المضمون أهم من الشكل؟

ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

===========================

الخيارات السبعة..وخطة "النجوم السبعة"!

المستقبل - الاربعاء 29 كانون الأول 2010

العدد 3869 - رأي و فكر - صفحة 19

ماجد الشّيخ

يبدو أن المفاوضات الأميركية الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، قد اصطدمت بجدار الفشل، حتى أنه لم يبق هناك من إمكانية لفتح ثغرة جزئية فيه، فالولايات المتحدة وبعد تقديمها سلة حوافزها الإستراتيجية للائتلاف اليميني المتطرف، مقابل مجرد هدف تكتيكي محدد، يتلخص في تجميد البناء الاستيطاني تسعين يوما؛ ها هي مرة أخرى جديدة، تقر بعدم قدرتها على إقناع ائتلاف نتانياهو الحكومي وقف الاستيطان أو تجميده ولو مؤقتا، على الرغم من سلة الحوافز والضمانات الكبرى، التي رفضتها حكومة نتانياهو، إدراكا منها أن هذا كله سوف يصلها بالتأكيد مجانا، ومن دون مقابل، بينما تزداد حاجة الطرف الأميركي لوجود "اختراق" ينقذ المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من جمودها الراهن.

وعلى الرغم من اليأس الفلسطيني في ظل استمرار سياسات الصلف والغرور الإسرائيلي، إلاّ أنه كان لم يزل في الجعبة الأميركية المزيد من "ألعاب الحواة"، حين قامت بإبلاغ الجانب الفلسطيني حاجتها إلى المزيد من الوقت، لمواصلة جهودها لدى الجانب الإسرائيلي، قبل أن تنفض يدها لتعلن فشلها في أداء المهمة. ثم تقوم بإرسال المبعوث جورج ميتشل مرة جديدة إلى المنطقة، في وقت تمضي مشاريع الاستيطان ومخططاتها الهيكلية ومناقصاتها في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهي أراض يفترض منظور التسوية الراهن أنها سوف تتبع دولة فلسطينية مفترضة، فيما تستمر مخططات التهويد لعدد من مناطق القدس الشرقية، وهي ما يُفترض أنها ستكون عاصمة للدولة الفلسطينية المغدورة وفق "حل الدولتين".

يجري كل هذا في الوقت الذي تمضي فيه أحزاب الائتلاف اليميني المتطرف، في تقديم المزيد من مشروعات القوانين العنصرية التي تنسف كل أساس لتسوية ممكنة مع الطرف الفلسطيني، وآخر تلك القوانين المزمع تقديمها للكنيست من قبل حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف، مشروع قانون القدس "عاصمة للشعب اليهودي" لا الإسرائيلي فحسب! بعد إقرار "قانون الاستفتاء" على الانسحاب من الجولان والقدس الشرقية، وهو قانون مُلزم للحكومة، ويقول لها بالفم الملآن، إنه لا يمكنها تنفيذ أي انسحاب من المناطق المحتلة عام 1967 دون موافقة الرأي العام الإسرائيلي، في ظل إجماع عام في إسرائيل تزداد عدوانيته وعنصريته، وقابليته لتنفيذ تطهير عرقي جديد من أجل الاحتفاظ بالأرض أرض إسرائيل الكاملة فما بالنا وحال التجميد في كل مراحله مجرد تجميد جزئي ومؤقت لبناء إستيطاني يتواصل ويتمدد بشكل أو آخر، بطريقة أو أخرى.

في هذا الخضم العاتي، لا يتوقف الحديث عن استئناف المفاوضات، وكأنها عملية طوع بنان الطرفين المتفاوضين، بينما بات يعرف القاصي والداني، أن الطرف الثالث الأميركي إنما هو يلعب لعبته المزدوجة، فهو طرف معني بتحقيق التسوية، ولكن وفق مفهومها الإسرائيلي، بينما يحاول تسويق نفسه كوسيط نزيه، وما هو كذلك بالمطلق. على أن من المؤسف أن تنحدر "الخيارات الفلسطينية السبعة" للرهان على "الوسيط الأميركي" كراع لتسوية لم تعد ممكنة، في ظل استمرار وتواصل الاستيطان، وتشريع قوانين عنصرية، لا تحد، بل هي تمنع تنفيذ انسحابات من المناطق المحتلة عام 1967، في الوقت الذي تقتضي فيه التسوية على المسار الفلسطيني، كما على المسار السوري؛ رحيل الاحتلال دون قيد أو شرط. وهذا دونه وضع فلسطيني وعربي مختلف، كما ووضع دولي لا يمالئ الاحتلال، ويمنحه المزيد من عناصر التصلب والتشدد، واستمرار إقامته وتغييره ما أمكن من بنى جغرافية، والعبث بديموغرافية المناطق المحتلة.

ولهذا لا يكاد يمر يوم دون أن ترتكب قوات الاحتلال المزيد من انتهاكاتها الاستيطانية للمناطق الفلسطينية، ففي كل يوم مشروع استيطاني لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية هنا أو هناك، فضلا عن بؤر إستيطانية كانت صغيرة يوما، ومجرد كرافان أو عدة كرافانات، وها هي مع تشريعها وتقديم الحماية القانونية لها، تصبح مستوطنات لا غنى عنها لاستكمال "مخططات التطوير" الاستيطاني للتجمعات الاستيطانية الكبرى التي يجري الحديث عن إمكانية بقائها، ضمن "صفقات تبادل عقارية"، يجري التخطيط لها من الآن. وهذا يشمل أراضي فلسطينية في كل من مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، ومناطق الاحتلال الثاني عام 1967.

علاوة على هذا، فقد تبيّن لمواطني فلسطين المحتلّة عام 1948، أنّ سياسة سلطات الاحتلال الرافضة لتوسيع المخطّطات الهيكليّة للقرى العربيّة في وادي عارة، وما يرافقها من سياسة عدم منح تراخيص بناء، وما يتبعها من سياسة هدم المنازل التي تصاعدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ليست عبثيّة؛ إذ تخدم المخطّط الذي كشفت عنه وزارة الإسكان الإسرائيليّة، لتوسيع مستوطنة "حريش" وتحويلها إلى مدينة يهوديّة من خلال بناء 22 ألف وحدة سكنيّة تتّسع لنحو 130 ألف يهودي، لتصبح قرية "أم القطف" العربيّة حيّا في تلك المدينة، وذلك على حساب القرى والأراضي العربيّة في المنطقة، والتخطيط هو على شكل العنكبوت، وقد سبق للمسؤولين الإسرائيليين أن عرضوها باسم "المدينة العنكبوتيّة".

ومن المعروف أنّ خطة بناء مدن متاخمة لما يسمى "الخط الأخضر"، تعود إلى التسعينات، وعُرفت ب (خطّة شارون) المسمّاة (النجوم السبعة)، نظرا لما تستهدفه من إقامة سبع مدن يهوديّة في مناطق متاخمة للخطّ الأخضر، بهدف قطع التواصل الجغرافي بين التّجمّعات الفلسطينية القائمة داخل أراضي ال 48 وتلك التي في الضفّة الغربيّة، وذلك مقدّمة لإلغاء "الخطّ الأخضر" نهائيّا. فأي خيارات "فلسطينية" ممكنة في ظل هذا القضم والهضم المتسارع والمتدرج لأراضي فلسطين، ودولة فلسطين، بل كامل أرض فلسطين التاريخية؟ وماذا يتبقى من أرض ووطن الشعب الفلسطيني طالما أن "الخيارات السبعة" لا تحفل إلاّ بالوساطة الأميركية أو التدخلات الأميركية، والتوسطات العربية، أو الأوروبية، والرهان على قدرة مجلس الأمن الدولي، وهيئة الأمم المتحدة على تغيير معادلات موازين القوى والقوة المعروفة، من دون أن تلتفت إلى الإدارة الذاتية للصراع، ومن بدهياتها أنها تقع على عاتق الطرف الفلسطيني، ودون إقامة أي وزن أو أوزان مفترضة لإرادة التحدي الفلسطينية في مواجهة الاحتلال أولا، وفي مواجهة استعصاءات التفاوض واستحالة التسوية، في ظل استمرار وتواصل مخططات الاستيطان، والهيمنة على الأرض الفلسطينية بكاملها عنكبوتيا، ومواصلة تنفيذ خطة "النجوم السبعة" الشارونية. وكأن ليس لنا إلا "خياراتنا السبعة"، بينما لهم الأرض و"النجوم السبعة".

===========================

المعاناة الفلسطينية        

آخر تحديث:الأربعاء ,29/12/2010

أسامة عبد الرحمن

الخليج

كتب أحمد حسن الزيات بعنوان “يالله لفلسطين” (الرسالة: السنة السادسة، أغسطس/ آب 1938م)، وأشار إلى معاناة فلسطين العربية، وأن أخواتها في العروبة مطمئنات على ضفاف الأنهر النضاحة بالنعيم . . وينظرن إليها نظرة الغرير الأبله، وهي تمشي في النار، وتستصرخ العرب والمسلمين، متسائلاً: “أنه إذا ذهبت عصبة الجنس . . فهل تذهب نخوة الرجولة؟ وإذا ضعفت حمية الدين فهل تضعف مروءة الإنسان؟ إنا لا نقول لهم تطوعوا، ولكن نقول تبرعوا . إن فلسطين من البلاد العربية بمكان القلب، ومن الأمم الإسلامية بموضع الإحساس، وسيعلم الغافلون أن محنتها سبيل المسلمين إلى التعاطف، وصرختها نداء العرب إلى الوحدة . فهل يزكو بعربيتكم، والجود، غريزة في كيانها، وبإسلاميتكم والمواساة ركن من أركانها، أن تقفوا من فلسطين موقف الخلي المتفرج، يسمع الأنين فلا يعوج . . ويبصر الدمع فلا يكترث” .

 

وهذا الطرح من الزيات للوضع الفلسطيني عام ،1938 يصلح للطرح في الوقت الحالي الذي تواجه فيه غزة الحصار، ويبحث الشعب الفلسطيني فيها عما يقيم أوده، ويلبي احتياجاته الأساسية، وهي تستصرخ العرب أن يهبوا لنجدتها ومساعدتها، وأن يمدوا لها يد العون من منطلق الانتماء، ومن منطلق وشائج الصلة والقربى، خصوصاً أن الشعب الفلسطيني فيها لا يمشي في النار فحسب، ولكن تلاحقه نار العدو الصهيوني من كل صوب .

 

وإذا كانت فلسطين في عام 1938 تواجه المعاناة وأخواتها على ضفاف الأنهر النضاحة بالنعيم، ينظرن إليها ويكتفين بذلك، فإن غزة اليوم تواجه المعاناة، والحال العربي يكاد يكون هو الحال نفسه . وإذا كان الزيات يصور في النصف الأول من القرن الماضي هذا الوضع الذي تواجهه فلسطين التي تطلب من العرب التبرع وليس التطوع، فهي تحمل عبء المواجهة ومستعدة لبذل أغلى التضحيات، فإن غزة تطلب التبرع ولا تطلب التطوع كذلك، وتستثير في العرب نخوة الرجولة والشهامة بينما توصد في وجهها السبل، وتغلق الأبواب ولا تكاد تجد متنفساً . فما أشبه اليوم بالأمس .

