ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الجمعة 04/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

أوباما لا يستطيع الاحتفاظ بمبارك ومصر معاً

د.عصام نعمان

العرب اليوم

3-2-2011

فَوْح "ثورة الياسمين" التونسية عمّ المنطقة بأسرها. بسرعة قياسية غير متوقعة عَبَق طيبه في أرجاء مصر فتنشّقه شبانها بحماسة وباشروا بمحاكاة زملائهم التونسيين.

ثورة الياسمين كانت قدوة في استعمال خدمة الانترنت: الهاتف المحمول والرسالة النصيّة و"الفايسبوك" و"التويتر" وغيرها. لعلها جديرة بأن تدعى "ثورة الانترنت" لو أن للألكترونيات فوح الياسمين.

واذا كان سرّ السيف في الساعد الذي يضرب به, فإن سر خدمة الانترنت في العقول والايدي التي تستعملها. أجل, سرّ اندلاع "جمعة الغضب" ونجاحها يكمن في جيل جديد من الشبان المصريين الثائرين لم يعرفوا رئيساً غير حسني مبارك , ولم ينتسبوا الى ايٍّ من الاحزاب السياسية الناشطة, ولم تكن لهم يوماً قيادة متعارف عليها. إنهم جيل الخيبة والإحباط والبطالة والفقر, بل جيل زمان الخيبة بكل ما فيه من سياسة وسياسيين وموالين ومعارضين وشعارات ومؤسسات وقمع وفساد.

سقط نظام مبارك في يوم "جمعة الغضب". كان سقط مرات عدة في الماضي وتمكّن من النهوض. هو كنظام الطائفية في لبنان يُقتل ولا يموت. الجيل الالكتروني الجديد من شباب مصر قرر أخيراً إسقاطه الى غير رجعة. محاولته في "جمعة الغضب" كانت مدخلاً الى الحدث المنتظر. فقد عصفت التظاهرات بمدن مصر كلها وقذفت بمئات الالوف الى الشوارع والميادين والساحات وما خرجت منها مع انحسار النهار وقدوم الليل.

"جمعة الغضب" ظاهرة شعبية مدوّية غير مسبوقة في تاريخ مصر. انها مفاجأة مصر لنفسها وللعالم. كثورة تونس, كان الشعب هوالقائد. منه ستولد قيادات سياسية جديدة غير تلك التي عرفها منذ رحيل القائد جمال عبد الناصر. لعل شعب مصر, بكسره قيود الخوف والرهبة, قد استرد حريته لاول مرة وباشر ثأراً تاريخياً من الفراعنة القدامى والجدد.

كثيرون توقعوا, وقد اذهلتهم تسونامي الجماهير المتمردة في القاهرة والاسكندرية والسويس والاسماعيلية والمنصورة واسيوط, ان يسقط رأس هرم السلطة على هدير الحراك الجماهيري الهائل. كاد الرأس يسقط مع عجز الشرطة, رغم بطشها الشديد, عن وقف المد الجماهيري, لاسيما بعدما توقفت مجموعات منها عن اطلاق الرصاص الحي والمطاطي على المتظاهرين العزّل واخذت تحييهم وتردد شعاراتهم.

في معمعة التظاهرات فَقَد النظام هيبته تماماً, كما فَقَد حرقاً أحد ابرز رموزه: مقر الحزب الوطني الحاكم. ثم ان ايدي الناس المقهورين خرّبت واحرقت بعض ممتلكات اثرياء الحزب الحاكم وقيادته السياسية, ونهب اللصوص بعض المؤسسات والبيوت في مختلف الاحياء.

تأخر الجيش في النزول الى الشارع رغم فشل قوات الشرطة وإيقاعها مئات القتلى والجرحى. قيل في تفسير ذلك ان الجيش رفض التورط في صدامات مع الشعب الى ان كفل لنفسه سلطة لاستعادة النظام العام من دون التعرض للمتظاهرين ومع ظهور مدرعاته في الشوارع, بادر المتظاهرون الى تحيتها. شعروا بأنها تتضامن معهم وقد تنحاز اليهم في ما يسعون الى تحقيقه. لكنهم اصروا على البقاء في الميادين والساحات, رغم قرار حظر التجوال.

مبارك تأخر, هو الآخر, في الظهور. هاله حجم التظاهرات التي اكتسحت المدن الكبرى, كما هاله تعاطف العالم الخارجي, خصوصا المسؤولين في الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا. لعله كان يحاول تدبّر الخروج من ورطته مع مساعديه في الداخل وحلفائه في الخارج.

بعد منتصف الليل ظهر مبارك. ألقى خطاباً حاكى فيه زين العابدين بن علي في "تفهم" مطالب الناس من دون ان يستعمل عبارة "انا فهمتكم"! لم يقدم للناس اي تنازل سوى إقالة حكومة احمد نظيف وتأليف حكومة جديدة "للتعامل مع اولويات المرحلة القادمة". وفي اليوم التالي, أعلن تعيين اللواء عمر سليمان نائباً للرئيس, وكلف الفريق احمد شفيق تشكيل حكومة جديدة الامر الذي أطلق ردود فعلٍ سلبية ضد اللواء سليمان لدى جموع المتظاهرين الذين اعتبروه امتداداً لمبارك وسياسته الموالية لامريكا.

المتظاهرون رفضوا خطاب مبارك وسخروا منه. مطالبهم اكبر وأهم بكثير من مسألة إقالة حكومة والمجيء بأخرى. شعارهم الغالب في التظاهرات كان "الشعب يريد اسقاط النظام". بعضهم رفع شعار اسقاط مبارك. لا يعقل ان يكتفي الشعب الساخط بإقالة حكومة وتأليف اخرى. خطاب مبارك الهزيل وصْ¯فة لمباشرة "جمعة غضب" ثانية بل سلسلة من مناسبات الغضب التي لا تتوقف إلاّ بإجلائه عن السلطة.

لعل إكراه مبارك على التقاعد بعد ثلاثين عاماً من امتهان السلطة يتوقف على ثلاثة: الشعب والجيش وامريكا.

الشعب يبدو مصمماً على الخلاص من النظام مرة والى الابد. محك تصميمه وجديته, في هذا المجال, سيتبدى في ردود فعله على حكومة مبارك "الجديدة" ومدى الصلابة في التصدي للنظام ورأسه في المستقبل المنظور.

الجيش يبدو ممسوكا ومتماسكاً. لولا ذلك لما تمكن مبارك من اتخاذ قرار بإنزاله الى معمعة التظاهرات لفرض حظر التجوال وتأمين استعادة النظام العام. غير ان مصير ولائه لرأس النظام المهزوم في شوارع المدن الكبرى سيتقرر في ضوء اداء مبارك مع حكومته الجديدة من جهة وموقف المعارضة والشبان الساخطين منه من جهة اخرى.

امريكا بدت غير متعاطفة مع مبارك. اوباما حذره من استخدام العنف مع معارضيه الساخطين. دعاه, بل أمره, باستجابة آمال المصريين في إصلاح سياسي واقتصادي شامل. لعله كان ينتظر منه التنحي وتعيين رئيس اركان القوات المسلحة الفريق سامي عنان خلفاً له. لذلك لم يتحدث اليه إلاّ بعد إلقائه خطابه. الحديث دام ثلاثين دقيقة, أي دقيقة مقابل كل سنة من سنوات مبارك الثلاثين في السلطة. مدة الحديث طويلة نسبياً. لعل جدلاً ثار بين الرجلين حول ما جرى وما يجب ان يجري. لعل همّ اوباما الاساسي, في نهاية المطاف, إنقاذ النظام وتطويره وتحسينه بعد التضحية برأسه. ربما التضحية بالرئيس شرط لا بد منه لتحسين النظام والاحتفاظ به, فلا سبيل بعد "جمعة الغضب" الى الاحتفاظ بمبارك ومصر معاً. وقد لا يستطيع اوباما الاحتفاظ بأيٍّ من الاثنين أبداً.

الحقيقة ان امريكا استثمرت كثيراً في نظام مبارك. ما كان مهماً لها دائماً ليس مبارك بل النظام الذي نجحت في اخراجه, ايام انور السادات, من الصراع العربي- الاسرائيلي ومصالحته مع اسرائيل وجعله مرتكزاً لمنظومة تحالفاتها الاقليمية.

يصعب كثيراً على امريكا خسارة النظام المصري. ذلك سيؤدي الى سقوط أمن المنطقة, لاسيما أمن النفط, في قبضة محور الممانعة (سورية, ايران, وتركيا).

أكثر من ذلك, تدرك امريكا ان مشاعر شعوب المنطقة معادية لها على نحوٍ متعاظم. لذا تحرص على احتضان اسرائيل ودعمها سياسياً وعسكرياً وتغطية حروبها على شعب فلسطين وسائر شعوب المنطقة. في هذا السياق, تفجرت ثورات الغضب في ت¯ونس ومصر والاردن واليمن, وقد تتفجر في اقطار عربية اخرى. كل ذلك سيؤدي, عاجلاً او آجلاً, الى طردها من المنطقة.0

========================

«أميركا أولاً»... وأين عالمية أوباما؟

تاريخ النشر: الخميس 03 فبراير 2011

جريجوري رودريجيز

محلل سياسي أميركي

الاتحاد

بدا استحضار أوباما خلال خطابه عن حالة الاتحاد في الأسبوع الماضي لرموز الحرب الباردة عندما دعا الأميركيين إلى استعادة لحظة "سبوتنيك" واستلهامها من قبل العمال الأميركيين "للظفر بالمستقبل"، وكأنه عودة إلى خطاب قديم حول "أميركا أولا"، ومبتعداً عن صورته كقائد لنظام عالمي جديد ومعلوم.

ومع أن الخطاب كان بالأساس موجهاً إلى الداخل ويركز على القضايا المحلية الكبرى التي تهم الأميركيين بالدرجة الأولى، إلا أن المراقبين توقعوا على الأقل إشارة إلى مبادئه العالمية كالقول مثلاً "إننا جميعاً جزء من العائلة الإنسانية الكبرى" التي رددها في حملته الانتخابية للعام 2008. فأين هي إذن السياسة الخارجية في خطابه؟ وأين ذهب طابعه الدولي والمتعدد الذي عُرف عنه؟

الحقيقة أنه رغم ما بدا على موقف أوباما من تغير في نظرته للشأن الدولي في خطاب حالة الاتحاد للعام 2011، وتبنيه لنظرة مختلفة قائمة على الاستغلال السياسي للحظة الدولية الراهنة لصالح أميركا والانخراط في منافسة شرسة الهدف منها الإعلاء من شأن أميركا أولاً، يبقى واقع الحال مختلفاً، فلم يكن هناك تناقض أبداً بين "الأسرة الدولية" التي روج لها أوباما في خطاباته السابقة وأجندته الانتخابية وبين الأنماط التقليدية للوطنية الأميركية، حتى تلك المرتكزة على الرغبة في التفوق على باقي العالم وإحراز قصب السبق في كل المجالات.

فقبل ثلاث سنوات كانت فكرة التعددية العالمية التي تروج لفكرة المشترك الإنساني الواحد والروابط البشرية الراسخة، معطى قائماً في نظر أوباما للعالم باعتباره أحد أركان سياسته الخارجية.

وانبرت الأقلام المختلفة في امتداح طابعه العالمي غير المتعصب وتواصله مع شعوب العالم وبناء الجسور مع الثقافات المختلفة.

ففي عام 2008، عندما تحدث أوباما الذي كان مرشحاً للرئاسة أمام حشد تجاوز 200 ألف مواطن في برلين، أصر على "الشراكة والتعاون بين البلدان" باعتبارها "الطريقة الأمثل لحماية أمننا والدفع بالإنسانية إلى الأمام"، كما حث الناس بأسلوبه البديع على "الإصغاء لبعضهم البعض والتعلم من الآخرين، والأهم من ذلك الوثوق في بعضهم البعض".

والأمر نفسه واصله أوباما في خطابه الموجه للعالم الإسلامي في القاهرة عام 2009 عندما قطع مع عبارات "نحن مقابل الآخر" القديمة ودعا إلى المزيد من الشراكة الدولية قائلاً "إنه بالنظر إلى اعتمادنا المشترك على بعضنا البعض، فإن أي نظام دولي يعلي من شأن بلد أو شعب على الباقي سيكون مآله الفشل".

وبالطبع لم يمر هذا الانفتاح الذي أبداه أوباما تجاه العالم دون انتقادات على الساحة الداخلية، بحيث تأرجحت الانتقادات بين حدها الأدنى متمثلاً في اتهام أوباما بالانفصال عن الواقع الأميركي والمبالغة في الاهتمام بالقضايا العالمية على حساب الداخل؛ وبين الهجوم القاسي الذي رأى في مواقف أوباما المنفتحة تخاذلاً في مواجهة الخصوم وموقفاً غير وطني في التعامل مع العالم.

لكن هل هناك تناقض أصلاً بين العالمية وبين الوطنية؟ وهل يفترض الانفتاح وتبني قيم دولية التخلي عن قضايا الداخل والهواجس المحلية؟ وهل أيضاً يختلف التعاون الدولي مع دعوات أوباما الأخيرة ل"التوفق الأميركي في مجال التعليم والإبداع والإعمار على باقي العالم"؟

الحقيقة أن إجابة الفيلسوف "كوين أنثوني أبيا" هي النفي، ففي نظره لا تضارب بين القيم العالمية والتعاون الدولي والانفتاح على الآخر وبين التمسك بالوطنية، موضحاً ذلك بقوله: "نحن كأناس ندافع عن العالمية يمكننا أيضاً أن نكون وطنيين ومحبين لبلداننا، ليس فقط في الأماكن التي ولدنا فيها، بل حتى في تلك التي ترعرعنا فيها، كما أن ولاءنا للإنسانية بصفة عامة بطابعها الواسع والمجرد لا يمنعنا من الاهتمام بمن هم أقرب منا".

ويمكن عكس هذا المنطق بالقول أيضاً إن حب الوطن والبدء بالأقرب قد يكون الخطوة الأولى لإظهار التعاطف مع العائلة الإنسانية بأجمعها، كما أنه فقط بالانطلاق من الأسرة الصغيرة ومن أحيائنا ومدننا وبلداننا نستطيع حب الإنسانية في بعدها المجرد، وبعبارة أخرى لا يمكن للوطنية أن تكون على طرف النقيض مع العالمية لأنها من شروطها الأساسية.

كما أن التنافس الذي دعا إليه أوباما مع القوى الأخرى مثل الصين والهند لا يعني التخلي عن التعاون الدولي، فأميركا لا تستطيع الرجوع بالزمن إلى الوراء عندما كانت الشركات الأميركية مثل "إيديسونز" و"فورد موتر" تسود العالم، بل عليها ألا تحاول ذلك. وفي المقابل عليها التعاون مع المنافسين واستيعاب إنجازاتهم للاستفادة منها.

ومع أن خطاب أوباما في الأسبوع الماضي عن لحظة "سبوتنيك" بدت وكأنها تخلياً منه عن الشراكة العالمية، إلا أنه في سوق عالمية قائمة على المنافسة الشرسة بين مختلف القوى يبقى من مصلحة أميركا الجمع بين الوطنية والعالمية لأنها ضمان النجاح في المستقبل.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي. إنترناشيونال»

========================

بديل تركي - إندونيسي لا إيراني للمنطقة

آخر تحديث:الخميس ,03/02/2011

سعد محيو

الخليج

هل صحيح أن الشرق الأوسط العربي يسير بخطى حثيثة نحو ديكتاتوريات جديدة، دينية هذه المرة، تحلّ مكان الحكومات السلطوية الحالية؟

ثمة طرف واحد في المنطقة يعتقد ذلك: “إسرائيل” .

فبنيامين نتنياهو يُحذّر من تكرار ما حدث في إيران العام 1979 (حين استولت حركة أصولية دينية على ثورة مدنية ملايينية) في العديد من الدول العربية . والكاتب والسياسي “الإسرائيلي” رون ليشيم يعتقد أن ثمة نظاماً إقليمياً جديداً ترفرف عليه رايات الحركات الراديكالية الإسلامية يولد الآن في كل أنحاء الشرق الأوسط .

بيد أن كل هذه التحذيرات المُغلّفة بورق سوليفان التحليلات الأنيقة، هي في الواقع إما أجراس إنذار لإرهاب الغرب وحمله على الوقوف في وجه الثورات المدنية العربية، أو مجرد تفكير رغائبي من جانب طرف يُصلي ليل نهار لإشعال حروب الحضارات بين الشرق والغرب .

الحقيقة تكمن في مكان آخر: لاتكرار لثورة إيران في الدول العربية، ليس فقط لأنه ليس ثمة رجال دين فيها، بل أيضاً لأن المجتمعات العربية تطورت خلال العقود الأربعة الماضية كي تُصبح أكثر تعددية بما لا يُقاس سياسياً وفكرياً، وأقل تسامحاً بما لايقاس مع أي محاولات لإعادة مصادرة حقوق المجتمع المدني، أياً كان مصدرها .

