ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 31/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الوثائق المسربة... هل تضر شرعية «السلطة»؟!

الاتحاد 30 يناير 2011

جوشوا ميتنيك

رام الله

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"

مع هبوب رياح التغيير على منطقة الشرق الأوسط وتصاعد المشاعر المناهضة للحكومات، يأتي تسريب الوثائق الفلسطينية خلال الأسبوع الماضي، ليقوض السلطة الفلسطينية الضعيفة أصلاً وعلى رأسها عباس. فمع أن الوثائق كشفت تنازلات كبيرة قدمها الجانب الفلسطيني لإسرائيل بشأن القدس واللاجئين والحدود فشلت في تأجيج غضب شعبي واضح ما ولّد حالة من الارتياح لدى السلطة الفلسطينية، فإن ردود الأفعال الخافتة الصادرة عن الفلسطينيين بجميع شرائحهم، بدءاً من صاحب محل البقالة وليس انتهاء برجل الأعمال، تناقض التآكل العميق لشعبية عباس الذي راهن بمشواره السياسي على التفاوض مع إسرائيل. وفيما رحب الغرب بالاستعداد الذي أبداه عباس لتقديم التنازلات التي أشارت إليها الوثائق المسربة، مازال يسعى رئيس السلطة الفلسطينية إلى تعزيز موقفه لدى الرأي العام الفلسطيني والوصول إلى مرتبة سلفه عرفات الذي بنى سمعته كقائد ثوري كافح طويلاً من أجل انتزاع حقوق الفلسطينيين. لكن حتى في حال التوصل إلى اتفاق للسلام فإنه يصعب على عباس إقناع الشعب الفلسطيني بتبني بنوده، وهو ما يعبر عنه "علي أحمد" الذي يملك محلاً للبقالة في رام الله قائلاً: "لم يعطِ أحد اليهود مثلما أعطى عباس، سواء تعلق الأمر بالأرض، أو الحدود، أو الأمن... لقد أعطى الكثير وتخلى عن القضية".

ويبدو أن الفلسطينيين بعد عقدين من مباحثات السلام التي فشلت في تحقيق هدف الدولة، ملوا من العملية السلمية، بحيث عبر 27 في المئة فقط من الفلسطينيين عن أملهم في رؤية دولة فلسطينية بعد خمس سنوات، حسب استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للسياسة والبحث في ديسمبر الماضي. هذا التشكيك الفلسطيني في جهود السلام دفع عباس إلى مقاطعة المفاوضات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدما رفض هذا الأخير تجميد الاستيطان، لكن فشل السلام لا يخدم مصلحة السلطة الفلسطينية التي راهنت على العملية التفاوضية، في حين يقوي مكانة خصمها "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة.

هذا وقد أدى الانقسام الفلسطيني إلى تأخير عقد انتخابات وطنية في الأراضي الفلسطينية، كما أشاع أجواءً من التضييق السياسي الذي أكده 27 في المئة من المستجوبين في الضفة الغربية حسب الاستطلاع نفسه، حيث أعربوا عن ثقتهم في إمكانية التعبير السياسي الحر فيما عبر الباقي عن صعوبة التعبير الحر. ومع أن الوثائق المسربة ركزت فقط على فترة المفاوضات التي انطلقت ابتداء من عام 2008، يرى المراقبون أن ما كشفته تلك الوثائق سيهز من ثقة الفلسطينيين في السلطة، وهو ما يؤكده "سام بحور"، رجل الأعمال والمحلل السياسي الفلسطيني في رام الله، قائلاً: "إن ما كشفته الوثائق سيكون له تداعيات على المدى البعيد، وسيثير تساؤلات حول شرعية السلطة الفلسطينية التي يشكك فيها العديد من الأطراف. وهو ما سيعمق من أزمة الشرعية المتفاقمة".

وفي ردودها على الوثائق، ظهر على السلطة الفلسطينية بعض الارتباك والغموض، حيث سارع المسؤولون الفلسطينيون في البداية إلى نفي ما كشفته الوثائق باعتبارها مزورة، لكن الموقف تغير لاحقاً عندما اعترفت السلطة بصدقية الوثائق منتقدة الطريقة التي عُرضت بها والتي "كانت مجتزأة وخارجة عن سياقها". هذا في الوقت الذي هاجم فيه البعض وسائل الإعلام، متهمينها بخدمة أجندات خاصة في المنطقة.

وفيما انحاز العديد من الفلسطينيين إلى قادتهم، ورأوا ما جاء في الوثائق مجرد محاولة لإضعاف القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "فتح"، فإنهم هاجموا سراً السلطة لما قدمته من عروض سخية لإسرائيل دون أن تحصل على مقابل. وفي هذا السياق تقول "دلال سلامة"، النائبة البرلمانية السابقة من حركة "فتح"، وقد جاءت إلى مقر الحركة لحث قادتها على التحدث إلى الناس لمنع ردود فعل سلبية، "إن الرأي العام يفهم الإطار الذي أتت فيه التسريبات، وهو ضرب السلطة الفلسطينية، لكن لا يمكن إنكار التأثير الذي تمارسه الوثائق على الناس". ويخشى المراقبون من أن تؤدي الهوة الشاسعة التي كشفتها الوثائق بين السلطة الفلسطينية بمواقفها المتنازلة وبين الرأي العام المتحفظ على أي تنازلات، إلى عرقلة جهود استئناف المفاوضات والقضاء على فرص العملية السلمية المتعثرة.

ورغم استمرار عباس في تصدره استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن شعبيته تفوق 50 في المئة لدى الرأي العام، متجاوزاً رئيس الحكومة المقالة (هنية) بعشر نقاط، فإن عباس لم يكن أبداً رجل الجماهير، هذا فضلاً عن تراجع شعبية "فتح" ذاتها بعد أن أصبحت مقترنة في أعين الفلسطينيين بالفساد.

واللافت أن أغلب الفلسطينيين في الضفة الغربية ركزوا في متابعتهم للحدث على الطريقة التي عالجت بها وسائل الإعلام الوثائق المسربة، قائلين إنها طريقة طغى عليها أسلوب الإثارة والتشويه، فيما لم يحظَ مضمون الوثائق بنفس القدر من الاهتمام رغم ما يثيره من أسئلة حول القضايا الجوهرية ذات الحمولة الرمزية الكثيفة؛ مثل القدس الشرقية التي قيل إن المفاوض الفلسطيني مستعد للتنازل عن أحياء فيها، والتخلي عن جزء كبير من اللاجئين الذين لن يعود منهم سوى القليل.

======================

نهاية التاريخ في تونس  

آخر تحديث:الأحد ,30/01/2011

بيير بولر

الخليج

إن “ثورة الياسمين” في تونس لا تزال مستمرة في الكشف عما في جعبتها، ولكننا نستطيع حتى الآن أن نستخلص من هذه الثورة الدروس حول الديمقراطية وآليات التحول نحو الديمقراطية التي تمتد إلى ما هو أبعد من المغرب العربي .

لكي نضع ثورة الياسمين في منظورها التاريخي الصحيح، يتعين علينا أن نتذكر الرابع من يونيو/حزيران من عام 1989 يوم الأحد المشهود عندما صوت البولنديون على طرد الشيوعيين من السلطة، وعند الطرف الآخر من أوراسيا ذهب الحزب الشيوعي في الصين، إلى حد سحق الحركة الديمقراطية الناشئة في ميدان السلام السماوي . وحين نسترجع الماضي سوف يبدو لنا ذلك اليوم وكأنه مفترق طرق في التاريخ البشري . فكان أحد الطريقين مؤدياً إلى زوال الشيوعية والميلاد الجديد للحرية والديمقراطية وهو طريق دموي ومؤلم في بعض الأحيان في أوروبا . أما الطريق الآخر فقد اتخذ مساراً بديلا، حيث ظلت الصين في قبضة الحزب الحاكم، ولكنها نجحت في تحقيق الازدهار وتسليمه إلى الجماهير الفقيرة من خلال النمو المذهل المستدام .

وبينما كان عام 1989 يخرج ما في جعبته، تأمل فرانسيس فوكوياما فيما إذا كان المسار الذي اختارته أوروبا يبشر “بنهاية التاريخ” . وبعد هيغل، ساق فوكوياما الحجة بأن التاريخ له اتجاه يؤدي إلى مكان ما لسببين . الأول يتلخص في الانتشار الهادر للتكنولوجيا والنظام الاقتصادي الليبرالي، والذي يخلف تأثيراً مجانساً . والثاني أن “النضال من أجل الفوز بالتقدير الشخصي” من منظور هيغل كان بمثابة قوة دافعة للبشرية، وهي قوة عاتية بالقدر الكافي لدفع عدد لا يحصى من الأفراد إلى التضحية المطلقة .

ولكن في حين استقر الإجماع الواسع النطاق على أن الشيوعية كانت بمثابة طريق مسدود، فإن النجاح الاقتصادي الذي حققته الصين، وردود الفعل العكسية الاستبدادية في روسيا في أعقاب رحيل بوريس يلتسين عن الكرملين قبل عقد من الزمان، من الأسباب التي عجلت بظهور تحليل أكثر تشاؤماً . والواقع أن نظريات “التراجع الديمقراطي” وعودة “القوى العظمى الاستبدادية” ظهرت على السطح لكي تكشف النقاب عن الإمكانات التي تتمتع بها الأنظمة التي جمعت بين الحس القومي والرأسمالية المؤدية إلى النمو تحت قيادة الدولة .

ولقد زعم البعض أن الحكم الاستبدادي قَدم مساراً أكثر رسوخاً وأماناً نحو الرخاء، مقارنة بما تستطيع الديمقراطية أن تقدمه، وامتدح آخرون فضائل “القيم الآسيوية”، في حين زعم آخرون أن الديمقراطية في العالم العربي الإسلامي لن تؤدي إلا إلى تمهيد الطريق لاستيلاء المتطرفين الإسلاميين على السلطة . وليس من المستغرب أن يتبنى الحكام المستبدون في كل مكان مثل هذه الآراء .

بيد أن الرسالة التي بثتها ثورة الياسمين التونسية كانت واضحة جلية: إن الديمقراطية والنظام السياسي الليبرالي الذي سمح لها بترسيخ بنيانها ليست مجرد مفهوم غربي (أو مؤامرة غربية)، بل إنها تنطوي على جاذبية عالمية، تدعمها الرغبة في “التقدير الشخصي” . فضلاً عن ذلك فإن الفوز بالديمقراطية أمر ممكن في مرحلة مبكرة من عملية تحديث أي بلد .

لا شك أن الحكم الاستبدادي قادر على إدارة المراحل المبكرة من التصنيع . ولكن “الاقتصاد القائم على المعرفة” من غير الممكن أن يعمل في بيئة من العقول المكممة . وحتى أكثر الحكام المستبدين ذكاءً غير قادرين على التعامل مع تعقيدات بهذا الحجم ناهيك عن الفساد الذي يتولد حتماً في كنف الظلال المحمية للاستبداد .

في سعيهما إلى الطعن في “أسطورة إحياء الحكم الاستبدادي”، قام العالمان السياسيان دانييل ديودني وجون آيكنبري بدراسة الصين وروسيا، فلم يتوصلا إلى “أدلة تُذكَر قد تشير إلى نشوء توازن مستقر بين الرأسمالية والاستبداد على النحو الذي قد يضفي على هذه التركيبة القدر الكافي من الصدق، باعتبارها نموذجاً جديداً للتحديث” . ورغم أن البلدين لا يملكان أياً من المؤهلات التي قد يستحقان بها وصف الديمقراطية الليبرالية، فإن كلاً منهما أصبح “أكثر ليبرالية وديمقراطية من أي وقت مضى، وكلاً منهما يشهد الآن نشوء العديد من المؤسسات المهمة اللازمة لتأسيس الديمقراطية الليبرالية المستدامة” في حين تتلخص العقبة الرئيسة في هذا السياق في القوة الطاردة المركزية التي قد تطلق لها الديمقراطية العنان .

ولكن أغلب البلدان غير المثقلة بمثل هذا التهديد، كانت تتسابق، بهدوء أو في صخب، نحو النظام الليبرالي على مدى العقود الماضية . والواقع أن بعض البلدان الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايون وإندونيسيا حققت هذه الغاية من دون أن تعيقها “القيم الآسيوية” المفترضة .

وعلى نحو مماثل، أصبحت أمريكا اللاتينية الآن تتمتع بأسس راسخة لليبرالية السياسية، بعد أن كانت ذات يوم ملعباً لأعداد لا تحصى من الطُغَم العسكرية والانقلابات . أما تركيا فيحكمها حزب إسلامي معتدل يلعب وفقاً للقواعد الديمقراطية . وفي ربيع عام ،2009 أظهرت الحملة الرئاسية في إيران بوضوح شغفاً هائلاً بالديمقراطية .

