ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 01/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

مصر .. زلزال يهز العالم العربي

2011-01-31

فهد الخيطان

الانظمة أمام خيارين: إما ان تُغيّر سلوكها او تتغير .

قبل الثورة الشعبية في تونس كان معظم المفكرين والسياسيين العرب يؤمنون بأن التغيير في العالم العربي يحصل عبر الانقلابات العسكرية او التدخل الخارجي, وفي الذهن تجارب عديدة تبرهن على صحة هذه النظرية, آخرها الاحتلال الامريكي للعراق والانقلاب العسكري في موريتانيا.

ثورة الشعب التونسي هزت أسس هذه النظرية لكن كثيرون ظلوا على موقفهم وقالوا ان ما حصل في تونس حالة استثنائية لا يمكن تعميمها.

وانبرى كُتاب السلاطين والُحكام العرب الى التقليل من اهمية الحالة التونسية وامكانية انتقال العدوى الى دول عربية اخرى. وكان لافتا ان مثقفي النظام المصري اجتهدوا اكثر من غيرهم في اختلاق الفروق بين تونس ومصر لتجنب تكرار النموذج عندهم. لكن, وقبل ان يمر اسبوعان على سقوط بن علي في تونس كانت الشوارع المصرية تموج بعشرات الآلاف من المتظاهرين المطالبين برحيل مبارك. وعلى وقع الانتفاضة الشعبية المصرية دبَّ الذعر في قلوب حكومات عربية تخشى من مصير مماثل.

وبالنموذج المصري تأكد بالفعل الشعبي الملموس ان الشعوب العربية قادرة على انجاز التغيير بسواعدها ومن دون الاعتماد على القوى الاجنبية او انتظار الرحمة من العسكر.

وها هو نظام مبارك يوشك على السقوط ليدشن العالم العربي بهذا الحدث التاريخي عهدا جديدا لم يسبق ان عاشته الاجيال العربية.

التغيير في مصر سيكون بمثابة زلزال في المنطقة العربية نظرا لدور مصر ومكانتها وتأثيرها الطاغي على المزاج العربي, واذا ما أنجزت الانتفاضة الشعبية اهدافها كاملة فان العالم العربي سيدخل مرحلة تشبه تلك التي مرت بها اوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. الفرق الجوهري والمهم ان "الثورات الملونة" في دول المنظومة الاشتراكية حدثت بفعل دعم خارجي غير مسبوق اخذ الثورات الشعبية في مسارات متعرجة, بينما الثورة في تونس والانتفاضة في مصر تقومان على أكتاف الشعوب لا بل ان القوى الدولية فوجئت بها وهي اصلا تقف الى جانب الحكومات المستبدة سواء في تونس او مصر.

ثمة ساحات وشوارع عربية تتململ على ايقاع الانتفاضة المصرية والانتصار التونسي, والسؤال الذي بدأ طرحة يوم سقط بن علي اصبح جديا: من سيلحق بمبارك وبن علي?

الانظمة العربية امام خيارين لا ثالث لهما اما ان تُغيّر سلوكها ونهجها وتَشرع في عملية اصلاح شاملة وجِدية تَطال اسلوب ممارسة الحكم وتتصالح مع شعوبها او ان الشعوب ستُغيّرها.

لا يمكن بعد اليوم التحايل على مطالب الشعوب او استرضاؤها باجراءات موسمية ومن الخطأ الاعتقاد ان بالإمكان صد رياح التغيير والرهان على سكونها, المسألة ما زالت في بداياتها والموجة مستمرة لفترة طويلة.

========================

قلق من التأثير السياسي على أسعار المواد الغذائية

أجندة دافوس: مخاطر الاقتصاد والجيوبوليتيكا

تاريخ النشر: الإثنين 31 يناير 2011

جيديون راتشمان

الاتحاد

محلل سياسي أميركي

في العامين الماضين، كانت مشاعر الخوف على مستقبل الاقتصاد العالمي هي المسيطرة على المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، أما في العام الحالي فعادت مشاعر التفاؤل الحذر مجدداً إلى أروقة المؤتمر.

وكان المفترض أن يكون ذلك خبراً جيداً في حد ذاته، لولا أن الخبراء يقولون إنه رغم تقلص المخاطر الاقتصادية، فإن المخاطر الجيوبوليتيكية تبدو في حالة تزايد.

وقد جرت مداولات المنتدى على خلفية الاضطرابات في مصر وغيرها من بلدان العالم العربي. كما عاد الإرهاب مرة أخرى على أجندته بعد حادث التفجير الذي وقع يوم الاثنين الماضي في أكبر مطارات العاصمة الروسية موسكو. علاوة على ذلك شكلت العلاقة الآخذة في التوتر بين الولايات المتحدة والصين خلفية للعديد من مناقشات المنتدى.

والوفود المشاركة في دافوس بدت وكأنها لا تعرف كيف تستجيب للأحداث الجارية في مصر وهو ما يرجع لحد كبير لحقيقة أن أصوات الشباب الذي يتظاهر في شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية، ليست من نوعية الأصوات الممثلة في المنتدى. والصوت الأكثر بروزاً من العالم العربي الممثل في ديفوس، هو صوت أمين عام الجامعة العربية، إلا أنه اقتصر في تصريحاته على توجيه دعوات معتدلة وعمومية ل"الإصلاح" في بلده، وغيرها من بلدان العالم العربي. كما ألمح إلى أن القلاقل في شوارع مصر وغيرها من البلدان العربية، ترجع إلى إحباط الشباب العربي نتيجة لعدم التقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط. وقد ألمح مشاركون آخرون من المنطقة إلى أن الشرق الأوسط يخضع الآن لحالة من "العدوى" شبيهة بالعدوى المالية التي سمحت لأزمات الديون بالعبور من بلد إلى بلد في أوروبا.

وقد حاولت الوفود المشاركة جاهدة، موضعة الانتفاضات الحادثة في العالم العربي في سياق الموضوعات التي اعتاد المنتدى مناقشتها في اجتماعاته السنوية. وهناك قلق متزايد حول التأثير السياسي على أسعار المواد الغذائية المتزايدة، كما يقول المراقبون إن دول الاقتصادات الصاعدة مثل الهند والصين والبرازيل معرضة هي الأخرى للقلاقل، بسبب الارتفاع المتزايد للمواد الغذائية الأساسية.

ومن الموضوعات التي تكررت مناقشتها خلال مداولات المؤتمر، موضوع الفجوة المتزايدة بين الأجور في مختلف دول العالم، والآثار السياسية التي يمكن أن تترتب على ذلك. وفي هذا السياق رأى باباندريو، رئيس وزراء اليونان، أن الطبقات العاملة والوسطى، تتعرض في الوقت الراهن لمزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، في الوقت الذي يزداد فيه الأغنياء غنى. وأعرب باباندريو عن مخاوفه من أن تتمكن الحركات السياسية الشعبوية والقومية المتطرفة من كسب أرض لها في ضوء هذه الظروف.

وإلى ذلك، أعاد حادث التفجير الذي وقع في أكبر مطارات العاصمة الروسية موسكو موضوع الإرهاب إلى أجندة المؤتمر مجدداً. ورغم الدماء السائلة في بلاده، فإن الرئيس الروسي أصر على توجيه الخطاب الافتتاحي في القمة الذي كان مسبوقاً بالوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا التفجير الإرهابي. وقد أعرب ميدفيديف عن تصميمه على الوفاء بتعهده بالحديث في دافوس، كي يكون ذلك الخطاب رمزاً لتصميم أوسع نطاقاً على عدم الاستسلام للإرهاب.

أما مستقبل العولمة، فقد كان هو الموضوع المركزي الذي شغل أذهان الوفود المشاركة في دافوس التي ركزت في مناقشاتها على التجارة. أما التهديد الخاص بتمرير قانون يفرض إجراءات حمائية مضادة للصين من قبل الكونجرس الأميركي، فقد تضاءل قليلا بعد انتخابات التجديد النصفي التي جرت في الولايات المتحدة في شهر نوفمبر الماضي.

وفي هذا السياق، وجه رئيس الوزراء البريطاني كاميرون نداءً عاجلا لاستكمال جولات المباحثات التجارية في العاصمة القطرية الدوحة، بنهاية هذا العام حيث قال: "إنه لأمر يدعو للسخرية في الحقيقة أن يحتاج التوصل لاتفاق حول هذا الأمر لعشر سنوات حتى الآن"، وأضاف قائلا: "نحن لا نستطيع أن نضيع عشر سنوات أخرى من الدوران في حلقات مفرغة".

وفي حديث له مع "فاينانشيال تايمز"، أبدى الرئيس المكسيكي "فيليب كالديرون" تشككاً في إمكانية التوصل لتلك الاتفاقية قريباً حيث قال بالنص: "أنا لست متفائلا بجولة محادثات الدوحة".

ورغم جو الهموم السياسية الذي خيم على دافوس، فقد كانت هناك بعض ومضات التفاؤل. والشيء الذي بدا لافتاً للنظر هو أنه رغم العديد من حالات "هز الرؤوس" بالموافقة حول شلل النظام السياسي الأميركي، خصوصاً عندما كان الأمر يتعلق بمناقشة عجز الميزانية، فإن رصيد أوباما بدا وكأنه قد صعد هذا العام. ففي العام الماضي، كان الاتجاه السائد في المناقشات هو ذلك المتعلق بمحاولة تحديد ما إذا كان أوباما قد بدأ في التحول إلى نسخة أخرى من كارتر. أما في العام الحالي فقد ساد نوع من الثقة بقدرته على القيادة، بصرف النظر عن النتائج التي تمخضت عنها انتخابات التجديد النصفي.

وقد لوحظ أن التفاؤل الاقتصادي لوفود آسيا وأميركا اللاتينية وأجزاء أخرى من أميركا، انعكس على مقارباتها السياسية، كما كان من الواضح أن الزعماء السياسيين للدول الصاعدة على الساحة العالمية، كانوا أكثر بهجة وإشراقاً من نظرائهم الغربيين المأزومين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

========================

ما الذي يشهده الوطن العربي؟   

آخر تحديث:الاثنين ,31/01/2011

عبدالله السويجي

الخليج

هل حقاً هي ثورة الجياع التي يشهدها الشارع العربي في بعض الدول؟ هل الغلاء هو السبب فعلاً؟ هل البطالة هي التي حركت الجماهير؟ هل محمد البوعزيزي هو الذي حرّض جماهير تونس للتظاهر وإسقاط نظام بن علي؟ هل المعارضة هي التي تقود الناس أم جيل التويتر والفيس بوك؟ هل توجد أسباب أخرى مثل قمع الحريات، أو تمديد فترات حكم الأنظمة؟ وهل لعبت الاستخبارات الغربية دوراً في هذا الحراك؟ لماذا تنازلت القوى الكبرى فجأة عن الأنظمة الموالية؟ ولماذا استجابت فرنسا وألمانيا فورا للصارخين في الشوارع؟ ما مطالب الناس؟ الحرية؟ تأمين الوظائف والعمل؟ استرداد الكرامة؟ حرية التعبير؟ تطبيق الشريعة؟ النظام العلماني؟ التعددية؟ ما دور الجيش في تونس في تسريع وتيرة إسقاط النظام؟ ما دور كشف الغطاء عن نظام بن علي؟ وهل ثورة الياسمين قابلة للتصدير؟ ولماذا خرجت الشعوب في بعض الدول ولم تخرج في أخرى؟ ما الفرق؟ هل الشعب في كل مكان راض عن واقعه وحياته الاقتصادية والسياسية وغير راض في مكان آخر؟

ألا توجد بطالة وفقر؟ ولماذا لم يخرج الشعب العراقي ليحتج على الحياة الدموية والفقر الذي ضرب أرقاماً قياسية؟ لماذا لا يخرج صارخاً ضد عدم الاستقرار والأمن؟ وهل هناك سر ما وراء هذه التظاهرات الحالية في هذه الدول؟ هل هناك خطة سياسية معينة؟ هل هناك رسالة ترسلها جهة ما عربية أو دولية لهذه الأنظمة التي تشهد احتجاجات؟

أسئلة وتساؤلات تقلق المتابع للأحداث، ومن الصعب الإجابة عنها في مقال واحد، إلا أنه لا بد من الانتباه أولاً إلى قضية مهمة، وهي نسبة المشاركة الجماهيرية في التظاهرات التي تحدث مقارنة بعدد السكان، وهي نسبة تكاد لا تذكر، الأمر الذي يثير تساؤلاً: من يقود هذه التظاهرات؟ فمن الواضح أن المعارضة شبه غائبة، والشعارات المرفوعة متباينة، وغير مصممة بشكل جيد؟ فهل هذه التظاهرات -رغم أن البعض يراها ضخمة- أصوات فردية؟ وسمعت متظاهرين يقولون “لا نريد أن نقلب النظام” ومتظاهرين آخرين يرفعون لافتات ضد النظام، هي شعارات مختلفة، وتظهر نوعاً من ضعف التنظيم، ولكن لا شك أن هناك مطالب، على الرغم من اضطرابها .

النظام التونسي المخلوع لم تخلعه التظاهرات، خلعته قوة العسكر، والجيش، الذي كما يشاع، خيّر زين العابدين بن علي بين التنحي أو القتل، ما يعني أن الجيش تحرك وأحدث انقلاباً من وراء الستار، كما أسهم في خلع بن علي رفع الغطاء عنه من قبل حلفائه الرئيسيين، ونحن هنا لا نتحدث عن الثروة التي جناها بن علي وزوجته وأفراد أسرتيهما من خيرات تونس، فتونس كانت مقفلة على شعبها، الإعلام الخارجي ممنوع من الدخول إلى تونس، ولا أحد يعرف ما يحدث هناك، شأنه شأن العديد من الأنظمة المجاورة، إلا أنه ليس من السهل إطلاقاً تصدير ثورة الياسمين أو تحقيق أهدافها بالسرعة التي استغرقتها “ثورة البوعزيزي”، إلا إذا تحرك الجيش بقوته، وانحاز إلى الشعب، لكن هذا لم يحدث حتى الآن في دول عربية أخرى .

الإعلام الغربي تنبأ بثورة شعبية هنا وهناك بعد تونس، وما تخوف منه الشعب التونسي من تسلم الإسلاميين السلطة قد يحدث في غيرها، فالإسلاميون بدأوا يجيرون التظاهرات لمصلحتهم، وشيئاً فشيئاً قد يميطون اللثام عن وجوههم، ولا نظن أن أية انتخابات حرة ستتمكن من إقصائهم أو إفشالهم، بل من المتوقع أن يفوزوا في أي انتخابات قادمة، إذا ما حُل الحزب الحاكم .

الواقع العربي في كثير من الدول ولاسيّما في دول المواجهة مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، واقع صعب ومحيّر، لا كلمة للشعب في ما يحدث أو في ما يمارس من سياسات اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية أو سياسات خارجية .

لا نبخس هذه الشعوب حقوقها، ولسنا ضد التظاهرات والمطالبة بالحريات والكرامة والعيش الإنساني المحترم، إلا أن الخشية كل الخشية أن يتم إفراغ هذه الاحتجاجات من محتوياتها، فثورة الياسمين في تونس في خطر، ومحمد الغنوشي أحد أركان نظام بن علي يقود العملية السياسية في تونس، والجيش بدأ بتفريق الناس بالقنابل المسيلة للدموع، وقد يصل إلى مرحلة القمع المباشر والرصاص الحي .

لا نريد أن نحبط من عزم الناس ولا نشكك بنياتهم، إلا أنه من الواضح، أن قراراً اتخذ في مطابخ السياسة الغربية برفع الغطاء الأمني عن بعض الأنظمة، فالدول الغربية والأمم المتحدة متهمة بأنها تغض الطرف عن بعض الأنظمة في المنطقة، وما تحذيرات أمريكا وألمانيا وفرنسا سوى وجه واحد من رفع الغطاء، ومما لا شك فيه، أن الفوضى وعدم وضوح الرؤية يصبّان في مصلحة الكيان الصهيوني الذي يراقب عن كثب ما يجري، فقيام أنظمة وطنية في دول الجوار لن يكون في مصلحته أبداً، فالشعب العربي لا يمكن أن يطبع مع هذا الكيان، ومعظم الشعب العربي لا يعترف بشيء اسمه “إسرائيل” .

الشارع العربي يشهد ظروفاً استثنائية قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في بعض الدول، وفي أسوأ الأحوال، لن تؤدي إلى ترسيخ الأنظمة ذاتها، والأيام حبلى .

=======================

التنمية السياسية البعد الأكثر تجاهلاً

آخر تحديث:الاثنين ,31/01/2011

أسامة عبد الرحمن

الخليج

يتم التطرق في كثير من الأحيان إلى التنمية، من دون استيعاب كبير لمضامينها وأبعادها ومراميها، وينصرف النظر غالباً إلى التنمية الاقتصادية . ومع أن التنمية الاقتصادية، وهي بعد واحد من أبعاد التنمية الفعلية الشاملة، لها مضامين ومرام تتجاوز البعد الاقتصادي ضمن ترابط وتفاعل وتكامل بين أبعاد التنمية بما فيها البعد الاقتصادي والبعد السياسي والبعد الاجتماعي والبعد الثقافي والبعد التقني والبعد الإداري .

وإذا كان النظر ينصرف غالباً إلى البعد الاقتصادي فلأنه البعد الذي يبدو مردوده ملموساً بصورة أكبر، ولا يعنى ذلك أن البعد الاقتصادي للتنمية على الساحة العربية قد شهد إنجازات كبيرة يتعدى تأثيرها البعد الاقتصادي إلى أبعاد أخرى، وإن تفاوتت النسبة من قطر عربي إلى قطر عربي آخر، ولكن البعد السياسي أو التنمية السياسية تم تجاهلها إلى حد كبير، وإن كان هناك تجاهل نسبي للأبعاد الأخرى مع تفاوت النسبة بين قطر عربي وقطر عربي آخر أيضاً .