 

إن فلسطين ظلت على مدى عقود طويلة قادرة على الصمود والصبر، وقادرة أيضاً على تحمل شظف العيش، وظلت تواجه العدوان بشرف النضال، لا يفت في عضدها التجويع والحصار، ولكنها كانت تنتظر من العرب أن يمدوا لها العون لتلبية الاحتياجات المعيشية الضرورية والمتطلبات الإنسانية وهذا أضعف الإيمان . ويبقى الشعب الفلسطيني صاحب القضية التي نذر نفسه في سبيلها ومواجهة جبروت العدوان الصهيوني وبطشه وقمعه ومحارقه ومجازره، ولا يطلب من العرب أن يتطوعوا في صفوف المقاومة، أو يكونوا عرضة لجبروت الاحتلال الصهيوني وبطشه ومجازره ومحارقه . وبالطبع فإن العرب بعد أن دخلوا في ردهات السلام ومزالقه ألغوا المواجهة المسلحة مع الكيان الصهيوني، وأعلنوا السلام خياراً استراتيجياً، مع أن الكيان الصهيوني بطبيعته منغمس في العدوان ومناهض للسلام، وكلما ازداد العرب تمسكاً بالسلام ازداد الكيان عدوانية وازداد أيضاً عبثه واستباحته للأرض الفلسطينية والعربية .

 

إن طرح الزيات الذي يصور الوضع الفلسطيني منذ عشرات العقود، يوضح أن الوضع مازال يطلب من العرب ألا يقفوا موقف المتفرج، وألا ينظروا نظرة الأبله، بينما الشعب الفلسطيني يمشي في النار التي تلتهم الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل، وتوصد السبل أمامه وتغلق الأبواب، وهو يبحث عن سبيل يمكنه من تلبية الاحتياجات الإنسانية وما يقيم أوده من مأكل ومشرب، وما يحتاجه من ضرورات الدواء .

 

فهل يظل العرب في موقف المتفرج؟ وهل هذا الموقف من إفرازات ما يسمى عملية السلام؟ والكيان الصهيوني لا يراعي أبسط الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية، والتجويع وسيلة حرب، والحصار نوع من الحرب لو لم يكن مفروضاً بقوة السلاح وإنما بوسائل أخرى تبدو مدنية .

 

فكيف تحترق غزة وتنصهر تحت نار الاحتلال ونار الحصار؟ وكيف يمكن أن يكون العرب في موقف المتفرج الذي يسمع الأنين فلا يبالي ويبصر الدمع فلا يكترث؟

===========================

المحكمة الدولية والتدخلات الإقليمية

الاربعاء, 29 ديسيمبر 2010

رندة تقي الدين

الحياة

ما إن تصدر معلومات عن تسوية «س - س» أو يُنقل خبر من سورية أو إيران حول المحكمة الدولية، حتى يعيش لبنان هبّة باردة أو هبّة بالغة السخونة. وأمس نُقِل من دمشق أن الرئيس بشار الأسد يشبّه القرار الاتهامي المرتقب بأنه 17 أيار جديد في لبنان. وكان المرشد الإيراني أبلغنا بأن القرار الاتهامي باطل والمحكمة الدولية باطلة وغير مقبولة.

 

والضغط الذي يأتي من الدولتين النافذتين على الساحة اللبنانية عبر الحزب الحليف الأساسي، «حزب الله»، يندرج في إطار ممارسة المزيد من الضغوط النفسية على حكومة سعد الحريري كي تكون الكلمة التي سيقولها لدى تحويل الملف الاتهامي من المدعي العام بلمار الى قاضي الإجراءات التمهيدية فرانسين، على طريقة ما تريده سورية وإيران و «حزب الله»، أي تبرئة أي جهة يرد ذكرها في القرار الاتهامي.

 

إلا أن سعد الحريري ليس المحكمة الدولية وهو ليس القضاء. هو رئيس حكومة مدرك تماماً أنه لا يريد فتنة بين اللبنانيين ولا يريد فتنة سنية - شيعية ولا خراب البلد، وقد ردد مرات عدة أنه لا يريد أن يكون دم والده سبب فتنة.

 

واليوم، ونحن على أبواب تحويل الملف الاتهامي من المدعي العام بلمار الى القاضي فرانسين، والذي قد يتم في أوائل الشهر المقبل أو منتصفه في أقصى تقدير، ينبغي أن يتم تحويله في شكل علني، كي يعرف اللبنانيون أن بلمار وصل الى نتيجة عمله بالبراهين التي توصل إليها عبر درس دقيق لها.

 

فتحويل هذا الملف الى فرانسين ينبغي أن يُعلن عنه أولاً، لأنه إذا بقي سرياً سيؤدي الى تسريبات وإشاعات وتأويلات، كما يحصل حالياً، ثم لأن من حق الشعب اللبناني أن يعلم الى أين وصل المسار القضائي وإن كان مضمونه لن يُعرف حتى شباط (فبراير) أو آذار (مارس)، لأن فرانسين يحتاج قبل تحويل القرار الاتهامي الى المحكمة، الى درس أي قانون تطبقه المحكمة الدولية، هل هو القانون اللبناني أم القانون الدولي.

 

لا يمكن أحداً وقف مسار المحكمة، والقول إن على سعد الحريري إسقاط القرار الاتهامي هو عكس ما سمعه الجانب السوري من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أن لا أحد بإمكانه التدخل في المحكمة الدولية وفي عمل بلمار.

 

كأن هناك تناغماً بين سورية وإيران وحليفهما على الأرض اللبنانية «حزب الله»، إذ يصدر عن كل من هؤلاء اللاعبين نصح لسعد الحريري بإسقاط المحكمة، تارة بالتهديد، على طريقة «حزب الله»، أو بالتذكير بعواقب اتفاق 17 أيار.

 

ولكن، ليس من مصلحة أحد من اللاعبين في المنطقة اليوم أن يقع لبنان في حرب، باستثناء اعتداءات إسرائيل التي تطمح دائماً الى إبقاء المنطقة في حالة حرب كي تبقى شرطة القوى العظمى في المنطقة ولئلا تنشأ دولة فلسطينية على حدودها، فلا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة ولا روسيا تريد حرباً في لبنان، وسورية تعرف مدى خطورة زعزعة استقرار لبنان ودخول إسرائيل على الخط، علماً أن إسرائيل تجنبت تقليدياً وتاريخياً التعرض في حروبها للأرض السورية، كما حصل في 1982 وفي 2006، لكن خطورة الوضع اليوم أن بإمكانها توسيع النطاق، ولا أحد يعرف ما يحصل في مثل هذه الحال. أما إيران فهي بدأت تختنق اقتصادياً من العقوبات، وخفضت مساعداتها المالية ل «حزب الله» ورفعت الدعم عن البنزين والمشتقات النفطية، وحتى سياسياً هناك خلافات داخلية عميقة، كما حصل لدى طرد وزير الخارجية متقي من الحكومة. فهل تتجه كل هذه الدول الى الخيار والتسبب بمواجهة خطرة في لبنان؟ سيكون الاحتمال جنونياً، وبكل الأحوال لا يمكن لسعد الحريري إلغاء المحكمة أو القرار الاتهامي لأن هذا الأمر قضائي دولي والكل يدرك أن إلغاءه غير ممكن.

===========================

وتستثنى من ذلك.. إسرائيل

التاريخ: 29 ديسمبر 2010

د. منار الشوربجي

البيان

على الرغم من أن الهدوء الذي هيمن على الكونغرس في الأسابيع الأخيرة، سينقلب إلى معركة حامية الوطيس في الشهور المقبلة بشأن تقليص الإنفاق، فإن المفارقة الجديرة بالتأمل هي أنه من بين كل بنود الميزانية الفيدرالية الأميركية، فإن البند الوحيد الذي يوجد اتفاق على عدم تقليصه، هو الاعتمادات المخصصة لإسرائيل!

 

فالهدوء والفاعلية اللذان شهدتهما جلسات الكونغرس الأميركي التي انعقدت بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، يظلان خادعين، ولا ينبئان بما قد يأتي بعدهما من عاصفة، سوف تهب على الولايات المتحدة، بمجرد تولي الكونغرس الذي انتخب في نوفمبر مقاليد الحكم. فالكونغرس الذي أصدر في نوفمبر وديسمبر عددا من التشريعات المهمة، هو الكونغرس المنتهية ولايته، لا ذلك الذي انتخب في نوفمبر. فكما هو الحال مع الرئيس الأميركي الذي ينتخب في نوفمبر ثم يتولى الحكم فعلياً في يناير التالي بينما يظل الرئيس المنتهية ولايته في مقعد الرئاسة بعد الانتخابات وحتى تولي الرئيس الجديد فإن الكونغرس الذي ينتخب في نوفمبر لا يتولى العمل إلا في يناير هو الآخر.

 

ومن هنا، فإن ما جرى منذ الانتخابات بين الرئيس والكونغرس، من توفيق أدى لتمرير عدد من التشريعات المهمة، ليس معيارا للحكم على طبيعة العلاقة بين الرئيس والكونغرس، ولا بين الحزبين في المرحلة المقبلة. فالرئيس كان في الفترة التالية على الانتخابات قد وصل لاتفاق مع الجمهوريين، تم بمقتضاه مد العمل بالخفض الضريبي الهائل الذي صدر في عهد بوش، والتصديق على معاهدة ستارت النووية. كما تم أيضا خلال الشهر الجاري إلغاء السياسة المتبعة منذ عهد كلينتون، بخصوص المثليين الذين يخدمون في الجيش. فقد وقع أوباما على رفع الحظر الذي كان مفروضا على إفصاحهم عن هويتهم وميولهم الجنسية علناً.

 

لكن، رغم أن أياً من تلك القوانين لم يكن ليمر دون تعاون الحزبين، إلا أن هذا لا ينفي مطلقا أن الجمهوريين سيأتون لمقاعد الأغلبية باستراتيجية مختلفة، عبر عنها الكثير من قياداتهم علناً. فزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ كان قد قال صراحة قبل الانتخابات، إن الهدف الأكثر أهمية على الإطلاق عند فوزهم سيكون «حرمان أوباما من ولاية ثانية»، وهو ما يعني صداما مستمرا مع الرئيس، لا التعاون معه. وهو المعنى ذاته الذي أكده منذ أيام تيم غوردون الجمهوري، حين قال إن انتخابات نوفمبر لم تأت بهم لمقاعد الأغلبية «للتعاون مع الرئيس وإنما لوقف أجندته».

 

ولعل الأدق في التعبير عما سوف يأتي، هو ما فشل الكونغرس المنتهية ولايته في تمريره، لا ما أصدره من قوانين. فمنذ أيام رفض الجمهوريون الموافقة على ميزانية العام المالي الجديد والممتد حتى سبتمبر المقبل. وعدم الموافقة تلك كان معناها أن تغلق الحكومة الفيدرالية أبوابها بعد أيام قليلة، حين ينتهي العمل بميزانية العام الحالي. ولحل تلك المشكلة، تم بدلا من ذلك تمرير اعتمادات تغطي البلاد حتى شهر مارس المقبل فقط. والسبب واضح طبعا، فالجمهوريون يريدون النظر في الميزانية وهم في مقاعد الأغلبية في مجلس النواب، ويمتلكون عددا أكبر من المقاعد في مجلس الشيوخ، وهو ما تحقق لهم فعلا في الكونغرس الذي انتخب في نوفمبر، وسيبدأ عمله في يناير المقبل.

 

وسيكون الخلاف حول الميزانية، هو المعركة الأكبر على الأرجح بين الرئيس والكونغرس في الشهور المقبلة. فالجمهوريون أعلنوا أنهم ينوون تخفيض الإنفاق في كل بنود الميزانية، وهو ما يرفضه الديمقراطيون، لأنه يعني تقليص الكثير من البرامج الاجتماعية، في وقت يعاني المواطنون أصلا من سوء الأحوال الاقتصادية. ومن المتوقع ألا تقتصر المعركة على الصراع بين الكونغرس والرئيس ولا بين الجمهوريين والديمقراطيين، وإنما قد تمتد لداخل الحزب الديمقراطي نفسه. فقد أعلن بعض الديمقراطيين أنهم على استعداد للوقوف في وجه أوباما، لو انحنى من جديد لرغبات الجمهوريين.

