ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الاسد

أحمد حنى

2011-02-03

القدس العربي

سيادة الرئيس بشار : عندما حلّ ربيع دمشق، لم تسعني الفرحة، وقع مثقفون بيان التسعة والتسعين، الذي رحبتَ به، وابتسمت لنا يا سيدي، وكنت واعدا كريما سمحا، واستبشر الناس بالخير، وشاهدت بأم عيني شرطي مرور يمتنع عن اخذ الرشوة المعتادة، وقال للسائق، الله يخليك لا تبليني، وليست لي سيارة ولا احلم بها، ما دامت الحكومة قد سنّت قانونا للمرور، لإذلال الناس، كما تقول مجموعة من الكتاب في الفيس بوك، ويشبه قوانين محاكم التفتيش. جنرال من المخابرات ترجى صديقا ناشطا أن يقول له ما يجري، فهو تائه؟ المخابرات راحت تستدعي الناشطين والكتاب لتقول لهم أنها صارت 'حريرية' ولم اصدق، ثم اعترفت يا سيدي في خطاب القسم بالمشكلات الكثيرة، وقلت انه ليس لديك عصا سحرية، وعدت باحترام الرأي والرأي الآخر. ثم انقضت أزمة اغتيال الحريري، فكشرت المخابرات عن أنيابها، واعتقل الناشطون واستدعي الكتاب إلى فروع الأمن ليوقعوا على تنازلات بالصمت وكسر أقلامهم، واعتقل طالب قريب، أخذته الشرطة العسكرية، للالتحاق بالجيش، وطلع على لسانه شعر وهو يقول لهم انه طالب وذاهب للامتحان، صادروا جواله فلم نعرف مكانه إلا بعد أسبوع، أنا لا افهم سبب اعتقال الشابة طالبة البكالوريا طل الملوحي، فان كانت قد تآمرت على الأمة السورية، فحاكمها علنا.. والشعب السوري وطني ولا يغفر للخونة، وسأكون أول من يرجمها بحجر، ولا افهم كيف يمكن لشيخ الحقوقيين السوريين هيثم المالح أن يوهن 'روح الأمة'، سيدي الرئيس هل امتنا واهنة إلى الدرجة التي يوهنها رأي في قناة فضائية، أم أن المخابرات تريد امة من العبيد الصامتين؟

سيدي الرئيس، ما تعريف الخائن؟ هل الخائن هو الذي يتآمر مع الخارج؟ أم نضع تعريفا واسعا للخيانة يشمل خيانة إرادتها وتزوير الانتخابات فيها، وإهانة الناس، كما لو انه أنهم تحت الاحتلال. سيدي ما الفرق بين الاحتلال الأجنبي الذي برأ إبراهيم هنانو وبين الاحتلال الوطني الذي جرّم الشيخ هيثم المالح، أم لعلها أخطاء فردية تجوز على كل الأمم ولا يجوز تعميمها.

سيدي الرئيس: لقد سجلت أولادي كلهم في فروع المخابرات، بسبب قرابتي لناشط، وفي كل مرة، كنت اقضي اليوم بالانتظار ثم أقاد إلى غرفة مغلقة، ثم يأتي احد العناصر فيهددني بالوضع في الاسيد، إن لم اعترف بالأحزاب التي انتمي إليها، ثم قبل أن اخرج، يطلب مني المحقق، بعد أن تأكد من سلامة سلوكي السياسي، أو بالأحرى من 'حيونتي'، التجسس على أهلي، مقابل منحي صفة 'وطني'، وبعض التسهيلات.

سيدي الرئيس: لا ادري ما حجم الأموال التي أهدرت على الاستفتاء الذي اجري لك وفزت فيه بالنسبة إياها التي لا يفوز بها سوى الله، والتي تقول عنها صحافتك أنها نزيهة، والتي وضعت فيها المخابرات دبابيس في كل موقع انتخابي حتى يتبرع بالدم ان شاء الناخب مع حق التصويت بالحبر العادي، وتلك مكرمة، وصادف وقت الامتحانات الإعدادية، وعانى أبناؤنا من فرحتنا بفوزك على نفسك، وشاعت وقتها إشاعة غريبة، انك ستسمح للطلاب بالغش في الامتحانات، وإشاعة أخرى انك ستمنح كل طالب عشرة علامات هدية، فتأمل يا سيدي الرئيس الذي تملأ صوره الشوارع، هذه الصور التي كنت اتمنى أن تضع رقمك الهاتفي تحتها حتى نتصل بك ونشكو إليك من همومنا وحقوقنا المهدورة، أم انك تظن أن الحياة خبز وماء فقط.

سيدي الرئيس: الخبز السوري لا يؤكل، وما يرمى للحيوانات يكفي امة أخرى، بسبب رداءة القمح أو رداءة الخبز، وقد علمت أنّ المخابرات كانت تستمزج رأي بعض الخبراء في إمكانية رفع سعر الخبز، لولا محمد البوعزيزي، رحمه الله، الذي ذكرك بشبكة أمان اجتماعي، وبرفع نسبة تعويضات التدفئة، وشكرا لكم على هذه المكرمة كما نشكركم على المنح في الأعياد، وهي بالمناسبة تقاليد سلطانية لا تليق بدولة ترفع شعار الاشتراكية وتركض باتجاه الليبرالية، في الوقت الذي تحاكم أبناءها على معادة أهداف الدولة الاشتراكية.

سيدي الرئيس

أتمنى أن ادخل مقسم شرطة رافعا رأسي.

أن أرى فرع مخابرات يحمل اسمه صريحا (فرع كذا) مثل كل محلات ووزارات البلد، وليس صورتك وصورة ابيك واخيك المرحوم، وعلى فكرة، أنا اربأ بصورتك وصورة أخيك عن هذه الأماكن المرعبة التي يهان فيها الناس ويعذبون.

سيدي الرئيس لا اطمح في قانون للأحزاب، ولا قانون عصري للاعلام، ولا الإفراج عن معتقلي الرأي، ولا السماح لأهالي المفقودين بدفن موتاهم، أريد فقط أن تسمح لنا بيوم واحد فقط نهتف فيه في شوارع سورية بالحرية، والحق والعدالة.

سيدي الرئيس لو وعدتم بمنح المجردين من الجنسية من الاكراد، وهي جنسية تحصل عليها الأبقار في هولندا والكلاب في باريس، لكن عندي مطلبا واحدا وهو أن تمنحوا السوريين حق الجنسية الحقيقية.

سيدي الرئيس، يوصف عادة موقفك من القضايا القومية بأنه وطني، ولعله كذلك، لكني رأيت السفن تخرج لإغاثة غزة من اسطنبول ولا تخرج من سورية، هل يحق لنا ان نتطوع في السفن التركية أم أن ذلك يحتاج إلى إذن خاص، لم يتجاوز عدد المتطوعين في مرمرة سوى أربعة احدهم معتقل الآن.

سيدي الرئيس: هناك آلاف الممنوعين من العودة، وآلاف الممنوعين من السفر، وتزعم منظمات حقوقية أن هناك مفقودين بالآلاف، ولا يضيرك أن تظهر الحقيقة، بلجان إنسانية حقوقية تكذب أو تصدق هذه المزاعم.

لا أزال اعتقد أن العصا السحرية التي اعترفت بأنك لا تملكها ليست العصا الهراوة.

سيدي الرئيس:

آما آن لهذا 'العشب' أن يترجل؟

=====================

لا حلول مع الكيان الصهيوني   

آخر تحديث:الجمعة ,04/02/2011

فايز رشيد

الخليج

ثبت وبالملموس: أن “إسرائيل” ترفض الحلول مع الفلسطينيين إلا من خلال الحكم الذاتي الهزيل، ولقد سقط حل الدولتين . بالمقابل فإن مراهنة البعض على حل الدولة الديموقراطية الواحدة، أو الأخرى: الدولة الثنائية القومية أو الدولة لكل مواطنيها، هي حلول وتصورات تنقصها الموضوعية والمعرفة العميقة بالكيان الصهيوني، ذلك أن هذه الحلول محكومة بالفشل .

 

عملياً، فإن كافة هذه الحلول تحمل بين جوانحها تنازلات نسبية، بهذه الطريقة أو تلك عن الحق العربي في فلسطين التاريخية، من خلال سلسلة معقدة من الاعتراف بوقائع مفروضة، جاءت رغم الإرادتين الفلسطينية والعربية، من خلال هجرة يهودية إلى فلسطين واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه التاريخية، وهي التي لا تسقط بالتقادم، أي أنها ستظل حقاً فلسطينياً، والوطن لا يمكن تقاسمه مع الغرباء، وهذا هو الخلل الأول في صوابية هذه النظرة .

 

الخلل الثاني، يجمع كل هذه التصورات ويشكل قاسماً مشتركاً بينها، وهو: تصور “إسرائيل” بلا حركة صهيونية، وهو الأساس الأول في افتراض واقعية الدولة الديموقراطية الواحدة أو الدولة الثنائية القومية . هذا الافتراض التصوري لمستقبل “إسرائيل”، هو خارج حدود إمكانية التطبيق، بالمعنيين التاريخي والعملي، فالمشروع “الإسرائيلي” قام بالاستناد إلى الأسس الصهيونية، وإذا افترضنا المستحيل وتصورنا إمكانية اضمحلال هذه الأسس، فستنتهي دولة “إسرائيل” .

 

الخلل الثالث في هذه التصورات، أن اليهودية ليست قومية، وإنما هي ديانة مثل: الإسلام، والمسيحية، وبالتالي، فإن القول بوجود الأمة اليهودية أو الشعب اليهودي هو خلل نظري كبير، إن ينم عن ظاهرة، فهي الجهل بالتاريخ والبعد عن الواقع والموضوعية .

 

المقصود من القول إن الاعتراف بدولة ثنائية القومية، هو جهل بالتاريخ وبحقائقه، وبالواقع وظروفه، وبالمستقبل وإمكاناته .

 

لذا، فإن المشروع الصهيوني في فلسطين هو استعماري الجوهر، لكن الفرق بينه وبين المستعمرين الآخرين، يتمثل في أن هذا المشروع هو اقتلاعي للشعب الفلسطيني، وإحلالي للمهاجرين اليهود إلى الوطن التاريخي للفلسطينيين، الوطن الفلسطيني . وما دام التعامل مع المستعمرين الآخرين جرى من خلال مقاومتهم، فإن المشروع الصهيوني في فلسطين يجب مقاومته مئات المرات، ويجب اقتلاعه من جذوره أيضاً .

 

الخلل الرابع في هذه التصورات، أنها تفصل بين الحقيقة “الإسرائيلية” الصهيونية وبين رديفها الثاني، الاستعمار، فلا يمكن أن يوجد المشروع الصهيوني بمعزل عن هذا الرديف الذي هو أساس وجود هذا المشروع، منذ مؤتمر كامبل- بنرمان في عام ،1907 الذي أوصى “بضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي بإقامة حاجز بشري قوي وغريب، وإنشاء قوة صديقة لنا وعدوة لسكان المنطقة” .

 

الخلل الخامس لدى أصحاب هذه الدعاوى أنهم يحاولون تقييد الأجيال القادمة من الفلسطينيين والعرب (باعتبار الصراع مع “إسرائيل” هو فلسطيني عربي) بمحددات الحل للمستقبل (على افتراض بقاء “إسرائيل” إلى ذلك الزمن)، دون الأخذ بعين الاعتبار، حقائق المرحلة المقبلة والعوامل الجديدة التي يمكنها أن تكون مستقبلاً .

 

الخلل السادس لدى أصحاب هذه الحل أنهم يفترضون تنازلات فلسطينية وعربية عن الحق في فلسطين التاريخية، وهذا ليس من حق أحد، ففلسطين ليس لأهلها فقط، وإنما هي حق من حيث تقرير مصيرها، للعرب، ف”إسرائيل” ليست خطراً على الفلسطينيين فحسب، وإنما على الأمة العربية بكاملها، فوجودها ارتبط بالتآمر على هذه الأمة، ومنع توحيدها، بالعمل على تفتيتها إلى دويلات، والإسلاميون يعتقدون أيضاً أن فلسطين (وقف إسلامي)، بالتالي فإن هذا الحل لا يصطدم فقط بعقبات صهيونية، “إسرائيلية”، وإنما بعقبات شعبية فلسطينية وشعبية عربية وإسلامية أيضاً .

 

الحل الوحيد للتعامل مع “إسرائيل” هو نهج المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها، وعلى رأسها الكفاح المسلح الذي كان وراء بعض التغيير في تصوراتها مثل الاضطرار إلى الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني بعد أن أنكرت وجوده لسنوات طويلة .

الحل هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر .

================

كيف انقلب لبنان؟

التاريخ: 04 فبراير 2011

جورج ناصيف

البيان

بصورة متلاحقة ودراماتيكية، تسارعت الأحداث في لبنان فسقطت حكومة سعد الحريري، وتحولت الأكثرية البرلمانية إلى أقلية برلمانية جديدة، وتم تكليف نجيب ميقاتي، ابن مدينة طرابلس والثري الكبير «الوسطي» سياسيا، بل مؤسس تيار «الوسطية» منذ خمس سنوات، بتشكيل الحكومة الثالثة في عهد الرئيس العماد ميشال سليمان. حدث ذلك بعد اتفاق كتلة 8 آذار جميعها («حزب الله» و«حركة أمل»، تيار المردة بقيادة النائب سليمان فرنجية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب التقدمي الاشتراكي) على تسمية ميقاتي رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة، وبعد انضمام النائب وليد جنبلاط وكتلته النيابية إلى تيار 8 آذار. فكيف حدث هذا الانقلاب السياسي الكبير؟ لماذا توافقت 8 آذار على اختيار ميقاتي؟ ما هي السيناريوهات المتوقعة للمرحلة المقبلة؟ كيف سيتم تشكيل الحكومة ووفق أية معايير وأحجام؟ تقول الموالاة السابقة إن الانقلاب حدث بفعل قرار سوري بالضغط المتمادي على حكومة الحريري، الذي تمثل باستقالة ثلث أعضائها مما حتم سقوط الحكومة دستورياً. تلا ذلك انفتاح الباب أمام استشارات نيابية ملزمة لتسمية من يكلف تشكيل الحكومة، وتقول المعارضة الجديدة إن دمشق مارست ضغوطا سياسية (والبعض يقول أمنية) على النواب، من أجل ضمان انفكاكهم عن الأكثرية السابقة والانضمام إلى تيار 8 آذار في اختيار الرئيس ميقاتي، الذي فاز بأكثرية النواب الذين تمت استشارتهم (69) نائبا، مقابل (60) نائباً لمصلحة الرئيس الحريري فانتهى الأمر بتكليفه. لكن هذا الضغط السوري على جنبلاط، كما تقول المعارضة، ما كان لينجح لو لم تكن العلاقة السورية  السعودية قد دخلت مرحلة التوتر أو شبه القطيعة، بعد إعلان السعودية تخليها عن المسعى السوري  السعودي السابق، الأمر الذي جعل سوريا لاعبا مميزاً شبه وحيد على الساحة اللبنانية. بعض التحليلات السياسية والإعلامية يتحدث عن اتفاق فرنسي  قطري  سوري حول تغطية عملية إسقاط الحريري وافتتاح مرحلة سياسية جديدة بقيادة ميقاتي، وبعض الأوساط يتحدث عن أن الحريري فقد ثقة القوى النافذة في السعودية التي كانت تسجل مآخذ جمة على قيادته السياسية. ويبدو أن ما ساعد دمشق على تسديد ضربتها .

 

ويتساءل البعض: لماذا اختارت دمشق ميقاتي ليكون رجل المرحلة الجديدة؟

 

يبدو أن وراء اختيار 8 آذار (وخلفها سوريا) الرئيس ميقاتي عدة أسباب أبرزها:

 

؟ امتلاك ميقاتي شبكة علاقات دولية جيدة (أميركية وفرنسية خصوصا) تسمح باستقبال هذه الدول لاختياره استقبالا حسنا.