أجل . الحركات الإسلامية في الدول العربية لم تنضج ديمقراطياً بعد . لكنها تغيرّت بما يكفي كي تقبل الآخر ومعه مبدأ التداول السلمي للسلطة . وهذا واضح في أدبيات حزبي النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب والاخوان المسلمين في مصر .

وهذا يشي بأن مرحلة التغييرات في المنطقة سترقص على دف آخر غير الدف الأصولي الإيراني . لا بل العكس قد يكون صحيحاً: المعارضة الخضراء الإيرانية، التي كادت تعلن الثورة الشعبية العام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية، هي التي قد تُقلّد الثورات المدنية العربية الراهنة .

النموذج الأقرب للثورات العربية سيكون على الأرجح تجارب الانتقال إلى الديمقراطية في كل من إندونيسيا وتركيا .

ففي إندونيسيا لعبت الحكومات السلطوية دوراً مهيمناً منذ استقلال البلاد العام ،1945 ثم بعد انقلاب سوهارتو الدموي المدعوم أمريكياً الذي ذهب ضحيته نحو نصف مليون مواطن . فالأجهزة الأمنية التي هيمنت على إندونيسيا في عهده، صادرت معظم مناحي الحياة السياسية، وأخضعت قطاعات واسعة من السكان إلى رقابتها القوية، ومارست “الهندسة الاجتماعية” على نطاق واسع . في ظل هذه الظروف، كان الإصلاح صعباً، وتطلب الأمر انتظار رحيل سوهارتو وتدمقرط الحركات الإسلامية لتدشين المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية . ومن ثَمَ، كان هذا الإصلاح جزءاً من عملية أوسع لدمقرطة النظام ونزع عسكرته، وهي العملية التي بدأت بعد الأزمة المالية الآسيوية في يوليو/ تموز العام ،1997 والتي لم تكن لتُقلع لولا دعم ضباط عسكريين إصلاحيين اقتنعوا بأن سيطرة أجهزة الاستخبارات على الحياة السياسية لم يعد ممكناً .

وفي تركيا، لم يكن وصول الإسلاميين إلى السلطة ممكناً، كما هو معروف، لولا أنهم طوّروا برامجهم وتبنّوا بالكامل الأجندة الديمقراطية على نمط الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا الغربية .

مستقبل العرب، إذاً، سيكمن في الغالب في حاضر إندونيسيا وتركيا . وهذه ستكون أنباء سيئة لنتنياهو ورون ليشيم . سيئة للغاية في الواقع .

========================

الصين تدخل عصر المقاتلات الخفية 

آخر تحديث:الخميس ,03/02/2011

عبدالجليل المرهون

الخليج

في الحادي عشر من يناير/ كانون الثاني ،2011 حلقت أول طائرة صينية تنتمي إلى الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة . وقد نشرت عدة مواقع إلكترونية صينية صوراً للطائرة الجديدة، التي أطلق عليها اسم (J-20)، وهي تقوم برحلتها التجريبية الأولى .

وبهذا التطوّر، غدت الصين ثالث دولة في العالم تمتلك طائرات تنتمي إلى الجيل الخامس من المقاتلات الحربية . وذلك بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا .

فقد نفذت مقاتلة الجيل الخامس الروسية (T - 50)، في التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثاني ،2009 أول تحليق كامل لها، لتغدو روسيا ثاني دولة تمتلك هذا الجيل من المقاتلات، بعد الولايات المتحدة التي صنعت المقاتلتين (F 22 Raptor) و(F-35) على التوالي .

وقد دخلت المقاتلة (F 22 Raptor) الخدمة في القوات الأمريكية في ديسمبر/ كانون الأول ،2005 إلا أن الولايات المتحدة لم تصدّر أياً منها إلى الخارج، بسبب حظر قانوني خاص . وقد أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما قراراً بوقف إنتاج هذه المقاتلة بحلول العام 2012 . وذلك بسبب تكلفتها الباهظة .

أما المقاتلة (F-35)، فيرجح أن تدخل الخدمة في القوات الأمريكية في العام 2014 . وسوف يتزود بها، إضافة إلى الولايات المتحدة، عدد من الدول الأوروبية و”إسرائيل” .

ولا ينظر إلى مقاتلات الجيل الخامس على أنها طائرات مقاتلة بحد ذاتها، بل عبارة عن مجموعة من الوسائل التي توفر مستوى جديداً للإمكانات القتالية . ولذا يجري تجهيزها بأحدث أنواع الأسلحة، وأجهزة الاتصال، وأنظمة التحكم والقيادة .

 

ويُفترض أن تكون طائرة الجيل الخامس قادرة على إنجاز جملة مهام قتالية، من بينها تدمير الأهداف على الأرض، والاشتباك بالطائرات في الجو، وإسناد القوات البرية، والعمل كطائرة استطلاع . ويُفترض في هذه الطائرة العمل بمحرك يُمكّنها من التحليق لمدة طويلة، وبسرعة تتجاوز سرعة الصوت . كما يفترض أن تكون عصية على الرادار، أي مزودة بتقنية (Stealth) .

وفي مقاتلة الجيل الخامس، يجب أن تكون نسبة الدفع إلى وزن الطائرة مرتفعة، وأن تكون ذات قدرة على المناورة تمكنها من تحمل أقسى الظروف المحتمل مواجهتها في ساحة المعركة . ويجب أن تكون هذه المقاتلة قادرة على حمل وزن كبير من القنابل في داخلها، ليجري وصفها بالقاذفة المتميزة . وإذا تم تحميلها مزيداً من القنابل في نقاط التعليق على الجناح، فلن تعود قادرة على التخفي عن الرادار، أي أنها لن تكون “طائرة شبح” . ولا بد أن تكون مقاتلة الجيل الخامس قادرة أيضاً على مقاومة نيران مضادات الطائرات، كي تستطيع توفير الدعم المطلوب للقوات البرية، ولذا يجب ألا تكون سرعتها عالية جداً .

وبالنسبة للبرنامج الصيني، فإن التحدي الأبرز أمام تصنيع واقتناء العدد المطلوب من مقاتلة الجيل الخامس يتمثل في تكلفتها المالية . وقد بلغ حجم الإنفاق العسكري في الصين 8 .98 مليار دولار في العام ،2009 ارتفاعاً من 3 .16 عام 1989 . وتشير التقارير الدولية إلى أن الصين قد استوردت خلال الفترة بين 1998 - 2009 طائرات عسكرية بقيمة 57 .12 مليار دولار، كما أنها تصنع ذاتياً بعضاً من الطائرات الحربية، اعتماداً على تقنيات أجنبية، وخاصة روسية .

وبالنسبة للمقاتلة (J - 20)، على وجه الخصوص، ذكرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، في الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، نقلاً عن مسؤول عسكري كرواتي سابق، أن الصين اعتمدت في صنعها لهذه المقاتلة على تكنولوجيا أمريكية، حصل عليها جواسيسها إبان حرب كوسوفو في العام 1999 . ووفقاً للصحيفة، فإن الصين استنبطت التقنية التي اعتمدت عليها في صنع هذه الطائرة من المقاتلة الأمريكية (F-117 Nighthawk)، التي أسقطت فوق جمهورية صربيا في آذار/ مارس ،1999 وهي مقاتلة شبح لا تنتمي إلى الجيل الخامس من الطائرات الحربية .

على صعيد المفاعيل الدولية لإنتاج مقاتلة الجيل الخامس الصينية، يمكن القول إن هذه الخطوة ستلقي بتداعياتها الكبيرة على الهند، التي كانت قد دخلت بالفعل في اتفاقية إنتاج مشترك مع الروس لطائرة الجيل الخامس الروسية (T - 50) .

كذلك، ستعكس هذه الخطوة نفسها على مقاربة العلاقات الصينية الأمريكية، في إطار حسابات جيوسياسية كبرى .

وعلى صعيد ثالث، يرمي تطوّر الإنتاج الصيني للطائرات الحربية بتداعياته السلبية على روابط بكين بحلفائها الروس، إنما ضمن منظور آخر، يتعلق بدعاوى الملكية الفكرية، التي تعتقد موسكو أنها تعرضت إلى انتهاك واسع من قبل الصينيين، على نحو يلامس قدرتها التنافسية في الأسواق الدولية، بل أمنها القومي أيضاً .

فقد حصلت الصين على ترخيص لتجميع طائرات (Su-27SK) بموجب اتفاقية وقعتها مع روسيا في العام ،1996 ومنحت بكين حق تجميع 200 مقاتلة من هذا الطراز، حيث أطلق الصينيون عليها اسم(J11) . وفي وقت لاحق، أعلن الصينيون أنهم باتوا يصنعون مكونات هذه المقاتلة بأنفسهم .

وفي مطلع العام 2007 عرضت الصين مقاتلة “جديدة” باسم (J11B)، قائلة إنها اختراع صيني . بيد أن الروس سارعوا إلى شجب الخطوة الصينية، معلنين أن هذه المقاتلة نسخة طبق الأصل من المقاتلة (Su-27SK)، جرى إنتاجها خلافاً للقوانين الدولية . بيد أن الصين لم ترد على الاعتراض الروسي، وأعلنت عزمها إنتاج نحو 5000 مقاتلة من (J11B) وطرحها في الأسواق العالمية بأسعار تقل عن أسعار المقاتلات الروسية (Su-27SK) و(MIG 29) والمقاتلة الأمريكية (F -16)، الأمر الذي زاد من حفيظة موسكو، حيث إن اتفاقية العام 1996 مع بكين لا تسمح لهذه الأخيرة بتصدير مقاتلات (J11) إلى أية دولة .وبعد أن أعلنت بكين هذا العام عن تحليق مقاتلتها (J - 20)، سارع الروس إلى الإعلان أن الصين ليس بمقدورها بحال من الأحوال إنتاج المحركات الخاصة بالجيل الخامس من الطائرات الحربية . كما شكك خبراء الدفاع أيضاً بمدى تقدم الصينيين في صنع الرادار والأسلحة اللازمة لهذا الجيل من الطائرات الحربية .

========================

حقائق في معادلة الأمن الغذائي

المصدر: صحيفة «غارديان» البريطانية

التاريخ: 03 فبراير 2011

البيان

الصرخات من أجل «الخبز والحرية»، التي تتردد على امتداد العالم العربي خلال الأسابيع الماضية، لا يمكن اعتبارها مجرد خطابة. فقد ظلّ سعر الخبز على الدوام محفزاً قوياً على الانتفاضة، تماماً مثل الحرمان من الحرية. وجاء أحدث تذكير بذلك من دول عدة في الشرق الأوسط، حيث ساعدت التوليفة القاتلة، من البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل حاد، على انطلاق الاحتجاجات الحالية. وخلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس خلال الأيام الماضية، تم الاستماع إلى قادة الرأسمالية العالمية وهم يناقشون مدى إمكانية انتشار هذه الاضطرابات.

سوف تقض الثورات المضاجع في العديد من الأرجاء، وسوف يتمثل تأثيرها واسع النطاق، رغم ذلك، على تركيز الاهتمام السياسي على النمو المتصاعد عالميا في أسعار الطاقة والمواد الغذائية. فالثورات تعني أن التحذيرات من أزمة غذاء جديدة، يتم اتخاذها في الاعتبار بشكل أكثر جدية. وتم طرح مسألة الأمن الغذائي مجدداً على جدول الأعمال بالطرق نفسها التي شوهدت عام 2008، عندما كانت التقديرات تشير إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يفجّر العنف في 30 دولة. ويعزى الفضل إلى الحكومات، في ذلك الوقت، في القيام بالتكليف بإجراء دراسة هامة بشأن الاستدامة الغذائية. لذلك فإن نشر هذا التقرير، الذي جاء بعنوان «مستقبل الغذاء والزراعة» وكتبه السير «جون بيدنغتون»، كبير مستشاري الحكومة البريطانية السابق للشؤون العلمية، جاء في الوقت المناسب.

إن العمل على إيجاد طريقة لإطعام سكان العالم، الذين قد يصل تعدادهم إلى تسعة مليارات نسمة (أو حتى أحد عشر ملياراً) في غضون ال40 عاماً المقبلة، في الوقت الذي يعاني سدس السكان الحاليين بالفعل من الجوع، يعتبر مهمة ضخمة. لكن إيجاد طريقة للقيام بذلك لا تفاقم مشكلة تغير المناخ، ولا تسبب ضررا دائما على البيئة، يمكن القول إنه أكبر تحدٍ جماعي يواجهه العالم.

إن تقرير «بيدنغتون» يعد صورة واضحة لصعوبة ابتكار حل معقول ومنصف ومستدام، فهو يحدد بشكل صحيح الحاجة لاحتواء الطلب على الأغذية كثيفة الموارد (المعروفة أيضاً باسم اللحوم)، ومشكلة الإهدار التي يمكن تجنبها، والضعف في الإدارة السياسية والاقتصادية للصناعة الغذائية. ولا يمكن تخطئة التقرير من حيث رسم معالم المشكلة المعقدة، لكنه يفتقر إلى إجابة على الصعوبة الدائمة التي تشكلها سياسات القوة لصناعة المواد الغذائية المعولمة، في حين أن مسألتي الأمن الغذائي والأسواق الحرة، يمكن أن تكونا بمثابة عاملين مصاحبين، في غياب شبكات الأمان الاجتماعي التي توفرها مؤسسات قوية.

ولا يعتبر ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بالضرورة أمراً سيئاً، فالمحاصيل النقدية مثل الكاكاو والقطن، يمكن أن تحدث تحولا في ميزانيات بعض الدول الأفقر في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، لكن معظم بلدان القارة جنوب الصحراء الكبرى هي دول مستوردة للحبوب، وتعاني الآن من عواقب التقلبات الجديدة بسبب التكهنات في أسعار الحبوب في أسواق السلع الأساسية في العالم، وهذا يضخّم كل تغيير في السعر ويشوّه العلاقة بين الإنتاج والأسعار.

ولا يعتبر ذلك المجال الوحيد الذي تتصارع فيه احتياجات البلدان الفقيرة مع رغبات الدول الغنية، فالطلب على الوقود العضوي يقلل مساحة الأراضي المتاحة لزراعة المواد الغذائية، ويدفع إلى ارتفاع الأسعار. وكذلك مسألة الاستيلاء على الأراضي الاستراتيجية، التي تنفذها البلدان سريعة النمو، مثل الصين وكوريا الجنوبية، من خلال الاستثمار في الاستقرار السياسي عن طريق ضمان إمدادات الغذاء.

========================

سورية تختلف... لا تختلف كثيراً...

زين الشامي

الرأي العام

3-2-2011

أين سورية والسوريون إزاء كل ما يجري حولهم، كثرت التحليلات والاسئلة عن إمكانية أن يقوم السوريون بتظاهرات واحتجاجات مماثلة لتلك التي حصلت في تونس ثم في مصر، في الوقت نفسه كان هناك الكثير من التحليلات والقراءات التي استبعدت أن تحصل تحركات جماهيرية ضد النظام القائم لأسباب كثيرة ومختلفة.

سورية تشبه الكثير من الدول العربية لناحية الأوضاع والظروف الدافعة لحصول تحركات احتجاجية، في الوقت نفسه هناك الكثير من الموانع والعوائق التي تمنع حصول ذلك. فمن ناحية أولى فإن الاوضاع الاقتصادية لناحية ازدياد رقعة الفقر والفقراء وتضخم جيش العاطلين عن العمل، وانتشار الفساد على كل المستويات، إضافة إلى غياب الحريات وانتشار القمع وتكميم الأفواه، هي عوامل مشتركة بين سورية وبين غالبية من الدول العربية، كتونس ومصر وغيرها من الدول، لا بل ربما الحالة السورية تمثل مثلاً فاقعاً و«متطرفاً» لناحية غياب الحريات وشدة القمع، ففي حين كان المصري يستطيع أن ينتقد نظام الرئيس حسني مبارك ويقوم بالتظاهر ويعبر عن رفضه للتوريث، لا يستطيع السوري أن ينتقد حتى إيران، وهي دولة حليفة لسورية، وهذا ما حصل مع الكاتب علي العبد الله الذي انتقد في إحدى المقالات نظام ولاية الفقيه، وهو الأمر الذي تسبب في سجنه لأعوام عدة.

أيضاً في سورية فإن سلطة رجال الأمن والاستخبارات وحجم حضورهم أكبر بكثير من أي دولة عربية، لا بل إن غالبيتهم منتقون من دوائر اجتماعية معينة مقربة من النظام، كذلك القيادات يتم انتقاؤهم بعناية حسب شدة ولائهم وقربهم من النظام، ليس الولاء والقرب السياسي فقط، إنما لاعتبارات عائلية وعشائرية وطائفية. هذا سمح مع الوقت بتشكيل طبقة ودوائر حول النظام تستند إلى هياكل وبنى اجتماعية وثقافية معينة، مع الوقت تماهت مع النظام لدرجة صار من الصعوبة التمييز بينها وبين النظام نفسه. هذا بحد ذاته يجعل آفاق أي احتجاجات شعبية محكومة بنذر حرب أهلية بين بقية أفراد المجتمع وبين تلك الهياكل والدوائر التي بناها النظام حول نفسه منذ أكثر من أربعين عاماً. الحالة السورية هنا تشبه تماماً الحالة العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين. إن مثل هذه الشروط القائمة تجعل إمكانية الاحتجاج محفوفة بمخاطر اندلاع حرب أهلية وطائفية.