 

ورغم أن المعركة سوف تكون حول كل بنود الميزانية بلا استثناء، إلا أن الواضح أن إسرائيل ستكون الاستثناء من عدم الاستثناء! بل أكثر من ذلك، فقد بدأ بالفعل مزاد مبايعة إسرائيل، حتى قبل أن تبدأ المعركة. وراح الديمقراطيون والجمهوريون يزايدون على بعضهم البعض، في حب إسرائيل والدفاع عنها.

 

فالنائبة الجمهورية إليانا روس ليتينين، التي ستتولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، كانت قد أدلت بحوار لصحيفة جيروساليم بوست، أكدت فيه على خط حزبها الرامي عموما لتقليص الإنفاق الفيدرالي، الأمر الذي تبعته انتقادات حادة من النائب الديمقراطي هنري واكسمان، الذي اتهم الجمهوريين بأنهم يرسلون «إشارات مثيرة للقلق حول مستقبل المعونات الأميركية لإسرائيل». وما هي إلا ساعات حتى كانت النائبة روس ليتينين ترد بغضب، قائلة إن مثل تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وإنها تطلق «لأهداف حزبية سياسية»، وأكدت على أن الدعم العسكري لإسرائيل يمثل «أولوية قصوى للجمهوريين». غير أن روس ليتنين أضافت أن حزبها الذي ينوي تقليص المعونات الخارجية عموما، سوف يستثني إسرائيل. وقد أثار هذا التصريح حفيظة أنصار إسرائيل الديمقراطيين، الذين لا يريدون أن تبدو إسرائيل «حالة خاصة». لكن روس ليتينين في ذلك المزاد المفتوح لم تتورع عن أن تقول صراحة إن إسرائيل بالفعل حالة خاصة! فهي ردت قائلة إن إسرائيل «تختلف فعلا عما عداها من دول» تتلقى مساعدات من أميركا، لأن المساعدات لإسرائيل تمثل «أهمية قصوى لأولويات أميركا الأمنية».

 

والحقيقة أنه في الكونغرس الجديد، الذي قال عنه لوبي إسرائيل في واشنطن إنه «سيكون الأكثر دعما لإسرائيل على الإطلاق»، لا ينبغي أن نتوقع غير ذلك. فإسرائيل ستكون الاستثناء من القاعدة، سواء كان ذلك بشكل ضمني كما يريد الديمقراطيون، أو عبر التصريح بذلك علنا كما فعلت إليانا روس ليتينين.

===========================

الانتخابات والضغوط الخارجية

التاريخ: 29 ديسمبر 2010

البيان

رغم تحذير المدافعين عن الأنظمة المستبدة في روسيا البيضاء وساحل العاج، من التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لهذين البلدين، يتعين على العالم أن يقوم بهذا التدخل على وجه الدقة. مرة أخرى، في غمار الكفاح العالمي من أجل الديمقراطية، يتم لعب ورقة السيادة دفاعاً عن تزوير الانتخابات.

 

لا يجب أن تتدخل أطراف خارجية في «الشؤون الداخلية» مثل الانتخابات، هكذا يحذر أنصار الأنظمة المستبدة في روسيا البيضاء وساحل العاج، وهما النقطتان المتباعدتان على سطح الكرة الأرضية، اللتان التقتا أخيراً في تحديهما لاحترام إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. ولكن التدخل، مارسته أطراف خارجية، ولا يزال يتعين عليها.

 

تضافرت المواقف العالمية إزاء التعدي على سيادة الدول الأخرى بعد الحرب الباردة، وعمد بها التفكك العنيف في يوغسلافيا خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، وقبل ذلك، انتشار الديمقراطية في أميركا اللاتينية وآسيا خلال الثمانينات.

 

إن هناك نوعاً من الإجماع العالمي تشكّل حول أن الأزمة الإنسانية الحادة أو المتعلقة بحقوق الإنسان، يمكن أن تبرر التدخل الدبلوماسي والاقتصادي، بل وحتى العسكري، لا سيما إذا كانت تهدد بزعزعة استقرار منطقة بأسرها. وقد عززت هذا الرأي مأساة عدم التدخل في عمليات الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

 

كما لعب الإرهاب دوراً محفزاً آخر، مع انطلاق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في دعوة الديمقراطية، في محاولة لنشر الحريات في الشرق الأوسط التي من شأنها أن تستأصل دعوات الحركات المتطرفة. وقد تم تخفيف هذا الحماس في عهد الرئيس أوباما، كما رأينا في رده الضعيف على بعض الانتخابات الزائفة أخيراً.

 

لكن «الثورات الملونة» الديمقراطية في وقت مبكر من الألفية الحالية، في أوكرانيا وجورجيا وأماكن أخرى، وحّدت الحكام المستبدين حول الدفاع عن السيادة. خشى هؤلاء القادة من أن المشورة والتمويلات والضغط من المؤيدين الخارجين للحركات الديمقراطية، يمكن أن تزعزع الاستقرار في الداخل.

 

وبهذا المنطق، فإن الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، وهو المجدد المفترض لروسيا، يمكنه أن يدافع عن الانتخابات المزورة بشكل واضح التي جرت في التاسع عشر من ديسمبر، وأسفرت عن اختيار ألكسندر لوكاشينكو رئيساً لروسيا البيضاء، والمعروف أنه آخر دكتاتور في أوروبا، ويزدريه القادة الروس، ولكن ليس بسبب قبضته القوية على السلطة. فرغم اعتقال وضرب المتظاهرين من المعارضة وقادتها في العاصمة «مينسك»، إلا أن ميدفيديف أعلن أن الانتخابات في روسيا البيضاء «شأن داخلي». وتعد الظروف والعواقب أكثر خطورة في ساحل العاج، التي تقع في غرب إفريقيا. لقد عانى هذا البلد، وهو أكبر منتج للكاكاو في العالم، من حرب أهلية في عامي 2002 و2003، وكانت انتخابات الإعادة الرئاسية الشهر الماضي جزءًا من عملية تفاوض شاقة.

 

وخسر الرئيس المعين «لوران غباغبو» الانتخابات لصالح منافسه لمدة طويلة الحسن وتارا، والذي تجري الآن حمايته من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ويرفض «غباغبو» التنازل، رغم الاعتراف واسع النطاق بخسارته، بما في ذلك الاعتراف من قبل القادة الأفارقة. وقام بإطلاق قوات الأمن والعنف، وسط مخاوف من أن هذه البقعة التي كانت يوماً مضيئة، سوف يخفت نورها في ظل حرب أهلية أخرى.

 

يواصل العالم الاستجابة والتدخل، بشكل موحد غير معتاد ويستحق الثناء. فالمخاطر في ساحل العاج كبيرة، بالنسبة للشعب الذي يعيش هناك ودمرته الحرب، وبالنسبة للمنطقة التي بدأت الآن في استيعاب اللاجئين الفارين، وبالنسبة للانتخابات المقبلة في أماكن أخرى من القارة الإفريقية

===========================

عندما تكون الديمقراطية سلاحا استراتيجيا

د. سعيد الشهابي'

2010-12-28

القدس العربي

هل اصبحت الديمقراطية كالسلاح النووي في الاستراتيجية الغربية؟ المعروف ان امتلاك السلاح النووي محظور على الدول العربية والاسلامية، ويبذل الغرب جهودا غير محدودة لتحقيق ذلك، بينما لا يمانع ان تمتلكه 'اسرائيل'، ويبذل الغرب كافة الجهود لافشال اية محاولة لاستهداف الترسانة النووية الصهيونية. هذا برغم ان المنطق الغربي البسيط يفترض ان يكون 'اسرائيل' على رأس 'الدول المارقة' بسبب رفضها تطبيق القرارات الدولية الصادرة بحقها، ابتداء بالقرار 242. ولكن ما ليس معروفا بشكل واضح ان الديمقراطية اصبحت هي الاخرى خاضعة للتسييس، واعتبرت سلعة استراتيجية لا يسمح بوصولها الى العالم الاسلامي. صحيح ان هناك تحفظات لدى الاتجاهات الاسلامية حول الديمقراطية كأيديولوجية، ولكن هذه الاتجاهات لا ترفضها كآلية لادارة المجتمعات، بدلا عن انظمة الاستبداد الحاكمة. بل ان اغلب الحركات الاسلامية خلال ربع القرن الاخير شارك في الانتخابات التي اجريت تحت عنوان 'الديمقراطية' في البلدان التي سمحت لها بذلك. وبدا المشاركون في هذه المشاريع متحمسين لانجاحها، ولم يسعوا لافشالها او النيل منها في اي من التجارب التي حدثت. ولكن الواضح ان هذه التجارب لم تنجح حتى الآن في تأسيس المجتمع المدني الخاضع لحكم القانون المؤسس على دساتير مقبولة من الشعوب. وما تزال القيم التي يفترض ان تؤطر المجتمع المدني مستهدفة من قبل انظمة الحكم العربية ومنها الحريات العامة وحقوق الانسان والشفافية والعدالة وحكم القانون والشراكة السياسية. فأين هي المشكلة؟ أهي في الحركات الاسلامية نفسها؟ ام في انظمة الحكم؟ ام في اجهزة امنها القاسية؟ ام في المنظومة الغربية التي تمارس السيادة على العالم ضمن اطر من الانتقائية وازدواجية المعايير والشعور العميق بالفوقية الثقافية والحضارية؟ أم ان المشكلة تكمن في نفسية الفرد العربي التي تم تطبيعها على التعايش مع انظمة الاستبداد ضمن بيئة محكومة بثقافة الاستهلاك والتجهيل والتهميش؟ وباختصار: من المسؤول عما يعانيه المجتمع العربي من تخلف سياسي وتراجع متواصل على صعيد الحريات والحقوق العامة والممارسة السياسية الحرة والشراكة السياسية القائمة على اساس مبدأ 'لكل مواطن صوت'؟

اذا كانت فترة الثمانينات قاسية بكل معطياتها على العالم العربي، نتيجة ردة الفعل الغربية ضد احتمال انعكاسات الثورة الاسلامية في ايران التي اطاحت آنذاك بحكم الشاه، وانتشار ظاهرة الصحوة الاسلامية وما قد تؤدي اليه من توسع دائرة التمرد ضد الانظمة السياسية المدعوة من الغرب، على غرار ما حدث في ايران، فان العقدين اللاحقين لم يكونا أقل وطأة، برغم الآمال التي تولدت لدى البعض والتي تأسست على ما كان يبدو هناك من ظواهر 'الانفتاح' وانتشار ثقافة حقوق الانسان والعولمة التي كان يفترض ان تشمل الممارسة الديمقراطية والعدالة. منطلق هذه الآمال ما اشاعه الامريكيون من وعود وآمال للتغطية على تدخلاتهم العسكرية المباشرة التي بدأت للمرة الاولى بشكل مباشر، بمصاحبة السفن الكويتية في الشهور الاخيرة للحرب العراقية الايرانية من قبل الاسطول الامريكي في الخليج، مرورا بالتدخل العسكري الامريكي ضد الاجتياح العراقي للكويت في 1990/91 وتداعيات تنامي ظاهرة 'الارهاب' وصولا الى الحرب الاخيرة ضد نظام صدام حسين. ربع قرن من التدخلات العسكرية المباشرة من قبل الامريكيين صاحبتها دعاية ووعود وآمال بان العالم العربي مقبل على مستقبل مشرق من الديمقراطية وحقوق الانسان. هذه الدعاية التي اريد منها ان تكون بوابة العبور الى قلوب الشعوب طرحت عناوين واسعة توحي بوجود مشروع اصلاحي واسع برعاية الولايات المتحدة الامريكية منها 'الشرق الاوسط الكبير' و'الدمقرطة' وغيرها في الوقت الذي كانت واشنطن تبذل جهودا اوسع لتحقيق مستوى من التطبيع مع الكيان الاسرائيلي. ويمكن الاعتراف بان النصف الاول من التسعينات، اي بعد حرب الكويت، شهد بعض التراجع في انتهاكات حقوق الانسان، ولكن تلك الانتهاكات سرعان ما تصاعدت واكتظت السجون بالابرياء. وبصعود الرئيس جورج بوش الى الحكم بدأت مرحلة اخرى من الوعود بتحسين الاوضاع في مجالات السياسة وحقوق الانسان، خصوصا في اجواء مكافحة الارهاب بعد حوادث 11 ايلول/سبتمبر وظروف حرب العراق في 2003.

