ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 03/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

العبور الثاني !!

محمد كعوش

العرب اليوم

2-2-2011

سؤال كبير مطروح في الشارع المصري: هل يحقق جيش مصر العبور الثاني استجابة لصرخة الشعب في ميدان التحرير بالقاهرة وفي ميادين المدن المصرية الاخرى?! .

هذه الملايين التي احتشدت في ميدان التحرير هي وريثة الملايين من المصريين الذين خرجوا الى الشارع لنصرة عبد الناصر, وهم يصرخون الآن بالتغيير ورحيل الرئيس والتنحي ويطالبون بالعدالة وحرية التعبير واحترام حقوق الانسان, وهم الذين ينادون بمصر الحرة ...

النظام المترنح الذي يلفظ انفاسه الاخيرة يتشبث بحبال الوهم الواهية مثل الغريق الذي يحلم بالنجاة, بعد فشل استخدامه وسائل العنف والقمع والترويع, فهو يحاول الآن احداث تغييرات لا تذكر وفتح حوار عقيم مع القوى السياسية المصرية المعارضة, ولكنه جاء متأخراً لان سقف المطالب الشعبية بلغ ذروته ولم يعد اي مجال للتراجع او المساومة على مطالب الشعب الغاضب الذي ضاق بالاستبداد وحكم الفرد...

ازمة مصر متعددة الاشكال والالوان فتراوحت بين انقلاب النظام على تاريخ مصر الوطني والقومي وبين الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وانتهت بالقمع وقطع كل سبل الاتصال الحضاري من هاتف وانترنت والتشويش على فضائيات بعينها لحجب الحقيقة عن الناس في مصر, وهي خطوة قمعية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر..

لقد دخلت مصر مرحلة التغيير, وقد يدفع شباب مصر ثمنا غالياً لأن الحاكم المستبد الفردي يعتقد ان أمنه من أمن بلاده, ولذلك ستكون طريق التغيير معبدة بالالام والدموع والدماء والفوضى التي يصنعها الاستبداد.

نحن ننتظر حقن المزيد من دماء المصريين الوطنيين الغاضبين عن طريق حسم المسألة بسرعة وان كان عن طريق جيش مصر, على ان يسلم السلطة للمدنيين كي لا تعود مصر الى حكم العسكر مرة اخرى او تجرب المجرب ...

واول الامر وبدايته يجب ان يصر المصريون على تعديل الدستور ووضع مادة قانونية واضحة بعدم جواز التمديد او التجديد لرئيس الجمهورية حتى لو كان من اقارب عمرو بن العاص فاتح البلاد المصرية ...

لأن دوام السلطة يغري بالفردية والاستبداد وتعطيل الديمقراطية وضرب الحريات العامة ...

ما حدث في تونس, ويحدث في مصر, هو درس مهم على الجميع قراءته بعناية في محاولة للفهم, لأن عبور مصر الى الحرية يعني للامة العربية الشيء الكثير, فان نامت مصر نام العرب, وان قامت مصر نهض العرب ...

=====================================

الترسانة النووية الباكستانية... قلق أميركي

تاريخ النشر: الأربعاء 02 فبراير 2011

كارن دي يانج

واشنطن

الاتحاد

تشير تقديرات محللين غير حكوميين إلى أن إجمالي الترسانة النووية لباكستان بات يناهز اليوم أزيد من 100 سلاح نووي، أي ضعف مخزونها خلال السنوات الأخيرة الماضية في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً؛ وأن الباكستانيين قاموا بتسريع إنتاج اليورانيوم والبلوتونيوم اللذين يصلحان لصنع قنابل نووية وتطوير أسلحة جديدة لحملها. وبعد سنوات من التعادل النسبي من حيث الأسلحة، يقول هؤلاء الخبراء، باتت باكستان اليوم متقدمة على منافستها النووية الهند.

غير أن تصعيداً لسباق التسلح يطرح مأزقاً أمام إدارة أوباما، التي تعمل على تحسين علاقاتها مع الهند في مجالات الاقتصاد والسياسة والدفاع، بموازاة مع سعيها إلى تعميق علاقتها مع باكستان كمكون مهم من استراتيجيتها الخاصة بحرب أفغانستان. وعلاوة على ذلك، تبدو الإدارة الأميركية عالقة في باكستان بين مخاوف الانتشار النووي أو محاولات إرهابية ممكنة للاستيلاء على مواد نووية، من جهة؛ وشكوك باكستانية في أن الولايات المتحدة تهدف إلى السيطرة على برنامج أسلحتها أو الحد منه وفي تفضيلها الهند، من جهة أخرى.

وقد كانت هذه الشكوك ظاهرة للعيان الأسبوع الماضي خلال الجلسة الافتتاحية للمحادثات الأممية حول نزع التسلح في جنيف، حيث اتهم السفير الباكستاني "زمير أكرم" الولايات المتحدة وقوى كبرى أخرى ب"ازدواجية المعايير والتمييز" لدفع بلاده في اتجاه اتفاقية عالمية تحظر كل إنتاج مستقبلي لليورانيوم والبلوتونيوم اللذين يصلحان لصناعة الأسلحة.

ويذكر هنا أن تبني ما يعرف ب"اتفاقية حظر المواد الانشطارية"، والتي تعد عنصراً أساسياً من أجندة أوباما لحظر الانتشار النووي في العالم، تقتضي إجماعاً دولياً؛ ولكن باكستان لطالما رفضت هذه الاتفاقية.

وبينما أنتجت باكستان مزيداً من الأسلحة النووية، يُعتقد أن الهند تمتلك مخزونات حالية أكبر من هذه المواد الانشطارية من أجل صنع أسلحة في المستقبل. وتشير الاتهامات الباكستانية إلى أن هذا الامتياز الهندي بعيد المدى قد ازداد تحسناً بعد توقيع اتفاقية تعاون نووي مدني بين الولايات المتحدة والهند في 2008؛ هذا في حين تجاهلت الإدارة الأميركية طلبات باكستانية باتفاق مماثل. وفي هذا الإطار، أوضح الجنرال "نذير بات"، الملحق العسكري بالسفارة الباكستانية في واشنطن، أن عدد أسلحة باكستان ووضع منشآت الإنتاج فيها يعتبران موضوعين سريين وقال: "إن باكستان تعيش في حي صعب ولن تغفل أبداً عن احتياجاتها الأمنية"، مضيفاً "وكقوة نووية، فإننا جد واثقين من قدراتنا الرادعة".

غير أن تصميم الإدارة الأميركية على إكمال حظر المواد الانشطارية هذا العام قد يرغمها على مواجهة موضوع الانتشار النووي في جنوب آسيا على نحو أكثر مباشرة. ومثلما قال المفاوض الأميركي حول الأسلحة "روز جوتنمولر" ل"بلومبرج نيوز" في مؤتمر الأمم المتحدة يوم الخميس الماضي، فإن "الصبر قد بدأ ينفد". والحال أن ثمة قوى نووية أخرى لديها مصالحها الخاصة في المنطقة. فالصين، التي تنظر إلى الهند باعتبارها منافساً إقليمياً كبيراً، لديها استثمارات كبيرة في باكستان والتزام بتزويدها بمفاعلين للطاقة النووية على الأقل. هذا في حين قامت روسيا بتعزيز تعاونها مع الهند مؤخراً وأبلغت باكستان الأسبوع الماضي ب"انزعاجها" من حشدها العسكري. وفي هذا السياق، قال نائب وزير الخارجية "سيرجي ريابكوف" في تصريحات بمركز نيكسون الخميس الماضي، بعيد زيارة قام بها إلى إسلام آباد: "إنها طريق خطرة، خاصة بالنسبة لحكومة تتعرض للضغط".

والواقع أن البيت الأبيض، الذي يحرص على عدم الإخلال بالتوازن السياسي في باكستان، قلما يشير إلى ترسانة هذا البلد في العلن، اللهم للتعبير عن ثقته في تدابير الوقاية الداخلية القوية والتي يتم بمقتضاها الإبقاء على الرؤوس الحربية بعيدة ومنفصلة عن وسائل التوصيل. غير أن مستوى القلق الأميركي بدا واضحاً خلال التقييم الذي قام به البيت الأبيض لحرب أفغانستان الشهر الماضي، عندما أشار إلى الأمن النووي لباكستان باعتباره أحد هدفي الاستراتيجية طويلة المدى هناك، إلى جانب هزيمة "القاعدة"، وذلك حسب مسؤول رفيع من الإدارة الأميركية وافق على الحديث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه. وبالمقابل، تجنب ملخص لوثيقة التقييم السرية تم الإفراج عنه للعموم الإشارة إلى الموضوع النووي الباكستاني؛ كما تحاشى البيت الأبيض أسئلة بهذا الشأن على اعتبار أن الأمر يتعلق بمسائل استخباراتية حيث قال متحدث هذا الأسبوع إن الإدارة لن تجيب على الاستفسارات بشأن حجم ترسانة باكستان النووية.

وفي هذه الأثناء، أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي تومي فيتور إلى تأكيد أوباما خلال قمة الأمن النووي الربيع الماضي بأنه يشعر "بالثقة في التدابير الأمنية في باكستان حول برنامجها للأسلحة النووية"، لافتا إلى أن أوباما حث "كل الدول" على دعم المفاوضات حول اتفاقية قطع المواد الانشطارية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول "ديفيد ألبرايت"، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي والمحلل المختص في القوى النووية العالمية: "إن الإدارة تحاول دائماً ثني الناس عن التحدث حول هذا الموضوع"، مضيفاً "إنهم يحاولون دائماً التقليل من شأن "الأرقام ويشددون على أنها "أصغر مما نعتقد". ومن جانبه، يقول "هانز كريستنسن"، مدير مشروع المعلومات النووية بفدرالية العلماء الأميركيين ومؤلف الجرد السنوي للأسلحة النووية في العالم الذي نشر في نشرة علماء الذرة: "من الصعب الجزم بشأن حجم المعلومات التي تعرفها الولايات المتحدة"، مضيفا "كمية لا بأس بها على الأرجح؛ ولكن الأمر يتعلق بمجموعة من الأشياء المختلفة وغير المتشابهة - فباكستان حليف، وهم لا يمكنهم إضعافها بتصريح يعبر عن القلق علنا". وعلاوة على المعلومات الاستخباراتية المستقاة من الميدان، يقيِّم المسؤولون الأميركيون برنامج باكستان للأسلحة النووية بالوسائل نفسها التي يستعملها خبراء خارجيون - صور الأقمار الاصطناعية لمنشآت نووية، وتقديرات لإنتاج المواد الانشطارية وتطوير الأسلحة، وتصريحات وأرقام متاحة للعموم. وقد كانت الترسانة الباكستانية تقدر قبل أربع سنوات ب30 إلى 60 سلاحاً نووياً. وفي هذا السياق، يقول ألبرايت: "لقد قاموا بتوسيعها بوتيرة سريعة". وبناء على إنتاج سريع للبلوتونيوم واليورانيوم المخصب مؤخرا، "قاموا ربما بمضاعفة ذلك أو أكثر خلال تلك الفترة"، إذ تشير التقديرات الحالية إلى ما قد يصل إلى 110 أسلحة نووية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»

=====================================

واقعنا وأحكامهم المسبقة

آخر تحديث:الأربعاء ,02/02/2011

ميشيل كيلو

الخليج

أثار الحدث التونسي استغراب كثيرين من الذين يتابعون شؤوننا العربية، ويطبقون عليها المعايير السائدة في بلدانهم المتقدمة، حيث تتمحور علاقة المواطن مع الدولة حول مسائل اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، وتبقى السياسة ومشكلاتها بعيدة عن وعي القسم الأكبر من المواطنين، الأمر الذي يعكسه الانخفاض المضطرد في أعداد ونسب من يشاركون في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وارتفاع أعداد ونسب هؤلاء في الانتخابات البلدية، ذلك أن البرلمان يناقش مسائل تبدو تجريدية بالنسبة للشخص العادي، في حين تنهمك البلديات في معالجة مشكلاته اليومية، التي غالباً ما تتصل بمعاشه ومدارس أبنائه ومستشفياته ومواصلاته والمعونات الاجتماعية والسكنية التي يتلقاها .

يقول هؤلاء المتابعون في ضوء خبرتهم : إن تونس من أحسن الدول العربية تقدماً على صعيدي التنمية والدخل الوطني والفردي، ويستغربون أن تبدأ منها الثورة التي لم يكن يتوقعها أحد، وربما ما كان يجب عليها أن تحدث، بينما تبقى الشعوب العربية الأخرى ساكتة أو ساكنة، بصورة مطلقة أو نسبية . بعد هذا، وفي نظرة إلى وجه الأمور الآخر، ترى هؤلاء يحصرون أسباب الثورة، بكل ثقة وعلم، في ما يسمونه المسألة الاجتماعية، وترى إعلامهم ينشر صور أشخاص تبدو عليهم علامات البطالة والبؤس، أو صور جموع هائجة ترفع قبضاتها في الهواء صارخة ضد النظام، وقد كتب تحتها: تظاهرات الجوع التي تطالب بالخبز، والعاطلين عن العمل . . . الخ .

هل تلعب الخبرة التاريخية لدى هؤلاء دوراً في إنكار أهمية المسألة السياسية في احتجاجات تونس وتمردها، باعتبار أن مواطنيهم، الذين نالوا حقوقهم السياسية منذ وقت طويل لا يخرجون في تظاهرات من أجلها، خاصة وأنها غير مهددة، وإنما يطالبون في إضرابات ومظاهرات شبه دائمة بمسائل تنصب حصراً على الأجور والأسعار والضمانات الاجتماعية وفرص العمل؟ وهل يظنون أن التونسيين لا يمكن أن يفعلوا غير ما يفعله مواطنو الغرب، وأن مطالباتهم اقتصرت - ويقول اليمينيون منهم بصراحة إنها كان يجب أن تقتصر بالضرورة - على القضية الاجتماعية من وجوهها المختلفة، خاصة وأن التونسيين شعب يحول مستواه العلمي والثقافي، المحدود بالمقارنة مع مستوى الشعوب الأوروبية، بينه وبين تحسس وإدراك أهمية مسألتين خاصتين حتى الآن بالمجتمعات الأوروبية المتقدمة، هما مسألتا الحرية والديموقراطية، اللتان تتطلبان، في معايير هؤلاء، مستوى مرتفعاً من التعليم والدخل- يقدرونه أحيانا ب22 ألف دولار في العام يتيح فسحة من الوقت تكفي للتفرغ للمطالب النوعية، المتمثلة في قيم يظن معظم هؤلاء إنها غربية وليست - أو لا يجوز أن تكون - كونية كالحرية والمواطنة والعلمانية وحقوق الإنسان وسيادة الشعب وحكم القانون والنظام التمثيلي وتداول السلطة . . . الخ .

لماذا يغلط هؤلاء في شعوبنا ويحملون هذه الصورة المؤذية وغير الصحيحة عنها؟ هل هناك عنصرية ما وراء الطريقة التي يفهمون من خلالها وقائعنا، بما فيها تلك الواضحة والتي لا مجال للخطأ فيها؟ أم إن في الأمر انحيازاً إلى نظم تمسك بخناقنا، وتعاملنا كبشر ليس لديهم بعد حاجات تتصل بإنسانيتهم وكرامتهم وفرديتهم الإنسانية وخصوصيتهم الشخصية، وحقوقهم، يكتفون من الدنيا باجترار طعامهم وابتلاع شرابهم، وتخلو حياتهم من تلك النعمة التي وضعها الله في روح وعقل الإنسان، وجعلته مخلوقاً يتفرد دون سائر المخلوقات الأخرى بالعيش عليها، ألا وهي القيم المعنوية والروحية، التي يعيش عليها بينما يعيش سواه من المخلوقات على الطعام والشراب، فإن خلت حياته من قيم معنوية تحولت إلى حياة بهيمية نافية لإنسانيته، مخالفة للتعاليم الروحية التي أنزلها الله عليه عن طريق أنبيائه ورسله، مغايرة لطبيعته ككائن لا تعوضه عن حريته وكرامته ثروات وخيرات الأرض، والطعام والشراب والملذات الجسدية، فهو يستطيع العيش على حد أدنى من الطعام والشراب، لكنه لا يعيش على حد أدنى من الحرية والكرامة، ويجد نفسه مدفوعاً بقوة طبيعته الإنسانية إلى الثورة والتمرد في سبيل الحصول عليهما، وللتحرر من عسر العيش الذي يعانيه من دونهما، إن هو حرم منهما أو افتقر إليهما، لسبب من الأسباب . وللعلم، فإن أبسط إنسان في هذه الدنيا يشعر بالبهيمية وبأن شيئاً ينتقص من إنسانيته عندما يفقد حريته وكرامته . كما أن من فقدوهما في عصرنا الحديث فقدوا معهما حتى الحق في لقمة العيش، مع أنهم كانوا قد تلقوا وعداً سياسياً من أعلى مستوى بتعويضهم عنهما معيشياً ومادياً، ثم بينت تجربة الواقع أنه لا يوجد تعويض عنهما، وأنهما أساس أي عيش بشري إنساني، أليس من الغريب والعجيب أن لا يلاحظ مراقبون مهمون يعيشون في مجتمعات تقر لإنسانها بالحرية هذه المسألة المهمة في الحدث التونسي، وأن يحصروه في المطالب الاجتماعية وحدها، في حين تقدم المتظاهرون منذ اليوم الثاني من حراكهم بمطالب تتعلق بالنظام السياسي أهمها الحرية لهم وللإعلام والأحزاب، وبالديموقراطية كنظام حياة وحكم، وصبوا غضبهم على الاستبداد والدكتاتورية، وواصلوا تمردهم رغم وعود تلقوها من الرئيس السابق زين الدين بن علي تكفل حريتهم وتعلن التعددية السياسية والحزبية وحرية الإعلام ووسائل التواصل الإلكترونية . . . الخ؟ . أراد التونسيون الخلاص من نظام أهانهم عندما انتقص من حريتهم وداس على كرامتهم، وأدركوا بحدس جماعي رائع أن المسألة الرئيسة تتعلق بحريتهم وليس بلقمة الخبز، لكن الإعلام الغربي أصر على أحد أمرين: إنكار أن المطالبة بالحرية كانت الأمر الرئيس في التمرد الشعبي، واستهجان تركيز المتظاهرين على المسألة الاجتماعية في بلد تعد أحواله من الأحسن في العالم العربي وشمال إفريقيا، من دون أن يلاحظ هؤلاء المتابعون التناقض في موقفهم، والعنصرية التي تفوح منه .