من ناحية اخرى، يجب الاعتراف والانتباه إلى أن نظام «حزب البعث» بشكل عام هو نظام قمعي بامتياز ولا يتورع عن استخدام العنف الشديد والبطش ضد معارضيه لأي سبب، إننا نعرف أن الكثير من المثقفين السوريين حكم عليهم بالسجن لأعوام طويلة لمجرد كتابتهم مقالات تدعو للاصلاح والديموقراطية، فما بالنا لو كتبوا مقالات انتقدوا فيها النظام بشكل مباشر، أو فيما لو دعوا للاحتجاج والتظاهر حتى اسقاط النظام؟

من ناحية ثانية، يجب أن نعي أن النظام في سورية كمؤسسة، استطاع أن يشكل مع مرور الأعوام، دوائر من المستفيدين من استمراره وديمومته، وهذه الدوائر موجودة في كل مفاصل الدولة والمجتمع، كما أنه عمل طويلاً على تغييب المجتمع المدني والحياة السياسية بشكل نهائي، ما يجعل إمكانية التحركات الاحتجاجية قليلة أو شبه معدومة.

من ناحية ثانية، حاول النظام إشاعة مقولات وبربوغاندا تقول ان ما حصل في تونس ومصر، حصل فقط لأن تلك الدول محسوبة على الغرب وكانت دولاً حليفة، هذا وحتى لو كان يفتقر للمنطق ومعروفة الغايات التي تقف وراءه، فإن، وللأسف، فئات عديدة مضللة صدقته.

سورية تشبه تونس ومصر كثيراً لناحية الخلفيات الدافعة للاحتجاج، لكنها تختلف لناحية التركيبة الاجتماعية المكسرة اجتماعياً، حيث تعتقد فئات اجتماعية أنها مندمجة مع النظام وتخاف من التغيير وتخاف على مستقبلها ووجودها في ما لو سقط النظام. هذا يعقد المشهد السوري... دون أن ننسى أن النظام في سورية أكثر قمعاً وتجربة في سحق معارضيه.

========================

اضطرابات في القاهرة وانفصام أميركي

المستقبل - الخميس 3 شباط 2011

العدد 3902 - رأي و فكر - صفحة 20

زلمان شوفال

(سفير إسرائيل في الولايات المتحدة سابقاً)

("إسرائيل اليوم" 1/2/2011)

ترجمة: عباس اسماعيل

بعد أن ألقى الرئيس اوباما قبل اسبوع خطاباً عن "وضع الامة" في واشنطن المتجمدة، من دون أن يذكر تقريبا موضوع الشرق الاوسط، جاءت الاحداث في مصر، في تونس، في بيروت وفي اليمن لتبرز كم هي السياسة الأميركية في هذا الجزء من العالم غير ذات صلة بالواقع على الارض.

في هذه الأثناء ورد من واشنطن انهم يعكفون هناك على بلورة استراتيجية شرق أوسطية جديدة تدمج في داخلها تطلع شعوب المنطقة الى التغيير والحاجة الى ضمان الاستقرار فيها في نفس الوقت. كما تنطلق الآن بيانات أميركية تذكر بالتشوش وانعدام الفعل لادارة كارتر في زمن الثورة ضد الشاه الفارسي. والنتائج معروفة.

المعضلات التي تعاني منها ادارة اوباما في موضوع العالم العربي لا تختلف عن تلك التي وقف أمامها سلفه. بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس تحدثا عن "جدول أعمال الحرية"، ولكن في الوقت نفسه حرصا على عدم المس بالعلاقات الشجاعة مع مراكز الحكم في الدول العربية المختلفة.

وحاول اوباما ايضا السير على الحبل الرفيع ذاته، الى جانب التصريحات في صالح توثيق العلاقات مع العالم العربي والاسلامي. ولشدة المفارقة اندلعت الشعلة الاساسية في القاهرة تحديدا، حيث ألقى الرئيس اوباما خطابه الشهير والذي أثنى فيه على "القيم المشتركة" المزعومة في التاريخ الأميركي والتاريخ العربي. في حينه دعا أيضا جيل الشباب في مصر الى النظر الى الامام نحو التغييرات التي على الطريق (لا غرو ان الرئيس مبارك تخلى في حينه عن متعة الحضور في القاعة).

الخطاب ذاته، وليس هو فقط بل كل النهج الأميركي في السنوات الاخيرة نحو الشرق الاوسط، عانى من انفصام سياسي حاول أن يجسر، دون نجاح، بين المثل الأميركية وبين المصالح البرغماتية. هكذا في افغانستان، هكذا في العراق، هكذا في مصر وفي شمالي افريقيا وهكذا ايضا بالنسبة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

عندما قرر الرئيس بوش (الابن) في حينه وجوب اقامة دولة فلسطينية "ديمقراطية تنشد السلام الى جانب دولة إسرائيل" (قول أصبح شعارا أيضا على لسان مقرري السياسة في ادارة اوباما)، يبدو انه لم يعطِ رأيه بأنه لا يوجد بالضرورة توافق بين هذين المبدأين. والدليل هو أن حماس انتخبت بشكل ديمقراطي في غزة، ولكن هل "تنشد السلام"؟

الكتاب الجديد لبوب وودوورد، "حروب اوباما"، يروي بانه في أنه في احدى الجلسات المهمة في البيت الابيض لبلورة خطوط العمل في الحرب ضد طالبان والقاعدة، امتنع الرئيس عن دعوة قادة ال سي.آي.ايه، وكالة الاستخبارات المركزية ومنسق اجهزة الاستخبارات المختلفة. ربما كي لا تحرفه التقديرات التي يعرضوها عن القرارات التي بلورها لنفسه مسبقا. والان جاءت الاحداث في القاهرة، في تونس وفي صنعاء لتصفع هذا المفهوم.

في الوقت الذي يجري كتابة هذه السطور لا نرى بعد نهاية الاحداث في القاهرة هل ما كان هو ما سيكون، أم ربما ستكون اصلاحات، أو ربما، في نهاية المطاف سيكون المنتصرون الحقيقيون هم الاخوان المسلمين او البرادعي، صديق احمدي نجاد.

لا مجال لحسد من هم مسؤولون اليوم في واشنطن على مهمة اعادة بلورة السياسة الشرق اوسطية للولايات المتحدة. هل سيكررون أخطاء الماضي أم لعلهم سيستخلصون على الاقل واحدا من الدروس الواضحة من أحداث الاسابيع الاخيرة؟

========================

لم يفهمونا بعد

فهمي هويدي

السفير

3-2-2011

لم يفهمونا بعد. إما لأنهم صمُّوا آذانهم لكي لا يسمعوا هدير الجماهير، وإما لأنهم تسلموا الرسالة ولم يكترثوا بها تحدياً لمرسليها واحتقاراً لشأنهم. لا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة، ولكن ما يمكن القطع به أن ثمة التباساً ما حدث، كان من نتيجته أن ما سمعناه في خطاب منتصف ليلة أمس من الرئيس مبارك لم تكن له علاقة برسالة الغضب التي ظل الغاضبون يرسلونها طوال الأيام السبعة التي خلت، منذ يوم 25 يناير الماضي.

فمئات الألوف الذين خرجوا منذ ذلك اليوم في أرجاء مصر، والحشد المليوني الذي تجمّع في القاهرة أمس الأول «الثلاثاء 1/2»، وال٣٠٠ مواطن الذين قتلوا برصاص الشرطة منذئذ، والخمسة آلاف مصاب وجريح، بخلاف ال500 الذين اختفوا ولم يعرف مصيرهم بعد، ذلك الحدث الفريد في بابه في التاريخ المصري لم يكن الهدف منه إقالة رئيس الحكومة وتعيين نائب للرئيس، وتغيير مادتين في الدستور. فذلك ثمن بخس للغاية إما أنه يعبر عن استخفاف واحتقار للألوف التي خرجت وللتضحيات التي قدمت. أو أنه يفترض فيهم البلاهة والغباء.

وسواء كانت الرسالة لم تستقبل أصلاً، أو أنها استقبلت ولم تفهم أو أنها فهمت وتم تجاهلها عناداً واستكباراً، فيبدو أننا صرنا بحاجة لأن نوضح مضمونها، على الأقل لكي يدرك الجميع عمق الهوة بين المطلوب والمعروض، وبين الأشواق التي تعلق بها الناس، والأصداء التي صدموا بها، ذلك أن الجماهير التي انفجر غضبها أخيراً. بعد ثلاثين سنة من الصبر والاختزان لم تفعل ما فعلته إلا لأنه فاض بها الكيل ولم تعد تحتمل مزيداً من الإهانة. فقد عانت داخلياً من احتكار السلطة والخضوع للطوارئ وتقييد الحريات العامة وتزوير إرادتها، بقدر ما عانت من الفساد الذي بدد ثروات البلاد وبطش الشرطة الذي أهدر كرامات الناس واستخفّ بحياتهم، والإفقار الذي أذلهم وقصم ظهورهم. أما خارجياً فقد أهينت مصر حين تم تقزيمها وإلحاقها بمعكسر التبعية للسياسة الأميركية، الذي دفعها إلى حصار غزة والإسهام في الدفاع عن أمن إسرائيل مع التفريط في أمنها القومي. وتلك مجرد عناوين تحتمل التفصيل والإضافة. لكن أهم ما فيها أنها كانت ثمرة سياسات اتبعت خلال تلك الفترة وأوصلت البلد إلى ما وصل إليه من صغار ووهن.

حين تكون تلك أسباب انفجار غضب الجماهير، ثم يكون «التجاوب» معها على النحو الذي ذكرناه. فذلك يؤكد أنه لا توجد ثمة علاقة بين الأشواق والأصداء. ذلك أننا إذا دققنا في تلك الأصداء، خصوصاً خطاب الرئيس الأخير، فسنجد ما يلي:

- إن الرئيس لم ير غضب الناس وأسبابه في المشهد، ولم يتحدث إلا عن التخريب والتدمير الذي حدث، ولم يكن المتظاهرون مسؤولين عنه وليس لهم أي علاقة به. كما أنه غمز ضمناً من الإخوان المسلمين وبعض الجماعات «ذات الأجندات الخاصة» معتبراً أنهم هم الذين استثاروا الجماهير وفجّروا غضبها، وذلك أيضا ليس صحيحا، لأن الجماهير الغاضبة هي التي قادت الجميع، وكان الإخوان وغيرهم ضمن الذين لبوا نداءها وتجاوبوا مع غضبها. بما يعني أنه نظر إلى الصورة من الزاوية الخطأ، وأدرك مكوناتها على نحو مغلوط.

 إن الرئيس لجأ إلى إحداث تغيير في الأشخاص والإجراءات ولم يغير شيئاً من السياسات، التي هي موضوع الغضب ومصدره الأساسي. إضافة إلى أنه أراد أن يكسب وقتاً وقدم وعوداً ليس بوسع أحد أن يراهن على تنفيذها في ظل الخبرات التي مررنا بها. فالمادتان اللتان دعا إلى تغييرهما في الدستور «الأولى تخص شروط الترشح للرئاسة والثانية تتعلق بمدة بقائه في السلطة» سبق أن قدما لنا في سياق وعده بالإصلاح السياسي، كما وعدنا لاحقاً بانتخابات تشريعية نزيهة حول التزوير الفج إلى كارثة، وصارت فضيحة غذت الشعور بالمهانة والازدراء بالمجتمع.

 إن وعد الرئيس بعدم الترشح لولاية سادسة أمر طيب لا ريب، بقدر ما أنه بدا خطوة تثير القلق وتفتح الباب للهواجس والشكوك. ذلك أنه لم يشر بكلمة إلى مسألة إلغاء الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، وهما العقبتان اللتان لا يطمأن إلى إمكانية إجراء انتخابات في غيابهما. بكلام آخر فإنه إذا لم يرشح الرئيس نفسه واستمر الوضع كما هو عليه الآن، فإن الحزب الوطني بتواطئه التقليدي مع جهاز الإدارة سيظل قابضاً على السلطة ومحتكراً لها، ولديه مهلة كافية لترتيب ذلك، في حين أن إطلاق الحريات وإلغاء الطوارئ إذا تما الآن، فمن شأنهما توفير مناخ يمكن المجتمع من إفراز البدائل المناسبة التي يمكن أن تنافس مرشح الحزب الوطني وتعطيه حجمه الطبيعي.

 إن الرئيس حين وعد بعدم الترشح للرئاسة المقبلة ولم يشر إلى أن ذلك الوعد يشمل أفراد أسرته، فإنه فتح الباب لاحتمال التلاعب بالوعي والذاكرة خلال الأشهر المقبلة، بما يجعل ترشيح ابنه جمال احتمالاً وارداً. وستكون حظوظه كبيرة في هذه الحالة، ووجود والده في السلطة سيضمن له ذلك ولن أشك في أن أبالسة النظام مستعدون للقيام بهذه المهمة. وفي هذه الحالة فإن أكبر انتفاضة شعبية في تاريخ مصر، ستتحول إلى أكبر مقلب شربه الشعب المصري فى تاريخه.

ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

========================

ثورات تقودنا الى شرق أوسط اسلامي!

لماذا يلومون حسني مبارك؟

غسان حجار

النهار

3-2-2011

في احدى قرى البقاع اللبناني، حيث عدد الناخبين لا يتجاوز ال300 فرد، تدور معارك طاحنة منذ ما قبل الحرب الأهلية للعام 1975، بل الى زمن نهاية خمسينات القرن الماضي، اذ تسلل الى منصب المختار شاب لا ينتمي الى العائلتين الكبيرتين اللتين تتوزعان السلطة القروية.

واتفقت العائلتان المتخاصمتان على العائلة الأقلية التي خرج منها المختار - الزعيم، وتوحدتا، فلجأت العائلة الصغيرة الى الأحزاب اليسارية تستمد الدعم الخارجي للاحتفاظ بموقع المختار.

ومع بداية الحرب، وسيادة النفوذ الفلسطيني، والأحزاب اليسارية المسماة آنذاك "وطنية"، اشتد عود المختار، وركب دبابة قوات الردع العربية - السورية، ليفرض على وزارة الداخلية الإسراع في انشاء بلدية، وصار رئيساً لها.

وفي زمن ما بعد السوري، على ما يقال، العام 2005، حمل رئيس البلدية شعار الحرية والإستقلال والحقيقة، وحافظ على موقعه في رئاسة البلدية، وصار يطمح الى النيابة. ولا أعلم تماماً ما هو موقعه في "الجغرافيا السياسية" التي يدلنا الى طريقها النائب وليد جنبلاط.

وعلى مثال هذا الرجل، كثيرون في مختلف المواقع وعلى مختلف المستويات. فالرؤساء والوزراء والنواب يطمحون، بعد عمر طويل، الى توريث أبنائهم، واذا عجزوا لجأوا الى أشقائهم، وربما أصهارهم. فالصهر "سند الظهر". والى السياسيين، القضاة، والضباط، وفئات واسعة من المسؤولين في الأحزاب والجمعيات والمنظمات، وصولاً الى المقاعد البلدية والإختيارية وربما أكثر!

انها السلطة بوجوهها المختلفة، وحجتها الدائمة الخدمة العامة، والبذل والتضحية من أجل الناس. يخرج "المسؤول" من بين الناس، فيصير يتحدث بعد أسابيع عن "خدمة الشعب".

في الأنظمة العربية لا تغيير يذكر في رأس الهرم، الا في لبنان، وفي ما عدا ذلك فانتقال السلطة يتم اثر الوفاة، أو بعد انقلاب عسكري غالباً ما يؤدي الى الموت. وتنتقل السلطة الى الأبناء أو الأشقاء، ولا يواجه الزعماء السابقون واللاحقون أي حركة اعتراض، الا بعض بيانات تصدر في "المنفى"، ويتحرك الناس أفواجاً لأداء فروض الطاعة، فيما يهرول زعماء العرب لتقديم التهانئ للرئيس والقائد الآتي، ويدعمون استمراره في السلطة، كمرآة لحالهم.

فهل يمكن أحد تعداد أسماء الرؤساء والأمراء الذين تداولوا السلطة من دون توارث؟ وهل يمكن تعداد الذين تخلوا عن السلطة من دون وفاة أو انقلاب؟ قد لا نجد ما نبدأ به العدّ.

في ظل هذه الأجواء لا تعود حال الرئيس حسني مبارك استثناء، ولا تعود ملامته واجبة، اذ لم يسبق ان انتفض الشعب العربي على النظام في العراق أو في مصر أو في سوريا أو في فلسطين أو سواها... أمام هذا الواقع هل يلام حسني مبارك؟!

 

الشرق الأوسط الإسلامي!