فترة 'الانفتاح' هذه استقبلت بتفاعل ايجابي من قبل الحركات الاسلامية التي تعتبر القطاع الاكبر في المعارضات العربية. ومنذ منتصف الثمانينات بدأت هذه الحركات تشارك في الانتخابات البرلمانية في عدد من البلدان. فدخلت جبهة العمل الاسلامي، الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن ميدان الانتخابات بشكل فاعل في 1989 وشاركت في الحكومة التي ترأسها مضر بدران في 1991. وواصلوا مشاركتهم لاحقا بعد تشكيل جبهة العمل الاسلامي في 1992، حتى هذا العام، عندما اتضح لهم عدم جدوى المشاركة لان النظام السياسي أقوى من محاولات التغيير او الاصلاح من الداخل. وقال حمزة منصور الامين العام للحزب: 'هذه صرخة احتجاج على السياسات الرسمية الاردنية التي لا تتفق مع المبادىء والثوابت الوطنية ولا المصالح العليا للشعب الاردني والاصرار على إدارة الظهر للشعب في التشريعات والسياسات والامعان في تكميم الافواه ومصادرة الحريات العامة'.

وشارك الاخوان المسلمون المصريون في الانتخابات البرلمانية بشكل فاعل منذ اكثر من ثلاثين عاما، وان كانوا ممنوعين حتى اليوم من المشاركة باسم الجماعة اذ انها ما تزال محظورة رسميا. وبرغم التضييق على مرشحيها في كل الدورات الانتخابية السابقة، فقد واصلت مشاركتها حتى الانتخابات الاخيرة التي اجريت الشهر الماضي. وبعد اعلان نتائج الجولة الاولى من الانتخابات اتضح حجم التزوير الذي مارسته السلطات، اذ لم يفز اي من مرشحيها في تلك الجولة، ففضلت الانسحاب وعدم خوض الجولة الثانية. انها واحدة من مهازل 'الديمقراطية' المزورة التي تفتقد ادنى مقومات النزاهة والعدالة. وقد رفض النظام المصري السماح بحضور مراقبين دوليين، الامر الذي كرس الاعتقاد بالتزوير على نطاق واسع. الاخوان المسلمون الذين فازوا ب 88 مقعدا في الانتخابات السابقة لم يفوزوا بمقعد واحد في الجولة الاولى من الانتخابات الاخيرة، فهل هذا أمر معقول؟ وازداد الامر تعقيدا باصدار الشيخ محمود عامر، أحد زعماء جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور فتوى باهدار دم الدكتور محمد البرادعي بسبب معارضته نظام الرئيس حسني مبارك واعتبرت حكمه 'ولاية حاكم مسلم متغلب'. وهكذا تسخر اجهزة الاستخبارات الدين لضرب المعارضين باصدار الفتاوى الشاذة التي لا تنسجم مع روح الاسلام. اما في البحرين فالسجال متواصل حول المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها. وقد ادى ذلك السجال الى انشقاق خطير بين مشاركين ومقاطعين. مع ذلك فبعد تجربة استمرت اكثر من ثمانية اعوام لم يعد هناك في المشروع السياسي 'الديمقراطي' ما يغري المعارضين، بعد ان افرغت 'الديمقراطية' من محتواها، واصبحت الانتخابات هدفا في ذاتها وان لم تؤد الى نتائج تنسجم مع مقولات الشراكة السياسية. فالشراكة الحقيقية تعني القدرة على المشاركة في تشكيل الحكومة ومحاسبة الوزراء وسحب الثقة عمن يثبت عدم كفاءته، كما تعني المشاركة في الانتخابات بحرية على قدم المساواة مع الآخرين. وربما الجانب الاهم القدرة على التشريع والتقنين ضمن الصلاحيات الديمقراطية التي يتفق عليها عندما يكتب الشعب دستوره عبر ممثليه، ويصادق عليه في استفتاء عام. وقد اعلن المرشد العام للاخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، ان الجماعة سوف تنزل الى الشارع للاحتجاج اذا تطلب الامر. وبالتالي لم يعد مستبعدا انفجار الاوضاع في الشارع العربي من مصر الى الادرن الى البحرين.

لقد اتضح الآن بعد ربع قرن من التجربة ان الطريق الى الاستقرار السياسي واقامة النظام السياسي العصري والشامل في بلدان العالم العربي وصل الى طريق مسدود. وهنا لا بد من الاشارة الى امور ثلاثة: اولها ان الحركات الاسلامية التي شاركت ضمن الاطر السياسية القائمة انما انطلقت في موقفها على اساس الرغبة في تحقيق الاستقرار ومنع الاحتقان والتوتر، والاكتفاء بالسعي لطرح برامجها السياسية المؤسسة على النظرة الدينية، من خلال القنوات التي يفترض ان تكون متاحة للجميع. ثانيها: ان المشاركة تعني المرونة في الطرح والاستعداد للعمل مع الآخرين ضمن المشتركات، وعدم التشبث بالمشروع الاسلامي كاملا، ثالثها: ان هذه الحركات دفعت ثمنا كبيرا لقرار مشاركتها ضمن انظمة تعتبرها 'علمانية'، فعانت من الاعتراضات الداخلية وربما انسحب افرادها من الساحة، واجبرت على تطويع الخطاب ليتناغم مع الوضع العام، وان كان ذلك، في نظر بعض افرادها، تخليا عن الثوابت والقيم التي يكتنزها المشروع الاسلامي. مع ذلك تشعر هذه الحركات بانها اندفعت وراء سراب 'الديمقراطية' التي لا وجود لها على ارض الواقع. فالحاكم الذي عارضته ودخلت السجون بسبب تلك المعارضة ما يزال يحكم وفق اطروحاته الفكرية، وان تغير شخصه. وآليات اتخاذ القرار السياسي ما تزال بايدي الحكام ولا يسمح لممثلي الشعب المنتخبين بادارتها. والقوى الخارجية التي تهيمن على القرار السياسي الحقيقي وتوجه العملية السياسية ما تزال تحتفظ بذلك التأثير، وهي مطمئنة بان الظاهرة الانتخابية لن تحدث تغييرا جوهريا سواء في ميزان القوى المحلية او آليات اتخاذ القرار او القدرة العملية على التصدي لنفوذ القوى الاجنبية او التأثير على مصالحها في ذلك البلد. وربما اتخذت هذه القوى المشاركة ضمن المنظومة السياسية والايديولوجية القائمة مواقف او سياسات مخالفة لما يريده الخارج، ولكن سرعان ما تعرضت لقمع السلطة بالسجن والتنكيل. وهذا ما حدث في مصر والاردن والمغرب والبحرين، وهي الدول التي شارك الاسلاميون في انتخاباتها، في العقدين الاخيرين، والتي اصبحت تراجع ملف المشاركة لاستبيان ايجابيات قرار المشاركة وسلبياته، وما اذا كان وجودها الشعبي قد تأثر سلبا بالتخلي عن مشروعها الكبير والتعايش مع المشروعات السلطوية الصغيرة التي كثيرا لا تجد الطريق الى التواجد.

قبل اسبوعين اقيمت ندوة في القاهرة لمناقشة كتاب 'بين الدين والسياسة: الإسلاميون في البرلمانات العربية'، واتفق مؤلفا الكتاب، الدكتور عمرو حمزاوي والدكتور ناثان براون أستاذ العلاقات الدولية والباحث بمركز كارنيجي للسلام الدولي، على أن دخول الإسلاميين الحياة السياسية في 5 دول عربية (مصر، اليمن، الأردن، المغرب، فلسطين) 'أضر بهم بقدر كبير خاصة فى ظل وجود أنظمة سياسية شبه سلطوية لا تتيح فرصة كبيرة للمنافسة السياسية' وفق قولهم. واعتبر براون في الندوة التي عقدت مساء الاثنين(13-12-2010) بمنتدى البدائل العربية في القاهرة أن 'حجم الاعتقالات والخلافات التي تحدث داخل الجماعات الإسلامية نتيجة هذه المشاركة لا يوازي على الإطلاق العائد من المشاركة بالحياة السياسية في النظم السلطوية بالعالم العربي'. . أما الدكتور عمرو حمزاوي كبير الباحثين بمركز كارنيجي فرأى أن مشاركة الحركات الإسلامية في الانتخابات يضعها أمام تحديات كبيرة أبرزها 'كيفية الموازنة بين السياسي والدعوي، وهو ما يضر تلك الحركات أكثر مما يفيدها'. وربما السبب الاساسي في عدم جدوى المشاركة مرتبط بعدد من الامور: اولها ان المشاريع الانتخابية في الدول التي هي في جوهرها غير ديمقراطية، انما تدار بعقلية الاستبداد وبالتالي فهي شكل بدون روح او مضمون. ثانيها: ان الاسلاميين عندما يشاركون فانهم يسبحون في بحر ما يسمى 'ديمقراطية الاستبداد' ويصبحون مطالبين باقرار الاستبداد الذي يمثله الحاكمون كشرط اول للمشاركة (بالقسم على الدساتير التي توضع خارج روح الشراكة). ثالثها: ان المشاركة تستبطن ممارسة جهود كبيرة لتأجيل العديد من ثوابت الاسلاميين، وتستمر بذلك محاولات التطبع مع الاستبداد من جهة، والمساهمة في اضفاء الشرعية عليها من جهة اخرى. رابعها: ان الغربيين يستفيدون من المشاركة لزيادة دعمهم لتلك الانظمة ويعتبرون المشاركة شهادة حسن سلوك للحكام الديكتاتوريين تجعلهم يستحقون الدعم في مقابل من يعارضهم. ولذلك ما ان تتم المشاركة حتى تتصاعد الاعتقالات في صفوف المعارضين من غير المشاركين، وتتعمق اساليب التنكيل، وهذا ما يحدث في مصر والاردن والبحرين في الوقت الحاضر. الغرب يتحمل شطرا كبيرا من اللوم لانه لا يؤمن اساسا بقيام ديمقراطية حقيقية في دول العالم العربي لكي لا يصل الى الحكم، عن طريق صناديق الاقتراع، من لا يقر سياسات الاحتلال ونهب الاموال واستعمال القواعد العسكرية في هذه الدول لشن الحروب ضد الدول العربية او الاسلامية الاخرى. لقد اصبحت الديمقراطية في نظر الاستراتيجيين الغربيين، لا تقل خطرا عن الاسلحة النووية المحرمة على العالمين العربي والاسلامي. وبالتالي فالغرب شريك في القمع الذي يمارس ضد السجناء السياسيين في هذه البلدان، خصوصا بصمته في احسن الاحوال، ودعمه العلني للاجراءات القمعية في اغلبها. ومرة اخرى تبدو ازدواجية المعايير والمواقف واحدة من اسباب التداعي السياسي والاقتصادي في العالم، خصوصا في الدول الغربية التي تقول ما لا تفعل وتكيل بمكاييل متعددة، ولا تفي بالتزاماتها الاخلاقية والانسانية التي تفرضها المواثيق الدولية وان صادقت عليها. انها ازمة اخلاقية عميقة تتحدى الجنس البشري الذي يعيش تحت رحمة الساسة الذين قننوا السياسة وفق معايير لا تحقق العدل ولا تحمي الحرية ولا تروج المساواة في توزيع الثروة. وما لم يتغير ذلك، فيسظل التوتر الظاهرة الابرز ليس في الدول العربية فحسب بل على صعيد العلاقات بين الدول وتزيد من تورط الغرب في مستنقع الازمات، كما يحصل في افغانستان والصومال وفلسطين والعراق.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

===========================

السلام فقاعات هوائية لا تحمل مضموناً

د. جلال فاخوري

الرأي الاردنية

29-12-2010

الواقع يفسر الأحداث من خلال ما يجري وهذا ما فسّره نيقولا ميكافيللي من أن الوصول إلى الأهداف لا يراعي إنسانية الإنسان ولا حقّه أو العقل والمنطق. ويرى ميكافيللي أن على الحكّام أن لا يسقطوا فكرة ممارسة الحرب في حياتهم السياسية. ويقول ميكافيللي إن السياسة تشبه المباريات فاللاعب الأكثر مهارة يكسب المباراة، فالسياسة هي ظاهرة صراعية أبدية.