 

؟ يتمتع ميقاتي بشبكة داخلية متوازنة، تسمح له بأن يحظى بترحيب «حزب الله» وحلفائه ويسهم في شق صفوف 14 آذار، باعتبار أن ميقاتي ترشح إلى الانتخابات النيابية الأخيرة على لائحة سعد الحريري في طرابلس وبالتحالف معه.

 

؟ قدرة ميقاتي المالية وتوطد علاقاته مع الوسط الاقتصادي والمالي اللبناني والعربي، عنصران مهمان في عدم نفور الأوساط المالية من تعيينه أو اتجاهها إلى ممارسة ضغوط اقتصادية تهدد الليرة اللبنانية ومتانة الجهاز المصرفي.

 

؟ إلى كل ذلك يضاف أن ميقاتي صاحب شعبية أكيدة في الوسط السني الشمالي، وصاحب علاقة مميزه بالأوساط المسيحية.

 

ما هي السيناريوهات المقبلة للتشكيلة الحكومية؟

 

يرحج المقربون من ميقاتي أن يعمد بعد إعلان تيار 14 آذر مقاطعة الحكومة ورفض الاشتراك في عضويتها، إلى أحد خيارين.

 

إما تشكيل حكومة من التكنوقراطيين حتى لا يقع تحت هيمنة كاملة من 8 آذار لو شكل حكومة سياسية من لون 8 آذار فقط.

 

وإما تشكيل حكومة مختلطة من سياسيين محايدين أو غير حزبيين، تطعم بعدد من الخبراء ووجوه من المجتمع المدني. أيا يكن الاختيار فإن المرجح هو أن تأتي الحكومة غير فضفاضة (30 وزيراً)، بحيث يكون سقفها أقرب إلى 24 وزيراً، وأن يتمتع فيها الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي بوزن وزاري حقيقي. أما التحديات التي يتوقع أن تواجه أية حكومة جديدة، فأمور تبقى مرهونة بنوع الحكومة التي سيتم تشكيلها، وطبيعتها ومضمون بيانها الوزاري.

 

لكن الأكيد منذ الآن، أن صفحة سياسية جديدة قد فتحت في لبنان، بعد أن طويت الحقبة الحريرية برموزها وتياراتها وخطابها السياسي.

================

خدعة المفاوضات الأمريكية

آخر تحديث:الجمعة ,04/02/2011

محمد الصياد

الخليج

منذ مؤتمر مدريد ل “السلام” في عام 1992 واتفاق أوسلو 1993 بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية، والولايات المتحدة، منذ كُتب لها النجاح في بيع القيادة الفلسطينية بضاعة المفاوضات المباشرة مع “إسرائيل” وبرعاية واشنطن الحصرية، كسبيل وحيد لتحقيق هدف إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة التي تنشدها منذ ذلك الحين والإدارات الأمريكية المتعاقبة تحرص على إبقاء هذه “البضاعة” سارية المفعول، وعلى تجديد مفعول سريانها على الدوام كي يبقى الوهم حاضراً باستمرار في لا وعي أركان السلطة الوطنية الفلسطينية التي شُيدت على هذا الوهم .

 

وكلما حدث وانكشفت هذه الحيلة الأمريكية وتراءى للجميع أن السلطة الفلسطينية المستهدفة بهذه البضاعة الفاسدة، قد فهمت “اللعبة” الأمريكية واقتنعت، بناء عليه، باستحالة تحقيق الحلم الفلسطيني، فإنه سرعان ما يهب بقية “الحواة” المساعدين لنجدة “الحاوي الأكبر” وتقديم الدعم والإسناد له لتمكينه من إعادة الإمساك بخيوط لعبة الوهم الكبرى .

 

الآن، وما إن وضعت القيادة المتنفذة في حركة فتح التي نجح “الحاوي” الأمريكي الأكبر في إغراقها على مدى عشرين عاماً في مستنقع لعبته الواهمة ما إن وضع شرطاً لاستئناف المفاوضات مع “إسرائيل” هو وقف الاستيطان، وذلك حفاظاً لماء الوجه الذي أريق في تلك الصومعة التفاوضية الممضة، حتى وجد الحاوي نفسه في مأزق، ذلك أن أصول اللعبة التي يديرها بدهاء ومكر شديدين لا تتضمن عناصرها شيئاً ولو قليلاً من الضغط على “إسرائيل” لإجبارها على القبول ليس بوقف الاستيطان وإنما بتجميده فقط لفترة وجيزة لا تتجاوز شهرين من أجل تسليك المفاوضات أو بالأحرى تسليك وتزييت لعبة الخداع التفاوضية الأمريكية .

 

أما وقد أصبح الأمريكي في مأزق تفاوضي مستعصٍ فكان لا بد أن تأتيه الإسعافات الأولية من شركائه المخلصين في إنشاء “إسرائيل” وتأمين الدعم اللامحدود لها من أجل تمكينها من الوقوف على رجليها والبقاء وسط المحيط العربي الشعبي الرافض بقوة لها . وكان أول الغيث قيام الحليف الفرنسي نيكولا ساركوزي بإرسال وزيرة خارجيته ميشال اليو ماري إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من يناير/ كانون الثاني المنقضي من أجل إعادة إحياء مشروع الوهم التفاوضي الأمريكي وإقناع قيادات رام الله بأن قدومها فيه ما يثبت أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين مازالوا على “عهدهم” و”تعهدات” الجوفاء بإنشاء الدولة الفلسطينية الموعودة .

 

بيد أن مهمة الوزيرة الفرنسية تعرضت لانتكاسة فادحة ما إن وطئت قدماها الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أن خذلتها عجرفتها وفضحها انحيازها الأعمى ل “إسرائيل” بإعلانها في غزة المحاصرة أن اعتقال حماس للجندي “الإسرائيلي” شاليت يعد جريمة حرب، ضاربة بعرض الحائط وجود زهاء عشرة آلاف معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال “الإسرائيلية”، وهو ما أثار غضب أهالي الأسرى الفلسطينيين ودفعهم لاستقبال موكبها بالبيض والأحذية .

 

مأزق الخديعة الأمريكية التفاوضية لا يمكن أن يستمر (طبعاً من الوجهة الأمريكية) . وهو بالتأكيد لن يستمر طويلاً . فلقد حرصت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على التذكير بين الحين والآخر، وبصورة تبدو ممنهجة ومجدولة بعناية، أن الولايات المتحدة مازالت ملتزمة ببذل الجهود من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كجزء من لعبة استمرار تسويق الوهم ولمنع أي طرف دولي آخر من استغلال الفراغ للدخول على خط “صفقة” إنهاء الصراع العربي “الإسرائيلي” . وإلى ذلك فإن من غير المستبعد أن تلجأ واشنطن أيضاً إلى استخدام بعض وسائلها التحوطية المنشأة لهذا الغرض مثل اللجنة الرباعية (التي تضم أمريكا نفسها والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) والتي وضعت على رأس قيادتها تلميذها النجيب رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير .

 

إنما هذه المرة لن تكون جهود إنقاذ خدعة التفاوض اللانهائي الأمريكية سهلة في ظل ما كشفت عنه صحيفة “الجارديان” البريطانية وقناة الجزيرة الفضائية على مدى أربعة أيام من وثائق في غاية الخطورة، ليس فقط بالنسبة للسلطة الفلسطينية وإنما بالنسبة لراعي المفاوضات الولايات المتحدة الأمريكية نفسها .

 

لكل ذلك فإن هذه المهزلة/ الخديعة لا بد أن تتوقف، ليس فقط لأن فيها تفريط غير مسبوق في تاريخ الشعوب المناضلة من أجل الحرية، في حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، وإنما لأنها أيضاً تنطوي على امتهان فظيع لكرامة شعوب الأمة العربية قاطبة بصورة لا يقبلها لا عقل ولا منطق ولا ضمير .

 

فكيف لقيادة السلطة الفلسطينية أن تصدق أنها يمكن أن تستعيد حقوق الشعب الفلسطيني من المحتل الصهيوني الغاصب بواسطة المفاوضات، حتى بعد مرور 20 عاماً على انطلاقتها؟! فهل هنالك شعب في العالم انتزع حقوقه من سالبيها بالمفاوضات؟

================

أين ذهب التطرف في أحداث مصر؟

التاريخ: 04 فبراير 2011

د. مغازي البدراوي

البيان

رغم تواتر الأحداث وسرعة تصاعدها على الساحة المصرية، إلا أن المتابع ربما يلفت انتباهه شيء مهم، وهو عدم وقوع أي اعتداءات على أي كنيسة في مصر، وهي ملحوظة مهمة، خاصة بعد أيام قليلة من حادث الاعتداء على كنيسة القديسين في الإسكندرية مطلع العام الجديد، هذا الحادث المريع الذي راح ضحيته العشرات، والذي حاولت بعض الجهات في خارج مصر استغلاله ضد مسلمي مصر، وتصويرهم بأنهم متطرفين يكرهون المسيحيين، وقد سمعنا تصريحات بعض الجهات الرسمية في الغرب وداخل الاتحاد الأوروبي تردد هذه الادعاءات، وسمعنا بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر وهو ينادي الدول الكبرى للتدخل لإنقاذ مسيحيي مصر والشرق عموما!

 

الآن، ترى ماذا يقولون في الغرب وماذا يرى البابا في مصر؟ ها هي الفوضى العارمة تعم شوارع المدن المصرية، وتنسحب الشرطة وتختفي تماما، وتقع الاعتداءات الشديدة والمروعة على الناس والأملاك والمنازل، وحتى على أقسام الشرطة نفسها، ولا مغيث ولا مجيب، ورغم هذا كله لا يقع أي اعتداء على أي كنيسة أو أي دور للعبادة في أي مكان في مصر، ولا حتى على المعبد اليهودي الذي تحيطه المظاهرات من كل جانب في وسط القاهرة، علما بأن كافة أشكال الحراسة على هذه المنشآت اختفت تماما أثناء تصاعد الأحداث في شوارع المدن المصرية، ولو كان هناك بالفعل تطرف وكراهية لدى أحد من المسلمين المصريين تجاه إخوانهم المسيحيين، لكان من السهل على المتطرف هذا أن يفعل ما يشاء في الكنائس خلال الأيام الماضية، ولكن شيئا من هذا لم يحدث إطلاقا! أتمنى أن أسمع رأي الفاتيكان وكذلك تجمع المسيحيين المصريين في الولايات المتحدة، الذين يتهمون مسلمي مصر بالتطرف وكراهية إخوانهم المسيحيين.

 

ما حدث في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، أكبر دليل على متانة ورسوخ الوحدة الوطنية لدى هذا الشعب، وأكبر دليل على أن كافة أساليب التطرف وأشكال الإرهاب التي تقع للمسيحيين في مصر، إنما هي صناعة أجنبية تستهدف زرع الفتنة والفرقة والاضطرابات في الشارع المصري، وتفتيت وحدة هذا الوطن. ولو كانت هذه الفتنة وهذا التطرف من داخل مصر، لوجد في الأيام الماضية فرصا ذهبية لا تعوض لممارسة أنشطته التخريبية، ولم يكن بحاجة لوقت طويل ليخطط وليتفادى المواجهة مع الأمن، فقد كانت كل الطرق ممهدة دون أي عائق طيلة الأيام الماضية، علما بأن كنائس مصر كانت مكتظة بزائريها من المسيحيين خلال هذه الأيام، وخاصة الأحد الماضي، وجميعهم ذهبوا ليصلوا ويدعوا الله أن يحمي مصر ويرعاها ويخرجها من أزمتها بسلام.

 

مئات الآلاف وربما الملايين في ميادين المدن المصرية يرفعون العديد من الشعارات واللافتات، ولا نرى بينها أي شعار يحمل أي توجه ديني، حتى جماعة الإخوان المسلمين التي حاول أعضاؤها أن يثبتوا للجميع أنهم موجودون في وسط هذه الحشود، لم يجرؤ أحد منهم على رفع أي شعار من شعاراتهم التي عادة ما يملأون بها الشوارع في مواسم الانتخابات مثل «الإسلام هو الحل». لقد جمع الحدث الكبير بين المسيحيين والمسلمين المصريين في موقع واحد وفي موقف واحد، ذلك لأنهم ببساطة أبناء وطن واحد، قضاياهم وهمومهم وأهدافهم ومصالحهم الوطنية واحدة، وكم من المسيحيين نعرفهم في قيادات التشكيلات السياسية الحزبية وغيرها، كانوا موجودين في الشارع بجوار إخوانهم المسلمين.

 

الفتنة الطائفية أمر دخيل على المجتمع المصري، وقادمة من الخارج من قبل أعداء مصر، والدليل على ذلك اختفاؤها في اللحظات العصيبة التي تمس مصير الأمة كلها والوطن ككل، مسلميه ومسيحييه معا، ولم يحدث أن كان هناك أي فرق بين مسلم ومسيحي في مصر في أوقات أزمات الوطن الكبرى، ولم يتقاعس أي منهما عن أداء واجبه في هذه الأزمات.

================

المشهد المصري ومآلات التغيير

رضوان السيد

الشرق الاوسط

4-2-2011

لقد كانت أحداث تونس من الضخامة، بحيث كان يجب على المراقبين - وبخاصة إذا كانوا عربا - أن يتوقعوا مثائل لها أو أعظم في بلدان عربية أخرى. بيد أنّ ذلك لم يحدثْ لأسباب مختلفة، أهمّها ما ذهب إليه معظَم المراقبين من أنّ الظروف بتونس مختلفة عن البلدان العربية الأخرى القريبة والبعيدة! ولا شكَّ أنّ هناك اختلافات في الأوضاع الاقتصادية والثقافية، واختلافات أخرى في علائق السلطة وقواها الأمنية بالناس، واختلافات في علائق الناس بالجيش في البلد المعني، وفي الوقت نفسِه علاقات المؤسسة العسكرية بالنظام من جهة، وبالجهات الإقليمية والدولية من جهة ثانية.

على أنّ هذه التباينات لا ينبغي أن تلفت الانتباه عن الجوامع والمشتركات بين سائر البلدان العربية خارج دول الخليج. والمشتركات هي: خضوع هذه البلدان جميعا للعولمة الاقتصادية، وما أدّت إليه من فشل تنموي أو تنمية وحيدة الجانب، مع ما خلّفه ذلك من زيادة معدَّلات الفقر والبطالة، دونما اهتمام حقيقيّ بمتابعة برامج التصحيح والعناية بشؤون الفقر والتعليم والتدريب خلال مراحل التحولات الهيكلية في الاقتصاد. وحالة تونس لهذه الناحية أفضل من حالة مصر، لكنّ عناصر الخلل الرئيسية لهذه الجهة موجودةٌ ليس في هذين البلدين فقط؛ بل وفي ثمانية بلدان عربية أخرى. والطريف والمؤْسي أنّ الوضع في «الجماهيرية الليبية العظمى» لا يقلّ سوءا عنه في تونس ومصر وسورية رغم أنها بلدٌ بترولي. ويزيد من التوتّر في هذا المجال، أنّ الذين ينوءون تحت أعباء البطالة والحاجة، هم في غالبيتهم من الشباب، بسبب ارتفاع نسبة الشباب (تحت الثلاثين) بين السكان في سائر البلاد العربية.

أمّا العامل الثاني فهو الافتقار الهائل المنظم ذات البنى والمؤسَّسات، والتي يستطيع المواطن المحتاج أو المتظلّم اللجوء إليها. ونحن هنا لا نتحدث بعد عن «دولة القانون»، وعن «حكم القانون»؛ بل عن المنافذ التي يستطيع المواطن العاديّ اللجوء إليها من أجل العمل والصحة والنقل والتعليم وسدّ الحاجات الضرورية. ولا يعني ذلك أنّ هذه المرافق منعدمة؛ بل إنّ التوسيع والتحديث ما حصلا بالأقدار الضرورية في العقود الثلاثة الأخيرة، رغم زيادة عدد السكّان، وتغيّر النظام الاقتصادي في أكثر تلك البلدان.