والأمر الذي توضحه هذه الحالات بوضوح هو أن التنمية تعمل على تنشيط القناتين اللتين ذكرهما فوكوياما باعتبارهما عاملين مساعدين في تشكيل اتجاه التاريخ: التغير الاقتصادي والتكنولوجي المتراكم والرغبة في التقدير الشخصي . وكل من هذين العاملين يعمل على تعزيز تمكين الفرد، وهو ما يشكل بدوره البوابة إلى الحرية والديمقراطية . وتختلف المسارات من دولة إلى أخرى، والانتكاسات في هذا السياق ليست نادرة، وقد يستغرق الأمر عقوداً من الزمان، ولكن القفزة قد تحدث عندما تتوافر الظروف المواتية كما حدث في تونس .

الواقع أن ثورة الياسمين تجسد مبادئ النظام السياسي الليبرالي، التي ظل الغرب يروج لها منذ صدور ميثاق الأطلسي في عام 1941: الرغبة الشديدة في نيل الحرية، والحصول على الفرصة، وتغليب حكم القانون . فضلاً عن ذلك فإن الثورة التونسية كانت أصيلة وليست مستوردة كجزء من تغيير قسري للنظام .

إن الشعب التونسي، تحت قيادة أبناء الطبقة المتوسطة المحبطة الذين رفضوا الرضوخ لأساليب الترويع، يقدم لنا بما تمكن من إنجازه حتى الآن، تذكِرة صحية بالقوى الراسخة العاتية التي تحرك سلوك الأفراد والأمم في أيامنا هذه . فقد أوضحت لنا الحالة التونسية التأثير المحفز للتواصل الرقمي (وهو التأثير الواضح أيضاً بين “طبقات التويتر” في الصين) . وقد يعمل هذا التأثير على تشجيع شعوب عربية أخرى، كما يحدث في مصر الآن، على فرض المساءلة على حكامها .

وأياً كانت النتائج في تونس، فإن هؤلاء الذين يؤمنون بأن الديمقراطية، كما قال وودرو ويلسون، من شأنها أن تجعل العالم مكاناً آمنا وأن المزيد من الديمقراطية قادر على جعله مكاناً أكثر أمانا لديهم كل الأسباب التي تدعوهم إلى الابتهاج إزاء هذا التطور المبشر الميمون .

دبلوماسي فرنسي سابق، وكان أستاذاً مساعداً لدى معهد العلوم السياسية في باريس، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

======================

نعم.. هذه ليست أميركا

إميل أمين

التاريخ: 30 يناير 2011

البيان

«هذه ليست أميركا.. فأميركا لم تبن على الكراهية» بهذه الكلمات عبر رجل الدين الكاثوليكي الأميركي الكاردينال «تيودور مكاريك» عن أحوال البلد الإمبراطوري.

كلمات الكاردينال جاءت في أعقاب الأزمة التي نشأت بحول الحادي عشر من سبتمبر الماضي بوجهيها الأول الخاص بدعوة القس المزيف «تيري جونز» لإحراق القرآن الكريم، والثاني المتعلق ببناء مركز إسلامي بجوار موقع برجي نيويورك.

حديث العنصرية وانقسام أميركا على ذاتها يتجاوز الحدثين المتقدمين وينذر بمخاوف جسيمة، ولعله يتحتم علينا التوقف أمام ما أشارت إليه «صوفي بودي» الاختصاصية بالعلوم السياسية من جامعة باريس الرابعة «السوربون» مؤخراً بشأن التباينات الاجتماعية في المدن الأميركية وكيف أنها باتت توجج نيران العنصرية.

تلفت الباحثة إلى انه وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة في أكتوبر 2008 تشهد كبرى المدن الأميركية تباينات اقتصادية شبيهة بتلك السائدة في المدن الأفريقية.

والمؤكد أن الأميركيين من أصول أفريقية هم تلك الفئة شبه المهمشة، حيث تبلغ البطالة بينهم نحو8٪ مقابل 4٪ للبيض، فيما يصنف 25٪ من السود بأنهم يعيشون دون خط الفقر، كما يقدر معدل دخل الأسود بحوالي 32 ألف دولار سنوياً مقابل 51 ألفاً للأبيض.

يخبرنا الدكتور جيمس زغبي مدير المعهد العربي الأميركي بواشنطن انه بالعودة إلى الوراء عام 1964 كانت صكوك الملكية العقارية في شمال غرب واشنطن تتضمن تعهداً يمنع بيع ذلك العقار إلى أميركي من أصل إفريقي، وبعد نحو أربعة عقود من إعلان هذه المواثيق باطلة ولاغية، فقد ظلت واشنطن دي سي عاصمة الولايات المتحدة عاصمة منقسمة بشكل غير عادي، ذلك انه رغم أن ثلثي سكان المدينة من الأميركيين الأفارقة فان واشنطن تنقسم تقريباً إلى نصفين من الشمال إلى الجنوب بواسطة حديقة «روك كريك» احد جانبي الحديقة يسكنه أكثر من 90٪ من البيض والآخر لا يزال 90٪ من سكانه من السود.

هل تقود هذه الأزمات إلى ثورة داخل أميركا؟

يرى منظر العولمة الأشهر «توماس فريدمان» ان ثمة ثورة تختمر في الولايات المتحدة، وأنها ليست ثورة في الجناح اليميني، بقدر ما هي متركزة في أعماق الوسط، وينسب فريدمان إلى الكاتب «لاري دياموند» الخبير السياسي في جامعة ستانفورد قوله: إن لدينا حزبين مفلسين أسهما في إفلاس البلاد، مضيفاً: ان نظام الحزبية الثنائية في الولايات المتحدة هو نظام متحجر غير متكامل وعديم الإبداع وتنقصه الشجاعة وعاجز عن مقارعة ومعالجة المشكلات التي تعانيها أميركا.

الدستور الأميركي وهو من أرقى الدساتير حول العالم قولاً يحتم «ان تتجاوز أميركا الاختلافات الاثنية والحواجز اللغوية أو الانقسامات الدينية، ويجعل من المهاجر الجديد في مستوى قانوني؟ كما أحفاد الآباء المؤسسين، فإن ذلك كله يبدو مؤخراً أضغاث أحلام سرعان ما يستفيق منها المرء، فلا يجد دولة ثقافة واحدة أو نظام سياسي أو قواعد سياسية بعينها ولن يجد إلا أميركا لا تنطق بغير الأميركية ولا مجال في جنباتها للصينية أو العربية ولا حتى الاسبانية».

وإذا كانت حرية العبادة مكفولة دستورياً فان الإرث الظاهر الذي يعلن عن نفسه هو ارث مسيحي يهودي يمكن ان يجمع الكاثوليك مع اليهود شريطة ان يكونوا كاثوليك من الصول أوربية؟ أما الكاثوليك من أصول اسبانية وهم الأكثرية فلا مجال لهم في الحياة الروحية إلا هامشياً، أما عن العرب والمسلمين فلا تسل.

حكماً باتت هناك حالة من الرفض لدى الرجل الأبيض لكل الأعراق الأخرى، وقد كانت حركة الشاي التي لعبت دوراً فاعلاً في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس رابضة خلف البابا لكل الملونين ومنادية بان أميركا هي بلد الرجل الأبيض، بل ان البعض مثل الإعلامي الأميركي المعروف بتوجهاته المحافظة والمتشددة «غلين بيك» لم يتردد ان يقود المظاهرة الحاشدة التي نظمتها الحركة في واشنطن وردد عدد كبير فيها شعارات ضد الرئيس باراك أوباما وفي خطبته للجماهير قال «إن أميركا بدأت تعود إلى الله بعد سنوات مشت فيها في الظلام»، أما شريكته سارة بالين فقد دعت إلى «استرداد أميركا واستعادة شرفها».

مخاوف الرجل الأبيض اليوم تتسارع بعد ان أشارت آخر إحصائيات للسكان ان حوالي 12 ولاية أميركية غالبية سكانها من المهاجرين الأسبان أو من الملونين السود أو العرب أو المسلمين وان الوضع إذا استمر على هذا المنوال فإن الأميركيين ال WASP أي أصحاب الأصول الانجلوساكسونية البيض البروتستانت سيضحون بحول العام 2040 أي خلال ثلاثين عاماً تقريباً أقلية لا يزيد عددها على 30٪ من سكان الولايات المتحدة.

هل نحن على مشارف أميركا أخرى؟ أغلب الظن ان حملة الرئيس باراك أوباما التي ستنطلق عما قريب لترشيحه لولاية ثانية ستكون منعطفاً خطيراً لتحديد مستقبل أميركا فإما ان تنتصر لروح الآباء المؤسسين من عدالة وحرية ومساواة أو تنهزم في داخلها أمام تيارات العنصرية والكراهية، منقسمة فرقاً وشيعاً وجماعات دون أن تغفل ان كل بيت ينقسم على ذاته يخرب وان كل مملكة تنقسم على ذاتها لا تثبت.

=======================

لبنان تحت حكم الحزب الواحد؟

علي حماده

النهار

30-1-2011

باتت المعلومات عن الانقلاب الذي أدى الى تطيير ما كان يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" و من بعده الى ادارة معركة التكليف على مستويي الارض (التهديد بالسلاح) والضغط بالسياسة بما يعيد بالذاكرة الى معركة التمديد سنة 2004 – باتت المعلومات متوافرة بالكامل ان لجهة الترتيب الذي جرى بين الرئيس المكلف والقيادة السورية ومعها قيادة "حزب الله"، او لجهة استكمال انتقال من زعموا انهم اختاروا "المنزلة بين المنزلتين"، او حتى بالنسبة الى رئاسة الجمهورية التي عاشت بضعة أيام في أجواء "تونسية".

ووفق المعلومات المتوافرة ان مباشرة او بالتقاطع فإن "الانقلاب" لاخراج "ثورة الارز" من آخر موقع في الحكم ما أتى مدفوعا بالاحداث المتسارعة، بل في إطار التعجيل في عملية نقل لبنان من موقع الى موقع، والبناء على الانتقال للتفاوض على مرحلة مقبلة يكون فيها الاستحواذ على "تفويض" خارجي بلبنان أكثر يسرا بناء على الواقع الجديد الذي فرضه تحالف يمتد من طهران الى دمشق، وقد وجد لنفسه موطئ قدم في التركيبة اللبنانية عبر شخصيات كانت معتبرة في مرحلة من المراحل بمثابة الودائع الرمادية التي جرى فرضها في فترة الاختلال التي عكستها المصالحة العربية السعودية - السورية. وهذه المصالحة وما استتبعها يجب ان تدرس بعناية للنظر في مواضع الضعف من جهة، وفي الهدايا المجانية التي قدمت الى دمشق وما كانت تنم عن معرفة وادراك بما يهجس به السوريون عندما يكون لبنان موضوع التسوية.

أيا يكن من أمر، فإن الامر قضي بالقانون، تماما كما قضي موضوع التقيّد بالقانون ووفق الدستور الذي كان جرى تعديله قبلا. فاخراج "ثورة الارز" من الحكم، ومهما قيل فيه، جرى قسرا و بوسائل لا تختلف كثيرا عن التمديد. والتلويح عبر شهور بحل امني - عسكري يقدم عليه الفريق المسلح المسمى جوازاً مقاومة قلب الحياة السياسية اللبنانية بحيث صار السلاح بعد غزوات 7 و11 ايار 2008 في قلب المعادلة السياسية عاملا مؤثرا، بل محددا لكل حراك سياسي، او معوقا لاي ترجمة سياسية حرة لنتائج صندوقة الاقتراع. والامر لا يقتصر على مواقف النائب وليد جنبلاط وحده بل على مجمل الخريطة السياسية في لبنان.

جرى تكليف رئيس جديد تشكيل الحكومة المقبلة التي لن تكون أكثر من واجهة لحكم الوصايتين الخارجية والداخلية على لبنان. والمشكلة حقا لا تتوقف عند شخص الرئيس المكلف الخارج من صف رجال الاعمال الطموحين، بل عند رمزية الاتيان به كممثل لمصالح الحكم السوري في لبنان ولتطلعات "حزب الله" في التركيبة اللبنانية على حد سواء. وهو في طريقة الاتيان به، والشروط التي وضعت صراحة او مواربة أعجز من أن يتجاوز الدور المحدد له بحراسة هذه المصالح وتلك التطلعات لأنه يعرف ما من قوة كانت اتت به رئيسا للحكومة لو اقتصر الامر قياسا على قاعدته التمثيلية الشعبية او النيابية.

مسموح للرئيس المكلف ببعض الاجراءات التخديرية، او ببعض "الانجازات" المرحلية لحرف الانتباه عما وعمن يقف خلف المعطى الجديد في الحياة السياسية اللبنانية. ولكن الملفات الساخنة لن تكون في متناوله، ولن يسمح له بأكثر من التلطي خلف ما يسمى "الحوار" دفعا للحرج، وكسبا للوقت. وفي الاثناء يمضي لبنان بحراسة الرئاسات الثلاث المستسلم بعضها، والمتواطئ بعضها الآخر، والمستعجل بعضها الثالث في الانحدار نحو نظام الوصايتين الخارجية والداخلية، وفي نهاية الامر ستقف البلاد عند محطة نظام حكم الحزب الواحد (حزب الله) يوم تهب على سوريا "رياح" تونس ومصر، وستهب.

