ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 06/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

هل تشمل موجة الاحتجاجات الشعبية العربية سوريا ؟

سركيس نعوم

النهار

5-2-2011

التحرك الشعبي الناجح الذي جرى في تونس، والتحرك الشعبي الواسع الذي تشهده مصر منذ "25 يناير" الماضي والذي لم يصل الى نتيجة نهائية وحاسمة بعد رغم وضعه حكم رئيسها حسني مبارك على طريق النهاية، أو رغم وضعه مصر نفسها على شفير الفوضى والانقسام وربما الاقتتال، والتحركات الشعبية الأخرى التي بدأت تشهدها الجزائر في المغرب العربي واليمن على حدود الخليج العربي والاردن الواقع في قلب العالم العربي، هذه التحركات أكدت أمراً واحداً هو عدم رضى الأكثرية الساحقة من شعوب الدول العربية على الأنظمة التي تحكمها، بل شعورها بالغضب عليها جراء ظلمها وفسادها وقمعها وعدم تلبيتها حاجات مواطنيها الأساسية منها أو البسيطة أو اليومية. كما اظهرت استعداد هذه الشعوب للنزول الى الشارع بغية التخلص من هذه الانظمة او على الأقل بغية اجبارها على اصلاح نفسها بحيث تقدم لشعوبها ما حرمتها إياه طوال عقود. لكن هذه التحركات اثارت تساؤلاً واحداً، ليس فقط عند اللبنانيين كما قد يعتقد البعض أو في العالم العربي، بل أيضاً عند العالم الغربي وتحديداً في أوساط قائدته وزعيمة العالم الولايات المتحدة. والتساؤل هو في الواقع مجموعة تساؤلات ابرزها الآتي: هل تبقى سوريا بمنأى عن التحرك الشعبي المُطالِب بالاصلاح على تنوعه أو ربما بالتغيير؟ وكيف سيتصرف النظام السوري الحاكم منذ نحو أربعين سنة حيال تحرك كالمذكور في حال حصوله؟ وهل هناك غالبية شعبية سورية تشعر بظلم النظام الحاكم لها وتنتظر الفرصة السانحة للانتفاض عليه؟ وهل ما يجري في العالم العربي حالياً يُقوّي سوريا الأسد وخصوصاً في ظل احجام شعبه حتى الآن عن التحرك ضد النظام رافعاً شعارات الاصلاح والتغيير؟ أم ان الدعوات التي أُطلِقت بواسطة ال"فايسبوك" وال"تويتر" من آلاف السوريين المقيمين في الخارج (9000) للقيام بتحرك شعبي اليوم السبت في دمشق وسوريا كلها ستلقى استجابة شعبية؟ وماذا سيكون حجم هذه الاستجابة في حال شهدت شوارع دمشق اليوم وربما مدن سورية أخرى تحركات شعبية؟

هل من أجوبة عن النوع المذكور من التساؤلات؟

لا أزعم امتلاك مثل هذه الأجوبة، كما لا أعتقد ان الجهات الاقليمية والدولية المعنية بمصير المنطقة واستقرارها تمتلك أجوبة عنها. لكن ما اعتقده وربما اعرفه هو ان الباحثين الكبار والموظفين الكبار في اميركا يعكفون على درس وضع سوريا في ظل موجة التحرك الشعبي العارم في اكثر من دولة عربية، ربما بغية استشراف المستقبل القريب والتحوّط له. ذلك ان عدم الاستقرار و"تزعزع" الالتزامات الاقليمية والدولية لا بد ان يكونا من ابرز نتائج هذا التحرك سواء نجح في التغيير أو اخفق. ومن هؤلاء موظف رفيع سابق عَرَفَ سوريا واسرائيل والمنطقة جيداً وخَدَمَ في الخارجية الاميركية كما في مجلس الأمن القومي، وهو اليوم باحث في احد أعرق مراكز الابحاث الاميركية، وربما يعود يوماً الى "الادارة".

ماذا استنتج هذا الباحث من درسه وضع سوريا وموضوعها؟

قبل ان يستنتج سأل اذا كانت موجة التغيير ستشمل سوريا، واجاب عنها بالآتي:

1- يتوق المعارضون السوريون الى "يوم غضب" خاص بهم في دمشق ومناطق سورية أخرى، قد يكون اليوم، ويُعدُّون له او يستعدُّون له. ما جرى ويجري في دول عربية أخرى يغريهم بالقيام بمثله. وهم يستعملون كل الوسائل التي استعملها العرب الآخرون لتعبئة الشعب ضد الفساد والقمع والوضع الاقتصادي الصعب والحرمان من حرية التعبير وعدم احترام حقوق الانسان..

2- تأخذ الادارة السورية بجدية كبيرة ما جرى ويجري في دول عربية عدة، ولكن من دون هلع ومن دون مظاهر تدل على الارتباك. وقد عبَّر عن ذلك، وإن على نحو غير مباشر، الرئيس بشار الاسد في حديثه الاخير لل"وول ستريت جورنال" الاميركية، وذلك عندما أكد ان بلاده ستشهد في المستقبل غير البعيد اصلاحات بعضها سياسي، وبعضها اعطاء المنظمات غير الحكومية مزيداً من "الصلاحيات". الا انه اعتبر ان الثورة الاسلامية الايرانية لعام 1979 هي التي اطلقت شرارة الانتفاضات العربية، وكأنه يوحي بذلك ان نظامه في مأمن كونه متحالفاً مع ايران هذه، ومتوافقاً مع استراتيجيتها والشعارات.

3- بين سوريا ومصر الكثير من الامور المشتركة والتناقضات. الدولة في كل منهما كانت ولا تزال حتى الآن على الاقل "علمانية". وكل منهما قامت في اعقاب انقلاب عسكري. والدولتان قادهما زعيمان حاول كل منهما توريث ابنه السلطة. ونجح الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في ذلك عام 2000. ويبدو ان الرئيس المصري اخفق في ذلك، أو على الاقل هذا ما تُظهِره التطورات الاخيرة في بلاده. وسوريا ومصر توحدتا في الخمسينات. لكن وحدتهما انفضّت بعد سنوات قليلة. ومنذ ذلك الحين والنظامان (الدولتان) يتنافسان على الزعامة في العالم العربي، فضلاً عن ان كلاً منهما سلك طريقاً مناقضة لطريق الآخر. فمصر اتجهت نحو الغرب وتحالفت مع اميركا ووقّعت سلاماً مع اسرائيل، وسوريا تطلعت الى "الشرق" وتحالفت مع الاتحاد السوفياتي ثم ايران الاسلامية، ثم تزعمت معسكر الرفض في العالم العربي، ولا تزال. ومصر ورغم شمولية نظامها سمحت بشيء من حرية التعبير والنقد وحرية الاعلام، وكل ذلك غير معروف في سوريا. الاسلاميون قُمِعوا في مصر، لكنهم "استؤصلوا" في سوريا. واذا كانت مصر مع مبارك متسلطة نظاماً فإن سوريا مع آل الاسد كانت ديكتاتورية مطلقة، ولا تزال.

4 - يراقب الاسد ومن قرب، أو هكذا يُفترض فيه، تطور الاوضاع في مصر. وقد يكون في سِرِّه يلوم مبارك لأنه لم يتحرك في سرعة وبكل قوة ضد الاحتجاجات الشعبية وقبل استفحالها. وهذه رسالة تعلمها الاسد الابن من الأسد الأب الذي واجه التمرّد الاسلامي الاصولي (الاخوان) عليه بقمع قاسٍ جداً في حماه عام 1982 وخارجها. ولا شك في ان الأب الراحل علّم الابن ان يحكم بيد من حديد، وبواسطة أجهزة امنية قوية وقادرة ومُسيْطَر عليها، وان لا يتساهل مع أي انشقاق أو محاولة انشقاق، كما مع اي انتفاضة.

5- قد لا يكون مفاجئاً قيام الرئيس بشار الاسد بتنظيم تظاهرات تطالب باصلاحات الحد الادنى التي يستطيع تنفيذها، وبذلك يتفادى الموجة الشعبية الزاحفة على الأنظمة العربية. علماً ان اي تحرك يُشتَم منه تحدٍ للنظام أو لرأسه لا بد ان يواجه برد فعل سريع ومفاجئ وقاس وشديد ومؤذٍ. وعلماً ايضاً ان السوريين الراغبين في الاصلاح أو التغيير يعرفون ان اي تحرك لهم في الشارع لن تكون نتيجته مشابهة لما جرى في تونس بل لما يجري الآن في مصر وربما على اسوأ. ولا يبدو انهم مستعدون لدفع هذا الثمن. في أي حال ان تفسير السوريين لما يجري في مصر وتقويمهم له هو الذي سيساعدهم في صوغ خياراتهم للأيام والاسابيع المقبلة.

هل تحليل الباحث الاميركي في محله؟

هو كذلك الى حد كبير. لكن لا بد من انتظار "اليوم" في دمشق والايام الآتية وربما الاسابيع قبل التوصل الى أي استنتاجات.

===========================

انفجار حالة الطوارئ !

جواد البشيتي

2011-02-05

العرب اليوم

منذ (أو بفضل) اغتيال السادات في السادس من تشرين الأول 1981 ومصر تنعم بحالة الطوارئ.

إن أمر مصر, أكان إيجابيا أم سلبيا, يعني كل عربي; فمصر تظلم, ونظلم معها, إن وصفناها بأنها دولة عربية شقيقة, أي إحدى الدول العربية الشقيقة, فهي, والحق يقال, وفي القول الفصل للتجربة, مركز العالم العربي, شاءت هي أم أبت, شئنا نحن أم أبينا.

حالة الطوارئ, مع ما تتضمنه من قوانين, وما تعنيه من إجراءات وتدابير, ليست بالشيء الذي يقبل, أو يرفض, بحد ذاته, فهي حالة دستورية ينفى فيها, وبها, إلى حين, بعض أوجه وجوانب الحياة الديمقراطية, فالدستور الديمقراطي هو, أيضا, الدستور الذي يحمى ويصان, في أوقات غير عادية واستثنائية, بشيء من الأساليب والطرائق المنافية للديمقراطية, معنى ومنطقا, وكأنه الشوك يحرس الوردة ويصونها.

وحالة الطوارئ, المستوفية شروطها الدستورية والديمقراطية, لا تشبه أبدا حالة الطوارئ المزمنة في مصر; لكن حالة الطوارئ في مصر تشبه كثيرا, وكثيرا جدا, طريقة الحكم في سائر الدول العربية, فهي الاستثناء, الذي بسبب المصالح الفئوية الضيقة, أي بسبب مصالح أنظمة الحكم العربية وأهاليها, تحول إلى قاعدة.

إننا نتقبل هذه الحالة, ونقر بشرعيتها وبضرورتها, إذا ما كانت جزءا لا يتجزأ من حياة ديمقراطية حقيقية, ينبثق منها, عبر انتخابات حرة ديمقراطية شفافة, برلمان حقيقي, لا يشبه أبدا مجلس الشعب, الذي لا وجود فيه للشعب; وينبثق من هذا البرلمان حكومة تتمتع بالصفة التمثيلية, فلا تعلن حالة الطوارئ إلا على مضض, وعملا بمبدأ الضرورات التي تبيح المحظورات (الديمقراطية).

المستشار السياسي للرئيس مبارك قال ذات مرة إن القابض على السلطة في مصر وسائر العالم العربي كالقابض على جمرة. ولا شك في أن معاناة الحاكم ستكون أعظم وأشد إذا ما كان محكما قبضته على "السلطة ¯ الجمرة"!

وأقول لكل عربي محكوم: "حذاريك حسد حاكمك!", فالسلطة ليست بنعمة حتى تتمنى تحولها منه إليك, أي حتى تحسده عليها. إنها نقمة عليه, ومسؤولية تنوء بحملها الجبال, ولن يضطلع بها إلا المضحي بنفسه وماله ووقته وعائلته.. "قل أعوذ برب الفلق. من شر ما خلق.. من شر حاسد إذا حسد".

سنصدِّق; لأن لا خيار لنا إلا أن نصدِّق. وكل من يشكك في صدق هذا الأمر إنما يساهم, عن وعي أو عن غير وعي, في بقاء تلك الحال التي لا تسر الحاكم, والتي عاقبتها الحتمية هي تشديد الحاجة إلى العمل بمقتضى قانون الطوارئ.

لقد قرر البرلمان المصري, أي ممثلو الشعب, غير مرة, تمديد حالة الطوارئ, مع أن الأسباب الدستورية والقانونية الموجبة لإعلان واستمرار وتمديد حالة الطوارئ كالحرب والكوارث الطبيعية المدمرة لا وجود لها البتة, ومع أن استمرار حالة الطوارئ مع انتفاء أسبابها الشرعية يخالف المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعتها مصر, وتعهدت فيها باحترام القانون والدستور وحماية الحريات العامة الأساسية التي لا بد لها من أن تختفي مع ظهور حالة الطوارئ.

إن لكل قاعدة استثناء.. وإذا كانت القاعدة هي الحكم في طريقة يتأكد عبرها احترام الحاكم للدستور والقانون والحريات العامة الأساسية فإن حالة الطوارئ هي الاستثناء; لكن الحكم في عالمنا العربي, الذي تقدس حكوماته الإصلاح السياسي والديمقراطي النابع من الداخل, والمراعي للخصوصية, يقوم على قاعدة أخرى هي قاعدة تحويل القاعدة إلى استثناء, وتحويل الاستثناء إلى قاعدة, فدولة القانون عندنا ليست سوى سحابة صيف إن قيض لها الظهور. أما الدولة الأمنية, التي جاءت إلى الدنيا بحد السيف, والتي تقطر دما من رأسها حتى أخمص قدمها, فلا تستمر, وليس في مقدورها أن تستمر, على قيد الحياة إلا بقانون الطوارئ.

ومع ذلك يراد لنا نظل أسرى وهم جديد هو أن نفي الدولة الأمنية يقوم على المزاوجة بين قانون مكافحة الإرهاب والإصلاح السياسي والديمقراطي الذي ينجب الحكم الرشيد, أو ينجبه الحكم الرشيد. يراد لنا ذلك مع أن التاريخ يعلمنا, ويعلمنا, أن الحكومات لا تذهب إلا بالطريقة ذاتها التي جاءت بها!

النظام الرئاسي إنما هو شكل من أشكال عدة لنظام الحكم في العالم. أما في عالمنا العربي فحالة الطوارئ إنما هي شكل لنظام الحكم الرئاسي, فالدستور يكتب ويقر ليعطل العمل به على الفور, وكأنه حفل افتتاح لحالة الطوارئ, التي تستمر ما استمر الرئيس حاكما, والذي يستمر حاكما ما استمر على قيد الحياة.

وأحسب أن شعوبنا ومجتمعاتنا تحتاج إلى أن تواجه قانون الطوارئ الذي تحكم به حكوماتنا بقانون طوارئ مضاد, فصلوات الكاهن لا تقدر أبدا أن تدرأ عنه خطر صاعقة انقضت عليه من السماء, فمانعة الصواعق خير وأجدى. وقانون الطوارئ المضاد إنما يستمد شرعيته من حقيقة واقعة لا يشوبها وهم أو خرافة هي أن كارثة تاريخية, سياسية واجتماعية واقتصادية, تحدق بنا من كل حدب وصوب.