لم يكن الحدث التونسي من أجل الخبز وحده، بل كان كذلك من أجل الحرية . وإذا كان هناك من برهان يثبت ذلك، فهو معلمة مدرسة ابتدائية غير عاطلة عن العمل ولا تفكر بحرق نفسها، سئلت عما جرى في تونس فأجهشت بالبكاء وهي تقول: شعب تونس لا يستحق ما جرى له، لا يستحق الظلم الذي كان واقعاً عليه، ولا يستحق أن يبقى ثلاثة وعشرين عاماً تحت التعذيب والقمع . لم تقل السيدة كلمة واحدة عن الجوع، الذي كان حقيقة مرة وقائمة، وحصرت كلامها في الحرية والكرامة .

أيها السادة المتابعون في الغرب: نحن الذين علمناكم قيمة الحرية، فلا تنكروها علينا، وتنظروا إلينا وكأننا لا نحس بغير الحاجات المادية والشهوانية . راجعوا أفكاركم المسبقة عنا، التي ترى فينا متأخرين وكذابين وكسولين وشهوانيين وعدوانيين، وتذكروا دائماً أن واحداً منا، الخليفة الثاني سيدنا عمر بن الخطاب، هو الذي قال بصيغة استنكارية: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” . ولا تنسوا أن هذا كان قبل نيف وخمسة عشر قرناً مما قاله فلاسفتكم عن الحق الطبيعي وحقوق الإنسان .

احترموا شعوبنا، فهي تستحق الاحترام وتثور على الذل .

=====================================

مستقبل حل الدولتين

المصدر: صحيفة «جابان تايمز» اليابانية

التاريخ: 02 فبراير 2011

البيان

ماذا يعني قيام كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، برفع مستوى البعثات الفلسطينية في عواصمها إلى مكانة بعثة دبلوماسية، وهو ما قامت به هذه الدول جميعاً العام الماضي؟ في حين يتجاوز عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية الآن 100 دولة؟ يعتقد بنيامين بن اليعازر، نائب رئيس الوزراء السابق في إسرائيل ووزير التجارة والصناعة والعمل في الحكومة الحالية، أنه يعرف الرد على هذا السؤال. فقد كان حذر زملاءه في مجلس الوزراء أخيراً، قائلاً: «لن أفاجأ عندما يؤيد العالم كله في غضون سنة واحدة، قيام دولة فلسطينية، بما في ذلك الولايات المتحدة». لم يكن «بن إليعازر» يتكلم عن دولة فلسطينية افتراضية في مرحلة ما في المستقبل البعيد، بعد توصل الإسرائيليين والفلسطينيين بأعجوبة إلى اتفاق بشأن الحدود واللاجئين، وما إلى ذلك. فهو يعني دولة فلسطينية حقيقية، يتم الإعلان عنها خلال العام الجاري، ويجري الاعتراف بها على وجه السرعة من قبل الجميع تقريبا. سوف يكون لهذه الدولة مقعد في الأمم المتحدة، والحق من حيث المبدأ، في السيطرة على حدودها، رغم أن ذلك من الناحية العملية سيكون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. أما مسألة تعيين حدودها على وجه الدقة، كغيرها من مجموعة القضايا الأخرى، فلا بد من تسويتها بعد ذلك، عن طريق المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وفلسطين.

للوهلة الأولى، يبدو قيام دولة فلسطينية مستقلة فوراً، وكأنه فكرة حان تنفيذها. الحجة التي تدور الآن هي أن «عملية السلام، التي مرّ على إطلاقها 17 سنة حتى الآن، من الواضح أنها تحيد عن الطريق»، لذلك ربما يتعين علينا أيضاً اللجوء إلى بديل مختلف. كمبرر لإنشاء الدولة الفلسطينية الكاملة الآن، فإن هذا ليس مقنعاً، ولكن ليس في الحقيقة واقعياً كمبرر لما يتحدث بشأنه الناس.

إن كثيراً من العرب والأميركيين يؤيدون هذه الفكرة، لأنهم يأملون أن إقامة دولة فلسطينية شرعية ومستقلة نظرياً، سوف يعطي الرئيس الفلسطيني محمود عباس المصداقية الكافية للحفاظ على الضفة الغربية من أن تطالها يد حماس لفترة أطول. يؤيد بعض الإسرائيليين الفكرة أيضا، ولكن ليس في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من يؤيدها. يفعل نتنياهو كل ما يستطيع لتجنب إجراء محادثات سلام مباشرة، لأن التنازلات الإسرائيلية من شأنها تفريق شمل الائتلاف الحاكم. ويقول وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن اتفاق السلام قد يستغرق عقوداً من الزمان. الآن يصطف دعاة التسوية السلمية والذين يخامرهم اليأس، وراء فكرة إعلان الدولة الفلسطينية، حتى في الولايات المتحدة، حيث صادق السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل «مارتن انديك» أخيراً على هذه الفكرة. إنها، للأسف، الفكرة التي انقضى وقتها.

لقد أصبحت هذه الفكرة مرحباً بها لأن الكثير من الناس يدركون الآن أن «حل الدولتين»، الذي كان يعتبر خلال ربع قرن مضي هو الأساس الوحيد الممكن لتحقيق تسوية دائمة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يحتضر إن لم يكن قد مات بالفعل. يقصد بالاقتراح الرامي إلى إنشاء دولة فلسطينية حقيقية، حتى من دون حدود متفق عليها، أن يكون مهمة إنقاذ في اللحظة الأخيرة، لكنه ربما يأتي بعد فوات الأوان.

لقد انهار الدعم الشعبي في إسرائيل للتوصل إلى اتفاق الأرض مقابل السلام منذ سنوات، ولكن الفلسطينيين يفقدون الثقة في مستقبل حل الدولتين. لقد خلصوا إلى أن محادثات السلام ما هي إلا تمثيلية منذ البداية، لأن السياسيين الإسرائيليين، حتى أصحاب النوايا الحسنة منهم، لن يجدوا الشجاعة السياسية لوقف عملية انتشار المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

=====================================

رياح باردة أم عواصف هوجاء؟

د. سيّار الجميل

التاريخ: 02 فبراير 2011

الخليج

من أجمل الحالات أن يعّبر الشعب عن مطالبه سلميا، وأن تكون إرادته وطنية وتفاعلاته أخلاقية، وذلك بالحفاظ على المال العام والخاص وصون الكرامة، وعدم الاعتداء وتحديد مستوى الغضب.. وعدم تحويل التعبير السلمي إلى صراع دموي يعبث بمقدراتنا، ويهتك مجتمعاتنا التي تعبت كثيرا جراء ما عانته من تحديات خارجية، وتدخلات سلطوية، وانسحاقات اجتماعية وشظف عيش، وانقسامات سياسية ومنهوبات اقتصادية وتهرؤات ثقافية.

لقد افتتح العام 2011 صفحته بأحداث مريرة في تونس الخضراء، التي لم تزل تتفاعل انتفاضتها الشعبية بعيدا عن الأحزاب وأطياف المعارضة التي يبدو أنها تؤهل نفسها لاقتطاف الثمار الجاهزة، التي ضحى من أجلها الشباب.. وبعد أن حقق الجيل الجديد انتصاره على جيل قديم بقي على موبقات أورثها إياه القرن العشرون.. المشكلة أن الأحداث التونسية لم تولد من فراغ، بل جاءت بعد ركام من العوامل المباشرة وغير المباشرة، وانطلقت بلا قيادة، ولا تخطيط، ولكن من خلال شراكة البعض الآخر ضمن علاقات الشبكة العنكبوتية، من دون أن توجهها أفكار إيديولوجية ولا أية خطط سياسية، بل أستطيع القول إن دور الإعلام كان أكبر من دور السياسة. وأن الروابط الالكترونية كانت أقوى بكثير من الفضائيات التلفزيونية، وأن الفيس بوك منح الشباب كل الحرية في تبادل ما يريد أحدهم من الآخر. إن الإعلام الالكتروني، بدأ يدفع اليوم بالأحداث إلى التفاقم، نتيجة ثورة الاتصالات الواسعة، ليس في داخل البلاد وحدها، بل مع كل العالم.

ليدرك كل السياسيين ورجال الحكم في عالمنا العربي، أن آليات القرن العشرين وعناصرها قد انتهت بلا رجعة.. وذهب زمن الانقلابات العسكرية والدوائر الأمنية.. وماتت الأحزاب التقليدية والإيديولوجيات الثورية التي كانت تنظم الأحداث الداخلية، وتسير بها نحو غايات مرسومة.. غابت البيانات من فئة رقم (1) التي تفاجئ الدنيا بحدوث انقلاب أو أي هياج ثوري.. غاب مصطلح «رسمنا بما هو آت..»، الذي عّبرت عنه هيئة ضباط أحرار، أو جبهة تحالف أحزاب.. وغدا الأمر تتحكّم فيه عوامل جديدة تبلورت في مجتمعاتنا مؤخرا، وعلى أيدي جيل جديد لم يعش تجارب القرن العشرين المتعبة، التي قادت إلى صناعة الدكتاتوريات هنا أو هناك، مع هياج المناخات الإيديولوجية، سواء تلك التي عاشت أيام الحرب الباردة إبان الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، أو تلك التي عاشت لثلاثين سنة بين 1979 ? 2009، لما وصف بتفاقم التيارات والجماعات الدينية التي أنتجت الصراعات الطائفية في السنوات العشر الأخيرة!

إننا في عالمنا العربي، إزاء مرحلة تاريخية جديدة، تتطلب التغيير من أجل أن تدرك مجتمعاتنا الطريق الأسلم لها في صراعها ضد التخلف والتسلط والدكتاتورية والظلم.. إننا أمام مرحلة تاريخية جديدة بدأت تتبلور اليوم، وهي في أمس الحاجة، ليس إلى تبديل الوجوه والأشكال فحسب، بل إنها بحاجة ماسة وضرورة حياة أو موت إلى تغيير التفكير والمضامين من أجل تحقيق تطلعات أوسع.

إن الضرورة باتت ماسة إلى تغيير أساليب الحياة، من خلال إعادة التفكير في ما يمكن عمله، لا في ما فات من الزمن.. على مجتمعاتنا أن تنظر إلى مستقبلها بمزيد من اتساع الرؤى، قبل أن تستعيد صور الماضي واجترار المشكلات والمفاخرات وقداسة الزعامات.. على كل القوى السياسية والفكرية العربية اليوم، أن تجدد نفسها بإعادة النظر في مظانها القديمة والأحزاب بأنظمتها الداخلية، فضلا عن تجديد القوانين وتمدينها، وتغيير المناهج التربوية والتعليمية، وتوسيع الرؤية نحو العالم، ونشر الثقافات الجديدة، والخروج من مستنقعات الماضي الآسنة التي قادت إلى تهتكات وانقسامات وتشظيات، ولا بد من الاهتمام بمصداقية الإعلام والاتصالات، قبل الإعجاب بالسياسات والخطابات الكاذبة.

إن مجتمعاتنا العربية في حاجة ماسة إلى رياح باردة للتغيير والانتقال السلمي من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى.. إنها في حاجة إلى فهم الأجيال القديمة لمنطق الجيل الجديد وضروراته.. إننا نحتاج إلى ثمة مبادئ أساسية تحدد العلاقة بيننا وبين متغيرات القرن الجديد، قبل أن تعصف بمقدراتنا العواصف الهائجة التي تقلب الأمور رأسا على عقب.. ليس المهم أن نباشر بالغضب والعصف المأكول وعمليات الحرق والنهب، وتفاعل الانقسامات وغياب الأمن والنظام، ولا حتى القتل والتدمير، بقدر ما تحتاج مجتمعاتنا إلى خلق جدلية حوار حضاري، من أجل التغيير السلمي بين الجيل القديم بكل ما يؤمن به من مسلمات، وبين الجيل الجديد بكل ما يسعى إليه من طموحات.

إن تشييدا جديدا للعلاقات الفكرية والسياسية ينتظر مجتمعاتنا، من خلال بدائل حقيقية تسعى للتقدم ولا تقود إلى التخلف.. وتمضي نحو التغيير بوسائط العصر، ومنها الاتصالات الاجتماعية عبر الشبكة العنكبوتية، التي تدخل اليوم كل بيت من البيوت، وكل مرفق من المرافق بحرية كاملة وبعيدا عن أية سلطة رقابية، أو أجهزة سيطرة!

إن التغيير أصبح من ضرورات التقدم في مجتمعاتنا، ولكن ضمن مجموعة مبادئ لا بد من صياغتها مع بدء هذه المرحلة الجديدة، التي ستشهد أغرب المفاجآت التاريخية على ساحات معينة، وفي بيئات مخصصة من عالمنا العربي الكبير، تستلزم التعامل مع روح القرن الواحد والعشرين، والتخلص شيئا فشيئا من بقايا القرن العشرين.

=====================================

ترنح إسرائيل نحو اليمين يخيف المحافظين

بقلم: كارل فيك‏

مجلة تايم الأميركية

الأربعاء 2-2-2011م

ترجمة: ليندا سكوتي

الثورة

لم يعد ثمة شكوك تدور حول توجهات الحكومة الإسرائيلية بعد أن أفصحت عنها بشكل واضح وجلي عندما طرحت على الطاولة مشروع قانون اقترحه وزير الخارجية زعيم حزب إسرائيل بيتنا اليميني أفغيدور ليبرمان،

وينص مضمونه على سحب الجنسية من أي مواطن إسرائيلي تثبت إدانته بالتجسس. لكن الواقع يؤكد لنا بأن المستهدف من هذا المشروع هم الأقلية العربية الموجودة في البلاد. وإن هذا المشروع قد جاء إثر شرط يلزم المواطنين بأداء قسم الولاء لإسرائيل و الذي جعل منه ليبرمان شرطا في الحصول على الجنسية أو الإبقاء عليها ويضاف إلى ذلك، ما نشهده من دعوة اليهود للامتناع عن تأجير العقارات للعرب، والمظاهرات التي تطالب بمنع الاختلاط بين الشبان العرب و الفتيات واليهوديات.‏

لا ريب بأن كلمة تجسس أو جاسوس لها الكثير من المعاني و المفاهيم الواسعة، إذا علمنا بأن نائباً من حزب عربي قال لليبرمان «إنك فاشي» فأجابه دون تردد: «إنك خائن كبير، و إنك تدعم وتقف إلى جانب الجواسيس». فهل يمكن في ظل ما نشهده على أرض الواقع من توسيع لمفهوم الجاسوسية أن نعتبر توجيه تهمة التجسس سببا لتجريد مواطن من جنسيته؟‏

وفي هذا السياق نجد أن الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت) قد أعاد النظر بموقفه الخاص بتأييد هذا القانون، وأبدى معارضته في منح السلطات حق سحب الجنسية من المتهمين بالتجسس، و بين في مذكرته التي تقدم بها أن المقصود من هذا القانون فئة معينة، و أنه يفتقر للتوازن بين المواطنين. وبتقديرنا، كان بالإمكان رفض هذا القانون من قبل المجلس، لكن لجنة الأمن الداخلي التابعة للكنيست أقرته مضيفة في ذلك لبنة في جدار تشريع بذلت الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو قصارى جهدها لتشييده منذ الخريف الماضي. وقد ظهرت المكارثية بأعتى صورها لدى الائتلاف الحكومي عندما دعا لاتخاذ إجراءات صارمة بحق منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية المشكوك بها والتي تعتبرها الحكومة تماثل المعارضة بخيانتها للبلاد.‏

لقد شجع نتنياهو دعم هذا التوجه وعمد إلى تعيين لجنة للتحقيق في أمر المنظمات التي تنتقد الحكومة و منها منظمة كسر جدار الصمت (وهي مجموعة من الجنود السابقين الذين شهدوا على الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية و نشروا كتابا بذلك) ومنظمة بتسليم التي وثقت الانتهاكات المرتكبة من قبل المستوطنين وقوات الأمن في الضفة الغربية، ومنظمة غيشا التي ترصد محنة الفلسطينيين في غزة، ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل التي صدر عنها تقارير مرعبة حول محنة المهاجرين الاقتصاديين الأفريقيين الذين يشار إليهم باسم «المتسللين».‏

من دواعي الاستغراب، أن يفوز هذا القانون بموافقة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس رغم ما واجهه من معارضة خارج الحكومة، حيث أصدر مجموعة من كبار المثقفين مذكرة قالوا بها «أن داعمي مشروع القانون سيذكرهم التاريخ بأنهم هم من قضى على ما تبقى من الديمقراطية في إسرائيل وفرض عليها النظام الفاشي»، و إن معارضة قد بدت داخل الائتلاف الحكومي عندما شجب هذا القانون بيني بيغن نجل مناحيم بيغن.‏

وصف المؤرخ رون بنداك الذي يرأس مركز بيريز للسلام الأجواء الحالية للسياسة الإسرائيلية بالأسوأ في تاريخ البلاد، ويرى أنه من الأمور غير الطبيعية صدور مثل هذا القانون لأنه يعيدنا إلى عصور الظلم والظلام التي مر بها العالم في الثلاثينيات من القرن الماضي، وقال «أخشى أن نكون على شفا الوصول إلى منحدر زلق إن لم نكن فعلا قد وصلنا إليه»‏