ان الطموح السياسي مبرر، لا بل جزء من الحياة السياسية في كل بلد. ولكن دون الطموح الثمن الباهظ الذي سيدفعه اللبناني في مستقبله ومصيره، وخصوصا ان الطامح، اي طامح مستعجل لن يكون أكثر من واجهة "لطيفة" للمخفي… وهو أعظم!

وحبذا لو اننا مخطئون!

======================

السودان بين حقائق الجغرافيا والديموغرافيا

المستقبل - الاحد 30 كانون الثاني 2011

العدد 3898 - نوافذ - صفحة 13

نبيل السهلي

تعد الجغرافيا السياسية واحداً من الموضوعات الشائكة في الدراسات الجغرافية بشكل عام والسودان بشكل خاص، لأنها تمثل خط التماس مع صانع القرار السياسي والقائد العسكري في توجيه سياسة الدولة وبالنسبة للسودان فقد برزت قضايا عديدة في صراعه الجيو- سياسي، حيث يمكن تلخيص بؤر التوتر بالنقاط التالية؛ الجنوب؛ وجبال النوبة؛ وجنوب النيل الازرق؛ اضافة الى اقليم دارفور الملتهب في الصراعات منذ عدة سنوات. ولأن السودان يستأثر ويزخر بمخزون هائل واستراتيجي زراعي؛ وثروات متنوعة تشد أنظار الطامعين باتجاهه؛ لجهة تفتيته ومحاولة الانقضاض على تلك الثروات والسيطرة عليها.

مراحل سياسية هامة في تاريخ السودان

لن نذهب بعيداً في رصد تطور التاريخ السياسي للسودان؛ بل سنكتفي باطلالة عامة على تاريخ السودان السياسي منذ الاستقلال؛ ففي الفاتح من كانون الثاني من عام 1956 تم إعلان استقلال السودان. وفي السابع عشر من تشرين الثاني من عام 1958 حدث انقلاب الفريق ابراهيم عبود. وفي 21 تشرين الأول 1964 قامت الثورة التي قادتها جبهة الهيئات، وترأس حكومتها سر الختم الخليفة. في 25 أيار 1969 قام جعفر نميري بانقلابه ضد حكومة إسماعيل الأزهري. في 19 تموز 1971 قام الحزب الشيوعي بتدبير انقلاب ضد نظام مايو لكنه فشل وتم تحويل قادته للمحاكمة. وفي يوم الجمعة الثاني من يوليو 1976 قامت الجبهة الوطنية لمقاومة نظام نميري انتفاضتها في العاصمة الخرطوم بقيادة العميد محمد نور سعد، وبعد فشل الانتفاضة تم القبض عليه وإعدم. في عام 1983 تم تكوين الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب واندلعت المعارك العنيفة. في نيسان 1985 قامت الانتفاضة التي اسقطت نظام مايو وتشكلت حكومة انتقالية لمدة عام، وبعد ذلك تم تسليم السلطة للحكومة المنتخبة بقيادة الصادق المهدي. وفي الثلاثين من حزيران 1989 قامت الجبهة الإسلامية بانقلابها ضد الحكومة المنتخبة. وتولى عمر بشير حكم السودان. وفي الثلاثين من حزيران 1989 جاء انقلاب الفريق عمر حسن البشير مدعوماً من الجبهة القومية الاسلامية، ورئيسها الدكتور حسن الترابي. وفي آب 1993، توترت العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية التي وضعت الخرطوم في قائمة الدول الداعمة للارهاب وفرضت عليه حصاراً غير مباشر أدى إلى نشوء ضائقة إقتصادية في البلاد. وفي كانون الثاني 1994 نزح أكثر من 100,000 شخص من سكان الجنوب باتجاه أوغندا البلد الذي يدعم قوات قرنق انذاك. وفي الثاني من أذار 1996 أسفرت الانتخابات التشريعية في البلاد عن فوز الدكتور حسن الترابي ليترأس المجلس التشريعي وليدعم الرئيس البشير في سياسته الاسلامية. وفي العشرين من آب عام 1998م قامت الولايات المتحدة الأميركية بقصف معمل "الشفاء للأدوية" في الخرطوم مدعية بأنه معمل للمواد الكيماوية وذلك في رد على الإرهابيين "كما أسمتهم" بعد تفجير سفارتيها في السابع من آب في كل من نيروبي ودار السلام، وقد استنكر الهجوم رؤساء الدول العربية وبعض الدول الأجنبية. وفي عام 2000 أعيد انتخاب الرئيس عمر البشير لولاية ثانية وتم تشكيل مجلس نيابي جديد. وتعتبر عملية الاستفتاء على انفصال جنوب السودان التي انطلقت يوم الاحد التاسع من يناير 2011 حدثاً مفصلياً في تاريخ السودان الحديث؛ حيث سيكون لانفصال الجنوب تداعيات سياسية واقتصادية مباشرة على مستقبل السودان؛ خاصة وان الجنوب يستأثر بطاقات مادية كبيرة فضلاً عن استحواذه على أكبر من ربع مساحة السودان.

بعد الاطلالة على بعض تواريخ السودان منذ الاستقلال، لابد من اظهار بعض المؤشرات الجغرافية والبشرية عن السودان؛ حيث تصل مساحته الى 2,505 مليون كيلومتر مربع؛ وقدر مجموع سكانه في عام 2010 بنحو 43 مليون نسمة؛ يشكل سكان الجنوب نحو عشرين في المئة من اجمالي السكان؛ اي نحو 8,6 مليون نسمة في الجنوب؛ ويشكل الاطفال أكثر من خمسين في المئة من السكان؛ أي ان المجتمع السوداني مجتمع فتي وفق المقاييس الديموغرافية العالمية؛ وتبلغ مساحة جنوب السودان نحو 700 ألف كيلومتر، أي ما يعادل 28 في المائة من المساحة الكلية للسودان. وللجنوب حدود تمتد إلى 2000 كيلومتر تقريباً مع خمس دول هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وافريقيا الوسطى. ومن المؤشرات الاقتصادية ذات الدلالة الناتج المحلي الاجمالي للسودان الذي وصل الى نحو 55 مليار دولار في عام 2009؛ واشارت احصاءات البنك الدولي الى ان دخل الفرد السوداني من الناتج قد بلغ بالمتوسط 1220 دولاراً سنوياً؛ وقد أرهقت الديون المتراكمة على السودان والتي تصل الى 36 مليار دولار، الاقتصاد السوداني؛ وتعتبر التنمية البشرية منخفضة في السودان بشكل عام؛ حيث لا يتعدى العمر المتوقع للفرد 56 عاماً. في مقابل ذلك وصل معدل القراءة والكتابة بين الكبار 46 في المئة بين مجموع السكان الذين يتجاوزون الخامسة عشرة من العمر.ومن الاهمية بمكان الاشارة إلى ان السودان بات ينتج النفط منذ عام 1999. وتشير الدراسات الى انه استخرج 500 الف برميل يومياً خلال السنوات الاخيرة؛ وخاصة من وسط السودان وجنوبه، ويصدر ثلاثة ارباعه الى دول العالم وخاصة الى الصين. ويصدر السودان القطن، كما يحتل المرتبة الأولى بين الدول المنتجة للصمغ العربي في العالم. ويشتهر السودان بخصوبة أراضيه، وتقع أفضل الأراضي الزراعية في الجنوب. لكنها غير مستغلة، ما يجعل هذه المنطقة تعتمد بالكامل على المساعدات الدولية. ويتبوأ النفط صدارة الموارد التي يعتمد عليها الجنوب بشكل أساسي بنسبة تتجاوز 90 في المئة. واللافت أن السودان ينتج حالياً كما اشرنا سابقاً نحو 500 ألف برميل يومياً من النفط يستخرج 80 في المئة منه من الجنوب. وأهم المناطق المنتجة لنفط الجنوب هي بانتيو في ولاية الوحدة، وعد أرييل وفلج في ولاية أعالي النيل. ومن المحتمل ان يشهد الاقتصاد السوداني أزمات حقيقية في حال تم انفصال الجنوب. خاصة وان 90 في المائة من صادراته هي من النفط الخام الذي يتم استخراج القسم الاكبر منه من جنوب السودان؛ ويعتبر ذلك من أهم تداعيات عملية انفصال الجنوب عن السودان على المستوى الاقتصادي في المدى البعيد.

جنوب السودان في العين الاسرائيلية

سلطت وسائل الاعلام الاسرائيلية أخيراً الضوء على ضرورة وأهمية بناء علاقة متميزة مع جنوب السودان مستقبلاً؛ نظراً لاستحواذه على النسبة الكبرى من النفط في السودان من جهة، فضلاً عن وجود مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية غير المستثمرة في الجنوب. ويرى اقتصاديون اسرائيليون بأن تلك المنطقة يمكن أن تكون سلة الغذاء المستقبلية لاسرائيل في حال تمت عملية بناء لشبكة علاقات اقتصادية وسياسية متميزة مع جنوب السودان؛ وفي هذا السياق يمكن القول بأن اسرائيل تتمتع بتقنيات زراعية متطورة استطاعت من خلالها القيام باستثمارات زراعية ضخمة في بعض الدول الافريقية وبالتالي النفاذ لبناء شبكة واسعة من العلاقات التجارية والسياسية مع تلك الدول مكنتها من الزحف شيئاً شيئاً باتجاه منابع النفط ومصادر المياه في القارة الافريقية في آن معاً.

======================

ليسوا جوعى ولم يخرجوا للعنف والتخريب

ياسر الزعاترة

الدستور

30-1-2011

الذين امتلأت بهم شوارع القاهرة والسويس والمنصورة ودمياط وسواها من المدن المصرية طوال الأيام الماضية لم يكونوا جوعى ، بمن فيهم الشهداء والجرحى ، تماما كما كان حال متظاهري تونس ، فمن يعرفون "الفيسبوك" و"تويتر" لن يكونوا بالضرورة من الجوعى ، وأجزم هنا أن معظم معدمي القاهرة من سكان العشوائيات والمقابر لم يكونوا بين المتظاهرين ، ربما لأن بعضهم لا يملك أجرة تاكسي للوصول إلى الشوارع الكبيرة التي تناسب الاحتجاج ، وربما لأنهم منهمكون في مطاردة لقمة العيش ، مع أن كثيرا منهم سينضمون لاحقا إلى مسيرات الاحتجاج إذا بقي الحال على ما هو عليه.

نعم ، الذين ملأوا الشوارع في مصر المحروسة لم يكونوا من الجوعى حتى يعدهم السيد الرئيس بتحسين رغيف العيش لكي يكون مناسبا لاستهلاك البشر ، أو الحد من الطوابير الطويلة من أجل الحصول عليه. كما أنهم لم يكونوا من دعاة العنف والتخريب كي يعيد على مسامعهم مرارا وتكرارا مقولة أنه لن يسمح بالتخريب وتهديد مؤسسات الدولة.

الذي حموا بأجسادهم المتحف الوطني كانوا من الشبان المتظاهرين ، فيما كان الذين هاجموه ونهبوا وسرقوا هنا وهناك من البلطجية الذين يؤتى بهم غالبا لمواجهة المتظاهرين في مناسبات شتى ، وهم ذاتهم الذين يستخدمهم الحزب الحاكم في الانتخابات. وهؤلاء لا يمارسون التخريب من تلقاء أنفسهم ، بل يُطلب منهم أن يفعلوا ذلك لكي يشوهوا صورة الاحتجاجات السلمية ، ويبرروا تبعا لذلك قسوة الأمن في التعامل معها.

هل كان أعضاء مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين ، والآلاف من عناصر الجماعة والنشطاء الآخرين (الاحتجاجات كانت عامة وشارك فيها الجميع) ، هل كانوا متلبسين بالتخريب حين اعتقلوا ، وأين هو السماح بالاحتجاج السلمي الذي تحدث عنه السيد الرئيس في خطابه؟، هل كان الصحافيون المصريون والأجانب الذي ضُربوا ولوحقوا من دعاة العنف أو التخريب ، وهل كان رجال الشرطة باللباس المدني الذين التقطتهم الكاميرات وهم يضربون الناس بالعصي والهراوات ينفذون التعليمات أم يتصرفون من تلقاء أنفسهم؟،.