حالة الطوارئ إنما هي نظام دستوري استثنائي, يعمل به إذا ما ثبت وتأكد أن ثمة خطرا حقيقيا محدقا بالوطن والأمة, وتتعذر مواجهته, والتغلب عليه, إلا بإجراءات وتدابير غير عادية, تقتنع الأمة بضرورتها كاقتناعها بالشر الضروري, أي الذي لا بد منه لدرء مخاطر أعظم منه وأشر.

أما عندنا فهي تعلن, وتستمر, في طريقة, هي في حد ذاتها خير دليل على أن الرأس لا يعرف من الديمقراطية إلا ما يشبه الظلال, وعلى أن مخافته وحده هي رأس الحكمة السياسية, فالرئيس يعلنها بناء على تقديره الشخصي هو, وعملا بمبدأ السلامة الصحية, أي مبدأ درهم وقاية خير من قنطار علاج, أو مبدأ إن كان الخطر الذي يتهددك, أو قد يتهددك, في حجم نملة, فإياك أن تنام له!

قل لي كيف تحكم, أقل لك من أنت; ولا شك في أن الإدمان على الحكم بحالة الطوارئ هو خير دليل على أن حكوماتنا لا تستطيع الحكم إلا في الطريقة غير العادية; واستمرار الحكم في هذه الطريقة هو أيضا خير دليل على أن المحكوم ما عاد قادرا على أن يظل محكوما في الطريقة نفسها, فإن حالة الطوارئ هي التي في رحمها ينمو جنين الانفجار!.

======================

رسالة الشارع العربي   

آخر تحديث:السبت ,05/02/2011

عبد العزيز المقالح

الخليج

استمعت وقرأت الكثير عما قيل عن أسباب غضب الشارع العربي، لكن القليل من هذا الذي قيل هو الذي لامس تلك الأسباب في العمق، ومن الطبيعي أن تتكاثر القراءات وتتعدد تجاه ما حدث في هذا الشارع الكبير الذي يمتد من المحيط إلى الخليج، ولكن لا ينبغي لتلك القراءات أن تخطئ في تحديد أهم أسباب الغضب العام والعارم وأن لا تتوقف عند سطح الرسالة الشعبية، فالجوع ليس الدافع الأساسي ولا البؤس مهما اشتدت قسوته، وإنما كان هناك ما هو أهم وأكبر، وأعني به انحراف السياسات العربية وابتعادها منذ سنوات عن المنحى الوطني والقومي وتحولها في بعض الأقطار إلى سياسات تستمد نهجها ومفهوماتها من السياسة الأمريكية التي تضع في اعتبارها الأول المصلحة الصهيونية، وما يثيره ذلك من تراكم الغليان في النفوس ولما تمليه من رضوخ وامتهان يتنافى مع الكرامة العربية .

لقد عرف الإنسان العربي ألواناً من الحرمان، ذاق الجوع وعانى الفقر لسنوات طوال، لكن ذلك لم يكن ليدفع به إلى الثورة والخروج إلى الشوارع إلا بعد أن مست السياسات المغلوطة كرامته، وصار كل يوم يشهد تنازلات متلاحقة للعدو في الوقت الذي لا يكف فيه هذا العدو عن قتل أهلنا وقهرهم، ولا يكف كذلك عن هدم المنازل وترويع المواطنين وقضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية بيد أبنائها قطعة قطعة، في هذا المناخ استولى على الإنسان العربي شعور بالإحباط تحول بعد ذلك إلى احتقان ثم إلى الغضب العارم الذي نراه ونشهده، والذي لن يهدئ منه أو يخفف من ثورته إلا التصحيح الشامل للسياسات العربية والعودة بها إلى ما كانت عليه في الخمسينات والستينات، وذلك أضعف الإيمان المطلوب من الأنظمة بعد أن طفح الكيل ووصل الغيظ والغضب مداهما الأقصى .

ولعل من يشاهد تحرك الشباب الغاضب في هذه العاصمة العربية أو تلك، وما يواجهون به من يتحدون مسيراتهم يدرك أن أمثولة انتفاضة أطفال الحجارة في فلسطين هي امثولتهم، والحجارة وسيلتهم للتعبير عن هذا الاحتقان الطويل، وفي هذا الاستخدام من الدلالات ما هو جدير بالتعمق في قراءة الأسباب الكامنة وراء هذا الغضب الشعبي المتزايد، وهو ما يدعو كذلك إلى إعادة النظر في عقم السياسات العربية وانحرافها وما ترتب عليها من إهانة لوعي الإنسان العربي ولكرامته أكثر من تعرضه الدائم للجوع وما رافق ذلك من انصراف الحكام إلى اللعبة السياسية بدلاً عن الاهتمام بالتنمية وتطوير مستويات المعيشة والحد من ارتفاع الأسعار ومواجهة سطوة الغلاء المتلاحق في السلع الغذائية الضرورية، في حدود إمكانات كل قطر عربي .

إن هناك قراءات كثيرة غربية وشرقية، وقراءات عربية، لما يحدث في الشارع العربي، ولكنها كلها تقريباً لا تزال حتى الآن تمر على القضايا السياسية مرور الكرام، وتكاد كلها تتمحور حول الغضب من تدني مستوى المعيشة وإلى أن مطالب هذا الشارع تتركز في تغيير الأشخاص واستبدال شخص الحاكم بشخص آخر، وهي قراءة مغلوطة جداً، فالشارع الذي لم يتكلم كثيراً والذي اكتفى بالتلويح بقبضات الأيدي يريد تغييراً في العمق ويرغب في أن لا تبقى السياسة العربية رهينة البيت الأبيض الذي لا هم له سوى التمكين للكيان الصهيوني في أن يكون سيد المنطقة وحارس المصالح الغربية عامة والأمريكية خاصة، وأن مواقف هذا البيت لن تتغير ولن تكون في صالح العرب ما دام هناك من ينفذون بإخلاص كل ما يطلب إليهم القيام به، ولو كان يتعارض مع كرامة الأمة ويتصادم مع أحلامها في الاستقلال والسيادة الكاملة .

=======================

السلام والعدل الاجتماعي

جيسي جاكسون

التاريخ: 05 فبراير 2011

البيان

دَفعَ الفقر المدقع، المتفاقم نتيجة الركود العالمي، في دول تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط إلى تأجيج الاحتجاجات التي أفضت بالفعل إلى تغييرات لا يستهان بها.

ويربط المعلقون على أخبار هذه الاحتجاجات بالتفاوت الاقتصادي الذي يجعل من الضغط السياسي أمراً لا يطاق. فإذا لم تكن هناك عدالة، فلا يمكن أن يتحقق سلام.

وهناك شيء واحد لم تشر إليه التغطية الصحافية، وفقا للبيانات الصادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو أن الولايات المتحدة متورطة بقدر من عدم المساواة أكبر من دول أخرى بالمنطقة. إننا نعاني في أميركا من عدم المساواة مع قدر يسير من الاحتجاج حتى الآن.

فالحريات السياسية، من الانتخابات وحرية التعبير وحرية التجمع، تساعد على تنفيس الإحباطات التي من شأنها، لولا ذلك، أن تتفاقم. (ولكن، في الواقع، كلما كانت حالتك الاقتصادية أكثر فقراً وغير مستقرة، كما ضعفت احتمالات مشاركتك في التصويت أو الاحتجاج). سوف تتعلم الولايات المتحدة الدرس نفسه. حتى مع وجود الحريات الديمقراطية، إذا لم تتحقق العدالة، فلن يكون هناك، في النهاية، سلام.

لقد بلغت حالة عدم المساواة في أميركا حالياً مستويات لم تشهدها منذ أيام أقطاب الجريمة في بداية القرن الماضي. تحصل فئة آل 1٪ الأعلى دخلاً في أميركا على ما يقرب من 25٪ من دخل البلاد. فهي تسيطر على الثروة بقدر آل 90٪ من الطبقة الأدنى في المجتمع. ويحقق كبار المديرين التنفيذيين الآن أكثر من 260 ضعف ما يحققه العامل المتوسط، بزيادة 24 مرة عن العام 1980. فهم يحققون في يوم واحد ونصف اليوم ما يحققه عامل في سنة كاملة. وخلال فترة «التعافي» الأخيرة ما بين عامي 2002 و2007، استحوذت فئة 1٪ الأعلى على حوالي ثلثي جميع مكافآت النمو. وكان الاقتصاد ينمو، والأرباح والإنتاجية يرتفعان، ولكن للمرة الأولى منذ البدء في تسجيل الإحصاءات، تراجع معظم الأميركيين بالفعل. وكان ذلك قبل انفجار فقاعة الإسكان، وتجاوزات شركات وول ستريت التي فجرت الاقتصاد.

لا يعمل اقتصاد السوق بشكل فعّال في ظل هذا التركيز الشديد للدخل والثروة. فالقلة من الأغنياء يعيشون حياة مترفة غنية، ولكنهم لديهم من المال للدخول في المضاربات الأكبر حجماً، مما يضخم الفقاعات، كفقاعة شركات الإنترنت، وفقاعة الإسكان، التي تفجرت جميعها في نهاية المطاف.

وفي المقابل، تكابد عائلات الطبقة المتوسطة في ظل حالة ركود الدخل وارتفاع تكاليف الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية والتعليم والإسكان والتقاعد والضمان. فهم يعملون ساعات أطول، ويرسلون المزيد من أفراد الأسرة إلى سوق العمل، ويعانون من الديون. ويمرون بتجربة متعاظمة من انعدام الأمن، ويبقون على مرض خطير أو وظيفة مفقودة بعيداً عن الخراب.

إن الفقراء يناضلون من أجل البقاء فحسب. وأطفالهم يعبرون شوارع غير آمنة من أجل الذهاب إلى المدارس المكتظة، ويعتمدون في كثير من الأحيان على المدرسة لتناول وجبة جيدة. وهم محرومون من تكافؤ الفرص منذ البداية.

ليس هذا هو النظام الطبيعي في أميركا. بعد الحرب العالمية الثانية، وبتشجيع من الوحدة القومية التي انتصرت في الحرب، أنشأنا اقتصاداً نمونا معه جميعاً. وأصبحت أميركا أبعد ما تكون عن عدم المساواة، في الوقت الذي تأسست الطبقة الوسطى الكبيرة. أبقى الرئيس الأميركي الأسبق «أيزنهاور» معدل الضريبة الأعلى التي تم تطبيقها على ذوي الدخل الأعلى من الأغنياء عند مستوى ال 90. وتمت زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل منتظم. وكانت النقابات تمثّل نحو 30٪ من القوى العاملة. وكانت تلك السنوات أبعد ما يكون عن المثالية. وأميركا لا تزال تعاني العزلة.

لم يكن الأمر من فعل الطبيعة في تغيير كل ذلك. لقد كانت السياسة العامة، وهي السياسة العامة التي تسير في الاتجاه الخاطئ. تم تخفيض الضرائب على الأغنياء، إلى درجة أن رجل الأعمال «وارن بافيت»، وهو واحد من أغنى أغنياء أميركا، يشير إلى أنه يدفع ضريبة أقل من سكرتيرته. وأعلنت الشركات الحرب على النقابات، وأتقنت استخدام التقنيات القانونية وغير القانونية التي تلغي فعالية الحق في التنظيم. وطورت المصارف والشركات متعددة الجنسيات سياسة تجارية لتصدير الوظائف، وليس السلع، إلى الخارج. وتم تحرير البنوك من الضوابط، مع حدوث عواقب كارثية نعيشها اليوم.

دعونا نأمل في أن الاحتجاجات في أنحاء متفرقة من المنطقة تتحرك سلمياً باتجاه التحول الديمقراطي. وبينما نشاهد تلك النضالات، دعونا لا ننسى الحاجة إلى العدالة في الداخل الأميركي.

======================

غياب الديمقراطية العربية وأزمتها

حسين العودات

التاريخ: 05 فبراير 2011

البيان

الديمقراطية مهمشة في البلدان العربية، سواء في تقاليد المجتمع وسلوكه وعاداته ونمط حياته، أم من قبل أنظمة الحكم، وهذا التهميش قديم العهد وقد أدى إلى نتائج كارثية على الفرد والمجتمع وعلى النسيج الاجتماعي كله، وساهمت الأنظمة الاستبدادية العربية في حرمان الفرد من حقوقه الأساسية، حيث سُلب الفرد العربي حق المشاركة في شؤون مجتمعه ووطنه.

كما سلب حق المساهمة في اختيار شكل الحكم الذي يريده، واختيار الحاكم، ومراقبة الحكومة وإدارة الدولة، وتولي تقرير مصيره ومصير مجتمعه وبلده، وجرى تكبيله بقيود القهر والخوف والحاجة. ولم يعد المواطن العربي في المحصلة قادراً على إبداء رأيه في أي شيء، فهو دائماً منفعل غير فاعل، ينتظر الحل من مبادرة الغير على النطاق الشخصي، ومن مبادرة الحكومة على النطاق العام.

ومحروم من حق الوصول للمعلومات التي تتعلق بشؤون بلده وأمته وحياته ومشاكله، ولا يستطيع أن يطلع على المعلومات التي تخص بلده أو يسمع بها أو يتحدث عنها أو يحاور فيها إلا إذا سمح له النظام السياسي، وتمنع الأنظمة السياسية إعطاء المعلومات عن مؤسسات الدولة ونشاطاتها، وإن سمحت بنشر بعضها تكون غالباً بعيدة عن الصحة، وينبغي أن تمر المعلومات والآراء والمواقف وحتى الأخبار التي تنشر في وسائل الإعلام والاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية.

من تحت يدي الرقابة، ولا تتجاوزها إلى المجتمع إلا إذا سمحت بها. وبالتالي فالرقيب العربي، مهما كانت ثقافته وآراؤه قادر على حجب أي معلومة عن شعبه، وتزيد الخطورة مع غياب معايير الرقابة في البلدان العربية وشروطها وهي غير مكتوبة وبالتالي فهي متروكة لتقدير الرقيب واجتهاده وآرائه.

خضع الفرد العربي خلال مئات السنين في المجتمعات العربية، ومازال يخضع الآن في معظمها، للعسف والقمع وإهدار كرامته من قبل الحاكم، والتنكيل به مادياً ومعنوياً، بما في ذلك التصفية الجسدية. وقد غالت أجهزة الأمن العربية، تحت مبرر حماية أمن الدولة والحفاظ عليه، في ممارسة العنف والتعذيب حتى أنها خرجت في حالات عديدة.

وبلدان عديدة، عن التقاليد الإسلامية والعربية (والإنسانية) التي تحترم الطفل والمرأة والمسن. ولم تعد هذه الأجهزة تأخذ التقاليد بعين الاعتبار، ولا تخضع في معظم الحالات إلى قوانين تحدد صلاحياتها أو تمنعها من ممارسة العنف والتعذيب. ويترك الأمر لرجل الأمن واستنسابه.