ولعل التنمية السياسية تبدو مسألة شائكة ومعقدة لأنها تتصل بالنظام السياسي وكينونته وشرعيته، ومن أهم مرتكزاتها الديمقراطية ضمن منظومة متكاملة للحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون واستقلال القضاء . وطالما هي تتعلق بالنظام السياسي وكينونته وشرعيته، فإن ذلك يعني أن النظام لن يعيرها أي اهتمام ويحاول أن يطمس أية محاولة لانبثاق مطالب بتحقيقها . ربما تكون هناك بعض الضغوط الداخلية أو الضغوط الخارجية لتطبيق الديمقراطية، ولكن النظام يحاول في الغالب أن يفرغها من مضمونها . لا ضير أن يهيئ واجهة شكلية لنمط فيه بعض مظاهر الديمقراطية وهي لا تعدو أن تكون صورية .

ربما كان للعولمة ضغطها لأن العولمة رغم أن بعدها الاقتصادي هو الغالب أو البارز، فإن لها أبعادها الأخرى بما فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتقنية والإدارية والفضاء الإعلامي الواسع، رغم ما فيه من قدر من الغثاء، فإن بعض آفاقه تنشر ثقافة التنمية السياسية، سواء بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة من خلال الكم الكبير من المعلومات عن الحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون واستقلال القضاء .

صحيح أن هذه كلها ليست كفيلة بإحداث نقلة نوعية كبيرة تحقق التنمية السياسية في وجه معارضة قوية وعنيفة من النظام السياسي . هذا ما يتضح على الساحة العربية، إذ تبدو أحياناً في بعض الأقطار العربية بعض المظاهر للديمقراطية تغيب عنها الديمقراطية . ولذلك قد تجرى بعض الانتخابات المحددة نتائجها سلفاً، ويستمر الوضع كما هو دون تغيير حقيقي، خصوصاً أن التغيير الحقيقي في الديمقراطية الحقيقية ومضامينها الموضوعية، يشمل تداول السلطة سلمياً، وهو البعد الأكثر استعصاء في الديمقراطية على الساحة العربية التي تشهد نتائج الانتخابات أنه بند يجري إقصاؤه عمداً مع سبق الإصرار .

إن التنمية السياسية ليست مجرد مظهر سياسي وهي البعد الأكثر أهمية بين أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والتقنية، لأنه هو الذي يتحكم إلى حد كبير في باقي الأبعاد . صحيح أن تحكم البعد السياسي في إطار التنمية الفعلية الشاملة يحدده هذا الإطار في تفاعل وتكامل بين جميع الأبعاد وتأثير وتأثر بينها، وأن البعد السياسي يبدو متحكماً في مفاصل التنمية بصورة جذرية في الدول التي لم تشهد النمو الديمقراطي الحقيقي، وفيها تتمثل إلى حد كبير شخصنة القرار التي تتحكم في مفاصل الحياة بكافة أبعادها .

ولعل هذا ما يوضح أن التنمية السياسية هي البعد الذي لا تنطلق إلا منه أي تنمية حقيقية بمضامينها الموضوعية مع أهمية باقي الأبعاد في إطار تكاملي، ولكن تجاهل التنمية السياسية أو إقصاءها يلقي بظلاله على باقي الأبعاد وقد تتحكم فيها الأهواء، والتوجهات الشخصية، في غياب المؤسسات الدستورية، والنظام الديمقراطي الحقيقي بكل منظومته . ورغم أن هذا البعد شائك ومعقد ويتم إقصاؤه غالباً، فإن حضوره يتطلب حشداً من التنوير بأهمية استحقاقه، شرطاً جذرياً لمستقبل عربي واعد يكلف تضحيات جساماً، كما حدث في تونس .

=======================

إرادة التغيير

صحيفة الراية القطرية

التاريخ: 31 يناير 2011

أقل ما يمكن قوله حول ما يشهده العالم العربي من أحداث هذه الأيام أنه دخل في خضم مرحلة جديدة لا يمكن التنبؤ بنهاياتها وانعكاساتها الداخلية والإقليمية والدولية.

غني عن القول ان العالم العربي يشهد احتلالا في العراق وفلسطين وانقساما على أسس عرقية في السودان ولبنان ومعارك داخلية في اليمن واحتجاجات شعبية متواصلة في الكثير من أقطاره لتوصيف ما يجري بأنه خطير جدا وينذر بكارثة بل كوارث.

مع بداية السنة الجديدة التي نشهد اليوم نهاية شهرها الأول وبينما كانت العيون مسلطة على اكبر بلد عربي من حيث المساحة السودان الذي يجري استفتاء مصيريا انتهى كما هو معروف الآن بانفصاله الى دولتين في الشمال والجنوب أنهى الشعب التونسي بثورة شعبية حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي منهيا حكما دام 23 عاما ومسدلا الستار على فقاعة كبيرة او أكذوبة كبيرة تبنتها المؤسسات الدولية وخصوصا البنك الدولي التي قدمت تونس كنموذج ناجح اقتصاديا وبلد مستقر نسب النمو فيه مرتفعة لنكتشف ان وراء ذلك فقرا مدقعا وبطالة مرتفعة وقبل ذلك حكما بوليسيا كمم أفواه الشعب التونسي طويلا.

قبل ان تلتقط الشعوب العربية أنفاسها من حجم المفاجأة التونسية وتبدأ في تحليل أبعادها وإمكانية انتقال الثورة الى بلدان عربية أخرى وهو الاحتمال الذي جرى نفيه من قبل السلطات الرسمية العربية التي تمترست خلف مقولة ان "الوضع التونسي مختلف " اشتعل الشارع المصري محتجا مطالبا بالتغيير والإصلاح ورحيل النظام القائم وهي الاحتجاجات التي ما زالت قائمة حتى هذه اللحظة تراقبها الحكومات العربية بصمت ويراقبها معها الشارع العربي الذي وجد في وسائل الاتصال الحديثة فرصة ليكشف عن شوق جارف للحرية والكرامة ولقمة العيش والحياة الكريمة.

ما يجب ان تدركه النخب العربية الحاكمة ان ما كان ممكنا قبل الثورة التونسية لم يعد ممكنا بعدها وان مطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد وتحقيق مبدأ تداول السلطة وحماية حقوق الإنسان وكرامته أصبحت عناوين لا مفر منها ولا مفر من اتباعها إذا أريد تجنيب المنطقة العربية مزيدا من الخضات المؤلمة التي قد تذهب بالبلاد والعباد.

 ثورة مصر أثبتت ان ثورات الياسمين مرشحة للامتداد الى أكثر من بلد عربي بل إن الشارع العربي بات يتداول أسماء الدول العربية المرشحة للثورة اذا استمرت حالة الإنكار الرسمي لحالة البؤس والفقر وانعدام التنمية وفرص العمل وغياب الحريات وقمع المعارضة التي تعشش في العديد من الدول العربية.. لنتعظ بما حدث ويحدث ولتبدأ الحكومات العربية بالتغيير بإرادتها قبل أن يفرض عليها بغير إرادتها وعندها سيكون حسابها عسيرا مع شعوبها

========================

لقلب الحقائق.. فريق إسرائيلي عبر الانترنت

موقع Monairlisation.co

ترجمة

الأثنين 31-1-2011م

ترجمة: محمود لحام

الثورة

منذ أكثر من 60 عاماً و«إسرائيل» مستمرة في جرائمها الدموية.. واعتداءاتها على الشعب العربي ، لا تقيم وزناً للقيم الإنسانية ولا للأعراف الدولية وتتجاهل القانون الدولي. بل إن الأيدي الإسرائيلية الخفية تقف وراء الكثير من الأعمال الإرهابية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.

ومع ذلك لم يصدر عن الأمم المتحدة ولا عن مجلس الأمن أي موقف حازم ولم يستنفر الأعضاء والدائمون لدى مجلس الأمن ولا مرة واحدة غيرة على الحق عندما ترتكب «اسرائيل» اعتداء جديداً. حتى إن المنظمة الدولية تقف موقف المتفرج المحايد الذي يكتفي بإصدار قرار إدانة في أفضل الأحوال... وفي حالات كثيرة جداً يستخدم مصطلحات من نوع: إن الأمم المتحدة تطالب اسرائيل ، أو تدعو «اسرائيل» ، وهذه القرارات لا يراد منها انتقاد اسرائيل بقدر ما هي تشكل نوعاً من التنفيس وإزالة الاحتقان والغضب المولدين نتيجة الجرائم الإسرائيلية.‏

ومعلوم أن اللوبي اليهودي موجود في معظم المجتمعات والدول وخاصة الغربية/ عواصم القرار/.. وهذا اللوبي يتغلغل في مفاصل هذه الدول وعلى وجه الخصوص السياسية والاقتصادية والمالية والإعلامية، ما يشكل أذرعاً أخطبوطية تطوق وتخنق القرار الحر لهذه الدول إن وجد ولذلك نجد أن هذه الدول لا تتجرأ على انتقاد «إسرائيل» على جرائمها كما حدث في حربها على غزة في كانون الأول 2008 وفي هجومها على قافلة أسطول الحرية الإنساني في أيار 2010 وغيرها ، لابل على العكس تساندها وتقدم لها شتى أنواع الدعم.‏

هذا هو المحور الذي ترتكز عليه السياسة الخارجية الإسرائيلية.. عبر التحكم بقرار الدول الأخرى من خلال الترغيب والترهيب معاً عن طريق المنظمات الصهيونية المتغلغلة في مجتمعاتها وبالمحصلة ترسم «اسرائيل» لنفسها صورة مزيفة تبدو فيها بأنها واحة الديمقراطية في هذا الوسط القائم على الإرهاب وبأنها الضحية لاعتداءات العرب.‏

يتعامل هذا المحور مع محور آخر تقوم به ما اصطلح على تسميتها«وحدات الصخب الإعلامي» وهذه الوحدات تستخدم تقنيات الاتصالات المتقدمة لنشر برامج هدفها تلميع صورة «اسرائيل» في الخارج مثل برامج:kiss و Giyus و abscons وكذلك برنامج H asbara وهذا الأخير يعني الدعاية ونشر الضروري بهدف تجميل صورة «اسرائيل» بعد تدهورها نتيجة قيام اليمين بدعوات للتصعيد والحرب في أكثر من مناسبة ولذلك جندت الحكومة الإسرائيلية فريقاً من المختصين في التوجيه والإعلام لبث ونشر معلومات مغلوطة ذات مردود إيجابي عليها في الصحافة والتلفاز والإنترنت.‏

وهذا الفريق السري من العاملين يقوم بالبحث والنشر عبر شبكة الإنترنت 24 ساعة متواصلة لتشكيل دعاية من المعلومات الإيجابية. وقوام هذا الفريق هو مجندون يحملون إجازات جامعية، ويمتلكون مهارات لغوية يلعبون دوراً مهماًَ «لإسرائيل» عبر بث معلومات مفبركة ومزيفة عن الصراع في الشرق الأوسط يظهر «اسرائيل» كأنها صاحبة الحق.‏

إن العاملين في هذا البرنامج لا يقدمون أنفسهم كإسرائيليين عبر مواقع الإنترنت وذلك لإحداث تأثير أوسع وإخفاء انتمائهم وبالتالي كسب المزيد من الرأي وتضليل الآخرين حول حقيقة الصراع في المنطقة مثلما كان الحال عند الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية عام 2010 حيث صور المشهد على أن الناشطين شكلوا تهديداً «لإسرائيل» وأنهم لم يستجيبوا لطلب السلطات الإسرائيلية وأنهم أبدوا مقاومة مسلحة.‏

لقد خصصت وزارة الخارجية الإسرائيلية ميزانية خاصة للفريق العامل على الإنترنت والمكلف توجيه الرأي العام الخارجي لدعم «إسرائيل» .. ففي العام 2009 تجاوزت نفقات هذا الفريق /110.000/ يورو، فقط للمرحلة الأولى من هذه البرنامج ورصدت ميزانية ضخمة أخرى للمراحل القادمة. وذلك نظراً للأهمية الكبرى التي تعطيها «إسرائيل» لموضوع الحرب النفسية المعاصرة التي تشكل جزءاً من الصراع العربي الإسرائيلي باعتبارها وسيلة استراتيجية تحول «إسرائيل» من معتدية إلى ضحية.‏

إن مهام فريق الدعاية هي خلق مواقع تفاعلية من خلال مواقع الاستطلاع والدردشة المعروفة باسم:blojs وTwitters و الFacebook وبث الأفكار المغلوطة وبالتالي كسب تأييد أكبر.‏

أما برنامج(Giyus.orj) وهو مختصر لعبارة / أعطي «إسرائيل» دعمك الكامل/ فهو يقوم على فريق آخر المستخدمين الذين يتناوبون على شبكة الإنترنت للدفاع عن «إسرائيل» عند ظهور انتقاد لها ومن مهامهم أيضاً مهاجمة المواقع المناهضة لإسرائيل والتشويش عليها.‏

كذلك طورت «إسرائيل» برنامجاً متقدماً يطلق عليه اسم(spot and shoot) والذي يعني / سدد وأطلق/ ويقوم على استخدام التقنية الإلكترونية البصرية إنه يعادل سياسة الاغتيالات ولكنه قتل عن بعد عبر ألعاب إلكترونية.‏

حيث يجلس أفراد هذا الفريق أمام شاشة التلفاز.. ممسكين بقبضة على غرار ألعاب ال/pilaystation/ وأفراد هذا البرنامج هم مجندون أنهوا خدمتهم العسكرية وتمثل الصور التي تظهر على الشاشة أشخاصاً حقيقيين هم فلسطينيون غالباً ومن غزة خاصة حيث يعمل هؤلاء المجندون على اقتناصهم الواحد تلو الآخر لتنتهي المعركة بالقضاء عى الفلسطينيين/ الذين يصورون على أنهم الإرهابيون/ وبالطبع هؤلاء القناصة ومن خلال تلك القبضة يمكنهم إطلاق النار والقضاء على الأعداء.‏

هذه الألعاب الإلكترونية هي صناعة لشركة رافائيل الإسرائيلية العاملة في مجال صناعة الأسلحة، و التي تمد الجيش الإسرائيلي بثلث المعدات التي يستخدمها في عملياته.‏

برنامج(kiss) وهو مختصر لعبارة(keep it stupid and simpie) وهو برنامج إلكتروني يستند على مبدأ وجود مواقع تفاعلية عبر الإنترنت.. وتطلب وزارة الخارجية الإسرائيلية من أفراد هذا البرنامج أن يتركوا للمحاورين الفرصة الكاملة لإبداء رأيهم وأن يشعروهم بأنهم محط اهتمامهم ومركز توجههم . وأن يسمعوا كل كلمة يقولها أولئك المحاورون ما سيشجعهم على الاستسلام والانقياد فيما بعد لأفكارهم وتبني آرائهم.‏

إنها الحرب الإعلامية التي تحاول إسرائيل تلميع صورتها من خلالها ولو تطلب ذلك تزييف الحقيقة.. ولذلك آن لنا كعرب أن نتنبه وأن نحاربها بأسلحة مضادة والعرب كقوة اقتصادية وبشرية قادرون على ذلك لكن متى البداية؟‏

 بقلم رينيه بنعا‏

========================

مصر: نهاية عهد أم نهاية نظام مستمر منذ 1952؟

خيرالله خيرالله

الرأي العام

31-1-2011

إنها نهاية عهد في مصر، لكنها ليست بالضرورة نهاية نظام قائم منذ العام 1952، خصوصا اذا استطاع الجيش السيطرة على الوضع مجددا ووضع حدّ لحال من الفوضى في ظل فراغ سياسي وامني يصعب على زائر القاهرة تخيله.

من فندق يقع على جزيرة وسط القاهرة الى المطار، استغرقت الرحلة الى المطار زهاء ساعة. كان ذلك ظهر السبت وذلك قبل ان يطرأ مزيد من التدهور على الوضع. كانت تلك الساعة كافية للتحقق من الانهيار الذي اصاب قوات الامن الداخلي التي اسمها "الامن المركزي" والتي لم يعد لها اثر في اي زاوية من زوايا العاصمة المصرية. حتى شرطة السير لم تعد موجودة. كان مواطنون عاديون يشرفون في منطقة الجيزة وغيرها على تنظيم السيرعند تقاطع الطرق الرئيسية او المستديرات الكبيرة!

قبل اربع وعشرين ساعة، كان افراد الامن المركزي منتشرين بالآلاف في الشوارع الرئيسية وعند مداخل الجسور التي تربط بين ضفتي النيل وفي ميدان التحرير. كان عدد هؤلاء يتجاوز في احيان كثيرة عدد المتظاهرين. فجأة لم يعد لهم اثر. كل ما يمكن مشاهدته هو آليات تابعة لهم احرقها المتظاهرون الذين تجرّأوا حتى على ملاحقة افراد المركزي المدربين اصلا على قمع التظاهرات وتفريقها والقاء القنابل المسيلة للدموع.

ما الذي جعل المتظاهرين يتجرّأون على الامن المركزي؟ ذلك السؤال يطرح نفسه بحدة وهو احد الاسئلة الكثيرة التي يتداولها المواطنون العاديون في وقت يبدو واضحا ان مصر دخلت مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة فيما يمكن القول ان القاهرة تغيّرت. تغيّرت الى درجة لم تعد هناك اي هيبة لرجل الامن الذي بات عليه ان يحمي نفسه من المتظاهرين وليس العكس.

خلال اسبوع، شهدت القاهرة ومدن مصرية اخرى لاحقا نوعين من التظاهرات. في مرحلة اولى، كانت هناك تظاهرات يمكن وصفها ب"المؤدبة" يشارك فيها شبان من كل الطبقات يطالبون باصلاحات سياسية. بدا في تلك المرحلة ان الامور لا تزال تحت السيطرة وان كل ما في الامر ان هناك طلابا جامعيين ومثقفين من كل الانواع والفئات يريدون استعادة التجربة التونسية في مصر، لكنّ الناس ليست كلها معهم وهم يمثلون نخبة لا اكثر.