 

تفترض الواقعية السياسية عند «مورغنتاو» فحص التصرفات السياسية التي كانت قائمة والنتائج المرئية لهذه التصرفات، و بناء على هذه التصرفات نستطيع أن نكتشف النتائج المرئية لهذه التصرفات ويمكن على أثرها استنباط الأهداف الكامنة وراءها. ومن خلال تتابع الأسباب والنتائج ومن خلال العلاقة بين الوسائل والغايات أن نأمل باكتشاف العقلانية التي يفترض أن تقوم عليها تصرفات السياسيين في حالات السلام والحرب والصراع.

 

إن السلام والحرب والاحتلال لا تقوم على الاستراتيجية العسكرية فحسب بل على ميدان الوجود الاجتماعي والسياسة بشكل عام لا تختلف فنونها عن فن التجارة على نطاق واسع. فما تقوم به أمريكا وإسرائيل الآن أشبه بعرض بضاعة فاسدة في سوق الأغبياء. فإسرائيل تعرض المفاوضات الاستسلامية وأمريكا تدق لها جرس العيد فيقوم الممثلون الأمريكان بعرض بضاعة إسرائيلية فاسدة وأمريكا تروّج لهذه العروض والبضائع الفاسدة.

 

إسرائيل تطلق الفقاعات الهوائية وأمريكا تستعرضها وتعلق لها والعرب ينبهرون بهذه العروض، فقد دأبت الولايات المتحدة ومنذ عقود طويلة على استعراض إمكانياتها في ترويج العروض والفلسطينيون يذهبون حيث تذهب أمريكا في التصورات والأوهام. ولقد ذهب كثير من السياسيين والمطّلعين على السياسة الأمريكية الإسرائيلية إلى أن الاتفاقات الإسرائيلية الأمريكية تظهر في كل مرة بلون وشكل وقيمة معيّنة مع أنها كلّها من نسيج ومضمون واحد. فحين تعرض أمريكا على الفلسطينيين مفاوضات مباشرة تعرف إسرائيل وبالاتفاق مع أمريكا أن هذه المفاوضات فاشلة قبل أن تبدأ ثم تعرض عرضاً مغايراً وهو مفاوضات غير مباشرة تعلم كل من أمريكا وإسرائيل أنها فاشلة بدورها والآن تعرض لوناً جديداً اسمه المفاوضات المتوازية والفاشلة مسبقاً قبل أن تبدأ وتظل الفقاعات الهوائية المسماة بالسلام تحوم في الأجواء العربية بلا مبرر أو قيمة أو معيار.

 

كتب الكثيرون عن السلام الذي لن يأتي لكن الغرقى الفلسطينيين لا يشعرون بالغرق إلاّ بعد أن يلتهمهم الموج. إن السلام المأمول من إسرائيل وبرعاية أمريكية لن يحصل، فالراعي الأمريكي هو راعٍ للخراف الإسرائيلية يسمّنها ويحرسها بل ويترك للذئاب الإسرائيلية أن تأكل الخراف العربية وتفترس وجودها. ولعل الفقاعات الإسرائيلية تنفجر في الوجه العربي تبلل الوجه بالرذاذ الكاذب. فإسرائيل تمنّي الفلسطينيين بالسلام وكذلك أمريكا. أمريكا تعلن أنها لم تستطع إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان وإسرائيل تكذب بأنها تريد سلاماً قائماً على لا شيء فيهرول الفلسطينيون إلى المفاوضات ويصبح السلام في هذه الحال أشبه بالفقاعات التي يحملها ميتشل ذهاباً وإياباً وفي كل مرة بلون مختلف رغم أن المصدر «أمريكا» هي واحد في الرفض.

 

فعلت الجامعة العربية حسناً حين أعلنت أن لا مفاوضات مع إسرائيل وستقوم إسرائيل باستغلال هذا الرفض وتهدم وتبني وتدمر وتسرق كما تشاء لأن زمام المبادرة الأمريكية قد فُقد والعرب لا يملكون زماماً أساساً. ويبقى الفلسطينيون يراوحون مكانهم بين إعلان دولة مستقلة أو رفض المفاوضات. ويبقى العرب عموماً بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الأمريكي: فإلى أين أيها العرب والفلسطينيون؟ فويل لمن يتآمر عليه المعتدي والمحامي.

===========================

أوهام عملية السلام *

 ريتشارد فولك - «انفورميشن كليرنغ هاوس»

الدستور

29-12-2010

القبول الفلسطيني لحدود 1967 (وهو قرار صادقت عليه منظمة التحرير الفلسطينية عام )1988 كأساس هزيل أحادي الجانب ، للمطالبة بالأراضي والمتعلق بتقرير المصير الفلسطيني ، وهو ما يشكل 22 بالمائة فقط من فلسطين التاريخية ، وأقل من نصف ما اقترحته الأمم المتحدة في خطة التقسيم عام 1947 التي رُفضت في ذلك الوقت ، وكان رفضا منطقيا جدا من جانب الفلسطينيين وجيرانهم العرب ، بوصفها خدعة استعمارية تأثر بها السكان الأصليون سلبا ولم تتم استشارتهم فيها مطلقا.

 

إن استعداد الفلسطينيين للقبول بحدود 1967 كان تنازلا استثنائيا سبق المفاوضات التي لم تعترف بها مطلقا لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة ، ما خلق شكوكا حقيقية بالتزام صادق بإنهاء الصراع بالطرق الدبلوماسية.

 

وبدلا من توبيخ إسرائيل على رفضها حتى بالتظاهر بالمرونة لجعل نهج أوباما يبدو أقل سخفا وضعفا ، صرحت الحكومة الأميركية ببساطة أنها ستتخلى عن مساعيها لإقناع إسرائيل بتمديد فترة التجميد ، وأنها تشرع الآن في استئناف المفاوضات بين الطرفين دون أي شروط مسبقة ، وهذا يعني ، أن بإمكان التوسع الاستيطاني والتطهير العرقي أن يستمرا الآن دون اعتراض.

 

كان هذا مبالغا فيه حتى بالنسبة للاتحاد الأوروبي ذي المواقف السلبية عادة. قبل أيام قليلة ، صدر تصريح عن اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل يصر على أن تتوقف جميع الأنشطة الاسرائيلية فيما يسمى "المستوطنات غير الشرعية" وعلى وجوب وقف حصار غزة "فورا" بفتح جميع المعابر للبضائع الانسانية والتجارية ، بالإضافة الى حرية الحركة للأفراد. لأول مرة ، كان التصريح مباشرا ومثيرا للإعجاب: "وجهة نظرنا حيال المستوطنات ، ومنها القدس الشرقية ، واضحة: إنها غير شرعية بموجب القانون الدولي وعقبة أمام السلام".

 

للأسف ، فإن تصريح الاتحاد الأوروبي كان صامتا حيال الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية ، مضيعا بذلك الفرصة لتعزيز الخطوة الدبلوماسية الرمزية الهامة التي اتخذتها كل من البرازيل والأرجنتين والأوروغواي بالموافقة على الاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود ,1967

 

على الرغم من ذلك ، فقد نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عن واشنطن ، تاركا الولايات المتحدة تعاني مشقة تضامنها الوحيد مع إسرائيل ، التي ترفض إجراء تسوية دبلوماسية مع تركيا في أعقاب الهجوم الإجرامي الفظيع ، في أيار الماضي ، على أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية الى الشعب المحاصر في غزة.

 

تحت هذه السحب القاتمة من الخداع والتضليل ، يواصل الشعب الفلسطيني حياته اليومية القاسية فيما العالم ينظر ويبدو عاجزا.

 

جورج ميتشيل ، المبعوث الأميركي الدائم للنزاع ، يواصل القول بأن هدف المحادثات هو "دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة... تعيش جنبا الى جنب مع إسرائيل"... كيف يمكن الحديث بنزاهة عن دولة فلسطينية "قابلة للحياة" ، في حين تتفق القيادة الأميركية مع إسرائيل على وجوب أن تشمل نتيجة المفاوضات "التطورات اللاحقة" (وهي العبارة المشفرة للمستوطنات ومصادرة الأراضي والجدار والتطهير العرقي وضم القدس)؟ وما هو نوع "الاستقلال" المتوقع اذا كانت الحدود الفلسطينية ستبقى تحت سيطرة إسرائيل ، وكيف ستعيش الدولة الفلسطينية المعزولة السلاح الى جانب إسرائيل المدججة بالأسلحة؟ التوجه الأميركي يتلاعب بالأرواح كما يتلاعب باللغة ، ورغم ذلك فإن معظم وسائل الإعلام السائدة تتقبل هذا التضليل الأخير دون حتى أن يثير أي نوع من الدهشة.

 

هذه الاعتبارات تتجاهل بعض الجوانب الاشكالية الأخرى. حكومة نتنياهو تطالب السلطة الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل "كدولة يهودية" ، وبالتالي فهي تتجاهل الحقوق الإنسانية للأقلية الفلسطينية في إسرائيل ما قبل 1967 ، والبالغ عددهم حوالي 1,5 مليون نسمة ، في العيش كمواطنين في ظل ظروف تضمن لهم الكرامة وعدم التمييز ضدهم.

 

التاريخ مفيد أحيانا. حتى إعلان بلفور السيء السمعة ، وهو تأكيد بحت على سلطة الاستعماري البريطاني ، وعد الحركة الصهيونية بمجرد "وطن" ، وليس دولة ذات سيادة. الطريقة التي تعمل بها الحرب والجغرافيا السياسية والدعاية الذكية غيرت معايير الفهم تدريجيا ، وسمحت بأن يتحول الوطن الى دولة ذات سيادة مع سلسلة كارثية من العواقب الوخيمة بالنسبة للسكان الأصليين.

 

الموقف الأخير لحماس برفض الاعتراف بإسرائيل ، وفي الوقت ذاته الموافقة على إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 يعد مسعى عقلانيا يضع حدا بين التأكيد على اللاشرعية والتوافق مع الظروف السياسية. توقع المزيد يعني استدراج الفلسطينيين الى زاوية مرفوضة من الإذلال ، ويعني المصادقة على النكبة ، وكل ما تلاها من تعسف وانتزاع للملكية.