يعتبر الكثير من المحللين بأن قسم الولاء اكسب ليبرمان تأييدا كبيرا ومطلقا خاصة بين صفوف فئة المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق الذين يشكلون القاعدة الرئيسة لدعمه، تلك الفئة التي تنظر إلى العرب بأنهم الأعداء اللدودون لها و تعلن عداءها لهم بشكل يفوق غيرهم من الإسرائيليين الذين سبقوهم في الوجود بتلك المنطقة، حيث نرى بأن وزير الخاريجة يعلن على الملأ ضرورة التخلص من الأقلية العربية في إسرائيل عند رسم حدود الدولة الفلسطينية ويلقى هذا الأمر العدائي للعرب دعما من بعض القيادات الإسرائيلية مثل قيادة شاس ذلك الحزب الديني المتشدد ذو النفوذ القوي المماثل لنفوذ ائتلاف نتنياهو.‏

لا يوجد في إسرائيل من يقف لمجابهة وردع زعماء متطرفين من أمثال ليبرمان حيث بدا ذلك واضحا عندما وصف الحكومة التركية في الشهر الماضي بالحكومة «الكاذبة»، الأمر الذي أسهم في تعميق الشرخ في العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين إثر حادثة الأسطول التركي التي ذهب ضحيتها تسعة أتراك على يد القوات الإسرائيلية. ومع ذلك فإن الشعب الإسرائيلي ما زال يعتبر نفسه من أكثر الشعوب أخلاقية ويعد نفسه الطرف المتضرر من أسطول المساعدات.‏

في الأسبوع الماضي توفيت امرأة فلسطينية متأثرة بالغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها القوات الإسرائيلية، لكن ناطقا باسم الجيش الإسرائيلي أدلى بتصريح قال به إن وفاتها كانت لأسباب طبيعية، الأمر الذي يدعو للاستهجان من تلك المقولة، لكن الصحف الإسرائيلية نشرت التصريح على نطاق واسع، مكذبة ما ورد من أقوال حول الوفاة و معتبرة بأن ما ورد ليس في واقعه إلا محاولة لنزع الشرعية عن قوات الدفاع الإسرائيلية.‏

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحكومة الإسرائيلية أكثر تطرفا من المواطنين الذين انتخبوها، إذ نجد بأن نتنياهو لم يسع إلى كبح التصرفات التي تقود إلى توجيه انتقاد دولي إلى إسرائيل، حيث نجده لم يحرك ساكناً عندما قامت الجرافات الإسرائيلية في يوم الأحد الفائت بهدم فندق قديم في منطقة الشيخ جراح التابعة للقدس، الأمر الذي دعا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لاستنكاره ووصفه بأنه «تصرف مزعج» خاصة وأن هذا الحي يدخل في التفاوض لأي تسوية للسلام بين الجانبين.‏

في هذا السياق، يقول المؤرخ بنداك: «ما زال الجني صغيراً، ويمكن إعادته إلى القمقم، لكن لا يوجد في الوقت الحاضر من يقوم بهذا الأمر».‏

=====================================

صراع المستقبل

المستقبل - الاربعاء 2 شباط 2011

العدد 3901 - رأي و فكر - صفحة 20

عبدالزهرة الركابي

يحرص الخبراء السياسيون في أميركا بما في ذلك المعارضون للحرب في العراق وأفغانستان، على أن تواصل أميركا هيمنتها المستديمة على مراكز القوة الرئيسية في العالم، والتي تتمثل في شرق آسيا والشرق الأوسط، وكذلك جنوب آسيا ووسطها، بالإضافة الى أوروبا الغربية.

وانطلاقاً من أن أميركا هي طرف مهيمن في هذا الصراع الذي يتوزع على مراكز القوة في العالم، وقد راح الأميركيون في السنوات الأخيرة يستطلعون المهددات التي ستواجههم عسكرياً ولا سيما في شرق آسيا (الصين)، حيث قال وزير الدفاع الأميركي غيتس الذي زار بكين في الفترة الأخيرة، من الواضح أنهم (الصينيون) يمثلون خطراً محتملاً على بعض قدراتنا، مؤكداً وهذا يعني أن في استطاعة الصواريخ الصينية، وكذلك الغواصات والقوات الحربية السطحية، الدفاع عن مصالح بكين في تايوان والبحر الأصفر وبحر جنوب الصين، وهي مناطق تعتبرها واشنطن مياهاً دولية.

لا شك أن الصين ستكون إحدى القوى العظمى التي ستساهم في الحد من الهيمنة الأميركية في القارة الآسيوية، وهي الى جانب دول أخرى في طور الصعود واستعادة الفاعلية مثل الهند وتركيا والبرازيل وروسيا، ستدخل في صراع بارد مع أميركا على مراكز القوة الرئيسية في العالم، وبالتالي فإن هذه المراكز ستتوزع على مراكز قوى بمعزل عن المركز الأميركي الأوحد، لتكون هناك تعددية قطبية في قيادة العالم، بدلاً من القطبية الأحادية الأميركية.

وفي سياق متصل، اعتبر التقرير السنوي لعام 2011 الذي يصدره المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن الهيمنة الغربية على العالم تصل الآن الى نهايتها، بفعل صعود قوى دولية جديدة كالصين والهند والبرازيل، متوقعاً أن تكون منطقة الشرق الأوسط مسرحاً لمواجهة مستقبلية بين الفاعلين الدوليين الأساسيين.

وقال مدير المعهد تييري دو مونيريال، أن كل المؤشرات التي رصدتها مؤسسته خلال عامي 2009 و2010 تؤكد ميلاد عالم متعدد الأقطاب بفعل انحسار نفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، وظهور قوى عالمية جديدة كالصين والهند والبرازيل وتركيا وعودة روسيا كفاعل دولي أساسي. وأضاف دو مونيريال في مقال مطول استهل به التقرير الذي حمل عنوان (عالم ما بعد الهيمنة الأميركية)، أن بداية القرن الحادي والعشرين تميّزت بظهور تعدد وتباين غير مسبوق في مراكز القوى الدولية، مشيراً الى أنه منذ فجر الأزمنة الحديثة ظل الأوروبيون ثم من اعتدنا على تسميتهم بالغربيين، يديرون العالم.. هذه السيطرة كانت عبارة عن دورة تاريخية من خمسة قرون تصل الآن الى نهايتها.

إن التحديات التي ستواجهها أميركا مستقبلاً، تنصب تحديداً على منطقتي الشرق الأوسط وشرق آسيا، وهناك عاملان مهمان ترتكز عليهما هذه التحديات: الأول اقتصادي، والآخر عسكري، وهو أمر تدركه واشنطن جيداً عبر الدراسات والبحوث والاستقصاءات والاستطلاعات التي تعدها المؤسسات الأميركية المعنية، والتي من ضمنها دوائر الاستخبارات التي أصدرت أكثر من تقرير في هذا الشأن، أشار توضيحاً وتأكيداً على حصول عالم متغير بعد عقد ونصف من الزمن.

ويقول تقرير أصدره مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي في هذا الصدد، بحلول 2025 سيتكون المجتمع الدولي من العديد من الفاعلين، بالإضافة الى الدول وسيفتقر لرؤية شاملة للإدارة العالمية، وسيكون (النظام) متعدد الأقطاب مع الكثير من المجموعات من الفاعلين كدول ومن دون دول، وأن معظم السمات البارزة لهذا (النظام) ستكون التغير من عالم بقطب واحد هيمنت عليه الولايات المتحدة الى سلطة غير متآلفة نسبياً من القوى القديمة والأمم الصاعدة.

والتقرير الآنف، يشير الى بروز مجموعات من دون دول تأخذ حيزاً في هذا النظام، وتأتي هذه الإشارة على نحو غامض في التفسير عندما يقول، إن الدول الأكثر سيطرة تقود الديناميكيات العالمية والفاعلين من دون دولة، بما في ذلك الحركات الدينية والمنظمات غير الحكومية والأفراد الذين يتحلّون بقدرات ممتازة يلعبون أدواراً أكثر أهمية.

وعلى كل حال، إن الصراع البارد والساخن سيتواصل حتى بين مراكز القوى العالمية الجديدة والتي ستتبلور في المستقبل، ومثل هذا الصراع تقوم بترويجه من الآن المصادر الأميركية عبر تقاريرها الاستطلاعية، وخصوصاً بين الصين والهند من أجل الوصول الى المصادر الحيوية، وهنا تتدخل القوى الخارجية قبل أن يتصاعد النزاع ويتوسع الى حريق عالمي، ويمكن أن يندلع الصدام بسبب الشك الصيني من محاولات الآخرين تهديد إمدادات الطاقة لبكين.

اللافت أن تقارير الاستطلاع الأميركية، أن هناك تعتيماً متعمّداً على جوانب الصراع العربي الإسرائيلي، ولا ندري لماذا يُغيّب الخبراء الأميركيون في تنبؤاتهم مآل ونهاية هذا الصراع، مع أنه من أهم وأخطر الصراعات الجيوسياسية في العالم؟

=====================================

الحقيقة التونسية الموجعة()

المستقبل - الاربعاء 2 شباط 2011

العدد 3901 - رأي و فكر - صفحة 20

روبرت فيسك

هل هو عصر نهاية الطغاة في العالم العربي؟ بالتأكيد هم يرتجفون الآن في دولهم عبر الشرق الأوسط، وذلك لأن ما حدث في تونس لم يكن متوقعاً. أعمال شغب في الجزائر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتظاهرات في عمان بسبب ارتفاع الأسعار أيضاً. هذا من دون الإشارة إلى وقوع العديد من القتلى في تونس.

إذا حدث ذلك في تونس، الواجهة السياحية المعروفة، فبإمكان ذلك أن يحدث في أي مكان آخر، أليس كذلك؟ لقد كانوا في الغرب يشيدون "باستقرار" تونس عندما كان يحكمها زين العابدين بن علي. لقد كان الفرنسيون والألمان والبريطانيون يتجرأون على وصف بن علي "بصديق" أوروبا المتحضرة، ويشيدون بقدراته على الإطباق بيد من حديد على "هؤلاء الإسلاميين".

التونسيون لن ينسوا هذه القصة حتى لو رغبنا منهم ذلك. لقد دأب العرب على القول إن ثلثي سكان تونس - سبعة ملايين من أصل 10 ملايين تونسي- كانوا يعملون بطريقة أو بأخرى في شرطة بن علي السرية. لا بد أنهم نزلوا إلى الشوارع ايضاً، اعتراضاً على الرجل الذي كنا نحبه حتى الأسبوع الماضي. نعم، لقد لجأ الشبان التونسيون إلى الإنترنت لكي يحتشدوا - في الجزائر أيضاً - وحصل الانفجار الديموغرافي الشاب في الشوارع (الشبان هم مواليد الثمانينات والتسعينات العاطلون عن العمل بعد تخرجهم من الجامعة). غير أن حكومة "الوحدة" سيشكلها محمد الغنوشي، حاكم الظل المعين من بن علي منذ أكثر من 20 عاماً، صاحب اليدين الآمنتين الذي سيرعى مصالحنا - عوضاً عن مصالح شعبه - بشغف.

لكني أخشى أن هذه القصة قديمة. نعم، نحن نرغب بديموقراطية في تونس- لكن ليس كثيراً. هل تذكرون كيف كنا نريد ديموقراطية في الجزائر في مطلع التسعينات؟ لكن عندما ظهر أن الإسلاميين سيفوزون في الجولة الثانية من الانتخابات، دعمنا الحكومة العسكرية لتعليق الانتخابات وسحق الإسلاميين وإثارة حرب أهلية حصدت حوالي 150 الف قتيل.

لكن كلا. نريد أن يكون هناك قانون ونظام واستقرار في العالم العربي. هذا ما نريده حتى في مصر حسني مبارك. وهذا ما سنحصل عليه.

الحقيقة بالطبع، هي أن العالم العربي مشلول، متصلّب، فاسد، ذليل ومن دون رحمة - تذكروا أن بن علي كان يصف المتظاهرين في الأسبوع الماضي بالإرهابيين - وعاجز بالكامل عن تحقيق أي تقدم اجتماعي أو سياسي، إلى حد أن ظروف نشوء ديموقرطيات فاعلة نتيجة الفوضى في الشرق الأوسط، شبه معدومة.

إن وظيفة العرب المستبدين ستكون كما كانت عليه دائماً- إدارة شعوبهم والسيطرة عليهم وإبقائهم تحت الحماية وأن يحبوا الغرب ويكرهوا إيران.

في الواقع، ماذا كانت تفعل هيلاري كلينتون في الأسبوع الماضي عندما كانت تونس تحترق؟ كانت تقول لأمراء الخليج أن وظيفتهم دعم العقوبات ضد إيران، ومواجهة الجمهورية الإسلامية، والاستعداد لحرب جديدة ضد دولة إسلامية بعد الكارثتين اللتين لحقتا بالولايات المتحدة وبريطانيا في المنطقة.

إن العالم الإسلامي - على الأقل الجزء الممتد منه بين الهند والبحر المتوسط- هو أكثر من مجرد فوضى. في العراق اليوم حكومة منصّبة من إيران، وحميد كرزاي ليس أكثر من محافظ كابول، وباكستان تقف على شفير كارثة لن تنتهي، فيما مصر خرجت لتوها من انتخابات مزوّرة.

ولبنان... ليس في لبنان الصديق القديم حتى حكومة. قد يكون جنوب السودان - إذا كانت الانتخابات نزيهة- مجرد شعلة خافتة، لكن يجب عدم الرهان على ذلك كثيراً.

إنها دائماً المشكلة نفسها بالنسبة لنا في الغرب. ننطق بكلمة "ديموقراطية" وننادي جميعاً بانتخابات حرة- شرط أن يصوّت العرب لمن نريدهم أن يصوتوا لهم.

لم يفعلوا ذلك في الجزائر قبل 20 عاماً. كذلك في "فلسطين" لم يفعلوا. وفي لبنان، وبسبب ما يسمى اتفاق الدوحة لم يفعلوا أيضاً. لذا، نفرض عليهم عقوبات، نهددهم، ونحذّرهم من إيران ونتوقع منهم أن يصمتوا عندما تسرق إسرائيل المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح مستوطناتها في الضفة الغربية. السخرية كانت أن سرقة أحد رجال الشرطة لعصير فواكه من أحد الطلاب - وانتحاره في تونس- كانت السبب في حصول ما حصل، وليس أن السيد بن علي قام بمحاولة بائسة لحشد شعبه لدى زيارته المفاجئة للطالب الشاب الذي كان ينازع في المستشفى.

لقد كان هذا الرجل الرهيب ينادي منذ سنوات بمسيرة "ليبرالية بطيئة" لبلده. لكن جميع الطغاة يعرفون أنهم في خطر كبير عندما يبدأون بتحرير شعبهم من القيود المفروضة عليهم من قبلهم.

وتصرف العرب استناداً لهذه المعرفة. فما أن غادر بن علي تونس إلى منفاه حتى انبرت الصحف العربية التي كانت لسنوات عديدة تشيد به وتحصل على أموال منه، إلى ذمه وتشويه سمعته على صفحاتها. "الفاسد" "الحاكم السيئ" "النظام الاستبدادي" "انعدام تام لحقوق الإنسان" هذه هي بعض الصفات التي أصبح هؤلاء الصحافيون يطلقونها على بن علي اليوم. نادراً ما كانت كلمات الشاعر اللبناني الشهير جبران خليل جبران دقيقة غير أنها تنطبق على الواقع اليوم "ويل لأمة تستقبل حاكمها الجديد بالطبول وتودعه بالصفير، كي تستقبل آخر بالطبول". محمد الغنوشي ربما؟

بالطبع، الجميع يخفضون سقف مطالبهم اليوم، أو يعدون بذلك على الأقل. فالخبز وزيت الطهو من الحاجيات الأساسيات للشعوب. لذا ستنخفض أسعار المواد الغذائية في تونس والجزائر ومصر. لكن لماذا كان عليها أن تكون مرتفعة أصلاً؟.

بمقدور الجزائر أن تكون بغنى عن السعودية - لديها غاز ونفط - لكنها تتمتع بأسوا سجل معدلات البطالة في الشرق الأوسط، لا ضمان اجتماعي، لا رواتب تقاعدية، لا شيء لشعبها، فقط لأن جنرالاتها أودعوا ثروات البلاد في حساباتهم في سويسرا.

ووحشية الشرطة. سيستمر عمل غرف التعذيب. سنحافظ على علاقاتنا الجيدة بالحكام الطغاة. سنستمر بتسليح جيوشهم وحثهم على السعي للسلام مع إسرائيل.

وسينفذون ما نطلب منهم. فر بن علي. البحث جار اليوم عن ديكتاتور أكثر ليونة - رجل قوي وخيّر" كما تحب وكالات الأنباء وصف هذا النوع المروّع من الرجال.

وسيستمر إطلاق الرصاص - كما حدث في تونس أمس - إلى أن يعود الاستقرار والنظام.

لا أعتقد أن عصر نهاية الطغاة العرب قد حل. سوف نرى.

() 26/1/2011 المادة لم تستوعب تطورات الأيام الماضية.

ترجمة: صلاح تقي الدين

=====================================

الإنهاك بعد الترويع

فهمي هويدي

السفير

2-2-2011

بعض الذي يحدث الآن في مصر غير مفهوم ومثير للحيرة والشك، فلغز انسحاب الشرطة من البلد، الذي أطلق عمليات النهب والتخريب والترويع لم يحل بعد. ولم يكن مفهوماً أيضاً ظهور بعض أركان النظام على شاشات التلفزيون مساء يوم الأربعاء الماضي واستضافتهم في الحديث عن حق الناس في التظاهر السلمي، ثم انقضاض الشرطة عليهم في اليوم التالي حين حاولوا ممارسة ذلك الحق. وإذا صح أن تعليمات صدرت بتقليل كميات البنزين التي يتم ضخها لمصلحة محطات الوقود في العاصمة، فإن ذلك يستدعي علامة استفهام كبيرة حول مقاصد ذلك التقييد، خصوصاً أنه أحدث ذعراً بين أصحاب السيارات، ودفعهم إلى التزاحم في طوابير طويلة لعدة ساعات أمام محطات الوقود للتزود باحتياجاتهم.