كانت نقطة التحول يوم الجمعة الماضي. فجأة، بعد صلاة الجمعة، صار على رأس التظاهرات شبان مدربون على كيفية التعامل مع قوات الامن المركزي. كان هناك محترفون يلتقطون القنابل المسيلة للدموع ويعيدون القاءها على عناصر الامن. كان بينهم من يسارع الى اشعال النار في الشاحنات الخاصة بالشرطة والتي كان رجال الامن المركزي يستخدمونها دروعا. انهارت معنويات الامن وفتح المجال واسعا امام سرقات من كل نوع شملت حتى مصارف ومخازن في احياء راقية مثل المعادي وشارع قصر النيل والمهندسين وميدان التحرير. في حيّ المهندسين، تعرضت المحلات التي في شارع لبنان الى عملية نهب منظمة. كان هناك ايضا اعتداء على فنادق وحتى على بيوت. لكنّ الاهمّ من ذلك كلّه، انه كانت هناك عمليات اقتحام للمخافر التابعة للشرطة وسرقة ما فيها من اسلحة ووثائق ثم احراقها. كان هناك ايضا اذلال مبرمج للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي حصد مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات الاخيرة. وقد تبين نتيجة الاحداث الاخيرة ان الحزب غير قادر حتى على الدفاع عن مقره الرئيسي الذي احرقه المتظاهرون!

انهارت مؤسسات الدولة في مصر، على رأسها وزارة الداخلية، ولم يبق غير الجيش. ساهم في الانهيار الاعلان يوم الجمعة عن ان الرئيس حسني مبارك سيلقي كلمة موجهة الى المصريين. لم يلقها الاّ بعد مضي خمس ساعات على صدور الاعلان عن نيته التوجه الى مواطنيه. شرّع ذلك الابواب امام كل انواع الاشاعات والبلبلة. استغل المتظاهرون ما يشبه الفراغ ليزيدوا ضغطهم في كل الاتجاهات متحدّين حظر التجول في وقت كان الجيش ينتشر ببطء شديد لحماية المؤسسات الرسمية والمراكز الحيوية. لم تكن هناك اي حماسة لدى الجنود للتصدي للمتظاهرين. اكتفوا بابعادهم قليلا عن مبنى الاذاعة والتلفزيون في شارع قصر النيل المحاذي للنيل الذي تقع قربه وزارة الخارجية. لم يتدخل الجنود لفرض منع التجول الذي كان بدأ سريانه في السابعة مساء. على العكس من ذلك كانوا يتحدثون الى المتظاهرين الذين راحوا يكتبون عبارة "يسقط مبارك" على الدبابات والمدرعات. كان ملفتا ان الجنود لم يمحوا العبارة، التي بقيت على الآليات.

ماذا يريد الجيش؟ كان ذلك هو السؤال المطروح في القاهرة مساء السبت الماضي. وصلت البلبلة حتى الى مطار العاصمة المصرية الذي تدفق عليه آلاف الرعايا العرب والاجانب الذين ارادوا مغادرة مصر بعد شعورهم بالتهديد المباشر في الفنادق التي حلّوا فيها. كان واضحا ان معنويات الجنود والضباط وعناصر الاجهزة الامنية في المطار منهارة. لم يكن هناك من يريد اجراء تفتيش جدي للمسافرين.

بدا واضحا ان الجيش ليس مستعدا للدفاع عن التركيبة الحالية للنظام اذا لم تتوافر شروط معيّنة كان الرئيس حسني مبارك يرفضها في استمرار. من بين هذه الشروط تعيين نائب للرئيس يمتلك خلفية عسكرية. وجاء اسناد هذا المنصب للواء عمر سليمان (75 عاما) بمثابة تنازل كبير من مبارك من دون ان يعني ذلك ان الجيش حقق كل مطالبه نظرا الى انه كان يفضل تعيين ضابط كبير يصغر عمر سليمان سنّا في هذا الموقع كي يقطع الطريق على اي تفكير في التوريث. وتردد في هذا المجال ان الفريق سامي عنان رئيس الاركان رفض عرض مبارك تولي رئاسة الوزارة نظرا الى انه موقع يمكن ان "يحرق" مستقبله السياسي...

بعد اقلّ من اسبوع على الاحداث التي تشهدها مصر. تبدو الصورة كالآتي: هناك خاسر كبير هو الرئيس حسني مبارك، الذي لم يعد الحاكم المطلق لمصر، ومعه الحزب الحاكم برموزه القديمة والجديدة مثل السيد صفوت الشريف والسيد احمد عزّ. هناك خاسر آخر هو المؤسسة الامنية التي كانت تديرها وزارة الداخلية بشخص الوزير حبيب العادلي الذي يظهر انه دخل في مواجهة مباشرة مع المؤسسة العسكرية. ولدخول الجيش مبنى وزارة الداخلية امس لتمكين العادلي من مغادرتها سالما، معنى كبير. يعني ذلك ان الامن، كل الامن، صار في عهدة مؤسسة واحدة هي القوات المسلحة. فقدت وزارة الداخلية والاجهزة التابعة لها استقلاليتها عن المؤسسة العسكرية.

هناك رابحان كبيران هما المؤسسة العسكرية التي تحلق حولها المصريون علما بانهم لا يعرفون ماذا تريد بالضبط باستثناء استبعاد احتمال التوريث. وهناك الاحزاب المصرية، على رأسها "الاخوان المسلمون" الذين اظهروا قدرة كبيرة على تنظيم انفسهم وتوفير زخم مستمر للتظاهرات ومواجهة قوات الامن المركزي التي انهارت كليا.

هناك رابح اخير هو الفوضى. هل من يخرج مصر من الفوضى التي يمكن ان تتطيح كل المؤسسات. هل تدخل الجيش في الوقت المناسب؟ هل لا يزال الوقت يسمح له بلملمة الاوضاع والمحافظة على النظام؟ الاكيد انه صار شريكا اساسيا في السلطة وان مصر دخلت مرحلة انتقالية. بعد يوم الجمعة 28 كانون الثاني- يناير 2011، هناك مصر اخرى. هناك قاهرة اخرى. شكل الناس في الشارع تغيّر. صار المصريون يتحدثون بلغة اخرى. صاروا يتحدثون عن الديموقراطية بصوت عال منتقدين كل المسؤولين. ربما كان الصوت العالي يستهدف التغلب على القلق الذي يساورهم اكثر من اي شيء آخر!

=======================

صوت الجماهير...

د. بثينة شعبان

الرأي العام

31-1-2011

عادت مصر مرة أخرى إلى زمن كانت أسماع وقلوب ملايين العرب ترنو إلى المذياع لسماع صوت جماهيرها، يومها كان الآباء يتسمرون أمام أجهزة المذياع القديمة ليسمعوا الكلمة السحرية المليئة بالحرية والكرامة والأمل بمستقبل زاهر للعرب موحدين متضامنين، ليسمعوا أم كلثوم: رصوا الصفوف... ملايين وقلوب، واليوم يتسمر الجميع مرة أخرى ولكن أمام شاشات التلفاز يراقبون وقلوبهم المحبة ترنو إلى ما يجري في مصر الكنانة فكل ما يحدث فيها يؤشر إلى ما سيفتح أمام العرب آفاق مرحلة تطور جديدة، نهضتها أشرت إلى نهضة العرب، وكفاحها ضد الاستعمار أشر إلى افتتاح عهد الحرية للشعوب العربية، واليوم نسمع صوت الجماهير الهادر يتكلم مرة أخرى في شوارعها، فنعرف أنهم يصنعون زمناً جديداً. هل هذا زمن خروج الجماهير العربية إلى الشوارع لفرض إرادتها على حكومات فرضت إرادتها، وشعاراتها، وآلهتها، واخفاقاتها، وتحالفاتها، وشقاقها على الملايين طوال عقود دون أن تحقق آمال وطموحات هذه الملايين أو قطاعات كبيرة منها فاختلطت المظالم وتراكمت مشاعر الاحباط، والخذلان، والعجز سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والجماهير تتلظى بنيرانها دون أن تشعر النخب العربية الحاكمة بنبض جماهيرها الذي يكتنز الغضب بعد الغضب؟

خرجت الجماهير حتى ملأت شوارع تونس، والأردن، واليمن فانشغل الغرب عنها، ولكن عندما علا صوت الجماهير في مصر اهتز العالم «الحر» بالتحليلات عن حال العالم العربي، فأخذوا يبحثون مستوى النمو، ونسبة البطالة بين الشباب، ونسب النموّ المطلوبة كي يتمكن كل هؤلاء الشباب والشابات من إيجاد فرص عمل والانخراط الحقيقي بصنع مستقبل بلدانهم. وبدأت الحكومات الغربية تصدر تصريحاتها التي تتجاوب مع التقارير المقدمة لها لتحضّ على عدم استخدام «العنف» أو لتدعو الحكومات العربية لإجراء «إصلاحات سياسية» تسمح للجماهير بالتعبير عبر صحافة حرة، أو مجالس نيابية فيها صوت معارض وكلنا نعلم أن هذا الغرب لا يهمه من أمرنا سوى حماية أمن إسرائيل والنفط، وهي التي تفرض على حكوماتنا الجمود، والهتاف بالشعار والتخاتل بالعار، ولا يهمها الفساد، أو الاضطهاد، فكل ما يهمها قرة عينها إسرائيل، ونفطنا المنهوب. وفي الوقت الذي يحاول «خبراء الشرق الأوسط» في واشنطن ولندن وباريس تحليل ما يحدث وإعطاء الأجوبة الشافية لحكوماتهم ولرأيهم العام لم يتطرق أي منهم إلى الأسباب الحقيقية، ربما لأنها لامرئية بالنسبة لهم. لا شك أن حاجات الملايين من جيل الشباب في العالم العربي كله في حاجة إلى معالجة مختلفة عما اعتادت عليه الحكومات العربية، فهذا جيل يعيش في القرن الواحد والعشرين وهو بذلك في أمس الحاجة إلى الانخراط الحقيقي في بناء دولته ومستقبله ومستقبل أبنائه، إلا أن الأسباب الحقيقية لمخزون الغضب متداخلة، ولا يمكن تبسيطها أو تفسيرها بأنها بسبب البطالة أو للبحث عن لقمة عيش. فقد كان الشاب التونسي بوعزيزي الذي أشعل فتيل ثورة الجماهير التونسية يعمل، بعد أن تخرّج في الجامعة منذ أعوام، على عربته إلى أن شعر بإهانته وإذلاله والتطاول على كرامته من قبل قوات القمع إلى حد اليأس الكامل فأشعل النار بجسده الذي مثّل جسد جيل كامل. فكان انتحاره القشة التي هدمت جدار الخوف القائم بين أقرانه من جيل ملايين الشباب العربي وبين جبروت الحكومات، وربما هذا هو ما أشعل شرارة المطالبة بإحداث التغيير في العالم العربي برمته. الصرخة إذاً هي صرخة من أجل كرامة المواطن في هذا البلد العربي أو ذاك أو هي كرامة عربية مهانة من رؤية أهل محاصرين في غزة، ومن رؤية ستة ملايين فلسطيني يعيشون منذ أكثر من (63) عاماً في المعتقلات الكبيرة داخل بلدهم المحتل عام 1948 وفي المخيمات، ويقتلون يومياً أمام عجز رسمي عربي دائم.

واللافت اليوم هي ردود الأفعال الأميركية المواكبة للمظاهرات في مصر والتي تجاوزت إلى حدّ بعيد الاهتمام الأميركي بما حصل في تونس أو الأردن أو اليمن أو لبنان وهذا أمر مفهوم. فنرى أن جلّ التحليلات الأميركية وردود الأفعال الرسمية قد ركزت على غلاء الأسعار، والفقر، والبطالة، والفساد ولم يأت أي مسؤول أميركي على ذكر البعد المتعلق بالحروب المهينة التي أثارت غضب الجماهير مراراً وتكراراً والتي حالت دون وقوفها مع الأشقاء في غزة ولبنان وفلسطين والعراق في أحلك اللحظات. ورأينا الوزيرة كلينتون تصرِّح مرة بعد أخرى، وكذلك الرئيس أوباما بتعابير متصاعدة وصلت حد تهديد أوباما بقطع «المساعدات» عن مصر.

ليس من الصعب العودة لمراجعة المحطات الحساسة التي كانت تراكم الغضب في الضمير العربي خصوصا الشعور المتراكم بالإذلال والإهانة والعجز الذي يشعر به ملايين الشباب أمام عجز حكوماتهم وصمتها أمام الويلات التي تعرضّ لها العراق وفلسطين وغزة، هذا الشعور الذي تهمله دوائر القرار الأميركية والغربية لأنها تستهدف أساساً إلحاق هذه الإهانة بالعرب معتمدين على قدرة الأجهزة الحكومية على قمع صوت الجماهير المطالب بالتضامن العربي. فلا زلت أتذكّر يوم سقوط بغداد في 9 ابريل عام 2003 تحت براثن حرب بوش المتعطشة لدماء العرب وجه إمرأة عربية تبكي وتصرخ «هذه بغداد تسقط، أين أنتم يا عرب» وتكررت صرخة: «أين أنتم يا عرب» مراراً عندما كانت إسرائيل تقصف المدنيين في بيروت عام 2006 وعندما كان مجرمو الحرب الإسرائيليون يقصفون المدنيين في غزة بالفوسفور الحارق، ليختزن الغضب العربي في قلوب الملايين وها هو ينفجر ضد العجز والفساد والتبعية.

وقد شاركت «ويكيليكس» بكشف التواطؤ مع العدو ضد الشقيق، وإخراج ما يدور في أروقة الحكومات المغلقة على الجماهير إلى العلن، فوجَّهت بذلك أيضاً سهماً جارحاً لقلوب جماهير كان لديها أمل إلى وقت قريب بأن حكوماتها تمثل ضمائر ومصالح شعوبها وإذ بها تتصرّف في السر بشكل مناقض تماماً عمّا تدّعيه في العلن وأتت أيضاً مكتشفات «الحقيقة ليكس» و«ترانسبيرنسي» لتؤكد ابتعاد المؤتمنين على مصائر شعوبهم عن حقوق شعوبهم فتراهم يحرِّضون العدو على الشقيق.

أولا نتذكر جميعاً كيف تمّ منع شباب العرب في مدن وبلدان عربية عدة حتى من التظاهر دعماً لشعب العراق وغزة وفلسطين، وكيف يتم اعتقال الذين يعملون على إيصال الطعام والدواء لإخوانهم المحاصرين من قبل عدو مجرم غاشم، وتتم محاكمتهم كمجرمين، بينما يتم استقبال مجرمي الحرب على غزة ولبنان أمثال تسيبي ليفني، وباراك، ونتنياهو؟

الحقيقة هي أن الشعب العربي لا ينسى ولا يهمل، وها هو يبرهن أنه قد تجاوز حكامه، وحاله يقول لقد أمهلناهم طويلاً ولم يعد ينطلي علينا أي تصرّف يفرِّط بحقوقنا، كما أن الشعب العربي يشعر بضميره ووجدانه بوحدة المسار والمصير فيغضب في مصر والجزائر وتونس حينما يشعر أن إخوته في فلسطين والعراق يقعون تحت ضيم حرب وحصار واحتلال جائر دون أن يستطيع التضامن معهم، وهذه هي الحقيقة التي لا يريد الكثيرون من الحكام المحاصرين بالضغوط الأميركية الاعتراف بها، ففي الوقت الذي استمتع الحكام بنتائج سايكس بيكو ما زال رابط اللغة والثقافة والدين والتاريخ والمصير تجمع العرب من المحيط إلى الخليج ومازال ما يجري للفلسطينيين من ظلم، وإجرام، وقتل والذي يقابل إما بصمت بعض الأنظمة أو بتجاهلها لما يحدث مازال يشكّل غصّة، وحرقة، وغضباً متراكماً في قلوب أبناء الضاد. وفي هذه النقطة يكمن الاستغراب الغربي في أوروبا والولايات المتحدة للتفاعلات اليوم في عالمنا العربي، لأنهم اقنعوا أنفسهم أن فتات المساعدات التي يدفعونها للسلطة تبرئ ذمتهم اتجاه فلسطين غير مدركين أن المطلوب منهم هو موقف واضح وصريح وجريء دعماً لحرية شعب فلسطين وخلاصه من العبودية اليهودية، وليس المطلوب دعماً لشخص هنا وآخر هناك أصبح أسيراً لمساعداتهم وتقييماتهم. إن ما يجري اليوم في البلدان العربية مؤشر واضح للغضب المخزون في قلب كل عربي الذي يتراكم منذ عقود داخله ويتحول إلى حنق شديد وهو يرى المنازل الفلسطينية تهدم يومياً بالجرافات الإسرائيلية أمام عينيه، وشيوخ فلسطين يقتلون وهم نيام في أسِرتّهم، وأطفال فلسطين يعانون قرّ الشتاء والمرض والجوع نتيجة احتلال غاشم ظالم ونتيجة صمت عربي رسمي مطبق ومخزٍ من هذا الاحتلال.

لذلك فإن قلق الولايات المتحدة ومتابعتها لما يجري هو قلق على كيان مجرم في منطقتنا هو السبب الرئيسي لارتكاب هذه الحروب، والخراب، والمظالم بحق شعوبنا، وإذا كان الغضب اليوم يتجه إلى الحكومات، والمطالبة بتغيير الحكام، وأساليبهم، فلا شك أن موقف هؤلاء من قضية فلسطين وحق العرب في استقلال فلسطين وتحريرها من براثن الاحتلال الإسرائيلي تشكِّل عاملاً أساسياً في كلّ ما يجري وستكون له انعكاساته ونتائجه ليس خلال الأسابيع والأشهر القادمة وحسب وإنما خلال الأعوام المقبلة، كما كانت نكبة عام 1948 وهزيمة 1967 مؤشران لتحول جذري في المجتمعات العربية. من الواضح أننا على أبواب مرحلة قرر جيل الشباب فيها ألا يعيشوا أمواتاً بل أن يموتوا من أجل أن يحيو حياة حرة كريمة.

=======================

كما زين العابدين.. كذلك حسني مبارك

خليل حسين

السفير

31-1-2011

ما بين تونس ومصر صور كثيرة متشابهة لجهة انهيار النظام وآثارهما الداخلية والخارجية. لكن لمصر صورة تبدو مختلفة نظراً لموقعها ودورها وثقلها الإقليمي وربما الدولي. لكن اللافت ما بين الاثنين طريقة تداعي النظام وتمسك الرئيسين في كل منهما بالسلطة إلى الرمق الأخير، ومحاولة إحياء عظام النظام وهي رميم.