والعامل الثالث المشترك يتمثّل في الافتقار إلى تداول السلطة وحكم القانون والحريات الأساسية. أمّا فيما يتصل بالأمرين الأخيرين (القانون، والحريات) فالوضْع في مصر أفضل إلى حد ما من أنظمة المشرق والمغرب. إذ أن هناك مؤسسة قضائية قوية، كما أنّ هناك صحافة حرّة أو قسما منها. إنما تتساوى كلّ الأنظمة في انعدام تداول السلطة، والاتجاه للتوريث، والابتعاد – رغم التوجهات العالمية المناقِضة- عن حكم القانون، وكتْم الحريات. فليس في سورية وليبيا وتونس والسودان انتخابات على وجه التقريب، ومنذ عقود. أمّا في مصر والأردنّ؛ فقد مالت السلطات قبل أشْهر إلى احتكار الانتخابات ضمن الموالين للسلطة أو للحزب الحاكم. وهذا فضلا عن انتفاء انتخابات الرئاسة الحرة، والاتجاه الدائم لمنع التداول على السلطة من طريق التجديد والتمديد أو توريث الأبناء والأقارب، والذين يقومون بذلك في حيوات آبائهم أو بعد وفاتهم. وأنظمةٌ مثل هذه لا تتعرض للمساءلة والمحاسبة ولا تفكّر في ذلك، يتفاقم فيها الفساد بالطبع، وتسود فيها الرشوة أو ما يعرف بصرف النفوذ. وفضلا عن أنّ ذلك يثير حفائظ سائر المواطنين وبخاصة الشباب؛ فإنّ هذا الظواهر تخضع للفعل وردّ الفعل، فتحدث التمردات الصغيرة أو الكبيرة، وتسود أجواء من القلق وعدم الاستقرار؛ في حين تمعن السلطات الخالدة في الضغط الأمني، دون أن تترك منفذا للتنفيس أو التفكير في الخيارات السلمية الأخرى للتغيير.

أمّا العامل الرابع فيتمثل في مخالفة الأنظمة العربية للاتجاهات العالمية السائدة بعد انقضاء الحرب الباردة. فبدلا من أن تتجه الأنظمة لاستحداث عقد جديد مع شعوبها - شأن ما حدث في أميركا اللاتينية مثلا - اعتمدت في استمرارها على الترتيبات التي أمكنها بلوغها مع الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات.

وقد خدمت الولايات المتحدة سائر تلك الأنظمة بالفعل، إمّا بنصرتها ودعمها والوقوف إلى جانبها، أو بالسكوت عنها وعليها حتّى لا يؤثّر الإسلاميون المتشددون والمعتدلون على استقرارها المفروض. فالمعروف أنّ الولايات المتحدة في عقدي الهيمنة، أرادت فرض الديمقراطية بالغزو العسكري أو هكذا ادّعت. فنهض في وجهها الإسلاميون المتطرفون (القاعدة وأشباهها)، والمعتدلون (الإخوان المسلمون ومتفرعاتهم). ودخلت إيران على الخطوط ذاتها التي دخل عليها الأميركيون والإسلاميون. فمن جهة نسّقت مع الأميركيين في العراق وأفغانستان، ومن جهة أخرى «حالفت» الإسلاميين الذين نهضوا في وجه الولايات المتحدة، وفي وجه أنظمتهم. وقد انحفظت بذلك الأنظمة لأنّ الولايات المتحدة خشيت أن يسود الإسلاميون من خلال الديمقراطية الانتخابية شأن ما حدث بغزّة. وقد ازدادت ضعفا لابتعادها أكثر عن الجمهور، ولاستنزافها لصالح إيران التي بدأت بإدارة الإسلاميين الشيعة والسنة، واستخدامهم في الوقت نفسِه في المساومات والمبادلات مع الولايات المتحدة شأن ما حدث بالعراق، ويوشك أن يحدثَ بأفغانستان.

إنّ الموجة الجديدة للديمقراطية بحسب عهد أوباما، لا تعتمد «الفوضى الخلاّقة»؛ بل تعتمد الإبقاء على النظام من خلال الجيش ووحدته، وتجنّبه قمع الناس، والتغيير الديمقراطي من داخل النظام، وبواسطة القوى الجديدة للشباب، فيأتي بذلك التغيير من خلال قوى المجتمع المدني، وليس بواسطة الإسلاميين الذين تحملوا عبء المعارضة والتمردات لأكثر من ثلاثة عقود.

وها قد حدث ذلك بتونس، وهو ما يحدث بمصر الآن. ففي حين لم تظهر حركة «النهضة» أصلا في اضطرابات تونس، ظهر الإخوان المسلمون بشكل متواضع في الثوران المدني المصري. أمّا الجيش فكان موقفه واحدا في البلدين. ففي تونس رفض الجيش التدخل ضد المتظاهرين، وأعلن عن حمايته للثورة، وأسهم في إخراج الرئيس بن علي. وفي مصر ما نزل الجيش إلى الشارع إلاّ بعد تعيين اللواء عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية، والفريق أحمد شفيق رئيسا للحكومة الجديدة. ورغم ذلك ما أعلن الجيش عن رأي له في استمرار الرئيس مبارك لنهاية مدته (بعد ستة أشهر) أم لا، كما لم يعلن شيئا عن رأيه في الحكومة المشكَّلة من الرئيس رغم أنّ رئيسها كان ضابطا كبيرا فيه.

وقد لا تكون هذه التفاصيل الكثيرة مهمة، وسط تسارع التطورات. لكنّ التغيير في العالم العربي، تأخر عقدين على الأقلّ، حفلت بأحداث تمردات الإسلاميين على الأنظمة، والهجمة الأميركية على منطقة المشرق العربي في الحرب على الإرهاب. أمّا الآن فإنّ التغيير قد بدأ، وسواءٌ أَبلغَ المتظاهرون بساحة التحرير مليونا أم لا. فالمشكلات قد تفاقمت في العالم العربي مشرقا ومغربا، وضعف الأنظمة عن حماية المصالح الوطنية والقومية، وعن تجديد شرعيتها؛ شرّع للأميركيين وللإيرانيين ولغيرهم التدخّل إمّا بحجة مكافحة الإرهاب، وإمّا بحجة مكافحة التدخل الأجنبي، وإمّا بحجة مصارعة إسرائيل!

إنّ المطلب والأولوية الآن هو للديمقراطية، والتحول الحاصل تحولٌ سلميٌّ يهدف للمزيد من المشاركة. وما عاد أحدٌ يستطيع الوقوف في وجهه ولو زعم أنه هو قائمٌ وسيقوم بالإصلاح، فالجمهور الشابّ يريد مباشرة تحقيق حرياته ومصالحه بنفسه؛ «والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون».

======================

أي علاقة لأميركا بالعالم الإسلامي؟

المستقبل - الجمعة 4 شباط 2011

العدد 3903 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

وقعت جريمة الاعتداء الارهابي على نيويورك وواشنطن في أيلول 2001، يومها انطلقت حملة الربط بين الارهاب والاسلام. واعتمد هذا الربط أساساً لاجتياح أفغانستان، ثم العراق. كما اعتمد أساساً للتعامل مع كل مسلم في الدول غير الاسلامية وكأنه ارهابي مع وقف التنفيذ. أدى ذلك الى رد فعل معاكس؛ فكانت سلسلة العمليات الارهابية التي استهدفت عواصم غربية عديدة مثل باريس ومدريد ولندن والتي لا تزال تداعياتها متواصلة حتى اليوم. ولكن قبل أيلول من عام 2001، وتحديداً في حزيران من عام 1994 انتهت مهمة الجنرال جون كالفان القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي. وفي الاحتفال التكريمي الذي أقيم له في بروكسل، ألقى كلمة تحدث فيها عن الآفاق المستقبلية للحلف ولدوره. تستوقفنا من كلمته العبارة الآتية: "لقد ربحنا الحرب الباردة وها نحن نعود بعد 70 عاماً من الصراعات الضالة الى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة. انه صراع المجابهة الكبيرة مع الاسلام".

لقد جاء موقف الجنرال كالفان قبل نحو سبع سنوات من حادث نيويورك. ولذلك لا يمكن الزعم بأنه موقف أملاه سلوك اسلامي ضد الدولة الكبرى في حلف شمال الأطلسي ولكن على العكس من ذلك، يمكن الزعم بأن تصرف دول الحلف على قاعدة ما أعلنه الجنرال كالفان ربما كان الفتيل الذي أثار اشتعاله ردود الفعل التي أدت الى جريمة نيويورك وما بعدها.

لم تكن جريمة سبتمبر 2001 تعبيراً عن ارادة اسلامية. بل على العكس من ذلك فانها تتناقض مع التعاليم ومع القيم الاسلامية، ولقد جاءت نتائجها الوخيمة وبالاً على المسلمين جميعاً.

كذلك لم يكن الموقف الذي اعلنه الجنرال كالفان تعبيراً عن ارادة العالم الغربي. كان موقفه مجرد وجهة نظر تتناقض مع المصالح الستراتيجية لحلف الأطلسي في العالم الاسلامي كما تبين ذلك ولو بعد حين. ومما يؤكد هذا التناقض ما ذكره ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز في 13 كانون الأول 1996، أي بعد عامين تقريباً من اعلان موقف الجنرال كالفان. وكان الامير يتحدث أمام ندوة عقدت في لندن حول الاسلام والغرب. وفيها أعلن " ان الحضارة الاسلامية في حقيقتها لها رسالة هامة تقدمها للغرب وذلك بنظرتها المتكاملة والمتحدة لقدسية العالم الذي يحيط بنا. واني أشعر اننا هنا في الغرب يمكن ان نساعد في اعادة اكتشاف جذور تفهمنا للحياة وذلك بتقدير ذلك الاحترام العميق في التقاليد الاسلامية لنظام الكون الذي أبدعه الخالق. واني أعتقد أن هذه العملية من شأنها أن تساعد على تقريب الديانتين أحداهما من الأخرى. وقد تساعدنا نحن في الغرب على اعادة النظر والتفكير الجدّي في تحكّمنا المادي بالانسان وبيئته، كأن تساعدنا حتى في أمور العناية بالصحة والبيئة والطبيعة والزراعة والإعمار وتخطيط المدن ".

والواقع انه منذ انتهاء الحرب الباردة بدأ الغرب يبحث عن عدو مشترك شكل حافزاً له- أي للغرب- للمحافظة على تضامنه السياسي والعسكري. فكانت نظرية الجنرال كالفان التي تلقفتها دوائر صهيونية مؤثرة وفاعلة في المجتمعات الغربية. وبدأت هذه النظرية تتبلور من خلال العمليات الارهابية التي استهدفت السفارات الأميركية في بعض الدول الافريقية.. ثم أخذت صفتها التنفيذية في أعقاب الجريمة الارهابية الكبرى في نيويورك وواشنطن.

تلقفت الحركة المسيحانية الصهيونية في الولايات المتحدة هذه الصيغة وأعطتها بعداً دينياً. فالحركة (التي يعتقد انها تضم 70 مليون أميركي معظمهم من الحزب الجمهوري والمنتشرة في كافة الولايات الأميركية وعلى كافة المستويات الاجتماعية) تؤمن بالعودة الثانية للمسيح؛ وبشروط هذه العودة، وفي مقدمتها إقامة صهيون ووقوع معركة هرمجيدون التدميرية، ومن ثم بظهور المسيح فوق أرض المعركة التي يباد فيها الملايين من منكريه من المسلمين ومن اليهود معاً، على أن يرفع السيد المسيح اليه بالجسد المؤمنين به من بقية اليهود وعددهم 114 ألفاً فقط، يهبطون معه الى الارض بعد انتهاء المعركة ليلتقي مع المسيحيين الآخرين، ومن ثم ليحكم الأرض مدة ألف عام يسمونها الألفية.

حدث ذلك في الوقت الذي كان الرئيس السابق جورج بوش في البيت الأبيض، وهو واحد من المؤمنين بهذه العقيدة التوراتية. والذي أصبح بعد 11 ايلول 2001 من العاملين عليها. فكانت الحرب على أفغانستان ومن ثم على العراق على أمل أن تكون الحربان مدخلاً الى هرمجيدون (؟). ولما لم يحدث ذلك انتكست الحركة المسيحانية الصهيونية، وتمثل انتكاسها في رد الفعل الذي ألحق الهزيمة بالحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية التي أوصلت الرئيس باراك أوباما الى البيت الأبيض. غير ان الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها الحزب الجمهوري وتمكن من استعادة السيطرة على الكونغرس، تطرح من جديد علامة الاستفهام الكبيرة حول ما اذا كانت نظرية الجنرال كالفان سوف تستعيد موقعها من جديد على حساب نظرية الأمير تشارلز!!

فالحزب الجمهوري يعارض بشدة سياسة الرئيس أوباما من القضية الفلسطينية. وبعد سيطرة الحزب على الكونغرس، انكفأ الرئيس أوباما وتراجع عن خطته لتحقيق تسوية سياسية تحفظ للفلسطينيين حقوقهم (خطاب جامعة القاهرة)، وأوقف الضغوط السياسية والاقتصادرية التي كان قد هدد باللجوء اليها لحمل اسرائيل على وقف مشاريع مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني.

وفي الوقت الراهن فان الحزب الجمهوري لا يطالب بالتصعيد العسكري في أفغانستان فحسب، ولكنه يطالب أيضاً بالتحالف مع الهند ضد الباكستان، ويتبنى موقف دلهي من قضية كشمير. بل ان الحزب يتهم باكستان بأنها دولة فاشلة يجب العمل على انتزاع سلاحها النووي حتى لا يتحول اداة بيد الارهاب !!

كذلك فان الحزب الجمهوري يعارض اغلاق معسكر غوانتانامو ويطالب بسحب الجنسية الأميركية من كل أميركي مسلم يثبت انه قدم مساعدة للارهاب ولو من خلال التبرع لجمعيات خيرية تصنفها أجهزة الأمن الأميركية بأنها ارهابية. من هنا وأمام انكفاء الرئيس أوباما الذي يعكس يأساً في قدرته على تنفيذ ما سبق أن تعهد القيام به لإصلاح العلاقات الاسلامية الأميركية التي تدهورت في عهد الرئيس السابق جورج بوش، وأمام استعادة الحزب الجمهوري للمبادرة من جديد على أساس الثوابت الدينية اليمينية المتطرفة، ترتسم مرة جديدة علامة الاستفهام حول مستقبل هذه العلاقات.

ومما يزيد الطين بلة، الاعتداءات الارهابية التي تعرض لها مسيحيون في العراق ومصر (كنيسة سيدة البشارة في بغداد، وكنيسة القديسين في الاسكندرية). فقد بدأ توظيف هذه الاعتداءات لتصوير مسيحيي الشرق وكأنهم يتعرضون "للتصفية وللتهجير القسري على أساس عنصري ديني"، كما زعم الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي في الخطاب الذي ألقاه لمناسبة عيد الميلاد. ورغم مواقف الشجب والادانة التي عمّت العالم العربي وخاصة مصر والعراق، فان المقاربة الأوروبية لهذه الاعتداءات تعيد الى الأذهان "المسألة الشرقية" التي طبعت العلاقات بين أوروبة والعالم العربي في القرن التاسع عشر. وهي مسألة الحقوق الدينية لمسيحيي الشرق، ودور الدول الأوروبية في حمايتهم (؟) دفاعاً عن حقوقهم. في تلك المرحلة استخدم ما اعتبر "وجوب حماية المسيحيين" مدخلاً لفرض الاستعمار الأوروبي (الفرنسي والبريطاني وحتى الإيطالي) على العديد من الدول العربية.. كما استخدم غطاء لتمرير زرع الكيان الصهيوني في فلسطين. ولقد حدث ذلك رغم ان مسيحيي الشرق لم يطلبوا تلك الحماية الموهومة؛ بل رغم معارضتهم لها ورغم تصديهم للاستعمار الاوروبي مع المسلمين من أهل أوطانهم.