طمأننا وزير الخارجية الإيراني الجديد علي أكبر صالحي الى ان نجاح الثورة في مصر سيساعد في اقامة الشرق الأوسط الإسلامي، ولم يأتِ صالحي بجديد، بل كرر ما سمعه من قائد الثورة ومرشدها السيد علي خامنئي، الذي قال في وقت سابق "انه وفق الحقائق التي قدرها الباري تعالى، سيتبلور شرق أوسط جديد وسيكون على أساس الإسلام". وأضاف: "ان لدى الشعب المصري المسلم ماضياً اسلامياً وقد صنع مفاخر كبيرة في طريق الأفكار الإسلامية والجهاد في سبيل الله".

من جهته تنبأ خطيب الجمعة في طهران آية الله أحمد خاتمي بأن "ثورة الشعب التونسي والتظاهرات الشعبية في مصر والأردن واليمن... تؤشر الى ان الشرق الأوسط الجديد آخذ بالتبلور حول محور الإسلام والمطالب الشعبية الدينية. وهذه التحركات هي امتداد للثورة الإسلامية التي أنجزها الشعب الإيراني".

وهكذا نجد أنفسنا أمام "شرق أوسط جديد" ارادته الولايات المتحدة الأميركية خدمة لمصالحها، ولمصالح اسرائيل، ورحل الرئيس جورج بوش الإبن من دون ان ينجح في تحقيقه، ولا نعلم ما اذا كانت المستجدات في خريطة المنطقة الجغرافية، من اليمن والسودان وفلسطين، الى التوترات في تونس ومصر، وعدم الإستقرار في الكويت والبحرين ولبنان والأردن والجزائر، من دون ان ننسى العراق وويلاته، مقدمة لهذا المشروع، أو مرحلة متقدمة منه.

في المقابل مشروع مواجهة تريده ايران ان يكون "شرق أوسط اسلامياً" وتدفع بإتجاهه في كلّ البلدان حيث مجموعات شيعية، أو جماعات أصولية، ولو سنية، محتاجة الى المال والسلاح، تمدها بهما الثورة الإسلامية الإيرانية لمحاربة "الإمبريالية الأميركية" التي سلكت هذا المسار الصعب سابقاً، وما لبث ان انقلب عليها وصار مادة متفجرة في وجهها و"قاعدة" بن لادن، التي أريد لها ان تكون حجر عثرة "للإتحاد السوفياتي" السابق، فإذا بها تنفذ حوادث أيلول في قلب أميركا.

ولكي يستقر هذا المشروع أو ذاك، لا بد من حروب وثورات وفوضى وتقلبات مالية واجتماعية و"جغرافيا سياسية" تكون خطة طريق، أملاً في الوصول الى الضوء بعد نفق مظلم طويل دخلنا به من دون ان نستطلع طول مسافته.

هكذا نحن، أو بالأحرى هكذا هم، يأخذوننا الى حيث يريدون، والى حيث يتصارعون، لنجد أنفسنا دائماً في قلب الصراع، سلعة ووقود حرائق.

اليوم نحن حائرون ما بين اميركا وايران، اسرائيل وسوريا، السعودية وقطر، أوروبا وتركيا... والبقية تأتي!

الإعلام الرسمي الغبي!

"العلوج"... هل تذكرون جيداً هذه الكلمة؟ كان ينطق بها محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام في العهد الأخير للرئيس العراقي صدام حسين. كان يتحدث عن "العلوج الأميركان" ويفاخر بقوة العراق النووية، وقدرة جيشها على اصطياد العلوج واسقاطهم في شوارع بغداد وأسرهم... كان يفاخر بعديد الجيش العراقي، وبقوة النظام الحاكم، فإذا بنا نشاهد بين نهار وليل، طبقة حاكمة هاربة، وتائهة في الملاجيء، والكهوف والمقابر، بحثاً عن أمان موقت!

هذا نموذج عن الإعلام الرسمي الذي ينقل دائماً ما هو مغاير للحقيقة، حتى يتهم بالغباء، وهو ليس كذلك في طبيعته، بل في تركيبته وفي القيمين عليه.

صورة زهرية لواقع الحال، رسمها التلفزيون المصري في الأيام الماضية، مكرراً تجربة "صوت العرب" ونجمة أحمد سعيد في الإنتصارات الوهمية على اسرائيل في الحروب السابقة.

كان التلفزيون المصري في الأيام الماضية، ينقل الينا صورة حركة طبيعية على بعض الطرق، مع تأكيده ان "التظاهرات المتفرقة في بعض مناطق تهدف الى زعزعة الأمن والتشويش على مسيرة البلاد متأثرة بدعم خارجي" (ايراني على الأرجح)، وان الحكومة ماضية في عملها والوزراء يقومون بواجباتهم.

وفي لبنان، تبدو تجربة تلفزيون لبنان، والإذاعة اللبنانية، خير دليل الى فشل الإعلام الرسمي في بلوغ غاياته، اذا كان له من هدف واضح معلن. بخلاف الوكالة الوطنية للإعلام التي هدفت منذ قيامها الى تعميم اخبار نشاطات الرؤساء والوزراء لإعلام الجمهور بها، قبل ان يتوسع اطار عملها الى كل النشاطات، وقبل ان تدخل، وعلى فترات مختلفة، في لعبة السياسة فتحجب خبر هذا وتروج لذاك، وتوسع كادرها الوظيفي لترضي السياسيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والمناطقية.

انها حال الإعلام الرسمي في كل بلد، بعدما فقد دوره في عجقة وسائل الإعلام ووسائطه الحديثة، الإلكترونية تحديداً، وصار الخبر في متناول كل الناس، وخصوصاً في لبنان حيث لكل حزب وطائفة محطة تلفزيونية واذاعية خاصة بهما.

========================

التناقضات الخلّاقة في الانتفاضة المصرية

جهاد الزين

النهار

3-2-2011

دخل الوضع المصري مع "المظاهرات المضادة" التي تحركت تأييداً للنظام أمس، في منعطف حساس نتيجة العنف الذي واكبه أو تولّد عنه.

لكن هذا المنعطف لا يعني بأي حال إمكان عودة الامور إلى الوراء في مصر، فما دخلت مصر فيه هو "مرحلة إنتقالية" - أياً تكن سقوفها - نحو تغيير آتٍ من داخل النظام أو من خارجه.

فماذا عن تركيب قوى الانتفاضة المصرية:

حتى لو كان المراقب – مثلي – متأكداً من ان ما يقوله مصريون بارزون من يساريين حاليين وسابقين وليبراليين وناشطين في المنظمات غير الحكومية ان "الاخوان المسلمين" لا يشكلون اغلبية عددية في هذه الحركة الاعتراضية الواسعة التي تشهدها شوارع المدن المصرية.

حتى لو كان المراقب متأكداً من ذلك... فهذا لا يعني ان "الاخوان المسلمين" ليسوا القوة الاولى او الأكبر بين هذه التجمعات.

وحتى لو كان المراقب متأكداً من ان قوة اجتماعية جديدة ضخمة من العاطلين عن العمل الشباب حملة الشهادات الجامعية وذوي التأهيل الحديث في ممارسة ما يسمى "وسائل الاتصال الاجتماعية" الجديدة Social Media هم الذين يشكلون القوة المحركة لهذه التجمعات.

حتى لو كان المراقب متأكداً من ذلك... فان هذه الكتلة ذات الثقافة الحديثة لم نعرف بعد ما اذا كانت ذات غالبية ليبرالية او اسلامية "اخوانية"... ولن نعرف ذلك الا عندما يحين وقت الانتخابات التي لا بد هذه المرة ان تكون شفافة من حيث آلياتها وتمثيليتها... فالاحتجاج "ضد"... (الرئيس مبارك) قادر على الجمع وبالتالي تغييب الفوارق الايديولوجية والسياسية والاقتصادية بين المحتجين... اما عندما نصل الى مرحلة "النعم" اي اختيار التمثيل السياسي – كما النظام السياسي – فسيبدأ الفرز وسنتأكد عندها اذا كان "الاخوان" هم القوة السياسية الرئيسية في التركيبة الحالية للتحالف الاحتجاجي القائم أم لا؟.

وحتى لو كان المراقب متأكداً من ان اتساع المشاعر المنتقدة للسياسة الخارجية القائمة التي تمارسها الرئاسة المصرية، خصوصا في موضوع تأييد السياسة الاميركية ولاسيما في انعكاسه على الموقف من اسرائيل...

حتى لو كان المراقب متأكداً من اتساع هذه المشاعر والمواقف الضد اميركية في السياسة الخارجية بين النخب المختلفة الاسلامية والليبرالية واليسارية للمحتجين المصريين... فان المحرك المباشر والاعمق الذي ادى الى انفجار الاعتراض... بل حتى الثورة هو محرك داخلي... اي اجتماعي ضد اتساع الفقر والفساد وسياسي ضد استمرار غياب الديموقراطية السياسية. وفي هذا المجال ساهمت الادارات الاميركية المختلفة منذ عهد كلينتون الى عهد اوباما مروراً بعهد بوش الابن في دعم هذا الاعتراض على الاستبداد السياسي في بلد، كان نظامه – ولا بد موضوعياً من الاعتراف بذلك – يقيم نوعا من الديموقراطية الاعلامية مقابل استمراره في منع تداول السلطة بينما سمح ب"تداول النقد" منذ الثمانينات.

 ساهم الاميركيون – اي ديبلوماسيوهم واداراتهم – في الحفاظ على خط ضاغط على النظام، او ابقائه تحت رقابة "اصلاحية" النزعة، على الرغم من تحالف واشنطن الراسخ مع الرئيس مبارك في السياسة الخارجية... وكان الرئيس مبارك حليفاً ثابتاً وموثوقاً في هذا المجال.

وعلى الرغم من ان المراقب – مثلي – متأكد من ان معظم الجيل الجديد من العاطلين عن العمل حملة الشهادات الجامعية وذوي التأهيل الحديث يكنون عاطفة رومانسية الطابع لشخص جمال عبد الناصر في مجال الدور المصري الخارجي... إلا ان ذلك لا يجب ان يخفي ديناميكية أساسية ولعلها "الاساسية"... في ما يحصل من مواجهة مع الحكم القائم، هي انها مواجهة مع "الاستابلشمنت" الاجتماعي الذي افرزه نظام انقلاب 23 يوليو عام 1952. فصحيح أنه منذ معاهدة الصلح الاسرائيلية – المصرية تغيرت السياسة الخارجية المصرية رأساً على عقب، وصحيح ان البنية الاقتصادية لنظام 23 يوليو السياسي قد تحولت أيضاً من الاشتراكية الناصرية الى رأسمالية نظام السوق بشكل متدرج منذ عهد السادات... وأخذت مداها في عهد مبارك... إلا ان البنية الاجتماعية للحكم بقيت هي ذاتها... بهذا المعنى فإن حكم مبارك هو استمرار للتغيير الذي حصل عام 1952: نظام حكم "مجتمع الجيش"... هذا الذي يفرز مسؤولين على المواقع الاساسية والمتوسطة في النظام من داخل هذه المؤسسة: الرئيس – عدد كبير من الوزراء – المحافظون – رؤساء الشركات إلخ...

لهذا لا شك أن العديد من الاحزاب المشاركة في التحركات الاحتجاجية تعلن علناً - كرئيس حزب "الوفد" – أن عملية التغيير تتوجه نحو كل ما حصل في التركيب السياسي منذ 1952 حتى اليوم وليس في الثلاثين عاماً الاخيرة فقط. وقد يكون هذا بصورة أو بأخرى لسان حال "الاخوان المسلمين" الذين عادت فرصتهم الكبيرة التاريخية الآن.

غير انه رغم هذا البعد الداخلي الاول والأعمق والأهم لحركة الاحتجاج... إلا أن مصر ستقدم على الأرجح مهما كانت حدود التغييرات الآتية نموذجاً ديالكتيكياً مدهشاً يمكن توقعه من الآن:

بنية ليبرالية أو أكثر ليبرالية داخلية يدعمها الغرب، وقد يكون ل"الإخوان" موقع أساسي فيها أو حتى الأساسي، إنما "ليبرالية" داخلية ذات سياسة خارجية لها بعض الطابع الراديكالي رغم توقع انها ستحافظ على التزام الدولة المصرية بمعاهدة السلام مع اسرائيل...

هذا هو "الديالكتيك": تأتي الديموقراطية الداخلية بقدر ما من راديكالية خارجية... على الاقل حيال الموقف من الصراع العربي – الاسرائيلي؟

لن تكون المرة الاولى – ولكن قد تكون الأخطر – التي يواجه فيها الاميركيون حالة ديموقراطية دعموا تبلورها طويلاً توصل الى سياسة خارجية ضدهم.

لقد تحول "اعتدال" النظام المصري في السياسة الخارجية الى نوع من استضعافه اميركياً: ترتيب مصيري لخارطة السودان مع تجاهله تماماً...

قابل ذلك، رغم انه يجب تكرار تسجيل ظاهرة ايجابية للنظام هي حرصه على نوع من "ديموقراطية حرية التعبير"، قابل ذلك مبالغة من النظام في ممارسة هذا "الاعتدال" الخارجي تحولت حتى الى تبعية لقوى اقليمية بدل أن يبقى هو في القيادة الاولى. في حين ان "معبر رفح" منذ العام 2006 جعلته الوقاحة الاسرائيلية نوعاً من "كعب اخيل" للنظام المصري. فلقد استلم "الاخوان المسلمون" (الفلسطينيون) عبر حركة حماس "محافظة" من المحافظات المصرية إذا جاز التعبير هي قطاع غزة. ساهم الرفض الاسرائيلي – الاميركي في فتح أي حوار معها في المزيد من حراجة الموقف... الى ذلك بلغت "عقدة النقص الوطنية" بسبب حرب 2006 الى بحث بعض قوى الحكم المصري عن "وطنية بديلة" ظهرت فعلاً مبتذلة: هي عصبية كرة القدم في المواجهة مع الفريق الجزائري (بمعزل عن المسؤوليات الاستفزازية الاكيدة من الجهة الجزائرية).

لكن هذه مصر... قبلتنا التنويرية... وسنراهن على حداثة ريادية عميقة وناضجة و"علمانية" لدى نخبها في صياغة وضع سياسي بديل... نتمنى أن يكون "الاخوان المسلمون" جزءاً راشداً منه حتى لو ساد لديهم دائماً شعور ضمني بأن صراعهم المديد مع المؤسسة العسكرية منذ العام 1952 قد خطف منهم "السلطة" عدة مرات... ولا يريدون أن يسمحوا بتكرار ذلك الآن.

نرجو أن لا يكون هذا الشعور مَرَضِياً في أوساطهم في الوقت الحالي وأن يظهر التطور المصري ان بامكان النخب المصرية صياغة وضع ديموقراطي... تعددي متين... ويكون ريادياً داخلياً وخارجياً... معاً. فالتقاليد المصرية لدولة مركزية ومجتمع موحد، تعكس نفسها على ثقافة النخب رغم اختلاف مشاريعها الايديولوجية. لكن هذه الثقافة التوحيدية الناضجة للمجتمع والنخب – خلافاً لمجتمعات ونخب الثقافة الطائفية في المشرق – وخصوصاً لبنان – ستجعل هذه المرة نموذج "الدولة" المصرية نموذجاً ريادياً إذا رسا على آليات ديموقراطية.

========================

دموع تل ابيب على مبارك

ماهرابوطير

الدستور

3-2-2011

لم يبق للرئيس مبارك اي شرعية في مصر ، منذ اللحظة التي تم قتل المئات فيها ، وجرح الالاف ، وهاهي المذبحة في مصر تتواصل ، دون ان يوقفها احد ، بل تتم تغذيتها عبر البلطجية والمخبرين ومنتسبي الاجهزة.

الرئيس مبارك قال بشكل واضح في خطابه انه سيموت في مصر ، ومعنى كلامه انه لن يغادر مخلوعاً على طريقة "زين الهاربين" في تونس ، وهاهو ايضاً يصر على البقاء ، لاعتبارات امريكية واسرائيلية اولا.

واشنطن وتل ابيب ليس من مصلحتهما مغادرة مبارك ، لان سؤال الوريث الذي سيرث مصر هو الذي يقلقهما ، وهاهم اصدقاء اسرائيل في المنطقة يتساقطون الواحد تلو الاخر ، من الرئيس التونسي الى الرئيس المصري.

اذا كانت المعلومات تتحدث عن ثمانية ملايين مصري يهتفون ضد مبارك ، ولو افترضنا ان خلف كل متظاهر اسرة من عشرة افراد ، يتضامنون معه ، فهذا يعني ان ثمانين مليون مصري لايريدون مبارك.

رغم كل هذا المشهد ، يبقى مبارك.ليس لانه لايسمع كلام المصريين ، ولايعرف الموقف على الارض ، ولايحاول زج مصر في مذبحة كبرى ، بل لان عواصم اقليمية ودولية ، لاتريد للنظام المصري ان يسقط ، لان في سقوطه ، فتحا لباب كل الاحتمالات.

 

على مايبدو ان الرئيس لن يخرج الا بعد ان تحترق مصر ، او بعد ان يتأكد ان النظام الوريث هو من ذات طينة نظامه ، وهذه هي المكاسرة الدولية والاقليمية التي تجري في مصر ، لان الذعر يتعلق بمن سيحكم مصر ، بعد مبارك.