أما حكاية حظر التجول فقد ضاعفت من أسباب الحيرة والشك، ذلك أننا فهمنا أن يصدر الأمر بالحظر في اليوم الثاني الذي انفلت فيه العيار ولاحت فيه نذر الفوضى، وفهمنا أيضاً أن يستمر الحظر من السادسة مساء وحتى الثامنة صباحاً وفي ظل ذلك الوضع أدرك الناس أن ثمة خطراً يهددهم بسبب الاختفاء المريب للشرطة، فلجأوا إلى تشكيل فرق للمقاومة الشعبية استطاعت أن تضبط الأمن نسبياً وتوقف النهب في أغلب المحافظات، لكن الذي لم نفهمه انه بعدما استقر الأمر على ذلك النحو تمت زيادة ساعات حظر التجول بصورة تدريجية بحيث أصبحت تمتد من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى الثامنة صبيحة اليوم التالي، أعني أنه في حين تصورنا أن ساعات الحظر ستتراجع فإننا فوجئنا بزيادتها دون وجود مبرر لذلك، وكانت النتيجة أن أصيبت الحياة بالشلل، حيث توقف العمل بصورة نسبية في مختلف المصالح والمصانع والبنوك. وترتب على ذلك أن توقفت الأعمال وقل الإنتاج وتعثرت المعاملات المصرفية واختفت المواصلات العامة والخاصة. ولأن المحال العامة أصبحت تغلق أبوابها في الساعة الثالثة، فإن الأهالي تزاحموا عليها لكي يوفروا احتياجاتهم. وفي ظل البلبلة الحاصلة حرص كثيرون على تخزين السلع تحسباً للمستقبل الغامض، ولأن الإنتاج قليل فإن محال البقالة شحت فيها السلع التي تخاطفها الناس. وإذا أضفت إلى ذلك أن الشهر الجديد (فبراير) بدأ أمس وأن كثيرين انتظروا ذلك اليوم لكي يتسلموا مرتباتهم وأجورهم، وتعذر عليهم ذلك بسبب إغلاق البنوك، فلك أن تتصور حجم الآثار الفادحة التي ترتبت على زيادة ساعات الحظر، ما أدى إلى إرهاق الناس وزيادة معاناتهم.

لا أعرف ما إذا كان الذين أصدروا القرار على وعي بتلك الأصداء أم لا، لكنني لا أستطيع أن أكتم شعوراً بسوء الظن في مقاصده، خصوصاً حين يضع المرء هذه الخطوة في السياق الذي سبقه، بدءاً بسحب الشرطة واختفاء عربات الإطفاء، ما أطلق عمليات الفوضى والتخريب وهي الخلفية التي تستدعي السؤال التالي: هل يمكن أن يكون كل ذلك مرتباً ومقصوداً، بحيث تفسر تلك الممارسات بحسبانها محاولة لترويع الناس ومضاعفة معاناتهم لإقناعهم بأن البلد سيكون في خطر إذا ما تحقق التغيير الذي ينادي به المتظاهرون، وأن الاستقرار لن يتم إلا في ظل استمرار النظام القائم؟

حين يلاحظ المرء أن التظاهرات الغاضبة مستمرة في أرجاء مصر منذ أسبوع، وأن استجابة السلطة لها بطيئة وباهتة، وفيها من الالتفاف على المطالب المرفوعة بأكثر مما فيها من التفاعل الشجاع معها، ثم يضيف إلى ذلك ما أسفرت عنه القرارات التي اتخذت في ما خص الوقود وحظر التجول، فإن ذلك سيرجح عنده كفة سوء الظن، ذلك أننا إذا سرنا وراء التفكير غير البريء في الموضوع فسوف يوصلنا ذلك إلى أن السلطة، أو أطرافاً فيها، راهنت في سعيها إلى إفشال الانتفاضة وإجهاضها إلى أمرين هما: الترويع والإنهاك. والترويع حدث بالفعل في ظل الفوضى، لكن المجتمع نجح في التصدي له وتجاوزه. أما الإنهاك فهو الحاصل الآن، الذي يراد به زيادة المعاناة وتشديد الوطأة بما يوصل الناس إلى درجة الاستياء والسخط على الانتفاضة، وربما التمرد عليها.

وما إشغال الناس بالحياة التي أصابها الشلل وبالبحث عن الخبز وحليب الأطفال ووقود السيارات إلا ضغوط يراد لها أن تدفعهم دفعاً إلى السخط والتمرد بمضي الوقت.

أدري أن بعض الظن أثم لكن أعترف بأن ما قادني إليه هو خبرتنا الحافلة بخيبات الأمل على مدار الثلاثين سنة الأخيرة، التي جعلتنا نستبعد إحسان الظن ونفقد الثقة في أهل القرار، ومن ثم نغامر بالوقوع في مثل ذلك الإثم ونحن مطمئنون إلى أننا ما زلنا في السليم.

=====================================

راشد الغنوشي إذ يقول: لا للشريعة!

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

2-2-2011

ما إن هبط الزعيم الأشهر (وربما التاريخي) لحزب النهضة الاسلامي راشد الغنوشي في مطار تونس - قرطاج الدولي, حتى فجّر قنبلة مدوّية مصحوبة بعدد لا يحصى من الرسائل, التي قد تتباين قراءتها, الا انها «محمولة» على جديد يطرحه هذا «الشيخ» المعارض, الذي خَبِر المنافي واطّلع خلال عقدين من اللجوء السياسي في أعرق دول اوروبا الديمقراطية (بريطانيا), على المعاني الحقيقية للديمقراطية والمبادئ والقواعد والأطر التي تنظم ايقاعها, وفي مقدمتها مبدأ تداول السلطة على نحو سلمي وفصل الدين عن الدولة, والاحتكام في النهاية الى رأي الشعب عبر صناديق الاقتراع, ليس الى السلاح وليس الى أي كتاب سماوي أو وضعي سوى الدستور, الذي تواضع عليه الجميع أو قبلت به الاغلبية, والخاضع هو الاخر للتعديل وبما يتلاءم والتطورات والتغيرات التي تطرأ على المجتمع, سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً..

يبدو أن الرجل تعلّم الدرس واستوعب الحقائق, التي قلّما يهتدي اليها السياسيون والعاملون في الشأن العام, اذا ما واظبوا الارتباط أو البقاء أسرى أنظمة الاستبداد والحكومات البوليسية, التي تحكم المجتمعات العربية منذ فترة ما بعد الاستقلال حتى الان, تحت شعارات ويافطات ومقولات متهافتة واحياناً في اطار احزاب متكلّسة وعائلية وكرتونية, على النحو «الطازج» الذي رأيناه في تونس التجمع الدستوري الديمقراطي (...) والحزب الوطني الديمقراطي في مصر (لاحظوا أنها احزاب تتمسح اعتاب الديمقراطية)..

قنبلة الشيخ راشد الغنوشي, يُفترض أن اصداءها ستتردد في مصر والاردن واليمن والسودان والجزائر والمغرب وسوريا وخصوصاً في العراق.. «الشريعة لا مكان لها في تونس» هذا ما أكد عليه زعيم حزب النهضة الاسلامي, ما يمكن ترجمته بأن شعار «الاسلام هو الحل» لم يعد صالحاً للاستخدام السياسي, وفي العمل الحزبي الهادف للوصول الى السلطة (سلمياً بالطبع) أو المشاركة فيها أو حتى للجلوس في مقاعد المعارضة..

ثمة تجارب «اسلامية» ناجحة, خلعت عن نفسها «في ما هو معلن على الأقل» هذا الشعار وانخرطت ضمن قواعد اللعبة السياسية السائدة بل العلمانية, ففرضت حضورها على الساحة السياسية (بأصوات الجمهور دائماً وعبر صناديق الاقتراع) وأخذ دورها ونفوذها يزدادان, على نحو مكّن حزباً يحمل اسم «العدالة والتنمية» في تركيا, كي يصل السلطة منفرداً, ويفسح المجال لأجندته أن تُطبق في مجالات عديدة دون أن يزعم أن الاسلام هو الحل, ورغم أن معظم ناخبيه يرون فيه حزباً اسلامياً, إلاّ أن قادته يتطيرون من اشارة كهذه, ويبذلون جهوداً هائلة لعدم الصاق هذه الصفة بهم ولا يتردد الرجل الأقوى فيه (رجب طيب اردوغان) والذي دخل السجن لأنه القى القصيدة المعروفة (المساجد والقباب والمآذن), في القول إنه وحزبه اقرب الى الليبرالية منه الى الاسلام السياسي..

هل قلنا اردوغان؟

نعم, فالشيخ راشد الغنوشي استحضر رئيس الوزراء التركي وتمنى أن يكون «مِثله» رافضاً تشبيهه بالإمام الخميني ودوره في الثورة الاسلامية, التي اطاحت الشاه وفرضت واقعاً جديداً في المنطقة, يحاول محللون غربيون وخصوصاً اسرائيليين تشبيه ما يحدث في مصر الان بالثورة الايرانية, في مسعى واضح لاثارة فزاعة الاسلام المتزمت والرافض للديمقراطية والمهيئ لدولة «الشيوخ» الجدد أو العمائم السنيّة, التي انطلق «الارهاب» من تجمعاتها على ما يزعمون ويحذرون..

رسائل تطمينية اخرى بثها الشيخ الغنوشي, عندما طمأن المتخوفين من عودته (وعودة المرء الى وطنه حق اساسي من حقوق الانسان, الذي لا يوجد أي مسوغ قانوني أو اخلاقي أو سياسي أو ديني, يجبره على مغادرته أو يبقيه في المنافي أو يحرمه من جنسيته ويصادر جواز سفره).

بالقول: إنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية ولن يكون هناك (أي مرشح) من حزب النهضة, مستطرداً أنه لن يترشح للانتخابات البرلمانية او البلدية.. ثمة نضج في فكر الرجل وموقفه اذا كان حقاً يقصده (وأحسب انه كذلك), فقد علمته المنافي فاستخلص الدروس والعبر, فأراد أن يمنح الاولوية في عمله (بعد عودته يوم الاحد الماضي) لاعادة بناء حزبه, وان كان لم يقطع الطريق تماماً على امكانية مشاركته (وحزبه) في الحكومة الانتقالية..

يجب الترحيب والتفاؤل بالنقلة النوعية التي يؤسس لها الشيخ الغنوشي في حزبه, الذي كان «دستور» جماعة الاخوان المسلمين, مرجعيته الوحيدة, ويجب في الآن نفسه عدم الوقوع في «فخ» التحذيرات التي تطلقها الدوائر الغربية والصهيونية حول الارهاب الاسلامي والاصولية, التي «توشك» على تسلم الحكم في تونس ومصر, فقد اثبتت الاحداث ووقائع ثورة الياسمين في تونس واللوتس في مصر أن «الاخوان» لم يقودوا الحراك الشعبي, ومن حقهم ان يشاركوا فيها وان لا يُتّهموا بأنهم «ركبوها» بعد انطلاقها, لأن مشاركتهم تمنح زخماً للثورة الشعبية, التي لم تتحدد مآلاتها وسيرورتها في ظل الاحتمالات المفتوحة التي يتساوى فيها احتمال استيعابها وسرقتها وخذلانها, مع الاحتمال الماثل بانتصارها وتوالي تداعياتها, على نحو يتغيّر فيه وجه المنطقة الذي «تكلّس» وغدا في خدمة اسرائيل والمشروع الصهيواميركي, الذي يتصدع الان على وقع هبوب رياح النهوض الشعبي العربي..

لا اريد المبالغة في الاثر الذي ستحدثه مواقف الشيخ الغنوشي الجديدة, لكني في الآن ذاته لا اقلل من أهميتها وبخاصة ان الرجل يتحدث في مناخ ثورة شعبية أسست لحقبة عربية جديدة, يمكن أن يكون للاسلام السياسي المعتدل والقابل لقواعد اللعبة الديمقراطية, دور في الدفع بالمشهد العربي الجديد الى آفاق واعدة, في دول وحكومات منتخبة, تحترم التعددية وحقوق الانسان والمرأة خصوصاً, وسيادة القانون وتداول السلطة سلمياً, يستقل فيها القضاء تماماً ويكون الحاكم في خدمة الشعب وليس العكس وان يكون الوطن ملكاً لمواطنيه وليس لحاكمه..

=====================================

مجلس الأمن.. حان وقت التوسيع

جون هيوز (مساعد وزير الخارجية الأميركية

 في إدارة الرئيس ريجان)

«كريستيان ساينس مونيتور»

الرأي الاردنية

2-2-2011

خلال زيارته إلى القارة الآسيوية في نوفمبر الماضي، أعرب «أوباما» عن دعمه لاختيار دولة الهند كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، الذي يعتبر مركز القوة في المنظمة الدولية.

وقد كان ذلك في الحقيقة اقتراحاً ذكياً من جانب الرئيس يهدف لتوسيع نطاق هذا الكيان الحيوي في تلك المنظمة وهو كيان ظلت عضويته الدائمة (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا)، من دون تغيير لعقود طويلة من الزمن. بيد أن ذلك التوسيع، مع ذلك، يجب ألا يتم في صورة ضم دولة جديدة مستحِقة، وإنما يجب أن يأتي في إطار عملية إعادة ترتيب كاملة.

وهذا الشيء لن يكون سهلاً كما لن يكون سريعاً، وإنما سيتطلب قبل كل شيء دبلوماسية بارعة من الولايات المتحدة، التي يجب أن تسعى لضم أعضاء جدد لمجلس الأمن بحيث يكون لهم فائدة في النهاية لمصالحها العالمية.

على أنها يجب أن تراعي وهي تقوم بذلك ألا تبدو وكأنها تفرض إرادتها على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والذي يبلغ عددهم 190 دولة، ويتبنون أجندات مختلفة بالطبع عن أجندتها. فبعض الدول من قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية، وهما القارتان غير الممثلتين في العضوية الدائمة للمجلس، سوف تطالب بالحصول على مقعد في مجلس الأمن كما ستعلن بعض الدول أن أوروبا(بريطانيا، وفرنسا، وروسيا)، ممثلة بأكثر مما يجب، كما أن بعض دول أوروبا قد ترى أنها تستحق تلك العضوية، لأنها لا تقل عن الدول الأوروبية الأخرى الممثلة بالفعل.

وعلى الرغم من أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، قد توافق على توسيع نطاق العضوية في المجلس بحيث يكون معبراً عن واقع العالم في اللحظة الراهنة، فإنه من غير المرجح أن توافق تلك الدول على منح الدول الجديدة التي ستنضم للمجلس حق الاعتراض (الفيتو)، الذي تتمتع به منذ إنشاء المنظمة الدولية.

وبعد أن تنتهي المناورات والمجادلات المتوقعة، حول من سينضم، ومن لن ينضم، فإن الدولة التي سيقع عليها الاختيار في النهاية، يجب أن تحظى بموافقة الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية(بالإجماع)، وبثلثي أعضاء الجمعية العمومية ناهيك عن موافقة مجلس «الشيوخ» الأميركي.

من المعروف أن الأمم المتحدة قد أنشأت عام 1945 بواسطة بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، والصين، وهي الدول التي اعتبرت نفسها راعية لفترة السلام التي تلت الحرب العالمية الثانية، وتمكنت على هذا الأساس من السيطرة على الكيان الدولي الجديد. وبخلاف الدول الخمس الدائمة العضوية التي تتمتع بحق الفيتو، هناك 10 دول منتخبة، تمثل أعضاء غير دائمين، وتقتصر مدة عضويتهم على سنتين فحسب.

وقد ظل مجلس الأمن الدولي، منذ إنشائه هو الهيئة المهيمنة على المنظمة الدولية إلى حد كبير. فهذا المجلس هو الذي يخول بإنشاء مهام وعمليات حفظ السلام في عشرات من دول العالم.

بالطبع يتمتع السكرتير العام–الذي يتم اختياره بالتناوب من مناطق مختلفة من العالم–ببعض النفوذ الذي يتوقف على قوة شخصيته أو ضعفها، بيد أن وظيفته–في جوهرها–تنحصر في القيام بدور المدير التنفيذي لمجلس الأمن، الذي ينفذ قراراته الرئيسية.

ويذهب تقرير حديث ل»مجلس العلاقات الخارجية الأميركي»، إلى أن الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن قد تم اختيارهم بناء على قدرتهم على ضمان السلم الدولي، وليس بناء على تمثيلهم الإقليمي. وجاء في التقرير الذي كتبه»كارا ماكدونالد» و»ستيوارت باتريك»:» والشيء نفسه يجب أن ينطبق على أي دولة يتم ضمها للعضوية الدائمة للمجلس».

بناء على ذلك، فإن تصويت أوباما على انضمام الهند للعضوية الدائمة لمجلس الأمن يعد خياراً معقولاً، فهي دولة آسيوية ناهضة ونشطة، وديمقراطية راسخة، ومساهم أساسي في معظم عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، كما أنها تمثل معادلاً اقتصادياً للصين، وينظر إليها على أنها نموذج يجب احتذاؤه من قبل عدد من الدول الأصغر حجماً في جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى أنها تمثل معادلًا عسكرياً محتملًا للقوة البحرية الصينية التي تنمو في الوقت الراهن بوتيرة متسارعة.