في خطابه ، لم يتحدث الرئيس سوى عن الفقر والبطالة والفساد ، فيما وردت عبارة الإصلاح السياسي والاجتماعي مرة واحدة عبر ضمها إلى الإصلاح الاقتصادي. حدث ذلك رغم أن البعد السياسي هو الذي أخرج أولئك الشبان قبل أي شيء. فهذا الجيل المثقف الذي قرأ ويقرأ ويتابع ما يجري في الكون يعرف مثلا أن إمبراطور الحديد والصلب الذي يملك أكثر من ثروات ملايين المصريين ، لن يكون معنيا بمقولة محاربة الفساد ، وأنه لولا الوضع القائم بكل تفاصيله لما كان بوسعه أن يفعل ذلك.

إنهم يعلمون ويدركون أن السياسة هي الأصل ، وإن بلدا يفوز فيه الحزب الحاكم بجميع مقاعد مجلس الشعب والشورى والبلديات لن يكون سوى مرتع للفساد ، أيا يكن الحاكم ، فضلا عن أن يكون قادته من رجال الأعمال ، بل من أكثر رجال الأعمال جشعا في كثير من الأحيان.

إنهم يتوقون إلى الحرية والتعددية وحقوق الإنسان التي يقرأون عنها صباح مساء ، ويعلمون تبعا لذلك أنه من دونها ستبقى دعوات مكافحة الفقر والبطالة والفساد مجرد شعارات سمعوا عنها منذ أن بدأوا يفهمون معنى الكلمات ، لكن الوضع ما لبث يزداد سوءا على سوئه القديم ، لأن الفاسدين لا يشبعون ، بل يواصلون النهب ، فيما يفرخون جيلا جديدا من أمثالهم.

لم يتحدث الرئيس عن الانتخابات التي فاز فيها الحزب الحاكم بكل المقاعد ، ولم يتحدث عن الحرية ، ولم يتحدث عن السبب الذي يدفعه إلى رفض تعيين نائب له منذ ثلاثة عقود ، ولا عن التوريث ولا عن أي شيء يمت إلى السياسة المباشرة بصلة.

أما إقالة الحكومة ، فلم تكن هدف المتظاهرين ، بل تغيير الوضع برمته ، إذ أية حكومة سيفرزها حزب طالما شكل حكومات لم تغير من الواقع القائم شيئا ، فيما يعلم الجميع أن في الحزب رجال أقوى من رئيس الحكومة وأعضائها وأكثر تأثيرا بكثير.

خلاصة القول ، أن متظاهري تونس ومصر والدول الأخرى هم جميعا من ذات اللون التواق إلى الحرية والتعددية والعدالة ، وحين تتوفر هذه سيكون بالإمكان الحديث عن الحرب على الفقر والبطالة والفساد ، أما قبل ذلك فالوعود كلها ستتبخر ولن يزداد الوضع إلا سوءا.

جماهير الأمة عرفت طريقها ، ولن تسمح باستعبادها بعد اليوم حتى لو أطلقوا عليها الرصاص الحي وليس المطاطي أو القنابل المسيلة للدموع فقط ، وقد بدأت المتوالية ولن تتوقف حتى يستعيد الناس حاضرهم ومستقبلهم المسروق من قبل فئات هيمنت على السلطة والثروة ودمرت كل شيء من أجل مصالحها ، ومصالحها فقط.

=======================

الدرس التونسي..

علينا تحويل التديّن الفطري البسيط إلى تديّن فعلي نشيط

بقلم: د. عصام العريان

الأمان 28/1/2011

ما زالت الأحداث تتوالى في تونس يوماً بعد يوم، وما زال الشعب هو صانع الأحداث، ويد الله تُحرِّك الجماهير، والمشهد اليوم يُعبِّر عن حالة «عدم الاستعداد لما بعد الانتفاضة» والخوف من «سرقة ثورة الشعب».

دروس الثورة التونسية كثيرة ومتعددة، والعبرة بها لأولي الأبصار واسعة وممتدة، ولنا في آيات القرآن العظيم التي تُبيِّن سنن الله في المجتمعات، وفعل الله في الظالمين، النور الهادي إلى سواء السبيل.

يقول الله تعالى: {وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} فاطر: 43، ويقول تعالى: {فَانظُرْ كَيْفَ كانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعينَ. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمونَ} النمل: 51-52. سنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْديلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} فاطر: 43.

الدروس لا تنقطع، وقد سالت أنهار كثيرة من الحبر، وقرأنا صُحفاً عديدةً من التحليلات، واستمعنا إلى حوارات متواصلة حول الأحداث والثورة، وصدقت توقعات وخابت أمنيات، وما زالت جعبة القدر تُفاجئنا بالكثير، وهذه الدروس واضحة للعيان أمام كل الأطراف الفاعلة أو المراقبة.

الشعوب عليها أن تتحرك دفاعاً عن حريتها وكرامتها وحقوقها، وليس طلباً فقط لحاجة البطون ولستر العورات، وعليها ألا تنتظر مَن يقودها طويلاً، وعليها ألا تخشى القبضة الأمنية الباطشة ولا الجيوش التي تتترس بها النظم الحاكمة.

وعلى الحكام أن يدركوا أن الاستقرار الظاهري دون أسس حقيقية وهْم كبير، وأن التقارير التي ترفعها الجهات المحيطة بهم لا تُعبِّر إلا عن أمنياتهم هم بعيداً عن الواقع الذي لم يعد خافياً على أحد، وأن القوى الخارجية التي يعتمدون عليها لن تغني عنهم شيئاً أمام غضب الجماهير الثائرة، حتى الجيوش والقوات البوليسية التي ينفقون عليها المليارات لن تجديَ شيئاً أمام حركة الشعوب، والسبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن للجميع هو الإصلاح الجاد والحقيقي.

أما النخب العربية فقد كشفتها أحداث الثورة التونسية، فقد مارست أكبر عملية خداع للشعوب التي اكتشفت ذلك بعد ربع قرن من الزمان، وأصبحت في وادٍ والناس في وادٍ آخر، نخب متغرّبة متصهينة متأمركة لا تُعبِّر عن هوية الأمة ولا عن مصالحها، تدَّعي العلم والمعرفة وتمارس الخداع والكذب.

الدرس التونسي للحركات السياسية وبالذات للحركة الإسلامية بالغ الأهمية، فهي الأقرب إلى الناس، وهي التي عمل النظام التونسي وقلَّده معظم النظم العربية بدرجات متفاوتة على إقصائها وتهميشها وعزلها ونفيها وتشريدها أو سجنها لمدد متطاولة، وهي التي ما زال بعض أركان النظام السابق وأبواقه الإعلامية في العالم العربي تمارس تضليلاً واسع النطاق للتخويف منها والتحذير من إطلاق حريتها.

أول ملامح ذلك الدرس هو أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً، وأن رحمة الله قريب من المحسنين.

فقد جاء الفرج لحركة النهضة ولكل الإسلاميين التونسيين من حيث لا يحتسبون بعد معاناةٍ طويلةٍ لربع قرن من الزمان.

خرج المعتقلون من السجون، وسيعود المنفيون المشرّدون في الأرض إلى ديارهم، وسيحصلون إن شاء الله على حقهم في التنظيم والتعبير والحركة والنشاط، وسيُقبل عليهم الناس بنظرتهم السليمة ووعيهم العظيم.

عليهم أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينتقموا لأنفسهم قط، ولا يشمتوا في أحد، وأن يغلّبوا المصالح العليا للبلاد والعباد فوق أية مصالح خاصة، شخصية أو حزبية، وأن يمدوا أيديهم إلى الجميع وفق قواعد عامة للعمل من أجل تحقيق آمال التونسيين:

- للانتقال من حال الاستبداد إلى حال الحرية.

- والعمل على قطع الطريق على كل العابثين الذين يريدون إشاعة الفوضى في البلاد لمنع الشعب التونسي من قطف ثمار ثورته.

- ولتخويف الشعوب العربية من الاقتداء بحركة الشعب التونسي العظيمة.

- ولرسم سياسة جديدة لتونس تعيد إليها هويتها العروبية الإسلامية الوسطية المعتدلة، مع مشاركة كل القوى الفاعلة، متجاوزين الخلافات الإيديولوجية أو الفكرية.

لستُ هنا في معرض الموجِّه أو المنظِّر لإخواننا الصامدين في تونس وخارجها، ولكنه واجب النصيحة من مسلم يحب إخوانه ويأمل الخير لهم ولبلدهم، وهم أدرى مني ببلدهم وحاجاتهم، هي آمال وعِبر تصلح للإسلاميين في كل مكان.

نتمنى على إخواننا الأحباب أن يستفيدوا من تجارب الآخرين ومراجعاتهم، خاصةً في البلاد التي قادها إسلاميون أو شاركوا في حكمها.

أما الإسلاميون خارج تونس فلهم دروس وعبر وعظات كثيرة..

- علينا أن نهتم أكثر وأكثر بالناس، بهمومهم ومشاكلهم، بآمالهم وأمنياتهم، وأن نحسن التعبير عنهم وحمل مطالبهم.

- علينا أن نُدرك أن محاضن التربية التي تعتمدها الحركة الإسلامية إنما جُعلت للإعداد للنشاط العام وسط الناس، وإذا لم تؤدِّ ذلك الدور فيجب مراجعة ما ننشغل به فيها، من مناهج ونقاش، وحوار وخطط.

- علينا أن نُحيي في نفوس الشعوب طاقة الإيمان الجبَّارة، وأن نقوي صلتهم بالله الواحد القهَّار، وأن نُعلِّمهم أن الإسلام جعل العبادات لهدفٍ نبيلٍ هو إيجاد قيم العدل والقسط ومقاومة الظلم والدفاع عن الكرامة الإنسانية والمساواة بين الناس، والحرية للإنسان الذي لا يسجد إلا لله وحده ولا يُطأطئ رأسه خنوعاً لمخلوق مهما كان.. «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!».

- علينا أن نشارك الجماهير من اجل إنقاذ العباد من الظلم والفساد والاستبداد، مع احتفاظنا بهويتنا وبرنامجنا, وذلك استعداداً للتنافس الشريف في نظامٍ حرٍّ ديمقراطي يسعى فيه الجميع على ثقة الناس.

- علينا أن نستعد مع الجميع لمرحلة انتقالية آتية لا ريبَ فيها بعد أن تنجلي ظلمات الاستبداد والفساد والظلم والطغيان التي رانت على بلادنا العربية والإسلامية، نتنفس فيها معاً نسيم الحرية والكرامة والعدل للجميع، مرحلة إذا أحسنا العمل من أجلها فستكون قصيرة ولا يطول بنا وبالناس الانتظار.

الدرس التونسي عظيم، وهي أولى ثورات القرن العشرين الميلادي، وستثبت للجميع أن العرب والمسلمين قادرون رغم كل الضغوط على صنع التاريخ، وبناء المستقبل وغرس الآمال للأجيال في الثقة بالله القادر على كل شيء.

======================

باراك نموذجا للإسرائيلي المتطرف

د. أسعد عبد الرحمن

الرأي الاردنية

30-1-2011

منذ «الانقلاب الانتخابي» 1977 في إسرائيل، بدأ تراجع حزب «العمل» ببطء حتى سجل أسوأ نتيجة في تاريخه بقيادة (ايهود باراك) في الانتخابات التشريعية الاخيرة (13 نائبا من أصل 120). ومع كون تصنيف الأحزاب الإسرائيلية الى «يسار» و»يمين» تصنيفا مضللا، فان انهيار «اليسار» الإسرائيلي ممثلا في «العمل»، مقابل تعاظم قوة اليمين ترجع لعوامل عديدة أهمها كون المجتمع السياسي الإسرائيلي لم يعد يلمس فروقا أيديولوجية بين أحزاب اليسار واليمين. ولعل الدليل على ذلك هو الشراكة الحقيقية الحالية في الائتلاف الحكومي بين (بنيامين نتنياهو) و(باراك) بوجود (افيغدور ليبرمان). كذلك، ومن ناحية أيديولوجية، يجمع اليسار واليمين على «قيمة» الاستعمار/ «الاستيطان» وعلى أن «القدس الموحدة» عاصمة لإسرائيل وأنه لا عودة للاجئي 1948، بل إن ذلك «اليسار» هو «الطبيب» الذي زرع «سكين» جدار الفصل العنصري في «قلب» الضفة الغربية.