تل ابيب المذعورة تخاف على امنها ، وعلى معاهدة السلام ، وهي تعرف ان سقوط النظام المصري ، وتسليم مصر لاحتمالات اخرى ، خارج منظومة الحكم الحالي ، بما فيها قدوم الاسلاميين ، او اي حكم وطني ، يعني مخاطر كبرى على اسرائيل.

لايمكن لرئيس دولة عاقل ، او نصف عاقل ، ان يبقى في الحكم اذا كانت كل الملايين تهتف ضده.كل القصة تتعلق بكون مبارك يلبي مطالب اسرائيلية وامريكية ترى في خروجه خسائر جسيمة ، خصوصاً ، في ظل عدم وجود ضمانات باستمرار ذات النظام برأس آخر.

سقطت شرعية مبارك ونظامه بعد سقوط كل هؤلاء الشهداء والجرحى ، والحكم الذي غطس في الدم ، لايمكن ان يستمر ، وكل مانخشاه ان تعمد اطراف دولية واقليمية الى مخطط تقسيم مصر ، واضعافها وتهديمها من الداخل ، اذا اكتشفت ان بدائل النظام الحالي ، خطر عليها.

للنظام المصري الحالي دور كبير في تحطيم البنية الشعبية المصرية ، وفي خنق الحركات الاسلامية المقبولة ، والمتشددة ، وفي تأمين حدود اسرائيل ، وفي خنق غزة ، وابادة حركة حماس ، والدور الوظيفي للنظام هو الذي تهلع لاجله تل ابيب وواشنطن.

كلمة السر التي قيلت من واشنطن:نريد انتقالا سلميا للسلطة.ماخلف كلمة السر ان واشنطن تريد استمرار المنظومة وطبيعة النظام ، ولايهمها شخص الرئيس بقدر استمرار سياسات النظام عبر رئيس اخر.

لانها لاتضمن ذلك ، ترتجف تل ابيب وواشنطن ، لان هدم النظام كاملا ، وتسليم مصر لكل الاحتمالات ، يعني خطراً كبيراً على اسرائيل ، ويعني ان رياح التغيير ستهب على دول عربية كبرى.

لاتستغربوا دموع تل ابيب على مبارك ، فهي ليست على شخصه ، بل على دوره الوظيفي ، وكل مايريدونه اليوم ، هو توريث النظام لشبيه آخر ، وهنا مربط الفرس ، فإن لم تتم ضمانة ذلك ، فسيتم حرق مصر ومن فيها.

هل للنظام المصري اي شرعية ، بعد جر الشعب المصري الى مذبحة دموية ، وهي مذبحة تأتي كرمى لعيون اسرائيل ، التي قررت ان النظام اذا سقط ، فيجب ان يتبعه سقوط كل مصر في الخراب.

لك الله يامصر.

========================

مصر التي تغيرت وستغير !

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

3-2-2011

مهما حدث من تطورات بعد الان ، فان مصر لم تعد مصر التي كانت ، ووجها الذي اعتدنا على رؤيته طوال عقود وربما قرون ، لم يعد ذاك الوجه . فقد صدق من قال من المصريين ان شعب مصر ولاول مرة منذ سبعة الاف عام، سيقرر من يحكمه ولم يعد اناس مصر بعد الان عبيد لمن غلب .

وبغض النظر عن سلبيات او ايجابيات الذين حكموا مصر خلال العقود الماضية، فان ثورة شعب مصر قد حفرت عميقا في المعادلة المصرية الداخلية، وصنعت ما تصنعه الثورات الكبرى في التاريخ من تحولات داخلية جذرية رغم ما يظهر على السطح الان من تبيسط وتهوين ومحاولات للانتقاص من اهمية وابعاد ما جرى وما يتبعه من تغيرات ارتدادية حتمية على الداخل المصري .

سيتغير شكل ومضمون الطبقات التي تدير حركة الحياة اليومية المصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فالصوت الذي دوى كقوة عظمى لا تقهر على مساحة الارض المصرية كلها، ليس صحيحا انه ارتفع عاليا من اجل ان يغير نظام حكم بنظام وشخوص بشخوص فقط ، بل من اجل ان يفتح صفحة جديدة ومغايرة في حياة مصر وتاريخها، ويبني اهرامات مصرية اخرى ، بارادة الشعب المصري وليس بالسخرة والعبودية .

ستكون هناك مصر اخرى بعد الان ، والشعب الذي قيل عنه انه شعب مستكين ومن ذلك النوع الذي اعتاد منذ عهد الفراعنة ان ينظر الى من يحكمه في أي زمن على انهم فراعنة وان تغيرت الاسماء والظروف ، فانه اليوم يطيح بالفرعنة ويبعث برسائل واضحة لاتقبل اللبس الى كل من يهمهم الامر ، ان مصر تدخل الان بوابة تفتح مساحة واسعة لحياة اخرى ، ربما تنبأ بها فراعنة مصر من قبل ، حين امروا بتحنيطهم والحفاظ على اجسادهم استعدادا لها .

وعندما تتغير مصر فان شيئا ما سيتغير في المنطقة ، فمصر لم تكن يوما تفسر او تعرف ضمن حدودها، بل هي ابعد واكبرمن ان تختصر في حركتها والهامها في اطار دولة واحدة ، فقد كانت دائما البوابة الى افريقيا نحو الغرب والجنوب ، والبوابة الى اسيا وعلى الاخص الى ما يسمى بالشرق الاوسط . وكانت ولاتزال شريكا اساسيا وفاعلا في كل التغيرات الاستراتيجية الى الشرق منها . ولهذا خطط الغربيون ان يقطعوا اتصالها بالشرق العربي حين اقاموا اسرائيل حاجزا بين اسيا العربية وافريقيا العربية وعلى راسها مصر .

ورغم ما نسمعه الان من كلمات تقولها العواصم الغربية والتي تردد ما ظلت تقوله عن حقوق الانسان وضرورة عدم استخدام العنف وحق شعب مصر في ان يقرر مصيره بنفسه، فان حالة الفزع مما يجري في مصر تبدو واضحة ومرعبة ، لان ماجرى حتى الان وفقا لتقديرها ، زلزال يصل في حسابه حدود الكارثة على مقياس ريختر لاستراتيجياتها وثوابتها التي اعتادت الاطمئنان لها ليس في مصر وحدها ، بل في الشرق الاوسط عموما .

واهم واكبر عقدة في هذه الاستراتيجية ، هي اسرائيل التي بنت اسس نظريتها الامنية والسياسية خلال العقود الماضية على كون مصر شريك سلام وربما صديق ، الامر الذي جعلها تتفرغ لجبهات اخرى في صراعها متعدد الوجوه والاهداف في الشرق الاوسط على اتساعه .

الان هناك اشياء كثيرة ستصبح جزءا من الماضي ، حتى لو قال اخرون انه من المبكر الوصول الى هذا الاستنتاج ، او ان القول بذلك مجرد مبالغة لا تستقيم مع ما يجري في مصر . لكن الحقيقة هي انها عندما تتغير مصر فان الشرق الاوسط سيتغير ، ربما ليس بالسرعة ذاتها ، بل بتفاعل المتغيرات المصرية في جسد المنطقة التي ستؤدي في النهاية الى مفترضاتها ، وبالتاكيد فانه لن يكون هناك أي تاثير عكسي لاي دواء سيتم اختراعه لالغاء هذا التفاعل او تحجيمه ، فتاثير مصر وخاصة السياسي والثقافي، ليس له دواء معطل ، وهو ما يجب الاعتراف به ورؤية الشرق الاوسط على اساسه بعد اليوم .

========================

درس قبل فوات الأوان.. أمريكا تتخلى عن حلفائها

الخميس, 03 شباط 2011 07:49

جواد الحمد *

السبيل

دأبت الولايات المتحدة على التخلي عن حلفائها عندما يصلون إلى وضع لا يستطيعون أن يقوموا فيه بالأدوار التي تدعمهم لأجلها، وبغض النظر عن الطرف الذي سيتولى الحكم من بعدهم، فقد كانت تتدبر أمرها بانقلاب عسكري للإطاحة بحليفها وتسليم العسكر الحكم وفق تفاهمات بينهما، أو تتفاهم مع قيادة المعارضة شرط المحافظة على مصالحها، كما حصل في الفلبين عام 1989، أو تنسحب ولا تتحمل مسؤولية مشاهد الفساد والدكتاتورية التي مارسها الحليف لخدمة مصالحها وبنصائحها وتوجيهاتها لتتركه لمصيره الهالك وهكذا دواليك، وقد كتبت مقالاً في 19/11/2007 عندما عادت بنظير بوتو إلى باكستان من منفاها بتشجيع أمريكي، وأكدت عودتها بداية مشهد انتهاء الجنرال برويز مشرف رغم كل ما قدم من خدمات للولايات المتحدة ومشروعها في أفغانستان، وشجع سيادة العلمانية الغربية ومحاربة الجماعات الإسلامية، وبعد أن تم اغتيالها استمر المخطط الأمريكي بالإطاحة به، من خلال ورثتها، لأن دوره في خدمة مشروع الولايات المتحدة في شبه القارة الهندية كان قد انتهى، ولحق مصير من سبقه من حلفاء الولايات المتحدة في تلك المنطقة، وكما فعلت الولايات المتحدة مع الرئيس الإندونيسي الجنرال سوهارتو بعد حكم دام 33 عاماً، وطالبته بالاستقالة في 20/5/1998، والذي قام بدوره بتسليم الحكم لنائبه بعد ساعات وفي نفس اليوم.

المشهد العربي الحديث لا يختلف عن المشاهد التي سادت في آسيا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا من قبل؛ فقد تخلت أمريكا عن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي فور تقديرها أنه أصبح عاجزا عن القيام بالمهام التي من أجلها تدعمه، وبعد أقل من عشر دقائق من إقلاع طائرة بن علي لتغادر تونس إلى الأبد، توجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتحية الشعب التونسي وتهنئته بانتصاره لحقوقه، وفي مصر اليوم تتخلى الولايات المتحدة عن الرئيس حسني مبارك الذي طالما انسجم مع سياساتها ومصالحها في المنطقة، وعلى الأخص فيما يتعلق بحفظ عملية السلام والعمل لها، بل خلق أزمات لمصر مع الجيران الفلسطينيين وغيرهم من عملية أجل السلام هذه، ولم يشفع له لذلك عندما بدا للولايات المتحدة أنه لم يعد قادرا على القيام بالمهمة، حيث طالبه الرئيس الأمريكي بالعمل على تسليم السلطة سلميا، وتعيين نائب له لضمان توليه صلاحيات الرئيس إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية.

لذلكم، فإن التحالف مع الولايات المتحدة لا يشكل درعا كافيا لحماية الحكام والنخب الحاكمة العربية من شعوبهم، وهم اليوم أمام خيار صعب، فإما الاستجابة لإرادة هذه الشعوب بالتغيير والإصلاح المقبول والحقيقي، والقضاء على الفساد ورموزه، ووقف هدر المال العام واستغلال الثروات لصالح طبقات محدودة معزولة عن المجتمع، أو أن يلاقوا مصير بن علي ومشرف وذو الفقار علي بوتو ومانويل نورييغا وفرديناند ماركوس وسوهارتو وغيرهم.

ويذكرني ذلك كله بما قاله لي يوما البروفيسور عبدالوهاب المسيري رحمه الله: "إن العلمانية الغربية تعتقد بأن الإنسان أداة استعمال، وعندما تنتهي فاعليتها تلقى جانبا"، وهكذا تتعامل الولايات المتحدة مع حلفائها أو عملائها أو المراهنين عليها أو المحتمين بها.

الدرس الكبير والأساس من الحراك الشعبي العربي في تونس ومصر وغيرها هو أن إرادة الشعب أقوى من إرادة أمريكا، وأن الولايات المتحدة لا تبالي مع من تتحالف -حتى لو كان عدوها بالأمس- لحفظ مصالحها، كما أنها في نفس الوقت لا تقدم أي تضحية لحماية دكتاتور أو زعيم أو حكومة أو طبقة حاكمة من إرادة الشعب إذا لم يعد هذا الحليف قادراً على خدمة مصالحها أو أنه أصبح عبئا عليها، وأن الفزاعات من "الأصولية الإسلامية" و"أعمال العنف والإرهاب" ضد إسرائيل و"معسكر أعداء السلام" التي يلجأ بعض الحكام العرب إلى استخدامها لتبرير وجودهم بدعم الولايات المتحدة لم تعد تجدي نفعا حتى لدى الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين.

ويبدو أن ثمة قرارا في البيت الأبيض اليوم بأنه لا مانع من التغيير في الشرق الأوسط شريطة المحافظة على مصالح الولايات المتحدة، وهي تعمل في نفس الوقت على محاولة دفع حلفاء آخرين لها، ممن لم يكونوا في السلطة من قبل، ليقدموا أنفسهم كدعاة للديمقراطية وحماة لحقوق الإنسان، وهم الذين يتلقون الدعم الأمريكي لمؤسساتهم المختلفة حتى لو سميت بمؤسسات مجتمع مدني طيلة سنوات سبقت، وذلك بهدف العمل على احتواء الحراك الشعبي ومنعه من الإضرار بالمصالح الأمريكية، حيث يمكن إعادة تقديم النظم وبنائه بوجوه جديدة، وربما تكون محاولات تغيير الوجوه في مصر جزءا من هذه المحاولة التي ترقب الولايات المتحدة إمكانية نجاحها، وهي تنأى بنفسها عن النظام ورئيسه باتخاذها علنا موقف الحياد ولو شكلياً.

لكل ما سلف، فإن الفرصة ما زالت مواتية أمام الحكام والنخب العربية الحاكمة كي تعيد النظر بتحالفاتها الخارجية والداخلية، والتفكير الجدي بالتقوي بإرادة الشعب وشرعيته، وأن تشارك القوى السياسية والاجتماعية في القرار وتحمل المسئولية- وفق قوانين انتخاب ديمقراطية وشفافة وقوانين تحمي الحريات العامة وحقوق الإنسان وقيم المجتمع ومصالحه- بدل انتظار مصير كمصير من سبق من حلفاء أمريكا من حكام العالم الثالث، حيث لن تستطيع الولايات المتحدة عندها منعه، هذا إن أرادت ذلك أصلاً، فهل يتعظ حكامنا في الوطن العربي قبل فوات الأوان؟

* مدير مركز دراسات الشرق الأوسط رئيس تحرير مجلة دراسات شرق أوسطية الأردنية

========================

سبع ملاحظات أولية على ثورات الحرية

الخميس, 03 شباط 2011 08:03

عبدالرحمن فرحانة

السبيل

الحراك الاجتماعي والسياسي الجاري في معظم البلاد العربية ليس ظاهرة عادية بكل المقاييس والاعتبارات، بل هو تفاعل جار في مرجل التغيير وبوتائر عالية؛ لا شك أنه سيحمل تأثيراً عميقاً على البيئة الاجتماعية والسياسية الداخلية القائمة وبشكل بنيوي وجذري أكثر من ذلك إذا ما استمر خطه البياني في التصاعد، وهو مرشح لذلك، فإن محصلة مفاعيله ستترك آثاراً بالغة على الفضاء الجيوسياسي وحتى الجيوستراتيجي في المنطقة.

لهذا كله، فإن هذا الحراك الذي فاجأ الجميع بما فيها قوى الاستبداد والتغيير داخل المنطقة والاستعمار خارجها على حد سواء، قد فجر مخزون الخوف لدى مراكز التقدير الاستراتيجي في الدولة العبرية، إذ على الفور أصدر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أفيف كوخافي" توجيهات سريعة لفرق البحث في جهازه لدراسة الظاهرة الجارية وتقديم تقديرات استراتيجية حول تداعياتها وتأثيراتها على البيئة الاستراتيجية ل"إسرائيل"، وانعكاساتها على الأمن القومي لها.

وفي سياق الدراسة لهذه الظاهرة، يطرح هذا المقال بعض الملاحظات الأولية السريعة بشأن تداعياتها وتأثيراتها وانعكاساتها، وهي بلا شك تحتاج لدراسة أكثر عمقاً وتحليلا:

- الملاحظة الأولى: مخرجات الظاهرة منذ البدء أسقطت نظرية المعالجة الأمنية في التعاطي مع المعارضة الاجتماعية والسياسية، فأمام ثقل الجماهير انكسرت هراوة الأمن وعجزت عن الحسم، وهذا سينتج تصوراً جديداً ورؤية داخلية جديدة للشعب عن ذاته وحجم تأثيره، وبالتالي على الحكومات العربية أن تعيد النظر في رؤيتها لدورها ولشعوبها، وعليها أن تنحي الهراوة الأمنية جانبا، وأن تغادر ذهنية القطيع التي تتعامل بها مع شعوبها، لأن التحول الشعبي الجديد يحتاج خطاباً آخر، ونمطاً جديداً من التعاطي.