الأهم من تلك الصورة، هو ما خفي وراءها من صور لأنظمة متهالكة أصلاً، باتت عبئاً يصعب الدفاع عنه، بخاصة من القوى الدولية التي كانت سدداً ومدداً لها. وإذا كان المشهد الحالي يظهر على انه إعادة إنتاج أنظمة شرق أوسطية من لدن الجماهير وتعبيراتها العفوية، فإن ما يثير التساؤل أيضاً، حول الدور الذي تلعبه واشنطن تحديداً في محاولة احتواء هذه الثورات التي وصفتها يوما الإدارة الأميركية بالمخملية.

فلم تكن رائحة الياسمين تهبّ على تونس وخروج «زينها» من الحكم بعد 27 عاماً، حتى حطَّ مهندس الثورات المخملية في الشرق الأوسط جيفري فيلتمان في محاولة لإعادة رموز الحكم إلى السلطة بتخريجات دستورية مختلفة. وفي مجال المقاربة والمقارنة، يأتي الخطاب الأخير للرئيس المصري ليعيد ذاكرة الخطاب الأخير أيضاً لزين العابدين، وفي كلتا الحالتين وعود وردية بالإصلاح بعدما تخطت الجماهير هذه الشعارات وانتقلت إلى المطالبة بإسقاط النظام.

في كلتا الحالتين، ثمة دروس مستفادة ينبغي على من ينتظر دوره من العرب الاتعاظ منها وأخذ العبر علّها تنفع قبل ان ينسخها الندم. وهنا لا حاجة للمتتبع المزيد من العناء، لاستقراء أوضاع نُظم عربية كثيرة تنتظر جماهيرها لتقول كلمتها، وتطلق رصاصة الرحمة عليها وان عز ثمنها. ولكن ثمة مفارقة لا تخلو من الغرابة هنا أيضاً، أن هذه الأنظمة تعرف ان ساعتها قد أزفت، وهي لا زالت تكابر وتفاخر بإنجازاتها وإذا ما اعترف احدهم بمسؤولية السلطة عن حالة ما، فهي ترمي المسؤولية على الحكومات، وتدفعها للاستقالة كخط دفاع أول عنها علَّ كسب الوقت قليلاً يجعلها تقدم المزيد من التنازلات الخارجية لحماية داخلها المهترئ أصلاً.

ما حدث في مصر ليس أمراً عابراً يمكن القفز عنه، نظام استهلك أربعين سنة من التاريخ بعد رحيل الرئيس عبد الناصر، فأسس ودعَّم بيئة عربية وإقليمية كانت بمثابة الزلزال على أفكار ومعتقدات ورؤى هذه الشعوب. فأخرجت مصر من عروبتها وألبست لبوساً ليس لها، وأجبر شعبها الخضوع لحكم القهر والفقر بهدف إجباره على نسيان قضاياه أيضاً، اليوم لم تُعمِه مكر وكدر الأربعين عاماً، قام ليقول كلمته لكن في الأفق من سيحاول الالتفاف عليه وعلى مطالبه مجدداً فهل يعلم ذلك ولو بالفطرة.

في تونس ومصر استجاب القدر لحياة الشعبين، لكن هبّة الشعوب بعفويتها المعهودة لا تكفي للوصول إلى مبتغاها، ثمة مستلزمات بل ضرورات ملزمة ينبغي توفرها، من بينها برامج وآليات بديلة تقودها أحزاب معارضة قادرة على ترجمة مطالب جماهيرها دون تسويات غالباً ما تقع فيها.

وإذا كان الكلام يطول بطول عراقة أرض الكنانة تاريخا وجغرافيا، فان الكلام أيضا سيطول على الضفة الأخرى من اليمن السعيد الذي يتلمس خياراته أيضاً مع أخواته الغارقين بملهاة نزاعات السلطة بأصولها وفروعها. والسؤال الأكثر حراجة من سيلتحق بركب السعادة اليمنية وقطارها الذي يزعق أصواتاً وغباراً في صحاري ربما لم ولن تعد تردد الصوت فقط، بل برمالها المتحركة يمكن ان تلفح شعارات باتت متشوقة لها.

منذ العام 1991 والإدارات الأميركية المتعاقبة تردد شعارات مشروع الشرق الأوسط الجديد بمختلف حُللِه ولبوسه، تارة بالقوة الناعمة حتى ما قبل العام 2001، وتارة بالقوة الغليظة ما بعد ذلك. فكان احتلال العراق وأفغانستان ومن ثم العدوان على غزة ولبنان. حتى الآن غالبية ما أملت به واشنطن تداعى، وهي الآن تعيد إحياء تجربة الاستفادة من الثورات وان كانت غير مخملية، ترتب رحيل رؤساء الأنظمة وتتحين الفرص لإبقاء رموزها في السلطة.

ولسنا هنا في معرض التعرّض لقيمة هذه الانتفاضات ورمزيتها في الذاكرة الجماعية لأصحابها، بقدر ما هو الخوف على المستقبل المجهول الذي تعوّدنا عليه نحن العرب، بسبب وهن وضعف وارتهان أحزابنا المعارضة. التي تطلق شعارات ليست هي ولا جماهيرها قادرة على احتوائها وسرعان ما يدّب الجُبن فيها وتتراجع، وتبقي جماهيرها أمامها لتترك فيما بعد لقدرها.

ربما اليوم شعوبنا العربية بحاجة ماسة لإنتاج بيئات قادرة على مجاراتها واللحاق بها عند رفع صوتها. بحاجة لأحزاب وتيارات جبهات تترجم همها وواقعها، بحاجة إلى بيئات تقف أمام جماهيرها لا أن تتلطى ورائها وتفترق عنها عند أية تسوية تحفظ حصصها في السلطة.

الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة في دولنا العربية، لكن العبرة أيضاً تكمن في سلوكنا وفهمنا وقدرتنا على قيادة أنفسنا ومعرفة ما نريد أو بالأحرى ما يصلح لنا. لكن مشكلتنا نحن العرب بنخبها ومثقفيها وأكاديمييها وبجميع شرائحها المتواضعة أيضاً نلهث ونركض ونستسلم عند أول منعطف تلوح أو بالأحرى تفوح منه مكاسب خاصة.

تجربة مصر وتونس ربما يكون فيها الكثير من العِبر المقلقة كما النيّرة، لكن الأهم من ذلك ان تبقى هذه الجماهير بعفويتها متنبهة لما يحاك حولها، لكي لا تستيقظ يوما لتجد من سرق كلمتها ورغيفها، عاد وزعَّم نفسه عليها.

وإذا كان الغضب الساطع آتياً، كما أنشدت فيروز يوماً في عز «النكسة» العربية، فان هبة جماهيرنا في وجه من يحكمه بالحديد والنار، لا ينبغي ان ينسينا أيضاً قُدسنا، فخيار شعبنا في مصر ينبغي ان يستعيد ذاكرته الجماعية التي حاول من حكمها ان يمسح في اتفاقات كامب ديفيد كل صلة بعمقها، فهل يتجرأ من سيأتي لاحقاً ولو الحديث همساً بمواقف مصر الخارجية وبخاصة تجاه «إسرائيل» المتوجّسة والمضطربة والمرتعبة من هذه الخطوة.

ثمة كلمة فصل ينبغي قولها، خرجنا نحن العرب من التاريخ بأيدينا وسَنُخرج من الجغرافيا. وباقي الأنظمة تنتظر شعوبها لتهزها من سبات عميق بعضها استمر ثلث قرن وبعضها الآخر اقل من نصف قرن، أنظمة دولية وإقليمية تغيّرت، ونحن لا زلنا ننتظر على أرصفة من يتحكم بقياداتنا. لكن في مطلق الأحوال ينبغي ان نعلم، ان الله لا يغير ما في قوم، حتى يغيروا ما في أنفسهم . ياسمين تونس هبت وتلقفها شمُّ النسيم في مصر قبل حلوله، فهل يتعظ باقي العرب؟ّ!

[ أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

========================

عين قلقة على مصر وسط غموض البدائل والدعم الإيراني

أي صلة "للإنقلاب" الداخلي بالأحداث العربية ؟

روزانا بومنصف

النهار

31-1-2011

حبس لبنان انفاسه وكذلك فعلت دول العالم في الايام الأخيرة بإزاء الاحداث في مصر باعتبار انها قد تكون الأهم في العالم العربي منذ حرب 1967 في حال استمرت في التصاعد ووصلت الى مرحلة مصيرية بالنسبة الى النظام المصري. فمصر هي قلب العالم العربي وهي تمثل تاريخيا وواقعيا اكثر من نصف العالم العربي فضلا عن انها قلبه النابض ونقطة توازنه. وتبعا للمنطق الذي يسود الواقع السياسي في لبنان منذ عقود من ضرورة متابعة ما يجري في فلسطين او في انحاء مختلفة في العالم العربي لتلمس كيفية مسار الامور واتجاهاتها في لبنان نظراً الى واقعه كساحة لترجمة كل الخلافات وتنفيس كل الاحتقانات في المنطقة، يصح بقوة ايضا متابعة ما سيحصل في مصر من اجل تبيان إتجاه الامور في لبنان في المرحلة القريبة المقبلة على ضوء تطور الوضع هناك وما اذا كان يمكن التظاهرات ان تنهي النظام المصري. فضلا عن التساؤل الاكبر المتصل بامتدادات التطورات المصرية الى دول عربية اخرى على غرار تطورات الوضع في تونس التي ساهمت في إشعال الأحداث في مصر. وفي حال تمكنت هذه التطورات من النظام الذي يرئسه الرئيس حسني مبارك اي نظام حكم ممكن في ضوء احتمالات متعددة لم يعد يرد فيها بقوة امكان استمرار الرئيس المصري من دون تغييرات جذرية وجوهرية في ظل ضغوط دولية كبيرة في هذا الاتجاه تحاول مواكبة ما يحصل في الداخل وفي ظل اضطراب دولي اسفر على الاقل من جهة الاميركيين الحلفاء للنظام المصري عن مواقف غامضة لم يرد فيها استمرار دعم الرئيس مبارك في مقابل انعدام فرصة ان يخلفه ابنه وفق ما كان متداولا لاعوام عدة. لكن حتى التغيير مقلق جدا وفقا لكل المتابعين نظرا الى عدم وجود فكرة واضحة عن البدائل الممكنة لتشكيل سلطة سياسية اخرى من بين القوى الداعمة للمتظاهرين باعتبار ان التغيير يبدأ بشيء وينتهي بشيء اخر كما حصل في ايران مع بدء التغيير مع معتدلين على غرار ابو الحسن بني صدر وانتهائه في ايدي ديكتاتورية دينية باتت تقوم منذ اكثر من ثلاثين سنة بما يمكن ان يعنيه هذا السيناريو من تغيير كبير في الخريطة الجيواستراتيجية والسياسية وحتى الثقافية في المنطقة على ما حصل مع الحكم الايراني. فضلا عن ان التغيير غير واضح المعالم او الاهداف في ظل عوامل معروفة تتصل بما يتصف به النظام المصري من اعتدال اسلامي وعلاقات جيدة مع الغرب وعلاقات ديبلوماسية مع اسرائيل في حين ان روزنامة المطالب شيء واهداف السلطة شيء اخر. ودخول ايران على خط دعم التظاهرات المصرية علنا، على رغم انها كانت تتهم المعترضين الايرانيين على النظام لديها قبل اشهر قليلة بالعمالة للغرب وتطلق عليهم النار، يمكن ان يحول المنحى السياسي للتظاهرات المصرية الى انتفاضة اسلامية ضد الاعتدال والغرب وخصوصاً ان هناك جذورا اعتراضية في مكان ما منذ الاتفاق مع اسرائيل على موقع مصر. وتاليا فان تحويل الانتفاضة الشعبية المصرية في هذا الاتجاه يضع ما تتصف به دول عربية من اعتدال في خطر كونه على نقيض من هذه الاتجاهات متى حرفت ووظفت سياسياً تماماً كما اصبحت السلطة الفلسطينية في خطر او ما يمكن ان يلحق الاعتدال في لبنان من خطر تبعا لذلك انطلاقا من ان الاتجاهات الاصولية تدعم الاتجاهات المماثلة في كل انحاء العالم العربي.

من هذه الزاوية تخيف احتمالات التغيير التي يتفاعل من ضمنها الوضع في مصر وقبل اتضاح الصورة الاوساط السياسية اللبنانية التي لم تستوعب بعد الانقلاب السياسي الداخلي الذي حصل ومن امن التغطية السياسية له في الخارج باعتبار ان التغطية الداخلية واضحة بالنسبة الى هؤلاء في التحول الدراماتيكي للنائب وليد جنبلاط بين موقف معلن يوم الاثنين 16 كانون الثاني يشرح فيه اسباب وضرورة اعادة تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة العتيدة وتغير موقفه بعد الاستنفار الامني الرمزي ل"حزب الله" في شوارع بيروت في اليوم التالي للموقف الجنبلاطي مما ساهم في اعادة صوغ موقفه وموقعه السياسيين في اتجاه اطاحة الاكثرية النيابية والرئيس سعد الحريري. في حين تبحث الاوساط السياسية عمن سلم من الخارج بالوضع اللبناني مجددا واعاد اليد السورية جزئيا إليه وتاليا امكان تطور او توظيف هذا الوضع الجديد في ضوء التطورات في مصر وما اذا كان ما حصل في لبنان من استعجال للامور على النحو الذي حصل في الايام العشرة الاخيرة متصل بواقع معين يعمل على اساسه في المنطقة. فاذا كان التغيير في مصر سيكون فيضانا جارفا فهناك من يتقن لعب دور السدود او يعرض نفسه لان يكون كذلك مما يخشى معه كثر ان تكون تلبية طلبات اتجاهات مماثلة مهما جدا ولكن اكثر خطرا على لبنان فتسرع هذه التطورات في اعادته الى المربع السابق الذي كان سائدا قبل خمسة اعوام.

========================

رسائل الزلزال

حسين الرواشدة

الدستور

31-1-2011

لا يكفي ان نتفرج ، يجب ان نتعلم ايضا ، فما حدث في مصر كان اكبر من زلزال ، واخطر من ان يختزل في "ثورة" تطيح بنظام ، وإذا كان المشهد قد أصبح متاحا للمتفرجين الذين تسمّروا امام الشاشات لمتابعة الاخبار فانه - للأسف - لم يتحول بعد إلى درس للمتعلمين لكي يتأملوا الصورة ويخرجوا من تفاصيلها المثيرة بما هو ضروري ومفيد ، لقد وصلت الرسالة - ان شئت الدقة - الى الناس والى الخارج لكنها لم تصل الى الحكومات والمسؤولين في بلداننا العربية واذا افترضنا انها وصلت فان ما قوبلت به من صمت واهمال يثبت - مرة اخرى - ان الحكومات في واد والشعوب في واد آخر.. وبينهما جدار طويل طويل.

من كان يصدّق ان "السلطة" بمثل هذه الهشاشة والضعف تزلزلها هتافات الشباب الغاضبين في الشوارع فتتبخر اجهزتها الأمنية ويختفي المسؤولون فيها أو يهربون الى الخارج من كان يتصور ان الدولة بهيبتها ومؤسساتها وسطوتها واذرعتها المختلفة تتلاشى في بضعة ايام ، من كان يتصور ان النظام الذي مهمته حماية الناس وتوفير الامن لهم يقرر سحب اجهزته او دفعها الى اثارة الرعب والفوضى في المجتمع لمجرد ان يظل في السلطة ويقنع الناس بان البديل عنه هو الخراب كيف يمكن ان نفهم بان كل النداءات التي رددتها الجماهير والشخصيات المعتبرة لرحيل النظام لم تزحزحه عن موقفه ولم "تخجله" لكي ينسحب بكرامة بدل ان يطرد بمهانة؟

كنت اعتقد ان هذه الاسئلة وغيرها ستدق اجراسها وان الكثيرين في اقطارنا العربية سينشغلون باستيعاب دروسها لا سيما وقد تكررت بأقل من شهر في بلدين عربيين ، يبدو اننا ما زلنا نتفرج ولا نتعلم نتابع ولا نريد ان نفهم ونحتقن بوهم الخصوصيات ولا نرى حقيقة المتغيرات ، نعالج الاعراض ونغضّ النظر عن الامراض ، واذا تحمسنا أكثر نغير الوجوه ولا تتغير السياسات ولا المقررات ولا حتى الادوات.

لماذا تنتظر الحكومات لحظة انفجار الشارع حتى تشهر استقالاتها؟ لماذا يدفع الناس "ثمن" التغيير من امنهم ودمائهم واستقرارهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؟ لماذا لا نلتقط لحظة "التاريخ" التي لا تتكرر فنبدأ الاصلاح ونصغي لمطالب الناس ونبدد خوفهم ونطمئنهم على مستقبلهم؟ لماذا تصر انظمتنا السياسية العربية على التعامل مع مجتمعاتها بمنطق الاستهتار والعناء وكأن مطالبها "كلام فارغ" او كأن الاستجابة لها ضعف يجرح هيبة الدولة واحترامها؟

لقد تغيرت الدنيا ، واصبح الشارع اليوم بما استلهمه من دروس وبما عانى منه من ظلم و قمع هو البطل ولم يعد من خيار امامنا الا احترامه والانصات لمطالبه وتجنب غضبه وعدم الالتفاف على مطالبه وبعكس ذلك سيدفع الجميع الثمن ، وهذا ما يريده الا الذين لا يفكرون الا في مناصبهم وجيوبهم ولا يهمهم ان مات الشعب جوعا او احترق.

=======================

الرعب الأمريكي الإسرائيلي من ثورة الشعب المصري

ياسر الزعاترة

 الدستور

31-1-2011

يوم الجمعة الماضية عاشت الولايات المتحدة حالة من التوتر غير المسبوق على خلفية ما كان يجري في مصر ، إذ خرجت وزيرة خارجيتها والناطقون باسمها يعلقون على الأحداث ، وصولا إلى الرئيس نفسه ، وبدا كما لو البيت الأبيض قد تفرغ بالكامل لمتابعة الأحداث ، مع العلم أن حالة التوتر لم تنته فصولها بعد.