ومع انسحاب (باراك) من «العمل» وتشكيله حزب «الاستقلال» للبقاء في السلطة، شن المحللون الإسرائيليون حربهم عليه معتبرين أن «العمل» الذي أقام «إسرائيل» لم يمت عندما انسحب منه بل بدأ منذ ترؤسه الحزب في حزيران/ يونيو 1997! ويضيف آخرون أن (باراك) حينها لم يتسلم حزبا في وضع جيد وبدأ يهدمه بمنهجية، كما يقول (عاموس كرميل): «وقف على رأس كيان سياسي شائخ، بعض من جذوره (المبايية) ضاعت منه قبل وقت طويل من انخراطه فيه، وقسم آخر بقي ملتصقا (بالحزب) ولكنه لم يكف عن إثارة العفن، الخمول، والنبذ الانتخابي». فيما يقول (جدعون ليفي): «لقد دخل اليسار الإسرائيلي مثل فيروس الدودة قبل 15 سنة وبدأ الفتك به من الداخل. أمس أتمّ عمله: فقد جعل إسرائيل رسميا هي الدولة الوحيدة في الغرب، باستثناء الولايات المتحدة، من غير حزب عمال ومن غير حزب اشتراكي ديمقراطي ومن غير يسار»! ويتابع (ليفي) متخوفا: «قولوا منذ الآن: في إسرائيل يمين قومي فقط ذو أسماء مختلفة عجيبة. فثمة الليكود، وكاديما، وشاس، واسرائيل بيتنا، والاتحاد الوطني، والبيت اليهودي، وأضف إليها حزب الاستقلال (الباراكي)».

منذ أن خسر «العمل» رئاسة الحكومة في شباط/ فبراير 2001، فقد الحزب تميزه المحدود في طروحاته السياسية إسرائيليا. فوجدنا كتلة «العمل» في حكومة (أرييل شارون) الأولى (2001- 2003)، تتماشى مع توجهاته المتطرفة، بل وتقف على يمينه أحيانا، على غرار ما فعله وزير «الدفاع» في حينه (بنيامين بن إليعازر) الذي فاز برئاسة حزبه لعدة أشهر. وجرت محاولات كثيرة للنهوض بالحزب مجددا، وتوالى على رئاسته خلال خمس سنوات ونصف السنة، ثمانية رؤساء. إلا أن أيا من هؤلاء الرؤساء لم ينجح في انتزاع الحزب من الخانة التي غرق فيها في الحلبة السياسية، «فحزب الظل» هذا، بقي تابعا وليس مبادرا في حكومتين لشارون، وثالثة مع (إيهود أولمرت)، وأخيرا تابعا في حكومة (نتنياهو)، حيث أكد (باراك) في خطاباته، منذ أن وصل إلى وزارة «الدفاع»، أنه يقف عن يمين الحكومة، وليس من دليل على ذلك سوى شعور الادارة الاميركية بالغضب والاحباط منه لمبالغته في الحديث عن دوره في عملية «السلام» وقدرته على اقناع (نتنياهو) بالاستمرار فيها، وأنه قام بتضليل «الرئيس الاميركي ووزيرة الخارجية ومسؤولين آخرين في الادارة الامريكية بشأن قدراته (السلمية) هذه»!

يقول (نداف هعتسني) في مقال حديث له: «أجل، يصعب أن نقول كلمة خير واحدة عن باراك. فهو انتهازي سياسي تقليدي، وليس له أي صلابة عقائدية ولا أخلاقية ربما، لكنه لا يختلف بهذا عن أكثر أعضاء الكنيست واللاعبين السياسيين اليوم. ومن المؤكد انه لا يختلف عن أكثر أعضاء «العمل» و»كديما» حيث الانتهازية الساخرة هناك هي اسم اللعبة». ويختم: «الأشد إقلاقا هو مصير المجتمع الاسرائيلي. إن قضية باراك تثبت مرة أخرى مبلغ كوننا خاضعين لديكتاتورية مفاهيم وأفكار تقيم عالما معياريا معوجا وكاذبا يميل الى اتجاه سياسي واحد» هو اتجاه اليمين/اليمين المتطرف، بجناحيه العلماني والديني، وطبعا بوجود (إيهود باراك).

======================

الشباب وتفاعلهم مع حال الأمة

بقلم إسماعيل الكيلاني

الرائد - العدد 273 – ذو الحجة 1431 ﻫ

تشرين الثاني / نوفمبر 2010م

الشباب دور من أدوار العمر يمر به الإنسان أثناء تنقله بين مراحل العمر المتتالية ، إذ ينتقل من الطفولة إلى الشباب ثم إلى دور الرجولة فالكهولة ..

وقد حدد مؤتمر وزراء الشباب الأول في جامعة الدول العربية المنعقد بالقاهرة عام 1969م مرحلة الشباب بأنها في الغالب ما تكون بين سن الخامسة عشر والخامسة والعشرين -يرى المؤتمرون أن مفهوم الشباب يتناول أساساً من تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة ، انسجاماً مع المفهوم الدولي المتفق عليه في هذا الشأن- وهذا يعني المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية .

وهذه المرحلة هي مرحلة البناء الفكري والنمو العقلي ، مرحلة التأثر والتأثير .

والشباب هو الدور الذي تنبني فيه العقائد والمثل ، وتتشكل فيه النفس الإنسانية والعقل البشري بحيث تكون متأهبة لأداء دورها في حمل أمانة الحياة ومسؤولية المجتمع .

فإذا فقد الشاب الهدف والانتماء تحولوا إلى طاقة مبعثرة ، تتبدد في فراغ ، وتستهلك في غير المواقع الصحيحة ، وتنتهي إلى الحيرة والقلق والتمزق والعدمية ، وعاشوا حالة من الضياع ، تسهل على أعداء الأمة احتلال نفوسهم وعقولهم وأرواحهم وأرضهم ، وإذا فقدوا الالتزام والانضباط بالمثل التي يؤمنون بها انقلبوا إلى شر محض ، يدمرون أنفسهم وأمتهم .

والشباب -عبر التاريخ- هم الذين كانوا دعاة المساوئ والمنكرات ، كما كانوا هم الجيش العرمرم لرفع ألوية الخير والصلاح .

إنّ الشباب هم أسرع اندفاعاً من الشيوخ ، وهذه الظاهرة لا تختص بعصر دون عصر ، بل عمّت العصور وشملت الدهور وقد ورد في الأثر (خذلني الشيوخ ونصرني الشباب) لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يرعاهم رعاية خاصة ، يقربهم إليه ، ويربي فيهم الشخصية الاستقلالية ، ويدربهم على نحمل المسؤولية ، ويوصي بهم خيراً ، لأن صلاحهم إذا كان مبنياً على دعائم قوية من الخلق والدين ، فسيكون للأمة مستقبل زاهر ولن يؤتى الإسلام من قبلهم .

من هنا يجب العمل على تحصيل الشباب ليتمكنوا من أداء الدور الذي يجعلهم يتفاعلون مع حال الأمة التفاعل الإيجابي من خلال الولاء لدينهم وحضارتهم وذاتيتهم ، ولا يتحقق هذا إلاّ بقيام الجميع بواجبهم نحو هؤلاء الشباب بدءاً بالأسرة وانتهاء بالمجتمع .

ويكون ذلك :

1-        تأصيل الشورى -كما شرعها الإسلام- والتدريب عليها ضمن الأسرة والمسجد والمدرسة ونحو ذلك .

2-        الحياة ضمن أطر جماعية ضرورة تربوية يتم فيها التدريب على الأعمال المشتركة ، حيث تنمو الروح الجماعية ، وتتحقق القيم الإسلامية من الأخوة والإيثار والتراحم والإحساس والتعاون ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة البنيان الذي يشيد بعضه بعضاً ، والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .

3-        تنمية فكرة الاحتساب والإحساس بالمسؤولية ، وأن أعظم أهدافه : (تغيير الناس وهدايتهم وحب الخير لهم « لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ » رواه البخاري .

4-        مرحلة الشباب ليست مرحلة للجنس فقط ، بل مرحلة للتكاليف والمسؤوليات ، ومرحلة للنمو الجسدي والعقلي ، فإذا تعهدت التربية هذه الطاقات بالتوجيه والرعاية ضمن برنامج يوجه عاطفة التدين وحاجات العقل في العلم والمعرفة ، وطاقات الجسد بالتربية الرياضية ، كان ذلك كله تغطية للفراغ الذي يمكن أن يحس به الشباب ، كما أن التربية على معاني العفة والطهارة والنقاء والسمو الروحي مما يجنبهم كثيراً من المزالق والمحاذير .

5-        الخطأ وارد « كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ ... » رواه ابن ماجه والدارمي ، والتصويب والرعاية والأخذ باليد هو الأصل ، قول الرسول صلى الله عليه وسلّم للشباب الذين ظنوا النجاة في التشديد على النفس ومخالفة الفطرة « ... فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي » رواه البخاري ، وطلب الإيغال في الدين برفق ويسر واعتدال .

6-        القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في البيت والمجتمع ، إلى جانب تعويدهم على اتخاذ الأنبياء المعصومين ، وجيل الصحابة محلاً للأسوة والاقتداء :

أ‌- إبراهيم عليه السلام - البحث عن الحقيقة والصبر على الابتلاء

ب‌-       يوسف عليه السلام - العفة والطهارة

ت‌-       موسى عليه السلام - القوة والأمانة

ث‌-       فتية الكهف - التماسك والاستقلالية وعدم الذوبان في مجتمع الانحراف

ج‌-        محمد صلى الله عليه وسلّم - خاتم الأنبياء الذي تلتقي عنده خصائص النبوة والتجربة الإنسانية ليكون خير أنموذج للشباب في الأسوة والقدوة :

(( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرِ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )) [الأحزاب : 21]

7-        تنمية الروح الجماعية باستشعار الأخوة في الله ، والمحبة فيه ، وهي التي إن توافرت لدى الشباب تمثلت :

ـ الاهتمام بأمور الأمة وكأنها أمور شخصية ، روى البيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : « من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم » .

ـ نصرة المسلمين في كل مكان من الأرض ، قال تعالى : (( ... وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ... )) [الأنفال : 72] .

ـ الولاء لله تعالى وحده دون سواه ، قال تعالى : (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )) [الأنفال : 55]

ـ وحدة الهدف في الحياة ، قال تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )) [الذاريات : 56]

ـ التواصي بالحق والعمل له ، قال تعالى : (( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) [العصر : 1-3] . وقال تعالى : (( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )) [الحج : 41]

وقال تعالى : (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) [التوبة : 71]

- وأخيراً لا بد للشباب أن يعيش الحقيقة بحلوها ومرها ، بأن يحس الهزيمة ويتعرف على أسبابها ، ويستخلص العبر والدروس منها ، ويستشعر التحدي الذي يستنفر همته ويشحذ فاعليته ..

فلا يقع في شراك اليأس ، أو التهرب من حمل الأمانة والشعور بالمسؤولية ، فلينطلق متوكلاً على الله تعالى باتخاذ الأسباب الكفيلة بالقضاء على حال الهزيمة والذلة التي تعاني منها الأمة -بعد الهزيمة التي أصابت المسلمين في غزوة أحد ، أذن مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلّم بطلب العدو ، وقال : « لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس » وكان هذا الخروج إرهاباً للعدو وإعلاماً أن الذي أصاب المسلمين لم يوهنهم .

وقد كان لهذا الخروج الأثر الكبير في دفع أبي سفيان عن العودة إلى المدينة المنورة ، بل وجعله يسرع باتجاه مكة قبل أن يسلب مسمى النصر الذي أحرزه ، كما أنه كان دلالة على المعنويات العالية التي كان يتمتع بها الصحابة رضي الله عنهم ، فعلى الرغم من جراحهم لم يتخلف منهم أحد .

====================

الإعلام الجاد يهزم الإعلام الأصفر بالضربة القاضية!

الأحد, 30 كانون الثاني 2011 06:55

د. فيصل القاسم

السبيل

تشهد الساحة الإعلامية العربية منذ حوالي عقدين من الزمان معركة حامية الوطيس بين نوعين من الإعلام تمثلهما الفضائيات، الأول أقل عدداً، لكنه تنويري تحريضي ملتزم يحاول استنهاض الشعوب، وفضح الأنظمة الاستبدادية ورعاتها، وإشعار الشعوب بحقوقها الإنسانية التي داستها الحكومات على مدى عقود.

أما الثاني فهو يتكاثر كالفئران، ويستنزف المليارات، ناهيك عن أنه تخديري تعهيري بامتياز لا هم له أبداً سوى تنويم الشباب العربي من المحيط إلى الخليج وإلهائه بالتفاهات الغنائية والفنية والسينمائية الهابطة كي ينعزل تماماً عن هموم أوطانه السياسية والاقتصادية الساحقة، ويهيم على وجهه.

إنه باختصار الإعلام الأصفر الذي انتشر في السنوات الماضية كانتشار النار في الهشيم، وخصصت له ميزانيات بالمليارات. فقد غص الفضاء العربي بمئات القنوات الغنائية والترفيهية الرخيصة التي عملت جاهدة على تحويل أنظار الجماهير العربية إلى الرقص والنقص والمسابقات التلفزيونية والأفلام الأجنبية، وخاصة الأمريكية، و"الهشك بشك"، كما لو أن العالم العربي حل كل معضلاته ومشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، ولم يبق أمام شعوبه سوى الاسترخاء والتنعم بمشاهدة الفضائيات الترفيهية وصحف ومجلات الإثارة التي باتت تحاصر الشعوب من كل حدب وصوب بالغث دون السمين.