ولكن، وماذا عن الدول الأخرى التي تمثل مركز قوة آسيوياً كاليابان؟ فهذه الأخيرة معادل ديمقراطي للصين غير الديمقراطية، وتعتبر ثاني أكبر دولة مساهمة في ميزانية المنظمة الدولية بعد الولايات المتحدة، ولكن المشكلة التي تواجهها هي أن قواتها العسكرية متواضعة كما أنها تكن نفوراً للمواجهات العسكرية منذ التجربة المريرة، التي مرت بها في الحرب العالمية الثانية وعند نهايتها.

أما بالنسبة لأفريقيا، فنجد أن الدبلوماسيين المنتمين لهذه القارة، يرشحون نيجيريا للعضوية الدائمة لمجلس الأمن. ولكن مشكلة نيجيريا أن ديمقراطيتها هشة، على الرغم من حقيقة أنها تعد مساهماً رئيسياً في عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة.

أما جنوب أفريقيا–ما بعد نيلسون مانديلا–فلديها جوانب عديدة مزعجة في سياستها، كما أن قواتها العسكرية هزيلة.

في أميركا اللاتينية، هناك المكسيك، التي تساهم في ميزانية الأمم المتحدة بقدر يفوق كثيراً مساهمة البرازيل.. ولكن هذه الأخيرة قوة عظمى محتملة، لا شك في ذلك، وتعتبر نفسها جديرة بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وأن أحقيتها في ذلك تفوق أحقية المكسيك.

في أوروبا نجد أن ألمانيا وإيطاليا من كبار المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة وأنه من حقهما نتيجة لذلك الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، شأنهما شأن بريطانيا وفرنسا.

مجمع الأمم المتحدة القائم على ضفاف نهر» إيست ريفر» في نيويورك، يمثل منبراً يفترض أن يتم فيه حل مشكلات العالم من خلال المناقشات الدبلوماسية. وليس هناك من شك في أن توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن، يمثل تحدياً حان أوانه.

=====================================

بين تونس ومصر

محمد كريشان

2011-02-01

القدس العربي

'الحقوها..... الحقوها.... التوانسة ولعوها!!'

هكذا صرخت الجماهير المصرية في بداية ثورتها الغاضبة ضد الرئيس مبارك ونظام حكمه، في إشارة منها إلى أن الشرارة الأولى لهبة الشعوب العربية ضد الاستبداد والفساد في البلاد انطلقت من تونس ولن يوقفها أحد. هتافات نظر إليها التونسيون بكثير من الفخر خاصة عندما رأوا عددا من نقاط الالتقاء والتشابه بين ثورتهم وثورة إخوانهم المصريين. نقاط يمكن تلخيص أهمهما فيما يلي:

 عفوية الهبة الشعبية التي لم يتنبأ بها أحد. صحيح أن حجم الظلم السياسي والحيف الاجتماعي واستشراء الفساد قد بلغ مداه ولكن ما ساد من انطباعات عن الشعبين التونسي والمصري في السنوات الماضية جعلت المراقبين يستبعدون هبة في حجم وعنفوان تلك التي عرفتها تونس وتعرفها الآن مصر.

- غياب أي تيار سياسي مهيمن على هذه التحركات. في تونس كما في مصر شارك الجميع لكن الكتلة الأكبر كانت للشباب ولعموم الناس الذين خرجوا ثأرا لكراماتهم وتوقا لحياة لا يكدرها خوف أو حرمان أو ابتزاز.

لم يكن بالإمكان وصم الشارع بلون سياسي معين خاصة وقد كان كل من بن علي ومبارك يتوقان لتصوير ما جرى في بلديهما على أنه مجرد رعونة من تيارات دينية متطرفة لا بد من التحسب لها وتنبيه الغرب إلى خطورة أن يغتر بها.

 الشعارات العملية البسيطة التي رفعت. دعوة إلى رحيل الرئيس الذي جثم على قلوب شعبه لعشرات السنوات. كل منهما، بن علي ومبارك، لم يشغل باله شيء سوى تأبيد حكمه عبر رئاسة مدى الحياة أو توريث كل بطريقته وإخراجه. ربما لم يطلب التونسيون من بن علي الرحيل إلا في الأسبوع الأخير من ثورتهم فيما طالب بها المصريون من البداية. هنا تأتي استفادة هؤلاء من أولئك حتى في موسيقى إطلاق الشعارات وحركات الأيدي المطالبة برحيل الرئيس بل وأحيانا في استعارة اللفظ الفرنسي المطالب بهذا الرحيل.

 موقف الجيش الذي لم يفلح طغاة تونس ومصر في جره إلى قمع عموم المحتجين. لقد رأى كل من الجيشين في تونس ومصر أن دوره الحقيقي هو حماية البلاد والعباد ولذلك احترمه الناس وحفظوا له جميل تجنب حماقة قمع الشعب لفائدة حفنة من المستفيدين الفاسدين.

 عدم قدرة الرئيسين بن علي ومبارك على فهم حقيقة ما جرى. الأول لم يفهم إلا في خطابه الأخير بعد اثنين سابقين فاشلين فلما فهم كان لا بد له أن يهرب لأن فهمه لشعبه تأخر ثلاثة وعشرين عاما كاملة. أما الثاني فلم يتعظ بما حدث لصاحبه وبدا وكأنه يسير في سيناريو الثلاث خطب لكن شعبه يعمل على الأرجح على تجنيبه الخطابين المقبلين لأنه لم يعد ينتظر منه سوى خطاب واحد هو خطاب الوداع. 'هات من الآخر' قال له المصريون.

ومع ذلك فإن نقط اختلاف لا شك فيها تميز بيم ما حدث في تونس ومصر لعل أبرزها تمثل إلى حد الآن في ما يلي:

 الفزع الذي أصاب الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية مما يحدث في مصر. بدوا غير مبالين مع تونس حتى اتضح لهم أن المسألة فعلا جد في جد لكنهم مع مصر لم يكونوا أبدا في وارد ارتكاب نفس الحماقة فالوضع غير الوضع والتداعيات غير التداعيات. ربما بإمكان هذه القوى التدخل الآن لصياغة مخرج ما لكن إذا أصر الناس على ثورتهم فسيفرضون ما لم يقرأ له حساب وهو ما بدأ في إثارة هواجس الإسرائيليين.

 مبارك، على عكس بن علي، رمي له أكثر من مرة بطوق نجاة مشرف لكنه أصم أذنيه عن كل دعوات ما سمي ب'الخروج الآمن' من السلطة. أخذته العزة بالإثم ورفض حتى أن يشرف هو شخصيا على انتقال سلمي للسلطة كان يمكن أن يذكره به التاريخ لكنه أبى. كان ذلك ما اقترحه عليه مثلا الأستاذ محمد حسنين هيكل قبل أكثر من عام.

سنقرأ الكثير في المستقبل عن روعة الشعبين التونسي والمصري في ثورتيهما خاصة إذا قادت في مصر إلى ما قادت إليه في تونس. أما ما يجب قراءته الآن لفهم الكثير من إصرار قيادة البلدين على الأخطاء المدمرة فهو كتاب الكواكبي 'طبائع الاستبداد'.

=====================================

ربيع التغيير في العالم العربي بدأ في تونس وأينع في مصر

د. سعيد الشهابي

2011-02-01

القدس العربي

 الحركة الاحتجاجية في مصر واعدة، وحبلى بالمفاجآت وجديرة بالوصول الى هدفها المتمثل بتغيير اوضاع هذا البلد العربي من وضعه المقزم الى حجمه الطبيعي الذي يجعله في مصاف الدول ذات الشأن والموقف والتوجه والتأثير على المستويين الاقليمي والدولي. ولا يستبعد ان يكون ديكتاتور مصر قد سقط مع نشر هذا المقال خصوصا بعد الحشود المليونية يوم امس، في ميدان التحرير والمناطق الاخرى.

ثورة ابناء مصر تأتي في وقت كاد اليأس فيه يدب في نفوس الكثيرين، خصوصا من الاجيال التي تعاقبت على السجون، وتجرعت وجبات التعذيب طوال عمرها. هذه الثورة الشعبية جديرة بالنصر لانها تعبير عن رغبة شعب ونضال اجيال، ودماء شهداء، بل معاناة امة كاملة. فمصر تمثل رأس هرم الامتين العربية والاسلامية، حجما واهمية وموقعا استراتيجيا، وليس من المعقول ان تبقى في مؤخرة ركب التغيير الذي عصف باكثر بلدان العالم في العقدين الاخيرين. وعند الحديث عن التغيير تجدر الاشارة الى عدد من الحقائق:

اولها ان هذا التغيير تأخر كثيرا وساهم في ابقاء دول العالم العربي مهمشة في معادلة الصراع السياسي مع الجهات التي تسعى لاحتلال اراضها او الهيمنة عليها. ثانيها: ان ابناء الامة قادرون على النهوض بدورهم، وقد فعلوا، وقدموا التضحيات، واحتجوا، وعذبوا واستشهدوا على مدى اكثر من نصف قرن. وقد حان الوقت لقطف ثمار هذا النضال المتواصل من اجل الحرية والتقدم. ثالثها: ان التغيير كان مرفوضا وممنوعا ومحرما من قبل القوى التي راهنت، وما تزال تراهن، على تغييب الشعوب العربية عن ساحة الصراع مع قوى الاحتلال والظلم والنهب، لان هذه القوى الشريرة لا تستطيع الاستمرار في خططها وجرائمها الا بوجود انظمة هشة تحتاج لدعمها من غضب الشعوب. رابعها: ان التغيير تصنعه الشعوب، ولا يأتي من الخارج، خصوصا اذا كان هذا الخارج متحالفا مع الانظمة ويعتبر تحالفه جانبا من الشراكة الاستراتيجية. الولايات المتحدة والدول الغربية ما تزال حتى هذه اللحظة ترفض لقاء رموز المعارضات العربية، لكي لا تغضب الحكومات، وتسكت عن الانتهاكات البشعة لحقوق الانسان بكل صلافة. خامسها: ان تنامي ظاهرة العنف والارهاب اضعف المعنويات الغربية بشكل كبير، فاصبح الساسة الغربيون يتشبثون باضعف المقولات بشأن الحرب ضد الارهاب. فالمملكة العربية السعودية تقدم نفسها اليوم بانها 'رأس الحربة' في تلك الحرب، وربما قدمت بعض معلومات حول بعض الاعمال الارهابية المزمعة ضد اهداف غربية من قبل عناصر 'القاعدة' لاثبات تعاونها 'المهم' في مجال مكافحة الارهاب. وهذا 'التعاون' يستعمل تبريرا للصمت الغربي على ما يجري في المملكة من انتهاك لحقوق الانسان ومصادرة الحريات ورفض تحديث النظام السياسي. سادسها: ان ارادة الشعوب لا تقهر، وان اجهزة الامن المحلية والقوى الخارجية لا تستطيع قمع تلك الارادة اذا قرر المواطنون تغيير واقعهم. فمن كان يعتقد ان الشعب التونسي سوف يكون قادرا على كسر حالة الجمود في الوضع العربي بثورة شعبية منقطعة النظير؟

لقد ساهم التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في التصدي لمحاولات التغيير، وما يزال يفعل ذلك، ويراهن على بقاء انظمة الاستبداد والقمع. واشنطن لم تخف إصرارها على مقولات 'الاستقرار' و 'الامن' لتبرير دعمها المتواصل لحكومات ديكتاتورية لا تتغير رموزها بل تتسابق لاثبات قوتها من خلال عدم تغيرها. وما يزال حديث وزيرة الخارجية الامريكية السابقة، كونداليزا رايس، في القاهرة في 2005 شاهدا على غياب اجندة التغيير برغم بعض التصريحات التي تبدو ايجابية احيانا. يومها قالت رايس ان واشنطن كانت تعتمد مبدأ حماية الامن والاستقرار على حساب الديمقراطية، ولكنها اكتشفت ان تلك السياسة لم تحقق ايا من الهدفين، وانها سوف تركز على ترويج الديمقراطية. كان ذلك في عهد بوش الذي كان يطرح شعارات لتبرير حربه ضد العراق. ومع ان تلك التصريحات ساهمت شيئا ما في تخفيف القبضة الامنية لبعض الانظمة، ولكنها لم تكن سياسة ثابتة، بل تعبيرا عن مصلحة وقتية سرعان ما انتفت الحاجة اليها. وبمجيء الرئيس الحالي، باراك اوباما، عادت واشنطن مجددا الى سياسة الدعم غير المحدد للاستبداد، وغابت الشعارات المحدودة حول التغيير عن اجندتها، فلم يعد هناك حديث عن الدمقرطة او الشرق الاوسط الكبير، بل تكرس دعم الحلفاء العرب خصوصا في منطقة الخليج على حساب مشاريع الديمقراطية وحقوق الانسان. واذا كانت الاهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج في مقدمة الاعتبارات التي يطرحها الغربيون لتبرير ذلك الدعم، فان الاعتبارات الاقتصادية الاخرى خصوصا الامدادات النفطية والعقود العسكرية والتبادل التجاري من بين الاعتبارات المهمة الاخرى. يضاف الى ذلك استعداد هذه الدول لدعم المشروع الغربي على محورين اساسيين: اولهما المحور الايراني حيث يتواصل السجال حول المشروع النووي لطهران. وقد كشفت وثائق الخارجية الامريكية التي نشرها موقع ويكيليكس التحريض السعودي والبحريني على ضرب ذلك المشروع قبل ان يستفحل بتعبير الملك السعودي 'قطع رأس الافعى قبل ذيلها' و 'ان التعجيل به اقل ضررا من تأخيره' بتعبير ملك البحرين. اما المحور الثاني فهو محور الصراع مع 'اسرائيل' حيث ان اغلب هذه الدول بدأ مشروع التطبيع مع قوات الاحتلال، ووقف ضد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. كما ان ما سرب مؤخرا عن موقف القيادة الفلسطينية ازاء المستوطنات الاسرائيلية واستعدادها للتنازل عن الحق الفلسطيني من اجل صفقة سياسية غير مضمونة، كل ذلك يشير الى نوعية الانظمة التي يدعمها الغربيون في عالمنا العربي.

ايا كان الامر فان مصر تمثل الاختبار الاهم للموقف الغربي، فخسارتها لن تقل اهمية عن خسارة ايران الشاه، بل ستكون اكبر لاسباب عديدة، اولها: ان سقوط النظام المصري بثورة شعبية سوف يغير معادلات الصراع في الشرق الاوسط، لان اي نظام ديمقراطي سيقوم، على اقل تقدير، بتجميد العلاقات مع الكيان الاسرائيلي وما جاء في اتفاقات كامب ديفيد التي وقعت في 1979، ولن يكون طرفا في الحرب ضد المقاومة الفلسطينية، وسوف يسقط الجدار العازل الذي بناه النظام المصري ضد رغبة الشعب. ثانيا: ان مصر البوابة الواسعة للعالم العربي، وحدوث تغيير جوهري في نظامها السياسي لن ينحصر بحدود ارض الكنانة، بل سيكون بداية لثورات متلاحقة في بقية البلدان التي جمدت انظمتها السياسية على منظومات بالية واستعانت بالقمع لترويض شعوبها. ثالثا: ان التغيير في مصر سوف يكون تسونامي سياسيا غير مسبوق منذ اكثر من ثلاثين عاما في المنطقة، وستكون له آثار نفسية ايجابية على الشعوب العربية، وقد يؤدي الى نقلة نوعية ليس في الممارسة السياسية فحسب بل في مجالات التنمية والنهوض الحضاري الذي تخلف كثيرا برغم توفر اموال قارون الهائلة التي استغلت لخدمة النزعات والرغبات الشخصية ولم تساهم في بناء الامة. رابعها: ان التغيير في مصر سوف يحطم مقولات رسخت في النفوس من اهمها ان التغيير لا يحدث الا بموافقة امريكا التي قال عنها الرئيس المصري السابق، انور السادات انها 'تمسك ب 99 بالمائة من اوراق اللعبة'.

ان سقوط النظام المصري، وهو امر اصبح حتميا، سوف يكون ضربة موجعة للهيبة الامريكية التي احدثت رهبة في نفوس المعارضين عقودا وأجلت التغيير فترة طويلة، وخلقت مشاعر معادية للتحالف الغربي الذي يعتبر اليوم معاديا للعرب ومتحالفا مع 'اسرائيل' وداعما للاستبداد. عندها لن تكون ايران وحدها هي التي تحمل لواء المقاومة ضد المشاريع الغربية في المنطقة، بل سيكون للشعوب العربية، في ظل انظمة حكم جديدة تختارها بنفسها، دور في مواجهة تلك المشاريع. وسوف تجد واشنطن ان ثلاثة عقود من محاولات محاصرة ايران قد حسمت لغير صالحها وان الحرب ضد ما يسمى 'تصدير الثورة' لم تؤد الى نتائج ملموسة.

مشكلة هذه القوى انها تتحرك بدافع 'الشعور بالعظمة'، فتعتقد ان بامكانها بسط نفوذها وسيطرتها بدون حدود اينما كانت. لقد تحولت الولايات المتحدة الى كيان استبداد طاغ، فاسقطت انظمة، واقامت اخرى، ولم تراع مشاعر الشعوب يوما. ففي شباط/فبراير 1986 مارست الولايات المتحدة ضغوطا على هايتي لازالة حاكمها جان كلود دوفالييه، وحدثت ثورة شعبية اسقطت نظامه بسبب الفقر وسوء الاوضاع الاقتصادية وانتشار الجوع. وبعد 25 عاما عاد مؤخرا من منفاه في فرنسا التي استقبلته 'بشكل مؤقت'، واعتقل من قبل السلطات في بلده. وفي كانون الاول/ديسمبر 1989 اجتاحت القوات الامريكية بنما واستسلم رئيسها، مانويل نورييغا لها في كانون الثاني/يناير 1990 وحاكمته بتهم الاتجار بالمخدرات والابتزاز وغسيل الاموال، وسجنته عشرين عاما، واطلقت سراحه العام الماضي وسلمته الى فرنسا ومنها عاد الى بلده الشهر الماضي. وتدخلت الولايات المتحدة في الساعات الاخيرة من حكم ماركوس في 1986 لاقناعه بالخروج في اثر ثورة شعبية ضد نظامه الاستبدادي. حدثت هذه التدخلات في غياب قرار دولي بذلك من مجلس الامن او رغبة واضحة من الامم المتحدة التي تسعى واشنطن لتهميش دورها. وبعد حوادث 11 ايلول/سبتمبر تدخلت القوات الامريكية في افغانستان واسقطت حكومة طالبان. وكان اسقاط نظام صدام حسين آخر حلقات التدخلات الامريكية.