في الدولة العبرية كان الوضع أكثر سوءا ، فرغم ميل أركان الحكومة والأجهزة الأمنية إلى التحفظ حيال التعليق على الملف ، وبالطبع خشية الإضرار بموقف النظام المصري ، إلا أن الصحافة الإسرائيلية (أخبارا وتعليقات) لم تتوقف عن التعبير عن حالة الذعر التي أصابت الإسرائيليين ، وبالطبع إيمانا منهم بأن تغييرا يعبر عن رأي الجماهير المصرية سيشكل كارثة سياسية بالنسبة لدولتهم ، هي التي استفادت كثيرا من إخراج مصر من دائرة الصراع ، فكيف حين ألقت بثقلها في المربع المقابل لتيار المقاومة؟،

بنيامين بن إليعيزر ، الوزير السابق وعضو حزب العمل المعروف بقربه من الرئيس مبارك قال رأيه بصراحة في هذا الصدد ، فقد نقلت عنه صحيفة "هآرتس" يوم الأحد قوله إن "مصر هي الدولة الأهم بالنسبة لإسرائيل من كافة النواحي والاعتبارات ، ويجب أن نتذكر أنها الدولة التي لديها أكبر جيش ، وكانت ولا تزال عامل توازن وتهدئة في المنطقة وهي مركز وأساس الاستقرار في الشرق الأوسط".

وأضاف "أنا لست قلقا على اتفاق السلام ، وفي تقديري أن أي أحد سيحل مكان مبارك ، باستثناء الأخوان المسلمين ، سوف يحترم اتفاق السلام لأن هذه مصلحة مصرية".

وقال بن اليعيزر إنه فوجئ من الانتفاضة الشعبية في مصر ، و"فوجيء من قوة الاحتجاجات وتواصلها ، وأنا ملتصق بالتلفاز وأشاهد التقارير في جميع شبكات التلفزيون التي يمكنني مشاهدتها وشعوري هو أن هذا تطور مقلق للغاية".

ذكّرتنا هذه الحالة من القلق التي انتابت الدوائر الأمريكية الإسرائيلية بما سبق أن قاله مصطفى الفقي ، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب المصري ، حين ذهب إلى أن رئيس مصر "يحتاج لموافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل" ، وهي المقولة التي التقطها محمد حسنين هيكل وأدت إلى جدل سياسي كبير.

بالنسبة للولايات المتحدة ، فإن اهتمامها اليوم بالحالة المصرية لا يتوقف فقط عند حدود تبعيتها للهواجس الإسرائيلية ، وهي تبعية لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقة بين الطرفين ، لكنه يتجاوز ذلك إلى المصالح الأمريكية أيضا ، ذلك أن تغييرا حقيقيا في مصر سيعني تغييرا في سائر أنحاء المنطقة ، ونعلم أن انتفاضة تعيد للجماهير اعتبارها سيعني اتجاها جديدا لبوصلة السياسة الخارجية في العالم العربي ، ذلك أن أمريكا في الوعي الجمعي للأمة هي العدو الثاني بعد الكيان الصهيوني ، وفي حال استعادت الجماهير قرارها ، فإن العلاقة مع واشنطن ستتغير ، أقله لصالح علاقة ندية ترفض الإملاءات والابتزاز ، تماما كما هو الحال مع العلاقة التي برزت خلال السنوات الأخيرة مع دول أمريكا اللاتينية.

مصر ليست أي دولة ، فهي الثقل الأكبر في العالم العربي ، بل وفي المنطقة قبل أن تضيّعها سياسات النظام المصري خلال الألفية الجديدة ، والتغيير فيها ليس كأي تغيير ، إذ أن مآسي النظام لم تصب المصريين وحدهم ، بل أصابت عموم الأمة ، وهذا هو السبب الذي كان يدفعنا وسوانا إلى الاهتمام بالشأن المصري ومهاجمة النظام المصري ، الأمر الذي كان يستفز بعض إخوتنا المصريين كما لو أن الأمر استخفافا بهم لا قدر الله.

نعم ، لم تكن سياسات النظام كارثة على المصريين وأمنهم القومي فقط (الكيان السوداني الجديد المتحالف مع الكيان الصهيوني هو أهم الكوارث الجديدة) ، بل تجاوزتهم إلى العالم العربي برمته ، بدليل ما جرى ويجري على الساحة الفلسطينية ، لا أعني حصار قطاع غزة فقط ، بل أيضا وقبل ذلك ، تمرير قتل ياسر عرفات وتسليم القيادة لمن حاولوا الانقلاب عليه ، وللمطلوبين من قبل واشنطن وتل أبيب.

ولا ننسى ما جرى في العراق ، أعني تمرير الحرب ، ومن ثم التعاون مع الولايات المتحدة في كل الخطوات التالية ، وترك البلد رهينة لإيران وحدها ، فضلا عن حرف مسار الأمة إلى المعركة مع جعل الأولوية هي التصدي للمشروع الصهيوني.

اليوم يخرج المصريون إلى الشوارع ليحرروا أنفسهم ويحررونا معهم أيضا ، والفضل بعد الله سيكون لتونس التي فتحت الباب ، لكن البوابة المصرية ستكون الأهم ، فمن خلالها سنعبر جميعا نحو أفق الحرية والكرامة.

إذا نجح المصريون في تغيير النظام ، فستكون أحجار الدومينو الأخرى جاهزة للتساقط من بعده ، وعندما يحدث ذلك ستأخذ الأمة وضعا مختلف في صراعها مع أعدائها ، وفي مقدمتهم الصهاينة والأمريكان ، ولن تجرؤ إيران بعد ذلك على تحدي الوضع العربي ، سواءً كان التحدي على أسس سياسية أم مذهبية ، وسيكون الحوار هو الطريق لحل الإشكالات العالقة بين الطرفين.

شعب مصر اليوم يتقدم الصفوف لقيادة الأمة ، ولا عجب أن يقف الشرفاء اليوم على أبواب السفارات المصرية في الدول العربية والأجنبية ، أولا من أجل تأدية التحية للجماهير المصرية ، وثانيا لكي يقولوا للنظام كفى ، فقد آن أن ترحل لكي تعيش مصر مرحلة جديدة عنوانها العزة والكرامة والتحرر ، ولكي تقود قاطرتنا نحو ذات العنوان بإذن الله.

=======================

99.75%

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

31-1-2011

نسبة مرتفعة, بل هي كالبناء الشاهق, يؤلم الرِقاب ويزيغ البصر, عندما تشرئب الاعناق محاوِلة ادراك «الطابق» الأخير أو لرؤية كسوف شمس أو خسوف قمر..

75ر99% ليست نسبة الاقتراع أو الاستفتاء, الذي حازها هذا الرئيس العربي أو ذاك, فأصحاب هذه النسب, يبدو أنهم الى انقراض وشيك ونهايات لا تليق الا بالطغاة والمستبدين, الذين أعمتهم السلطة وأفقدتهم «البطانة» حُسْن الاختيار والتدبير, فانتهوا الى مزبلة التاريخ بهذه الطريقة أو تلك..

75ر99% هي النسبة التي حازها استفتاء اهالي بل قل شعب جنوب السودان, الذي جرى في التاسع من «يناير» الجاري, والذي شكّل نقطة فاصلة بل تأسيسية بين مرحلتين وتاريخين, وتالياً كيانين وشعبين ونهجين..

أن تنزع الشعوب نحو الاستقلال شيء أكثر من طبيعي, وأن يتطلع الافراد والمجموعات بشغف الى ممارسة حق تقرير المصير, واختيار الانظمة التي تريدها والاشخاص (الاحزاب) الذين يحكمونهم, هو من طبيعة الاشياء والتطبيق المنطقي لمسار التاريخ والتطور الطبيعي, ومراعاة للمستجدات والأحكام, التي لا يستطيع أحد وقف مجرى التاريخ أو الطمس على استحقاقاته..

اختار الجنوبيون «بكُليّتهم» الانفصال فلم تعد «تهمّهم» الوحدة التي عنت للانظمة العسكرية التي تعاقبت على شعب السودان (شماله والجنوب) قمعاً وانتهاكاً فظاً لأبسط حقوقهم الانسانية وشطباً والغاء لهويتهم الثقافية والعرقية والحضارية والدينية بل لم يتورع بطل ثورة مايو «المؤمن» جعفر النميري عن فرض الشريعة الاسلامية على شعب الجنوب فيما «زاود» عليه, الجنرال والشيخ, عندما جاءا على ظهر دبابة الى القصر الجمهوري تحت يافطة الانقاذ والتسميات المتعددة للتنظيم «الاسلامي» الذي شكّلاه قبل ان تتقطع بهما السبل وبعد أن بدت الحسابات بينهما مختلفة والتحالفات متباينة والارتباطات الخارجية اكثر اهمية من التكاذب السياسي والود الذي بقي على الدوام مفقودا.

هي اذاً نتائج اتفاقية نيفاشا, تتحدث عن نفسها، فقد ادار الجنوبيون معركة استقلالهم بذكاء وحكمة لم يدركها الحاكمون في الشمال رغم السنوات الست التي مثّلت مرحلة هدنة, صدف أن وُصِفت كفرصة لجعل «الوحدة» عامل جذب للجنوبيين كي يبقوا في اطار بلد ما يزال حتى اللحظة - والى ان تُعلن النتائج الرسمية للاستفتاء يوم غد الثلاثاء - اكبر بلد افريقي في المساحة، لكن شعب الجنوب طرح على نفسه السؤال الذي كان الاجدر بحكام الشمال او قل قادة الحزب الحاكم ان يطرحوه على انفسهم.

ما الذي يجذبنا للبقاء في اطار صيغة يمكن لأي كان ان يخلع عليها الصفة واللقب والوصف الذي يريد باستثناء شيء واحد وجوهري افتقدته على الدوام وهو «الوحدة»؟ لم يكن السودان موحداً ذات يوم قبل الاستقلال الذي مضى عليه 55 عاما وبعده.

فأي وحدة في منطقة يسكن اهلها في 11 ولاية (محافظة) لا يزيد طول طرقها المعبدة عن 50 كيلومترا؟ أي دولة «موحدة» هذه التي لا مكان لجنوبي في اداراتها او قيادات جيشها او حكومتها إلاّ ديكوراً ودائما ان يكون منشقاً عن حركات «التمرد» ومتنكراً لتطلعات شعبه في المساواة وتكافؤ الفرص وحق تقرير المصير, واحترام خصوصياته الثقافية والاجتماعية..

وبصرف النظر عن محاولات «الانكار» التي يواصل رأس النظام الشمالي «ضخّها», من خلال خطاباته وتصريحاته ولقاءاته, من أن انفصال الجنوب لن يكون يوم بكاء وحداد بل يوم فرح, والمكابرة في شأن المعاني الجيوسياسية التي ينطوي عليها الانفصال, واعتبار الجنرال البشير أن الانفصال يشكل «فرصة» لاطلاق ثورة جديدة (وكأن الثورة القديمة كانت ذات شأن ايجابي وعادت بالخير على السودانيين والسودان), فإن الوقت قد حان للتعامل مع الحدث التأسيسي هذا بحذر ويقظة, بعد أن سقطت «هيبة» معظم الانظمة العربية وبات اسقاطها المهمة الاولى على الاجندة الشعبية العربية, ولم تعد واشنطن وباقي عواصم الامبريالية الغربية هي صاحبة القرار «الأول» في تقرير مستقبل ومصير شعوب المنطقة, رغم «الأوراق» المهمة والحيوية التي ما تزال تتوفر عليها, بعد أن أحكمت قبضتها على معظم هذه الانظمة واشتغلت عليها طوال أربعة عقود «في مصر بدأت عندما طرد أنور السادات الخبراء السوفيات عام 1972, وتكرّست في كامب ديفيد, المفاوضات والمعاهدة), اضافة الى بلدان عربية عديدة رتبت السي أي ايه طبقتها الحاكمة ونخبها السياسية والعسكرية قبل ذلك بكثير..

أين من هنا؟

من المبكر القول أن نسبة 75ر99% ستغيب عن مشهد الانتخابات والاستفتاءات العربية, حيث ما تزال أنظمة عربية مستبدة عديدة, إلاّ أن شعب السودان «الجنوبي» قال كلمته, بعد أن بات ظهره الى الحائط بارتكابات الشمال والتآمر الخارجي بالطبع, إلاّ أن ثمة نسبة تفوق ما قرره الجنوبيون, وهي الاصوات التي هدرت في شوارع المدن التونسية وتلك التي تكتب تاريخاً جديداً لمصر ومنها شعوب تنتظر وانتظارها لن يطول..

=======================

مصر ومستقبل المنطقة

سامح المحاريق

الرأي الاردنية

31-1-2011

أسوأ ما يمكن أن تفعله اسرائيل هي التعليق على ما يحدث في مصر أو أي دولة عربية أخرى، وخاصة إذا كان يتعلق بالوهم الديمقراطي الاسرائيلي، فاسرائيل الديمقراطية تشبه السفاح واللص الذي يواظب على التبرع للأعمال الخيرية، فالعنصرية الاسرائيلية تجعل أي منجز ديمقراطي مجرد أكذوبة كبرى، وبالتالي فإن الترقب الإسرائيلي لأحداث مصر لا يعبر سوى عن شهوانية سياسية فجة لرؤية الانفلات يغمر مصر شريطة أن يبقى بعيدا عن الحدود الإسرائيلية، ولكن النار تقترب بشكل أو بآخر من سيناء والنطاق الحيوي الإسرائيلي، وعلى ذلك يتوجب على النظام المصري القائم أو أي نظام آخر يمثل تسوية لمطالب الشارع أن يعي بضرورة امتصاص التوتر بصورة عاجلة قبل أي شيء.

يمكن لاسرائيل أن تقدم على تحركات طائشة فعلا إذا استمر الوضع في مصر على الحالة الراهنة، وتطورت حالة الفراغ الذي بدأ يطل برأسه على الوضع المصري، وجميع الاحتمالات مفتوحة أمام اسرائيل خاصة أن الأمريكيين أيضا لا يمتلكون رؤية واضحة للتعامل مع الوضع مما سيحرك النهم الاسرائيلي تجاه مصر المجاورة كإجراء استباقي تحت دعوى أمن اسرائيل، على الأقل للدخول بدور صريح في سيناء وهو الاحتمال الذي لا يتطرق له الشارع المصري المندفع حاليا نحو التغيير، والوقت ليس في مصلحة أحد في مصر.

الأمن المصري ليس شأنا داخليا خالصا، فالدور المصري في المنطقة العربية يقابله دور آخر للدول العربية في مصر، وهذه معادلة يحتمها الموقع القيادي لمصر في المنظومة العربية، وبالتالي فإن على المجموعة العربية أن تتحرك في جميع الاتجاهات لتأمين الوضع في مصر كعمق استراتيجي للعالم العربي ككل، فليس معقولا أن تصدر الدول الإفريقية موقفا واضحا بينما تتردد الدول العربية في إطلاق مواقف عالية الصوت لتعبر عن مصالحها في أمن مصر واستقرارها، بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تترتب لاحقا، وما ستذهب له خيارات الشعب المصري.

القنوات الفضائية تحرك المشهد في مصر ولم يعد هناك ما يمكن أن يخفى عن العالم، ويبدو أن ما يحدث من وقائع متسارعة يضع الجميع في حرج ويلجم تحرك الدبلوماسية العربية على الرغم من الآثار الاقتصادية والسياسية التي ضربت المنطقة ككل، وما يحدث في القاهرة سيكون له الأثر الكبير على العديد من جوانب الحياة في العالم العربي، ومن ذلك التصنيف الائتماني الذي ينهار للمنطقة بشكل تراجيدي، وبالتالي فإن ما هو أسوأ من الحديث الاسرائيلي هو الانتظار والترقب العربي غير المبرر.

========================

يا شعب مصر العظيم

الإثنين, 31 كانون الثاني 2011 07:08

د. أحمد نوفل

السبيل

يا شعب مصر العظيم، مرحى لك، وألف تحية لأبطالك، وتقبل الله شهداءك، وعافى الله جرحاك، وضمخ الله تربك يا مصر بأطيب الطيب، مثلما عطر أبناؤك جباهنا برشاش دمهم وعطر الشهادة.

يا شعب مصر العظيم، كم ظلمك الظالمون، وتجبر فيك المتجبرون، وكم تطاول عليك المتطاولون، وتقاول المتقاولون، وأساء بك الظنون المسيئون. ولكنا بفضل الله ما فقدنا اليقين أنك كنت تعلم الدنيا دروس الصبر والتحمل، وما كان عن عجز ما بك من أناة واصطبار، فتبين أنك كنت مثال الاقتدار.

وكنت طليعة الأحرار، ولا زلت تقدم المثل الأعلى في طلب الحرية، وبسالة الثوار.

ما خذلت أمتك ولا تقاعست عن نصرتها ومددها ورفدها وعونها، وهذا شأن الأساتذة الكبار.

يا شعب مصر العظيم، ظلموك لأنهم ما فهموك ولا أرادوا أن يقروا بحقيقة أنهم ما فهموك. غرتهم بساطتك، فاستهانوا بك. وقل لهم أيها الشعب المعلم: هل كان الحق يوماً إلا بسيطاً في مظهره عميقاً في مخبره وجوهره. وهل كان رجل الرجال وسيد الأبطال، صلى الله عليه وسلم، إلا بسيطاً في مظهره، عميقاً كالبحر في حقيقته وعنصره..

كم يشرفنا أن تعلمنا وتكون قائد أمتنا. كم ذا نادينا مصر أن تستعيد إمامتنا وزعامتنا.. كم نادينا الأم أن تستعيد دورها فينا، والحمد لله ما عققنا أمنا يوماً.

بقي الارتباط بالأم هو الرباط، والثقة بها هي الثقة، واليقين باستعادة الوعي والصحو والريادة.. وما خيبت الأم ظننا.

بوركت يا مصر، يا أم الدنيا وأم الثوار، وأم الثورة، وأم البهاء، وأم العطاء وأم الكرماء وأم الشهداء..