سيطرت بنتيجة هذا الواقع السلبية الشديدة على (الجماهير الشعبية) أي على أفراد المجتمع، وانصرف الأفراد عن القضايا العامة، وتحولوا إلى ممارسة التقاليد الاستهلاكية ونمط الحياة الاستهلاكية، أو إلى الاهتمام الكلي بمشاكل الحياة اليومية والعمل لتأمين لقمة العيش، وأدى هذا جميعه إلى تفكك النسيج الاجتماعي، وانتشار الأنانية، وانصراف الفرد لتأمين رغباته الذاتية ومصالحه الشخصية، وعدم الاهتمام بالهم العام أو بالعمل للصالح العام.

وقد تفشت نتيجة هذه الأساليب والممارسات اللا ديمقراطية كالتعصب والإرهاب، ورفض الرأي الآخر وعدم تحمله أو قبوله، والاستعلاء، والفساد، كما تغيرت القيم العليا، فلم يعد الكسب المشروع هو القيمة العليا بل الكسب من الصفقات أو بأية وسيلة مشروعة أو غير مشروعة،.

كما لم يعد الإنفاق يرتبط بالحاجة وإنما بالتقاليد الاستهلاكية، وتخلخلت علاقات أفراد الأسرة بعضهم بالبعض الآخر، وأفراد المجتمع بعضهم بالبعض الآخر أيضاً، فضلاً عن بروز حالة انفصام بين الناس وحكامهم، فالسلطة لا تقيم وزناً للشعب، والشعب متشكك بالسلطة وسلبي تجاهها. والدولة الاستبدادية تخلق بيئة مواتية لإنعاش العصبيات العرقية والقبلية والطائفية والمذهبية. وقد أباحت الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ للحكام ممارسة ما يريدون دون الالتزام بدستور أو بقانون أو بعرف، وكان ذلك بالطبع من نتائج تنحية الديمقراطية، عن المجتمعات العربية وتهميشها، ورفض الحكام قبولها أو ممارستها.

يفرض سؤال نفسه، لماذا غابت الديمقراطية عن معظم مجتمعاتنا العربية، ومازالت هاربة منها وبعيدة عنها؟.

لا شك أن الأسباب عديدة ومعقدة، ومنها الشروط الموضوعية المتعلقة بالتأثيرات السلبية للتاريخ الطويل من الاستبداد، حتى أصبح في ثقافة الناس وكأنه هو الأصل بعد ممارسات طاولت مئات السنين، وقد استمرت هذه الشروط في التاريخ الحديث والمعاصر، فلم تنجح حركة النهضة العربية في تأدية مهامها ووظائفها وغاياتها، ولم تكتمل حركة التنوير العربي، ولم تنتصر الحداثة وما تحمل معها من معايير العقلانية والفردية والحرية والديمقراطية والمساواة وغيرها، وبعد نشوء بطيء للطبقات الوسطى ما لبثت أن طالها التدمير.

ولم تستطع البورجوازية العربية إنجاح حركة النهضة والحداثة، والنهوض بها وتحقيق انتصارها كما هو المفروض، إضافة إلى عدم التكافؤ والعدل بين الأفراد والطبقات في المجتمعات العربية التي تسود معظم هذه المجتمعات، وقد تحولت بعض الممارسات (الديمقراطية) على ضآلتها لخدمة الطبقات المسيطرة.

وعجز المجتمع عن استكمال نضوج الديمقراطية وشموليتها وكمالها. وأدت تجزئة البلدان العربية إلى مزيد من الضعف والتناقض والصراعات والتخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وإلى الضعف السياسي كما أدى الوجود الصهيوني وقيام دولة إسرائيل والحروب معها والمطامع الاستعمارية الغربية إلى تغيير الأولويات.

وأخيراً أصيبت القوى السياسية العربية بالازدواجية والتناقض مع شعاراتها فهي تطرح قضية الديمقراطية وهي خارج الحكم، وتنفرد بالسلطة عندما تتولاها وتحارب القوى الأخرى. وهكذا بقيت الديمقراطية العربية في أزمة، بل بقيت مطرودة من المجتمعات العربية دون أن تجد نصيراً.

=======================

قراءة في الحدثين التونسي والمصري

المستقبل - السبت 5 شباط 2011

العدد 3904 - رأي و فكر - صفحة 19

ميشال أ. سماحة

هناك صعوبة كبيرة لقراءة وتحليل شاملين لما يجري في تونس ومصر للوهلة الأولى. ويجب الاعتراف بتفاجئنا لسرعة الأحداث ولكثافة الرموز والرمزيات التي تنضح بها هاتان الثورتان. هدف هذا المقال ليس الإحاطة الكاملة بالحدث من خلال تحليل تاريخي عميق، إذ إن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكامنة والمسببة للانفجار معروفة لدى المراقبين والباحثين بشكل كبير. لن يكون هدف هذا المقال أيضاً وضع قالب لقراءة منحازة، مجتزأة وهادفة، وإنما قراءة ماكروية قائمة بشكل أساسي على تحليل رمزيات أبعاد وتداعيات وانطباعات ما يحدث لأن هذا الحقل الرمزي هو حقل موحد وواحد للشباب العربي، وهو أولى التجليات الملموسة للحدث على الصعيد الإقليمي والدولي. كما وأن تعقيد وكثافة الأحداث وقوة الانفجارات الاجتماعية تكمن في كثافة وتعقيد وكثرة المسببات وتفاعلها مع بعضها البعض. لذا، سأقوم بتعدادها بإيجاز، آملاً بذلك فتح نقاش واسع ومعمق حول كل نقطة من النقاط علماً أن قسماً منها أصبح متداولاً على الشاشات:

1 اقتصادياً: أتبنى وجهة النظر القائلة بأن الثورات تنفجر في مرحلة صعود اقتصادي (وليس العكس) يتخلله تدمير لبنى اجتماعية وتوسيع التفاوتات الطبقية وشعور باللامساواة. وهذا ما كان يحدث في كل من تونس ومصر، إذ إنهما كانتا تسجلان نسبة نمو مقبولة في السنوات الأخيرة مع سياسة الانفتاح، لتأتي الأزمة الاقتصادية العالمية وعناصر اقتصادية أخرى لتضرب النموذج الاقتصادي أضف الى ذلك أن القطاع السياحي يشكل داعمة أساسية للاقتصاد وهو أول القطاعات المنهارة في الأزمة.

2 ديموغرافيا: ما يوحد أكثرية الشعوب العربية هو الانفجار الديموغرافي ونسبة الشباب دون الثلاثين من العمر. هذه الشريحة الفاقدة للأمل في المستقبل تواجه خطر البطالة وضعف الدخل، واقتصاداً قائماً على الاحتكارات وغير مولد لفرص عمل كافية. كما وأن تزاوج الظاهرتين (الاقتصادية والديموغرافية) يؤخر عمر الزواج لدى الجنسين مما يخلق ضغوطاً في مجتمعات مغلقة على الصعد كافة ومنها الجنسية إضافة الى الوجه الأثر السلبي للانفجار الديموغرافي على النمو الاقتصادي.

3 سوسيولوجيا: من دون الوقوع في التعميم، يمكن القول أن التغييرات التي أصابت عالم الريف/ المدينة إضافة الى تفكك نسبي في البنى الاجتماعية القديمة (عائلة، عشيرة...) أفسحت بالمجال أمام نشوء ظاهرة الفردية في تلك المجتمعات، أصابت بخاصة شباب الطبقة الوسطى المتعلم، العمود الفقري للتحركات الشعبية في كلا البلدين. هؤلاء الشباب، جيل الإنترنت والانفتاح على العولمة، البعيدون كل البعد عن صدمة الحداثة التي أصابت آباءهم، المتعطشون الى الحرية والديموقراطية، والذين يتماهون مع القيم الغربية وقيم المجتمعات الاستهلاكية وأنماط عيشها: هذه الشريحة هي المحرك لتلك الانفجارات. أضف الى كل ذلك، المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب أنماط التضامن التقليدية من دون خلق أنماط وأشكال من التضامن الدولتي.

4 التربية وثورة الإنترنت والعولمة: في كلا البلدين، تونس ومصر، وبخاصة تونس، لم ينهر النظام التعليمي/ التربوي كلياً كما في البلدان التي تبنّت التعريب الكامل للمناهج (العراق، سوريا، الجزائر السودان). فبالإضافة الى القطاع السياحي حافظ شباب البلدين على تمكنهما من اللغات الأجنبية وبخاصة الإنكليزية، لغة العصر والتواصل، مما خلق تفاعلاً إيجابياً مع العولمة والتعرّف على قيم الحرية والحقوق الأساسية للمواطن.

5 العلمانية والمرأة: في تونس أكثر من مصر، كانت العلمانية رغم كل تشوهاتها حامية لهامش من الحرية في المجتمع المدني وبخاصة حرية المرأة. فأتت ثورة تونس، البلد العربي الأكثر تشدداً في علمانيته ذات طابع علماني أو بالأصح مدني، لتخرق ثنائية الديكتاتورية/ الحركات الإسلامية. وهنا تكمن قوة هذه التحركات التي فاجأت الجميع. فبعد تركيا، أكدت تونس أن العلمانية والعلمنة وحقوق الإنسان والمرأة ليست أفكاراً غريبة وغير ممكن تحققها في المجتمعات العربية والإسلامية. ففي مصر مثلاً، لعب المثقفون والفنانون والسينما دور المدافع عن المرأة في وجه الحركات الإسلامية المتطرفة. وفي كلتاالحالتين، المصرية والتونسية، يعد ذلك فشلاً لصميم الفكر الإسلامي المتطرف.

6 إيديولوجيا: كان واضحاً للمراقبين أن الأفكار القومية التقليدية القائمة على معاداة الغرب وعلى التذكير بالاستعمار والصراع مع إسرائيل، كانت الغائب الأكبر عن هذه التحركات. ففي مصر على سبيل المثال، كان هناك غياب تام لحرق الأعلام الإسرائيلية والأميركية والشعارات المذكرة بالصراع مع العدو الإسرائيلي، أو لشعارات من مثل "فلتسقط كامب دافيد" أو حتى لصور كثيرة لعبدالناصر. ومن اللافت أيضاً، أن الشعارات الإسلامية مثال "الإسلام هو الحل" أيضاً كانت الغائب الأكبر، رغم أن المظاهرات انطلقت يوم الجمعة الفائت من الجوامع بعد الصلاة. وذلك يدل على أن هذه المجتمعات متمسكة بالقيم ومتدينة بفطرتها إلا أنها تخطت تلك الموجة من الأفكار المتطرفة من الإسلام السياسي. كما وأن الشعارات اليسارية القديمة القائمة على الاشتراكية وإلى ما هنالك، كانت الغائب الأكبر لصالح شعور عام وفطري بغياب العدالة ولكن من منطلقات سياسية، فكانت التحركات سياسية ومطالبها كذلك رغم أن هناك خلقية اقتصادية اجتماعية قوية وراء الانفجار.

7 كسر المحرمات وابتكار سبل نضال جديدة: أنا من القائلين (وخصوصاً في النموذج المصري)، أن هناك سلطتين، السلطة السياسية والاقتصادية القمعية، وهناك السلطة الدينية في أيدي الجماعة الإسلامية. برأيي، إن التحرك المصري ولو لم يكن موجهاً مباشرة وبشكل واع ضد السلطة الدينية إلا أنه كذلك في واقع الحال عملياً ورمزياً، ولو بمستوى أقل كما هو موجه الى السلطة القائمة. ففتيل انطلاق الثورتين كان حرق الشاب لنفسه وهو ما يتنافى مع الدين. أضف الى ذلك زيادة حالات الانتحار في كل المجتمعات الإسلامية وظواهر أخرى مثل المساكنة، والعلاقات الجنسية قبل الزواج، والطلاق، التفتت الأسري... كل ذلك كان علامات عن تشكل جيل جديد من الشباب المتعلم والمتحرر نسبياً من السلطات السياسية والفكرية.

يضاف اليه أساليب التحركات والنضالات اللامركزية التي نذر لها في الغرب في الثمانيات، والقائمة على فكرة التنوع المجتمعي غير القابل ان يختصر في حزب ايديولوجي منسجم ومركزي. وكسر المحرمات لم يبدأ فقط مع حرق النفس، بل بدأ مع كسر الهالات للقيادات الدينية الكبيرة في المنطقة (مصر، لبنان، ايران، العراق).

8- المجتمع المدني والأفكار الاسلامية: اضافة الى كل ما قدمناه سلفاً، هناك العديد من النقاط المهم تعدادها هنا:

أ - فشل التجارب الاسلامية (المطبقة للشريعة والمتماهية معها) على مساحة العالم العربي والاسلامي: البن لادنية، العراق، ايران، باكستان، لبنان/حزب الله، الصومال، السودان، الأحزاب الاسلامية الجزائرية والمصرية، من دون ذكر الحركات المتطرفة في الغرب.

ب - نجاح التجارب الما بعد كولونيالية في أجزاء كثيرة من العالم غير الاسلامي (أميركا الجنوبية، الصين، الهند، افريقيا الجنوبية..). هذه التغيرات الدولية والجيوسياسية كسرت فكرة مركزية عند الحركات الاسلامية وهي الفكرة القديمة حول الصراع الاسلامي/المسيحي أو الاسلامي/الغربي، فلم يعد التجييش ينفع مع شباب اليوم.

ج - انهيار اليسار في العالم عامة وافكاره وأحزابه في العالم العربي خاصة مع بداية الثمانينيات، وانتشار الأفكار الاسلامية السلفية (خاصة بعد حرب أفغانستان والثورة الايرانية) التي رضخت لها كل الحركات بما فيها اليسارية كما وأنظمة الدول التي تدعي العلمانية (العراق، سوريا، البعث اليسار الفلسطيني واللبناني. كل ذلك اخلى ساحة الصراع الفكري والسياسي للحركات الاسلامية في ما بينها. ومن يتابع الاعلام المرئي والمسموع في العشر سنين تصدمه كمية البرامج والمساحة الاعلامية المعطاة للسلفيين والفكر الاسلامي عامة. من دون التكلم على الفورة في بناء المساجد التي اجتاحت العالمين العربي والاسلامي. هذا الوضع افلس كل الافكار السياسية والثقافية الغير الاسلاموية، كما واختصر الفكر الاسلامي بتيار سياسي متشدد واحد أوحد.

إلا انه ومنذ أحداث 11 أيلول 2001 ومروراً بحربي العراق وأفغانستان، واحتدام الصراع السني/الشيعي، اضافة الى بربرية ووحشية عمليات الحركات الاسلامية (خاصة في العراق)، كسرت الهالة والهالة للحركات الاسلامية المتطرفة، البعيدتين أصلاً عن هموم الناس وبانقطاع تام مع العلوم الحديثة والعصرية.