صحيح ان اغلب تلك الانظمة كان فاسدا، لقد كشفت التدخلات الامريكية تكشف امورا عديدة: اولها انها انتقائية، ولا تمثل ظاهرة عامة، فهي لا تستهدف الا الحكومات التي تخالف سياساتها او تتمرد على اوامرها، ثانيها ان التدخل يأتي في الساعات الاخيرة لكي لا تخسر نتائج التغيير المحتوم، وبالتالي فانها انتهازية غير اخلاقية ومحاولات لقطف ثمار ما زرعه الآخرون بدمائهم، ثالثها: ان التدخلات بتلك الاشكال السافرة تهمش الدور الاممي وتصادر الشرعية الدولية، وتكرس هيمنة القطب الواحد الذي يتحرك خارج الاجماع الدولي. رابعها: ان النخب السياسية الجديدة كثيرا ما تجد نفسها ملزمة بالاجندة الامريكية الامر الذي يهمش الاجندة المحلية ومشاريع الاصلاح والتحرر والافلات من هيمنة القوى الخارجية. خامسها: انه يكرس مقولة عجز الشعوب عن احداث التغيير، الامر الذي يؤدي الى تكريس الواقع السياسي المعاش بمرارته، وكثيرا ما عادت الامور تحت الرعاية الامريكية الى أسوأ مما كانت عليه قبل التغيير. سادسها ان التغيير المنشود من قبل الجماهير لا يتحقق الا في جوانبه الشكلية، بينما كثيرا ما تؤدي المساومات من وراء الكواليس في الساعات الاخيرة الى إحكام القبضة الامريكية على الامور مجددا، ومحاصرة التطلعات التحررية لدى الجماهير الثائرة.

واشنطن تدرك هذه المرة ان الوقت ليس في صالحها وان الامور تسير بغير الاتجاه الذي تريد. فهي ترى حظوظها المتناقصة في لبنان متمثلة باسقاط حكومة سعد الحريري بينما كان يلتقي الرئيس اوباما وفريقه، ويعتبر ذلك اهانة للبيت الابيض واضعافا لهيبته واظهارا لعجزه عن ادارة ملفات المنطقة بالشكل المعهود. فواشنطن فشلت في منع اسقاط حلفائها اللبنانيين، بينما استطاع السوريون وحلفاؤهم اللبنانيون ترجيح الفريق المقاوم ل 'اسرائيل' وإفشال محاولات سحب سلاح المقاومة. وفي تونس تبذل واشنطن وحلفاؤها اقصى الجهود لمنع سقوط النظام السابق كاملا، وتسعى لمحاصرة حجم التغيير بحصره في شخص الرئيس ودائرته العائلية الضيقة، مع اطلاق العنان للعناصر الاخرى التي شاركته في احكام قبضته على الامور على مدى ربع قرن تقريبا. ولن تكتمل الثورة التونسية الا اذا انتقلت من مرحلة اسقاط زين العابدين بن علي، الى مرحلة اسقاط نظامه، فاذا كانت واشنطن قد تخلت عن ديكتاتور تونس فانها لم تتخل عن نظامه بعد. اما نتيجة الاحتقان الثوري المتواصل فيحددها مدى صمود الثوار ورموز المعارضة في الضغط على عناصر النظام السابق الذين يصرون على البقاء برغم الرفض الشعبي لهم. والامر نفسه يتكرر في مصر، وربما اليمن والاردن والبحرين، والواضح ان الولايات المتحدة لم تعد قادرة على حماية الرئيس مبارك الذي قضى في الحكم قرابة العقود الثلاثة وأمعن في الاستبداد حتى سخر الانتخابات البرلمانية لصالح حزبه وألغى مرشحي الآخرين. مع ذلك لم تحرك واشنطن ساكنا، ولكنها سعت في الساعات الاخيرة للنأي بنفسها عن شخص الرئيس وليس عن نظامه، وكذلك فعلت بريطانيا والمانيا، على امل الاحتفاظ بشيء من الصدقية مع النظام المستقبلي لمصر، كبرى الدول العربية، وأهمها في مجال الصراع مع الكيان الاسرائيلي. برغم ذلك فالامور تسير نحو حسم الموقف ضمن ثورة شعبية تزداد رقعتها تدريجيا وتتحول الى بعبع جديد يقلق الامريكيين ويضطرهم لاعادة حساباتهم بما يحفظ مصالحهم. وليس مستبعدا ان تقدم واشنطن على خطوات تبدو تراجعية في الوقت الحاضر على امل العودة لاحقا من منافذ اخرى.

المعركة في مصر حسمت، كما يبدو، لصالح الارادة الشعبية. ويعتبر وجود الدكتور محمد البرادعي عاملا مطمئنا بانتقال سلمي للسلطة، خصوصا بعد موافقة جماعة الاخوان المسلمين، كبرى الحركات المعارضة، على انابته للتحدث باسم المعارضة. الامر المؤكد ان الليالي الشتوية الطويلة والمظلمة التي خيمت على العالم العربي، توشك على الانتهاء، وان هذه الشعوب المضطهدة تتأهب لربيع التغيير بارادة ووعي وأمل. وعلى امريكا والغرب ان يستمعوا، ولو مرة واحدة، لصرخات الشعوب المطالبة بالحرية، فلعل في ذلك ما يحفظ بعض مصالحها، بعد تحالفها غير المقدس مع قوى الظلام والاستبداد الذي استمر عقودا. وكما غاب القمر الامريكي عن سماء دول امريكا اللاتينية، فالواضح انه دخل المحاق في منطقة الشرق الاوسط، وعلى امريكا التأهب لدفع الفواتير السياسية الباهظة لدعم الاستبداد والظلم و الاحتلال، لان الوضع هذه المرة تغير جوهريا. فمصر بوابة التغيير للعالم العربي الذي رزح عقودا تحت الاستبداد التي رعته واشنطن وحلفاؤها، وحان الوقت لسقوط ذلك الكابوس الفاسد والظالم والمستبد، وهنيئا لشعب مصر ثورته المظفرة التي لن يكون العالم العربي بعدها كما كان قبلها. انه عصر الشعوب فلنتحتضنه بحرارة.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

=====================================

ليلة رحيل بن علي ... في شقة في شارع أتاتورك

الاربعاء, 02 فبراير 2011

ايزابيل موندرو وكاترين سيمون *

الحياة

في شقة في المبنى الرقم 3 القائم على جهة من شارع أتاتورك، غير بعيد من جادة بورقيبة، اجتمع عشرات من المتظاهرين هرباً من هراوات الميليشيا التي سلكت من غير رقيب في شوارع تونس العاصمة وطرقها. وعلم المحاصرون بخبر هرب الرئيس زين الدين بن علي، الساعة السادسة بعد الظهر (في 14 كانون الثاني / يناير) بواسطة رسالة هاتفية قصيرة. فاستقبلوا الخبر بالتهليل.

وتكاد مريم بلال، والآخرون مثلها، لا يصدقون حصول الثورة الاولى في العالم العربي هنا، في تونس. وفي أثناء دقائق البهجة الاولى، تبادل المحاصرون التهنئة، وصفقوا، وأخرجوا علماً تونسياً لوّحوا به على شرفات الشقة. ولكن القلق ما لبث أن عاد سريعاً، ليخيّم على الملتجئين الى شقة شارع أتاتورك. فبن علي ذهب، ولكن البوليس المخيف لا يزال في البلد. وفي انتظار ان تستعيد تونس روعها، وتنصّب حكومة فعلية جديدة يطلق البوليس العنان لانتقامه وثأره. فالضرب المبرح والقاسي يسد طريق النجاة على ضحايا فرق الشرطة. ومنع التجول يبقي الناس أسرى الملاجئ والمخابئ.

وفي الشقة الصغيرة، وهي من غرفتين ومطبخ ودورة مياه، لم يبق محل لقدمين. والمحاصرون يهاتفون الاصحاب والاهل في الهواتف النقالة ويهمسون. وترد الاخبار من أنحاء المدينة، ولكنها لا تدعو الى الاستبشار خيراً. فأعمال النهب والتعدي على الناس والاملاك تتكاثر. وبعضها يبادر أفراد الشرطة وقوى الامن اليها، متعاونين مع عصابات الجريمة. وقوى الامن لم تبق في إمرة قائد يأمرها. والجيش انتشر في أنحاء البلاد كلها، ويبدو عاجزاً عن الحؤول دون تفاقم الحال.

وبعض اللاجئين الى شارع أتاتورك ما زال يذكر مشاهد مروعة لم تنقضِ على بعضها دقائق. فهم رأوا صبية تقع على ركبتيها، فيهجم ثلاثة شرطيين عليها، ويصفعون وجهها، ويركلونها بأحذيتهم. ويجر آخرون شاباً من شعره، ويضربونه بالأيدي والعصي. وآخرون يدفعون متظاهرين، يسيل الدم من وجوههم، الى الجدران دفعاً عنيفاً. وناديا (18 عاماً) التي شهدت هذا قبل لجوئها، وهربت منه، تنشج متكئة على جدار الغرفة. وآخرون لا يدارون أمارات الانهيار، ويريدون مغادرة الشقة التي انقلبت مصيدة. ولكن المصيدة في كل مكان. ومن الطريق، وراء الستائر، تترامى صيحات الالم، ويتردد صدى الابواب المحطمة. ويؤذن هذا بانسدال ليل طويل على المحاصرين.

وتتعالى هتافات المتظاهرين من المساء الذي يلف المدينة: «بن علي قاتل!» «عشرون سنة من التخريب تكفي! إرحل!»... ويعقب المحاصرون، وهم يهمسون، على الهتافات: «لم تبق عائلة واحدة في تونس لم يسرقها ولم يُهنها ويذلّها هؤلاء الاوباش والحثالة. وما يقوله بن علي هو كلام لص، ولا يصدقه أحد». ويذهب لطفي بن مصبح، وهو طبيب في الواحدة والخمسين، الى أن حكومة الوحدة الوطنية «ترقيع». «فما دام بن علي في تونس فهو الحاكم ولا رأي للحكومة ولا للمجلس النيابي». وتدمع عينا موظف في شركة طيران تونس وهو يقول: «التظاهر في الشارع هو فرصتنا الاخيرة. ونحن لا نريد تخفيض سعر الحليب، بل نريد الكرامة».

وجمهور الشقة فيه مدلكات حمام ومحامون وممرضون وفنانون وجامعيون وتجار ومستخدمون وعمال. وبعض المتظاهرين جاؤوا فرادى، وآخرون جماعة أو مع أسرتهم. وتعتلي جماعات من الشبان سطوح الحافلات. وتحمل الأعلام الوطنية، وتلوح بها، وتنشد النشيد الوطني. وبعض المغامرين الشجعان يتمسكون بشبابيك وزارة الداخلية وقضبانها. وعلى الرصيف يصفر الجمهور، ويصفق، ويمازح بعض بعضاً. ويرتجل شعراء، هم أولاد الساعة، الشعر في هجاء نظام مرتجل: «هذه السعادة كلها/ لم أحلم بها»، «ينظم» طبيب الاطفال دادوش وهو يضحك.

وبعيد إعلان بن علي تركه الحكم أوكل الى الوزير الوحيد توليه موقتاً. وأعلن هذا قراره إجراء انتخابات في غضون 6 أشهر. وتناهت الأخبار عن نهب المتظاهرين بعض دور آل طرابلسي، إخوة زوجة بن علي، وعن مقتل أحدهم. وناقش المحاصرون الاخبار هذه من غير تحفظ. وقطعوا مناقشاتهم حين اقتربت خطوات الميليشيات. وسكتت الاصوات خوفاً. وأُعلم أحد الديبلوماسيين الفرنسيين، إيتيين شابون، بالوضع في الشقة. فحاول المفاوضة بواسطة الهاتف، من غير جدوى. فما كان منه إلا أن جاء، الساعة الثالثة صباحاً، وحضر الى شارع أتاتورك بنفسه. وكان تجمهر أمام المبنى الرقم 3 أفراد من البوليس ومعهم عشرات من المجرمين المسلحين. وحين خرجنا، لم يف الشرطيون بوعدهم، فصفّوا التونسيين في جهة، وصرفوا الفرنسيين الى جهة أخرى قادتهم الى السفارة. وصباح اليوم التالي لم نعرف ما حل بالعشرين تونسياً. وكانت الاحذية المتفرقة تملأ طرق المدينة المقفرة.

* مراسلتان، عن «لوموند» الفرنسية، 16-17/1/2011، اعداد: منال نحاس.

=====================================

مساعدة العالم العربي على تجاوز إرث الماضي القريب والثقيل

الاربعاء, 02 فبراير 2011

أنتوني كوردسمن *

الحياة   

تبرز الاضطرابات في مصر وتونس واليمن - وأزمة الحكم في العراق - مشكلة لا يستهان بها يواجهها الغرب في التعامل مع دول فاشلة ودول مهشمة يتنازعها الانقسام. وإلى اليوم، يسلط الضوء على التظاهرات، ويهمل تناول مسألة مهمة وهي أن التغيير في أنظمة لا تعالج أسباب الاحتجاج، يستبدل أنظمة فاشلة بنظيرها.

فالإخفاقات التي وُلدت الاحتجاجات من رحمها في العالم العربي، حالت دون بروز أحزاب سياسية وزعماء يسعهم التعاون معاً لمد الجسور بين الطوائف المختلفة والقبائل. وأفضت الإخفاقات هذه إلى الانتفاضات التي يعرف أصحابها ما يعارضونه ولكنهم ليسوا على بينة مما يريدونه. فالمعارضة المصرية منقسمة ومشرذمة وضحلة التجربة السياسية. والإخوان المسلمون هم أقوى الأحزاب السياسية البديلة، ولكنهم ضعفاء يفتقرون إلى الخبرة في ممارسة السياسة. والأيديولوجيا لا تكفي للحكم. وليس جلياً بعد إذا ما كانت إطاحة مبارك أو إجراء انتخابات جديدة تؤدي إلى بروز حكومة تلبي تطلعات المتظاهرين. فهؤلاء يريدون وظائف فعلية وشرطة وقضاء في خدمة الشعب وليس النظام، ويطالبون بطي الفساد وتوزيع العائدات توزيعاً عادلاً.

وسكان الدول العربية هذه، وأعدادهم إلى ارتفاع، من الشباب. ولا يسع الدول هذه توفير فرص عمل. والبنى التحتية هزيلة لا تكفي حاجات السكان. ويجمع بين الدول هذه فشلها في إرساء اقتصاد يحفز النمو، ويمهد لتوزيع عادل للثروات. وبالغت هذه الأنظمة في الاعتماد على القوى الأمنية، وأخفقت في تذليل دواعي العنف المحلي والتطرف والإرهاب.

والمعارضة في هذه الأنظمة غير جاهزة للتصدي لمترتبات ما بعد التغيير. فإذا بلغت سدة السلطة ، واجهت القوى هذه مشكلات لا يستهان بها في توظيف المساعدات وتفادي الهدر والفساد وسوء الإدارة. وتحتاج القوى هذه إلى معرفة كيفية ترتيب سلم أولويات موازناتها المالية، وإلى الإلمام بأصول الموازنة بين القطاعين الخاص والعام وأصول توظيف الأموال توظيفاً فعالاً وعادلاً ينزل على الحاجات المحلية والإقليمية.

وحريّ بالولايات المتحدة وأوروبا المبادرة إلى مساعدة الدول هذه في التصدي لهذه التحديات، وعدم الاكتفاء بالمناداة بالديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون كما لو كانت الأنظمة القمعية التي تفتقر إلى حوكمة فعالة ستصبح بين ليلة وضحاها على صورة الغرب. والانتقال من كيل دعوات صون الاستقرار الفارغة إلى تأييد تغيير النظام لن يقنع سكان هذه الدول أن الغرب يأبه بمصيرهم.

والغرب مدعو إلى صوغ برامج تساعد الدول هذه على تطوير الاقتصاد تطويراً يلائم تطلعات شعوبها وحاجاتهم، وإلى تجاوز حصر اهتمامه بنموذج الحكومة المركزية. فصرف الاهتمام على مبادرات الحكومة المركزية لا يسهم إسهاماً فاعلاً في إرساء حوكمة محلية ناجعة، ولا يبعث تأييد الشعب الحكومة. والتجربة في العراق وأفغانستان خير دليل على ذلك.

ومثل هذه المساعي ضرورة أوروبية لا غنى عنها للإسهام في إرساء استقرار شمال أفريقيا ولتذليل مشكلات هي وراء تدفق موجات الهجرة بين ضفتي المتوسط. وحري بواشنطن المبادرة إلى مثل هذه المساعي لاحتواء إيران ولإرساء سلام عربي – إسرائيلي ركيزته السلام مع الأردن ومصر.

ويفترض تولي الولايات المتحدة قيادة هذه المساعي تعديل نهجها العسكري ونهج مكافحة الإرهاب، وتعديل سياسات وزارة الخارجية ومنظمة «يو أس ايد» وسياسات الحروب والمساعدات. فأميركا تغالي في التركيز على خطاب الديموقراطية والانتخابات الحرة وحقوق الإنسان وصوغ دساتير جديدة.

ويبعث على الأسف أن أميركا غير جاهزة للتصدي لمشكلات مصر أو لمساعدة غيرها من الأنظمة العربية الحليفة على استباق الأزمات وانتهاج نهج إصلاحي يحمل بذور التغيير.