أما في المرحلة الحالية حيث لم يعد الاستعمار حلاً، فان التجربة السودانية تشير الى ان البديل هو بتقطيع أوصال الدول العربية على قاعدة الاختلافات الدينية والعنصرية.

فالمؤرخ الأميركي اليهودي- المعروف برنارد لويس في دراسته لحساب وزارة الدفاع الأميركية في منتصف السبعينات من القرن الماضي اقترح اعادة النظر في الخريطة السياسية للمنطقة الممتدة من الباكستان حتى المغرب بحيث يكون لكل طائفة دينية أو مذهبية أو لكل جماعة قومية كيان سياسي خاص بها. وقد اعتمدت اسرائيل هذه الدراسة أساساً لما سمته "استراتيجية اسرائيل في الثمانينات"، وعملت على تنفيذها انطلاقاً من لبنان وشمال العراق وجنوب السودان وامتداداً حتى الأمازيغ في شمال افريقيا..

ومن المحزن والمخزي معاً، انه فيما يتواصل العمل بنفس طويل وتصميم أكيد على تنفيذ هذه الستراتيجية، تتصرف الدول العربية الاسلامية وكأنها لم تكن!.

======================

«صنع في الشرق الأوسط»

الجمعة, 04 فبراير 2011

وليد شقير

الحياة

تكتسب نظرية «الدومينو» بعداً آخر مع انتفاضة الشعب المصري بعد انتفاضة شعب تونس، ومع ما تشهده المنطقة العربية من تفاعلات في غير بقعة ودولة تختلف ظروفها وأوضاعها بعضها عن بعض اختلافات موضوعية وبنيوية كبيرة. ف «الدومينو» الذي أراده «المحافظون الجدد» في أميركا من هجومهم على الشرق الأوسط باحتلال العراق، بحجة واهية هي إقامة الديموقراطية في الدول المحيطة، كان وهماً من الأساس، وفشل، كما كان متوقعاً له، بعد أشهر قليلة من السيطرة على بلاد الرافدين، وهو ما أدى الى بدء تهاوي هؤلاء «المحافظين الجدد» في أميركا نفسها بدءاً من سقوط منظِّرهم الأساسي ريتشارد بيرل آخر العام 2003.

أما «الدومينو» الذي نشهده الآن، حيث يُسقِط حجر اللعبة زميله حين يقع عليه، فإنه اللعبة الأصلية والحقيقية البعيدة من أحلام وجنون «المحافظين الجدد». فالأحجار تتحرك ليسقط الواحد تلو الآخر بفعل حركة نشطة ولدت في رحم كل مجتمع تهب فيه رياح التغيير من داخله وليس بدفع من الخارج، مهما كان دور هذا الخارج.

بما شهدته تونس وتشهده مصر، تثبُت صحة الرفض العربي والأوروبي لجموح إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش نحو التغيير بالقوة، حين امتنع الأوروبيون، في طليعتهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك آنذاك، عن مسايرة سياسته التي غلّفها قدر من الشوفينية والعنصرية والأحكام المسبقة حيال العرب في سعيه الى التغيير نحو الديموقراطية، وحين اعتبروا ان خصوصيات المجتمعات لا تتيح الاتجاه نحو الشرق الأوسط الواسع الجديد، لأنه تغيير لا يمكن أن يأتي من الخارج.

وليس هذا الاستنتاج هو الوحيد من دروس تونس ومصر وغيرهما، من التفاعلات التي يشهدها الشرق الأوسط المرشح لأن يجدد نفسه بنفسه. وهذا أمر يقاس بالسنوات وليس بالأشهر أو بكبسة زر.

فالمحرك الداخلي في كل من المثلين الأخيرين، على رغم أوجه الاختلاف في كل من المجتمعين المصري والتونسي، وموقعي البلدين، يقوم على تراكم النقمة على مدى عقود، إزاء الثالوث الذي ترتكز عليه الأنظمة المتداعية: بُنى سياسية تضمن الأحادية في الحكم وتحول دون التعددية، قمع بوليسي وأمني تتداخل من خلاله القوة الأمنية والعسكرية مع البنى السياسية لتصبح شريكة في الحكم والمغانم، وأخيراً طبقة من رجال الأعمال ذوي الثروات الفاحشة المستندة الى الفساد الذي يغذي النظام السياسي والبنى العسكرية بالمنافع والرشى وقوة الاستمرار.

إلا أن تراكم النقمة على القهر المتمادي من هذا الثالوث ليس كفيلاً وحده بتفسير ما يحصل. فهذا الثالوث، ولا سيما طبقة رجال الأعمال، يحتاج الى جيش من العاملين كي يخدم الاقتصاد المركنتيلي الذي يقوم عليه النظام. وهو بالتالي يحتاج الى المتعلمين من الشباب، الذين ازداد عددهم على مدى جيلين أو ثلاثة، فتصاعدت أعداد العاطلين عن العمل منهم بفعل سوء توزيع الثروة. هؤلاء كانوا وقود الانتفاضة. وليس صدفة أن فعالية هؤلاء كانت أكبر من فعالية الأحزاب، وأن عنصر الشباب المتعلّم استخدم الوسائل الجديدة التي أخذ العالم يندهش من دورها في الانتفاضة (تويتر وفيسبوك والخليوي) لأن الإعلام الجديد فاق تأثيره ذلك الذي تلعبه الفضائيات. وبدا أن الصفة الليبرالية التي تغلب على هؤلاء، وهويتهم المنفتحة والحديثة والعفوية، غير الحزبية وغير الدينية، الطاغية عليهم، أعطتهم مرتبة الريادة في ما شهدت مصر وتونس، قياساً الى أدوار الأحزاب، حتى العريقة منها. وإذا تكررت ريادة هؤلاء في دول أخرى، فإنهم قد يكونون عنصراً مساعداً على تخطي الانقسامات العمودية، الطائفية والقبلية في مجتمعات أخرى، التي تستعين بها الأنظمة على حماية ثالوث القمع السياسي والقمع الأمني والفساد المالي والاقتصادي.

استنتاج آخر لا بد منه: أجندة الانتفاضتين داخلية أساساً. على الأقل هكذا انطلقتا. وفي حالة مصر، فإن رفع شعار «الكرامة» في ميدان التحرير يرمز الى أن الديموقراطية هي الطريق لاستعادة دور مصر الإقليمي التاريخي، المغيّب، سواء في الصراع العربي – الإسرائيلي أم في أزمات المنطقة الكثيرة.

«الدومينو» هو عدوى. ومن الطبيعي أن تنسب الأحزاب الإيديولوجية الى خطها السياسي فوائد ما يحصل، لكن ما يجب التوقف عنده هو السؤال عما إذا كانت العدوى جاءت من الثورة الإيرانية، أو من الأوكرانية أو من 14 آذار 2005، أو من التظاهرات الضخمة عربياً ودولياً ضد الحرب على لبنان وغزة، أم من الانتفاضة في إيران احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 (وفي الأخيرة أوجه تشابه مع مصر في عملية قمع الانتفاضة)، أم أن العدوى جاءت بفعل هذه الأمثلة مجتمعة؟

======================

 مصر: مقدمات الزلزال العربي

الجمعة, 04 فبراير 2011

شفيق ناظم الغبرا *

الحياة    

في العام الماضي ازددت معرفة بالفروقات المتزايدة بين أغنياء وفقراء مصر وبين طبقتها السياسية وبقية الفئات في المجتمع. جاء ذلك من خلال عدة رحلات ولقاءات مع أصدقاء في مصر. أذهب في المساء الى أحد المطاعم الفاخرة فأرى عالماً ساحراً من البذخ والرفاهية. أسير في النهار وسط الناس فأشعر بالبؤس يطوق أزقة المدينة وشوارعها. في كل مرة أرى آثار الديكتاتورية على شعب عرف بطيبته وعظمة تاريخه. أتساءل بيني وبين نفسي: «هل أنا في إيران الشاه عشية قيام الثورة عام 1978؟»

أثناء إقامتي في القاهرة في كانون الثاني (يناير) الماضي تحدثت مع الكثير من الناس. أصدق الأحاديث كانت مع سائقي التاكسي. سمعت قصصاً كثيرة، وكادت كل قصة أن تكون متطابقة مع الأخرى حول سيطرة 4 في المئة من المصريين على اقتصاد 96 في المئة منهم وحول الفساد والرئيس والتوريث.

وفي آذار (مارس) الماضي التقيت في العاصمة الأميركية عدداً من المثقفين من أعضاء «الحزب الوطني» الحاكم أثناء مؤتمر في الولايات المتحدة. حملت إليهم أسئلتي ومخاوفي عمّا رأيت في مصر، ولكني فوجئت بالردود. أحدهم قال: «أنت لا تعرف الشعب المصري فهو هادئ بهدوء النيل». أما الثاني فأكد «إذا أردت أن تفهم مصر فالسلطة الحقيقية للجيش وليس للشعب». قلت لأصدقائي: «لكني أرى تغيراً في المزاج. الشعوب تتحرك في لحظة لا يعرف أحد موعدها. مصر في الطريق الى شيء كبير إذا لم تبدأوا إصلاحاً حقيقياً، بل ربما فاتتكم اللحظة لهذا الإصلاح».

بعد الحديث أخذني أحد الشبان جانباً ممن سمعوا النقاش وتساؤلاتي. كان أصغر سناً من البقية ويمتهن الصحافة. نظر الى اليمين واليسار والى الخلف، ونحن في العاصمة الأميركية ولسنا في مصر. قلت له: لماذا تنظر حولك فأوضح بسرعة: «لكي لا يسمعني أحد من أصدقائي، إذ أخشى من التمييز ضدي». ثم قال لي: «مصر في الطريق الى انفجار، نحن نسير نحو المجهول».

حُكمت مصر منذ اغتيال الرئيس السادات عام 1981 بواسطة قانون الطوارئ وشهدت ضموراً كبيراً في دورها الإقليمي. ويلاحظ أن عدد رجال الأمن في مصر عند اغتيال الرئيس السادات لم يتجاوز مئتي ألف، بينما كان الجيش في أوج قوته مليوناً ونصف المليون. الآن عدد قوات الأمن مليون ونصف المليون بينما عدد قوات الجيش المصري مئتان وخمسون ألفاً. هذا دليل انه في ظل السلام مع إسرائيل برز عدو جديد: المعارضة والشعب.

وليبقى حزب أو رئيس ومجموعة صغيرة في الحكم لمدد خيالية (30 عاماً) لا بد من الكثير من القمع وحجز الحريات وتفتيت المجتمع وإضعاف المؤسسات، ولا بد أيضاً من تغيير القوانين لمصلحة احتكار السلطة. وهذا يعني إشعار الناس بالخوف من التغيير عبر تفتيت القوى الوسطية المستقلة، وجعل الأمر يبدو على انه معركة بين النظام والتطرف الإسلامي، بل وصلت الأوضاع الى الحافة في مصر عندما وقعت انتخابات مجلس الشعب والشورى التي شابها الكثير من التزوير مؤخراً.

ويمكن القول إن قضية التوريث بالتحديد ساهمت في الغليان. ففكرة أن يعيش المصريون ثلاثين أو أربعين سنة أخرى مع حاكم لم يختاروه في ظل انتخابات مسيطر عليها هو الآخر لعب دوره في تفجير ثورتهم. فالتوريث تحرسه حراب الأمن ومنع الحريات وقمع المعارضة وغياب الإصلاح وسيطرة الفساد.

وعندما تقع الثورات الكبرى من شاكلة التونسية والآن المصرية، عبر هدير الملايين، يكون المجتمع كمن أصيب بالحمى ووصلت حرارته وتصبب العرق من جسده الى حدها الأقصى. الثورات حالة تفاؤل ومقاومة للمرض تماماً كمريض الحمى الذي يقاوم بهدف استعادة صحته، والثورات لا تقع إلا في المجتمعات القوية ذات الاعتداد بالذات والطامحة للمستقبل. إن محاولة قمع الثورات بالقوة تساهم في اشتعالها، كما أن السعي لتمييع مطالبها يقوي الأجنحة الأكثر تطرفاً في الشارع.

إن التحولات الكبرى في التاريخ لا تهدأ إلا بعد أن تحقق تحولاً نوعياً كبيراً، فالتعيينات التي تمت في الأيام الأخيرة، بما فيها تعيين الرموز الأكثر نزاهة في النظام، كما حصل مع تعيين نائب الرئيس عمر سليمان، لا يغير من حدة الثورة وعمق التحولات التي تحدث في كل ساعة. إن تعيينات الساعات والأيام الأخيرة تذكر بتكليف الشاه لشهبور بختيار برئاسة الوزراء قبل السقوط الأخير.

إن إصرار المتظاهرين على تنحي الرئيس مبارك للبدء بالتحولات السياسية يحمل معان كثيرة حول طبيعة التغير الذي يقع في مصر. وبينما تبرز آراء وسطية بين القوى المعارضة، إلا أن الغلبة عادة في حركات كهذه هي للرأي القاطع، والسبب يعود لسقوط الثقة بالنظام القديم والشك في وعوده. إن لجوء النظام الى ميليشيات وعصابات عنيفة ورجال أمن بلباس مدني للاعتداء على المتظاهرين المسالمين يمثل انتهاكا لحقوق المجتمع واعتداء صارخاً على المتظاهرين الشبان، كما يعبر ذلك عن ضعف كبير في النظام واستشراس في الحفاظ على ما تبقى من رموزه. وهناك شعور منتشر بين النشطاء خاصة بعد الهجمات العنيفة عليهم بأن التوقف قبل تحقيق المطالب الرئيسية بما فيها استقالة الرئيس سوف يعرضهم لانتقام النظام. لهذا بالتحديد باتت المواجهة في مصر معركة كسر عظم.

المعارضة المصرية والقوى الجديدة التي سيفرزها الشارع المصري ستتحاور مع المؤسسة العسكرية الوطنية التي يمثلها نائب رئيس الجمهورية، لكن الشارع لن يقبل بأقل من رحيل الرئيس في هذه المرحلة ثم العمل على إدارة مرحلة انتقالية يتشكل فيها دستور جديد ويُحل إبانها مجلس الشعب والشورى ويُرفع قانون الطوارئ، ولن يقبل المصريون بأقل من انتخابات رئاسية جديدة وحريات حقيقية وتداول شامل على السلطة. هذه لحظة الحقيقة في مصر، وهي لحظة جيل.

سيبقى الجيش أساسياً في حفظ وحدة مصر، لكنه لن يكون قادراً علي إيقاف عجلة التغيير، وهذا سيدفع الجيش للعب دور مختلف في المرحلة المقبلة. سيكون دور الجيش تمهيداً، ولو بعد حين، لخروج العسكريين من التدخل المباشر في السياسة، إلا إذا انتخب أحدهم في انتخابات حرة مفتوحة مرجعيتها الشعب وأصواته. ما يقع اليوم هو مجرد بداية لديموقراطية حقيقية، تتطور مع الوقت، في أكبر وأهم بلد عربي، ولهذا الأمر أبعاد ونتائج على مستقبل الدول العربية.

وسيكون هناك أيضاً خاسرون في منطقة الشرق الأوسط ممّا يقع في مصر. إسرائيل تعيش توتراً واضحاً من جراء ما هو حاصل. ستكون مصر القادمة أكثر استقلالية، وأكثر التزاماً بالقضايا العربية والفلسطينية. أما الولايات المتحدة فربما تعي لأول مرة أن الشعوب العربية ستعبر عن نفسها في المرحلة المقبلة وستحمل للسلطة تيارات لا تعاديها بالمطلق، ولكن لا تتبعها في الوقت نفسه. ستكون روح الاستقلالية العربية أساسية في التيارات القادمة لقيادة العالم العربي. قد يكون التغيير في مصر مقدمة لتغير في النظرة الأميركية الى العالم العربي في الوقت نفسه.