وباختصار، فان جيل الآباء المصدوم بالحداثة والعولمة وبالمتغيرات المجتمعية (وخاصة في ما يتعلق بدور ومركز المرأة الجديدين)، اضف الى ذلك صدمة فلسطين والتفكك القومي معطوفة على التضعضع الفكري والثقافي القائم من جهة على دخول الفكر العلماني اليساري (بشقه الالحادي) الى بلداننا ومن جهة أخرى، فشل الاصلاح الديني وانتصار التشدد والتزمت؛ كل ذلك وصلت عوارضه الى القمة في السنين العشرة الأخيرة، وكان كما وصفه ايمانويل تود اقرب الى الاحتضار والوثبة الأخيرة في المجهول منه الى الصعود والانتصار. هذا ما أكدته ثورتا تونس ومصر، كما والثورة السباقة الى كل ذلك، اي الثورة الخضراء في طهران والانتخابات العراقية و14 آذار في لبنان (جزئيا)، وتفتيت كل من السودان والعراق وتحلحل الصومال وأفغانستان تحت أحكام هذه الحركات الاسلامية. بمعنى آخر، لم تكن الافكار السلفية والاسلامية قوية كما هي الآن، رغم انها بصعودها الشكلي دفعت مجتمعاتها الى تناقضات هدامة وتحلحل بنيانها الداخلي.

خلاصة:

ما بدأ جزئياً في لبنان عام 2005، ثم في طهران مع الثورة الخضراء، فتح باب التغيير في الشرق الأوسط (رغم الاختلاف بين الأنظمة الديكتاتورية العربية والنظام التوتاليتاري الايراني)، والاحتمالات كثيرة ولا يمكن التكهن بها سلفاً.

لكن من المؤكد ان موجة التشدد الديني الى انسحار، والافكار ما فوق قومية الى تراجع، وهذا ما كان واضحا في لبنان، طهران، تونس، مصر، من خلال رفع العلم الوطني فقط والعودة الى التناقضات والمشاكل الداخلية لكل بلد، والابتعاد عن ترحيل وتحميل الفشل (التنموي والسياسي) للخارج ولا عداء وهميين، نحن ما زلنا في بداية الطريق، بداية تشكل براعم لمجتمع مدني، ليس بالضرورة على الشكل الغربي، مسيس، ولكن بطريقة غير تقليدية، لم يعد يجدي معه نفعاً، تخييره بين الاستبداد والفوضى، ولم يعد يجدي معه نفعاً الذهاب الى معارك مع "الخارج (الاسرائيلي، الأميركي، الغربي..) للعودة بمكاسب وهمية للبطش في الداخل، كما حدث في ايران، لبنان، غزة، سوريا، مصر..

ان سرعة المتغيرات وسرعة العصر القائمة على تحرك سريع للافكار والتجارب لا تستوي مع أنظمتنا المتحجرة، وتحديات التنمية والبناء الدولتي لا تتماشى مع افكار قديمة ورؤية تقليدية للحلول، ومن دون الوقوع في التمنيات، يمكننا القول ان الشعب المصري الذي خرج من الجوامع في يوم جمعة الغضب ليطرح تغييراً مدنياً (لا اسلامياً) قدم نموذجاً متوازناً بين السياسي والثقافي وأعطى أملاً للشعوب العربية بأن هناك امكانية للتغيير من دون المرور بالقنوات الاسلامية، كما كسبت تلك التحركات تضامناً وتفاعلاً دوليين، وخاصة من الشعوب الأوروبية التي كانت تعتقد ان ليس لدينا مجتمعات مدنية وغنى فكري وقواسم مشتركة.

وليس عجباً ان نرى في لبنان محاولة لحرف التحرك المصري ولتغييب التحركين التونسي والايراني. وليس عجباً ان نرى القذافي مرتبكاً ويخصص المليارات لمشاريع اسكانية، وسوريا تقطع الانترنت وتختبئ وراء عدائها الصوري لأميركا، وليس عجباً ان نرى ايران تقوم باعدامات للمشاركين في الثورة الخضراء هذا الأسبوع، وليس غريباً وعجباً ان تقدم الصين على الغاء كل ما له علاقة بمصر على الانترنت، كما وليس بمستغرب ان يلاقي المير حسين الموسوي التحركات العربية من طهران، ليذكرنا بأنهم هم من أطلقوا هذه الشعلة في أكثر بقعة من بقاع البطش الديني والسياسي في العالمين العربي والاسلامي.

===========================

تغيرات استراتيجية كبرى... نهاية مرحلة وبداية أخرى

ميشيل كيلو

السفير

5-2-2011

تقف منطقتنا على مشارف تغيرات كبرى، لوقوفها عند نهاية مرحلة وبداية أخرى يبدو أنها ستختلف عنها في أشياء كثيرة، أهمها تلك التي تتصل بالحكم وطرقه وقواه، والدولة وأبنيتها وأساليب إدارتها وارتباطاتها الداخلية. ويتناقص يوميا عدد من يشكون في حقيقة التغيير الذي يتخلق أمام أعين العالم، في بلدان عربية عدة عامة وتونس ومصر خاصة. ولعل استجابة حكام كانوا يرشحون أنفسهم للبقاء في السلطة مدى الحياة، وسبق أن أوعزوا لبرلمانهم بإقرار التعديلات القانونية الضرورية لذلك، كالرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، لمطلب عدم ترشيح أنفسهم من جديد، وتعهدهم أن لا يورثوا السلطة لأحد من أسرهم أو أحزابهم، خير دليل على الجو الجديد، الذي بدأ ينتشر في وطن العرب، معبرا عن تبدل موازين القوى بين الحكومات والشعوب، لو تنبأ احد قبل أشهر قليلة بأنه سيحدث في المنطقة، لقال سامعوه إنه يحلم ولسخروا منه. هذا التبدل في المزاج الداخلي، وهو في تقديري استراتيجي، سيكون من الصعب إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبله، وإلا زاد من يتابع هذا الهدف الأمور تعقيدا، وزج بوطنه ونفسه في مأزق لا مخرج منه، أقل تكاليفه مذبحة لا يعرف أحد عدد ضحاياها ومداها، من المستبعد أن يكون لحاكم أو محكوم الجرأة على القيام بها.

وهناك تبدل نلاحظه في المزاج الخارجي أيضا، نتج عن ركون القوى الخارجية إلى استقرار النظم العربية، واستبعادها وقوع تغيير مباغت فيها، وعن خطأ المعلومات التي جمعتها أجهزة الاستخبارات التابعة لها حول الواقع العربي. ومن تابع مواقف الدول الغربية من الحدث التونسي، لاحظ ما شابها من اضطراب وحيرة وتناقض، وكيف غيرت سلوكها خلال أقل من شهر من النقيض إلى النقيض، فعرضت في أيام التمرد الشعبي العون على حكومة زين العابدين بن علي، ثم تراجعت عن عروضها عندما بدأت ترى حقيقة ما يجري على الأرض، وتخلت أخيرا عنه وتركته يسقط.

بادرت الدول الغربية، وخاصة منها أميركا، إلى تحرك أسرع في مصر، خشية أن يفلت زمام الأمور من أيديها إذا ما نجح انقلاب ليست على تماس معه. ورغم نكتة القوى الموالية لمبارك عن كون الموقف الشعبي جزءا من «مؤامرة « أميركية تريد التخلص من مبارك ونظامه، فإن أميركا تعرف أكثر من أي أحد آخر معنى التحول الاستراتيجي الخطير، الجاري في العالم العربي، والمناهض لسياساتها، للأسباب التالية:

1- تحدثت أميركا دوما عن الاستقرار باعتباره هدفها الرئيس في المنطقة العربية. والاستقرار يعني بكل بساطة استمرار الوضع القائم، الذي يقال إن الولايات المتحدة عملت على قيامه، ثم ضمنته منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، ووضعت مخابراتها ومساعداتها العسكرية والمالية، وتنسيقها السياسي والأمني، في خدمته. وأكد كبار قادتها في تصريحات لا حصر لها أنهم يؤيدون النظم القائمة ضد البديل الحتمي، البديل الإسلامي القادم حتما إلى الحكم، إن اهتزت الحكومات القائمة أو ضعفت. الحل هو إذاً الاستقرار، مع إجراء إصلاحات تقوي السلطة وتجعلها قادرة على الصمود في وجه الخطر، وعلى تقليصه تدريجيا، بالسياسة وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، والقمع المكثف. لم يعلن أحد في واشنطن رغبته في تغيير نظم مستقرة كنظامي تونس ومصر، بل بادرت أميركا إلى دعم نظم ضعيفة كالنظام اليمني، عبر تدخل عسكري مباشر وعلني، ومؤتمرات دولية عقدت في الخارج الأوروبي والأميركي. وكما قال الأميركيون منذ كيسنجر إلى أوباما إنهم يفضلون التعامل مع أشخاص بدل التعامل مع شعوب، وإنهم ضد عودة المنطقة إلى المرحلة التي سبقت طي صفحة الثورة القومية العربية، الذي بدأ بانفصال الوحدة بين سوريا ومصر عام 1961 وتواصل من خلال هزيمة عام 1967، وتواصل بعد ذلك إلى ما شاء الله.

2- ليس التغيير مصلحة إسرائيلية. وما ليس مصلحة إسرائيلية ليس مصلحة أميركية أو غربية أيضا. إسرائيل تريد استمرار انهيار وضعف العرب، لأنهما يزيدان تفوقها عليهم، فليس من المعقول أن تؤيد تطورا لا تعلم إلى أين يقود، تعرف أن حملته والداعين إليه أعداء يضمرون لها كرها شديدا، ويقاومون نظامهم لأسباب كثيرة بينها موقفه منها، وسلامه معها، وتراخيه في دعم خصومها وأعدائها من العرب، وإخراج جيشه وشعبه من موازين القوى معها، وتركها تفعل ما تشاء في محيطيها القريب والبعيد. ليس من المعقول أيضا أن تتطلع إلى إسقاط نظام لعب طيلة عقود ثلاثة دور حاجز أمني رد عنها مخاطر انخراط عرب أفريقيا، وعلى رأسهم شعب مصر وجيشها القوي، في الصراع التاريخي الدائر على فلسطين، بعد أن كان قوة الصراع الرئيسة ضدها خلال عقدين على وجه التقريب.

3- وهذا هو العامل الأكثر أهمية : إن سقوط النظام العربي القائم، أو حدوث اختراقات فيه، أو تحوله إلى نظام مختلط، ستنشب فيه صراعات بين بلدان محكومة ديموقراطيا وأخرى معادية لها، وأخيرا انتقال البلدان العربية إلى نظام مسنود شعبيا ومجتمعيا يهدد بإعادة الوضع العربي إلى ما كان سائدا قبل احتواء الثورة القومية العربية، التي عانت أميركا الأمرين منها وصارعتها صراعا مريرا قبل أن تتمكن من إسقاطها، وتخاف أن تكون رداً عربياً تاريخياً جديداً على جريمة الانفصال وهزيمة حزيران، وما تلاهما من تطورات مديدة قادت إلى تمرد تحمله لأول مرة في تاريخ العرب قوة بقيت غائبة عن مسرح التاريخ، ولعبت أدوارها إما بالواسطة أو بصورة غير مباشرة، سواء عن طريق الجيش أو الأحزاب، هي المجتمع العربي بفئاته وقواه المختلفة، تطرح منظوراتها تحت حيثية جديدة هي النظام الديموقراطي كهدف، والحرية الفردية والشخصية كوسيلة، والاستقلال الوطني كغاية، مع ما يجب أن يترتب على ذلك بالنسبة إلى استعادة الحركة القومية المعادية للغرب وإسرائيل، وإعادة طرح مسألة الثروة العربية، وخاصة منها النفطية، وأدوار النظم التي تحرسها، والمال العربي وموقعه من تنمية الأمة، والعلاقات العربية/ العربية، وعلاقات العرب مع العالم، ودور الجماهير الشعبية في الصراع مع العدو الإسرائيلي، ومكان العرب كقوة هي الأقوى في الإقليم والشرق الأوسط، لن تراهن أي قوة إقليمية بعد ذلك على إضعافهم، ولعب دور يتطلب غيابهم أو تغييبهم، كما هو حاصل اليوم في أكثر من مكان، مع ما سيؤدي إليه هذا النهوض القومي/ الشعبي من طي وإنهاء الصراع المذهبي والطائفي، الذي انفجر على امتداد المنطقة بعد أفول العصر القومي وصعود نجم الحركات والدول الإسلامية.

هل لأميركا وإسرائيل مصلحة في تحول على هذا القدر من الجذرية والعمق والاتساع، لن يترك سياسة على حالها: دولية كانت أم إقليمية أم قومية أم محلية؟. ألا يبدل هذا التحول مجمل العلاقات الدولية، ومكانة دول العالم في عالمنا الراهن، ويمثل تحديا بالغ الخطورة لمصالح وسياسات الغرب عموما وأميركا خصوصا عندنا وفي العالم؟. وبأي شكل سيواجهه أعداء العرب، وهو الذي سيواجههما بتشكيلة تاريخية جديدة، وبسياسات تقوم على حداثة مفتوحة على تقدم اجتماعي وقومي لم يعرفه تاريخ منطقتنا من قبل، وترسي واقع العرب على أولوية مجتمع يحمل تحرره الذاتي، والمواطنة وحقوق الإنسان بما هما ركيزة الحياة القانونية والسياسية، وبنية الدولة وعلاقاتها مع مواطنيها ومجتمعها ومؤسساتها، والسلطة، التي ستكون سلطة من انتخبوها؟.

ماذا يعني هذا؟. هناك، بكل اختصار مصالح دولية وصهيونية ومحلية كبيرة إلى درجة تجعل التحول مسألة على قدر عظيم من الصعوبة، بعكس ما توحي به سهولة التغيير النسبية في تونس، وتؤكده مقاومة مبارك ونظامه للشعب في مصر، وتبدعه مخيلتهما من جرائم ضد محتجين مسالمين، يمثلون فئات المجتمع المصري مجتمعة. لقد أزفت ساعة التحول. هذا مؤكد، لكنه سيكون طويلا ومعقدا ومكلفا جدا، لأن أعداءه سيكونون له بالمرصاد: قبل بدايته، وبعد نجاحه، وبعده. والهدف: هو منع حدوث ما سبق عرضه من مستجدات ستبدل الظرف العالمي برمته، انطلاقا من منطقة جديدة ستكثف وقائعها سياسات وصراعات العالم اليومية لفترة يعرف الله وحده كم ستكون طويلة!

====================

هيكل: النظام الجريح.. هدفه الانتقام

فهمي هويدي

السفير

5-2-2011

قال الأستاذ محمد حسنين هيكل إن ثورة الشباب أعادت الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، إلا أن أسوأ ما في مصر يحاول الآن بشراسة أن يقتل أنبل ما فيها، مضيفا أن الشعب أعلن كلمته يوم الثلاثاء العظيم في استفتاء لم يزوّر، الأمر الذي طوى صفحة النظام القائم بصورة لا رجعة فيها، رغم أننا شهدنا محاولة للالتفاف على إرادة الشعب من خلال الإيحاء بأنه خلال ستة أشهر يمكن إنجاز ما عجز النظام عن فعله خلال ثلاثين عاما.