 

بالطبع ، ليس بإمكان غير الفلسطينيين حسم قضية تقرير المصير. أولئك الذين يطالبون واشنطن ، بالرغم من تأييدها وانحيازها الخفي بشكل سيء لإسرائيل ، بفرض حل هم مضللون بشكل مضاعف. حتى هيلاري كلينتون اعترفت قبل أيام باستحالة تبني مثل هذا النهج.

 

ما يبدو واضحا في الوقت الراهن هو أن السلطة الفلسطينية وحماس تبدوان مستعدتان للقبول بدولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967 المبينة في قرار مجلس الأمن 242 ، الذي يبقى وثيقة شهيرة من المفترض بأنها تجسد إجماعا دوليا. من المؤكد أن ما تعنيه فيما يتعلق بالتنفيذ هو موضع خلاف كبير ، خاصة فيما يتعلق بتلك "التطورات اللاحقة" المشينة ، التي يستحسن فهمها كتعديات هائلة على فرص الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة.

 

كثير من الفلسطينيين في الشتات يشككون فيما اذا كان حل الدولتين أمرا مرغوبا أو ممكنا. ويدعون الى دولة ديمقراطية واحدة ثنائية القومية علمانية في حدود فلسطين التاريخية تحت الانتداب ، ولها وحدها القدرة على التوفيق بين الأفكار المعاصرة الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، ومنح الفلسطينيين حقوقهم ، بما فيها مطالب اللاجئين الفلسطينيين التي طال تأجيلها .

 

الجغرافيا السياسية شيء مستعصْ ولا تتحرك في الاتجاهات الواعدة. الدبلوماسية الأميركية تستخدم الآن أسلوب الإقناع مجددا في المنطقة من أجل استئناف المفاوضات بين الأطراف على ما يسمى "القضايا الجوهرية" (الحدود ، الترتيبات الأمنية ، القدس ، المستوطنات ، اللاجئين ، العلاقات مع الدول المجاورة).

 

فيما يبرز هذا الغزل الدبلوماسي الغبي ، تحدث أمور أخرى بتسارع جنوني: التوسع الاستيطاني ، بناء أجزاء جديدة من الجدار ، ازدياد حدة التطهير العرقي في القدس الشرقية ، تعزيز ممارسات التمييز العنصري وكياناته في الضفة الغربية ، شعب غزة المحاصر والمسجون يعيش على شفير أزمة وجود ، ويقاسي اللاجئون في مخيماتهم احتجازهم الموحش وغير المقبول.

 

نتنياهو يحذر بصورة مدوية بأن القدس هي عاصمة إسرائيل ، وبأنه لن يُسمح أبدا لأي لاجئ فلسطيني بالعودة ، وبأن إسرائيل دولة يهودية ، وأن أي مسألة تقول تل أبيب أنها ذات "طابع أمني" يجب ألا تخضع للتفاوض. نظرا لهذه النزعات ، المقترنة بالتباينات في المساومة على السلطة بين الأطراف ، وبالدور المتحيز للولايات المتحدة ، من سوى الأحمق يمكن أن يعتقد بأن سلاما عادلا قد ينتج عن نموذج بشع كهذا من الدبلوماسية؟ أليس من الأفضل ، في هذا الوقت ، الاعتماد على حركة التضامن الفلسطيني المتنامية ، أي السلام وفقا لما يراه الشعب ، والنجاح النسبي الذي تم إحرازه في الحرب المشروعة ضد إسرائيل ، الذي تسميه هي ذاتها بتخوف: "مشروع نزع الشرعية" ، وينظر اليه قادتها ومفكروها كتهديد ، لطموحاتها غير المشروعة ، أكبر بكثير من المقاومة المسلحة؟.

أستاذ فخري في القانون الدولي في جامعة برينستون. وهو حاليا المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان الفلسطيني.

===========================

اقتصاد من نمط مختلف برسم الفقراء

آخر تحديث:الأربعاء ,29/12/2010

ميشيل كيلو

الخليج

ذهب محمد بمدخراته إلى مصرف التسليف الشعبي في حيه، حيث أودع ثلاثمائة ألف ليرة سورية في حساب توفير فائدة تبلغ 25 و5% سنوياً، أي ما يزيد بقليل على خمسة عشر ألف ليرة في العام، ونيف وألف ومائتي ليرة في الشهر، لا تكفي إن كان محمد لا يملك غيرها، لشراء خبز لأسرته لفترة تزيد على أسبوعين .

 

التقى محمد بصديق في الحي، اخبره أنه اشترى شاحنة صغيرة صينية الصنع، وأنه يكسب عيشه من العمل عليها، وأنها والحمد لله مستورة . ذهب إلى البنك، سحب وديعته وقصد مكتب بيع سيارات في ضاحية دمشق، حيث اشترى شاحنة صينية يسمونها في سوريا “سوزوكي” مهما كانت ماركتها الأصلية، وها هو يكسب بدوره عيشه وأسرته من العمل عليها، فهي تعطيه دخلاً يتراوح بين خمسة عشر وعشرين ألف ليرة سورية في الشهر، أي قدر ما كان المصرف سيعطيه في العام . إن أنت سألته اليوم عن أحواله، قال لك: الحمد لله مستورة .

 

قصدت خادمة أندونيسية البيت الصيني في الحي الذي تسكنه الأسرة التي تعمل عندها، فاشترت حذاء صينياً بمائة ليرة سورية، بعد أيام ذهبت مرة أخرى واشترت بنطال جينز، في الشهر التالي كانت ثيابها تشبه ما تلبسه أية صبية متوسطة الحال، مقابل أقل من ألف ليرة سورية .

 

تتكاثر السيارات الصينية في شوارع دمشق، وخاصة منها تلك التي تعين الفقراء على تدبير معاشهم: الشاحنات الصغيرة والمتوسطة، وسيارات التاكسي الصغيرة والمتوسطة، التي توجد بأعداد متزايدة يلاحظها المرء يوماً بعد يوم، بينما بقيت سيارات الطبقة الوسطى إما يابانية أو أوروبية الصنع . أما في الورش والمعامل، فتحل العدد والآلات الصينية شيئاً فشيئاً محل مثيلتها الغربية أو اليابانية . ما كان الصانع أو الحرفي أو المهني يشتريه بآلاف الليرات، صار باستطاعته الحصول على ما يشبهه شكلاً، لكنه أقل منه جودة، بربع أو ثلث المبلغ . قال لي أحد العمال: اشتريت هذا المثقب الكهربائي بربع قيمة الياباني والإيطالي، مع أنني أرجح أن يخدمني نصف عمر منافسيه هذين، لكنني اشتريته لأنني لم أكن أملك سعرهما، وفي الفترة التي كنت سأنتظر فيها لشرائهما، سيعود هذا علي بدخل مجز، علماً بأنني سأشتري مثيلاً له بالسعر البخس الذي اشتريته به، متى تعطل أو صار غير صالح للعمل . في جميع الأحوال: أنا رابح: عملي يمشي، نقودي في جيبي، دخلي مقبول .

 

قال لي طبيب الأسنان، وأنا أبارك له الجهاز الجديد: إنه صيني . حين لاحظ الدهشة على وجهي، قال: من النوع الجيد، الذي يعادل الإيطالي، لكنه أرخص منه بكثير ويمكن شراؤه بالتقسيط المريح، علماً بأن صيانته متوفرة بصورة جيدة . إنه فرصة حقيقية بالنسبة إلي، ولولاه لبقيت أعمل على الجهاز القديم، الذي اشتريته بعد التخرج من طبيب متقاعد، وصرت أخجل من المرضى لكثرة أعطاله والصدأ الذي يعلوه .

 

الصين في كل مكان، ربما لأنها تعمل بطريقة مختلفة، تأخذ بالحسبان حياة ومصالح وأنماط عيش مليارات الفقراء، الذين لا يجدون لهم مكاناً في الاقتصاد الرأسمالي العالمي الفائق التقدم، الذي يفكر بالبيع والتصريف، ولا يضبط برامجه لتلبية حاجات الفقراء وتأمين سبل العيش لهم، بما تملكه أيديهم من مال قليل . ولا أبالغ إذا قلت إن مئات آلاف إن لم يكن ملايين السوريين، يعيشون اليوم على منتجات الصين، وأنهم صاروا جزءاً من دورة إعادة إنتاج اقتصادها، الذي يتوسع في كل مكان من عالمنا، خاصة بين الفقراء، الذين يجدون لديه ما لا يجدونه لدى سواه من بلدان العالم المتقدمة، التي لا تهتم بهم، بينما تحس وأنت تزور متجراً أو وكالة صينية أن خطة التنمية الصينية تركز بصورة خاصة على ذوي الدخل المنخفض، الخارجين من الاقتصاد العالمي والهامشيين، الذين يبدو كأن الصين تضعهم في حساباتها، وتمد لهم يد العون وتعينهم على مواصلة حياتهم بمدخرات ما كانت لتسمن أو تغني، لو بقيت في الدورة الاقتصادية لبلدانهم أو للدول المتقدمة: خارج دائرة الاقتصاد الصيني العالمية . دخلت الصين العالم متأخرة، وطبقت استراتيجية من بندين متكاملين: أولاً: تنمية اقتصادها بفضل التعامل المفتوح مع الدول المتقدمة، والتحول التدريجي إلى ورشة إنتاج لاقتصادها، على أن تتيح لها الفوائض التي تحققها بفضل مزاياها النسبية الاستقلال المتدرج عنها قبل الانتقال إلى منافستها في كل مكان، مثلما حدث بعد أزمة الاقتصاد العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، وثانياً: التوجه نحو توسيع السوق العالمية عبر تنمية ذاتية مستقلة تنضوي في إطار سوق عالمية من نمط مختلف، سوق للدول والشعوب الفقيرة، التي تم إخراجها من الاقتصاد الدولي أو تناقصت حصتها فيها باضطراد، وكذلك سوق للفقراء كأفراد، ممن لا قدرة لديهم على أن يكونوا زبائن للاقتصاد المتطور، ولا ينافس الاقتصاد الصيني عليهم أحد، فهم فرصة للصين، إن نجح دمجهم من جديد في دورة اقتصادية مختلفة، سواء كان مدخلها سيارة رخيصة الثمن أو سلعة استهلاكية يناسب سعرها ما في جيب الفقير من مال قليل . . . إلخ .

 

قبل نصف قرن، سبقت اليابان الصين إلى الاستراتيجية الاقتصادية الحالية، فأغرقت صناعاتها العالم بسلع رخيصة . وتكرر الصين اليوم التجربة، كأن هناك دورة من نوع خاص في التعامل مع السوق الدولية، تنطلق مع ظهور قوة جديدة يجبرها الاقتصاد المهيمن على البحث عن زبائن لا يشملهم بنعمه الرفيعة النوعية الغالية الثمن، فيتلقفهم الاقتصاد الجديد الصاعد ويحولهم إلى جزء من دورته الذاتية، ويحصل من خلالهم على مستهلكين ومنتجين يتوزعون على مختلف بقاع العالم، يضمون مئات ملايين البشر،الذين أخرجوا من الدورة الاقتصادية السائدة عالمياً، بعد أن حصر الاقتصاد المتطور تعامله بصورة رئيسة في الدول والشركات الكبيرة، وتجاهل المادة البشرية الفقيرة، التي يرفض إقامة علاقة منظمة معها، ما سمح للصين بالدخول إلى اقتصاد البلدان الأخرى من باب هؤلاء البشر، وها هي تقيم لنفسها سوقاً يضم المليارات ممن ترتبط دورة معاشهم اليومية أكثر فأكثر باقتصادها، مثلما ترتبط دورة تقدمها وازدهارها وتوسعها الاقتصادي بهؤلاء، بنمو قدراتهم وعودتهم إلى السوق خارج بلدانهم وداخلها، التي تقلصت حصتهم من دخلها فلم يبق لهم أي مكان فيها غير الهامشية والبطالة، لكن الاقتصاد الصيني يعيدهم إلى العمل بما ييسره لهم من أدوات ووسائل تتيح لهم كسب عيشهم وتوقف انحدارهم، وتمكنهم في حالات كثيرة من تحقيق نوع من الارتقاء البطيء في مجتمعهم .