وما من نبي إلا ربطوا قصته بك؛ لأنك المباركة المعطاء، فإبراهيم وحفيده يعقوب، ويوسف وأيوب. حتى قيل فيه: "أيوب المصري". يا رمز الصبر يا شعب مصر. ثم موسى وهرون، وحتى يحيى وعيسى عليهما السلام جعلوهما مهاجرين لك.

يا مصر. يا أمنا على الحقيقة، لا على الكناية أو المجاز. فهاجر أم العرب أم إسماعيل. وماريا القبطية أم المؤمنين.. وزوج سيد النبيين.

أما الفراعين، فلطخة في ثوب مصر، غسلتها أمنا في مياه النيل، فذهبت تلك اللطخة، وبقيت مصر وبقي النيل. وحفظ الله مصر وحفظ النيل. وأما الفراعين فأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم الدين.

ألم يقل معلمنا صلى الله عليه وسلم أن نيلك الخالد نهر من أنهار جنة الفردوس؟

وهل عرفت الدنيا الجامعات قبل أزهرك العظيم؟! يا أم الخير وأم النور وأم العلم الذي قهر الديجور!

وهل ننسى أن إمامة الدعوة والصحوة في القرن العشرين ما كانت إلا لك؟!

وهل ننسى أن طلائع المجاهدين في فلسطين أول ما انطلقت جحافلهم كانت من أرضك؟

مرحى لك يا مصر. مرحى لعلمائك، مرحى للدعاة منك، مرحى لعمالقتك الخالدين، مرحى للرجال وللنساء..

مرحى لك. مرحى لنجوعك وقراك وغيطانك وسواقيك ومدنك. مرحى لبدوك وريفك وحضرك وصعيدك..

مرحى يا من قهرت الصليبيين والغزاة أجمعين، فمروا بك وتلاشى موجهم وتكسر على سواحلك.. في رشيد وغير رشيد.

يا أم العرب وملجأ العرب. وأين كان يجد الثوار من كل الأقطار مأرزهم وملجأهم وحصنهم وحضنهم إلا في ثراك وبين أهلك؟ يا قاهرة التتار والاستعمار، الفرنسي ثم الإنجليزي، ومن قبل الرومان.

كل مدينة فيك صنعت بطولتها.. وقدمت أضاحيها..

كم من بلد يمر بها النيل، لكنه ما اشتهر بالانتساب إلى بلد، كما اشتهر بالنسبة إليك. وما أحب النيل بلدا كحب مصر للنيل، ولا تغنى بالنيل بلد كما تغنى مصر بالنيل.. وما ذاك إلا الوفاء.. يا مصر يا رمز الوفاء.

كم من أرض مر بها النيل! لكن شاء الله أن يكون فيك وعندك المنتهى والمصب، ففي أرضك كان مجمع البحرين: النيل الذي تسمينه البحر والبحر الأبيض.

وفيك مجمع البحرين: خليج العقبة وخليج السويس، وعند مجمع البحرين هذا كان مجمع البحرين موسى والعبد الصالح! فتأمل كم ذا بمصر من الجوامع والمجامع!

يا بلداً بها وببعض تربها أقسم الله.. وضمها إلى أعز أرضه البلد الأمين وفلسطين، فقال عز القائل: "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين" ولئن ذكرت مكة في القرآن مرة، ومرة بكة ومرتين أم القرى فهذه أربع مرات، فقد ذكرت مصر في القرآن أربع مرات.. فهذه إمامة الدين، وهذه إمامة الدنيا.

وكأن اللغة عندما أطلقت على أي بلدة كلمة "مصر" كما جاء في القرآن "اهبطوا مصراً"، فكأن اللغة أعطتنا المعنى الرمزي أن مصر تختزل كل البلدان، وحتى الثروة والفلوس عندما سماها العامة سموها "المصاري" فكأن الثروة رمز مصر، ومصر رمز الثروة.

ألم يأت على مصر زمان كانت فيه سلة غذاء المنطقة كلها، وخاصة فلسطين؟ أما قرأت قصة يوسف، ورأيت كيف أصبحت مصر بالقيادة الصالحة؟ ولقد جاء عليّ زمان عشته كان الجينه المصري يساوي ديناراً أردنياً وربع دينار!

وستعود مصر إلى الثروة والوفرة، والغنى واليسر، والخير والبركة، وتعود الغيطان تنبت الزرع والقمح والسمن والعسل والأجبان والسمسم والقطن فتعود الطيور المهاجرة إلى حضن الوطن..

ويغني العائدون للوطن والوطن للعائدون: سلامات يا أهل بلدي، سلامات يا حضن بلدي، يا حبايب سلامات. وفعلاً اللي يشرب من النيل يحن إليه!

يا مصر يا عظيمة في هذا الوجود. ليتني كنت أحسن الشعر لقلت فيك أحلى قصيد. أو أحسن الإنشاد لغنيتك أحلى نشيد. ولو كنت أحسن البيان لكنت طائرك الغرّيد. فاعذريني لعجزي وعيي.. يا درة الوجود.

كم لامني في حبك اللائمون وعذلني العاذلون. فما سمعت لهم قولاً ولا قبلت منهم صرفاً ولا عدلاً.

يا مصر. يا معقل العروبة وحضن الإسلام وكنانة الله. حماك الله من كل العابثين الذين صغّروك وهمشوك وحجموك..

والآن تعودين للصدارة والإمامة.. يا معلمتنا العلم والدين والحراك والحياة والحرية.

الإمامة تضحية.. وليست انكفاء قطرياً مقيتاً. مصر الإسلام ليست مصر الفراعين.

يا مصر يا عظيمة. الويل بحراك شعبك لعدو الأمة "إسرائيل". الآن تعودين إلى المواجهة.. لتأخذي دورك في تحرير مسرى النبي، مضى زمان النواطير الفراعن.

========================

هل هي عودة الروح إلى الجدث العربي؟

مطاع صفدي

2011-01-30

القدس العربي

 أنظمة الطغيان آيلة للسقوط مهما تعاظمت قواها القمعيّة الذاتية، واستمدت مساعدة الأجنبي ودعمه المباشر وغير المباشر.

هذه ليست حكمة نظرية يرددها ضحايا القمع كي لا يموت أمل الخلاص في قلوبهم بل هي معرفة أولية بديهية برهنت عليها تجارب الأمم الحيّة. لكن القمع العربي كاد أن يعصف بهذه الحكمة أو المعرفة، كأنما أصبحت أنظمة الطغيان نتيجة طبيعية لمجتمع التخلّف. فهي الحصيلة المنطقية لأحوال التردي المعمم في مختلف شؤون الحياة للأفراد والجماعات. فما حدث للنهضة العربية أنها تم تعجيزها عن إحداث أية اختراقات لثقافة الحرية تحت أثقال الفقر والجهل وانعدام الشعور بالمسؤولية العامة لدى الجحافل البشرية الهائلة المستغرقة في مكابدة هموم العيش والبقاء الأولي. كانت هناك شبه حلقة مفرغة بين هذه الأحوال البائسة وانبثاق إرادة الوعي والتغيير، جماعيةٍ وقابلةٍ للانتظام الذاتي في مشاريع سياسية يمكن وصفها بالشعبية المتقدمة.

كانت طروحات التغيير ذات طبيعة نخبوية هابطة من أعلى مافوق القاعدة الهرمية لمعظم مجتمعاتنا العربية. ولقد انشغلت هذه النُخب بالشأن السياسي الكلّي للدولة الإستقلالية الناشئة. كان نضالها موجهاً نحو العدو الخارجي، المُصرّ على انتقاص الاستقلال الوطني من أبسط شروطه الواقعية، وحرمانه من اكتساب سلطة السيادة الذاتية في أمور الخيارات السياسية حول مسيرة الدولة، سواء في المواقف الخارجية أو في خطط التنمية الداخلية وفق الأنظمة الاجتماعية المختارة بالإرادة الحرة. ما يمكن قوله انه خلال خمسين أو ستين عاماً من تاريخ الاستقلال الصوري كانت العشرون أو الثلاثة والعشرون من أشباه هذه الدولة، مجرد كُرات لعبٍ تتقاذفها تحولات السياسة الدولية من فوق رؤوس حكامها وشعوبها معاً.

فإذا ما حلَّ الوقت أخيراً لاستنقاذ هذه المرحلة فإنه، ربما يمكن القول أن معركة الاستقلال العربي الحقيقية قد انطلقت اليوم وليس قبل نصف قرن أو أكثر. فالانتفاضات الشعبية المتلاحقة لا تستهدف أنظمتها المستبدة وحدها، بقدر ما هي متوهجة ضد أصحاب هذه الأنظمة وأسيادها الفعليين، ما وراء البحار. ولعلّ هؤلاء الأخيرين قد تلقوا الرسالة، وإن لم يفهموها كلّياً بعد. لا يمكنهم التخلي عن وكلائهم بسهولة، وإن كانوا مضطرين للاستغناء عنهم، إن لم يحسن هؤلاء الدفاع عن انظمتهم بغير وسائل القمع والنهب المعتادة. حكومات الغرب الأوروبي تتحدث عن عصر الديمقراطية بعد فوات الأوان، وبعد أن فشل الوكلاء المحلّيون في اصطناع الأقل من مظاهرها طيلة أيام أمجادهم الغابرة. ليس ثمة صيغة ما قد تجمع بين الطاغية والضحية باسم الأخوة في المواطنة على الأقل. ليس بينهما سوى تلك العلاقة الرأسية الظلامية بين السيد والعبد. وبالتالي لا حلَّ للأزمة إلا بزوال أحد طرفيْ العلاقة.

ولما كان من المستحيل إزالة الشعب مهما كان مقهوراً، فقد يمكن الإبقاء على وجوده العضوي في الوقت الذي يتمّ فيه سحق وجوده الإنساني، هكذا: بدلاً من المجتمع النهضوي في ظل استقلال وطني سياسي، سيطر نموذج المجتمع البوليسي؛ بدلاً من بناء دولة الحريات العصرية المشروعة، فقد تمّ اختزالُها إلى مجرد سلطة الحكم المطلق. وبعد، كيف لا يرتدّ النوع البشري لذلك المجتمع، وتلك الدولة، إلى أرومة الجنس القروسطي، الخاضع لنظام الاسترقاق الجماعي ذي الرؤوس الثلاثة وهي: الإقطاع والملكية المطلقة والكنيسة المقدسة. ذلك كان يخص القروسطية الأوربية قبل الثورة الفرنسية. لكن استعمار الغرب فرض استنساخ قروسطيته البائدة، آتياً بها من ما وراء تاريخه الحداثي، ليُكبّل بها مستقبلَ الامم المتحررة من احتلاله العسكري السابق، مع الاختلاف فيما يتعلق بتسلّط الرأس الثالث، إذ تحل شبكيات التطويف والتمذهب التديني إسلاموياً مسيحياً (سنياً شيعياً)، عوضاً عن إقطاع الكنيسة الرومانية في أوروبا القديمة.

هكذا كان على النهضة المعاصرة أن تكافح، طيلةَ النصف الثاني من القرن الماضي، نوعين من هجوم القروسطية المتجددة، واحدة صاعدة من التخلف العربي المتوارث، والأخرى وافدة ومستنسخة عن القروسطية الأوربية المفروضة مع عودة الاستعمار الغربي أمريكياً أوروبياً معاً.فيما خلا بضع سنوات من اليقظة القومية مع العهد الناصري؛ بعدَها دخل الحاضر العربي تحت أشكال الإقطاعات الثلاثة، بصورة متوالية أولاً، ومن ثم مترادفة.

سرعان ما تمّ القضاء على اليقظة القومية مع تأسيس الدولة البوليسية المعسكرة (الإقطاع السياسي السلطوي). فتم بذلك حرمان المجتمع المستقل صورياً من أهم دينامية حيوية خلاقة، وهي الحريات الأولية لأجياله وطلائعه الصاعدة.

ومن ثم أفرز الإقطاع السلطوي قاعدته الاجتماعية مع تنمية شبكيات الإقطاع الاقتصادي، من الإنتاج الريعي والزبائنية والسمسرة المتفشية، المتحلّقة كلها حول السلطة ومفاتيحها المحتكرة بأيدي النخبة المتبطلة، وهي المتعاملة برأسماليات النفوذ السياسيوي وحدها.

في حين تنحدر الغالبيات العظمى من سكان هذه الدول/القلاع، تدريجياً نحو مستنقعات البطالة الإجبارية، ينم تحييدُها عن أية أعمال إنتاجية غير موجودة أصلاً، يتمّ عزلُها عن ثقافة العصر، ينمّ حصارُ إنسانيتها في الحدود الدنيا من الارتكاسات الغريزية على منبهات الحياة اليومية، وهي المنتجة فقط للعوز والقهر، والمزيد كلَّ يوم من عوامل إذلال الإنسان في عين ذاته. وإذ يصل المجتمع إلى هذه الحالة من عطالة الوجود البشري والحضاري، يسهل دفعه واندفاعه نحو الانخراط تحت عباءة الاقطاع الغيبي، هذه الحلقة الثالثة ، من نموذج الاستبداد القروسطي، حيثما يصبح الظلم قدراً، والتظلّم أُدعيةً وطقوساً، والمصيرُ موتاً مديداً طيلةَ الحياة، أو فعلاً جهادياً استثنائياً.

كل هذا التراث الاقطاعي القروسطي المزدوج، أهلوياً أجنبياً معاً، تعايشت معه النهضة كما لو أنها هي النهضة المضادة لذاتها؛ لم تعد ثقافة البطالة المستديمة موضوعياً، والعطالة إنسانياً اجتماعياً، تذكّر أو توحي بزمن ما للثورة، غابراً أو مستقبلاً. فقَدَ الناس ذاكرة التغيير. أصبحت الأوضاع المزرية الميؤوسة هي القاعدة العامة، وليست شذوذاً عليها أبداً. لكن إنْ نسي الناسُ فالتاريخ لا ينسى. وإذ تنفجر الثورة فجأة يتساءل الناس هؤلاء من أين أتت وكيف حدثت، وهم لا يدرون أنهم هم فاعلوها الأصليون، وليس سواهم؛ سريعاً ما تغدو الثورة مُلْكية عامةً يدّعيها الجميعُ لأنفسهم. حتى أعداؤها السابقون قد يصير بعضهم من مروّجي شعاراتها، وبضائعها الجديدة.

هل نقول ان الشعوب العربية توشك أن تغادر معتقلاتها الدولانية. وأن بعضها قد يرى الحرية قبل غيره؛ لكن ثورة مصر مثلاً هي ثورة العرب جميعاً، فمنذ إنجاز إعتقالها أمريكياً إسرائيلياً، أصبح اعتقال بقية الشعوب العربية داخل أنظمتها الحديدية تحصيل حاصل، إلى حين يحطّم نيلُ مصر سدود الوحول حول شواطئه؛ عندئذٍ قد تفيض صحارى العرب جميعاً بأنهارها المدفونة تحت رمالها وطحالبها وعوسجها. خلال غياب مصر الثورة تحت الردة الفرعونية، تحولت كل (ثورات) العرب الأخرى إلى أضدادها. ابتُليت أعظمها، ثورة فلسطين، بأخطر أمراضها. بأسْرلة بعض قادتها، وجعلهم حفْنة من القَتَلة المحترفين لأبنائها، والبائعين لبقية وطنها.

لقد وُلدت إسرائيل ولادَتها الثانية الفعلية منذ أن أنجزت أمريكا اعتقالُ مصر الناصرية في قمقم كمب ديفيد. أنتجت معاهدة الاستسلام (كمب ديفيد) هذه، نظامَ حُكْمها الخاص بها بدلاً عن دولة مصر، صارت لهذا النظام مهمة الحارس لأمن إسرائيل الضامن لديمومتها، والمعطِّل لكل مشروعِ مقاومةٍ مصرية داخلية أو عربية، يمكن أن تستنجد بها بقيةُ الثورة الفلسطينية في الآتي من أيام تصفيتها المعدَّة لها والمرسومة بعناية (المعلّم) كيسنجر، الحالم بتهويد قارة العرب والإسلام، سياسياً إقتصادياً، من أجل ضمان الإبقاء على فلسطين يهوديةً إلى الأبد. وكاد الحلم الشيطاني هذا أن يتحقق لولا عودة الروح إلى الجَدَث العربي.. ربما.

ماذا يفكر الغرب؟ إن كان يقف عاجزاً أمام المد الثوري الجديد المتنقل من عاصمة عربية إلى أخرى، فإنه يخشى كذلك أن يظل عاجزاً عن إحباط مستقبلات هذا المد، كأنه استنفد كل أساليب التلغيم والإحباط، واغتيال الثورات والانتفاضات بأخطائها عينها، لكنه لن يكف عن عاداته القديمة تلك، أملاً منه، في أن تحركات المجتمعات المتخلفة قد يكرر جديدُها السقوطَ في ذات الحفر والمطبات التي تساقط فيها قديمها. ومع ذلك يبقى الرهان في هذا الحراك العربي الراهن أن جديده قد يأتي مختلفاً مع هذه الدورة من التغيير البنيوي والتاريخي غير المسبوق في سيرورة النهضة المعاصرة. ههنا يدخل أصحاب المصلحة الفورية في تفعيل هذا الحراك، وليس وكلاؤهم أو الناطقون عنهم بأسماء الأسباب والأهداف.

هل أصبحت الجماهير المحرومة من أبسط حقوقها الإنسانية، والمطعونة في كرامتها الوطنية، هي القائدة وهي القاعدة. قلّما أنتج الهرم الاجتماعي العربي قمته من أصول قاعدته وحدها. تونس والقاهرة، وسواها من حواضر الصحارى العربية، هل تعود ملكيتها أخيراً إلى أهلها. هذه العودة هي الخط الفاصل بين اليوم والأمس، بين تركات الماضي ودروسه الفاشلة من ناحية، ومعطيات الحاضر غير المقروءة بعد، هذا وإن كان تسجيل حروفها ونصوصها الملتهبة راح يتدفق من لحظة إلى أخرى، فالأمل ان تبقى الجمرات ناطقة بنورها.. ألاّ تختنق بدخانها سريعاً، كما يتمنّى أعداؤها.

الشباب العربي يحرر أمتُه من معتقلاتها القطرية، فارضاً وحدة الثورة والنهضة معاً..