وهو يتحدث كان الأستاذ يتابع من شرفة بيته الأفواج التي كانت تعبر جسر الجلاء متجهة إلى ميدان التحرير للانضمام إلى الحشد الكبير الذي اعتصم به معلنا نهاية عصر وبداية عصر آخر، ولدت فيه مصر من جديد. وقد لخص تعليقه على المشهد بقوله: أخيرا قدر لمصر أن تستعيد روحها الوثابة، وأن تثبت لنفسها وللعالم أنها ما زالت تحتفظ بكبريائها، وأنها قادرة على الثورة. وإذا لم يكن لثورة شبابها الراهنة من فضل سوى إشهار تلك الرسالة على الملأ، لكان ذلك كافياً. أضاف في هذا الصدد أن التاريخ له إملاءاته، وأن إطلاق تلك الرسالة من ميدان التحرير له رمزية عميقة الدلالة.

÷ كيف رأيت الجموع المحتشدة في الميدان؟

} هم تجسيد لحلم خلاص مصر وكبريائها، وهم أنبل وأجمل ما أنجبته البلد. وسيظلون في الحقيقة وفي التاريخ رمزا لكبرياء ذلك الشعب وحلمه. وقد التف حولهم الشعب واحتفى بهم، بعدما أدركت جماهيره بعبقرية حسها الحضاري والتاريخي، إن هؤلاء الشبان هم أبناؤه الحقيقيون والبررة. لذلك فإنهم حين دعوا المصريين إلى التعبير عن غضبهم واحتجاجهم في يوم الثلاثاء العظيم، فإن ما بين خمسة وسبعة ملايين مواطن من كل أنحاء مصر استجابوا لهم، وقالوا كلمتهم بصوت هادر وقاطع في استفتاء نادر لا مثيل له، به كتبت شهادة ميلاد مصر من جديد.

وهي الرسالة التي لم تجلجل في فضاء مصر والعالم العربي فحسب، ولكن أصداءها ترددت بقوة فى أرجاء الكون بأسره، حتى تسلمها ووعاها كل معني بشأن مصر. ومنذ ذلك اليوم بقي الشباب في الميدان رمزا للفكرة وشعلة وضاءة في طول البلاد وعرضها.

÷ ما رأيك في ما جرى لأولئك الشباب بعد ذلك؟

} لنتفق أولا على أن الثورة التي أطلقها أولئك الشبان الشجعان كانت زلزالا هز أركان النظام القائم في مصر منذ ثلاثين عاما. وللأسف فإن الرد كان صادما ومعيبا. فقد حاولوا إطفاء الشعلة بالدم، ووجدنا أن أسوأ ما في مصر سعى إلى محاولة قتل أنبل ما فيها. وهو ما شاهدناه يومي الأربعاء والخميس وكان اقتحام الخيول والجمال والحمير لميدان التحرير رمزا له.

÷ من تظن وراء هذه المحاولة الأخيرة؟

} الذين فعلوها صورة طبق الأصل من الأداة التي استخدموها. حيث لا أتردد فى القول إنهم أناس لا يختلفون كثيرا عن الدواب التي استجلبوها وأطلقوها.

÷ هناك تخمينات تحدثت عن شخصيات بذاتها في الحزب الوطني ورجال الأعمال لها دورها في ما جرى؟

} هذا صحيح، والأسماء متداولة ومعروفة، الذي لا خلاف حوله أن العملية كان لا بد لها من تمويل، وكان هناك أشخاص جاهزون من أركان التحالف المشهود بيننا: السلطة والمال والأمن. وهؤلاء الأشخاص لا يملكون إلا ما يستطيعون به استئجار الحناجر أو شراء الأسلحة وتجنيد البلطجية وأفراد العصابات.

÷ إذا فهمنا من وراء مشهد الخيول والجمال التي أطلقت في الميدان، فهل هناك تفسير للغياب التام للشرطة عن ضبط الأمن في البلاد، الأمر الذي فتح الباب لعمليات الترويع والنهب والفوضى التي حدثت.

} هذا جانب من الصورة يستدعي ملاحظات. الأولى أن مصادر الداخلية تقول إن الذين قاموا بالترويع والنهب وأثاروا الفوضى، ينتمون إلى تشكيل سري لا علاقة لهم به. الثانية أن تعامل الأمن المركزي مع المتظاهرين في البداية اتسم بقسوة مفرطة. حتى بدا وكأنه يمثل ذراعا لقوة غاشمة في بلد احتلته، ما يشكل جريمة حرب في أي بلد يحترم القانون الإنساني. الثالثة أن قرار سحب الشرطة لاحقا يكتنفه الغموض في الوقت الراهن. ويبدو أنه سيظل سؤالا معلقا على التاريخ والضمير المصريين سيجيب عنه مستقبل الأيام. الرابعة أن ما حدث ليس مفاجئا تماما، لأنه تفكير مستلهم من خطط التأمين التي تتضمنها أدبيات الثورة المضادة المتداولة في العالم الغربي، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية، وللمخابرات المركزية تحديدا إسهاماتها في هذا المجال. التي أنبنت على ما عرف بخطة أجاكسي وأسهم في وضعها خبراء بعض شركات النفط العالمية، شل وموبيل أويل وغيرها. ومن يدقق في وقائع التعامل مع ثورة الشباب في مصر يلاحظ أن ثمة قواسم مشتركة بينها وبين ما جرى من قبل في إيران ضد ثورة مصدق وفي شيلي أيام بينوشيه، حيث برز في هاتين التجربتين دور بارز للجماعات التي تعمد إلى ترويع الناس وإشاعة الخوف بينهم، لإقناعهم بأن الثورة تهدد استقرارهم وستجعل حياتهم جحيما.

÷ قلت هناك من يحاول تصوير الاشتباك الحاصل باعتباره تراشقا بين متظاهرين يعارضون نظام الرئيس مبارك وآخرين يؤيدونه.

} هذا تزوير للواقع، فالمتظاهرون الحقيقيون هم المحتجون الذين اعتصموا في الميدان وقرروا الدفاع عن كرامة هذا البلد وحلمه، بأسلوب سلمي مشرّف. أما الآخرون فهم مستأجرون بلا قضية. سواء كانوا عناصر تابعة للأجهزة الأمنية أم مرتزقة تم شراؤهم أم موظفين وعمالا في بعض المصانع والقطاعات الحكومية، الذين حملتهم سيارات الجهات التابعين لها إلى ميدان مصطفى محمود بالدقي لافتعال تجمع يؤيد النظام القائم. وقد ذهبت محاولات الانفعال إلى حد دعا الذين أخرجوا المشهد إلى الاستعانة بالفريق القومي لكرة القوم ومدربه.

÷ كيف تقوّم ما حققته ثورة الشباب حتى الآن؟

} إضافة إلى ما سبق أن ذكرته من أنهم أعادوا الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، وأنهم أثبتوا للعالم أن شعب مصر قادر على الانتفاضة والثورة، فإنهم نجحوا في أن يعلنوا على الملأ ما لا يريده الشعب المصري، وتركوا للعقلاء والنخبة أن يحددوا ما يريده الشعب. ذلك أن الجماهير الغاضبة بمقدورها أن تتحدى الطغيان وتسقط الطغاة، لكنها لا تطالب بأن تضع برنامجا يجيب عن أسئلة المستقبل، بما يفصل في الإجابة عن السؤال: ما العمل؟

÷ هل تعتقد أن العقلاء قاموا بهذا الدور؟

} للأسف فإنهم لم يستطيعوا أن يجيبوا عن السؤال، لأن أغلبهم عجز عن قراءة الواقع والتفاعل معه بما يستحقه. إضافة إلى أن المعارضة المعترف بشرعيتها في مصر أصبحت عنوانا فضفاضا تندرج تحته فئات، بعضها لا وزن له ولا حضور، وبعضها لا يملك من مقومات الحضور، سوى مقر وجريدة، والبعض الثالث يمثل أجنحة للحزب الوطني.

÷ ممثلو النظام في مصر دعوا إلى الحوار مع المعارضين والقوى السياسية الأخرى؟

} هذا الحوار لا بد منه ولكن له توقيته وأركانه وشروطه. إذ إضافة الى تثبت الظرف السياسي الملائم لإجرائه، فمن المهم للغاية شرعية الأطراف المشاركة فيه وأوزانها الحقيقية في المجتمع. كما أن أي حوار يجب أن يكون هناك جدول أعمال متفق عليه. وبغير الاتفاق على جدول الأعمال فإن ما يسمى حوارا سيتحول إلى محاولة إملاء شروطه طرف على آخر. وهذا هو الحاصل الآن. فشرعية تمثيل المعارضة الحقيقية مشكوك فيها، كما أنه ليس هناك جدول أعمال متفق عليه للمستقبل. وما هو متوافر الآن لا يتجاوز مجرد وعود لامتصاص الغضب، لوح بها ممثلو السلطة، ولم يكن للمعارضة الحقيقية أي إسهام في صياغتها أو ترتيب أولوياتها.

÷ الرئيس مبارك تحدث في خطبته الأخيرة عن تصور للفترة المقبلة وخطوات الإصلاح المرتقبة في المسقبل؟

} ما عبر عنه الرئيس في ذلك الخطاب لم يكن مترابطا ولا يوفر فرصة كافية للتفاؤل أو الثقة. ذلك أنه أعلن أنه الآن فى ولايته الأخيرة. وتحدث عن ترتيبات للمستقبل منوطة بمجلس تشريعي تشكل بالتزوير ومطعون في شرعيته بما يجعله غير مؤتمن لا على الحاضر أو المستقبل وكان لافتا للنظر في هذا الصدد أن الرئيس في ولايته الأخيرة أصدر تكليفات للمجلس المشكوك في شرعيته تتعلق بترتيبات المستقبل الذي يفترض ألا يكون طرفا فيه. وهو أمر غير مفهوم. أما ما كان مثيرا حقا فهو أنه بعد ساعات قليلة من إلقاء الرئيس خطابه بدأت محاولة الهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير التي كانت في جوهرها محاولة قتل الرمز الذي قاد الثورة وفجر مشاعر الغضب الجماهيري. وهو ما نسف الثقة في جدوى الحوار ومقاصده. كأن الرئيس أراد أن يغطي المرحلة الزمنية التي تسبق تركه منصبه بجريمة ترتكب بحق أنبل أبناء شعبه.

÷ تحدثت وسائل الإعلام عن أن حوارا بدأ بالفعل بين السلطة وممثلي المعارضة؟

} عندي ثلاث ملاحظات على ما أذيع في هذا الصدد. الأولى تتعلق بشرعية من قدموا باعتبارهم معارضين، والسؤال هنا منصبّ على أوزانهم الحقيقية في الواقع المصري.. الثانية أنه لا يمكن أن يدور حوار حول الوضع الراهن في غيبة ممثلين للشباب الذين أطلقوا الثورة. الثالثة والأهم أن ذلك الحوار المفترض، يجري دون اتفاق على جدول أعمال يحدد مواضع الخلل ومقاصد الحوار.

÷ كيف يمكن تقدير النتائج المترتبة على ذلك الحوار؟

} المشكلة الأساسية في ذلك أننا صرنا أمام وضع لا يمكن إصلاحه وأن الخلل فيه أصبح جزءا من بنيته الأساسية. ثم إن هناك تجاهلا لحقيقة لم يعد يختلف عليها العالم أجمع، وهي أن النظام الحالي طويت صفحته، وأن الكلام في أهم عواصم العالم ينصب على مفردات الصفحة الجديدة في مصر تدل على ذلك والترتيبات الأميركية الأخيرة التي أعلن عنها مساء يوم الخميس، وتحدثت عن استقالة الرئيس مبارك، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة نائبه عمر سليمان. وللأسف فإننا ندفن رؤوسنا في الرمال رافضين إدراك أو رؤية ما يدور حولنا. فنحن هنا نحاول ترميم وتجميل وضع يتحدث العالم الآن، عن أنه قد سقط سياسيا وعمليا. وعناوين الصحف العالمية وافتتاحياتها تقول ذلك صراحة ودون مواربة. وإعلامنا الرسمي وحده لا يزال يعيش في ما اعتبرته الدوائر السياسية والإعلامية العالمية قد صار ماضيا يجري الآن الاستعداد بشكل حثيث وجاد للانتقال إلى غيره.

÷ إلى أي مدى يمكن الحديث عن دور أميركي في تشكيل الوضع الراهن؟

} الأميركيون حاضرون في المشهد من بدايته وبصورة أبعد كثيرا مما هو مألوف في العالم العربي على الأقل. فالإدارة الأميركية لديها مجموعة عمل تتابع الموقف أولا بأول، والتصريحات الأميركية اليومية تتناول الموضوع بدرجة أو بأخرى. وهو ما لمسناه في الاتصالات التي أجراها الرئيس أوباما وفي تصريحاته الأخيرة التي شدد فيها على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة الآن وليس بعد انتهاء ولاية الرئيس في شهر سبتمبر. وهو ما عبرت عنه أيضا تصريحات وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين. ولرئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس «جون كيري» كلام شديد في دعوة الرئيس مبارك إلى التنحي. وقد نقلت وكالات الأنباء مساء يوم الخميس الماضي خبرا ذكرت فيه أن مشروعا قدم إلى مجلس الشيوخ يدعو إلى مطالبة الرئيس مبارك بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية موسعة، كما تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن اتصالات أميركية لهذا الغرض جارية مع نائب الرئيس المصري ووزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة. وكانت الصحيفة قد نشرت في عدد الأول من شهر فبراير الحالي تفاصيل مهمة عن رحلة المبعوث الأميركي فرانك ويزنر إلى القاهرة. وتحدثت في تقريرها عن اجتماع للرئيس أوباما في مجلس الأمن القومي لمدة ساعتين لبحث تطورات الموقف في مصر، بعد إعلان الشعب عن رفضه لسياساته ونظامه، وأشارت إلى أن الاجتماع بحث تقريرا أعده اثنان من الخبراء حول آخر التطورات. وتم الاتفاق على أن يتوجه السفير فرانك ويزنر إلى القاهرة حاملا معه رسالة تدعو الرئيس مبارك إلى أمرين، الأول إعلانه على الملأ أنه لن يرشح نفسه لولاية جديدة في نهاية العام الحالي، وهو المطلب الثاني أن يعد بألا يترشح ابنه جمال إلى الرئاسة القادمة. وهو ما رفضه وامتنع الرئيس مبارك عن الاستجابة له.

÷ هل الاهتمام الأميركي الشديد بالوضع في مصر نابع من الحرص على استمرار علاقات البلدين أم أنه يضع في الاعتبار الحرص على العلاقات الأميركية المصرية أم أوثق صلة باستمرار وتأمين العلاقات المصرية الإسرائيلية؟

} واشنطن مدفوعة بالأمرين معا. فمصر تحتل موقعا متميزا في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، كما أنها مهتمة باستقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية. يضاف إلى ذلك أن الرئيس أوباما يحتاج إلى أصوات اليهود الأميركيين في محاولته تجديد ولايته. ومن ثم فمفهوم أن يولي اهتماما خاصا بما يعتبره أمن إسرائيل ومصالحها.