- الملاحظة الثانية: الثورة أسقطت حالة تحالف الأمن مع رموز الثروة –رجال الأعمال-، وأثبتت أن هذه المعادلة غير قادرة على بناء نظام سياسي يمكن أن يكون مقبولاً لدى الشعوب العربية، فالأمن غير قادر على حماية المظالم إلى ما لا نهاية، والجماهير يمكن أن تصمت على اختلال ميزان العدالة مؤقتا بسبب ثقل هراوة الأمن، لكنها لن تقبل به بشكل دائم، فمرجل الغضب له طاقة على الاحتمال، وها هو انفجر في تونس والقاهرة والتفاعل ما زال جاريا. والخلاصة هنا أن لا صحة لمقولة موات الشعب وثبات الاستبداد.

- الملاحظة الثالثة: الثورة الجارية زلزلت المعادلة السائدة منذ عقود بين الغرب والأنظمة التي تقوم على تأمين مصالح الغرب مقابل حماية استقرار الأنظمة، ففي الحالة الجديدة ظهر طرف ثالث هو شعوب المنطقة، وهي قادرة على الثورة والتغيير برغم تباطؤ وتكاسل النخب من حولها، وعلى الأنظمة والغرب أن تجد مكاناً وازناً للجماهير في المعادلة الجديدة التي تتشكل في الظرف الراهن.

- الملاحظة الرابعة: على النخب أن تتحرك، وأن تنفض عن نفسها قشرة التكلس، وأن تتحرر من خوفها من هراوة الأمن كما تحررت الشعوب، وعليها كذلك أن تتقدم لقيادة الجماهير وترشّد لها مسار التغيير، علماً أن مضغة التغيير وبؤرته راهناً هي الحرية، وحق الشعوب في التعبير عن نفسها وتقرير مصيرها.

- الملاحظة الخامسة: الشباب هم من حمل مشعل التغيير في الحالة القائمة، وهم من اختار الثورة على الهجرة، والاستفاقة على الغيبوبة السياسية، وبالتالي على النخب أن يعيدوا النظر في آليات وخطاب التواصل معهم، كي يتمكنوا من قيادتهم إلى الغايات المرجوة، فهذه الكتلة الحرجة من التغيير –الشباب- تحتاج إلى ترشيد بعد أن تجاوزت مرحلة التعبئة، بمعنى أن يتم التفاعل بين حرارة الشباب وخبرة النخب في معادلة تغيير هادئة ومدروسة لها رؤية متوافق عليها بين الجميع وبسقوف محتملة لا تفجر الحالة، ولا تميتها في ذات الوقت.

- الملاحظة السادسة: يتعين التنبه إلى أن الغرب -وواشنطن بالذات- قد يلجأ إلى تغيير وهمي في المشهد؛ من خلال تغيير في الديكور فقط، بمعنى أن تعمل على إعادة إنتاج الأنظمة، والقراءة السريعة للمشهدين التونسي والمصري قد تفضي إلى استنتاج يشير إلى أن واشنطن تحاول استثمار اللحظة الراهنة لتصعيد القوى الليبرالية التي لا تمانع من عقد صفقة مع أمريكا مقابل أن تتولى السلطة الجديدة أو تكون لها حصة كبيرة فيها، ولعل المراقب يلمس ترداد النغمة القائلة بأن الثورات الحالية لا تحمل أي أيديولوجية.

وهنا يتعين التأكيد على أن الشعوب لم تنفجر من أجل الخبز –وإن كان الاقتصاد كان عاملاً محركا-، لكنها تحركت من أجل الحرية والكرامة، ومن أجل صياغة مستقبلها والحفاظ على هويتها، ومقاومة كل محاولات التدجين والاستكانة.

- الملاحظة السابعة: لنجاح الظاهرة القائمة ينبغي التوافق بين الشباب وقوى التغيير على طيف متناسق من آليات التحرك، والتوصل إلى رؤية توافقية للحل البديل، وبدون ذلك قد تتوه البوصلة، وتتبدد الجهود، وفي النهاية قد تحترق الظاهرة.

كلمة أخيرة، التغيير ليس قفزة عالية بلا أفق، ولا يتأتى وفق وصفة جاهزة، وهو كذلك لن ينضج بحراك عشوائي، فضلاً عن أنه مزيح متوازن من الحالة القديمة والحالة المرتجاة، على أن مهدافه الأول والضابط لمساره هو توافر الرؤية الواضحة، والتوافق عليها بين قوى التغيير المختلفة.

========================

التحولات الديمقراطية وملامح الشرق الأوسط الجديدة

د. لؤي صافي

2011-02-02

القدس العربي

"ما نشهده هنا، بمعنى من المعاني، هو النمو—المخاض الذي يرافق ولادة شرق أوسط جديد، ولذلك يجب علينا أن نكون على ثقة بأن كل ما نفعله يصب في اتجاه تحقيق الشرق الأوسط الجديد لا العودة إلى القديم."

هذه الكلمات رددتها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايز في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في واشنطن في الحادي والعشرين من تموز/يوليو 2006 في سياق توضيح سبب معارضة الإدارة الأمريكية وقف القتال بين إسرائيل وقوات حزب الله اللبناني أثناء مداولات مجلس الأمن.

يشهد العالم اليوم ولادة شرق أوسط جديد ولكنه على نقيض أمنيات السياسات الخارجية الأمريكية الثابتة منذ عقود تجاه هذه المنطقة الحساسة. التغيرات الكبيرة في المنطقة بدأت من لبنان قبل خمس سنوات بقيام ثورة الأزر التي أسقطت الحكومة وأجبرت الجيش السوري على الانسحاب. وبدأ الشرق الأوسط يأخذ شكله الجديد عندما أخفق الجيش الإسرائيلي في حرب استمرت لاربع وثلاثين يوما وعجزه عن تحقيق نصر عسكري في أطول حرب خاضتها الدولة العبرية منذ تأسيسها ضد قوة عربية.

وتأتي ثورة الياسمين التونسية وانتفاضة الجماهير المصرية لتكمل الصورة الجديدة وتؤكد أن ثمة تحولات كبيرة في المنطقة العربية وأن ملامح شرق أوسط جديد آخذة بالتشكل. ويبدو اليوم بوضوح أن ثمة تغيرات هامة في طبيعة الرؤى والقوى السياسية في العالم العربي. هل تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات حقيقة نحو واقع جديد؟ وما طبيعة الرؤى السياسية المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط ؟ وما طبيعة القوى السياسية الفاعلة فيها اليوم؟ هذه بعض الأسئلة التي نسعى إلى إستشفافها في هذه العجالة.

المشهد الجديد

التحولات الكبيرة التي تجري اليوم على الساحة العربية بدءا من تونس ومرورا بمصر يرتبط في المقام الأول بعجز دولة الاستغلال العربية التي ظهرت في مرحلة ما بعد الاستعمار عن تحقيق الحياة الكريمة لأبنائها، وتحولها إلى أداة لتحقيق مصالح الفئات الحاكمة. لكنها تعود كذلك إلى جهود الغربية برعاية أمريكية تسعى إلى تشكيل شرق أوسط جديد على قياس الدولة الصهيونية. فالغزو الأمريكي للعراق كان يهدف بالدرجة الأولى إلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة العربية والقضاء على بؤر الممانعة لتحقيق تطبيع كامل مع إسرائيل، وإزالة كل الحواجز التي تحد من نفوذها السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط. التحليل الذي قدمته مجموعة العمل التي ترأسها ريتشار بيريل لوزير الخارجية الأمريكي دونالد رامسفل في مطلع عام 2002، والذي تم تسريب مقتطفات منه إلى الصحافة، ركز على أن تغيير النظام العراقي واستبداله بنظام مؤيد للسياسية الأمريكية سيزيد من نفوذ الولايات المتحدة في منطقة المشرق العربي برمتها و"ستظهر آثاره في عواصم عربية بدءا بالقاهرة." وبإيحاء من قيادات المعارضة العراقية المتعاونة مع الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتها أحمد شلبي، شدد دعاة الغزو الأمريكي على أن السيطرة على العراق وتحويلة إلى نموذج لشرق أوسط جديد ستكون مهمة سهلة.

بيد أن الأحداث أظهرت أن المغامرة الأمريكية في العراق أدخلت الولايات المتحدة في متاهات طويلة، وارغمتها على حشد قوات كبيرة وانفاق أموال طائلة فاقت كل التوقعات. بل إن الاحتلال الأمريكي للعراق أدى إلى بروز واقع جديد يكاد يناقض الواقع التي سعت الإدارة الأمريكية لتحقيقه في الشرق الأوسط. فقد أدت الجهود الأمريكية إلى بروز القوى الإسلامية الشيعية المناوئة لحزب البعث ذي التوجهات العروبية والمتعاطفة مع إيران. كما زادت الحرب العراقية من نفوذ إيران في المنطقة العربية بعد أن أنهكت الولايات الأمريكية عسكريا وماليا، وجعلت إمكانية دخولها في مواجهة عسكرية مع إيران أمرا مستبعدا. كما أدى عجز الولايات المتحدة عن القضاء على حزب الله إلى تفاقم أزمتها السياسية والعسكرية، وإلى إرباك حلفائها الشرق أوسطيين.

من الواضح اليوم بعد مرور ثمان سنوات على الغزو الأمريكي للعراق، و وأربعا على حرب تموز أن الجهود الأمريكية لإعادة ترتيب المنطقة وفق المصالح الأمريكية والإسرائيلية تخضع لمبدأ "التداعيات غير المحسوبة" وهو مبدأ يستخدمه المؤرخون عادة للإشارة إلى تحقيق نتائج معاكسة للنتائج التي خططت لها القوة السياسية الفاعلة. ولعل إحدى أهم التداعيات غير المحسوبة لجهود إدارة بوش والمحافظين الجدد لإخضاع منطقة الشرق الأوسط للهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية تراجع القدرة الغربية لأول مرة منذ قرنين عن التأثير في التحولات الداخلية والتوجهات المستقبلية لدول المنطقة. بيد أن الصورة لا زالت متداخلة والحركة باتجاه المستقبل متأرجحة. فالتطورات التي تشهدها تركيا على المستوى السياسي والاقتصادي، وإيران على المستوى التقني والعسكري، والخليج على مستوى المجتمع المدني، تتساوق مع تفاقم الفساد الإدارة وتراجع المؤسسات العامة وتزايد دور المؤسسات الأمنية في معظم الدول العربية مع استمرار غياب المؤسسات الأهلية عن التأثير. لذلك سأكتفي بتحديد بعض جوانب التحولات التي تشهدها المنطقة العربية اليوم ورسم معالم التحولات المتوقعة في السنوات القادمة.

الدولة القطرية بين الدعوات الدينية والقومية

هيمن الفكر القومي والمخيال العروبي على حركة المجتمعات العربية طوال القرن الماضي. وشدد دعاة القومية على أن الوحدة العربية هي البديل المعاصرللوحدة الإسلامية التي ربطت شعوب المنطقة منذ بروز الخلافة وحتى إنهيارها الكامل في مطلع القرن الماضي. وشكل الفكر القومي العروبي قاعدة الشرعية السياسية الجديدة حيث تبنت النخب السياسية والاجتماعية العربية مفهوم الوحدة القومية بديلا عن الرابطة الإسلامية التي مكنت الدول المتتالية عبر تاريخ المسلمين من بسط نفوذها على المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة بغض النظر عن الأصول القومية لتلك المجتمعات. فهيمنت الدولة العثمانية على مناطق تقطنها قوميات عربية وكردية وتركية، في حين سيطرت الدولة الصفوية على مناطق تقطنها قوميات متعددة.

برزت الحركة القومية العروبية نتيجة لعوامل داخلية وخارجية. لعل أهم العوامل الخارجية تأثر النخب الثقافية بالفكر القومي الأوروبي والتجربة القومية الأوروبية. فقد استطاعت الحركات القومية في إيطاليا وألمانيا توحيد الشعبين الإيطالي والألماني وتمكنتا من إقامة دولتين حديثتين. النجاح الباهر للحركات القومية الأوربية داعب مخيال النخب المثقفة العربية الراغبة في تأكيد هويتها في مواجهة الدولة العثمانية التي ازداد ارتباطها بالهوية القومية التركية في مراحلها الأخيرة. العامل الداخلي الأهم لبروز التيار العروبي تحدد ببروز الحركة الطورانية التي سعت جاهدة إلى تتريك الدولة العثمانية بدءا من منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. وبالتالي قدمت الحركة القومية العربية نفسها على أنها حركة تحرر قومي تناضل من أجل حماية الهوية العربية في مواجهة المد الطوراني التركي.

استطاعت الحركة القومية العروبية من تعبئة الشعوب العربية لتحقيق استقلالها السياسي عن الدولة العثمانية أولا، ثم نجحت في تجنيدها لمقارعة الاستعمار الأوروبي لاحقا. بيد أن الحركة القومية فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الوحدة السياسية للأقطار العربية المتعددة. أسباب العجز كثيرة، منها عدم التجانس السياسي والاقتصادي والبنيوي للمجتمعات العربية. ومنها ارتباط مشاريع الوحدة بالقرار الشخصي لرؤساء وملوك الأقطار العربية، والمخاوف من أن تؤدي الوحدة إلى إستئثار أحدهم بالسلطة على حساب الآخرين. ومنها ارتباط الدول العربية بأحلاف سياسية ومعاهدات ثقافية واقتصادية مع دول كبرى متنافسة، بالتالي تحول الصراعات الدولية بين الدول الكبرى إلى صراعات إقليمية بين الدول العربية المتحالفة معها. بيد أن السبب الرئيسي يكمن في غياب المؤسسات المدنية الفاعلة في الدول العربية، وبالتالي عجز المجتمعات العربية عن تطوير الشروط الموضوعية لقيام وحدة حقيقية. وعلى الرغم من تطلعات الشعوب وآمال النخب المثقفة في الوحدة، بقيت الآمال منحصرا في الخطاب السياسي التعبوي الحالم، وفي لقاءات القمم العربية التي هي أقرب إلى اللقاءات الاجتماعية والمناظرة الكلامية منها إلى العمل السياسي المؤسسي.

أدى عجز الحركة القومية عن تحقيق الدولة الموحدة المتطورة سياسيا واقتصاديا، ووقوعها في سلسلة من الهزائم والاخفاقات، وتحول خطابها السياسي والاجتماعي إلى خطاب حالم بعيد عن واقع الأمة إلى تراجع التأييد الشعبي لها، وإلى بروز الحركات الإسلامية التي حملت شعار "الإسلام هو الحل." استطاعت الحركات الإسلامية من اكتساب تأييد شعبي واسع خاصة بين الشباب المتعطش إلى استعاد الأمجاد التليدة المرتبطة تاريخيا بالمد الإسلامي الحضاري، وبروح الجهاد والتضحية الفردية في سبيل تحقيق أهداف إنسانية وحضارية. روح الجهاد والتضحية، والالتزام الأخلاقي لأبناء الحركة، جعلتها محط أمل الأجيال الشابة وحولتها إلى بديل سياسي للحركة القومية. بيد أن الحركات الإسلامية العربية تعاني، رغم امتلاكها صدقية اخلاقية، من غباشة في الرؤية السياسية وجمود في الحراك السياسي. فالأطروحات السياسية لتلك الحركات تدور حول مفهوم الدولة الدينية التي يتماها فيها القرار السياسي والالتزام الديني، وتتحكم فيها القيادة الدينية بالسلطة السياسية. وعلى الرغم من تبني بعض الحركات الإسلامية لخطاب ديمقراطي سياسي تعددي، فإن خطابها الديمقراطي لا يتناغم مع أدبياتها الفكرية التي تعود بصورة أساسية إلى كتابات حسن البنا وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب (حركات الأخوان المسلمين في مصر وسوريا والعراق والأردن) وتقي الدين النبهاني (حزب التحرير) التي ظهرت في النصف الأول من القرن الماضي.

أظهرت سلسلة التجارب التي خاضتها الحركات الإسلامية في العالم العربي عجز تلك الحركات عن التحول من مجموعات دينية ملتزمة برؤية دينية محددة للعالم إلى تيار سياسي قادر على استيعاب التعدد الديني والسياسي لأفراد المجتمع، وعلى تقديم تصور لدولة حديثة يتساوى فيها الجميع وتحترم الخصوصيات الدينية والعقدية لأبنائها. فنجد مثلا أن حركة الإخوان المسلمين لا زالت تردد الرؤى التنظيمية التي قدمها حسن البنا في النصف الأول من القرن الماضي. ولم تتمكن الحركة حتى الآن من تطوير بناء سياسي يسمح لها بتجاوز النزعة المركزية التي تكرس استئثار النخبة المؤسسة بالقرار. في حين يستمر حزب التحرير بتبني أطروحات مؤسسه دون تغيير يذكر في منطلقات الحزب وطرائق عمله. وفي الجزائر تستمر الحركة في التشرزم بعد أن عجزت عن تطوير استراتجية للعمل السياسي للتصدي لهيمنة المؤسسة العسكرية على مقدرات الدولة، وتركت المبادرة للجماعات المسلحة التي جعلت العنف والقتل والتدمير الوسيلة الوحيدة لمواجهة الاستبداد.