رياح مصر العاتية ستهب على العالم العربي حاملة معها جيلاً عربياً جديداً يبحث عن المكانة والحياة الآمنة الحرة والمشاركة في بناء دول مدنية ديموقراطية. جيل «الفيسبوك» والانترنت والعولمة والحريات والمشاركة يدق على أبواب جميع الدول العربية. الحدث التونسي والآن المصري سيمهد للإصلاح الصادق والشامل من قبل الأجنحة المتنورة والأقل تورطاً في الفساد في الأنظمة الحاكمة العربية، وفشل الطريق الإصلاحي وفشل المتنورين في تحقيق نتائج سيمهد لثورات جديدة تطيح بأنظمة سياسية ترفض المشاركة وتداول السلطة. وسنجد أن بعض الأنظمة فقدت قدرتها الهيكلية على الإصلاح وأنها في الطريق الى زوال بسبب ذلك. بين الحالتين الإصلاحية والثورية ستعيش الحالة العربية مع جيل أعلن التمرد.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

======================

هل تنتفض دمشق وطهران بعد تونس والقاهرة...!!

حسان القطب

الجمعة 4 شباط 2011

المصدر: موقع بيروت أوبزرفر

الجميع يتابع الوضع المصري المتأزم والمتفجر بشغف وقلق وبألم أيضاً، العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بأسره يأسف لما يجري في شوارع مصر المحروسة من صراعات وصدامات بين المواطنين المصريين والأجهزة الأمنية، نتيجة رفض النظام الرضوخ لمطالب الشعب المصري في العيش بحرية وعدالة وتحقيق التنمية الاقتصادية، والكل يتمنى تنحي حسني مبارك بسرعة وبلا تردد ودون إراقة المزيد من الدماء عن سدة الرئاسة التي تبوأها ما يقرب من ثلاثة عقود بقبضة فولاذية .. من منا لا يدرك أن ما يجري في مصر اليوم، وما كان قد جرى في تونس بداية الشهر الماضي، هو نتيجة طبيعية لسياسة القهر التي يمارسها حكام هذه الدول، وسياسة القبضة الحديدية الأمنية التي ترخي بثقلها على شعوب المنطقة العربية والإسلامية ودول الشرق الأوسط بالتحديد.. الحرية والعدالة ورفع الظلم والقهر والتنمية الاقتصادية وتداول السلطة بشكل ديمقراطي وسلمي وحضاري هو كل ما ينشده المواطن العربي في المنطقة، وكافة حكام وشعوب المنطقة باتوا يدركون أن روحية القائد الملهم والزعيم الأوحد الذي لا يخطئ ولا يحاسب، وقيادة النخبة المختارة من الحزبيين والمناضلين لدول المنطقة وشعوبها التي سادت خلال العقود السابقة من القرن الماضي، لم تعد صيغة مقبولة في عالمنا العربي والإسلامي اليوم ولا حتى في دول الجوار المحيطة بنا...

 

ولا بأس إذا ما عدنا بالذاكرة إلى أولى مشاهد الانتفاضات السلمية التي جرت في هذا القرن الواحد والعشرين وكانت تلك التي واجهت الأجهزة الأمنية في 14 آذار /مارس من عام 2005، حين خرج المواطنون في لبنان، من كل لبنان، عزل وبدون سلاح، لمواجهة ظلم جيش الاحتلال السوري والقادة الأمنيين الذين زرعهم هذا النظام، في قمة الهرم القيادي للسلطة الأمنية اللبنانية لحماية وجوده في لبنان، ولمواجهة حلفاء سوريا وإيران من القوى الحزبية وميليشياتها المدججة بالسلاح تحت اسم المقاومة، وهي في حقيقة الأمر سلطة إلى جانب السلطة ودولة إلى جانب الدولة، وقد أعدت لتكون جاهزة للإمساك بزمام الأمور والانقضاض على السلطة عندما يحين الوقت، ومع ذلك خرجت الجماهير مطالبةً بخروج هذا النظام وجيشه وأزلامه وأتباعه من السلطة، وكان لها ما أرادت.. وتكرر المشهد عينه عام 2009، في انتفاضة طهران وسائر المدن الإيرانية التي رفضت تزوير الانتخابات الرئاسية، وقد قمعت هذه التظاهرات بالحديد والنار، ولكن لم تتمكن السلطة الإيرانية من القضاء على روح الحرية المزروعة في ضمير الشعب الإيراني الذي طرد شاه إيران عام 1979، في ثورة شعبية بطولية ليعيش بعدالة وحرية وفي دولة حرة وديمقراطية، ولكن ليس ليستبدل ديكتاتورية الشاه بديكتاتورية أخرى.. مهما كان اسمها، ومهما كان هدفها وطموحها..

 

من حق شعوبنا أن تنعم بالحرية، وان تعيش في سلطة تحترم حرية الرأي والمعتقد والتعبير، ومن حقها أن تنشئ وتؤسس أحزابا سياسية وجمعيات ثقافية وفكرية وأن يكون لها الحق في أن تتداول السلطة بعيداً عن منطق التهديد والتهويل والتخوين والاعتقال والسجن والترويع، ومن حقها أيضا أن تحاسب كل من يتسبب في هدر ثرواتها وخيراتها على امتداد عقود.. ومن حقها أن ترى برامج اقتصادية واجتماعية تنتخب على أساسها، وان تناقش وتعارض الخيارات السياسية لحكامها، وهذا ما انتفض من أجله الشعب اللبناني، والإيراني، والتونسي بالأمس، والمصري.. اليوم... الظلم يوازي الاحتلال والشعب الفلسطيني الذي قاوم ويقاوم المحتل بجبروته وظلمه وقهره قد سطر ملاحم الصمود في الضفة الغربية وغزة وأراضي عام 48، وأسس أطفال الحجارة وشبان الانتفاضة ونساء الصمود في فلسطين لكل هذه المشاهد البطولية التي نراها اليوم في شوارع العواصم العربية للجماهير التي خرجت بعفوية وبصدق لتغير واقعها المؤلم وتؤسس لمستقبل مشرق..

 

واللافت أن بعض الإعلام اللبناني والعربي الذي يروج ويهلل لثورة الشعب العربي التونسي ويؤيد انتفاضة الشعب المصري لتغيير القيادة المصرية.. في نفس الوقت يدين انتفاضة الشعب الإيراني ويعتبر قيادات المعارضة الإيرانية والمتظاهرين الإيرانيين عملاء للمخابرات الأميركية والموساد الإسرائيلي، ويستنكر غضب الشارع اللبناني في 25 كانون الثاني/يناير، من الانقلاب السياسي الذي نفذه حزب الله ونظامي سوريا وإيران في لبنان، ويصفها بتحركات وممارسات جاهلية وعصبية ومذهبية، في سيناريو متكرر وممجوج ومرفوض.. وفي الوقت عينه نرى هذا الإعلام يتجاهل الإشارة إلى الدعوات التي تم توجيهها للمواطنين السوريين عبر الانترنت والصحافة والرسائل النصية القصيرة عبر الهاتف المحمول للتظاهر ضد الظلم الاجتماعي والتراجع الاقتصادي والفقر المنتشر والبطالة المتفاقمة والمتزايدة بوتيرة مرتفعة بين الشباب السوري ونهج التوريث السياسي في سوريا والذي مضى عليه ما يقرب من أربعة عقود..وقد أشارت جريدة الرأي العام الكويتية إلى هذا الوضع بالقول.. (هذا يجعل من حالة سورية الكترونيا، حسب المسؤولين، مشابهة للحالة المصرية: «كل ما تحتاج إليه هكذا أحداث هو شرارة، وإذا ما أدى العنف إلى مقتل احد المتظاهرين، تتحول عمليات التشييع إلى تظاهرات اكبر». وتضيف: «نقاط ضعف الأسد تتضمن أن السوريين رأوا هشاشة الأنظمة التي تقمعهم في تونس ومصر، وانه على عكس أحداث حماه في الثمانينات لا يمكن للنظام السوري الحالي ممارسة العنف على نطاق واسع، إذ إن العالم بأكمله سيشاهد ما يحدث... والتجربة المصرية أظهرت أن إغلاق الانترنت والفضائيات لم ينفع»... وما يؤكد هذا الكلام هو الواقع الاجتماعي والمعيشي الصعب في سوريا، حيث كشفت في 15/1/2011، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية ديالا الحج عارف، عن وجود أكثر من مليوني سوري فقير يحتاجون إلى دعم مالي ومعونة حكومية. وأوضحت أن 420 ألف أسرة سورية، جميعها تقدمت إلى المسح الاجتماعي (الذي أجرته وزارة العمل) موزعة على أربع شرائح بحسب المستوى المعيشي لكل أسرة، حيث يتفاوت مبلغ المعونة بين شريحة وأخرى. وقالت "إن التكلفة التقديرية للمعونات النقدية التي ستصرف للمستحقين خلال هذه السنة تبلغ ما بين 10 و12 مليار ليرة سورية (الدولار يساوي نحو 47 ل. س.) ويتم الدفع من خلال 170 مكتب بريد منتشرة في جميع المحافظات"...

 

لماذا وصل الوضع السوري الاقتصادي والاجتماعي إلى هذا الحد من التراجع والتقهقر، ألا يحق لهذا الشعب أن يحاسب قادته على سياساتهم التي أوصلته ..وبالرغم مما تقدم نرى الرئيس السوري منشغلاً بل يتلهى في العبث بالبيت الفلسطيني، واللبناني، والعراقي، متجاهلاً الاحتلال الإسرائيلي للجولان، والوضع الاقتصادي المتأزم في الداخل وتراجع الدخل الفردي للمواطن السوري.. هذا الواقع السوري المؤلم، هو عينه ما تعيشه إيران وشعب إيران وبالأمس دعا زعيما المعارضة في إيران، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، النظام، إلى السماح بتنظيم تظاهرات في الشوارع، على غرار ما يحصل في دول أخرى في المنطقة. وجاء ذلك خلال اجتماع بين الرجلين في منزل كروبي قبل أيام، حضره رجل الدين المعارض بيات زنجاني... ونقل موقع «كلمة» التابع لموسوي، عن الرجلين قولهما: «في مصر الآن، وعلى رغم التوتر والعنف، سُمح للمحتجين بالتظاهر لإظهار أي طرف يحظى بمساندة أكبر. ونعتقد بالتالي انه إذا سُمح للمعارضة في إيران بالتظاهر، سيتّضح أي طرف يحظى بقاعدة وتأييد شعبيين»... وكانت السلطات الإيرانية تجاهلت دعوات سابقة لموسوي وكروبي، للسماح للمعارضة بالتظاهر... وأشاد موسوي وكروبي بحركة الاحتجاج في مصر، والتي اعتبرا أنها أوجدت وعياً «سياسياً وديمقراطيا»، مؤكدين أن «الديكتاتوريات سيُقضى عليها عاجلاً أم آجلاً». وقالا في بيان: «الدعوات الثورية إلى الحرية من شعوب مصر وتونس واليمن، ستصل إلى الطغاة والمستبدين في المنطقة والعالم».

 

التغيير قادم لا شك في كل دول المنطقة، وما شاهدناه في تونس، وما نشاهده اليوم في مصر، وما افتتحه الشعب اللبناني في 14 آذار/ مارس من عام 2005، في ثورته الشعبية السلمية، سيتكرر في كل عاصمة ووطن يعاني الظلم والقهر وفي مواجهة كل ديكتاتور وطاغية، وما نجح اللبنانيون في إنجازه عام 2005، في مواجهة سلطة غاشمة، سينجحون أيضاً في تحقيقه في مواجهة الميليشيات والأحزاب الشمولية التي نفذت الانقلاب الأخير، بالتهديد والوعيد، لأنها تفتقد لرؤية سياسية ومشروع اقتصادي وكذلك القدرة على الحكم بثقة وعدالة ونزاهة..

======================

يا حبيبتي يا مصر

ضياء الفاهوم

الدستور

4-2-2011

 ما آلت إليه الأوضاع في مصر الحبيبة يدمي القلوب وإذا لم يتفادَ العقلاء المزيد من التدهور وبالتالي ازدياد أعداد القتلى والجرحى والذين أصابتهم كافة أشكال الأذى وهم بالملايين من شعب مصر الشقيق ، فإن العواقب ستكون أسوأ بكثير مما حصل حتى الآن على ضخامة مآسيه ومصائبه ورعبه وإساءاته التي لا تعد ولا تحصى.

ولذلك فنحن نتوجه إلى الباري عزَّ وجلّ أن يلهم كل المصريين اللجوء إلى الحكمة في كافة الأمور قبل أن تتطور الأحداث إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

هناك من يقول أن المسؤولين المصريين قد كشروا عن أنيابهم وأنه لم يعد ينفع معهم أي كلام وأنه ليس أمام المصريين إلا أن يسقطوهم ويحاكموهم على كل ما اقترفت أيديهم فيما مضى وعلى إشعالهم الحالي لنار الفتنة بين المواطنين المصريين. ويقولون أن هؤلاء المسؤولين قد انتهجوا سبيل "عليَّ وعلى أعدائي" ويصفون ذلك بأنه عيب كبير بل وانحطاط ما بعده انحطاط. كما يقولون إنه لا مفر من تحقيق ما عزموا أمرهم عليه ومن بينه مواجهة وإسقاط الحزب الحاكم الذي يؤكدون أنه زور الانتخابات المصرية النيابية الأخيرة أبشع تزوير.

وهناك من يقول إنه كان من المفروض أن يتقبل الشباب والمعارضة ما طرحه الرئيس حسني مبارك في خطابه مساء الثلاثاء الماضي والذي تضمن عزمه على إجراء الإصلاحات الجذرية المطلوبة. ويرى هؤلاء أن الخطاب ركز على ذلك وأعطى فرصة كبيرة للحوار لمن يريدون أن يساهموا في إجراء الإصلاحات التي عقدوا العزم على تحقيقها والتي ارتأوا أنها تتركز على تخليص مصر مما اعتراها محليا وإقليميا ودوليا.

وهناك آخرون يرون أن الوطنية الحقيقة تتمثل أولا وأخيرا في إبعاد مصر عما سيواجهها من آلام لا حدود لها إذا استمر الحال على عدم التفاهم على صيغة مقبولة من الجميع تضع مصالح الوطن المصري الحبيب والشعب المصري في طول البلاد وعرضها فوق أي اعتبارات أخرى مهما كانت أهميتها.

أنظار العالم كله تتجه الآن نحو مصر والأغلبية العظمى من دول العالم وشعوبه تتمنى على كافة المسؤولين المصريين والمعارضين أن يغلًّبوا العقل ويساهموا في وضع حد لما يجري في أنحاء مصر العزيزة منذ تسعة أيام والذي إن تفاقم - لا سمح الله - فإن حربا أهلية لم يشهد لها التاريخ مثيلا ستقع والخسارة ستكون من نصيب الجميع.

صدقوني أنني قد بكيت عندما سمعت بعض الأناشيد والأغنيات المصرية الوطنية الحلوة التي ذكرتني بالأيام الجميلة التي قضيتها في أرض الكنانة الغالية على قلوب أهلها وقلوب كل من عاش فيها.

وصدقوني أيضا أن مصر الغالية على أمتها جديرة بأن تكون وطنا عالي الشأن ومحبوبا من كل البشر. والحقيقة أن بلاد النيل تستحق ذلك كما يستحق شعبها من كل إخوته العرب والمسلمين وأصدقائه في أنحاء العالم أن يعملوا على تفويت فرصة نشوب حرب أهلية.

بالله عليكم أيها المسؤولون والمعارضون والمتظاهرون حكموا عقولكم واتقوا رب العالمين في وطنكم وضعوا مصلحته فوق كل شيء وأعيدوا للبهية بهاءها وامنحونا فرصة أن ننشد سويا أناشيد وأغنيات مصر الوطنية الحلوة والتي في مقدمتها "يا حبيبتي يا مصر".

======================

المعارضة والشارع العربي

نزيه القسوس

الدستور

4-2-2011

 لا شك أن الأحداث الدراماتيكية المتلاحقة سواء في تونس أو مصر لم تقم بها المعارضة بل قام بها الشارع هذا الشارع الذي أصيب بالإحباط بعد سنوات طويلة من الحكم الفردي ، هذا الحكم الذي لم يسمح لأي نوع من أنواع المعارضة أن يكون فاعلا ولو صوريا على الساحة السياسية وفي الانتخابات المصرية التي جرت مؤخرا لم يسمح الرئيس مبارك حتى للمعارضة الموالية بأن ينجح نائب واحد منها ونجح كل النواب من الحزب الحاكم.

الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية لم تنتقد هذين النظامين بسبب ممارساتهما غير الديمقراطية والسبب في ذلك أن الأوضاع الأمنية فيهما مستقرة وهذا الاستقرار يؤمن مصالحها وهذا هو المهم ، كما أن حجتها بأن أي ممارسة للديمقراطية ستجعل الإسلاميين يصلون إلى الحكم ، لذلك فقد غضت هذه الدول النظر عن ممارسات هذين الحاكمين ضد شعوبهما وحكم القبضة الحديدية.

ثورة تونس وثورة مصر أحرجتا الولايات المتحدة كثيرا فقامت في البداية بإطلاق تصريحات خجولة عن ضرورة التغيير لكن عندما بدأت الأمور تسير بعكس الاتجاه المتوقع وتحت إصرار الشارع المصري على إسقاط الرئيس حسني مبارك صار الرئيس الأميركي يطالب بضرورة الانتقال السلمي للسلطة.

الأحداث الآن تتوالى في الشقيقة مصر بشكل دراماتيكي والجماهير المحتشدة في الساحات العامة في المدن المصرية الرئيسية تطالب بالتغيير وأنها لن تغادر هذه الساحات قبل تحقيق مطالبها ونحن هنا نراقب الأحداث وندعو الله أن يحفظ الشقيقة الكبرى وأن يجنبها الأخطار ويحمي شبابها فرسان التغيير ، لكن في المقابل يتساءل الكثيرون عن أحزاب المعارضة التقليدية في مصر وأين هي في هذه الأحداث ولماذا لا نسمع عن أي دور تقوم به وحتى لو ظهر بعض الأشخاص من هذه الأحزاب على بعض الفضائيات ليدلي بدلوه في ما يدور من أحداث عاصفة فإن ظهور هؤلاء الأشخاص هو من باب الحراك الإعلامي فقط لكن قيادة الشارع المصري لا علاقة لها بهذه الأحزاب أبدا لأن هذا الشارع هو الذي فجر الأحداث الأخيرة وقد تكون تشكلت قيادات ميدانية شابة في الميدان لم يكن لها في الأصل أي انتماءات حزبية.

ما جرى في تونس وما يجري في مصر الآن قد يمتد ليطال دولا أخرى يعيش قادتها في أبراجهم العاجية وينسون أن لهم شعبا يعاني معظم أبنائه من الفقر ومن الحرمان والبطالة وهؤلاء القادة شكلوا مجالس نيابية وفصلوها على قياسهم وقاموا بتعديل دساتير بلادهم ليظلوا في السلطة حتى بعد موتهم أو يورثوا هذه السلطة لأبنائهم وتركوا بعض رجال الأعمال والمتنفذين والمنافقين يعيثون فسادا في المال العام ويمتصون دماء أبناء شعوبهم ويحققوا مكاسب وثروات قد تكون أكبر من ميزانيات بعض الحكومات.

إن ما جرى في تونس ويجري الآن في مصر يجب أن يكون درسا مهما جدا لبعض القادة الذين اعتقدوا أنهم هم أصحاب السلطة والجاه والمال وأن ذلك يجب أن يكون حكرا عليهم وعل عائلاتهم والمقربين منهم ونسوا أو تناسوا أن الشعوب إذا شعرت بالظلم وغضبت ، فإن غضبتها ستكون مدمرة وستأكل الأخضر واليابس ولن ينفع ساعتها الندم على ما فات لأن ساعة الحساب قد أزفت.

======================

مصر.. القرار في ميدان التحرير

سمير الحجاوي

الرأي الاردنية

4-2-2011

تسود المشهد المصري حالة من الضبابية، فالحركة الشعبية الاحتجاجية تمكنت من حشد نحو 8 ملايين متظاهر في الشارع لأول مرة في تاريخ مصر الحديث، وفي اللحظة التي ظن فيها كثيرون أن ساعة الحسم قد اقتربت وان ما يجري قد يصل إلى نهايته، فإذا بالأمور تتخذ منحى أخر بخروج الرئيس المصري حسني مبارك ليعلن عدم ترشيح نفسه في الانتخابات التي ستجري بعد 9 أشهر مع حزمة تنازلات تحدث عنها في خطاب لعب فيه على عواطف المصريين في محاولة لشق الحركة الاحتجاجية.

لا شكك أن الرئيس مبارك قدم في خطابة تنازلات تكتيكية تقتضيها المرحلة من قبيل «الانحناء لعاصفة الجماهير الهادرة»، وهي تكتيكات ترمي إلى ضمان إحلال بديل من داخل النظام نفسه، بسبب رفع الولايات المتحدة وأوروبا الغطاء عن مبارك.

لا شك أن نائب الرئيس المصري عمر سليمان يقود المرحلة الحالية تماما وهو يسعى إلى تهدئة الشارع من جهة وإعادة ترتيب الأوراق، وهو يستخدم تكتيكات لكسر حدة الرفض للنظام وتحويله إلى رفض للرئيس مبارك فقط، أي اختزال الرفض بشخص الرئيس والتضحية به شرط الإبقاء على النظام ومكوناته وهذا يرضي بالطبع إسرائيل وأمريكا اللتين لا تريدان سقوط النظام برمته في مصر.

عنصران جديدان دخلا على خط المواجهة بين النظام المصري والشعب، الأول هو تنظيم مظاهرات مؤيدة للنظام في مواجهة المظاهرات المليونية الاحتجاجية، وهي مظاهرات صغيرة يقف وراءها الحزب الوطني وأجهزة الدولة التي يسيطر عليها، وهي خطوة مهمة وذكية و«شيطانية»، لان هذه المظاهرات ستعمل على الاستحواذ على جزء من المشهد الإعلامي ووضع المظاهرات المؤيدة،على قلة عدد المشاركين فيها، في كفة والمظاهرات الحاشدة في الكفة الأخرى بحجة التوازن، توازن بين مليوني متظاهر معارض من جهة وألف متظاهر من الجهة الأخرى، وبالتالي حرف الأضواء عن المظاهرات الاحتجاجية.

العنصر الثاني: هو التبدل التدريجي في موقف الجيش من رفض التصدي للمظاهرات الاحتجاجية واتخاذ موقف «شبه حيادي» والانتقال إلى موقف «شبه انحياز للنظام» بدعوة المتظاهرين للعودة إلى ديارهم من اجل توفير الأمن واستعادة الاستقرار في الشارع» بدعوى ان «رسالتكم وصلت ومطالبكم عرفت».

هذا التغير الغامض في موقف الجيش يسوق الموقف في الشارع المصري إلى احد احتمالين، فإما أن يقبل المحتجون المطالبين بإسقاط النظام بمطالب الجيش، وإما أن يرفضوا وبالتالي يتدخل الجيش لفض المظاهرات الاحتجاجية بالقوة من بوابة «فض المشاجرات بين المتظاهرين المؤيدين والمعارضين» وهي اشتباكات سيتم «فبركتها» من اجل تبرير التدخل، بل وقع بعض منها في ميدان التحرير فعلا، وقيل ان الحزب الوطني استخدم فيها الزعران والبلطجية، بل ورجال الامن بزي مدني، وهو تكتيك لتوريط الجيش في المواجهات.

المتغير الآخر في المشهد هو قبول ائتلاف المعارضة للحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان بعد تنحي مبارك»، أي أن المعارضة التقليدية تراجعت خطوة إلى الوراء، من مطلب إسقاط النظام إلى مطلب إسقاط رأس النظام فقط، وهو مطلب يقبله عمر سليمان من حيث المبدأ، والاختلاف هو على التوقيت، بين من يريد رحيله الآن وبين رحيله بعد 9 أشهر.

لا شك أن مدير المخابرات السابق عمر سليمان كسب خطوة تكتيكية معتبرة باقتناص هذا التنازل من المعارضة التقليدية، فهو يهدف إلى «تبريد الشارع» وحرف الإرادة الشعبية عن مسارها.

وعلى الرغم من كل هذه التطورات السريعة إلا أن ما يجري في الميدان يبقى هو سيد الموقف، وقرار الشباب في ميدان التحرير سيبقى هو المحدد لما سيجري في الساعات المقبلة، وهو مشهد مفتوح على كل الاحتمالات.

======================

إلى الشعب المصري

شلومو افنيري

هآرتس الاسرائيلية

الرأي الاردنية

4-2-2011

فعلت حكومة اسرائيل في الايام الاخيرة اجراءين يتعلقان بالتطورات في مصر: ففي البدء توجهت وزارة الخارجية الى السفراء وطلبت اليهم ان يحاولوا اقناع حكومات في الغرب بالتقليل من انتقادها لحسني مبارك.

وبعد ذلك توجه رئيس الحكومة الى دول صديقة في الغرب لتطلب الى النظام الجديد الذي سينشأ في مصر احترام اتفاق السلام مع اسرائيل.

مفهوم انه يوجد مكان للقلق. لكن في هذين الاجراءين خطأ مزدوجا: فاسرائيل تبدو رسولا ومرعية للغرب – كما يطلب أعداء اسرائيل في العالم العربي عرضها؛ وتُعبر بذلك ايضا عن العجز، وكأن السلام ليس مصلحة استراتيجية مصرية بل تفضلا من مصر على الغرب.

برغم عدم اليقين الراهن، يجب على رئيس حكومة اسرائيل ان يتوجه ببث مباشر الى الشعب في مصر بهذه الكلمات تقريبا:

«أتوجه اليكم، يا أبناء الشعب المصري، باعتباري رئيس حكومة اسرائيل، الذي انتخب بانتخابات ديمقراطية. منذ ثلاثين سنة يسود السلام بين دولتينا، على أثر زيارة رئيسكم أنور السادات المرحوم التاريخية للقدس وخطبته في الكنيست. بعد سنين من حروب الحدود بيننا أصبحت الآن حدود سلام. قرر زعماء مصر واسرائيل السير في مسار السلام والقيام بتنازلات غير بسيطة لضمان امكانية النماء والتطور الاقتصادي والعيش في كرامة للشعبين. إن سلام الشجعان هذا هو مصلحة استراتيجية وقيمية للشعبين ونحن نلتزم احترامه والحفاظ عليه وتطويره.

«إن الشعب في اسرائيل، الذي يشتمل على نحو من 20 في المائة من مواطنين عرب، يريد مصلحة الشعب المصري وسيحترم كل قرار على النظام الداخلي في مصر: انه قراركم، ولا نية عندنا ان نتدخل في حقكم السيادي في صياغته. نأمل انه كما تم الحفاظ على السلام في الثلاثين سنة الاخيرة، أن يُحافظ على هذه الانجازات التاريخية في المستقبل ايضا.

«مما يؤسفنا أننا لم نتوصل بعد الى اتفاق مع جيراننا الفلسطينيين. وكما قلت في خطابي في جامعة بار ايلان، اسرائيل بقيادتي ملتزمة بحل الدولتين للشعبين. دعوت رئيس السلطة الفلسطينية الى بدء تفاوض في جميع المسائل المختلف فيها، فورا وبلا شروط مسبقة. ومما يؤسفنا انه لم ينجح حتى رئيس الولايات المتحدة في الإتيان بالطرفين الى مائدة التفاوض.

«الآن خاصة أصبح حل الصراع أهم، وأنا أعود وأدعو السلطة الفلسطينية وقادتها الى بدء تفاوض في جميع المواضيع فورا. إن بدء تفاوض كهذا واحراز اتفاق – أعتقد انه قابل للاحراز في فترة قصيرة نسبيا، وهذا هو رأي رئيس السلطة ايضا – سيُسهم في استقرار المنطقة وسلام جميع الشعوب والدول. بيننا نقاط اختلاف غير بسيطة، لكننا مستعدون لمواجهتها باستقامة مع الحفاظ على الحقوق الشرعية ومصالح الشعبين. نأمل ان نؤيد الشعب المصري وحكومته هذه الجهود ويشجعوا السلطة على بدء تفاوض.

«أود أن أضمن لكم ان اسرائيل معنية بجوار حسن يقوم على الاعتراف المتبادل والاحترام المتبادل لجميع الدول، وأرى السلام بينها وبين مصر – وهي الدولة الرائدة الكبرى في العالم العربي – حجر الزاوية للنماء والتطور في المنطقة كلها».

هل ستزيل هذه الدعوة المخاوف المفهومة التي تقض مضاجع الاسرائيليين؟ لا يقين في هذا. لكنها ستكون رسالة مهمة ستُستوعب في العالم وفي مصر بيقين: فالسلام ليس بين اسرائيل ومبارك بل بين دولتينا. علينا ان نتحدث الى الشعب المصري: هكذا فقط تسلك دولة ذات سيادة تحافظ على مصالحها وعلى مكانتها الدولية.

======================

مصر إلى أين ؟

"زيّان"

النهار

4-2-2011

هل كان من المتوقَّع في عواصم القرار، والعواصم القريبة من النظام المصري، أن يستجيب الرئيس حسني مبارك فوراً وبلا أي تردَّد أو ممانعة لدعوة "ثورة الغضب" و"المقيمين" في ميدان التحرير، فيحزم حقائبه ويمضي الى عطلة طال انتظارها له خارج قصور الحكم التي أمضى داخلها ثلاثين سنة، بنهاراتها ولياليها؟

يطرح هذا السؤال نفسه حين يتابع المراقب المحايد التطورات الدراماتيكيَّة المتسارعة في مصر، والتي فاجأت بانزلاقها العنفي حتى قيادات القوى المسلَّحة، والأحزاب السياسيّة، وأجهزة الإعلام بكل وسائلها وحساباتها.

كأنه البركان الذي ينفجر للمرة الاولى.

وفي مكان وزمان لم يخطرا في أيٍّ بال، ولا في أي احتمال. من قريب أو بعيد.

لسبب ما من جهة، وخوفاً على مصر ودورها وحجمها، كان كثيرون من المصريين والعرب والأجانب يراهنون، منذ غياب مبارك عن "السمع" ولأيَّام كان الغضب خلالها يلتهب ويتأجّج، أن يطلَّ "الرئيس" حاملاً بيمينه رسالة استئذان الى المصريين، راسماً على وجهه ابتسامة الوداع، طالباً من الجميع الالتفاف حول مصر، وصون وحدتها، والسهر على تطوّرها وتقدمها.

لكنه لم يفعل.

بل لجأ الى ما يمكن وصفه باعلان التحدي، واشهار غضب تمثَّل في التمسُّك باكمال ولايته الدستوريَّة حتى آخر دقيقة، ملوّحاً ببعض الاصلاحات التي تبقى مجرَّد كلمات على الماء، أو حبر على ورق.

فاندلعت الشرارة التي قال عنها نائب الرئيس عمر سليمان إنها أوقدت النار تحت قدْر الاصلاح، وشحذت الهمم، وفتحت العقول والانظار على واقع قاس، وصعب، وغير مقبول، من كل الجوانب، وعلى مختلف الصعد.

واندلعت الأسئلة القلقة: مصر، الى أين؟ الى الجيش مرة أخرى، أم الى الحرية؟

ما سيحصل اليوم في "جمعة الرحيل"، سيبقى هو العلامة أو الاشارة الجديدة، وهو الذي سيدل على المفترق الذي ستسلكه الأحداث في مصر، وعلى الخطوات والمواقف التي قد يجد الرئيس المصري نفسه مضطراً الى الاقدام عليها، كما قد تجد القوى المسلَّحة أن دورها قد حان وقته.

إلا أنَّ ذلك لا يمنع من الاضاءة على ما انجزه هؤلاء الشبان "المقيمين" بعناد وايمان في ميدان التحرير، وبالاعتراف لثورة الغضب انها أنهت مرحلة طويلة غير مضيئة في تاريخ أم الدنيا، ووضعت حداً قد يكون نهائياً وأبديّاً لنوع من حكم الشخص الواحد، وتحت راية الجمهورية واسمها فيما التصرف والسلوك يتبعان راية الملكيّة ومراسمها.