÷ بماذا نفسر الاهتمام الإسرائيلي الخاص بالوضع في مصر؟

} إذا تذكرنا وصف إسرائيل للرئيس مبارك بأنه «كنز استراتيجي لها» فإن ذلك يفسر لنا بدقة قلقهم في تل أبيب إزاء احتمال تغيير النظام القائم في مصر. ثم إننا في مثل هذه المواقف ينبغي أن نستعيد علامات الاستفهام الكثيرة التي تثار حول العلاقات المصرية الإسرائيلية، خصوصا تلك التي تتعلق بالتعهدات والضمانات غير المعروفة التي قدمها الرئيس السادات لإسرائيل ليس فقط لضمان أمنها.

ولكن أيضا للتأكيد على أنه لن تكون هناك حروب أخرى مستقبلا ضدها.

انتهت أسئلتي، فاستوقفني الأستاذ هيكل وقال اكتب على لساني هذه النقاط التي ينبغي أن يعيها جميع المصريين في اللحظة الراهنة:

أولا: ان النظام الجريح سيظل شاغله الأوحد هو الانتقام. وإذا كان قد أبدى استعدادا لقتل 300 مواطن على الأقل وتشويه وجرح خمسة آلاف آخرين لكي يبقى ستة أشهر. فإن أحدا لا يستطيع أن يتصور الثمن الذي يتعين على المصريين دفعه لقاء استمراره.

ثانيا: إن أحدا لا ينبغي أن يبخس شباب مصر الشرفاء والشجعان حقهم في صناعة حاضر مستقبل ومستقبلها، كما أن أحدا لا ينبغي أن ينسى أن شهادة الميلاد الجديدة لمصر كتبت بدماء الثلاثمئة شهيد الذين أراد النظام قتلهم، فحوّلهم إلى نجوم مضيئة وباهرة في سماء مصر.

ثالثا: إن الأمة مدينة لأولئك الشبان الذين اعتبرهم أجمل وأنبل من أنجبتهم مصر، لأنهم بثورتهم ردوا إلي أملا غاب وراء السحب الداكنة التي تكاثرت في سماء مصر. وشاءت المقادير أن أعيش لحظة انقشاع تلك السحب وبزوغ شمس ذلك الأمل الذي ملأ أرض مصر كلها بضياء ودفء افتقدته طوال العقود الأربعة الأخيرة.

==============================

هل يُطمئن عمر سليمان الإسرائيليين؟!

ياسر الزعاترة

الدستور

5-2-2011

من الواضح أن الجولة الأولى من الضغوط الأمريكية الغربية على حسني مبارك قد آتت أكلها تعيينا لعمر سليمان نائبا للرئيس ، في حين يعلم الجميع أن مبارك قد قاوم سائر الضغوط طوال ثلاثة عقود وأصرّ على رفض تعيين نائب له.

ما يمكن قراءته في السياق هو ان مبارك قد أراد من خلال التعيين المذكور أن يكسب واشنطن والغرب إلى جانبه في المعركة مع الجماهير المصرية ، هو الذي يعلم أن مصلحة الدولة العبرية وهواجسها هي التي تحرك سائر المواقف الغربية.

وفيما اعتقد مبارك أنه سيسوق الدهاء بتمريره هذه الخطوة ، وبالطبع تبعا لإدراكه لحقيقة أن سليمان هو الأقرب إلى قلوب الإسرائيليين ، فقد نسي أن يحسب حساب المنطق الغربي الذي ما لبث أن تبدى سريعا حين أدرك الجميع أن تسويقه (أي مبارك) من جديد على الشارع عبر إصلاحات محدودة لم يعد ممكنا.

ما ينبغي أن نذكره هنا هو أن سليمان بمواقفه التي كسب من خلالها الأمريكان والإسرائيليين لم يكن يغرد خارج السرب ، بل كان يتخذ تلك المواقف لأن رئيسه يريدها ، وبالطبع على أمل تمرير التوريث من جهة ، ومن أجل سكوت واشنطن والغرب على قمعه للمعارضة المتنامية في الشارع المصري.

وفي حين كان سليمان يحظى برضا الدولة العبرية ، فإن الرئيس لم يقصر في دفع نجله نحو تقديم أوراق اعتماده للخارج من أجل دعم وراثته للحكم ، وتبدى ذلك على نحو أكثر وضوحا إثر زيارة سرية لواشنطن ما لبثت أن كشف أمرها في أيار عام ,2006

لكن عمر سليمان الطامع في منصب الرئاسة ، والذي يعتقد ومعه دوائر عسكرية وأمنية نافذة أنه الأكثر جدارة به ، لم يسلّم بالوضع الجديد ، وما لبث يرتب الأجواء لنفسه طوال المرحلة الماضية ، وإن لم يدخل في حساباته ثورة شعبية كالتي اندلعت نهاية الشهر الماضي ستدفع به نحو منصب نائب الرئيس ، وتاليا الرئيس إذا لم تحدث تطورات أخرى غير سارة بالنسبة إليه.

ولأنه كان يدرك أن العامل الخارجي له دور حيوي في تحديد هوية الرئيس (نتذكر هنا مقولة مصطفى الفقي الشهيرة وهي أن رئيس مصر ينبغي أن يحظى بموافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل) ، فقد مال سليمان إلى بناء علاقات جديدة تمنحه الأفضلية على منافسه (نجل الرئيس) ، مستندا إلى وجود مخاوف لدى بعض الدوائر الأمريكية والإسرائيلية من أن وصول جمال للرئاسة قد يعني وضعا أمنيا هشا يمنح المعارضة ، وبخاصة الإخوان فرصة الانقضاض على السلطة.

خلال الألفية الأخيرة: تحديدا منذ ملامح احتلال العراق ، قدم عمر سليمان نفسه بوصفه رجل الاعتدال الأقرب إلى الرؤى الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة ، في تغيير واضح لصورته القديمة كرجل وطني متشدد في الدفاع عن مصر ودورها وأمنها القومي ، حيث لم يكتف بتمرير قتل ياسر عرفات وترتيب الخلافة لمن حاولوا الانقلاب عليه بدعم أمريكي إسرائيلي ، بل تواطأ عمليا مع برنامج احتلال العراق ، ومختلف الخطوات التالية لتشريع الوجود الأمريكي (يشمل ذلك موقفه من المقاومة العراقية ومساعي إجهاضها) ، كما لم يتحرك من أجل وقف تدهور السودان نحو الانفصال ، ونشوء كيان متحالف مع تل أبيب يهدد الدولة العبرية (قد نضيف هنا صفقة الغاز مع تل أبيب ، وإن نسبت من قبل البعض إلى تيار جمال مبارك في الحزب الوطني ، وقد نضيف أيضا موقفه من المقاومة اللبنانية).

لكن الأهم هو موقفه من الملف الفلسطيني الداخلي ، أولا بدعمه لخيارات السلطة المعروفة ، وثانيا مطاردته لحركة حماس منذ فوزها في انتخابات 2006 ، والأهم منذ سيطرتها على قطاع غزة. وما رشح قبل العدوان الإسرائيلي حول مطالبته الإسرائيليين باستهداف قادة حماس ، إلى جانب تهديده المستمر لقادة حماس ، إنما يصب في ذات الاتجاه الرامي إلى تركيع الحركة لحساب البرنامج الإسرائيلي ، وليس قناعة بأنها تهدد الأمن القومي المصري. وقد جاء مسعاه لفرض وقف إطلاق النار على حماس أثناء عملية الرصاص المصبوب لتغدو هي المهزومة في المعركة ، جاءت لتؤكد توجه الرجل.

عموما يمكن القول إن الرجل هو الصديق الذي يشعر الإسرائيليون بالثقة حياله ، وإن كان من الصعب القول إنه في الوضع السابق سيكون هو ذاته في موقع الرئيس.

يبقى القول إن مجيء عمر سليمان بديلا لمبارك في حال تنحيه معطوفا على إصلاحات سياسية معتبرة لا يعني أن الثورة قد فشلت ، فمن أسقط مبارك يمكن أن يسقط سواه إذا سار عكس توجهات الجماهير في السياسة الداخلية والخارجية. والنتيجة أن ما جرى لن يكون خيرا للإسرائيليين بأي حال ، فكيف حين تمتد بركات الثورة المصرية إلى سائر ربوع الوطن العربي الذي ترى جماهيره أن فلسطين كانت وستبقى عربية إسلامية لا سيادة لليهود على أي شبر منها؟،

==========================

فجأة أصبح السلام ذخرا

جدعون ليفي - «هآرتس »

الرأي الاردنية

5-2-2011

أصبح السلام فجأة ذخرا حيويا في نظر اسرائيل: وأصبح حسني مبارك فجأة أكبر اصدقاء اسرائيل. مثل رجل يوشك ان يفقد المرأة التي نكل بها سنين ، وآنذاك فقط يعرف في تأخر آثم قيمتها ، الآن تنطوي اسرائيل على نفسها في خوف من الآتي: فماذا سيكون لو ألغى الحكم الجديد في مصر اتفاق السلام. تسارع كعادتها الى مد يدها الى مسدسها ، وتشيع الخوف كعادتها من الأخطار الحقيقية والمتوهمة ، ويمنع رئيس حكومتها وزراءه من الكلام في هذا الشأن بل انهم يطيعون ذلك. حذارً ، خطر: السلام يوشك أن يتمزق.

انه نفس السلام الذي تلاعبنا به ونكلنا به عدد سنين. تحدثوا دائما عن مبلغ كونه باردا ، وعن مبلغ عداوة مصر وخطرها. فمبارك لا يأتي ، والسياح لا يأتون ، والنخبة معادية للسامية ، وكم هي خطرة زيارة وادي النيل. يا للشيطان ، المصريون يكرهوننا. اقترح افيغدور ليبرمان قبل عقد فقط قصف سد أسوان ، وفعل مثله قبل ذلك بعشرين سنة يغئال الون ايضا.

عندما كانت المعاهدة توشك على ان يوقع عليها ، تحصن مستوطنون في يميت ، بل و تساحي هنغبي بالانتحار من اجل ذلك. وعندما وقعت: التزمت اسرائيل في اطارها باحترام الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ، التزمت ونقضت ، والتزمت وخادعت ، ومنذ ذلك الحين لم تكف مصر عن التوسل لاسرائيل لان تعمل على تقديم تسوية مع الفلسطينيين - وتجاهلت اسرائيل في صلف وهي تفرض عليهم الحروب والاحتلال. سلام باطل ، وتفاوض فارغ ، ووصف السلام مع مصر دائما بأنه تحايل. لكنه أصبح الآن فجأة ذخرا استراتيجيا.

انه نفس السلام الذي ما كان ليوجد هناك أي احتمال لان تقبله الحكومة والكنيست الحاليتان. ما كان بنيامين نتنياهو ليوقع عليه أبدا ، وما كانت الكنيست لتجيزه أبدا. لا يصعب أن نتخيل ماذا كان يحدث لو اقترحت مصر اليوم سلاما مقابل المناطق: تفاوض لا ينتهي في الترتيبات الأمنية والترتيبات البينية ، وترتيبات مياه وترتيبات جو لكن لا سلام.

كان ليبرمان سيهدد ، واهود باراك سيتهرب ، وكان الحاخام عوفاديا يوسيف سيصدر فتوى شرعية ، وكان المحللون سيصفون جملة الأخطار ، والجمهور في عدم اكتراث ، وكان نتنياهو سيكون أجبن من ان يقرر - كانت اسرائيل ستقول لا للسلام. لكن الآن مع وجود خطر ان يؤخذ السلام منا عاد ليصبح حلما ، ولعبة لن نتخلى عنها.

الآن ايضا ، في ساعة مصر المصيرية المدهشة ، نحن نترقب بدهشة وحذر. كارثة كبيرة: مصر متجهة الى الديمقراطية. وازمة عظيمة: مبارك يوشك ان يختفي. ما يحدث هناك يفسره لنا في الأساس جنرالات ومراسلون عسكريون وكأن الحديث حتى الآن عن دولة عدو. ويعرض كل شيء بأضواء حمراء خفاقة تشير الى الخطر. لا يستولي الاخوان المسلمون على مصر فقط بل يتجهون الى اسرائيل ايضا. حتى عندما يبدو ان مصر لن تصبح ايران ، وان الثورة فيها علمانية وشعبية ، وان كراهية اسرائيل لا تلعب أي دور مركزي فيها ، يخافون عندنا. كان سيُعين حتى يوآف غالنت رئيس اركان بعد لحظة بسبب الخطر المترصد. وبدل ان نحاول استنفاد الاحتمالات نسارع الى التحدث الكثير عن الأخطار.

من الجيد أننا عرفنا في نهاية الامر قيمة السلام مع مصر بعد جميع سني الاستخفاف. إن سنواته ال 32 أحسنت الى اسرائيل كثيرا. فكم من القتل منع بسببه ، وكم من الأمن والهدوء كسبنا بسببه ، وكم من الموارد وفرنا بسببه. انه ذخر استراتيجي حقا. لكن ما الذي فعلناه طوال تلك السنين للحفاظ عليه؟ وكم فعلنا من اجل تعميقه مع الشعب المصري ، الذي يرجو ان يرى نهاية احتلال اخوانه الفلسطينيين؟.

وفوق كل شيء ، ما الذي فعلناه للتوصل الى اتفاقات اخرى كتلك التي نستخف اليوم بأهمية احرازها ، وربما يصيبنا ذات يوم خوف وجودي ازاء خطر ضياعها. فكروا في الفلسطينيين وفي سوريا ، فكروا في اليوم الذي سنوقع فيه على سلام معهم - وفكروا في اليوم الذي سيوجد فيه خطر ان يُؤخذ منا.

=====================

ثورة مصر بعيون.. اسرائيلية!!

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

5-2-2011

لا تُلخّص تصريحات بنيامين نتنياهو – على دلالاتها – تجاه ما يحدث في مصر الآن، «حقائق» الموقف الاسرائيلي من الاحداث المتسارعة على ارض الكنانة والتي يمكن القول ازاءها ان اسرائيل واياً كانت النتيجة التي ستنتهي اليها الانتفاضة المصرية العارمة ستكون اكبر الخاسرين وهو ما انتبه اليه نتنياهو عندما قال وفي محاولة مكشوفة ل «ليّ» ذراع الحقيقة: ان عدم الاستقرار في مصر سيؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة لسنوات مقبلة، فيما لم يتردد بنيامين بن اليعازر (احد ابرز اصدقاء الرئيس المصري والذي ينظر اليه كأكبر «الخبراء» في الشأن المصري) من تحميل الادارة الاميركية مسؤولية ما آل اليه حال «آل مبارك» وفي كلمات اقرب الى النعي والتأبين منها الى أي شيء آخر «... ان الاميركيين سببّوا كارثة في الشرق الاوسط بعد تخليهم عن مبارك مستطرداً في اشارة الى انه على اتصال بالرئيس المصري».. مبارك تلقى واقع تخلي الاميركيين عنه بصورة صعبة للغاية»..