* باحث،عن «فايننشل تايمز» البريطانية، 27/1/2011، اعداد منال نحاس

=====================================

في يوم الاحتجاج المصري السادس... الجيش الى جانب المتظاهرين والنظام

الاربعاء, 02 فبراير 2011

غريف وايت *

الحياة

تحرك الجيش المصري على أكثر من جبهة نهار الأحد في 30 كانون الثاني (يناير) لبسط نفوذه وتعزيز شعبيته. وتنافست أجنحة الجيش في الحكومة والشارع على ضبط الأمة المصرية الاستراتيجية الواقعة في قلب العالم العربي.

وعلى وقع تظاهرات تنادي باستقالة الرئيس المصري لليوم السادس على التوالي، بدا موقف الجيش مما يجري ملتبساً. فالمؤسسة هذه ترسل إشارات متناقضة. وفي الشارع، مد الجيش يد العون الى المتظاهرين. وفي أجواء سماء مصر، حلقت طائرات ال «أف -16» فوق المتظاهرين. وظهر كبار الضباط الى جانب الرئيس على شاشة التلفزيون الرسمي.

وفي أنحاء مصر كلها، انتشر الجنود لمساعدة السكان على طرد العصابات الإجرامية ولإرساء النظام، بعدما توارت الشرطة المصرية النظامية عن الأنظار.

ويوجه مصريون كثر أصابع الاتهام الى الشرطة بالوقوف وراء حملة ترهيب السكان إما من طريق القيام بأعمال عنف أو من طريق الإحجام عن وقف عمليات النهب والسلب.

ومع تنامي كراهية الشرطة، تعاظمت مشاعر الإعجاب بالجيش. وتوحي إشارات الجيش المتناقضة بأن مسألة من سيتولى حكم مصر لم تحسم بَعد، على رغم مرور نحو أسبوع على تظاهرات قلبت العالم المصري السياسي رأساً على عقب. وأعلن آلاف المتظاهرين، وتظاهرتهم حماها الجيش، أنهم لن يغادروا ميدان التحرير قبل استقالة الرئيس.

وبعد ظهر السبت، عمل المحتجون الى جانب الجيش للحؤول دون اختراق مركبتين تابعتين لوزارة الداخلية موقع الاحتجاج. ثم أبلغ ضابط من الجيش على متن دبابة الجمعَ أن وزارة الداخلية نشرت آلاف المسلحين لزرع الفوضى في مصر، وأعلن أن «الجيش سيقف مع الشعب». فحيّته الجموع هاتفة «الجيش والناس واحد!».

ولكن الوحدة هذه لم تجد صدى لها في صور نقلها التلفزيون الرسمي تظهر الرئيس ابن ال82 سنة الى جانب قادة عسكريين ورؤساء استخبارات ووزير الدفاع. وربما يشير غياب ممثلي وزارة الأمن الداخلي عن الاجتماع الى جانب من نزاع السلطة.

ويُجمع على أن الجيش نافذ ويسعه إطاحة مبارك إذا أراد ذلك، ولكنه امتنع، الى اليوم، عن ذلك. ويبدو أن تضامن الجيش مع الشعب هو خطوة لتهدئة الناس في انتظار صوغ الرئيس خطة خلافته. والسبت، عيّن مبارك عمر سليمان نائباً للرئيس. فصار سليمان الوريث المحتمل في بلد تنتقل فيه السلطة من رجل قوي الى آخر.

واجتمع قادة المعارضة الأحد لتنظيم جهودهم، واتفقوا على تفويض محمد البرادعي، حائز نوبل المؤيد للديموقراطية، تمثيلهم في مفاوضات مع الحكومة. ولكن الجماهير في ميدان التحرير استقبلت ما أبلغها إياه البرادعي استقبالاً فاتراً. وبدا أن المتظاهرين لا يحبذون التحول معارضة منظمة بل يستسيغون البقاء حركة شعبية غير مؤطرة.

وقبيل المساء، حلقت طائرات سلاح الجو المصري فوق ميدان التحرير. وردود المتظاهرين هي مرآة غموض اللحظة والتباس معنى الحوادث. فبعضهم رحب بالطائرات واعتبر أن تحليقها هو تأييد لمطالب المتظاهرين، بينما رأى بعض آخر أن استعراض سلاح الجو هو محاولة «ضغط» على المتظاهرين ورسالة ترهيب لهم.

ودعا المتظاهرون الأمم المتحدة الى دعم قضيتهم. ورأى كثر أن بقاء الرئيس في السلطة هو رهن دعم الولايات المتحدة له. فإذا تراجعت واشنطن عن تأييده، سقط النظام. وقال محمد الراضي، محاسب في ال32 من العمر، «نريد أن نكون مثل أميركا. ونريد اختيار رئيسنا... والحركة هذه ليست إسلامية ولا علاقة لها بالدين. بل هي حركة شعب عانى 30 عاماً وهو يرغب اليوم بالديموقراطية».

وفي وقت كان الجيش يلاحق اللصوص، ويقبض عليهم، كانت الشرطة تطلق سراحهم. ففي سجن خارج القاهرة، فرّ آلاف السجناء، بعد أن انسحبت عناصر الشرطة من مبنى السجن.

وسرت إشاعة في أوساط المتظاهرين في ميدان التحرير مفادها أن الرئيس غادر البلاد. فبدأوا يقفزون من الفرح ويصرخون «ذهب!. فتعانق الجنود والمتظاهرون. ولكن سرعان ما انتشرت إشاعة أخرى بدا أنها أقرب الى الصحة مفادها أن مبارك لم يبارح مكانه. فصمت الجمع لحظةً، ثم تابع مسيرته.

* مراسل، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 30/1/2011، إعداد منال نحاس.

=====================================

هيكل يكتب عمّا يجري في مصر: سقوط خرافة الاستقرار

محمد حسنين هيكل

السفير 1/2/2011

[ ينشر باتفاق خاص مع الزميلة «الشروق» المصرية

لم أكن أريد أن أفتح فمي وأتكلم، قد قلت ما فيه الكفاية، أو هكذا أعتقد.

ولم أكن أريد لأحد من جيلي  وربما جيل آخر بعدنا  أن يفتح فمه هو الآخر وأن يتكلم، فقد قالوا ما فيه الكفاية وزيادة.

كان من واجبنا جميعاً أن نسكت وأن نتابع حوار التاريخ الجاري الآن في مصر، وهو في واقع الأمر بين طرفين:

 طرف يمثل الطموح.

 وطرف يمثل القدرة.

أي انه حوار بين جيل جديد من الشباب تصدى لشحنة متفجرة وخطرة لم يكن هناك من يعرف كيف يستطيع الاقتراب منها وفك عقدها، وقد فعلها هذا الجيل بحسن تصرف، وكفاءة علم، وبأدوات عصر. هذا هو الطرف الأول الذي دخل الساحة الآن.

والطرف الثاني هو القوات المسلحة، وهو القدرة الحارسة لسيادة الدولة وحماية الشرعية فيها  الشرعية لا السلطة، شرعية في دستور حقيقي، على أساس عقد سياسي واجتماعي بين طبقات الشعب كلها.

[ الطرف الأول وهو جيل الشباب، هاله  مثل ما هال أجيالاً أخرى في الوطن ما جرى له وما وقع للشرعية فيه، وما هو مترتب على الشرعية وتابع لها مثل السلطة والحكم، ومثل القانون وتطبيقه وبما يحقق مطالب العقد الاجتماعي بين جميع قوى الشعب.

[ وبالطبع فليس جيل الشباب الطالع، والقوات المسلحة للوطن، هما الطرفين الوحيدين على أرض الوطن، فهناك قوى كثيرة وطبقات متعددة وأجيال متعاقبة موجودة في الساحة، وكلها في أقصى درجات التنبه، وتلك هي الكتلة الأكبر والأقوى على الساحة، لكن صوت الحوار بين الشباب الطالع بالطموح، والقوات المسلحة المسؤولة بالواقع هو نقطة التركيز هذه اللحظة.

ولم أكن أريد لنفسي ولا لغيري من جيلي أن نتدخل، فكلنا الآن في الغروب أو على مشارفه، والصبح والظهر والعصر لها أصحابها.

لكنني أجد نفسي مدفوعاً إلى الكلام، لأني أخشى من عدة محاذير:

1  أخشى أن يطول الحوار، وان تزيد تكاليفه وأن يختل سياقه، وأن تترتب على ذلك اثقال من كل نوع: وطني وسياسي واجتماعي واقتصادي ونفسي وفكري، وكلها أثقال فادحة.

2  أن هناك قوى خارجية بدأت تطل على الساحة لأن لها فيها مصالح حيوية، خصوصاً وأن هناك عندنا من قطع على نفسه تعهدات لا نعلم عنها شيئاً، وإن كنا نستشعر أثرها.

3  أن هناك عناصر وسط الساحة الداخلية قد تغريها الساحة المفتوحة الآن، مع انتهاز الفرص واللعب، إما بشطارة أو بغلاظة لتحقيق نزعات وأهواء شخصية وفردية أو غير ذلك.

والمشكلة:

 مفاجأة دخول هذا الجيل من الشباب وبأدوات عصره.

 ومع عجز النظام القائم على السلطة عجزاً كاملاً عن الفهم والاستجابة واستقوائه بغرور سلطة مطلقة في يده وقصور فكر راح يرتب لتأييدها بالتوريث الفعلي وبمساعدة شيوخ من بقايا كل العصور، إلى جانب عناصر مستجدة تصورت إمكان اللعب في فراغ تسبب فيه قهر استولى على كل وسائل التعبير والتنوير وترك هامشاً مرئياً ومسموعاً ومقروءاً لمجرد التنفيس عن البخار حتى لا يحدث الانفجار مع تعامل بوليسي، كل هذا لم يجعل الحكم بوليسياً فقط. ولكن جعل البوليس هو الحكم!

والذي حدث أن رؤوس النظام  مع أنه من الصعب تسميته بنظام، لأنه بالفعل، «اوليجاركي» (تحالف عناصر مال وسلطة سلاحها القمع الأمني)  لم تفهم شيئاً ولم تستطع ان تلحظ تغييراً في مجتمع أصبح أقوى من أي قمع، والنتيجة أن الانفجار وقع.

[ ومن الغريب أن يفاجأ أحد، لأن الشواهد كانت هناك من زمن طويل، وقد لمحها كثيرون ونبهوا ولا أتجاوز إذا قلت انني كنت واحداً منهم حتى اني منذ سنة ونصف سنة تقريباً، وفي حديث منشور في «المصري اليوم» قلت أن كافة الطرق انسدت أمام النظام، أو هي على وشك، واقترحت ترتيبات انتقالية تسعى إلى دستور جديد يعد له مجلس لأمناء الدولة والدستور واقترحت له بالفعل أسماء وطلبت إلى غيري أن يقترح، وبالفعل فإن نقاشاً جاداً دار في ذلك الوقت، لكن صوت النقاش جرى كتمه بدعاوى كثيرة، منها هذه الخرافة التي سموها «الاستقرار»، في حين ان «الاستقرار» معناه الحقيقي الاتساق مع مبادئ الحرية والعدل وكرامة الإنسان.

والآن وقد وقع ما كان محتماً أن يقع، فقد تغيرت أشياء كثيرة واستجدت حقائق جديدة، وقوى جديدة، ومطالب جديدة.

[ لقد جرى في مصر شيء كبير خلال أسبوع واحد من يناير 2011.

ففي يوم الأربعاء 26 يناير وبكل ما وقع فيه من أول قطع الاتصالات بحرب الكترونية شنت على قوى الأمل في الأمة  سقطت الوزارة.

وفي يوم الخميس 27 يناير سقطت فكرة تأييد النظام عن طريق التوريث، وبدعوى «الاستقرار».

وفي مظاهرات «الجمعة» حدث ما هو أخطر، ترنحت رئاسة النظام ذاتها، وبدت مغيبة غير قادرة على قرار، ولا على كلمة، وكان الصمت المخيف الذي ساد على قمة النظام لعدة ساعات طوال يوم الجمعة، وحتى قرب منتصف الليل في انتظار كلمة أذيع رسمياً أن رئيس مجلس الشعب سوف يقولها، حاملة أنباء جديدة لا يمكن أن يكون لها غير معنى خروج الرئيس، إلى أن حدث تغيير أصبح فيه الرئيس نفسه هو المتكلم ليقول كلاماً أبعد ما يكون عن الواقع المستجد، كما لو أن الصوت الذي يسمعه الناس كان من خارج الزمن ومن خارج التوقيت ومن خارج الواقع.

وفي اليوم التالي كان النظام كله، وليس موقع القمة فيه، يترنح أمام الداخل والخارج، مع إعلان حالة الطوارئ وانسحاب البوليس من الشوارع ونزول القوات المسلحة لفرض حظر تجول أرادت بعض عناصر السلطة استغلاله لإحداث حالة فوضى تخيف، وتهديد يدفع الناس إلى القلق على حياتهم وممتلكاتهم وبالتالي يعيدهم في الصباح بالفعل إلى حظيرة النظام مرتعدين.

لكن الشباب ومعهم قوى شعبية جرارة كانوا قد كسَّروا كل الحواجز، وكسَّروا كل القيود، وخرجوا إلى ثورة حقيقية تطالب بتغيير عند الجذور والأصول.

وهكذا جاء صباح السبت 29 يناير وإذا الشعب والجيش كلاهما في الشارع، وأهم الأشياء الآن هذه اللحظة أن تبين الأمور جلية أمام الكل، بحيث يظل الطرفان جنباً إلى جنب، والى هدف معلوم، وليس وجهاً لوجه، والى مجهول لا يعرفه أحد، وهذه قضية القضايا اليوم.

[[[

والسؤال المهم هذه اللحظة هو  ماذا نريد؟!

كان الشعب  وهذه حقيقة لم يعد في مقدور أحد أن يجادل فيها  يريد إسقاط النظام، ممثلاً برئاسته، وفي الحقيقة فإنها لم تكن هناك دولة، ولا كان هناك نظام، وإنما كانت هناك مجموعة سلطة.

ولكل من يريد أن يرى ويسمع ويفهم فإن مطلب الشعب وصل بالفعل، بصرف النظر عن الشكل إلى تأكيد مطلبه الأول وهو أن رئاسة السلطة انتهت.

وسواء سقطت رئاسة «حسني مبارك»، أو لم تسقط، فإن هذه الرئاسة بأي معيار قد انتهت، لأنها ببساطة فقدت أي بقايا للشرعية.

ذلك ان للشرعية علامات وأمارات:

[ رضا وقبول طوعي من الناس  وذلك ضاع

[ ومكانة وهيبة  وهذه تداعت أمام جماهير الداخل وأمام المنطقة، وأمام العالم، لم يعد في مقدور أحد أن يقدم نفسه للناس ممثلاً لمصر ورمزاً لها.

لم يعد في مقدور أحد على قمة يستطيع منها أن يوجه الشعب المصري، فيطيع، أو يصدر قانوناً فيلزم. ولم يعد في مقدور أحد أن يخاطب العالم العربي، فيسمع ولم يعد في مقدور أحد أن يواجه العالم الخارجي، فيأخذ جداً ما يقوله.

[[[

حتى عام مضى وربما أقل، كان في مقدور الرئيس «حسني مبارك» أن يتحرك  أن يفعل شيئاً، ولم يتحرك، بل لعله حتى يوم الجمعة الفائت كان في مقدوره أن ينقذ شيئاً، لكنه تردد.

لقد تصورت  وتصور غيري  أنه حين أعلن أنه هو الذي سوف يتكلم مساء الجمعة الفائت، أنه سوف يقول للناس كلاماً محدداً.

تصورت أنه سوف يقول لقد وصلتني الرسالة، وأدركت مضمونها، وسوف أتصرف:

1  سوف تكون هذه آخر فترة لرئاستي، ولن أرشح نفسي، ولن أرشح ابني من بعدي للرئاسة.

2  سوف أصدر قراراً بحل مجلس الشعب الذي مثَّل انتخابه أكبر عملية استفزاز للمشاعر والأصول والحدود والكرامات.

3  سوف أصدر قراراً بتنحية وعقاب عدد من المسؤولين ممن يسمون الحرس القديم والحرس الجديد، لأنهم استهتروا بالشعب وأساءوا إليه.

4  سوف أتشاور في إنشاء هيئة شعبية تمثل كل قوى الشعب، لتشرف على مرحلة انتقالية، تمهيداً لقيام عهد جديد يمثل إرادة الشعب وطموحه.

5  انني أرى أن البحر الميت للسياسة في مصر قد تدفق عليه الماء، الذي فتح المجرى جيل جديد خرج ليمسك بمقدرات المستقبل، وسوف أبذل جهدي للمساعدة في إبقاء بحر السياسة مفتوحاً، خوفاً من الصخور والعواصف والوحوش!

لكنه لم يقل شيئاً من ذلك، وتكلم وكأن ما حدث مجرد زوبعة عابرة يمكن احتواؤها ببعض الإجراءات العاجلة، حتى تهدأ الريح، ويسكت الغضب، وكذلك بدأت النهاية.

< وبصراحة فإن الملك «فاروق» كان أعقل يوم 26 (26 أيضاً) من يوليو سنة 1952، فقد فهم وأصدر مرسوماً بأنه ونزولاً على إرادة الشعب قرر التنازل عن العرش.

فهم العرش الملكي ولم تفهم رئاسة ما يُسمى بالنظام الجمهوري، وكذلك انتهى كل شيء، رغم أنه لا يزال هناك من يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

[[[

الحقيقة أن معركة الرئيس حسني مبارك الآن هي محاولة استرداد السلطة، لأنه بالفعل ومنذ سنوات كان قد تنازل عنها لابنه.

لقد جرى التعامل مع السلطة كما لو أنها ملكية خاصة.