 

كان يقال دوماً إن العالم المتقدم قد أكمل اقتسام بقية العالم، فلا مكان في أسواقه للاعبين جدد أو لقوى صاعدة . مع صعود الصين، سقطت جوانب عديدة من مصداقية الفكرة القائلة باقتسام العالم باعتباره حقيقة نهائية لا تترك دوراً لأحد من خارج اللاعبين المكرسين، وتبين أن العالم لا يضم فقط الدول، بل هو كذلك الشعوب والكتل الهائلة الأعداد من الأفراد، الذين أخرجوا من الاقتصاد المتطور، لكنهم يمكن أن يجدوا مكاناً لهم في اقتصاد من نمط مختلف، يركز عليهم ويمدهم بالوسائل الضرورية لإعادتهم إلى دورة اقتصادية مختلفة، وهذا ما فعلته الصين، التي تقتحم العالم من أبوابه جميعها، دولاً كانت أم مجتمعات أم شعوباً أم أفراداً، وتثبت أن من يبحث بجدية ودراية عن الفرص يجدها، في عالم ليس صحيحاً أنه اقتسم وانتهى أمره، وشعوب ليس صحيحاً أنها فقدت أية فرصة للانخراط في الاقتصاد الدولي .

 

ليست الصين مخبراً اقتصادياً هائل الحجم وحسب، بل هي كذلك مكان لاختبار الأفكار والخطط والمحاولات الجريئة، التي تعلمنا أن الواقع العالمي الراهن ليس نهائياً، وأنه ليس ملك أحد، وأن فيه ما لا حصر له من الأدوار والفوائد لكل من يعرف مصلحته ويتابعها بقدر من المهارة والتصميم . والدليل: عالمنا الذي كان قبل خمسين عاماً لا يرى للصين أي حضور في أي جانب من واقعه، وتغمره الحقيقة الصينية اليوم إلى درجة لا سبيل إلى إنكارها، تغطي أدق تفاصيل حياتنا، العامة والخاصة، في واقع دولي مختلف، يتقدم فيه نمط التنمية الصيني على صعيد كوني تتراجع فيه أنماط تقدم الدول المتقدمة والنامية، أو تنتظر العون من الصين

===========================

في زمن العولمة... ماذا نقرأ؟

تاريخ النشر: الأربعاء 29 ديسمبر 2010

أمبيرتو إيكو

الاتحاد

عرّف هارولد بلوم، في كتابه "قانون قائمة المؤلفات الغربية"، قائمة المؤلفات الأدبية بأنها "مُختارات الكُتُب في مؤسساتنا التعليمية"، مشيراً إلى أن السؤال الحقيقي الناتج عن ذلك هو التالي: "أيّ كتاب يتعيّن على المرء الذي لا يزال يرغب بالقراءة أن يختاره في تاريخنا الحديث هذا؟". وكما يرى بلوم، فإنه يمكن للمرء، وفي أفضل الأحوال، أن يقرأ في حياته جزءاً بسيطاً فقط من المؤلفات العديدة الرائعة التي وضعها الكتّاب الذين عاشوا وعملوا في أوروبا وفي الأميركيتين ناهيك عن سائر الكتّاب في أنحاء أخرى من العالم.

 

وحتى في حال أردنا الالتزام بالتقليد الغربي وحده، فما هي الكتب التي يترتب على الأشخاص قراءتها؟ لا شك في أنّ المجتمع والثقافة الغربيين قد تأثرا بشكسبير، وبدانتي -كاتب "الكوميديا الإلهية"- وبالكتّاب القدامى أمثال هوميروس، وفيرجيل، وسوفقليس. لكن، هل تأثّرنا بهم لأننا قرأنا مؤلفاتهم مباشرةً؟

 

يذكّرني ذلك بحجة أطلقها بيار بايارد في كتابه المعنون "كيف تتحدث عن كتب لم تقرأها"، ومفادها أنه من غير الضروري قراءة كتاب بالكامل لإدراك أهميته الكبرى. فيبدو واضحاً مثلاً أنّ الإنجيل ترك أثراً عميقاً في الثقافتين اليهودية والمسيحية في الغرب، وحتى في ثقافة الأشخاص من غير المؤمنين وغير المنتمين للديانتين، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ كافة الأشخاص الذين تأثروا به قد قرأوه من البداية إلى النهاية. وينطبق الأمر نفسه على مؤلفات شكسبير وجيمس جويس. فكي يكون الإنسان مثقفاً أو مسيحياً صالحاً، هل عليه قراءة "سفر الملوك" أو "سفر العدد"؟ وهل عليه قراءة "سفر الجامعة"، أم يكفي أن يعرف بطريقة غير مباشرة أن هذا السفر يدين "باطل الأباطيل"؟

 

وهكذا، فإن قانون قائمة المؤلفات لا يشبه المنهج الدراسي الذي يشكّل مجموعة الكتابات التي يتعيّن على التلميذ قراءتها بحلول نهاية دراسته.

 

تبدو المشكلة اليوم معقدة أكثر من أي وقت مضى. وخلال مؤتمر أدبي دولي عُقد أخيراً في مدينة موناكو، دار نقاش حول موقع قانون قائمة المؤلفات في زمن العولمة. ففي حال مثلاً كانت أزياء المصممين "الأوروبيين" تُصنع في الصين، وفي حال كنّا نستخدم الحواسيب والسيارات اليابانية، وفي حال كان سكّان نابولي يتناولون الهامبرغر بدلاً من البيتزا... باختصار؛ إذا تقلّصت رقعة العالم لتتخذ أبعاداً ضيّقة، وحيث يطالب الطلاب المهاجرون في أنحاء الكرة الأرضية بأن يتمّ تدريسهم تقاليدهم الخاصة، فكيف سيكون حينئذٍ حال قانون قائمة المؤلفات الجديد؟

 

جاءت إجابة بعض الجامعات الأميركية عن هذا السؤال على شكل تحرّكٍ، وبدل أن يبدو لائقاً، بدا -وبالعكس- غير لائقٍ إلى حدّ الغباوة. فقد اقترح البعض، نظراً لأن جامعاتنا تضم عدداً كبيراً من الطلاب ذوي الأصول الإفريقية، التخفيف من تدريسهم شكسبير وتكثيف تدريسهم الأدب الإفريقي. إنه بالفعل اقتراح ساخر قد يدفع ثمنه كافة الطلاب الذين يستعدون لخوض غمار العالم الحقيقي من دون فهم المراجع الأدبية العالمية، مثل منجاة هاملت الشهيرة بعبارة «أن تكون أو لا تكون»، ومن ثم يحكم عليهم بالبقاء على هامش الثقافة المسيطرة. ويجب فعلياً توسيع نطاق قانون قائمة المؤلفات الحالي بدلاً من استبداله بآخر. وعلى غرار ما تم اقتراحه مؤخراً في إيطاليا حيال الدروس الدينية الأسبوعية التي تُعطى في المدرسة، فيجب على التلاميذ تعلّم ما يتيسّر من القرآن والتعاليم البوذية إلى جانب الإنجيل. وعلى حدٍّ سواء، ما من سوء في أن يتمّ تدريس تلاميذ القسم الثانوي، إلى جانب حضارة اليونان القديمة، ما يتيسّر من التقاليد الأدبية العربية والهندية واليابانية أيضاً.

 

سافرتُ منذ فترة قصيرة إلى مدينة باريس للمشاركة في مؤتمر حضره مفكرون أوروبيون وصينيون. وقد شعرتُ بإحراج كبير لأنّ نظراءنا الصينيين كانوا مطلعين كل الاطلاع على إيمانويل كانط، ومارسيل بروست لدرجةٍ مكنتهم من وضع مقارنةٍ بين لاو تسو وفريديريك نيتشيه (بغض النظر عن دقتها أو عدم دقتها) فيما بدا معظم الأوروبيين بالكاد قادراً على الذهاب أبعد من حدود كونفوشيوس، حتى أنهم اعتمدوا أحياناً على تحليل ثانوي المصدر.

 

واليوم، يواجه هذا التصوّر المثالي والعالمي بعض الصعوبات. فيمكن تدريس الشبان الغربيين "الإلياذة" لأنه سبق لهم أن سمعوا بهكتور وأغاممنون ولأنّ إلمامهم الثقافي الهزيل يشمل تعابير مثل "حكم باريس" و"كعب أخيل" (ويُشار في هذا الصدد إلى أن طالباً أجرى اختبار دخول إلى جامعة إيطالية ظنّ خلاله أن مصطلح "كعب أخيل" يشير إلى مرضٍ على غرار التهاب مفصل الركبة أو التهاب مفصل المرفق). ورغم ذلك، كيف يمكن إثارة اهتمام هؤلاء التلاميذ بالملحمة السنسكريتية "مهابهاراتا" أو "رباعيات عمر الخيام" على نحوٍ يبقي هذه الأعمال مطبوعة في ذاكرتهم؟ هل يمكننا صياغة منهجٍ تربوي يتناسب مع العالم الذي يشهد عولمة في حين يبدو أن الأكثرية الساحقة من الغربيين المثقفين تجهل كلياً أنه بالنسبة للجورجيين، فإن إحدى أعظم القصائد في التاريخ الأدبي تعود للشاعر الجورجي "شوتا رستافلي" وكان عنوانها "الفارس في جلد النمر الأسود"؟ وفي حين يختلف الباحثون المختصون أنفسهم حول ما إذا كان الفارس، في النسخة الجورجية الأصلية، يرتدي فعلياً جلد نمر أسود أو نمر بلون آخر أو حتى جلد فهد، فهل يمكننا نحن الغربيين أن نصل إلى ذلك الحدّ أم سنستمر في التساؤل: "من هو شوتا"؟

===========================

الصراع من أجل إيران جديدة

راي تقيه

29-12-2010

الشرق الاوسط

تجذب الجمهورية الإسلامية إليها الأنظار في الوقت الحالي، ويرجع ذلك بالأساس إلى تحديها النووي. لكن تحت الأضواء المحيطة بالقمم غير الحاسمة ومزاعم للتمكين الاقتصادي، يبقى سؤال هام: إلى أي مدى الدولة الدينية في إيران مستقرة؟ بالنسبة إلى عدد كبير داخل الحكومة في واشنطن، أصبحت «الحركة الخضراء» المعارضة شيئا من الماضي تلاشى في الذاكرة وموجة من الاحتجاجات ضد تزوير الانتخابات قمعها النظام الإسلامي بشكل أدى إلى إضعافها إن لم يكن إنهاء وجودها تماما. وأخفقت هذه المشاعر في فهم سؤال أهم: كيف يمكن تقييم قوة وحيوية حركة معارضة في دولة ساحتها السياسية محيرة للغاية؟ ,لا تعد الجمهورية الإسلامية نموذجا نمطيا للدولة الاستبدادية، لكنها نظام آيديولوجي استثنائي. وتحتاج هذه الأنظمة إلى تفسير وجدال لتبرير قمعها ومغامراتها الفضولية في الخارج. قد يتورط أوصياء الدولة الدينية في أعمال مشينة، لكنهم يقومون بذلك من أجل الدفع قدما بقضية تاريخية وتحقيق نموذج سامٍ محدد. وفي مثل هذه الدولة، يحتاج الضابط الذي يرتدي زيا رسميا ورجل الشرطة الذي يرتدي زيا مدنيا وأفراد الحرس الثوري إلى غطاء آيديولوجي لتبرير ما يقومون به من أعمال وحشية لأنفسهم.