ولأن الاسرائيليين (كعادتهم) لا يتركون أي شيء للصدفة فان النقاش الذي اندلع بعد انفجار الاوضاع في مصر وبداية تصدع نظام مبارك ركزّ في البداية على فشل الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية في «التنبؤ» بأحداث مصر وخصوصاً ان رئيساً جديداً لها قد تسلم مهام منصبه للتو (افيف كوخافي) خلفاً للرئيس الأسبق والأشهر يوفال ديسكن، الامر الذي توقف عنده الجنرال المتقاعد غيورا ايلند مدافعاً فيما يبدو عن الاستخبارات العسكرية بالقول: «.. الاستخبارات العسكرية بشكل عام والاسرائيلية بشكل خاص تعرف بشكل عام كيف تُشخّص على نحو سليم النشاط العسكري للعدو.. قدرتها على تشخيص اتجاهات سياسية، بما في ذلك التقدير كيف سيرد زعيم دولة ما مجاورة، على مثل هذه العملية او تلك من جانبنا، هي قدرة متوسطة وقدرتها على التقدير والتنبؤ بسلوك الجماهير متدنية، وبالذات لأنه من الصعب جداً التنبؤ متى سيكون الانفجار الجماهيري وتقدير مدى نجاحه، ليخلص الى القول: من واجب اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ان تراجع نفسها بنقدية وجذرية» يديعوت احرونوت 1/2/2011.

واذ خاضت وسائل الاعلام الاسرائيلية فيما سيأتي به المستقبل فان كثيرين توقفوا عند المفاهيم الاسرائيلية الغربية التي لا ترى في الديمقراطية حقاً للجمهور العربي كما هي عليه باقي الشعوب وقد كتب في هذا الشأن عوفر شليح في معاريف (الأول من شباط) تحت عنوان (ليست الديمقراطية للعرب).. «العرب بحسب هذا التصور، محجوزون منذ مئات السنين وراء الغرب واسرائيل بسبب الثقافة والتراث القبلي، وربما حتى لشيء لا يمكن تغييره في صورتهم الجماعية، فمن الجيد لهم وللعالم ان يحكمهم طغاة يعتمدون على قوة عسكرية ويورثون ابناءهم الحكم مع الايهام بالانتخابات. الحرية – يستطرد – ليست خيراً لهم، لأن صبغتهم الظلامية ستندفع خارجاً في موجة عنف موجهة الى المحيط، كل من يعتقد اعتقاداً آخر، ولا سيما الغرب الفاسد والرجل الساذج في البيت لا يفهم الحياة ببساطة، او لا يسكن هنا مثلنا ولا يدفع عن ذلك حياته»، ختم عوفر شليح.

في هاارتس يأخذ عكيفا الدار المسألة الى مربع آخر على النحو التالي: «.. لولا الجماهير التي خرجت الى الشوارع وزعزعت البورصات لانتقلت الصداقة الاميركية بالوراثة الى جمال مبارك، ويبدو ان الاميركيين ادركوا انهم بازاء قيود دقيقة، عليهم ان يغمضوا اعينهم عن تشويه نظرية الديمقراطية في المنطقة، فقبل ثلاثة اشهر فقط نشرت وزارة الخارجية الاميركية التقرير عن وضع حقوق الانسان في العالم لسنة 2009، ويشبه الفصل عن مصر في شدته، تلك الفصول التي سبقته، ولم يَعْنِ هذا الرئيس الديمقراطي باراك اوباما، ان يتوج مبارك مع انقضاء لقاء في البيت الابيض في آب 2009 بأنه «زعيم ومشير وصديق»..

اللافت في «سيل» الكتابات عن احداث مصر هو ما كتبه وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق موشيه ارنس المعروف بتطرفه وفاشيته.. «حتى لو كان تخلي اسرائيل عن الارض قد عُدّ عنصراً مركزياً في كل اتفاق سلام مع جاراتها، فقد كان لاسرائيل مطلباً جوهرياً عدا شرطين ضروريين في التفاوض، الاول الا تستطيع مُوَقِعة اتفاق سلام مع اسرائيل، بعد التوقيع، ان تطلب اليها اراضي اخرى، بعبارة اخرى سيكون اتفاق السلام مع اسرائيل نهاية المواجهة، والثاني ان يكون لزعيم الدولة الموَقِعّةعلى الاتفاق كما القدرة على ان يكافح في نجوع نشاط ارهابي معاد لاسرائيل، .. ثم يمضي ارنس مستطرداً «يستطيع كل مستبد (يقصد حاكماً عربياً بالطبع) ان يقدّم هذين الشرطين، اذا شاء ذلك بلا صعوبة.. ويستطيع اصراره على مقولة: ان المواجهة مع اسرائيل قد انتهت، ان يصبح هذا الخطاب العام السائد.. ويمكن ان نثق ايضاً بأن الشرطة وقوات الأمن التي يملكها الزعيم، ستقمع كل نشاط ارهابي قد يوجه الى اسرائيل.

ختم هذا الفاشي المتطرف مقالته التي جاءت تحت عنوان «السلام يُصنع مع المستبدين» معتبراً ان شعار «السلام يُصنع مع الاعداء» بانه غير منطقي راسماً صورة حقيقية لطبيعة الخدمات، التي قدمها نظام مبارك طوال ثلاثة عقود والتي رأت في سقوطه خسارة استراتيجية صافية.

======================

كوابح الاقتصاد الأميركي

هارولد مايرسون (محلل سياسي أميركي)

 «واشنطن بوست الاميركية»

الرأي الاردنية

5-2-2011

إن الشيء الذي يعوق نمو الاقتصاد الأميركي -كما يقول لنا الحكماء- هو أننا لم نعد نبتكر مثلما كنا نفعل من قبل. وعلى رغم أن إمكانات الحواسيب الشخصية، والإنترنت قد مثلت تطوراً عظيماً، إلا أن تأثيرها على حياتنا، وعلى دخولنا، يتضاءل عند مقارنته بالتأثير الذي أحدثته الطاقة الكهربائية، والسيارات، والطائرات، على حياة أسلافنا في القرن العشرين.

وكما كتب الصحفي «ستيف بيرلشتاين» في عموده الأسبوعي بصحيفة «واشنطن بوست»، فإن هناك في الوقت الراهن رؤى تجد لها قبولاً وانتشاراً متناميّاً، وعلى وجه الخصوص منها تلك الرؤية التي عبر عنها «تايلر كاوين» أستاذ الاقتصاد في جامعة «جورج مايسون» ومؤلف كتاب: «الكساد العظيم»، التي ترى أن ثبات الدخول، وتجمدها الذي عاني منه الأميركيون في العقود الثلاثة الماضية كان سببه في الأساس تقلص الجهد الإبداعي الأميركي، مقارنة بما كان عليه الحال في معظم عقود القرن العشرين.

وعلى رغم أن نظرية «كاوين» لها وجاهتها إلا أنها مع ذلك تخفق في تفسير السبب الذي جعل أمماً أخرى ذات اقتصادات متقدمة، مثل ألمانيا وفرنسا، لا تعاني من نفس النوعية من التحولات الاجتماعية التي عانت منها اميركا خاصة، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بإعادة توزيع ناتج الثروة الأميركية لمصلحة الطبقات الأعلى في المجتمع الأميركي، مما أدى إلى زيادة ثروات من هم أغنياء في الأصل، في الوقت الذي ظلت فيه مداخيل الطبقات الأقل، إما ثابتة أو متآكلة. وفي الوقت نفسه لم يحدث شيء مماثل في دول الاقتصادات المتقدمة، على رغم أن سجل تلك الدول في الابتكار والإبداع ليس أفضل من السجل الأميركي بأي حال من الأحوال (لأنه وفق بعض الإحصائيات أسوأ منه).

ومع اعترافه بصحة ذلك يصر «كاوين» على القول إن فجوة الابتكار هي المجرم الحقيقي. ففي عموده «الرؤية الاقتصادية» بصحيفة «نيويورك تايمز» يقول «كاوين»: «منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي ونحن نأتي بأفكار جديدة لا تحقق مصلحة سوى فئة محدودة من الناس، من الناحية الاقتصادية»، وللتدليل على صحة طرحه يستطرد: «خلال السنوات من 1947 إلى1973 تضاعف متوسط الدخل الفردي (المعدل حسب نسبة التضخم) أما منذ عام 1973 وحتى الآن، فلم يزد هذا المتوسط إلا بنسبة 22 في المئة، بل إن هذه الزيادة الطفيفة كانت، إلى حد كبير، نتيجة لدخول المزيد من أفراد الأسر الأميركية لسوق العمل».

وثبات متوسط الدخل الفردي لدى الغالبية العظمى من الأميركيين طيلة كل تلك السنين، كان في نظر «كاوين» نتيجة محتمة «لغياب الإبداع على مستويات كبيرة مثل مستوى خطوط تجميع السيارات في مصانع هنري فورد».

وأضاف «كاوين» مشيراً إلى ذلك في العمود المذكور: «لا يمكننا توجيه اللوم لأحد ما على وجه الخصوص.. وحتى يعود العلم مجدداً كي يكون له دوره على مستويات حياتنا اليومية المختلفة، فإن المشكلة السياسية الرئيسية التي سنظل نعاني منها هي أن نتعلم كيف يمكننا أن نعيش وفقاً لمواردنا وإمكانياتنا الذاتية».

ولكن.. هل غياب الخيال والإبداع المغير لمصير العالم هو حقاً الذي يقف وراء الركود في المداخيل الذي عانى منه معظم الأميركيين -باستثناء الأكثر ثراء منهم، الذين لا يزيد عددهم عن عشرة في المئة- على مدى الخمسة وثلاثين عاماً الماضية؟ يكتسب هذا السؤال وجاهته، خصوصاً إذا ما عرفنا أن ذلك قد حدث في الوقت الذي زاد فيه متوسط دخلنا القومي، كما ارتفعت إنتاجيتنا كثيراً.

إن الفارق بين أميركا ما قبل عام 1973 وأميركا ما بعد هذا العام هو أن المنافع المترتبة على النمو الاقتصادي تم اقتسامها بين الأميركيين بشكل عادل إلى حد كبير في السنوات التي سبقت ذلك العام، أما في السنوات التي تلته، فقد كانت تلك المنافع تذهب في معظم الأحوال إلى المستويات الأعلى في المجتمع الأميركي، وخصوصاً أولئك الموجودين على القمة.

وخلال الفترة ما بين 1947 و1973، ووفقاً لما جاء في تقرير «حالة أميركا العاملة» الصادر عن معهد «إيكونوميك بوليسي» ونشر هذا الأسبوع، فإن مداخيل العشرين في المئة من الأميركيين الأكثر فقراً زادت بنسبة 117 في المئة كما ارتفعت مداخيل العشرين في المئة الممثلين للطبقة الوسطى 104 في المئة، والعشرين في المئة الأكثر غنى، زادت بنسبة 89 في المئة.

وخلال الفترة ما بين 1973- 2000 زاد دخل خمس السكان الأكثر فقراً والأقرب من قاع المجتمع بنسبة 9 في المئة فقط. وزادت مداخيل خمس عدد سكان الممثلين للطبقة الوسطى بنسبة 23 في المئة. أما خمس السكان الأكثر ثراء فقد زادت مداخيلهم بنسبة 62 في المئة.

ومنذ عام 2000 وحتى الآن ازداد نصيب الفئة الأكثر ثراء بشكل ملحوظ. فذلك الجزء من الدخل القومي الذي يذهب إلى الشريحة الأكثر ثراءً بين الأميركيين، التي تمثل 1 في المئة فقط من التعداد العام، وصل إلى 23.5 في المئة، في حين أن ذلك النصيب لم يكن يزيد عن عشرة في المئة فقط في بداية السبعينيات من القرن الماضي.

وما يمكن قوله باختصار بناء على كل ذلك، هو أن الأميركيين قد فقدوا قدراً كبيراً من القوة لمصلحة المؤسسات الكبرى والنخبة المالية الغنية. وحتى يتمكن الأميركيون العاديون من استعادة تلك القوة مجدداً، فإن كافة الابتكارات في العالم لن تنجح وحدها في استعادة نصيبهم العادل من الثروة التي يساهمون في خلقها، بل لابد من وجود إرادة سياسية تسعى من أجل ذلك.

=======================

شرق المتوسط: نحو عصر المواطنة

أحمد شاهين

2011-02-04

القدس العربي

 لم تتوقف بعد تظاهرات تونس التي أسقطت سلطة زين العابدين بن علي ، لتتابع مطلبها بتغيير النظام ، الذي يعبر عنه شعار المتظاهرين بالمطالبة برحيل كل رموز السلطة السابقة ، والدخول في مرحلة انتقالية تؤسس لنظام جديد . وفي شوارع المدن المصرية انفجرت تظاهرات شعبية في 25 1 2011 بشعارات مطلبية لترتقي إلى مطالب سياسية يصبح عنوانها تغيير النظام ؛ ما يعني وعي المتظاهرين بترابط النظام السياسي وآليات عمله بالوضع الاجتماعي ، فالفقر ليس قضاء وقدرا ، حيث أن نمط الغنى وطرق الثراء لم يعد ممكنا القول بأنه ' من فضل ربي ' ، بل هو من ' نهب ' حقوق الآخرين .

الأغلبية طلقت الصمت

درجت عادة الكثير من النخب السياسية المنتظمة في جمعيات وجماعات أو أحزاب سياسية القول ' أنها تعبر عن الأغلبية الصامتة ' ، وقد كشفت أحداث تونس والأحداث المصرية الجارية أن للأغلبية لغتها التي تعرف كيف تتحدث بها حين تحتاج هذه الأغلبية إلى الحديث ، فهي كما تنتج في الحياة اليومية عوامل استمرار الحياة ، تستطيع ،حين يقتضي استمرار الحياة ، العمل لصياغة قواعد هذا الاستمرار بما يتناسب ومستوى التطور الذي ارتقى إليه الجمع الاجتماعي . ففي الوقت الذي كانت فيه النخب السياسية المصرية ، أفرادا وأحزابا وجمعيات وجماعات ، تطالب بإصلاحات في آليات جزئية لنظام الرئيس حسني مبارك يسمح لها بالمشاركة فيه ، قالت الأغلبية ، التي كانت صامتة ، بصوت حاد النبرة ، وبلغة قاطعة ، مشفوعة بالدم : على النظام أن يرحل ، وليس الرئيس فقط ؛ وهي اللغة ذاتها ، بالوسيلة ذاتها ، التي أطلقتها الأغلبية التونسية .

وبما أن الشيء بالشيء يذكر ،على سبيل المثال ، توصلت الحركة الإسلامية المسلحة في سوريا ، في ثمانينيات القرن الماضي ، إلى حيطان القصر الجمهوري في دمشق ، لكنها لم تتوصل إلى المواطنين ، فتمكنت قوات السلطة المسلحة من الكر عليها ومطاردة أفرادها كخارجين على القانون ، وسنت لهم قانونا خاصا ' يهدر دمهم ' .

وما أسلفناه ليس تقليلا من قيمة العمل السياسي المنظم ، بل هو إشارة إلى ما على المنتظمين وجوب القيام به في الأوساط الاجتماعية التي ينتمون إليها . وهذا موضوع لنا فيه رأي ليس محله هنا .