بالغ مبارك في "شخصيّة" الحكم والدولة والسلطة، حتى بدت مصر في سنيّها الأخيرة كأنها تابعة لأحد السلاطين الخارجين من كتاب "ألف ليلة وليلة".

======================

مصر: دلالات السقوط السياسي لنموذج "رجل الأعمال"

جهاد الزين

النهار

4-2-2011

هناك حصيلة أولى دراماتيكية للانتفاضة المصرية تراجع وقع تأثيرها بسبب ازدحام جدول أعمال الانتفاضة وعلى رأسه المطالبة غير المتحققة برحيل الرئيس حسني مبارك.

هذه الحصيلة الغاية في الاهمية هي تشكيل الحكومة المصرية الجديدة بدون "رجال اعمال". فقد كان هذا هو العنصر الأهم بل الوحيد الجديد نوعياً الذي أسفرت عنه حكومة أحمد شفيق... حتى ان رئيسها في حواره أمس الاول على قناة "دريم" مع الزميلة منى الشاذلي تباهى بالامر، أي تباهى باستبعاد الحكومة لرجال الاعمال، كانجاز اساسي.

يحمل هذا الاستبعاد أكثر من معنى من شأنه أن يفتح انطلاقاً من مصر على حقبة جديدة متعددة الابعاد عربياً وربما في العديد من الدول النامية.

ففي العقدين المنصرمين تقدم الى واجهة الحياة السياسية نموذج جديد في السلطة لتولي المسؤوليات. نموذج "رجل الاعمال" القادر على لعب دور سياسي مباشر بحكم خبرته في المجال المالي – الاقتصادي. هكذا شهد عدد من الدول العربية تولي "رجال اعمال" مناصب وزارية أو حتى رئاسة الوزراء.

لقد كان تقدم هذا النموذج في الحياة السياسية نتيجة بارزة من نتائج اتساع سيطرة افكار وبالتالي آليات "اقتصاد السوق" على العالم الثالث بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، بل حتى اتساعه داخل دول رأسمالية أوروبية عريقة عندما أخذ يشمل تخصيص مؤسسات اقتصادية كانت تعتبر تقليدياً جزءاً من ارث الدولة الوطنية وادارتها.

في السنوات العشر الاخيرة ظهر جمال مبارك، ليس فقط كنجل للرئيس، بل الى ذلك كممثل مباشر لنموذج رجال الاعمال الذين يقودون بدعم من الدولة عملية نقل احدى أكبر دول القطاع العام في التاريخ الحديث (بعد تجربة المنظومة السوفياتية) الى اقتصاد السوق. كان الرئيس السادات قد أتاح ظهور نموذج "رجل الاعمال" كجزء من ادارته لعملية التحول الاقتصادي في السبعينات وكان رمز تلك الطبقة "عثمان احمد عثمان" المقاول الكبير الذي كان اسمه وأسماء شركاته تملأ شوارع القاهرة والمدن المصرية في تلك الحقبة، ليس أقل كثيراً من اللافتات الحاملة لاسم رئيس الجمهورية محمد أنور السادات يومها.

لكن مع صعود جمال مبارك، كان "الدور السياسي" لرجال الاعمال هو الذي يُطرح. إذن، رجال اعمال – قادة سياسيون – اضافة الى اقنوم ثالث في تقديمهم هو انهم "شباب" من الناحية العمرية.

هذه الاقانيم الثلاثة: رأسمال – سلطة – شباب هي التي واكبت الدفع الترويجي لدور رجال الاعمال. فأخذت مع التركيز على "لجنة السياسات" في الحزب الوطني التي ترأسها جمال مبارك تدخل اسماء من "مجموعته" في الحكومات المتعاقبة في السنوات الست أو السبع الاخيرة.

مع قيام الرئيس مبارك بعد الانتفاضة باستبعاد رجال الاعمال من التشكيلة الحكومية الجديدة، عنى الأمر عدا عن الاهانة الشخصية العميقة لهذه الفئة، اعلاناً حاسماً يعترف فيه الرئيس ليس فقط ب"بديهية" إنتهاء مشروع نجله الرئاسي، فهذا المشروع سقط يوم 25 كانون الثاني، وإنما اساسا بالسقوط الأخلاقي – السياسي لدور رجال الاعمال... الذي تحول مع الوقت، وبمعزل عن الفوارق بين تجربة "رجل الاعمال" في المجال الاقتصادي البحت، الى مرادف للمزيد من الفقر والفساد فيما اصبح شهيرا باسم "تحالف المال والسلطة" وليس كما كان في التسعينات، عنوان امل بنمط جديد ليبرالي من التنمية التي "تخلق وظائف" وتقيم "بنية حديثة" للاقتصاد.

هذا سقوط لا يمكن – كظاهرة سياسية اقتصادية اجتماعية – إلا أن تكون له تأثيراته العربية من الآن فصاعدا.

لقد وجد الرئيس مبارك وهو ينازع لخروج انتقالي غير مهين من الرئاسة مستنداً الى مصالح طبقة بيروقراطية – عسكرية تريد ضبط التغيير داخل النظام وليس خارجه... ان الخاسر الأسهل والسريع في المواجهة هو نجله... ومجموعته... ونموذجه.

لكن من الضروري هنا الاستدراك ان ما سقط في وعي المصريين، نخبا وجمهورا، ليس كل نماذج "رجال الاعمال" بل النموذج الذي بدا حصيلة تدفق المال السهل في حقبة العولمة المالية، حيث تبنى الثروات ليس بالانتاج الصناعي والزراعي والان في قطاع الاتصالات الحديث الذي يزيد الثروة الوطنية إنما بالعمولات الناتجة عن استخدام النفوذ الذي تقوم به مجموعة من "السماسرة" لا المنتجين.

لا أريد أن أظلم رجال اعمال جديين وحاملي مشاريع تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة خصوصا بين جيل الشباب، كما ايضا لا اريد ان اظلم تجارب رجال اعمال مصريين وبينهم قريبون من الفئة التي سقطت سياسياً في مصر في السياق الذي نشير اليه، فهؤلاء المستبعدون من الحكومة... والحكومات المقبلة يدفعون ثمن فشل مشروع لم يأت بأي تنمية نوعية تساهم في التوازن الاجتماعي – الاقتصادي للمجتمع المصري، أو ما يحب أن يسميه المصريون "الامن الاجتماعي"... وإلا لماذا تسقط تلقائياً فئة كهذه – في ما يشبه السقوط الاخلاقي ايضا بفعل انتفاضة يحركها الشباب الجامعيون والعاطلون عن العمل ذوو الثقافة الحديثة والمتواصلون عبر "وسائل الاتصال الاجتماعية" ك"الفايس بوك" و"التويتر" وال"إي مايل" والانترنت عموما؟

لقد كانت مصر تاريخيا سباقة على المستوى العربي في تقديم اول نموذج ريادي ل"البورجوازي الوطني" الذي ينشئ المصانع والصحف ويدعم المتاحف والانتاج السينمائي في الثلث الاول بل النصف الاول من القرن العشرين... وهناك الكثيرون في النخبة المصرية الاقتصادية من يعون اهمية تجديد هذا النموذج في سياق التحديث المصري... تجديده بمعطيات القرن الواحد والعشرين.

في التظاهرات والمواجهات التي يشهدها الغليان الشعبي في "ميدان التحرير" يعبر جزء كبير من الآتين الى هذا الميدان في الشارع القريب الذي يقوم فيه ميدان "طلعت حرب" الذي يتوسطه تمثال هذه الشخصية البورجوازية الوطنية في تلك الساحة العريقة من القاهرة، كعنوان قديم للحداثة الريادية المصرية في القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين.

حداثة كانت لها تقاليدها الدستورية الديموقراطية...

اما اليوم فيعبّر الشباب المصري المنتفض عن النزوع الى تلك التقاليد والتأكيد على المسؤولية الاجتماعية للدولة عبر القطاع العام الموروثة عن العهد الآخر الناصري في آن معاً.

الانتفاضة الحالية ترث، ولو بشكل مشوش، مزيجا من ذينك العهدين المتصادمين في القرن العشرين... علّ الجيل الثالث يستطيع لا ان يصالح أخيرا بينهما، ولكن الأهم ان يبني من تجاربهما صيغة مصر المستقبل.

======================

تأملات في ثورة مصر

سمير كرم

السفير

4-2-2011

مصر استعادت ذاتها.

مصر استعادت مكانتها.

مصر استعادت ارادتها الثورية.

بعد سنوات وعقود من الاختباء وراء الصبر والرضى بالمقسوم والاعتقاد بأن الفرعون اقوى ولا يمكن تحدي قوته وقدرته وقواته، استعادت مصر ذاتها كما يعرفها التاريخ، واستعادت مكانتها في امتها. وغداً تستعيد دورها كاملا.

ثورة مصر استمدت إلهاماً بالتأكيد من ثورة تونس، ولم تتردد في السير على الطريق نفسه لأن ثورة تونس سبقت زمنياً واستطاعت ان تضيء طريقا بدا لزمن طويل مظلما. ولأن مصر كبيرة لم تجد عيبا او نقصا في ان تستمد الهاما من ثورة الشعب التونسي العربي. واستطاعت ان تتجاوزها الهاما وتأثيرا وأن تمد الامة العربية والعالم الاسلامي بطاقة ثورية ملهمة بلا حدود ... والعالم كله ينتظر النتائج.

الشعب المصري اكد من جديد قدرته على تخطي كل من حاولوا إخضاعه سواء من حكامه الداخليين او من حكام حكامه الخارجيين. واستطاع ان يكشف اخطاء كل من اعتقدوا ان روحه الحقيقية قد زهقت. استطاع ان يثبت لمن تصوروا انه مات تاريخيا انه ابداً لا يموت. الكل يراجع نفسه والكل يندم على تلك الاحكام التي ترددت لسنوات حتى كاد يصدقها المصريون فردا فردا.

الشعب المصري لم يفرض ارادته فقط على حكامه انما فرض ارادته على النخب الحاكمة الاميركية والاوروبية والإسرائيلية. اضطرها جميعها لأن تصعّد مواقفها مع التصعيد اليومي لموجات ثورته. حتى الادارة الاميركية التي لا تزال تحمي الدكتاتوريات العربية والاسلامية، بكل ما لديها من قوة، وجدت نفسها امام موجات الثورة المصرية مضطرة لأن تتحدث للمرة الاولى عن الشعب المصري وحقوقه الانسانية والديموقراطية. هذه الادارة الاميركية التي بدأت تصوير ردود افعالها على الثورة في مصر بأنها واثقة بأن النظام الحاكم في مصر مستقر، وجدت نفسها مضطرة لان تعلن انه لا مفر من الاستجابة لمطالب الشعب المصري.

اسرائيل بدأت ردود أفعالها بتأكيد ثقتها في ان النظام المصري سيسود وعادت لتقول إنها ستمتنع عن إصدار اية تصريحات بشأن ما يحدث في مصر، وتحت ضغط الاحداث اعتقدت انها تستطيع ان تحرض اميركا وأوروبا على الثورة المصرية بأن تطلب دعم النظام... طلبت بصريح العبارة الوقوف الى جانب النظام الحاكم المتهاوي في مصر ضد الشعب المصري وضد الثورة. اعتبرت اسرائيل ان السلام الذي اقامته مع النخبة الحاكمة المصرية اثمن وأغلى من حرية الشعب المصري ومن طموحات مصر الثورية.

بالاحرى اعتقدت اسرائيل ان مصلحتها يمكن ان تسود، ولم يبد لها ما بدا لكل الآخرين بوضوح انه ثورة على سياسة النخبة الحاكمة المصرية التي تراعي مصالح اسرائيل فوق المصالح المصرية والفلسطينية والعربية.

الاخرون - جميع الذين قرروا سحب رعاياهم من مصر - كانوا يعترفون بهذا الإجراء، بأن الثورة في مصر تجرف النظام في طريقها لا محالة.

لم يستطع احد من المراقبين من انحاء العالم ان يبتعد ببصره امام مشاهد الثوريين المصريين في ميادين القاهرة وميادين المدن المصرية الاخرى عن تذكر الانتخابات التي اجرتها السلطة الحاكمة على هواها، وزورت فيها ارادة الناخبين المصريين. فرض نفسه التساؤل: أليسوا هم انفسهم الناخبين الذين نسب النظام اليهم انهم صوتوا لمرشحي حزبه بنسبة تجاوزت الخمسة والتسعين في المئة؟

وكان الجواب الوحيد الممكن ان هؤلاء المحتشدين في ميادين المدن المصرية انما يردون على أكذوبة الانتخابات التي لم يمض عليها شهران اثنان. هذه هي اذن النتيجة الحقيقية للانتخابات.

ولم تجد كل المحاولات التي استلهمت اسلوب بن علي وإن بذلت اقصى جهدها لكي لا يظهر هذا جلياً لتأجيل السقوط الحتمي للنظام. لم تجد اجراءات اقالة الحكومة وتعيين حكومة جديدة اكثر من نصفها قديم. لم تجد محاولات التوسل لحوار مع المعارضة وكأن التاريخ لا يعلم الجميع في السلطة وخارجها ان الثورات لا تتفاوض مع اعدائها. اراد النظام ان يبقى حتى بعد ان فقد المساندة الاميركية والمساندة الاسرائيلية وبدت محاولاته عبثا وبدا هروب بن علي من تونس اكثر جرأة وربما اكثر حرصا على حقن الدماء. بدا بوضوح ان رئيس النظام ادخل نفسه في مقارنة لم يستطع الهروب منها مع نظام بن علي ثم مع بن علي نفسه، يريد ان يقاوم لفترة اطول من تلك التي استغرقها الطاغية التونسي. بدا كمن يريد ان يقول: لست بن علي بأي حال (...).

وبطبيعة الحال فإن المقارنة مع نظام بن علي التونسي لم تتوقف عند هذا الحد.

فعندما استدعى النظام  او أرغم على استدعاء  الجيش، تصاعدت في وقت واحد صيحات الفرح في صفوف المحتشدين بهذه الخطوة إدراكاً بعمق العلاقة الايجابية التي تربط الجيش المصري بالجماهير على مدى السنين منذ ثورة 23 تموز / يوليو 1952، وصيحات التساؤل اذا كان الجيش سيكرر في مصر  بالتالي  ما حدث من الجيش في تونس، عندما صارح بن علي بأنه لن يطلق الرصاص على الجماهير، وان على الرئيس ان يغادر البلاد بأسرع ما بمستطاعه. لكن مقاومة مبارك للثورة حتى بعد نزول الجيش، طالت بما يؤكد ان مبارك لم يتلق انذاراً مماثلا من الجيش المصري.

وهنا لا بد من التذكير بأن مبارك نفسه ينتمي  خلافا لبن علي  الى المؤسسة العسكرية، وأن له في قيادات الجيش من كانوا زملاء له او تلاميذ او مرؤوسين. وقد يكون معنى هذا ان الجيش يسمح له بوقت اطول لاتخاذ قرار التنحي، او ان الجيش لا يزال يحاول ان يقيس مدى تصميم الجماهير على مطلب تنحيه.

على اي الاحوال فإن مبارك حاول في تشكيله للوزارة الجديدة البديلة لوزارة رجال الاعمال والأثرياء ان يعتمد اكثر ما يعتمد على العسكريين. وقد ظهر هذا بجلاء في تعيينه اللواء عمر سليمان  الذي كان مديرا للمخابرات العامة  نائبا لرئيس الجمهورية بعد ان ظل هذا المنصب شاغرا لثلاثين عاما. كما ظهر بجلاء في اختيار الفريق احمد شفيق القائد السابق للقوات الجوية (المنصب الذي كان يشغله مبارك نفسه في وقت من الاوقات ) رئيسا للوزراء في الحكومة الجديدة.