' مفكر عربي مقيم في باريس

=======================

من شعار الإصلاح إلى مطلب التغيير في العالم العربي

د. محمد رضوان

2011-01-30

القدس العربي

 يبدو أن التحركات الشعبية التي بدأت تعتمل في عدد من البلدان العربية، بعد نجاح الانتفاضة التي أطاحت بنظام الاستبداد التونسي السابق، أخذت تفرض التفكير في بدائل سياسية جديدة تتجاوز مستوى الإصلاح إلى أفق التغيير في البنى السياسية للدولة العربية التي أبانت عن فشلها منذ قيامها قبل نحو نصف قرن، وهي فترة زمنية كافية للحكم على فشل الدولة العربية الحديثة وتعثر أدائها منذ نشأتها المتزامنة مع فترة الاستقلال.

فالإصلاح لم يعد مفتاحا كافيا لتقويم مسيرة هذه الدولة وإنجازاتها المحدودة والمتعثرة في ميادين السياسة والاقتصاد والمجتمع، لأن الهياكل والمؤسسات الصورية التي تقوم عليها الدولة الوطنية في العالم العربي أظهرت على امتداد هذه التجربة الطويلة عجزا ونكوصا واضحين في تحقيق تطلعات الشعوب العربية نحو الاستقلال السياسي الحقيقي، وإعمال المؤسسات والآليات القانونية والقضائية الضامنة للحقوق والحريات، والمشاركة في الممارسة السياسية، والتداول على الحكم عن طريق الديمقراطية الحقة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع النزيه.

كما أن الإصلاح لم يعد كافيا للتقويم لأنه طيلة العقود السابقة، لم يكن  أي الإصلاح  فقط شعار النخب والأحزاب السياسية الوطنية المتصلة بهموم الشعب والساعية بصدق إلى تحسين الأوضاع، وإنما كان أيضا شعار الأنظمة الحاكمة وذريعتها في البقاء على رأس السلطة، بعدما استحوذت عليها عن طريق ثورة مزعومة يقودها العسكر، أو عن طريق انتخابات مزيفة، أو بحيل ومبررات أخرى سياسية أو دينية أو أيديولوجية.

ونتيجة ذلك، فقد هذا الشعار الخلاب المصادر من النخب الوطنية من قبل الأنظمة المتسلطة، أقول فقد بريقه ودلالته السياسية والفكرية، وتحول مع الوقت إلى أدلوجة الأنظمة الفاشلة الساعية إلى الحفاظ على بقائها وتحكمها في رقاب العباد ومقدرات البلاد بطرح صيغ وبرامج للإصلاح في ميادين لا تمس جوهر القضية الأساسية للمواطن العربي المتمثلة في غياب العدالة والحرية والتنمية الحقيقية التي توفر حياة كريمة للجميع.

وكلما وجدت هذه الأنظمة نفسها في أزمة أمام شعوبها، لوحت على لسان مسؤوليها، أو عرابها من الأحزاب والجمعيات والنخب المحسوبة عليها، بمطلب الإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وتوظف هذه الأنظمة آلتها الإعلامية الجهنمية في إظهار ما ستقوم به، أو ما قامت به من "إصلاحات" و"برامج"، وكأنها ثورة غير مسبوقة جعلت البلاد في مصاف الديمقراطيات العريقة والاقتصاديات العالمية الناجحة، والحال لا يعدو أن يكون سوى جانب من التمويه السياسي والإعلامي لامتصاص غضب الشارع واستياء الشعب.

ولهذا، لم تعد الشعوب العربية تأبه لشعارات الإصلاح التي ترفعها أنظمتها من حين لآخر لأنها فقدت الثقة في أهدافها، والدليل على ذلك حصيلة هذه الإصلاحات المتعددة والمتواترة على امتداد العالم العربي.

لقد باتت خريطة الوطن العربي، بعد كل التجارب السياسية التي قامت منذ الاستقلال وما تخللها من إصلاحات شتى، حافلة بالأزمات الخانقة، ولم يعد الوطن العربي قادرا على توفير كرامة العيش لأبنائه برغم ما يطفح به من موارد طبيعية متنوعة ومتكاملة تفتح شهية وأطماع القوى الاقتصادية العظمى، التي تلقى من الأنظمة العربية المأزومة خضوعا لشروطها وإملاءاتها حرصا على بقائها في الحكم مهما كلف ذلك من ثمن على حساب شعوبها.

كذلك لم يعد الوطن العربي، بسبب تجارب أنظمته الفاشلة، قادرا على النهوض من أزماته برغم شعارات الإصلاح المتكررة، وكيف له أن ينهض وقد أوغلت فيه هذه الأنظمة الشائخة أشكالا متنوعة من الأزمات والاختناقات الداخلية وصراعات الجوار المفتعلة والانقسامات، وما زالت مخاطر التجزئة والتشرذم والمواجهات تهدد هذا الوطن الجريح بفعل شريحة متسلطة ممن يحسب أفرادها على أبنائه.

ومع كل هذا الفشل الهائل، الوطني والقومي، لا تخجل الأنظمة العربية من إسماع لحن "الإصلاح" الفج.

والحال أن الوضع العربي الداخلي لم يعد يحتمل الإصلاح، وإنما أضحى يتطلب التغيير، بل التغيير الجذري في السياسات والبنى والمؤسسات التي تقوم عليها الدولة، وتغيير حتى النخب التي تمثل هذه المؤسسات وتستحوذ عليها ليس في غفلة عن الشعوب العربية، وإنما بسياسة العض والجبر.

وأخال أن التغيير، لا الإصلاح، هو ما ينبغي أن يكون شعار هذه المرحلة من تاريخ الأمة، التغيير السلمي عن طريق انتفاضة شعبية صبورة وواعية بالخيارات الديمقراطية الحقيقية التي تقطع مع التجارب السابقة، كل التجارب العربية الفاشلة، رغم ادعاءات نجاحاتها الصورية.

وبرغم الاختلافات النسبية بيننا، نحن العرب، وبعض الأمم الأخرى التي كانت أوضاعها شبيهة بأوضاعنا إلى الأمس القريب، فإن ما أحدثته من تغيير عميق في مسيرتها السياسية حقيق بأن يكون من النماذج الملهمة لنا، لعل ذلك يساعدنا في انتقال نوعي بأوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما حصل، على سبيل المثال لا الحصر، بتركيا والبرازيل والأرجنتين..

ولعل أول الغيث قطرات، ولربما بدأت بواكيرها بتونس الخضراء في أفق تهاطلها على صحاري العرب السياسية القاحلة.

* إعلامي وباحث من المغرب.

=======================

ثورة الحرية!

الإثنين, 31 يناير 2011

بصيرة الداود *

الحياة

هكذا انفجرت أحداث ثورة الحرية في تونس. في ساعات قليلة انتهى كل شيء، وكأن 23 عاماً من حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي أصبحت كأوراق في مهب الريح.

أعرف تماماً أين تذهب السياسة برجالها بعد أن تلتهمهم، فهي تقذف بهم على صفحات التاريخ ليصدر حكمه العادل والنهائي بحقهم، وليقرر بعدها، هل تسجل أسماؤهم على صفحاته القليلة البيضاء، أو على كثرة صفحاته السوداء؟

المؤرخ يأخذ عادة وقتاً طويلاً جداً يفوق ال25 عاماً من أجل أن يبحث في حقائق ووثائق وخفايا التاريخ قبل أن يكشف عنها للأجيال القادمة، وهي وثائق تاريخية قد تدين هذا الزعيم الذي كان بطلاً فذاً، أو تبرئ ساحة آخر ظُلم وبقي لسنوات طويلة فاسداً أو مجرماً في نظر مجتمعه من دون أن تعرف الأسباب الحقيقية وراء ذلك! لهذا يفضل المؤرخ أن يترك وقتاً كافياً بعد حدوث الظواهر والأحداث الكبرى قبل أن يدلي برأيه فيها، لأن ما يهم المؤرخ ليس الحدث بذاته وإنما ما بعد الحدث والنتائج المترتبة عليه.

ثورة الحرية في تونس كما أفضل أن أطلق عليها هذا المسمى لخصت في رأيي معنى مقولة «إن العنف كان البداية»، فما من بداية يمكن إحداثها من دون استخدام العنف للبحث عن الخلاص والأمان.

الشعب التونسي الشقيق يعاني من سيطرة الأنظمة السياسية الشمولية، كل شيء فيها وكل فرد يجب أن يلتزم الصمت وليس القوانين، لأن الصمت في عرف القوانين الشمولية هو «الحكمة»، لكن ما ينبغي إدراكه أن استمرار الصمت هو محرك ومسبب رئيس للعنف إذا ما انفجر في النهاية لينهي معه كل شيء. في المقابل لا بد للشعب التونسي الحُر أن يدرك أن العنف الذي يصاحب التغيير قد لا يأتي بشيء جديد تماماً كما يأملون، فالتغييرات لا تقطع مجرى التاريخ الذي قد ينظر إليه على أنه يبدأ بداية جديدة، لكنه في الواقع إنما يعود إلى مرحلة متخلفة من مراحل دوراته صانعاً مساراً تفرضه عليه طبيعة شؤون الناس والتي هي بدورها قد تكون غير قابلة للتغيير كثيراً.

المعروف تاريخياً أن قلب أنظمة الحكم من جهة الفقراء كان لإقامة ديموقراطيات هدفها الأول جعل الإنسان محور الاهتمام، واحترام النفس البشرية، وتقديم الخدمات للمجتمع بالتساوي، وجعل الإنسان الحُر يعيش في طمأنينة معنوية ومادية بحيث تحفزه على التعبير الحُر عن ميوله وأفكاره ليتم للمجتمع تحقيق تنمية بشرية صحيحة لا تسعى لكسب مصالح مجموعة من الأشخاص على حساب المصلحة العامة، أما في الحالة التي كان عليها الشعب التونسي قبل 14 كانون الثاني (يناير) 2011 فإن ما كان يحدث هو العكس تماماً، فمصالح مجموعة من الأشخاص كانت هي الآمر الناهي في السياسة التونسية، وكان النظام السياسي السابق يقود مجتمعه في حين أن مصالحه الخاصة هي التي كانت تقوده حتى انتهت به إلى هذه النتيجة المتوقعة.

تابعت أحداث ثورة الحرية في تونس، وأكثر ما لفت انتباهي كمؤرخة هي ردود أفعال الأنظمة السياسية العربية على نتائجها، والتي لم تتخطَّ استخدام بعض المسكنات لتهدئة الشعوب العربية التي يعاني بعضها ما يعانيه الشعب التونسي الشقيق.

شباب المجتمع العربي ليس في حاجة الى رواتب مادية وغذائية محدودة، أو لإعفاء وزير للشبيبة أو لخروج أحد الحكام العرب عن صمته بحجة تهدئة الشارع التونسي الغاضب في حين أنه يحاول في الحقيقة تهدئة أوضاع الشارع لديه، وليس في حاجة إلى من يصرف أنظار الشباب العربي إلى من يقلد محمد بوعزيزي - رحمه الله - فيحرق جسده أمام هذا البرلمان أو ذاك، لكن ما يحتاجه الشباب العربي هو تنمية سياسية وبشرية عادلة وصحيحة نسمع كثيراً عن جعجعتها ولكن لا نتذوق أيّ طحن لها!

الأنظمة السياسية العربية الجامدة تفهم التنمية السياسية على أنها مجرد نمو في الاقتصاد ليس أكثر من ذلك وتتصرف في هذا الإطار فقط، لهذا فهي تدّعي النمو السياسي من أجل تطوير المجتمعات العربية، في حين أن مفهوم التنمية السياسية الحقيقي يشير إلى معنى التغيير الأساسي في المجتمع العربي، وفي طرق معيشته ونظامه ونماذجه السياسية، كما يشير إلى معنى اكتساب مفاهيم جديدة تنقل المجتمع سياسياً لتزرع فيه قيماً جديدة من مراحل كانت أقل تقدماً الى مراحل أكثر تطوراً وبما يكفل للفرد والجماعة والمؤسسات دورها السياسي، ولذلك ترتبط التنمية السياسية السليمة بالتعددية والاختلاف الذي يعتبر أساساً للعمل الديموقراطي، وهذا ما يتسبب في بعد الأنظمة الشمولية عنها بعد السماء عن الأرض.

ثورة الحرية في تونس لم تكن فقط ثورة للفقر والبطالة على الاستبداد والطغيان والفساد، لم تكن ثورة ياسمين كما يصورها الإعلام العربي، لكنها ستسجل في تاريخ تونس السياسي المعاصر على أنها كانت في الحقيقة ثورة للحرية والدفاع عن الكيان والوجود الإنساني وكرامته ضد الطغيان الذي أعمى الأبصار والأفئدة ولم يعد يرى خارج ظلامه أي شرارة ضوء.

أعلم تماماً لماذا لا يتعظ الناس بالتاريخ ودروسه. لأنهم لا يقرأون منه ولا يفهمون إلا ما يتوافق مع مصالحهم ورغباتهم فقط، لذلك تجري الأحداث والظواهر أمامهم ولا يستلهمون منها العبر، فهذا العراق ارتبط أرضاً وشعباً بمرحلة سياسية استبدادية من تاريخه المعاصر ولمدة 35 عاماً تحت حكم عائلة من بضعة أشخاص لم يتخلص الشعب من ظلمها واستبدادها له ولنفسها إلا بعد أن دفع الثمن غالياً من أجل أن ينال شيئاً من الحرية كان يحلم بها، لكنها أتته على ظهر بارجات العم سام! واليوم تتكرر المأساة نفسها في تونس ويذهل العاقل مرة أخرى من رؤيته للقمع والفساد والاستبداد التي كانت عائلة قليلة العدد تمارسها للسيطرة على البلاد ورقاب العباد. يا ترى ما هي تلك الأساليب القمعية الرهيبة التي يمارسها الاستبداد في حق الملايين من أبناء شعوبه كي تحدث مثل هذه الفوضى في البلاد بعد سقوط الأنظمة الشمولية؟ هذا بالتأكيد ما يجب على المؤرخ المعاصر أن يبحث وراء خفاياه.

=======================

مصر من مبارك إلى... العسكر مجدداً ؟

الإثنين, 31 يناير 2011

جورج سمعان

الحياة

انطلق التغيير في مصر. ما جرى ويجري يشبه إلى حد بعيد ما شهدته تونس ولا تزال. يصعب التنبؤ بالنهاية. خروج الناس الغاضبين ليس انقلاباً عسكرياً. النهايات لن تكون متشابهة. ما حدث ويحدث في هذين البلدين الشمال أفريقيين لا يشبه ما قد تواجهه بلدان مرشحة، من الجزائر إلى اليمن مروراً بالسودان... وربما غيرها من البلدان. أسباب الغضب الشعبي تتشابه وتتقاطع. من الفقر إلى البطالة. ومن الكبت والظلم والطغيان إلى اليأس من إمكان الخروج من النفق المظلم إلى فضاء رحب من الحريات والعمل السياسي التعددي وتداول السلطة. لكن ثمة تباينات تتعلق بتاريخ كل دولة وموقعها ودورها، وطريقة بناء مؤسساتها ونظمها، مثلما تتعلق بتركيبة المجتمعات ومكوناتها العرقية أوالقبلية أو الطائفية والمذهبية. ما يعني أن الظروف تتشابه لكن الخواتيم قد لا تتماثل بالضرورة.

لعل القاسم المشترك بين ما حدث في كل من تونس ومصر هو هذا الغياب الفاضح للأجهزة الأمنية وما تلاه من فلتان أمني، أو «فرهود» على ما يقول العراقيون. ما يؤكد أن هذه الأجهزة كان «أمرها اليومي» أولاً حماية النظام السياسي أو الحكم وليس النظام العام، أي المجتمع ومؤسساته ومرافقه. فعندما أصاب الاهتزاز الحكم انفرط عقد الأمن وأجهزته. في تونس حاول رجال النظام إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد رحيل زين العابدين بن علي، لكن مواصلة التحرك الشعبي، في ظل حياد المؤسسة العسكرية، وضع البلاد أمام مرحلة جديدة وإجراءات ستنتهي بقيام نظام جديد.

أما في مصر فالأمر مختلف. المؤسسة العسكرية هنا لها تقاليدها في الحكم وإدارة العملية السياسية. ثلاثة رؤساء منذ «ثورة يوليو» خرجوا من صفوف العسكر. ولا يعرف اليوم من اتخذ القرار، قرار تعيين اللواء عمر سليمان نائباً للرئيس والفريق أحمد شفيق رئيساً للحكومة المنتظرة. هل لجأ الرئيس حسني مبارك إلى الجيش في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفادي النهاية التونسية، أم أن المؤسسة العسكرية تدخلت في اللحظة المناسبة لاستعادة قواعد اللعبة من الحكم أولاً ثم من الشارع الذي قد لا يهدأ ما لم يلمس إجراءات فعلية تضع الأوضاع على سكة التغيير، من قيام حكومة إنقاذ موقتة تعيد النظر في الدستور وتوقف العمل بقانون الطوارئ وتشرف على انتخابات برلمانية مبكرة. غير ذلك يعني العودة إلى «عسكرة النظام» واعتماد الحلول الأمنية. لذلك يخشى أن تكون الخطوات التي يتخذها الحكم في القاهرة قد تأخرت كثيراً تماماً كما حصل في تونس.

لا يحتاج المراقب إلى عناء كبير لتلمس الشبه الكبير للعوامل التي أدت إلى الغضب الشعبي في كل من تونس ومصر، على رغم اختلافات في الظروف والموقع الجغرافي والدور التاريخي والحجم السكاني لكلا البلدين. الدكتور محمد البرادعي، أحد قادة حركة التغيير الحالية والذي طرح نفسه بديلاً لمرحلة انتقالية، كتب قبل شهر ونيف مقالة في «واشنطن بوست» أوجز فيها ببساطة ما تجهر به دوائر المثقفين والفاعليات في مصر. لم يتوقف طويلاً أمام ما سماه مهزلة الانتخابات الاشتراعية الأخيرة التي لم يجد خلالها الحزب الحاكم حرجاً في الاستئثار بكل المقاعد تقريباً، معتمداً على الوسائل المعروفة. وأشار إلى الرئيس الذي يتمتع ب «سلطات استبدادية»، وإلى استحالة وجود مرشح مستقل في انتخابات الرئاسة بفعل التعديلات الدستورية وما فرضته من قيود وشروط تعجيزية.