النماذج الناجعة التي قدمتها الحركات الإسلامية تمثلت في مقاومة التوسع الصهيوني وتقديم نماذج مشرفة في التضحية والصبر والثبات في مواجهة العربدة الصهيونية، وتوظيف قدراتها البشرية والمالية في خدمة المشروع الوطني. ففي فلسطين استطاعت حماس من اكتساب التأييد الشعبي والوصول إلى موقع القرار الوطني الفلسطيني نتيجة رفضها أن تكون إداة للتوسع الصهيوني في غزة والضفة، لكنها لم تظهر رغبة مماثلة في التضحية والصبر دفاعا عن مبدأ التعددية السياسية عندما قررت تصفية خصومها السياسيين بالاحتكام إلى السلاح. كذلك أدى تماهي المقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله والطائفة الشيعية إلى عجزها عن التحول إلى تيار سياسي يستوعب التعددية الدينية والطائفة، رغم الانتصارات المشرفة التي حققتها في مقارعة العدوان الإسرائيلي.

الظهور الشيعي والدولة الدينية

حالة الاحباط والركود السياسي والاجتماعي والثقافي التي تحيق بالمنطقة العربية ترتبط مباشرة بغيات الرؤية المستقبلية التي تعيد للعربي ثقته بقدراته وتحثه على السعي إلى تحقيق مستقبل واعد. حالة الإحباط والركود مرتبطة بفشل التيار القومي وعجز التيار الإسلامي عن تقديم بديل واضح من جهة، واستئثار النخب العسكرية والتجارية بمقدرات الدولة القطرية وتحويلها إلى بقرة حلوب تسقي النخب الحاكمة بسخاء في حين تحرم الشعوب من فرص التطوير والتقدم وتحقيق الذات. و يكاد الحراك السياسي الحالم بمستقبل مشرق في العالم العربي ينحصر في الحركات السياسية الشيعية في العراق ولبنان ودول الخليج.

ظهر التيار الشيعي إلى العيان في العقدين الأخيرين بعد عقود طويلة من الفقر والحرمان عانتها الإقليات الشيعية في المنطقة العربية نتيجة الفساد الإداري والتحامل الديني. الأحزاب الشيعية في العراق تمكنت خلال السنوات الستة الأخيرة منذ الغزو الأمريكي من الإمساك بمقاليد الأمور والتحكم بالمؤسسات الأمنية. كذلك تمكنت الطائفة الشيعية في لبنان من بناء مؤسسات ثقافية واقتصادية وسياسية حديثة، وتحولت منذ انتصارها على الجيش الذي اعتقد الحكام العرب أنه لا يقهر في عام 2000 ثم في عام 2006 إلى نموذجا يحتذى وجعلها محط آمال شباب أنهكته الهزائم العربية المتتالية أمام المد الصهيوني.

الظهور الشيعي في البلاد العربية مرتبط بطبيعة الحال بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي استطاعت خلال العقود الثلاث منذ قيامها في مطلع الثمانينيات من تحقيق نهضة علمية واجتماعية، حولتها إلى قوة عسكرية ضاربة وإلى دولة إقليمية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط. وشهدت السنوات الستة الماضية صعودا كبيرا في النفوذ الإيراني بعد انتصار حلفائها في العراق ولبنان، وعجز الولايات المتحدة وإسرائيل عن تدمير التحالف الإيراني السوري اللبناني المناوئ لطموحاتهما في المنطقة.

لا شك أن نجاح الحركة الشيعية في التصدي للطموحات الغربية الخارجية والانتصار للطموحات الوطنية المحلية يرتبط مباشرة بالبنية الدينية للطائفة الشيعية المتمثل بالحوزة (المدرسة الشرعية). فقد تمكنت الحوزة الشيعية من تحقيق ما عجزت عنه المراكز العلمية السنية وذلك بحفاظها على استقلالها المالي و انفتاحها العلمي على الدراسات الفلسفية والاجتماعية. فبقيت موضوعات الفلسفة والاقتصاد والسياسة وعلم النفس وعلم الاجتماع تدرس في الحوزة الشيعية إلى يومنا هذا في حين ازداد تركيز المعاهد والكليات الشرعية السنية على الدراسات الفقهية والشرعية التاريخية بعيدا عن الوصول إلى فقه عميق للمجتمع المعاصر ومؤسساته وحراكه. وهذا ما أعطى القيادة الدينية الشيعية قدرة متميزة على فهم المجتمع المعاصر والتعامل معه بمعرفة ودراية بعيدا عن الخطاب العاطفي الذي يغلب على علماء السنة، والذي غالبا ما يعتمد ثنائية الرفض أوالقبول. الاستقلال المالي الذي فقده علماء السنة بعد إقامة وزارات الأوقاف في الدول العربية للهيمنة على المؤسسة الدينية مكن علماء الشيعة من الاعتماد على الذات والاستقلال في القرار، وأبقاهم على صلة بقواعدهم الاجتماعية مصدر ثروتهم المالية.

بيد أن محدوية تأثير التيار الشيعي خارج طائفته مرتبطة مباشرة بالطبيعة الدينية للعمل السياسي الشيعي. فقد حوّل التيار الشيعي الجمهورية الإسلامية في إيران إلى دولة شيعية يستشعر فيها السني أنه مواطن من الدرجة الثانية. كذلك تحول اليوم الخصوصية الشيعية لحركة المقاومة اللبنانية دون تحولها إلى حركة شعبية توحد اللبنانيين عموما حول خطاب سياسي واستراتيجية تنموية وطنية.

التحول الديمقراطي وتحديات الواقع العربي

النموذج الذي حرك المخيال الديني والسياسي للطائفة الشيعة في البلاد العربية لم يأتي من فضائها العروبي بل جاء من فضاء انتمائها الحضاري الإسلامي عبر النموذج الإيراني. وعلى الرغم من تاثر بعض الشباب السني بالنموذج الشيعي الإيراني فإني أعتقد أن النموذج يتضارب بقوة مع الوعي الديني والتاريخي للإغلبية السنية، وبالتالي فإني لا أرى إمكانية تحوله إلى محفز أخلاقي أو حراكي للشعوب العربية. القدرة التحفيزية للنموذج الشيعي عند الأغلبية المسلمة تنحصر في البعد التنافسي، أي في بروز نموذج منافس يمكن أن يدفع الدوائر السنية إلى الحراك. ومن المؤسف أن الاستجابات السنية للمنافسة الشيعية تكاد تنحصر في الجانب السلبي، أي جانب التنديد والتخويف والرفض، كما حصل مؤخرا في الموقف الذي وقفه يوسف القرضاوي مما أسماه بالغزو الشيعي للمناطق السنية وتابعته فيه مؤخرا جبهة علماء الأزهر.

لا أود هنا الخوض في مسألة انتشار المذهب الشيعي بين السنة بتفاصيلها، بل أكتفي بالإشارة إلى طبيعة رد علماء السنة الذي يؤكد ما ذكرته عن غيات الرؤية السياسية والحضارية العميقة لدى كثير من قيادات الحركة الإسلامية العربية ورموزها. لقد سبقت تصريحات القرضاوي حملة قادتها حركة الإخوان السورية في المنفى تحدثت فيها عن حركة تشييع في سوريا دون تقديم أي أرقام أو حقائق لدعم تأكيداتها، مكتفية بالاشارة إلى الجهود الإيرانية لتأهيل المقامات الشيعية في سوريا كمسجدي السيدة زينب والسيدة رقية. ولنفترض على سبيل النقاش أن الانتشار قائم فعلا، فإن الرد المبدع والخلاق يتطلب من علماء السنة دراسة أسباب هذا الأنتشار وإدخال إصلاحات في مناهج التعليم وفي طرائق العمل تعيد للمؤسسة الدينية السنية حيويتها التي افتقدتها منذ قرون.

النموذج الإصلاحي البديل للنموذج الشيعي الإيراني يأتي مرة أخرى من خارج المنطقة العربية، وبالتحديد من تركيا. النموذج التركي يمثله حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الأصول الإسلامية. يسعى حزب العدالة إلى إعادة الجمهورية التركية إلى سياقها الثقافي والحضاري التاريخي، وتمثل أطروحاته الحالية مرحلة متطورة من ارتقاء الحركة الإسلامية في تركيا. يرفض الحزب ربط الدولة ذات المرجعية الإسلامية بالدولة الدينية، ويدعو إلى تبني المبدأ الديمقراطي والتعددية السياسية. سعى الحزب منذ تسلمه السلطة إلى محاربة الفساد الإداري وتخفيف حدة الإضطهاد الديني ضد الملتزمين دينيا من أبناء الأغلبية المسلمة، كما عمل على زيادة دائرة الحريات السياسية للاقليات القومية وفي مقدمتها الأقليلة الكردية.

يشكل حزب العدالة والتنمية التركي مرحلة متقدمة من مراحل تطور العمل السياسي ضمن التيار الإسلامي، والذي التزم بمبدأ سلمية العمل السياسي منذ البداية، وبقي محافظا على هذا المبدأ رغم استبداد التيار القومي التركي والمؤسسة العسكرية المتحالفة معه بالقرار السياسي، واللجوء إلى الانقلاب مرارت عديدة للحيلولة دون تسلمه لزمام السلطة. ولقد دفع نهج الحزب المتوازن والمعتدل الأغلبية التركية—-سواء منها المتفاعل من الرؤية الإسلامية أو الرافض لها—إلى تقديم الدعم له نظرا لنجاحه في تطوير الاقتصاد واحترام الحريات. نجاح حزب العدالة مرتبط بطبيعة الحال بوجود مجتمع مدني متطور في تركيا، وهو ماتفتقده معظم الدول العربية اليوم.

الإرهاصات الأولى للمشهد العربي الجديد

تسعى الشعوب العربية إلى التخلص من جمود سياسي نتيجة هيمنة الدولة الأمنية على المجتمع المدني منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي. رياح التغيير السياسي والاقتصادي التي عصفت خلال العقود الأربعة الماضية بالنظام الإيراني والاتحاد السوفياتي وأوربا الشرقية وشرق وجنوب شرق أسيا وجنوب أمريكا وجنوب إفريقيا، ولفحت تركيا في بدايات العقد الماضي، وصلت أخيرا إلى قلب العالم العربي في مصر وتونس بعد عقود من السبات الرسمي والمؤسسي. عجزت الأنظمة العربية خلال العقود الماضية من إدخال إصلاحات سياسية تذكر. فلم تتغير، على سبيل المثال، البنية الطائفية للدولة اللبنانية، كما لم يتغير نظام الحزب الواحد واختيار رئيس الدولة عبر أسلوب البيعة التاريخي في مصر وسوريا وليبيا. ولا يزال وزير الخارجية السعودي في منصبه منذ عقود ثلاثة، في حين رُفّف اقتراح إقامة مجلس شورى منتخب في المملكة. التغير الكبير الذي طرأ على الساحة العربية هو التغير الهائل في البنية الاجتماعية والسياسية في العراق، وهو تغيير جرى نتيجة تدخل عسكري خارجي لا من خلال الحراك الاجتماعي والسياسي الداخلي.

السكون السياسي الذي حكم على البنية السياسية العربية وهيمن على الثقافة الحاكمة في المجتمعات العربية يخفي وراءه تغيرات عميقة في بنية المجتمع العربي وفي الخبرة الجماهرية. فقد أدت سياسات الانفتاح الاقتصادي في مصر وسوريا ولبنان والجزائر والمغرب إلى اتساع الفجوة الاقتصادية بين الأغلبية السكانية التي يستمر انخفاض متوسط دخل أبنائها باطراد منذ عقدين والأقلية الحاكمة التي يستأثر أبناؤها بثروات البلاد ويتزايد فيها عمق الفساد الإداري باستمرار. كما أدت البعثات التعليمية والتحول السكاني نحو المدن إلى تغير البنية الاجتماعية لدول الخليج. حدوث تغيرات كبيرة في العميق الاجتماعي للمجتمع العربي دون حصول تغيرات مناسبة لها على السطح السياسي يجعل حيثيات المنطقة العربية الراهنة مماثلة للحيثيات الطبقية (الجيلوجية) لمناطق الانكسارات الأرضية قبيل حدوث الزلازل.

مؤشرات التغيرات المزلزلة القادمة والمتعلقة بالتغيرات البنوية الداخلية في المجتعات العربية تصبح أكثر وضوحا عند النظر إلى التغيرات الإقليمية والدولية المرافقة. إنهيار سوق الأموال الأمريكي الذي لا زال العالم يعاني من تداعياته الاقتصادية هو في حقيقته إنذارا مبكرا لتحولات اقتصادية عميقة في الاقتصاد العالمي سيكون لها تأثيرات كبيرة على توازنات القوى العالمية، وعلى قدرة الولايات المتحدة وأوربا على استخدام تفوقها الاقتصادي والسياسي للتأثير في المنظومة القطرية العربية. ويأتي هذا التراجع في الوقت الذي يتزايد فيه النفوذ الإيراني الشيعي في المنطقة العربية وبروز المسألة الكردية إلى سطح الأحداث وتزايد قدرة الشعب الكردي على تأكيد هويته القومية المتميزة بعد عقود من القمع والتهميش.

دولة المؤسسات وحكم القانون

التطورات الحالية في العالم العربي والمتمثلة بإصرار النخب الحاكمة—المتكونة من تآلف المؤسستين الأمنية والديوانية (البيروقراطية) من جه وكبار التجار وأصحاب الأموال من جهة أخرى—على الاحتفاظ بامتيازاتها السياسية والاقتصادية على حساب الغالبية المحرومة ترسم صورة قاتمة استعرضنا طرفا منها آنفا. وبطبيعة الحال فإن الصورة السابقة لا تخضع لأي حتمية تاريخية، بل يمكن أن يتجه المجتمع العربي بالاتجاه المعاكس في حركة نحو إصلاح مؤسسات الدولة وتحقيق مشاركة سياسية تضع نهاية لاحتكار السلطة والثروة. المشهد الإصلاحي يتوقف على إدراك النخب الحاكمة العربية أهمية انفتاحها على القوى المعارضة وتبنيها لمبدأ المشاركة السياسية، كما تتعلق بالتزام قوى المعارضة بمبدأ التبادل السلمي للسلطة. كذلك تتوقف قدرة المعارضة السياسية على تحقيق نظام سياسي تشاركي وتعددي على انكبابها لتطوير مؤسسات المجمع المدني بدلا من تركيز جهودها على المؤسسة السياسية. ولعل تراجع قدرات الدولة القطرية العربية وعجزها عن تقديم الخدمات التعليمية والصناعية والصحية يدفع بها إلى تخفيف سيطرتها على المجتمع المدني والسماح لهذا المجتمع بتطوير مؤسساته الأهلية.

وأي كان الأمر فإن منطقة الشرق الأوسط بدأت عمليا بالدخول في مرحلة المخاض التي أشارت إليها الوزيرة الأمريكية، وهي مرحلة مؤلمة قد يطول فيها الألم إذا ما ساد المشهد الزلزلي أو يقصر حال حصول المشهد الإصلاحي، ولكنها مرحلة مؤلمة على كل حال. الوصول إلى المشهد الأصلاحي تتطلب نقلة فكرية بعيدا عن نموذجي الدولة القومية والدولة الدينية بالاتجاه دولة القانون والمؤسسات يتم خلالها تجاوز الخلافات القومية والطائفية والدينية بين أبناء المجتمع، ويخضع فيها الجميع لحكم قانون عادل يكافئ المساهمات البناءة ويضرب بقبضة من حديد على بؤر الاستغلال والفساد. وعلى الرغم من الحالة الضبابية التي تواجهنا عند استعراض المشاهد المستقبلية فإن ثمة حقيقة تزداد وضوحا كل يوم، وهي أن مستقبل الشرق الأوسط يتحرك باتجاه مغاير تماما للاتجاه الذي سعت إليه الولايات المتحدة خلال السنوات السبع الماضية، وأن تحقيق المشهد الإصلاحي مسؤولية مشتركة بين جميع المواطنين على اختلاف مواقعهم ومشاربهم.

استاذ جامعي، ومؤلف لعديد من الدرسات في قضايا السياسة والتنمية، وناشط في الدفاع عن حقوق الجالية العربية والإسلامية في أمريكا.

========================

رسالة مفتوحة الى الرئيس بشار الأسد

سورية الوطن والشعب هي الأبقى

د. عبدالله تركماني'

2011-02-02

القدس العربي

 سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد

منذ ثلاثة عقود أطمح لأن أكون جزءاً من وعي عربي يؤصّل لثقافة سياسية تعتبر التحرر من الأنظمة الشمولية أحد أهم المداخل للاستقلال الوطني والقومي (نشرت 7 كتب وشاركت في نشر 16 كتاباً وأنجزت مئات المقالات والدراسات والمحاضرات)، وطوال هذه السنوات آليت على نفسي أن أحافظ دائما على موقف يحذر من معاناة شعبنا ووطننا من وطأة نظامكم الشمولي، الذي هو معضلة سورية تتمثل في غياب الشرعية الدستورية، وما رافق ذلك من قمع داخلي ومصادرة للحريات الديمقراطية.