هل تم هذا إرضاءً للجيش او نزولا عند طلب الجيش استعداداً لمرحلة لاحقة قد تأتي بعد ايام؟

سيبقى موقف الجيش موضع تساؤل من جانب المحتشدين والجماهير المصرية وراءهم طالما بقيت المواجهة. فسيكون على الجيش في النهاية ان يقرر الوقوف مع الثورة او الدفاع عن نظام يتهاوى امام عينيه. ويبقى مؤكدا ان الجيش سيحاول باستمرار ان يتجنب الصدام مع الثورة.

انه موقف بالغ الخطورة الى ان يحسم الجيش امره.

ولم يكن استمرار نظام مبارك في مقاومة الثورة سوى تأكيد بأن الشعب المصري قادر على مواصلة ثورته متخطياً كل قدرات النظام على الإطالة فيما يشبه لعبة الاكروبات الخطرة من دون شبكة امان تحته لالتقاطه.

ظن النظام في البداية ان للشعب المصري مطالب اقتصادية وان الحشود الجماهيرية هي مجرد رد فعل للغلاء وارتفاع الاسعار وتدني الاجور... لم يدرك البعد السياسي للثورة وليس الثورة بحد ذاتها فحسب. وبعد مضي ستة ايام على الاحتشادات الجماهيرية ظن ان بإمكانه ان يعطي انطباعا بأنه يمكن بقرارات سريعة ان يفكك تحالف الثروة والسلطة المتمثل في مجلس وزراء مؤلف في معظمه من رجال الاعمال الممسكين بالسلطة الاقتصادية والسياسية في آن واحد. وتصور نتيجة لذلك ان إقالة هذا المجلس وتكوين مجلس بديل يخلو من رجال الاعمال كفيل بنيل رضى المحتشدين وإزالة اسباب الاحتشاد. وكان واهما، فإن التعيينات الجديدة لم تغير مطالب الجماهير بتنحي النظام وعلى رأسه قائده المسن.

اكدت الثورة من اليوم الاول، بل من الساعة الاولى، ان الديموقراطية والحقوق السياسية كاملة هي المطلب الاول والاساسي للجماهير وبالتالي فإنها ليست ثورة من اجل الخبز بالدرجة الاولى، إنها ثورة من اجل الحرية.

ويبدو ان النظام ظل متمسكاً  حتى وقت كتابة هذه السطور  بالتبسيط القائل بأن ثورة الجياع المتوقعة قد حانت بل بدأت، وبالتالي فإن قليلا من ارغفة الخبز في اي صورة من المكاسب الاقتصادية يمكن ان يفرغ الميادين من الحشود. بل انه حاول بعد انقضاء ايام على الثورة المستمرة ان يلوح بسلاح التجويع على نطاق اوسع وأقسى عندما قرر الاستعانة بقوة السجناء الذين مكنهم من الفرار وغيرهم من ارباب الحزب الوطني الذين سبق استخدامهم في معركة الانتخابات لخلق انطباع بأن الآتي لن يكون الا انسداد شرايين التموين الغذائي للمواطنين على نطاق واسع كنتيجة لانعدام الامن بعد سحب الشرطة وقوات الامن.

مع ذلك فإن الاحتشادات الجماهيرية ازدادت عددا وحماسا ولم يبد ان الخوف من التجويع يمكن ان يجعل الثورة ترتد على اعقابها ولو خطوة واحدة.

حاول النظام، من دون ان يقترب من الوصول الى نقطة إدراك بأن المستقبل ليس له بل للثورة، ان يتجاهل تماما ان الثورة قضت في ضربتها الاولى، بل الاحرى ان نقول قضت قبل ان توجه اي ضربة، على مشروع توريث الرئاسة لجمال مبارك وعمدت الى إخفاء جمال مبارك من الصورة بل إخفاء اسمه إخفاءً تاماً كما لو انه لم يعبر المشهد السياسي المصري ابداً فضلا عن أن يسيطر عليه. ولقد جاء وقت الى ما قبل اندلاع الثورة المصرية ظن فيه المراقبون في الداخل والخارج ان معركة توريث جمال مبارك هي اصعب المعارك التي يتعين على الشعب المصري خوضها، وهو الذي ابدى معارضة واضحة للمشروع منذ بداياته الاولى. ولكن الثورة اثبتت ان معركة التوريث اهين كثيراً من غيرها.

ومعركة التوريث وقد انتهت لصالح الجماهير من دون جهد كبير تذكرنا بحقيقة ان مبارك حاول الالتفاف عليها بتأكيد عزمه  قبل هذه الاحداث الاخيرة  على ترشيح نفسه لفترة رئاسية سادسة في الانتخابات التي تحين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. والأمر المؤكد الآن ان مبارك  على اي الاحوال - لن يكون مرشحاً للرئاسة في الانتخابات القادمة. فالثورة أعدمت مشروع التوريث وأعدمت في الوقت نفسه مشروع فترة مبارك الرئاسية السادسة التي تبدأ وهو في عمر الثالثة والثمانين وتنتهي وهو في عمر التاسعة والثمانين (...).

هكذا نتبين ان الثورة المصرية بمجرد خروج جماهيرها في احتشاداتها الضخمة قد حققت عددا من اهم اهدافها قبل ان يتحقق الهدف النهائي وهو تنحي مبارك عن الرئاسة. إنها لم تقض فقط على مشروع التوريث او مشروع المد لحكم مبارك إنما قضت على سيطرة رجال الاعمال على الحكم وقضت بالتالي على تحالف الثروة والسلطة الذي تبنى سياسات إفقار الشعب المصري وسياسات الفساد الاقتصادي والسياسي. وينتظر ان تشهد الايام القليلة القادمة  اذا لم يسقط مبارك نهائيا- نزع الشرعية عن مجلس الشعب الذي انتخب بالتزوير قبل شهرين.

يكاد لا يبقى إلا تنحي مبارك. وهو هدف لا يبدو في اللحظة الراهنة بعيد المنال، بأي حال.

======================

مرجعية مشتركة واختلاف في الرؤية والأهداف

المستقبل - الجمعة 4 شباط 2011

العدد 3903 - رأي و فكر - صفحة 19

عبدالإله بلقزيز

إذا دقّقنا اليوم في الفارق بين إشكالية الحركة الاصلاحية الاسلامية، منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وإشكالية الحركة الإحيائية الإسلامية، منذ ثلاثينيات القرن العشرين، لتبيّن لنا أنه فارق نوعي لا درجي، أي فارق في نوع الإشكالية وطبيعتها. اشكالية الاصلاحية يختصرها السؤال الفكري المركزي الثاوي في خطابات مفكريها كافة: كيف تتقدم؟ أما إشكالية الاحيائية، فيختصرها سؤال شيوخها ومرشديها ودعاتها: كيف نحمي الهوية؟ ولكل من السؤالين طبيعة خاصة، بالمعنى الأرسطي، ويقود الفكر الى نمط مختلف من التقدير والحكم والاستنتاج والرؤية.

من المفيد أن ننتبه ابتداء الى أن سؤال التقدم يضع صاحبه في موقع الباحث عن طريق الى الانتماء الى عصر سِمَته التقدم. وهو، لذلك، سؤال حركي، آفاقي، مستقبلي (أو تطلّعي نحو المستقبل). ويختلف الأمر في حالة سؤال الهوية، فهذا سؤال دفاعي، نكوصي، وتراجعي لأن مداره على ممانعة ما يجري حوله من تحولات عاصفة. وموطن المفارقة، هنا، أن الفريقين يفكران في سؤالَيهما من داخل مرجعية مشتركة هي الاسلام، ولكن مع اختلاف شديد في الرؤية والأهداف، ففيما دعت الاصلاحية الى اقتحام العصر والتاريخ والانتساب الى حركته وايقاعه باسم الاسلام، دعت الاحيائية الى الانسحاب منه واللوذ بالماضي والتشرنق على الذات بذريعة صونها من التبدد والمسخ باسم الاسلام أيضاً! والفارق بين الموقفين فارق بين خيارين في الحياة والاجتماع الاسلامي، وبين نظرتين الى الحاضر والمستقبل، ثم بين فهمين مختلفين للدين.

وشأن كل سؤال اشكالي يحدد نطاق موارد الجواب عنه، يختلف السؤالان في تعيين مواردهما. عند الاصلاحية، لا سبيل الى التقدم إلا توسل الأدوات عينها التي توسلها من حققوا التقدم، وهم الأوروبيون. واذا كان في تعاليم الدين، وفي تراث الاسلام الفكري والسياسي، ما يسعف قصد السعي في تحقيق هذا الهدف، فليس فيه ما يمنع المسلمين اليوم (في القرن التاسع عشر) من استعارة تلك الأسباب من غيرهم من الأمم الأخرى وإن لم تشاركهم في الدين. أما عند الاحيائية، فلا سبيل الى حفظ هوية الأمة من الخطر إلا بالانفصال الكامل عن مصدر ذلك الخطر، وهو المدنية الأوروبية وقيمها. ولا إمكان لتحقيق ذلك الانفصال الا بالعودة الى "الأصول" والماضي والموروث، والتمسك بها، والاعتصام بحقائقها دفعاً لمكاره العصر..، وتوكيداً للذات المسلِمة و"أصالتها". لا يكون التقدم، في خطاب الاصلاحية، الا متى أمكن للمسلمين أن يقيموا الدولة الوطنية الحديثة: دولة العدل والحريات والدستور، وأن يجتهدوا في فهم تعاليم دينهم فلا يضعوها حجاباً بينهم والتطور ونواميس الحياة..الخ. ولا يكون صون الهوية، في خطاب الإحيائية، الا متى أمكن اقامة "الدولة الاسلامية" وتطبيق الشريعة، ومتى حوفظ على تراث الاسلام من التأويل الذاهب بالمسلمين الى فرقة وشقاق وصير الى اليقين بأن تعاليم الاسلام صالحة لكل زمان ومكان وأن المسلمين في غناء في أمور دنياهم عن غيرهم من الأمم...

نحن، إذن، أمام مقالتين تقفان من فكرة المستقبل على طرفي نقيض، وكل منهما الى الاسلام يحيل ومنه ينهل. وقد يثير الاشتراك بينهما في المرجعية (الاسلامية) سؤالاً عن الأسباب التي تدفع الى حالة من الاختلاف في النتائج على الرغم من تشابه المقدمات. والحق أن وحدة المقدمات (المرجعية الاسلامية المشتركة) ليست أكثر من وحدة في المبدأ الديني، لكنها ليست من النوع الذي تتولد منه وحدة في منطلقات التفكير وفي الاشكالية ومنظومة المفاهيم، انها تشبه الوحدة العامة التي جمعت بين المعتزلة والأشاعرة ولم تمنع من الاختلاف الجذري بينهما في أصول الدين (علم الكلام)، أو التي جمعت بين الحنفية والحنابلة ولم تمنع من الاختلاف بينهما في أصول الفقه، أو التي جمعت بين الفقهاء والفلاسفة فما منعت خلافاً بينهما في النظر الى موقعية العقل من الدين، أو بين السنة والشيعة وما منعت خلافاً بينهما في مسألة الامامة ولمن تكون وكيف تكون...الخ. وعليه، لا مناص من التدقيق في معنى المرجعية، بإخراجه من الحيّز العقدي الى الحيز الفكري.

في وسعنا أن نسوق دليلاً ثانياً على أن وحدة المرجعية الدينية (=الاسلام) لا تقود، حكماً، الى وحدة الأهداف والوسائل. مر معنا أن الأهداف مختلفة عند الحركتين الاصلاحية والاحيائية (الدولة الوطنية والأمة مصدر السلطة فيها في مقابل الدولة الاسلامية القائمة على مبدأ تطبيق الشريعة). غير أن ما هو أبعد في الاختلاف والتباين بين الحركتين انما هو تصور الوسائل المعتمدة لبلوغ تلك الأهداف؛ إذ هو هنا يتجاوز كونه اختلافاً وتبايناً ليصبح تعارضاً تاماً بين نهجين.

وسائل الاصلاحية تنوعت من التأليف الفكري، الى اصدار المجلات والصحف ونشر مقالات تثقيفية فيها، الى صوغ مشاريع للاصلاح السياسي والاداري والتعليمي وتقديمها للنخب السياسية الحاكمة. وبالجملة، ظل رهانها مستمراً على نشر الوعي الجديد عبر التأليف والمدرسة والصحافة لترقية الفكر وتأهليه، وعلى النضال الديمقراطي لتمكين المجتمع من الحريات والمؤسسات التي توفر له أسباب المشاركة السياسية في صنع مصيره واصلاح أحواله. أما وسائل الاحيائية، فاختلفت. واذا ما استثنينا سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، حيث كان حسن البنا ميالاً الى العمل السياسي السلمي: معترفاً بالدستور ومشاركاً في الحياة الانتخابية، فإن الجيل الثاني من الاحيائية نحا منحى مختلفاً في النهج والوسائل، فلجأ الى العنف في العمل السياسي بعد أن اسبغ عليه المشروعية الدينية بوصفه اياها "جهاداً" ضد "الجاهلية" الجديدة وسبيلاً الى انفاذ شرع الله في الأرض. وحين عادت الحركات الاسلامية الى العمل السياسي السلمي، والى أسلوب المشاركة في الانتخابات، خاصة بدءاً من سنوات الثمانينيات من القرن العشرين، كان مارد العنف قد أفلت من رصده في القمقم وطفق يهدر في ارواح الناس واستقرار الوطن وسلمه المدني، وباتت السياسة تقترن في وعي الأجيال الجديدة من "الصحوة الاسلامية" بالسلاح والقتال.

ما أغنانا عن القول ان هذا التباين الشديد في النهج والوسائل بين الحركتين يرتد الى جملة أسباب تاريخية واجتماعية وثقافية. فاللحظة التاريخية التي وُلدت فيها الفكرة الاصلاحية وتطورت، بين ثلاثينيات القرن التاسع عشر وستينيات القرن العشرين، هي غير اللحظة التي في رحمها نشأت الفكرة الاحيائية وتطورت: الأولى لحظة بناء الدولة الوطنية، والثانية لحظة أزمتها وإخفاق مشروعها. والحوامل الاجتماعية للفكرتين والحركتين مختلفة؛ ارتبطت الاصلاحية بصعود الطبقة الوسطى وانتشار ثقافتها الحديثة في المجتمع، فيما اقترنت الاحيائية بانهيار مركز هذه الطبقة في النظام الاجتماعي وتنامي واتساع نطاق فئات اجتماعية هامشية ومسحوقة ولّدها التطور الرأسمالي المشوّه الذي دمّر الزراعة والانتاج وقذف بالقوى المنتجة الى العطالة وأحزمة البؤس. على أن عاملاً ثالثاً، لا يقل أهمية عن عاملي اللحظة التاريخية والبيئة الاجتماعية، لا ينبغي تجاهله في هذا المعرض هو الفارق بين الخطابين والفكرتين: كانت الاصلاحية الاسلامية حركة فكرية في المقام الأول، وإن خرجت من جوفها الحركات الوطنية، فيما ظلت الاحيائية حركة سياسية حزبية، في المنشأ والتطور، وافتقرت الى التأصيل النظري لدعوتها. من الطبيعي، إذن، أن تكون النظرة الى وسائل العمل مختلفة بين عالم الدين أو المفكر وبين الداعية والمناضل الحزبي... والمقاتل.

من البيّن، إذن، أن مسألة المرجعية "المشتركة" ليست بالبساطة التي يوحي بها بعض المتحدثين عنها؛ فالاسلام مرجعية دينية للأمة كافة، بتياراتها المختلفة. لكن الاسلام عقيدة وليس فكرة سياسية يجتمع عليها الجميع فيكون مرجعية واحدة للناس كافة. ولو كان كذلك، لما حصل بين المسلمين، على امتداد تاريخهم، كل ذلك التراث من الانقسامات والفرق والفتن والحروب الأهلية. وعليه، على التفكير في مرجعية الاصلاحية ومرجعية الاحيائية أن يسلك سبيلاً آخر غير سبيل الدين. وتلك مسألة اخرى ليس هنا مجال التفصيل فيها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