وكما هو معلوم فأن أمريكا والقوى الغربية الأخرى المتحكمة بالعالم العربي منذ عقود تعمل جاهدة على تطويع شعوب هذه المنطقة وتوجيهها لخدمة المشاريع الأمريكية. ففي فترة الحرب الباردة مثلاً عمل الأمريكيون ومعهم أذنابهم على تشجيع المد الإسلامي كي يقف حائلاً أمام التوسع الشيوعي آنذاك.

وقد لاحظنا في تلك الأيام كيف كانت المليارات تذهب لوسائل الإعلام والهيئات والمنظمات ذات التوجهات الإسلامية دون أدنى اعتراض من الولايات المتحدة والغرب عموماً. لكن، ما أن سقط الاتحاد السوفياتي، وزال الخطر الشيوعي حتى راحت أمريكا تفكر بإعادة قولبة العالم العربي إعلامياً. بعبارة أخرى، بدأت تعمل جاهدة على تحويلنا إلى شعوب من الراقصين والراقصات واللاهين واللاهيات، فأوعزت إلى أزلامها لإغراق المنطقة بكم هائل من وسائل الإعلام الهابطة التي كان هدفها الأول ضرب الخطاب الإسلامي بعد طرد السوفيات من أفغانستان ليصبح ملعوناً مطعوناً.

ولا يخفى على أحد أن الهدف من إطلاق سيل من فضائيات الكباريهات هو تعميم السطحية وكسر روح المقاومة لدى الشعوب ضد الجاثمين على صدورها بدعم أمريكي وضد الاستعمار الأمريكي نفسه. فالمُميّع، حسبما كان يخطط وكلاء الموجة الإعلامية الراقصة والهابطة، لا يقاوم ولا يثور، وهو بالتالي، حسب فهمهم المتخلف، يبقى لقمة سائغة في أيدي الأنظمة وكفلائها الأمريكان.

لقد عمل نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي منذ مجيئه المشؤوم إلى السلطة قبل حوالي ثلاثة وعشرين عاماً مثلاً على تحويل تونس إلى منتجع سياحي شبه إباحي يلهو فيه السياح الغربيون، ويعيثون فساداً. وقد استلزم ذلك تحويل البلاد إلى ملهى نهاري وليلي، فأصبح الشغل الشاغل للإعلام التونسي إنتاج جيل من الشباب المائع الذي يجب أن يتركز جل اهتمامه في المطربين والمطربات والراقصين والراقصات والكاسيات العاريات كي يكون في خدمة الملهى الكبير. وقد برر النظام التونسي ذلك التوجه بأنه يريد تحديث البلاد والارتقاء بالشعب التونسي حضارياً، مع العلم أن الهدف الوحيد لذلك التوجه المفضوح هو إلهاء الشباب عن مشاكله وهموم وطنه التي راحت تتزايد بشكل رهيب في ظل نظام أمني نيو ليبرالي متوحش وساحق. ولو نظرنا إلى التلفزة التونسية أيام المخلوع بن علي لوجدناها لا تبث سوى الغث، فكل برامجها تقوم على الرقص والمواد الهابطة التي لا تشجع إلا الانحلال والإفراط في السقوط الأخلاقي، مع الاعتراف هنا بأنني لست "طالبانياً" بأي حال من الأحوال.

ولا يختلف الأمر في بلدان أخرى، فمعظم الأنظمة تقريباً وجدت في الإعلامي التعهيري ضالتها المنشودة لإلهاء الشعوب وتغييب وعيها وسلخها عن هموم أوطانها كي يطيب العيش للحكومات وأسيادها الأمريكيين والغربيين والإسرائيليين عموماً. ففي مصر مثلاً التي راح شعبها يحذو حذو الشعب التونسي العظيم، لم يأل النظام الحاكم جهداً في تعميم ثقافة الرقص والنقص، وأطلق لذلك الغرض عشرات الفضائيات المختصة في الإلهاء والتخدير والتمييع، ناهيك عن فتح أبواب مصر لعشرات الفضائيات العربية المشابهة لتفعل فعلها في أوساط الشباب المصري إفساداً وإلهاء وتسطيحاً.

من قال إن الأنظمة العربية ليست متحدة فيما بينها؟ فكما أن وزراء الداخلية العرب لم يكونوا يفوتون اجتماعاً في تونس لتنسيق سياسياتهم القمعية ضد الشعوب، فإن الكثير من وزارات الإعلام بدورها ظلت على الدوام تعمل يداً واحدة لتمييع الشعوب وإفسادها وتحويلها إلى قطعان من المائعين والساقطين، بدليل أن معظم الدول تنهج نهجاً إعلامياً إلهائياً راقصاً لعلها تكتفي شر شعوبها، ولعل تلك الشعوب تبقى مشغولة بالتفاهات والترهات الإعلامية التي يتقيؤها الإعلام العربي التعهيري ليل نهار.

لكن هيهات، فها هو السحر ينقلب على الساحر.

هاهي الشابات والشباب التونسي الذي حاول بن علي أن يجبله إعلامياً على الدلع والميوعة والضياع الفكري والأخلاقي يهب كالأسود الهمامة دفاعاً عن حريته وكرامته وإنسانيته، فبدلاً من أن ينتج الإعلام العربي التخديري شعوباً مستسلمة وفاسقة، فقد حدث العكس بفضل القلة القليلة من الإعلام الجاد والمحترم الذي، ومن حمد الله، نجح نجاحاً باهراً في زلزلة الأرض تحت الطغاة والمتجبرين والمتلاعبين والعابثين بعقول الشعوب.

هاهو الإعلام الأصفر الفاقع يسقط صريعاً أمام الإعلام الجاد الذي، بدل أن يثير الشهوات الجنسية في النفوس، ويتلاعب بعقول الشباب، راح يحث على احترام النفس البشرية، ويفضح الممارسات الاستبدادية، ويرفع معنويات الشعوب ويستفزها للمطالبة بحقوقها واستعادة كراماتها المهدورة ومحاسبة جلاديها والمناداة بالديموقراطية والنهوض من سباتها كي تلحق بالعصر بعد أن أمعنت حكوماتها في إبقائها رهينة القمع والتسطيح. بعبارة أخرى، فإن الشعوب العربية التي أُريد لها أن تكون قطعاناً من الهائمين والهائمات بدأت تتحول إلى ثائرين وثائرات تهز الأرض تحت أقدام من أرادوا لها أن تكون عجينة طيعة في أيديهم، فالشعوب لا تريد ملاهي فضائية، بل وسائل إعلام وطنية حقيقية وديموقراطية تفضح الفساد والاستبداد ومبذري الثروات والوكلاء المتحكمين بالبلاد والعباد لصالح أربابهم في تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس.

يا أيها الذين تنفقون المليارات على الكباريهات الفضائية ظناً منكم أنكم ستحولون الشعوب العربية إلى "هايفات وهايفين" لعوبين مخصيين مخنثين منزوعين من الرجولة والكرامة والعنفوان، وفروا أموالكم، فالشعوب لم تتأثر كثيراً بغثائكم الفضائي، بدليل أنها داست وستدوس على كل من حاول يوماً أن يتلاعب بقيمها وكرامتها وثقافتها.

ألا تتفقون معي أن الإعلام الأصفر وعرابيه يسقطون صرعى تحت أقدام الشعوب.

======================

مصر درس كبير

الأحد, 30 كانون الثاني 2011 06:55

فرج شلهوب

السبيل

تصاعد الأحداث في مصر، تسونامي يجتاح المنطقة العربية، ورغم أن تونس قد فازت بقصب السبق في تأكيد قدرة الشعب العربي على التغيير، ونفي فكرة الموات عن هذا الشعب، إلا أن مصر وما يجري فيها من انتفاضة شعبية، أعطى فكرة التغيير زخما تجاوز قدرة المراقبين للمشهد على التقدير، أو التكهن بالمديات التي سيدفع إليها الحدث من تغيير شمولي للخارطة السياسية، على مستوى المنطقة أو الإقليم وما وراء ذلك، بعدما تكرس أن مقاومة تداعيات هذا الطوفان فوق قدرة النظم الشمولية العربية المهترئة، وأن استيعاب تداعيات الحدث من قبل هذه النظم أو رعاتها الخارجيين لم يعد أمرا في متناول اليد، وكما يبدو أن الوقت الآن لم يعد يقاس بالأسابيع أو الأيام ولكن بالساعات.

تل أبيب الآن تدرس التداعيات، وواشنطن والاتحاد الأوروبي في حالة ذهول، فهؤلاء جميعا شركاء في كل ما اقترفه النظام العربي الشمولي، من قهر وتجويع وامتهان لكرامات الناس، وهم الآن يدركون أن التحولات في المنطقة بالقدر الذي جاءت لإنهاء حقب الإفساد والاستبداد لنظم فاسدة، فهي جاءت أيضا للتعبير عن رفض التبعية لأمريكا ومن معها، ورفض إدامة العلاقات الدونية والارتزاقية مع حلفها المعادي لشعوب المنطقة وأمنياتها في الحرية والاستقلال.

ما يجري في مصر شاءت أمريكا أم أبت، وقبل ذلك ما جرى في تونس ولبنان.. وما يمكن أن يجري في اليمن والجزائر والمغرب وكيانات عربية أخرى كثيرة، يعني إعادة تشكيل البيئة السياسية العربية والإسلامية، على قاعدة تحرير إرادة الشعوب، وإنجاز الاستقلال السياسي الحقيقي، وهذا سيدفع لتسريع اكتمال التحولات في المنطقة، وإعادة الاعتبار للعالم العربي وفرض احترامه إقليميا ودوليا، فلم يعد التعويل فقط على الصعود التركي، أو على ما تمثله إيران من تحدٍّ للغطرسة الأمريكية، فمصر قاطرة التغيير في العالم العربي، وهي ستقود عبر بوابة التغيير الشعبي الشامل، إعادة ترسيم وزن وقوة وحضور العالم العربي، وخارج سياقات الإلحاق وخدمة الأجندات الأجنبية، على قاعدة من احترام الإرادة الشعبية ومصالح الشعوب لا مصلحة أمريكا و"إسرائيل".

درس مصر تتكثف فيه العبر، ومن له عقل وعينان في رأسه من الحكومات الشمولية العربية، ينبغي له استخلاص العبر، والوقت الآن من دم، وأي تأخير في التقاط الرسائل سيكلف الجميع أثمانا بالغة.. فالمطلوب احترام الإرادة الشعبية، وإدارة القرص، فحكم الفرد أو الحزب أو الطائفة أو النخبة الضيقة لم تعد له شرعية. واستمرار الفساد والفاسدين وسياسات الاحتكار السياسي والاقتصادي، لم تعد له فرصة، فقد سقطت شرعية تحالف الفساد والاستبداد، الأمراء والتجار.. فخمسة عقود من حكومات الاستبداد، تضع رحالها حيث ألقت رحلها أم قشعم، ولا مخرج إلا عبر الإصلاح السياسي الحقيقي، الذي يمكن الشعوب العربية من أن تحكم نفسها، كما في كل بلاد الدنيا التي تحترم نفسها، وبإطلاق الحريات وتكريس العدالة الاجتماعية وشفافية الحكم.

الرسالة الأبلغ لما جرى في تونس ثم مصر أن العهد الشمولي انتهى.. انتهى إلى غير رجعة.. ولم يعد ممكنا أن تستمر الأوضاع السياسية العربية على إيقاع الماضي الاستبدادي.. وأنصاف الحلول لن تجدي، ووقف اندفاعة التغيير غير ممكنة..فقط الممكن التجاوب مع زخم اللحظة التغييرية على نسق مقاصدها، بتمكين الشعب من أن يحكم نفسه، وأن يعبر عن إرادته في إدارة السياسة والاقتصاد وكل شؤون حياته.

ونجاح أي نظام حكم عربي أو تأمين استمراره مرهون بقدر استجابته لإرادة التغيير، وليس المعاندة أو تأخير اتخاذ القرار.. فليست السلامة فقط باتخاذ القرار الصحيح، ولكن أيضا أن يتخذ في وقته، فزين العابدين زعم أنه فهم الرسالة والتقطها، ولكن الأحداث برهنت أن هذا الفهم جاء متأخرا كثيرا -على فرض أنه فهم-، وكما يبدو فإن الرئيس المصري لم تصله الرسالة أو لم يلتقطها أو لا يريد ذلك، ومن المؤكد أن الوقت قد فاته، وبات يتحرك خارج السياق، فالخطاب الذي انتظره الناس في يوم الجمعة من الرئيس مبارك، لم يطرح حلا وأهدر فرصة أولى للاستدراك، وفي اليوم الثاني أيضا استمر غياب الفهم، فالشارع يغلي والنظام لا يزال يحبو في استجاباته لأماني الشعب، حتى بات كل تفكير النظام خارج السياق وعلى نقيض الفهم والمنطق.