الانتصار الضعيف لحركة المعارضة الخضراء هو فضح الدولة والتوضيح للمخلصين أنهم لا يدافعون عن نظام قويم سامٍ، بل عن جبناء قساة القلوب يدمنون السلطة ويتمسكون بها بأي ثمن. كما قال رجل الدين الإصلاحي الراحل آية الله حسيني منتظري، أثناء الأعمال القمعية بعد انتخابات يونيو عام 2009، لم تعد الجمهورية الإسلامية إسلامية ولا جمهورية.

ولاحظ كرين برنتون، في دراسته عن الثورات، أن الطبقة الحاكمة أصبحت مهددة عندما «بدأ عدد كبير من الأفراد البارزين لهذه الطبقة يعتقدون في عدم أحقيتهم للسلطة وسخافة ما نشأوا عليه من معتقدات».

وبدأ عدد كبير من أفراد النخبة الحاكمة، منذ الانتخابات الرئاسية المزورة، في التخلي عن إرثهم الثوري والنأي بأنفسهم عن حكومة دافعوا عنها من قبل. وتخلى الرعيل الأول من رجال الثورة، الذين شهدوا قيام الجمهورية، ورؤساء سابقون ونواب في البرلمان ومخلصون للدولة، عن معتقدات إخوانهم المسلحين. وتجد زعامة الجمهورية الإسلامية المتراجعة نفسها في الموقف نفسه الذي واجهه قادة الاتحاد السوفياتي الذين أقاموا سلطتهم على أساس الترويع ولكن أثبت ذلك عدم فاعليته وضعف قدرته على البقاء. وبموازاة الانشقاقات التي تشهدها صفوف النخبة الحاكمة، ما زالت الجمهورية الإسلامية في مواجهة مستمرة مع مقاومة شعبية. الهدف الرئيسي لأي نظام ديكتاتوري هو تفتيت المجتمع وعزل أفراده، ليشعروا بالوحدة والإحباط، داخل منظومته القمعية.

لكن أثبتت حركة المعارضة أن تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين قد ساعدت كثيرا على كشف ادعاءات الاستبداديين، فقد دعمت الشبكات الإعلامية الاجتماعية الفئات التي تناهض حكم الملالي وتحث على الأعمال الاحتجاجية. إيران بلد الإضرابات العمالية والمظاهرات الطلابية وفعاليات إحياء ذكرى الأحداث الرمزية. ويبدو أن لاستمرار الانشقاق تأثيرا مدمرا على نظام يواجه أزمة شرعية لا يمكن تداركها ومقاومة لا يمكن إخمادها.

إن الإنجازات التي حققتها حركة المعارضة رائعة، فقد أحدثت شرخا داخل الدولة، وتفوقت في الجدل الفكري الدائر بشأن مستقبل إيران، وجذبت انتباه قطاع عريض من الشعب. لكن من الضروري التأكيد على عدم وجود أي ضمانات لتولي «الحركة الخضراء» السلطة خلفا لرجال الدين الديكتاتوريين. ورغم أن الجمهورية الإسلامية في طريقها، بثبات.. وإن كان بصعوبة، إلى السقوط من ذاكرة التاريخ، فلا يزال مستقبل إيران محل خلاف وصراع. وربما تتعرض إيران إلى التمزق وتشهد فترات طويلة من العنف والطائفية في مرحلة ما بعد الجمهورية الإسلامية. وكذلك قد تظهر على السطح قوة ديكتاتورية أخرى تقوم على الشوفينية الفارسية أكثر مما تقوم على الخطاب الإسلامي. وستساعد مجموعة القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم في التأثير على شكل السلطة في إيران غدا. ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة عليها وقف المفاوضات مع إيران، فقد استمر رونالد ريغان في التوقيع على معاهدات للحد من الأسلحة مع الاتحاد السوفياتي، الذي كان يرى أن انهياره مؤكدا. وإن السعي إلى تحقيق أهداف أمنية هامة لم يمنع ريغان من دعم حركة «التضامن» في بولندا أو ما شابهها من حركات المعارضة في أوروبا الشرقية. والمهم ألا يقتصر التعامل مع معضلة إيران على إجبارها على ترك جزء من مخزونها المتراكم من اليورانيوم. وتتوافق اختياراتنا مع قيمنا كما تتوافق ومصالحنا. وعلى المدى الطويل لن تخطئ أميركا بمساندة الذين يأملون في مستقبل أفضل.

* زميل في مجلس العلاقات الخارجية

* خدمة «نيويورك تايمز»

===========================

السودان.. الجمهورية الإسلامية الناقصة

عثمان ميرغني

29-12-2010

الشرق الاوسط

سواء كان الأمر بالتخطيط أم بالمصادفة المحضة، فقد اختار الرئيس السوداني عمر البشير، توقيتا وأسلوبا في الإعلان عن مخطط إعلان السودان جمهورية إسلامية، أثارا جدلا سيستمر لفترة طويلة. فقد ربط البشير بين استفتاء الجنوب وتطبيق الشريعة الإسلامية، وعرج في الوقت ذاته على قضية الفتاة السودانية التي تعرضت للجلد بطريقة همجية في مكان مفتوح وسط ضحكات بعض رجال الشرطة الذين كان يبدو أنهم يتلذذون بمنظر التعذيب وبصرخات الألم الصادرة عن الفتاة، وهؤلاء بالتأكيد أبعد ما يكونون عن معرفة سماحة الإسلام ومفاهيم العدل ومتطلبات تطبيق الحدود والشرع. ولكن كيف يلام هؤلاء إذا كان قادة النظام يستخدمون الشريعة ورقة للمناورات السياسية، ويبررون أفعالا أساءت للسودانيين وطيبتهم وأخلاقهم، مثلما أساءت للإسلام وسماحته وشوهت مفاهيمه الأصيلة في العدل.

تحدث البشير عن أنه إذا اختار الجنوب الانفصال في استفتاء التاسع من الشهر المقبل سيعدل دستور السودان و«عندها لن يكون هناك مجال للكلام المدغمس (أي الملتوي) زي السودان بلد متعدد الديانات والأعراق واللغات، وسيكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع والعربية هي اللغة الرسمية». فهل الشريعة إذن ورقة للمساومة في موضوع الاستفتاء؟ بل هل كل الكلام في الماضي عن الشريعة الإسلامية كان مجرد فصل في المسرحية السياسية الجارية منذ الخديعة التي جاء بها النظام إلى السلطة عبر الدبابات في عام 1989؟ وماذا عن الذين أعدموا وعذبوا وجلدوا وفقا لقوانين الحدود كما قيل للناس في عدة مناسبات منذ التسعينات وحتى اليوم؟

الجنوب سيختار الانفصال لا محالة؛ لأن سياسات النظام جعلت ذلك نتيجة حتمية، وأهل الحكم في الخرطوم يعرفون أكثر من غيرهم أن نتيجة الاستفتاء هي الانفصال. فالحكومة لم تفشل فقط في جعل الوحدة جاذبة خلال السنوات الخمس الماضية منذ توقيع اتفاقية السلام مع «الحركة الشعبية»، بل إنها أسهمت بقدر كبير في دفع الجنوبيين في هذا الاتجاه منذ أن رفعت شعار «الجهاد» في حرب الجنوب خلال التسعينات. وحديث البشير الأخير يحث الجنوبيين في الواقع على اختيار الانفصال، لأنه يعتبر الحديث عن التنوع الديني والعرقي واللغوي في السودان «أمرا ملتويا» في فكر أهل السلطة في الخرطوم، حتى وإن كان هذا الأمر يتناقض تماما مع واقع السودان، ويعرض مستقبله للمزيد من المخاطر. فالتنوع في السودان لا يرتبط بالجنوب وحده، بل يمتد من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، ومن أبعد نقطة جنوبية إلى أقصى نقطة شمالية. ومنذ أن كنا طلابا في المدارس الابتدائية نشأنا على ترديد الأناشيد التي تفخر بالتنوع العرقي والثقافي في بلد المليون ميل مربع الذي سيتقلص مساحة وعددا عن قريب بسبب سياسات الانغلاق والتهميش، والمتاجرة السياسية بالدين.

في الخطاب ذاته الذي قرر فيه البشير أمر الدستور ومستقبل البلاد في بضع كلمات مرتجلة، تحدث أيضا عن قضية جلد الفتاة بلغة تحدت مشاعر الكثيرين من أهل السودان قبل غيرهم، خصوصا أن الإسلام في السودان تميز دائما بالسماحة المتأصلة في هذا الدين، والمتجذرة في طباع شعبه. فقد طالب البشير الذين تضايقوا أو احتجوا على جلد الفتاة بتلك الطريقة الوحشية، «أن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا للإسلام»، ثم مضى للقول إن «الحدود في الشريعة الإسلامية تأمر بالجلد والقطع والقتل، ولن نجامل في حدود الله والشريعة الإسلامية». هذا الكلام يناقض بالطبع ما جاء سابقا في الخطاب عن جعل تعديل الدستور مسألة مرتبطة بقرار الجنوب إذا اختار الانفصال. فهل يساوم النظام بالإسلام وتطبيق الشريعة في موضوع الوحدة والانفصال؟ وهل جامل في حدود الله والشريعة الإسلامية عندما جمد التطبيق سنوات؟ بل كيف يفسر منظرو الحكومة الانقلاب في المواقف وتحول النظام من شعارات «الثورة الإسلامية» وفتح الأبواب أمام المتطرفين الإسلاميين من كل حدب وصوب، وتوفير «مزارع التدريب» على القتال لجماعة أسامة بن لادن، وتقديم التسهيلات للذين خططوا لتنفيذ محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، ليحرف النظام مساره أمام الضغوط الخارجية فيطرد «ضيوفه» غير المرغوبين في بلادهم، بل وينتقل إلى سياسة التعاون مع الاستخبارات الغربية، بما في ذلك التعاون مع الاستخبارات الأميركية والفرنسية.. كيف يفسرون ذلك؟ لا أحد يدري، لكن أسلوب «التقية» ظل عقيدة ملازمة لأهل الحكم الحالي منذ أن انقلبوا على النظام الديمقراطي الذي كانوا جزءا منه، وتظاهروا بسجن بعض قادتهم لكي يخفوا هوية نظامهم ويطمسوا دور الجبهة القومية الإسلامية فيه.

الحديث المتكرر هذه الأيام عن تعديل الدستور وإعلان السودان جمهورية «إسلامية»، يبدو وكأنه محاولة للتستر وراء الشريعة للتنصل من مسؤولية تشطير البلاد، وحرف الأنظار عن استحقاق الاستفتاء والانفصال القادم في الجنوب، وتبعات المشكلات الخطيرة الناجمة عنه بما فيها الانعكاسات المتوقعة على الحرب في دارفور، والتطورات الأخرى التي تجعل الأوضاع أخطر مما يتصور الكثيرون. هناك أيضا من يشير إلى جهات داخل النظام كانت تتمنى وتعمل لكي ينفصل الجنوب، حتى تنفرد بالشمال وتجدد الحديث عن مشروعها القديم لإعلان دولة إسلامية، حتى ولو كانت هذه الدولة ناقصة في سودان متقلص المساحة، ومتشنج في نهجه السياسي الذي لا يشبه طيبة أهله، ولا يتوخى سماحة الإسلام ومفاهيمه في العدل وفي الحكم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