وكي لا تبكي على الأطلال بعد أن تقع الواقعة، كما بكى المخلوعان زين العابدين بن علي وحسني مبارك، فإني أنصحك بضرورة احداث تغييرات سريعة، جوهرية وجذرية، في سياساتك وتوجهاتك الداخلية، بما يؤدي إلى انفتاح سياسي حقيقي، بما يتناسب مع التحول المؤسسي العالمي والعربي القائم على مجموعة القيم العالمية في الديمقراطية وحقوق الانسان والشفافية والحكم الصالح.

انّ النصيحة السابقة تقتضي منكم الشروع في مصالحة وطنية طال انتظارها وكثرت المطالبات بها، واصلاح النظام بجدية وعمق، واعادة تحديد المشكلات التي يجب أن تعالجها سورية بجهود أبنائها، في الموالاة والمعارضة، والذين لن يتمكنوا من مواجهة الخطر بغير تحول نظامهم من نظام أمني الى نظام سياسي، يعترف بحقهم في الحرية، وبحق أحزابهم ومنظمات مجتمعهم المدني في الشرعية والعلنية، ويقوم على نمط من الادارة والتنظيم يستند على مشاركة المواطن في الشأن العام، دون قيود تبطل حريته أو تتعارض معها، وبتحويل الدولة من دولة حزب الى دولة حق وقانون تخص كل واحد من مواطنيها.

انّ سورية تواجه فرصة تاريخية تمكّن من إجراء التغيير الديمقراطي المنشود، بالاعتماد على تضافر جهود جميع مواطنيها دون استثناء، فلا يجوز تفويت هذه الفرصة، بل الحرص على الانتقال الديمقراطي الهادئ والممأسس، الذي يفتح الآفاق أمام إعادة صياغة مستقبلها على أسس دستورية جديدة.

وفي هذا السياق، من حقنا أن نتساءل عن ما هو الأفضل والأقل خسارة: بقاء الوضع على حاله في سورية، أم انتظار المخاطر المحتملة، أم تبنّي الحكمة والتعقل في التعاطي مع الوضع ؟

من المؤكد أنّ أية مبادرة حكيمة من سيادتكم سوف تنطوي على أنّ الشعب السوري العظيم أهم من حكامه، وأنّ مهمة الزعيم الحقيقي هي حماية شعبه وتوفير الأمن والاطمئنان له، وليس لشخصه وأولاده وعشيرته.

ولا شك في أنّ سورية القوية داخلياً، بديمقراطيتها واقتصادها واستقرارها السياسي والاجتماعي، وبنخبها الفكرية والسياسية والاقتصادية، والمتصالحة مع حقائق العصر، يمكن أن تقدم أنموذجاً وأن تكون أكثر نفوذاً في مجالها الاقليمي، وأكثر قدرة على التعاطي المجدي مع التحديات التي تواجهها.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

========================

أميركا والتغيير العربي

الخميس, 03 فبراير 2011

الياس حرفوش

الحياة

لم يكن مستغرباً الاهتمام الأميركي الاستثنائي بالتطورات في مصر. مصر حليف أساسي للولايات المتحدة في المنطقة وداعم لسياساتها وقطب في ما صار معروفاً ب «محور الاعتدال» العربي، في وجه الضغوط التي تتعرض لها سياسات هذا المحور ومصالحه في أكثر من مكان، من منطقة الخليج الى اليمن ولبنان، مروراً طبعاً بالعراق. فضلاً عن أن مصر ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، هي الأقدم عمراً والتي تمكنت من التعايش والبقاء في ظل كل الظروف الصعبة التي عرفتها المواجهات العربية الإسرائيلية منذ كامب ديفيد عام 1978 الى اليوم.

 

من هنا حرص إدارة أوباما على الانتقال السلس للسلطة في مصر، في شكل يحول دون إراقة الدماء ويوفر فرصة للمحافظة على التوجه السياسي للنظام على ما هو عليه. لكن الانتقال السلس للسلطة قد لا يعني تماماً حرص الإدارة الديموقراطية الأميركية على توفير غطاء لعملية ديموقراطية في مصر بالمواصفات المعروفة لهذه العبارة، وكما يطالب بعض المحتشدين في ميدان التحرير. ذلك أن عملية من هذا النوع ليست مضمونة النتائج لمصلحة التوجه السياسي للنظام المصري الحالي، في ظل القوة الشعبية لتنظيم «الإخوان المسلمين» وبعض القوى القومية الأخرى، التي تتجاوز شعاراتها مسألة تحسين الظروف الاقتصادية والإصلاح السياسي الى مواجهة راديكالية مع المشروع الأميركي في المنطقة، بما له وما عليه.

 

من الصعب تصور أن الرئيس أوباما لا يتذكر تجربة سلفه ومحازبه جيمي كارتر في التعاطي مع الثورة الإيرانية سنة 1978 ووقوفه آنذاك، صادقاً، الى جانب شعار حقوق الإنسان، ما انتهى الى سقوط شاه إيران الذي كان معادياً لتلك الحقوق، وإرساء أسس النظام الإيراني الحالي الذي كان على رأس «منجزاته» القضاء على احتمال قيام أي مشروع ديموقراطي حقيقي في إيران. من الصعب تصور أن أوباما لا يتذكر تلك التجربة، التي بدأت بوعود ديموقراطية وتحالفات واسعة بين قوى المعارضة على اختلاف اتجاهاتها، وقيادات من نوع شابور بختيار وأبو الحسن بني صدر ومهدي بازركان وصادق قطب زاده وإبراهيم يزدي وسواهم، لتنتهي بالقضاء على كل هؤلاء وسيطرة التيار الأكثر راديكالية وعنفاً على مقدرات إيران وقطع الطريق على العملية السياسية والحياة المدنية.

 

من هنا حرص إدارة أوباما، على ما يبدو من مواقفها وتصريحات المسؤولين فيها، على توجيه النصح للرئيس المصري بعدم إيصال المواجهة مع المعارضين الى نقطة يصبح معها الحفاظ على الاتجاه السياسي للنظام مستحيلاً، ما يؤدي الى ضربة كبرى للمصالح الأميركية في المنطقة كلها. وبالإضافة الى اتصالات الرئيس الأميركي بالرئيس مبارك، كانت الاتصالات التي تم الإعلان عنها بالأمس بين هيئة الأركان الأميركية ورئيس أركان الجيش المصري الفريق سامي عنان، خلال وجوده في الولايات المتحدة أثناء اندلاع الانتفاضة المصرية، والتي تم خلالها الحصول على ضمانات بأن يبقى الجيش «القوة القادرة على ضمان الاستقرار»، على ما جاء في تصريحات نشرت أمس عن لسان الأدميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان، الذي أضاف معلّقاً أن القوات المسلحة المصرية تصرفت حتى الآن «تصرفاً جيداً جداً».

 

في مصر كما في بلدان عربية أخرى، تواجه أميركا معضلة ترتيب قيام ديموقراطيات تتزاوج فيها الشروط الضرورية لذلك مع خصائص تلك البلدان، ومن أهم هذه الخصائص غياب المؤسسات والأحزاب التي تلتزم بالعمل السياسي الطبيعي وبالتداول السلمي للسلطة. وفي غياب مؤسسات مدنية كهذه، تقبل التعددية وترفض أقصاء الآخرين، يصبح صعباً أن لا تنجب العملية الديموقراطية سوى القوى الراديكالية والعنفية التي تعارض المشروع الأميركي وتعمل جاهدة على إسقاطه.

 

كيف توفّق أميركا أذن بين حماية مصالحها وحماية المشروع الديموقراطي، الذي تقول إنها تريد إرساء أسسه في منطقتنا؟ قد تكون تلك معضلة أميركا، لكنها قبل ذلك معضلة لبلداننا التي تنتفض على نظام متسلط لتقع في قبضة المؤسسة الوحيدة التي تمتهن التسلط، أي في قبضة الجيش.

========================

تونس ومصر: هل من تمايزات؟

الخميس, 03 فبراير 2011

فايز سارة *

الحياة

ركب الرئيسان بن علي ومبارك موجة السلطة في تونس ومصر على التوالي لفترة طويلة، حيث وصل الاول اليها في عام 1987 ووصل الثاني قبله بست سنوات في العام 1981، والاثنان لم تكن لهما شرعية في الامساك بالسلطة، والاستمرار بها، ذلك ان مبارك كان نائباً للرئيس السابق انور السادات، وعندما قتل الاخير في حادثة المنصة عام 1981 على ايدي متشددين اسلاميين، تولى مبارك السلطة، وقبض عليها بيد من حديد حتى الوقت الحالي مكرراً عملية انتخابه رئيساً على نحو ما درجت عادة انتخاب الرؤساء في البلدان العربية، وكان يستعد لتجديد انتخابه لدورة جديدة في اواخر العام الحالي وسط احتمالات عن توريث ابنه جمال منصب الرئاسة بعده.

 

ولم يكن مسار زميله زين العابدين بن علي الى سدة السلطة مختلفاً بصورة جوهرية. اذ قاد الرجل من خلال موقعه الامني في الحكومة التونسية انقلاباً على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة الذي كان قد بلغ من العمر عتياً اوصله حد الخرف في عام 1987، ونصب نفسه رئيساً للبلاد، وقد كرر مسرحية الانتخابات الرئاسية مرات محققاً الفوز الحاسم على نحو ما درجت العادة، آملاً في رئاسة ابدية على نحو ما كان الرئيس مبارك قد اختار.

 

وامتدت مسارات التشابه بين الرجلين الى ما قام به كل منهما في محاولته الايحاء بتجديد النظام، عبر مجموعة من شعارات لم تجد لها ارضاً للتطبيق، والقيام بخطوات

 

من انفتاح سياسي - اقتصادي، جرى تفصيله على جسد الحاشية المحيطة بالرئيس وحزب النظام الذي اخذ اسم التجمع الديموقراطي الدستوري في تونس، والحزب الوطني الديموقراطي في مصر، وجرى تهميش المعارضة السياسية واحزابها، وإحكام القبضة على منظمات المجتمع المدني، بالتزامن مع حظر وملاحقة التنظيمات الاسلامية باعتبارها «جماعات ارهابية»، وجرى تحويل تونس ومصر مزرعة ومنجماً لاستخراج المال السهل وبخاصة من الرشاوى والفساد للاقربين، فكان اقارب بن علي واقارب زوجته من آل الطرابلسي في تونس، وصار جمال مبارك ابن الرئيس أكبر جميع الاغنياء واصحاب النفوذ في مصر.

 

وجرياً في مسارات التشابه بين العهدين في مصر وتونس، ارتبط رئيسا البلدين بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة. فكان بن علي بين أكبر اصدقاء واشنطن في شمال افريقيا، ومبارك احد أهم اصدقائها في الشرق الاوسط، وكان كل منهما صديقاً لصيقاً لأبرز الدول الاوروبية بخاصة فرنسا، الامر الذي جعل من وجود النظامين بوابة لتعزيز النفوذ الاميركي بخاصة والغربي على وجه العموم في المنطقة، وهذا الى جوانب عوامل اخرى، أهّل الاثنين الى لعب دور ظاهر ومستور في استقرار العلاقات الاسرائيلية – العربية في العقود الثلاثة الماضية.

 

لقد ادى تقارب المسارات الداخلية – الخارجية الى تقارب نتائج سياسات الطرفين، والتي جسدت نظاماً ديكتاتورياً ومستبداً، راكم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من دون ان يعطي آذاناً صاغية لكل المطالب والنصائح والانذارات الداخلية والخارجية، ووضع البلاد على اعتاب انفجارات واسعة، وهو ما تمخضت عنه النتائج الأخيرة في البلدين، والتي كان من ثمارها ذهاب بن علي ونظامه، وشروع تونس في المضي الى نظام ديموقراطي تعددي يقيم حكم القانون، ويمضي نحو العدالة الاجتماعية، وتسير مصر بحراكها الراهن باتجاه تطور ونظام مماثل صارت على اعتابه الاولى.

 

لقد تقارب النظامان في كثير من تفاصيلهما وفي علاقاتهما وكذلك في نتائج سياساتهما، التي قادت الى فعل شعبي متماثل في وقت متقارب، واعتقد انهما سوف يتماثلان في مصيريهما، بخاصة ان حلفاءهما الغربيين من الولايات المتحدة الى الدول الاوروبية، فضلوا جميعاً رمي ورقة النظام التالفة على نحو ما فعلوا مع شاه ايران محمد رضا بهلوي قبل ثلاثين عاماً مع فارق بسيط، انه في حالة نظام بن علي كان ادراك الحلفاء اضعف، مما صار اليه الوضع في حالة نظام مبارك الذي اخذت تتوالى عليه النصائح والاوامر على السواء، ربما بأمل انه قد يستطيع انقاذ نفسه، لكن كثيراً من متابعي الوضع المصري يجزمون، انه قد فات الاوان، وهذا يعني، ان وضعه لن يكون افضل من سابقه، مما يعيدنا الى فكرة هل هناك ديكتاتور افضل من ديكتاتور آخر؟

* كاتب سوري

========================

الشرق الأوسط.. بين استقرارين

وليد أبي مرشد

الشرق الاوسط

3-2-2011

إسرائيل قلقة على «استقرار» منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وتدعو الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي «لكبح» انتقاداتها لنظام الرئيس حسني مبارك لأن «استقرار» المنطقة من استقرار مصر.

استنادا إلى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أوصلت حكومة بنيامين نتنياهو رسالة سرية إلى الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية تطلب فيها دعم استقرار نظام الرئيس المصري حسني مبارك. وفي هذه الرسالة أكد المسؤولون الإسرائيليون أن «من مصلحة الغرب وكل الشرق الأوسط الحفاظ على استقرار النظام في مصر» وأنه «يجب وقف الانتقادات العلنية للرئيس حسني مبارك». وللتدليل على جدية قلقها طلب رئيس حكومتها، نتنياهو، من جميع وزرائه الامتناع عن أي تعليق «علني» على الوضع في مصر.

من الطبيعي، بعد انهيار تحالف إسرائيل الاستراتيجي مع تركيا، أن تؤدي خسارتها لنظام صديق في مصر إلى زيادة عزلتها الإقليمية، وخصوصا العربية، كون مصر واحدة من دولتين عربيتين فقط وقعتا سلاما تعاقديا معها.

ورغم أن العلاقة المصرية - الإسرائيلية بقيت، بعد اتفاق «كامب ديفيد»، في نطاق «السلام البارد» فقد ظل «كامب ديفيد» أهم إنجاز سياسي - استراتيجي حققته إسرائيل في الشرق الأوسط منذ قيامها عام 1948: أجواء الأمن التي وفرها على حدودها الجنوبية مكنتها من أن تركز حروبها على «الجبهة الشمالية» (مع لبنان) وأن تحمي التوسع الاستيطاني في القدس والضفة، وأن تخفض إنفاقها العسكري لتخصص المزيد من الأموال لعمليات الاستيطان والقطاعات الاقتصادية الأخرى.

ومهما حاولت إسرائيل أن تبرر قلقها على «استقرار» المنطقة بما تعتبره تراجعا متواصلا للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط (علما بأن لإسرائيل نفسها اليد الطولى في هذه الظاهرة نتيجة رفضها المطلق لاقتراحات واشنطن لتسوية مقبولة للقضية الفلسطينية)، يبقى منطقها القائل بان استقرار المنطقة من استقرار مصر ناقصا ما لم يأخذ في الحسبان كون الركيزة الفعلية لهذا الاستقرار هي المؤسسة العسكرية.

قد يعود التباين القائم بين نظرتي إسرائيل والولايات المتحدة إلى أحداث مصر إلى تجاهل إسرائيل دور الجيش المصري في حسم الوضع لصالح هذه الجهة أو تلك. وقد يكون تقدير واشنطن لأهمية دور المؤسسة العسكرية المصرية - التي تمدها بمساعدة سنوية تبلغ ال1.3 مليار دولار - الخلفية السياسية لرهانها على أن استقرار مصر يضمنه، بشكل أفضل، الانتقال السلمي للسلطة من نظام مبارك الشمولي إلى نظام أكثر ديمقراطية يتجاوب مع تطلعات الشارع المصري لإصلاحات جدية على كل الأصعدة: الإدارية والسياسية والاقتصادية.. ما يوحي، تلميحا، بإن ضمان هذا الانتقال بات مسؤولية الجيش.

على خلفية تصرف اللاعبين الأساسيين على الساحة المصرية، الجيش والشارع، يمكن الاستنتاج – حتى الآن على الأقل - بأن الخوف على استقرار مصر مبالغ فيه، فتجنب الجيش لأي تصد قمعي لمظاهرات واعتصامات الشوارع، وما أظهره من «احترام» لحق التظاهر رغم استمرار سريان نظام الطوارئ، يوحيان بأنه يمهد للعب دور وطني لم تكتمل صياغة تفاصيله حتى كتابة هذه السطور، وربما لم تحن بعد ساعته، ولكن هدفه النهائي يبقى تأمين انتقال سلمي للسلطة من عهد إلى عهد بأقل خسارة ممكنة للبلاد ولسيدها الحاكم منذ ثلاثين سنة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