درس مصر ثمين والذكي من يتعظ بغيره، والوقت أثمن من الذهب.

=======================

هزائم الداخل

الأحد, 30 يناير 2011

محمد الأشهب

الحياة

فجرت هزيمة حزيران 1967 الشارع المصري حزناً وغضباً. لكن الأصوات المكلومة اكتسحت الفضاء وهي تطالب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالعدول عن استقالته. اليوم بعد ثلاثة عقود ونصف العقد تقريباً خرج أبناء وأحفاد أولئك المتظاهرين يطلبون إصلاح النظام. ما يعني ان هزيمة من نوع آخر ألقت بظلالها على الأحداث، لم تكن سوى هزيمة السياسة التي لا تقود الى الاطمئنان.

أشياء كثيرة تغيرت في نوعية المطالب وحجم التحديات ورمزية الحراك الذي يدور في شوارع مدن عربية عدة، أقربها تونس والقاهرة وصنعاء. والظاهر ان التوصيف الذي أطلق يوماً على وحدة الانتساب من الخليج الثائر الى المحيط الهادر يصادف معناه في اشتعال الحرائق، وليس عبر مواجهة الكيان الإسرائيلي الذي كان ويفترض أن يظل القضية المركزية التي تجذب الاستقطاب.

لعله انسداد الآفاق وتراكم المعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واتساع نطاق الإحباط، في طريقه لأن يصوغ انتساباً آخر الى الواقع، يقيس المخاطر عبر أشكال المعاناة اليومية ذات الارتباط باستشراء البطالة واحتقان الملفات الاجتماعية وانفراط عقد السلم الذي كان مبرراً بوحدة المعركة في مواجهة العدو الإسرائيلي. فقد برز أعداء آخرون على الخارطة، الفقر والتهميش والاستبداد وغياب الديموقراطية الحقيقية، ما زاد في اتساع تحديات لا يبدو ان الإعداد لمواجهتها كان بالقدر المطلوب في تأهيل الإنسان والأوطان.

في تداعيات هزيمة حزيران (يونيو) طرحت أسئلة أكثر حدة في مجال تأهيل القدرات العربية عسكرياً واقتصادياً وعلمياً وثقافياً. ونفذت الى العقل والوجدان طروحات حول شروط التقدم والخروج من بؤر التخلف، وانبرت أصوات تنشد تشريح مكامن الخلل وأخرى تدعو الى ممارسة النقد الذاتي. لكن أفضل الوصفات المثالية لم يوضع في الاتجاه الصحيح، كما ان أقلها جدوى يراوح مكانه من دون تحقيق الحد الأدنى من الأهداف التي صورت يوماً انها في متناول اليد، فكان ان دخل أناس الى التاريخ على حساب ضياع جغرافيا الأوطان.

الهزيمة الآن لها طعم آخر. لم تنتج عن خسارة معارك خارجية حشدت لها المعدات العسكرية، كما لم تأتِ على خلفية فشل خطط حربية صاغها أصحاب القبعات والنياشين. ولكنها حدثت في ميادين داخلية، ليس أبعدها اختزال الثروة والسلطة لدى فصيل الموالين. وما من شك في أن وطأة هزيمة الداخل تكون أشد. كونها تجري في ميدان من لا يحارب، بخاصة حين يكون الأعداء من صنف الفقر والأمية واحتكار الثروة وتنامي الفوارق الفاحشة بين الفئات.

هل كان لإذعان حكومات عربية لتوصيفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ورفع وصاية الدولة الراعية كل هذا الأثر السلبي الذي دفع الى المزيد من الاحتقان، أم ان الإمكانات المحدودة لا تفي بالقسط الأوفر من الرغبات المشروعة للأجيال الشابة التي تبحث عن مواقع تحت الشمس؟

ليس الأمر بهذه المعادلة التي تريح الضمير، ولكنها أعمق بالمفهوم البنيوي للمعضلات والصراعات الاجتماعية. فأكثر الأزمات حدة لا تطال الخيارات، القابلة لمعاودة النظر، إن لم يكن مرة كل عشر سنوات، فمرة مع انبثاق كل جيل، ولكنها تهم طرائق التدبير التي لا تكاد تخضع لمنطق العصر، أي ترسيخ مفاهيم التداول السلمي على السلطة وترجيح منهجية الحكم الجيد والإفساح في المجال أمام النخب المجددة.

كثيرون استبشروا بنهاية الحرب الباردة وحدوث التحولات الدولية التي وصفت بكثير من المفاهيم والممارسات. فلم يكن العالم العربي استثناء، ولا يمكن أن يظل بعيداً عن التأثر بالشظايا المتناثرة في كل اتجاه. غير ان الحكمة تتطلب دائماً استيعاب الأحداث من خلال استباقها وليس انتظارها من دون حراك. فليت الإيديولوجيا هي التي ماتت، ولكنه منطق الاستئثار الذي كان يفرض نفوذ الحزب الوحيد والسلطة الوحيدة هو ما أصبح عقيماً ومتجاوزاً. وليس في الإمكان معاودة استحضاره بنعوت وأوصاف مغايرة.

قاد الحزب الوحيد الى الهزيمة في صراعات خارجية ومصيرية، وها هو يقود الى تكرار المأساة داخلياً، وكأن ما من شيء تغير في هذا العالم. ومع افتراض ان بعض الهزائم الخارجية تجد من ينظّر لمبرراتها في الفكر والعُدة، فإن هزائم الداخل تكون أشنع، ولا أقل من خوض المعركة بسلاح اسمه الديموقراطية، في انتظار إبداع سلاح القناعة والمسؤولية.

======================

الشيزوفرانيا الأميركية

الأحد, 30 يناير 2011

عبدالله اسكندر

الحياة

أخذ على المحافظين الجدد، عبر ولايتي الرئيس السابق جورج بوش، أنهم ايديولوجيون. أي أنهم وضعوا أهدافاً لسياستهم الخارجية استناداً الى تصورهم الخاص للعالم، ومنه منطقتنا. وكان غزو العراق ذروة تطبيق هذا التصور.

وافترض الديموقرطيون الذين جاؤوا الى الحكم، عبر الرئيس باراك أوباما، أن مجرد فك الارتباط العسكري المباشر مع العراق يعني تصحيح النهج الأيديولوجي السابق، ويعني تصحيح الصورة الأميركية المتدهورة في منطقتنا حيث تفترض الولايات المتحدة أن لها مصالح قومية حيوية، خصوصاً في مجال الطاقة.

وجرت رهانات عربية على قدرة إدارة أوباما على الخروج من النهج الأيديولوجي المتعجرف لسلفه، وعلى انفتاحها الفعلي على هموم شعوب المنطقة التواقة الى ديموقراطية فعلية وتوزيع عادل للثروات، وقبل ذلك تحريك عجلة اقتصاد منتج يمكن أن يفرز قوى حية معنية بالاستقرار واحترام دولة القانون. كما جرى رهان على قدرتها أن تحمي حقوق الشعوب، ومنها الشعب الفلسطيني الرازح تحت احتلال الحليف الأميركي، والعمل الجاد لردع العدوان الإسرائيلي عنه وإجبار إسرائيل على احترام الحق الوطني والإنساني للفلسطيني في أرضه.

لم تطل كثيراً هذه الصورة الوردية لما يمكن أن تفعله إدارة أوباما. إذ سريعاً ما اصطدمت بإسرائيل وتراجعت تراجعاً مذلاً أمامها، مستهينة بالحد الأدنى من حقوق الإنسان الفلسطيني وتطلعه الى حياة كريمة في دولة مستقلة. لا بل ألغت، هنا، مفهوم حقوق الإنسان كقيمة ينبغي الدفاع عنها في أي مكان، وتركت الحق الفلسطيني أمام العنف الإسرائيلي العاري. ودافعت عن هذا العنف في أشكاله المختلفة، الجسدية والاقتصادية والسياسية.

صورة الموقف الأميركي من هذا الحق أصيبت بمقتل، ليس فقط لدى شعوب منطقتنا وإنما أيضاً على مستوى السياسة الخارجية الأميركية عموماً. ويأتي اليوم الدفاع عن حقوق الإنسان، لمناسبة الأحداث في تونس ومصر، في محاولة لإعادة تلميع هذه الصورة.

بالتأكيد لا يمكن الدفاع عن ممارسات السلطات العربية عموماً، وفي تونس ومصر خصوصاً. لكن ظروفاً وعوامل عدة جعلت من البلدين مسرحاً للصدام مع السلطات، وهي ظروف وعوامل اختلط فيها سوء الإدارة والفساد والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان والفشل الاقتصادي وانغلاق آفاق المستقبل، مع الصراعات الأيديولوجية الخفية على السلطة ومواردها.

تتخذ هذه المطالب والتطلعات الشعبية شكل الصدام مع السلطة القائمة، وذلك بسبب انسداد مزدوج، انسداد السلطة وانقطاعها عن الواقع في كل أوجهه، وانسداد حركة الاحتجاج وانقطاعها عن واقع السياسي والدولة. ولهذا غابت عن الواجهة قيادة سياسية لحركة الاعتراض وكان العنف وسيلة وحيدة في الاتجاهين، وصولاً الى ممارسات رعاعية في بعض الأحيان.

وهنا جاء التدخل الأميركي باسم حقوق الإنسان، وعلى نحو يعيد الى الأذهان ما كانت تفعله واشنطن في ظل الحرب الباردة، عندما تتحدث عن الشعوب داخل الستار الحديدي. حصل ذلك في تونس ويحصل الآن في مصر. ولتصبح حقوق الإنسان أداة في سياسة وليست قيمة لذاتها. فباسم هذه الحقوق جرى ترتيب خروج بن علي من السلطة لمصلحة وضع تضبطه المؤسسة العسكرية التونسية. كما يظهر أن وضعاً مماثلاً قد يكون قيد التصور في مصر.

ومع تأكيد الفوارق بين التجربتين، تريد الولايات المتحدة أن تضمن تحالفاً مع أي صيغة مقبلة للحكم بعدما اعتبرت أن الصيغة الحالية باتت مهددة، وليس مثل حقوق الإنسان أن تكون عنوان هذه السياسة.

لكن الصيغة المتصورة لحياة ديموقراطية لاحقة تفتقد أي أساس داخلي لها في ظل انعدام وجود قوى اقتصادية منتجة داخلية صاحبة مصلحة حقيقية في الاستقرار ولا تتأثر مصالحها بفعل تداول السلطة. وسيتكرر في الحالين مع أي سلطة جديدة صعود نخبة منتفعة من ريع السلطة. ولا يكون أمام المؤسسة العسكرية، سواء كانت منفردة أو متحالفة مع قوى إسلامية آخذة في التصاعد، والتي أفترض يوماً أنها تحمي الاستقرار ألا تكرار تجربة السلطة السابقة في أحسن الأحوال، مع كل أهوالها التي دفعت الناس الى الشوارع. أما حقوق الإنسان التي ترفع الولايات المتحدة شعارها حالياً فلا هدف لها سوى حجز موقع نفوذ في السلطة المقبلة.

======================

الانفجارات الشعبية وانهيار نظرية «الديمقراطية الموالية»

بلال الحسن

الشرق الاوسط

30-1-2011

لا يزال الحدث التونسي يتطور ويتفاعل. ولا يزال الحدث المصري (حتى كتابة هذا المقال) في بداياته. ولا أحد يستطيع أن يجزم إذا كان سيستمر أم لا. ولكل من هذين الحدثين أهميته الخاصة، ولكن ثمة معالم أساسية، بعضها دولي وبعضها محلي، جديرة بالاهتمام، وجديرة بالتوقف عندها.

هذه الأحداث، وبخاصة الحدث التونسي، بقدر ما هي أحداث داخلية، إلا أنها في الوقت نفسه، أحداث ذات تأثير دولي بامتياز. تأثير دولي يطال الدول العظمى. وهكذا فإن شهيدا مثل البوعزيزي، ومدينة مثل سيدي بوزيد، لها تأثير مباشر في دولة مثل أميركا، وفي مدينة مثل نيويورك، وفي مؤسسة مثل البيت الأبيض. وهو أمر يكاد أحيانا لا يدركه حتى أصحابه.

لقد أحدثت تطورات تونس هزة في الاستراتيجية الأميركية (والأوروبية) العالمية، فإذا كانت هذه الاستراتيجية تسعى لفرض نفوذها في العديد من دول العالم، فإنها تعتمد في ذلك مسألتين:

مسألة الديمقراطية، ونشر ثقافة الديمقراطية، من خلال الانتخابات وحرية الأحزاب وسواهما. وتعتبر الولايات المتحدة أن قضية الديمقراطية هي التي تعطي لسياساتها دعمها الأخلاقي. وقد نالت تونس طويلا تقريظا من أميركا والغرب لمتانة توجهها الديمقراطي.