ومنذ سنوات ترك المالك أموره لابنه في القاهرة، وجلس هو بعيداً يستريح وينعم بالشيخوخة في آخر العمر، وفي خياله ان ابنه سوف يحول «الدكان» إلى «سوبر ماركت» حديث، مستعيناً ببعض الأعوان الجدد من أصدقائه.

والصور كلها تبدو وكأنها مشهد من قصة ل«نجيب محفوظ».

كأن «سي السيد» في رواية «نجيب محفوظ» وقد ترك «المحل» لابنه وأصحابه، وانصرف إلى حياته ليعتني بصحته، ويسافر هنا وهناك، ويتسامر ويحكي الحكايات، ويلقي بالنكات مع هذا وذاك، حتى فاجأه من يخبره بأن المحل أفلس، وأن الدائنين أطبقوا عليه، وأن البنوك تطالبه بمستحقاتها، وأن ممتلكاته وأرصدته جرى الحجز عليها، فإذا هو يعود مهرولاً ليكتشف أن الذي يتعامل معه بمنطق المالك وموظفيه وعُماله هو في حقيقة أمره وطن، وأن هذا الوطن له شعب، وأن هذا الشعب يتجدد أجيالاً وأجيالاً، وأن هناك الآن جيلاً جديداً خرج يطلب الحق في الحرية والحياة، والكرامة والعدل.

[[[

ببساطة: الوطن أكبر من أن يتحول إلى ملكية أحد.

والشعب أكبر من أن يتحول إلى عمال وموظفين لديه.

هناك شعب ورجال وشباب.

ثم وهذه نقطة مهمة: هناك جيش، وهو نفس جيش الشعب ورجاله وشبابه.

وهناك هذه اللحظة حوار بين الطرفين.

وأهم ما يجب إدراكه: أن هناك صفحة تطوى.

كان النظام  أو ما يدعى بالنظام  يتداعى تاريخياً من سنوات، ثم راح يتداعى سياسياً، وحين حدثت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، نهاية لمشاهد متعاقبة من الانهيارات، أسوأ من انهيار صخور «المقطم» في «الدويقة»، إذا بالشعب، الذي قيل إنه انتخب الحزب الوطني بنسبة 99% كما أعلن، كان هو الشعب الذي ثار على النظام وبنسبة 99%، حقيقية هذه المرة وليست من صنع وزارة الداخلية، وقد ثار عليه، ونزع عن الحكم كل أقنعة الشرعية، وجعله واقفاً أمام العالم كله كالطاووس، الذي نزعت العاصفة كل ريشه الملون، وتركته عارياً في عرض الطريق.

والآن، ما العمل؟!

[[[

لا بد أن يُقال إن الموقف عند الذروة، إذ لا يصح معها التعلق بالأوهام، ولا يُسمح فيها بالصدام في الظلام. وهناك حقائق لا بد أن تكون أمام الجميع:

1  إن الرواسي في الوطن في حالة سيولة خطرة، ولا يمكن تركها للمصادفات.

2  ليس بين الشعب وشبابه وبين الجيش وقواته خلاف، فقد انتهى زمان، وبدأ زمان.

3  إن هناك قوى خارجية وإقليمية ترى حالة السيولة، وتتخيل أن لها فرصة في إعادة تشكيلها، وقد أقول انه طبقاً لمعلومات تبدو موثوقة، فإن إسرائيل سألت في القاهرة عما إذا كان هناك شيء تستطيع أن تفعله للمساعدة، وكانت الحكومة الأميركية هي التي ردت تقول: إن أي عمل من جانبكم سوف يزيد من تعقيد الموقف، فاتركوه لنا ولأصدقائنا في الإقليم، ونحن معكم نرى أن زماناً انتهى في مصر، وزماناً ثانياً على وشك أن يبدأ، ونحن مع أصدقاء لنا نستطيع أن نرتب بأفضل مما تقدرون عليه (لحفظ ما يُسمى بالاستقرار وما يُسمى بالسلام).

4  إن هذا الزمان الجديد الذي تظهر بوادره يجب ألا يُترك للولايات المتحدة تسير فيه هنا، أو تشجع هناك.

5  إن عقلاء هذا الشعب لا بد لهم أن يتحركوا، وأن يوجدوا صلة حوار ما بين الشباب والجيش ثم ماذا؟!!!!

===============================

رأي الأسد في الاحتجاجات المصرية والتونسية

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

2-2-2011

في حوار جريء للغاية، أجراه الرئيس السوري بشار الأسد مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية (31 يناير)، تحدث الأسد بصراحة عن سلسلة المظاهرات والاحتجاجات التي تعم عددا من البلدان العربية، قائلا: «إذا لم تكن ترى الحاجة للإصلاح قبل ما جرى في مصر وتونس، فقد فاتك الوقت أن تقوم بأية إصلاحات».

كلام مهم، ودقيق، من رئيس دولة عربية في وقت حساس للغاية حيث صمتت أغلب النظم العربية فيه عن التعليق. ولعل المتابع لمسيرة الرئيس الأسد أن يسأل: لماذا اختار الرئيس السوري أن يعلق في هذا الظرف بالذات على محاولات تغيير النظام السياسي في بلدين عربيين؟ وما هي طبيعة الإصلاح أو التغيير الذي يعد فيه سورية والسوريين في المرحلة المقبلة؟

لقد تحدث الرئيس بشار مطولا - خلال الحوار - عن رؤيته لعالم السياسة العربية الداخلي. أي: أنظمة الحكم، والمشروعية الشعبية، والإصلاح، والتطرف الديني، وانتهى بوصف الطريق الصحيح - حسب وجهة نظره - لتحقيق الديمقراطية في سورية. يمكن القول إن الحوار تكمن أهميته في أن الرئيس السوري تحدث - ربما لأول مرة - عن مستقبل النظام السوري بالنظر إلى الداخل السوري، وقد انتهى إلى خلاصات بليغة تشبه إلى حد بعيد ما يرد في كتب مثل «المقدمة» لابن خلدون، أو «الأمير» لميكافيللي. ففي معرض حديثه عن الأحداث الأخيرة، يقول: «كلما كان لديك انتفاضة، فمن البديهي أن يقال أن لديك غضب، ولكن هذا الغضب يتغذى على اليأس. اليأس مبني على عاملين: داخلي وخارجي... أما الداخلي، فاللوم يقع علينا نحن كدول ومسؤولين... إذا كنت ترغب في الحديث عن التغييرات داخليا، يجب أن يكون هناك نوع مختلف من التغييرات: السياسية والاقتصادية والإدارية. هذه هي التغييرات التي نحتاج إليها».

في رأي الرئيس الأسد أن سورية محصنة ضد ما حدث في مصر وتونس، حيث يقول: «لماذا سورية مستقرة، على الرغم من أن لدينا ظروفا أكثر صعوبة؟ وقد دعمت مصر ماليا من قبل الولايات المتحدة، بينما نحن تحت الحصار من قبل معظم دول العالم. لدينا نمو على الرغم من أننا لا نملك العديد من الاحتياجات الأساسية للشعب. وبالرغم من كل ذلك، فإن الناس لا يذهبون إلى انتفاضة. إذا المسألة لا تتعلق بالاحتياجات، أو الإصلاحات فقط. المسألة تتعلق بالأيديولوجيا، أي تلك المعتقدات والقضية التي لديك. هناك فرق بين امتلاك قضية والوقوع في الفراغ».

ملخص كلام الرئيس – المطول - هو أن ما تعرضت له مصر وتونس هو نتاج «اليأس»، وانعدام «الأمل» و«الكرامة»، مضيفا أن: «عليك أن تكون مرتبطا بشكل وثيق جدا بمعتقدات الناس. وهذه هي القضية الأساسية. عندما يكون هناك اختلاف بين سياستك ومعتقدات الشعب ومصالحه، سيكون لديك هذا الفراغ الذي يخلق اضطرابات. لذا الناس لا يعتاشون على المصالح فقط، بل يعتاشون على المعتقدات – أيضا -، لا سيما في المناطق المؤدلجة للغاية. إذا كنت لا تفهم الجانب الأيديولوجي للمنطقة، لا يمكنك فهم ما يحدث».

أما الحل الذي يطرحه، فهو ليس التطبيق الفوري للديمقراطية لأن الشعب بحاجة إلى تطوير، وربما وصل «الجيل القادم» إلى الممارسة الديمقراطية مستقبلا، ولكن ما ينبغي القيام به هو الإصلاح التدريجي بتطوير المجتمع مع مراعاة إشراكه في القرار، «إذا كنت تريد أن تكون شفافا مع شعبك، لا تقم بأي عمل تجميلي، سواء من أجل خداع الناس أو للحصول على بعض التصفيق من الغرب. إذا كانوا يريدون انتقادك، فاسمح لهم بالانتقاد ولا تقلق».

أجدني أتفق مع الرئيس السوري في أن التطبيق الفوري لمبدأ صندوق الاقتراع في مجتمعات لم تصبح القيم الديمقراطية جزءا من وعيها لا يحقق النتائج المطلوبة، كما أن الإصلاح يجب أن يكون متدرجا كي يتمكن الشعب من مجاراة التغيير. كلام جميل على المستوى النظري، ولكن العبرة في التطبيق على الأرض!

الرئيس أيضا محق، حينما يشير إلى أن بلدان مثل مصر وتونس حققتا نموا اقتصاديا، وقطعتا أشواطا في الانفتاح على العالم الخارجي، ومع هذا حدثت فيهما انتفاضات، ولكننا نختلف مع الرئيس في كون «الأيديولوجيا» - البعثية هنا - أو «القضية» - منهج المقاومة - هما الضمانة تجاه عدم حدوث الفراغ الداخلي. زمن الأيديولوجيا العابرة للحدود ولى، والإنسان اليوم لم يعد فردا متماهيا في الشعب، بل له استقلاليته وحريته الخاصة. استخدام النظام لل«القضية»، سواء كانت تحرير الجولان، أو فلسطين، ليست ضمانة أمام المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية. ولعلنا نتذكر هنا نظام «ولاية الفقيه» في إيران، والذي أشار إليه الرئيس باعتباره نموذجا للإرادة الشعبية، فهو بالرغم من تبنيه للمقاومة والوقوف في وجه الغرب، خرجت عليه مظاهرات شبابية عارمة تطالب بتغيير النظام في 1996، و1999، و2003، و2009 قمعت كلها باستخدام القوة. خلال الانتخابات الإيرانية الأخيرة، خرج الملايين للاعتراض على ما اعتبروه تزويرا للانتخابات، فكيف تعامل النظام «المقاوم» مع الشعب؟ لقد سحقت عصابات «الباسيج» عظام المئات في شوارع طهران، واضطر الحرس الثوري إلى فرض إعادة نجاد بالقوة حماية للنظام، ودفع بشباب المعارضة إلى محاكم الثورة.

وأخيرا، فإن هؤلاء الشباب الذين يقومون بالمظاهرات اليوم لا يقومون بذلك من أجل «القضية»، أو «الأيديولوجيا»، بل لأنهم ينشدون تغيير أحوالهم التعيسة. ولعل من المقلق أنهم في الوقت ذاته لا يملكون تصورا للبديل القادم. كما أن تحركهم تقوده العاطفة والحماسة، ولذا فإن مستقبل تطلعاتهم ليس مضمونا، إذ ما أن يعود أولئك الشباب إلى بيوتهم حتى تتحرك الأحزاب الممنوعة إلى الاستئثار بالفرص السانحة، وركوب موجة التغيير.

كل ما يأمله المراقب أن تبادر الحكومات إلى استيعاب الدروس، وأن تعمل على تجنيب مجتمعاتها من مزالق المرور بتلك المحنة المؤلمة.

=====================================

مصر.. كيف يكون المشهد التالي؟

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

2-2-2011

مع تسارع الأحداث في مصر، هناك من سار مع الموجة، وهناك من حاول أن يركب عليها، وأيضا هناك من حاول الوقوف في وجه المد الهائل. لذلك رأينا تجاذبا في مختلف الاتجاهات، وسمعنا مواقف سياسية مضطربة أحيانا، بينما الصورة من ميدان التحرير ظلت ثابتة لا تتغير.. شباب يرفع صوته ويقول كلمته، وشعب يتطلع إلى التغيير، والأنظار في كل مكان متسمرة على المشهد المصري.

غالبية العرب، لكن لا نقول كل العرب، تحب مصر وتتمنى لها الخير. فمصر تاريخ عريق، ودور يصعب إلغاؤه أو تهميشه، وتأثير لا يمكن التهوين منه. لذلك يتابع الناس ما يدور فيها بلهفة، وبقلق، وبأمل أن يتجاوز البلد محنته، وتتحقق للشعب تطلعاته وآماله في التغيير السلمي. لكننا مهما أحببنا مصر، فلن نستطيع أن نزايد على شعبها في حبه لبلده، واعتزازه بتاريخه، وتطلعاته وآماله لمستقبله. لهذا يجب أن ننصت جيدا لصوت الشارع المصري، ونعي معنى ما يدور. فالذين خرجوا في المظاهرات هم أبناء مصر لا أعداؤها، وهم من صلبها وليسوا وافدين أو مستوردين من الخارج. والتقليل من حجم مطالبهم، أو الحديث عنهم وكأنهم مخربون أو بلطجية، هو إساءة كبرى لهم ولتضحياتهم، ومصادرة لحقهم في أن تكون لهم الكلمة في كيف يحكمون، وماذا يريدون من حكومتهم. الخوف على مصر وأوضاعها مبرر بلا شك، لكن هذا لا يعني أن نصم آذاننا عن صوت الشعب المصري.

لقد مضت الأمور بعيدا، وردود الفعل المتأخرة من جانب النظام بدت قليلة المفعول، فالتغييرات التي تأتي بعد الانفجار تفقد كثيرا من مفعولها وأثرها وتبدو غير كافية للمحتجين، في حين أنها لو نفذت قبل الأحداث لكان مفعولها أقوى، وتأثيرها أوقع. لكن سقف المطالب ارتفع الآن ولم يعد الشعب المشارك في المظاهرات يرضى بأقل من تحقيق مطلبه في التغيير.

ما هو المخرج؟

ليس هناك حادب على مصر يريد لها أن تقع في قبضة الفراغ أو الفوضى أو أن تشهد انهيارا. وأبناء مصر الذين يتظاهرون الآن حريصون بلا شك على بلدهم، ويريدون مستقبلا أفضل، وحريات حقيقية ملموسة، وإصلاحات تحقق تطلعاتهم التي خرجوا وضحوا من أجلها. والتغيير المنشود يجب أن يكون حقيقيا وجادا وشاملا، وليس مؤقتا أو تكتيكيا أو مجتزأ، لأن هذا سيعني استمرار الاحتجاجات، وتجددها حتى لو توقفت، والمخاطرة باحتمال حدوث مواجهات واسعة ووقوع المزيد من القتلى والجرحى مما سيعقد الأوضاع والحلول، ويعرض أمن البلد والمنطقة للخطر.

لقد أعلن نائب الرئيس عمر سليمان عن الدعوة إلى حوار مع كل القوى السياسية، وهذه خطوة لابد منها لكي يتلمس الناس طريق الخروج من الأزمة، ويتفقوا على برنامج لتحقيق انتقال سلمي للسلطة، ويرتب لانتخابات جديدة تشارك فيها كل القوى السياسية ويقول فيها الشعب كلمته عبر صناديق الاقتراع بعد أن قالها في الشوارع والمظاهرات، على أن تحترم هذه الكلمة لا أن تصادر أو تزور مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة التي كانت الشرارة التي أشعلت النار الكامنة تحت الرماد، وفجرت الاحتقان الشديد في الساحة المصرية الذي كان ماثلا أمام الأعين لكل من يريد أن يرى ويسمع. فمطالب التغيير، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعديل الدستور وإلغاء حالة الطوارئ كانت تتردد منذ سنوات. وأزمات السكن والتموين، ومشاكل الغلاء والبطالة والعلاج والتعليم، وقضية الفساد المستشري، كانت كلها معروفة وماثلة أمام الأعين. لكن كان هناك من يرفض أن يرى الصورة على حقيقتها، وكانت هناك جوقة المطبلين الذين يخدرون الحكومات بأن كل شيء على ما يرام وأن الشعب في رضى ونعيم، وأن المعترضين هم قلة إما مأجورة أو موتورة، وأن تأجيل الحلول الجذرية سيجعل هذه المشاكل تتلاشى لأن الشعب صابر أو نائم، وأن فورة الشباب في الفضاء المعلوماتي هي ثورة في العالم الافتراضي لن تخرج منه، وزوبعة في فنجان سرعان ما تتلاشى، وأنه يجب عدم القلق، وعدم القيام بأي خطوات تلبي مطالب هؤلاء حتى لا يفهم الأمر وكأنه تنازلات تشجع المحتجين أو المتربصين. هذا هو منطق البعض الذي ورط النظام، وربما يفسر العنف الذي ردت به قوات الأمن على المتظاهرين في البداية، وصمت الحكومة لثلاثة أيام متواصلة، ثم الانسحاب الغامض لقوات الأمن وأعمال العنف والحرق والترويع التي تلت ذلك. كان يمكن للأمور أن تنزلق أكثر نحو العنف والمواجهات لولا أن الجيش المصري قدم صورة رائعة في الانضباط والالتزام، وحفظ تاريخه أمام شعبه الذي لم يصدق أبدا أن جيشه يمكن أن يصوب سلاحه نحوه. بل إن الجيش ذهب خطوة أبعد عندما قال إنه يدرك مشروعية مطالب الشعب وحقه في التعبير السلمي عن هذه المطالب.

الأيام المقبلة حرجة ومهمة لأن مغادرة الرئيس ليست هي نهاية الطريق، فالمهم الآن هو الحوار الموسع ووضع الترتيبات التي ستحدد كيفية إحداث التغييرات التي تحقق تطلعات الناس وتضع مصر على سكة التداول السلمي للسلطة،

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