تحدث عن «قمع الإعلام» والغياب الحقيقي للتعددية الحزبية. وعن قانون الطوارئ الذي يسمح للرئيس بتعطيل الحياة الدستورية. وعن البرلمان «المنتخب نظرياً» لأن الرئيس أيضاً يختار عملياً نحو ثلث أعضائه. وفي حين أن الأقباط يمثلون نحو عشرة في المئة من مجموع السكان فإن مقاعدهم في البرلمان ثلاثة فقط! وأشار إلى النظام القضائي القائم «نظرياً»، ولكن لا قيمة لأحكامه إذا تعارضت مع سياسة الحكومة. ونبه إلى الفجوة التي اتسعت بين الفقراء والأغنياء، وإلى «اختفاء الطبقة الوسطى تماماُ»، على رغم ما شهدته مصر من نمو اقتصادي في العقدين الأخيرين. ولا حاجة طبعاً إلى التذكير بالمعدلات المرتفعة للفقر والأمية، وبأحياء الصفيح التي تحيط بالقاهرة وبسكان المقابر!

كل ذلك والنظام منشغل بسبل حماية نفسه وبحكاية التوريث، ومحاربة قوى المعارضة وعلى رأسها «الأخوان المسلمون». غاب المشروع الرسمي للدولة. فلا برامج ولا مشاريع تستجيب مطالب الناس وحاجاتهم، فتربطهم إليها في الدفاع عن المكتسبات. وهو ما يشكل رافعة للدفاع عن النظام. واكتفى بشروط المساعدات الأميركية ما دام أميناً على شروط المعاهدة مع إسرائيل. فكان طبيعياً أن تنفجر القنبلة الموقوتة، وأن يخرج الناس للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية وبنظام مساءلة وشفافية، وبديموقراطية وحريات حقيقية.

غير أن ما يعطي التطورات في مصر وتداعياتها هذا البعد الإقليمي والدولي، إن هذا البلد محوري على مستويين، أفريقي وشرقي أوسطي. وكل تغيير جذري فيه يستدعي بالضرورة تغييراً في المعادلات الإقليمية والدولية أيضاً. لقد ألف النظام الدولي انكفاء مصر، بل عمل على ذلك. انعزلت إلى الداخل مخلفة فراغاً خطيراً في محيطيها الأفريقي والآسيوي سمح للآخرين بالسعي إلى ملئه. لذلك كانت ولا تزال أحد العناصر الرئيسية للتراجع العربي العام. ألم يدع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، في قمة ليبيا أوائل العام الماضي، إلى إقامة «رابطة دول الجوار»؟ تخلت مصر عن دورها الريادي. لو كانت تقود دول الجامعة في مشروع سياسي واقتصادي يحظى بالتفاف الدول العربية لما كانت هناك حاجة إلى أن يحاول بعض العرب الاستعانة بتركيا وثقلها لموازنة استقواء عرب آخرين بدور إيران وثقلها.

غابت القاهرة كلياً عن كونها عاصمة عربية كبرى في عصر العولمة وثورة المعلومات. لذلك حاولت عواصم لم تألف في تاريخها أداء دور رائد وقاطر لدول الجامعة إلى محاولة لعب دور يتجاوز قدرتها وأدواتها. كان غياب مصر لسنوات في فضائها الأفريقي فاضحاً وصارخاً. فلا هي استطاعت أداء دور في تسوية أزمة لوكربي التي نشبت بين ليبيا وكل من بريطانيا والولايات المتحدة. فكان أن انتظرت طرابلس تسوية صاغتها جنوب أفريقيا نلسون مانديلا والمملكة العربية السعودية. ولم تمارس دوراً يذكر في منع ما عاناه ويعانيه الصومال. حتى أن تركيا البعيدة عن القرن الأفريقي نظمت المؤتمر الدولي الخاص بإعادة إعمار هذا البلد. ولا عرفت كيف تتعامل مع السودان حديقتها الخلفية. السودان الذي كانت إلى منتصف خمسينات القرن الماضي تتشارك مع بريطانيا في إدارته. لم تعرف كيف تساعده على المحافظة على وحدته. فهذا جنوبه ينفصل. وهذه دارفور وربما غداً مناطق أخرى تنحو نحوه. وهو ما يترك آثاراً كارثية على القاهرة. تكفي مشكلة مياه النيل وحدها. فدول المنبع تجرأت وتوافقت على إعادة النظر في توزيع مياه هذا النهر الذي صنع تاريخ مصر، قديمه وحديثه.

أما في الفضاء العربي فحدث ولا حرج. وقفت مصر عاجزة عن وقف المصير الذي انزلق إليه العراق منذ مغامرة احتلال الكويت إلى الحصار المدمر لهذا البلد أرضاً وشعباً، إلى الحرب الأميركية - البريطانية على بغداد التي خلت الساحة فيها لإيران وتركيا وغيرهما. لم يكن العراق تاريخياً البوابة الشرقية للعالم العربي. كان عبر التاريخ القديم والحديث أيضاً حدود صراع الامبراطوريات والثقافات والمصالح، أي بوابة إلى النفوذ الفرعوني. كانت مصر القديمة تهب نحو شرقها الآسيوي كلما تمدد النفوذ الفارسي نحو شاطئ المتوسط، لتدافع عن فضائها السياسي والاقتصادي وأمنها الاستراتيجي. فأين القاهرة من هذا اليوم؟

وليس أدل على تراجع الدور المصري من المأساة التي تعانيها غزة. فهل يعقل ألا تتمكن القاهرة طوال ثلاث سنوات ونيف من دفع الأطراف الفلسطينية المتنازعة إلى المصالحة؟ لئلا نشير إلى ما يقلقها، أي مرابطة الفصائل الحليفة لطهران على حدودها مع القطاع! بعد هذا هل يجوز البحث طويلاً عن سبب مسيرة الإجهاز على القضية الفلسطينية؟ انكفأت مصر عن دورها منذ زمن. وظلت إلى وقت قريب تمارس ما يشبه «المهمات» في إطار رغبات دولية، أميركية أو أوروبية. ولكن حتى هذه المهمات لم تعد تجد القدرة على أدائها. ولا حاجة إلى مقارنة ما كان لها قبل نصف قرن، من أعماق أفريقيا إلى حدود العراق مروراً ببيروت ودمشق... وصنعاء!

لذلك إن التغيير القادم في مصر لا يستدعي خلية أزمة في واشنطن وحدها. يستدعي خلية أزمة في كل العالم العربي وفي إسرائيل ودول الجوار الإقليمي كلها. نحن أمام تغيير في خرائط التحالفات والاستراتيجيات... إلا إذا اكتفت مصر بالخروج من حضن النظام الأمني إلى النظام العسكري لا المدني.

========================

ماذا بعد نجاح إيران وسورية في إقصاء الحريري؟

باسم الجسر

الشرق الاوسط

31-1-2011

في الصراع، بين فريق 14 آذار وفريق 8 آذار في لبنان، المحتدم منذ خمس سنوات، كسب الفريق الأول عدة جولات، وخسر الجولة الأخيرة، مع خسارته الأكثرية النيابية، التي أدت إلى تكليف نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة. ولقد كتب الكثير عن الأسباب التي مهدت لهذه الخسارة وأهمها: انقلاب وليد جنبلاط على الفريق الذي خاض معه معركة استعادة الاستقلال، وإصرار حزب الله وسورية وإيران من ورائه على تعطيل المحكمة الدولية، وجو الخوف من تهديدات حزب الله، واستقالة وزراء الثلث المعطل، وفتور الدعم الإقليمي والدولي لفريق 14 آذار تبعا للاجتهاد السياسي الدولي الجديد الهادف الى «كسب سورية» أو «إبعادها عن إيران»، وغيرها من العوامل والحسابات الطائفية والمذهبية والشخصية الداخلية والخارجية.

ويبقى السؤال: ماذا بعد أن كسبت «المعارضة» هذه الجولة الأخيرة، وأبعدت سعد الحريري عن رئاسة الحكومة؟

من شبه المؤكد أن الرئيس ميقاتي المكلف بتأليف الحكومة لن يقنع الأكثرية السابقة بالمشاركة في حكومة «وفاق وطني»(؟!) جديدة، إلا إذا أعطوا الثلث المعطل. وإن هؤلاء، إذا شاركوا، سيقومون بالدور نفسه الذي لعبه معارضو الأمس معهم، أي تعطيل أي قرار يعتبرونه مناقضا لمواقفهم الوطنية والسياسية. كما أنه من المستبعد تأليف حكومة من لون واحد، كتلك التي كانت تؤلف في عهد الوصاية السورية. ومن هنا فان الاتجاه سيكون - بعد تعثر قد يستغرق أسابيع أو أشهر (على الطريقة العراقية) تأليف حكومة حيادية من شخصيات تكنوقراطية لا تنتمي إلى أحزاب سياسية متخاصمة. ولكن ما الذي تستطيعه مثل هذه الحكومة بالنسبة للاستحقاقات الكبيرة القادمة وعلى رأسها القرار الاتهامي والمحكمة الدولية، وسلاح حزب الله والأحداث الكبيرة التي يبدوان المنطقة مقبلة عليها؟!

مما لا شك فيه هو أن المسلمين السنة في لبنان يشعرون، وبعمق، أنهم كانوا المستهدف الأول في هذا الانقلاب السياسي، وأن رئيس الحكومة السني الذي يفترض أن يمثلهم في الحكم ليس هو من اختاروه بشبه إجماع في الانتخابات الأخيرة، بل إن من اختاره هم ممثلو الطائفة الشيعية وقسم من ممثلي الطوائف المسيحية وبضغط من سورية وإيران. كما أن قسما كبيرا من اللبنانيين يشعرون بأن الانقلاب السياسي – الطائفي المذهبي، على اتفاق الطائف، ينفذ تدريجيا، وأن «مصلحة المقاومة» عادت، كما في السبعينات، تتقدم على مصلحة لبنان، كدولة ومؤسسات، بل كشعب وكوطن. وتلك هي الخطوة الأولى نحو انفراط الوحدة الوطنية وتعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية.

وتفكك لبنان قبل تغيير نظامه أو تقسيمه.

نعم، لقد دخل لبنان، فعلا لا قولا، في نفق مجهول النهاية. وهو نفق معتم ومليء بالعقبات والمطبات والعبوات المتفجرة التي يزيد من خطر تفجرها الأجواء النزاعية في المنطقة. إذ لا شيء في الأفق يدل على أن السلام في الشرق الأوسط سوف يتحقق، بل العكس هو المرجح. كما لا شيء يدل على أن العلاقات الإيرانية – الأميركية سوف تتحسن. أو أن إيران مقبلة على تغيير مشاريعها الإقليمية والمذهبية. ولا أن سورية سوف تنقض حلفها مع إيران ولا أن تنفض يدها من لبنان. ولا أن «الأكثرية الجديدة» المؤلفة من حزب الله وحركة أمل والعونيين، ستتوقف عن العمل لنقض اتفاق الطائف والتوصل إلى صيغة جديدة للحكم في لبنان تقلص دور رئاسة الحكومة السنية في الحكم. ولا أن يتخلى حزب الله عن سلاحه الذي يلقي بثقله - وأي ثقل - على اللعبة السياسية في لبنان.

لماذا وصل لبنان إلى ما وصل إليه، وكان من قبل، البلد العربي الهانئ والمرموق بل المحسود؟ لا شك في أن وجوده على حدود إسرائيل، أي في قلب الصراع العربي - الإسرائيلي، هو السبب الأساسي. كذلك جو الحرية فيه الذي جذب إليه كل مشاكل ونزاعات المنطقة، بالإضافة إلى أن الأحزاب والسياسيين اللبنانيين ربطوا مصالحهم الشخصية والحزبية مباشرة بهذه الصراعات، وما زالوا. وإن السياسة الأميركية الخاطئة في المنطقة (ومحورها دعم إسرائيل وتقديم مصالحها على كل الاعتبارات والمصالح العربية وحتى الاميركية) كانت من أهم أسباب إيهام القوى السياسية الديمقراطية الوطنية المعتدلة، كما ساهمت في إعطاء القوى السياسية المتطرفة أسباب اجتذاب الجماهير ولا سيما الأجيال الطالعة، إليها.

في الواقع ليس لبنان وحده من دخل النفق المظلم. بل هناك أكثر من بلد عربي تغلي فيه الأوضاع السياسية، في مشرق العالم العربي ومغربه وشماله وجنوبه. والدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، باتت لا تعرف «على أي رجل ترقص» (كما يقول المثل الفرنسي): هل تراهن على الديمقراطية وبالتالي تشجع سلبا أو إيجابا، حركات تغيير الأنظمة عن طريق الانتفاضات الشعبية؟ أم «تنفتح» على الدول التي تعتبرها «مارقة أو عاصية»، كإيران وسورية وغيرهما؟ أم تنفض يدها نهائيا من العالمين العربي والإسلامي، بعد تجاربها غير الموفقة حتى الآن في العراق وأفغانستان وباكستان والدول العربية «الصديقة»؟

في خضم هذه الحالة الدولية والإقليمية الراهنة، يجد اللبنانيون أنفسهم في قارب صغير تتقاذف به أمواج عاتية تدفع وطنهم نحو شواطئ مجهولة أو نحو صخور محدقة. ولسنا نرى كيف ستتمكن الحكومة اللبنانية العتيدة، أيا كان شكلها، من إنقاذ المركب اللبناني من الغرق أو التحطم. اللهم إلا إذا هدأت العواصف التي تهز المنطقة والعالم. إلا إذا تحقق السلام بين العرب وإسرائيل. إلا إذا تخلت سورية عن «رعايتها» - والبعض يقول «عقدتها» - اللبنانية. إلا إذا تخلت إيران عن مشروعها السياسي المذهبي في المنطقة. ولسنا نرى هذه «المعجزات» سهلة أو قريبة التحقق.

========================

هل هي أزمة النظام المصري وحده؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

31-1-2011

دائما تحاول بعض الفضائيات العربية تشتيتنا بنقاشات بعيدة عن الواقع، ولا تلامس جوهر الأمر في منطقتنا، وأبسط مثال على ذلك هو النقاش الدائر الآن حول الوضع في مصر، ومنذ مظاهرات يوم الغضب.

فالرئيس المصري حسني مبارك، ومهما قال معارضوه، هو ليس صدام حسين، ولا زين العابدين بن علي، أو آخرين يحكمون في منطقتنا.. مبارك رئيس له تاريخ، جزء منه تاريخ يفخر به المصريون أنفسهم، ورجل وطني خبر الحرب والسلم. مبارك ليس ديكتاتورا، ولا ديمقراطيا، وهذا هو مربط الفرس. والقضية ليست الرئيس مبارك، أو باقي الرؤساء العرب، بقدر ما هي أزمة الجمهوريات العربية كلها.

أزمة جمهورياتنا أنها تحكم وفق منهج أقرب إلى الملكيات، وهي ليست ملكيات، ولذا تجد نفسها دائما في طريق مسدود، سواء اليوم، أو بعد سنين، خصوصا أن بعض الحكام العرب في الجمهوريات العربية قد عايشوا عدة ملوك، وأمراء عرب، تغير الملوك ولم يتغير الرؤساء. وهذه هي الأزمة الحقيقية، حيث لا مدة محددة للرئيس، وبالتالي فلا بد أن تصل الأنظمة إلى هذه المنطقة المسدودة مهما استخدم من حيل، ومن ثم تكون الأزمة أزمة مشروعية.

وعندما نلوم بعض فضائياتنا ذات الشعارات الكذابة بأنها تسطح النقاش، وتشتت المتابع، فذلك لسبب بسيط حيث نرى تركيزا شديدا على مصر، ليس اليوم؛ فالتغطية الآن مبررة، لكن ومنذ فترة طويلة. وأهم تلك الأسباب أن نظام مبارك أتاح حرية إعلامية تفوق كل حريات جمهورياتنا، بما فيها لبنان الذي لا يجرؤ إعلامه على قول كلمة بحق حسن نصر الله الذي لم ينتخبه أحد، أو بحق إيران التي شكا شعبها تزوير الانتخابات. ففضائياتنا تتجاهل ما حدث في لبنان يوم فرضت سورية تغيير الدستور اللبناني والتمديد للحود، وانتهى الأمر بنهاية مأساوية حيث اغتيل رفيق الحريري ورفاقه، ووصل البلد إلى مرحلة يسمي فيها نصر الله رئيس وزراء لبنان السني!

وعليه، فجل النقاش يترك الجوهر ويتعلق بالقشور. فالأزمة ليست أزمة النظام المصري، بل هي أزمة الجمهوريات العربية. فإذا كان خصوم مبارك يلومون نظامه بالأمس على أنه عميل لأميركا، فكيف يلومون واشنطن اليوم لأنها لم تقف ضده بقوة، بل ويتناسون أن هناك جمهوريات عربية أخرى ورطتها أكبر من ورطة النظام المصري، لكنها ما زالت بعيدة عن دائرة الإعلام، بل إن المطالبين بتدخل أميركا يتناسون أن واشنطن سمحت لنوري المالكي أن يأخذ فترة حكم ثانية في العراق رغم خسارته الانتخابات! ولا أدري هل نحن في حالة نفاق عربي، أم أنه الضياع؟ فماذا عن النظام السوداني مثلا؟ وغيره من الجمهوريات القريبة من مصر، أو البعيدة؟

وهذا ليس دفاعا عن النظام المصري أو غيره، بل هو دعوة للتعقل، والتأمل، بدلا من الانفعال، ولنقول إنه يبدو أن لا مخرج لجمهورياتنا إلا باتباع النموذج التركي حيث يكون الجيش هو الضامن، والحكم، إلى حين أن ينضج اللاعبون في ملعب السياسة، مع تعديلات دستورية بالطبع تبدأ بتحديد فترة الرئاسة. وهذا ما نراه يتشكل في تونس اليوم، وهذا ما يبدو أنه سيحدث في مصر.

tariq@asharqalawsat.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