ثم مسألة التنمية الاقتصادية، والتي تلعب فيها توجهات، بل أوامر، البنك الدولي دورا أساسيا. فهي التي توجه لسياسة فتح الأسواق، ورفع الرسوم عن الاستيراد الأجنبي، واعتماد الخصخصة في بناء الشركات لإبعاد الهيمنة الحكومية عليها، ودفع الحكومات نحو القبول بنتائج السوق، وبخاصة في ما يتعلق بالأسعار، ومن خلال المطالبة الأساسية برفع الدعم عن السلع الأساسية مثل الخبز أو القمح أو الوقود أو السكر. وحين تلبي حكومة ما مثل هذه المطالب، تبدأ بالتباهي بأن لديها تنمية (اقتصادية) ناجحة، ثم يأتي البنك الدولي ليبارك هذه التنمية (الاقتصادية) ويشيد بها. ويعتبر النظام أنه يزداد قوة على قوة.

وحين يدخل عامل المحاسبة والنقد والتقييم، نجد أن هذه النصائح قادرة على أن تنتج عوامل سلبية للغاية، لا يرغب أحد بالالتفات إليها. ففي موضوع الديمقراطية، يتم اعتماد اللعبة الديمقراطية ببنودها كلها: الانتخابات، الأحزاب الرسمية، الأحزاب المعارضة التي تنشأ في ظل السلطة. ولكن، وفي الوقت نفسه، تنشأ في ظروف العالم الثالث أحزاب معارضة، تنسد أمامها كل الطرق التي تؤهلها لتصبح شرعية، وعلى أساس أنها أحزاب تهدد النظام العام، وتستوي في ذلك التيارات اليسارية، والدينية، والليبرالية، فتتكون بسبب ذلك (ديمقراطية الولاء)، وتتكون بموازاتها (ديمقراطية المعارضة) التي تتم محاربتها باسم القانون. أما الولايات المتحدة ودول أوروبا، نصيرة الديمقراطية والقانون، فإنها تقرر أن ترى بعينها اليمنى ذلك النوع من ديمقراطية الولاء، وترفض أن ترى بعينها اليسرى ذلك النوع من ديمقراطية المعارضة. ترفض أن ترى كبت الحريات، وما يرافقه من سجون واعتقالات وهرب وإبعاد، وهو ما يتفاعل مع الزمن، متخذا اسم (الكرامة) المهدورة، والتي تتحرك حين تتحرك بغضب شديد.

أما في موضوع التنمية، فإن التنمية الاقتصادية التي يرعاها البنك الدولي، وربما يقدم لها القروض، تزيد في النشاط الاقتصادي، وتزيد في أرقام الإنتاج، ولكنها تبقى بعيدة عن التنمية (الاجتماعية). فتنشأ حالات الفقر على نطاق واسع، ويترافق الفقر المدقع مع الغنى الفاجر. وبما أن للشعوب حيويتها التي تتطور بها تلقائيا، تنتشر الرغبة في التعليم، لعل التعليم يصبح مخرجا من الفقر. ولكن هذا التعليم الذي يفرز أجيالا من الخريجين، ما يلبث أن ينفتح على البطالة وعلى الهجرة، فينشأ جيل مقهور لا يجد لنفسه مكانا في وطنه. وبما أن للشعوب مساوئها أيضا، ينشأ جيل الفساد مستفيدا من قوة الديمقراطية الموالية، فيبدأ بالعمل لحسابه، ويزيد بذلك من حدة الأزمة الاجتماعية، وتصبح التنمية (الاقتصادية) بهذا المعنى سلاحا ضد الشعب ولقمة عيشه.

تتجمع هذه العوامل كلها بالتدريج، وتتراكم مع الزمن طبقات فوق طبقات، ويبدأ هدير الضغط الاجتماعي بالتعبير عن نفسه، ويصل صوت الهدير إلى الجميع، ويبدأ الاستعداد لصده، ويكون ذلك من خلال إنشاء أجهزة الأمن وتكبيرها وتكبير الاعتماد عليها. يبلغ عدد أجهزة الأمن في تونس مثلا ثلاثة أضعاف عدد الجيش. وينجح الأمن طويلا في كبت الغليان الاجتماعي وصده، إلى أن تصل الأمور إلى لحظة الذروة، فيحدث الانفجار.

هنا توجد أيضا مجموعة ملاحظات هامة:

قد نبع انفجار الغضب من المناطق النائية، وبادر إليه المواطنون العاديون البعيدون عن السياسة والأحزاب. وقد جرت العادة في العالم كله أن انفجارات الغضب تحدث في المدن الكبرى، ويبادر إلى التعبير عن هذا الغضب القادة والزعماء سواء كانوا أفرادا أو أحزابا أو نقابات. ولكن هذا كله لم يكن موجودا في بدايات التحرك التونسي، فجاء الانفجار شعبيا وعفويا، يعبر عن انسداد أفق الحياة الكريمة أمام الكثيرين، وهو أمر لم تلفت إليه الأجهزة الأمنية التي تراقب المعارضين، كل المعارضين، بعيون مفتوحة جدا.

إن هذا الانفجار الشعبي، وبهذه الطريقة، ومن دون قيادات، أمر جديد من نوعه، وقد اتخذ صفة الحدث النوعي، وصفة الحدث التاريخي، ولكنه ليس بالضرورة أمرا إيجابيا كليا، فحين تخرج الجماهير إلى الشارع بالآلاف، ومن دون قيادات، فإن الأمور يمكن أن تسير نحو المتاهة، أو نحو الفوضى، أو نحو انعدام الهدف الواضح والجلي أمام الجميع. لقد دخلت القيادات المشهد في ما بعد، وهي كثيرة ومتنوعة ومتناقضة، والخشية أن لا تستطيع الاتفاق على خطة موحدة. وقد بدأت تطرح مطالب تدعو إلى التغيير الشامل، إلى نسف الماضي كله واستيلاد مستقبل جديد. وهذا أمر طيب ومشروع، لولا أن المنادين به لا يشكلون جسما متماسكا يستطيع أن يقود هذا الهدف، وأن يبلوره، وأن يضعه موضع التنفيذ. والقوة الفاعلة التي يستند إليها هؤلاء القادة، هي قوة الآخرين، وليست قوة نفوذهم داخل الجماهير.

ماذا يعني هذا؟ يعني أن هناك تحديا مطروحا أمام الحدث التونسي، فهو إما أن ينتج برنامجا وطنيا عاما تلتقي حوله كل القوى المتعارضة والمتناقضة، وإما أن تصبح أسير شعارات ثورية جميلة، ولكنها لا تملك القدرة على تحقيقها. وهنا قد ينفتح الوضع على المجهول، المجهول الذي يسمونه (الفراغ) في السلطة، وهو الذي حذر منه قائد الجيش في إطلالته الأولى والوحيدة.

وهناك أمور من هذا النوع توجد بذورها داخل الحدث المصري، والذي هو أشد تفاعلا وتعقيدا، في مسائل المطالب، والقيادات، والأهداف.

ومن خلال هذه التناقضات، وحالة عدم القدرة على الحسم السريع، يعود العامل الخارجي، العامل الأميركي والأوروبي ليطل على الحدث التونسي والمصري ويفعل فيه، ويحاول إعادته مرة أخرى إلى إطاري الديمقراطية الموالية والتنمية

=======================

هل الحكومة التونسية المؤقتة سيئة جدا؟

آمال موسى

الشرق الاوسط

30-1-2011

كان يوجد أكثر من موقف حول حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، يسيطر على الرأي العام التونسي. الموقف الأول يرفض هذه الحكومة جملة وتفصيلا ويرى في تركيبتها محاولة للالتفاف على الثورة الشعبية.

ويقوم رفض هذه الجبهة، التي كان يتزعمها الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره على ضرورة استبعاد كافة رموز النظام السابق بما فيهم رئيس الحكومة المؤقتة السيد محمد الغنوشي. واللافت أن هذا الموقف الرافض قد أملى على بعض الأطراف الممثلة له إقامة تحالفات نظرية ظرفية بين من كانوا خصوما من حيث الأطروحات والخلفيات، مما يعني أن الموقف الرافض قد استند إلى آليات اللعبة السياسية من مناورة وتقاطع مصالح وغير ذلك.

وفي مقابل الموقف الرافض بشكل راديكالي نجد موقفا آخر لم تحفل به الفضائيات العربية، التي آثرت التركيز على أصحاب الموقف الرافض خصوصا أنهم وظفوا آليات الإضراب والمسيرات وهي آليات تسيل لعاب بعض الفضائيات أكثر من أصحاب الموقف العقلاني والواقعي.

ولعله من المهم الإشارة إلى أن الموقف القابل بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة قبل إعلان التشكيلة الأخيرة يوم الجمعة الماضي لديه بعض الاحترازات ولكن وعيه بخطورة أن ينحرف الوضع نحو فراغ سياسي ومؤسساتي والمزيد من التدهور الاقتصادي هو الذي دفعه إلى القبول بهده الحكومة والتفاعل ايجابيا مع قراراتها المشجعة والمهمة جدا، التي من أبرزها من حيث قوة الرسالة السياسية مسألة الفصل بين الدولة والأحزاب، وهو ما يعني حل علاقة الدولة بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان الحزب الحاكم في البلاد إلى حدود تاريخ مغادرة الرئيس السابق قصر قرطاج. وتبدو همة الموقف القابل بالحكومة الراهنة متعلقة إلى حد كبير بضرورة العودة إلى مقاعد الدراسة وإلى العمل والبناء، واعتبار هذه الحكومة ليست أكثر من حكومة تصريف أعمال، لا بد منها لتأمين عملية الانتقال السلمي والطبيعي إلى مرحلة الديمقراطية عن طريق صندوق الاقتراع.

يعيش الرأي العام في تونس حاليا على وقع التجاذب بين الموقفين مع العلم أنه بمرور الساعات والأيام قد بدأ الموقف العقلاني المرن ينُصت إليه أكثر بعد أن كانت كل الآذان تقريبا تنصت إلى أصحاب الموقف الراديكالي الرافضين للحكومة ولممثليها ولكل من يذكرهم بالنظام السابق والمراهنين على الضغط عن طريق الإضرابات والمسيرات إلى حد سقوط الحكومة.

وربما لأننا لا نزال في حالة ما بعد الثورة أي في مرحلة الفوران والغليان فإن الصوت الموضوعي يبدو ضعيف الحظوظ. ذلك أن المعجم المهيمن على الجدل السياسي يكاد يدور أساسا حول مفردات مثل الاجتثاث والإقصاء والطرد، وهي مفردات جديدة على الثقافة التونسية المعروفة بالاعتدال والوسطية في مقاربة الأمور.

صحيح أن التركيبة السابقة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لم تقرأ حساب الرافضين قطعيا لكافة رموز النظام السابق سواء المتورطين منهم أو «النظيفين» حيث بدت حصتهم معتبرة مقارنة بحجم الرفض وطبيعته.

ولكن ما يمكن أن يُعاب على هؤلاء الرافضين والمطالبين بسقوط الحكومة قبل أي تفاوض هو أنهم غضوا الطرف عن وجوه وطنية ومعارضة سابقا وأخرى مستقلة موجودة في تركيبة الحكومة وتستحق الثقة، إضافة إلى تركيز الاحتجاج والضغط على الحكومة التي هي مؤقتة ودورها تصريف الأعمال وعدم الاهتمام بلجان الإصلاح والفساد ومتابعة الأحداث الأخيرة، والحال أن هذه اللجان هي التي تستحق الجدل والملاحظات، باعتبار أنها بصدد صنع الشروط التشريعية والدستورية للحرية والكرامة والديمقراطية في تونس.

والغريب أن غالبية الراديكاليين اليوم من أصحاب السقف الأقصى يُحركون الشارع التونسي بشكل يوحي وكأنهم زعماء الثورة وأصحابها في حين أنها ثورة شعبية دماء وضحايا.

وهنا نتساءل عن مدى تحلي هؤلاء الراديكاليين الجدد والقدامى بروح المسؤولية السياسية ومدى وعيهم بالمخاوف التي تتصيد ثورة الشعب التونسي داخليا وخارجيا وخصوصا مدى حجم انتباههم إلى مآزق الاقتصاد وسياحته الحزينة؟

نطرح هدا السؤال لأنه رغم التعديل الوزاري الأخير وخروج ما تم وصفهم برموز النظام السابق، فإن الاعتصام مازال على حاله تقريبا أمام قصر الحكومة مطالبين أصحابه باستقالة محمد الغنوشي رئيس الحكومة وهو ما يعني أن الشارع السياسي قد تجاوز دوره كطرف مراقب وضاغط إلى فاعل سياسي لا يعبر عن رأيه فحسب بل يُقيل ويطرح البديل إذا لزم الأمر وهو ما يستدعي التأمل والقراءة باعتبار أنها مؤشرات يمكن أن تمثل خطرا على الثورة الشعبية في

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