نحو روح المواطنة

ليس واضحا بعد ما إذا كانت الانتفاضة الشعبية في تونس ومصر ستأتي ثمارها كما يتمناها القائمون بها ، فقد عادت الشرطة التونسية تستخدم القوة ضد المتظاهرين ، ومازال رموز نظام بن علي يحتلون الواجهة ، واستبدال الخطاب لا يعني استبدال الثقافة المتحكمة ، فعلى سبيل المثال ، حين احتل الدكتور بشار الأسد السلطة خلفا لوالده ، بشر بانفتاح نسبي ، عرف في حينه باسم ' ربيع دمشق ' ، لكنه سرعان ما تراجع عنه لمجرد الإحساس بأن هذا الانفتاح قد لا يخدم بقاءه في السلطة ، أو قد يؤدي إلى امتداد النقد لسلطة والده .

وفي مصر يحاول الرئيس مبارك ، عبر ترقيعات جزئية ، الاستمرار في السلطة . فقد أقال الحكومة ، وشكل حكومة جديدة برئاسة الجنرال أحمد شفيق ، وعين نائبا له الجنرال عمر سليمان ، وطلب من الحكومة الاتصال بالمعارضة . وهذه المحاولة التي تقوم بها السلطتان ، التونسية والمصرية ، وهي الاتصال بالقوى السياسية المنظمة ، أو ما يطلق عليه القوى السياسية المعارضة ، يمكن قراءتها على أنها محاولة التفاف على ' فوضى الشارع ' وإعادة الهدوء ، وفي هذا الشأن من غير المستبعد أن تكون أعمال النهب والترهيب التي تمارسها مجموعات من ' البلطجية ' في شوارع المدن هي عمليات موجهة من أجهزة السلطة لتدفع بالناس إلى تغليب مطلب الأمن على مطلب التغيير ، حيث تراهن السلطة على قصر نفس الشارع الذي ستضطره ظروف الحياة وضروراتها إلى التراجع ، إذا تمكنت السلطة من احتواء المجموعات السياسية المنظمة ، تلك المجموعات المهيأة ل ' خيانة ' الشارع ، إذا وجدت أن مصالحها كمنظمات نخبوية قد يتحقق بعضها ، حيث تسود في أوساط النخبة ثقافة ' غباء الرعاع ' والرعاع من الرعية .

مع الأخذ بالاعتبار هذه التخوفات ، ومع احتمال حصول ما أسلفناه حول عدم تحقق ثمار هذه الانتفاضات ، فإن الواضح أن الطريق نحو ممارسة ' حق المواطنة ' بما هو صورة ل ' الحق في الحياة الكريمة ببعدها الانساني ' قد تحدد اتجاهه في هذه المنطقة من العالم بالاعلان أن السلطة لم تعد مقدسة ، وأن التخويف لم يعد أداة للحكم ، وثقافة ' جوع كلبك يتبعك ' لم تعد قابلة للتشغيل ؛ فقد بدأ إنسان هذه المنطقة العمل على تحقيق إنسانيته التي تعني ' مسؤولية الاختيار ' ، وهي حمل ثقيل ، قد تكون اللجان الشعبية التي بدأ المتظاهرون تشكيلها لمواجهة ' البلطجية ' مقدمة لممارسة السياسة باعتبارها قضية اجتماعية ، وليست حكرا على النخبة التي ظلت تحتكرها من حمورابي إلى مبارك .

' كاتب عربي

===========================

نحو عالم عربي خال من الأنظمة الشمولية

د. أحمد موفق زيدان

2011-02-04

القدس العربي

 تابعت مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد، التي أجرتها معه 'وول ستريت جورنال'، لأكتشف أن عقلية الحكام لا تزال هي هي لم تتغير، ويبدو أنها لن تتغير، فالشرق الأوسط بالنسبة له مريض، والملام في ذلك بالتأكيد الشعب الذي ليس مهيأ للإصلاحات السياسية، بينما القديس والنظيف والذي لا يخطئ هم الحكام، ومنهم الرئيس السوري الذي أصم اذنيه عن كل دعوات الإصلاح وقذف في السجون ليس السياسيين المعارضين له كما كان يفعل والده، وإنما قذف حتى بناشطي حقوق الانسان، وهو الأمر الذي لم يجرؤ والده على فعله.

المثير حقيقة للضحك هو تكرار الرئيس السوري بشار الأسد لما قاله قبل يوم واحد من انتفاضة الشعب المصري وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط من أن مصر ليست تونس، ليفاجأ أبو الغيط بعد ساعات أن مصر ليست مثل تونس بالفعل، لأنها متقدمة جدا عليها، والأسابيع الأربعة التي استغرقها سقوط زين العابدين بن علي ربما لن تكون إلا أياما في مصر المحروسة، وليثبت الشعب المصري من جديد أنه عاشق للحرية ويحطم كل الصور التي رُسمت عنه زورا وبهتانا..

اليوم يتكرر ذلك مع الرئيس السوري حين قال سورية ليست مصر، المشكلة أن الأنظمة لا تريد أن ترى أن تسونامي الشعوب، الذي قرر الإطاحة بالحكام بدأ وانطلق، ومارد الحرية انطلق من قمقمه الذي سعت هذه الأنظمة الشمولية على إبقائه فيه لعقود، وبالتالي فما حصل في مصر كأكبر دولة عربية سيكون زلزالا حقيقيا للأنظمة الأخرى، وستكون ارتداداته أعنف من الزلزال ذاته.

الكبت والاستبداد والاعتقال وتغييب الحرية وحالة الطوارئ منذ عقود والانسداد السياسي وتكميم الأفواه ماذا ستنتج سوى بركان يغلي لدى طبقة شبابية ترى أن الأفق مسدود أمامها، بل وترى أن كل من يفتح فمه مصيره غياهب سجن تتقازم أمامها غياهب سجن سيدنا يوسف عليه السلام.

المنطقة العربية تشهد حالة أشبه بالحالة التي شهدتها أوروبا في أعقاب نهاية الموسولينية والهتلرية والنازية والفاشية، حين تنادت أوروبا إلى تطهير نفسها وذاتها من ذيول الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية ونجحت في ذلك، واليوم المطلوب من الدول العربية التي تحرر نفسها من الأنظمة الشمولية ومنها تونس وعلى الطريق مصر، وغدا إن شاء الله دول عربية أخرى المطلوب منها تشكيل جبهة عربية للتصدي للأنظمة الشمولية والديكتاتورية، لنؤسس بذلك لمنطقة عربية بهواء نقي وصاف، بعيدا عن الأنظمة الوراثية والشمولية والديكتاتورية التي دمرت الشخصية العربية قبل أن تدمر المجتمعات سلبا ونهبا وتوريثا وبناء لسجون أكثر مما بنت مدارس وجامعات.

إذا كانت بعض الأنظمة لجأت إلى تشكيل جبهات بمسميات لا وجود لها على أرض الواقع العملي كالصمود والتصدي ونحوها، فإن الحكومات والدول والشعوب العربية التي تمكنت من الخلاص والنجاة من ربقة الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الوراثية، كحال الشعب التونسي والمصري بإذن الله، ينبغي أن تدفع بجامعة عربية حقيقية بعيدة كل البعد عن الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، وإلا فإن مثل هذه الدول ستظل مهددة من تلك الأنظمة التي تتقن فن الكيد والخداع والفتن، ونحو ذلك من الأساليب الرخيصة التي أتقنتها طوال العقود الماضية، لتتعلق بالسلطة ولو بخيط عنكبوت يقيها غضبة الشعوب.

الآن يثبت أن العدو الرئيسي للكيان الصهيوني إنما هو الأنظمة الديمقراطية المعبرة عن إرادة الشعوب وأن هذه الأنظمة ما هي إلا الخادم الأساسي والرئيسي لبني صهيون، التي حمتهم وأغلقت الحدود بوجه كل المقاومين.

الآن الغرب الذي دعم طوال عقود هذه الأنظمة الشمولية ضد شعوبها، عليه أن يفهم أن اللعبة انتهت، وأن عصر الشعوب العربية المنتفضة انطلق وما عليه إلا أن يستبق ذلك بالتخلي عن هذه الأنظمة قبل فوات الأوان، وكل تأخير أو تسويف عن ذلك سيراه الشعب السوري أو غيره على أنه اصطفاف كامل وتام مع أنظمة سامته سوء العذاب طوال عقود، الغرب اليوم مدعو أن يكفر عن ذنوبه وخطاياه وأخطائه التي ارتكبها بحق المنطقة وشعوبها، حين فرض عليه أنظمة شمولية تعامل معها وكأنها نازلة من السماء..

يستغرب المرء وهو يقرأ كلام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أنه لم يكن على علم باستبدادية النظام التونسي وزين العابدين بن علي، بينما عجائز نيسابور وبخارى سمعت باستبداديته واستبدادية غيره، ويرد عليه السفير الفرنسي في تونس بأنه يكذب، وكلي يقين أن اليوم سيأتي حين يقول ساركوزي نفس الشيء عن الرئيس السوري وغيره وهو ما سيكذبه سفراؤه السابقون والحاليون في دمشق.

عهد استغفال الشعوب انتهى وولى إلى غير رجعة، وعهد تكميم الأفواه وتقطير المعلومة بالقطارة انتهى أيضا، وبدأ عهد الإعلام البديل والإعلام الشخصي والإعلام الإنساني والاجتماعي، ووضع تونس ومصر أججه في وجوه حكامه صفحات النت والفيس بوك والتويتر وهو ما يتكرر الآن في دول عربية أخرى، ولكن الغرب لا يريد أن يفهم هذه الحقيقة، ويريد أن يقفز عليها، ومعه أيضا عملاؤه في العالم العربي الذين لا يزالون يعيشون عقلية الستينيات، حين كان إعلامهم هو الوحيد الذي يصوغ الرأي العام العربي، فهل من لحظة تخل وتأمل درزية للغرب؟

' اعلامي سوري

============================

رئيس الظل في مصر يحمي مبارك من غضب الشارع

السبت, 05 فبراير 2011

سليم نصار *

الحياة

ينقل الاسبان في مجالسهم حكاية طريفة تعبر عن شغف الحكام بالتشبث بالسلطة والاستئثار بالمناصب الرفيعة. ويروي طبيب الجنرال فرانشيسكو فرانكو حادثة تؤكد وجود هذا الواقع لدى غالبية الديكتاتوريين.

قال انه في مطلع سنة 1975 ساءت صحة الجنرال فرانكو الذي اصيب بغيبوبة متقطعة ناشئة عن نشاف في شرايين الرأس بسبب الشيخوخة. وكانت جماهير المعجبين بدوره التاريخي تتجمع امام قصره، هاتفة بحياته، وداعية له بطول العمر. وصدف ان صحا فرانكو مرة من غيبوبته العميقة، وسأل طبيبه عن مصدر الهتافات المدوية في الخارج.

وأجابه الطبيب بأن الهتافات صادرة عن جماهير الشعب الذي جاء يودعه...

وتمتم فرانكو بكلمات متقطعة، وعلق مستغرباً: ولكن، الى اين يسافر الشعب الاسباني؟!

العبرة التي تختزلها هذه الحادثة، تشير بوضوح الى تعلق الحكام بالسلطة وبالحياة معاً، كأن الجلوس في القمة يحجب عنهم الواقع الذي يعيشه سائر المواطنين.

هذا ما حدث مع زين العابدين بن علي الذي لجأ الى المملكة العربية السعودية عقب انتفاضة شعبية اقتلعت نظامه، ولكنها عجزت حتى الآن عن تأسيس نظام بديل. ويقول صهره ان الرئيس السابق نادم على تسرعه في الهرب، لذلك بدأ يتصل بالرئيس معمر القذافي، في محاولة لإقناعه بالانتقال الى ليبيا مع عائلته. ويدرس الزعيم الليبي حالياً حجم المكاسب التي قد يجنيها من وراء استضافة الرئيس التونسي السابق، خصوصاً انه متخوف من عودة الزعيم الاسلامي راشد الغنوشي من المنفى، الذي وعد فور وصوله الى البلاد بإنشاء حزب اسلامي ديموقراطي على النمط التركي. وربما يستخدم القذافي صديقه القديم زين العابدين ك «فزاعة» لإرباك النظام الاسلامي المجاور، في حال عملت حركات المعارضة ضد نظام الجماهيرية.

استغل محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، انقلاب تونس كي يحذر النظام المصري من احتمال وقوع اضطرابات مماثلة. ولكن تحذيره لم يلقَ الصدى المطلوب لأن وزير الخارجية احمد ابو الغيط وصفه ب «الكلام الفارغ» باعتباره صادراً عن شخصية مرشحة لمنصب الرئاسة.

واللافت ان البرادعي لم يزج بنفسه في معركة المنافسة ضد جمال مبارك، إلا بعدما طويت صفحة التوريث، وقرر الرئيس حسني مبارك (82 سنة) خوض الانتخابات الرئاسية لسنة 2011. ويقال انه تبنى هذا الخيار بعد زيارته الاخيرة لواشنطن، واقتناعه بأن ادارة اوباما تميل الى تأييد فترة انتقالية يحكم فيها الجيش بقيادة عمر سليمان.

عندما تأكد جمال مبارك من جدية خيار البرادعي، اعلن في الصحف ان المرشح الجديد لا يملك المواصفات المطلوبة لخوض انتخابات الرئاسة. وتشترط هذه المواصفات (المادة 76) ان يؤيد المتقدم للترشيح 250 عضواً من مجلسي الشعب والشورى.

وفي مواجهة هذا التعجيز الذي ابتكره الحزب الحاكم، طلع محمد حسنين هيكل باقتراح جديد يقضي بتشكيل مجلس لممثلي الجماهير الشعبية يتولى طرح اسماء المرشحين للرئاسة. ولم يخف هيكل معارضته لمبدأ التوريث، معلناً تأييده لمحمد البرادعي وأحمد زويل وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى.

الدعوة الى ضرورة إلغاء المادة 76 لاقت الترحيب من مختلف الجهات بحيث ان الفقيه الدستوري الدكتور يحيى الجمل وصفها بأنها «خطيئة دستورية». لذلك حرص محمد البرادعي على وضع سلسلة شروط في بيانه الاول، شملت ضمان نزاهة العملية الانتخابية، وإشرافاً قضائياً كاملاً، ورقابة دولية، واختيار لجنة مستقلة محايدة تشرف على إعداد دستور جديد يكفل الحريات العامة وحقوق الانسان.

وكان من الطبيعي ان يفتح بيان محمد البرادعي، باب النقاش السياسي حول صلاحيات رئيس الجمهورية وضرورة اجراء تعديلات دستورية كالتي اجريت سنة 2005 وسنة 2007. والسبب ان شروط الترشح للرئاسة لا تنطبق الا على الرئيس مبارك ونجله فقط. وقد شن الحزب الحاكم حملة شرسة ضد البرادعي، اتهمته بأنه رأس حربة ل «الأخوان المسلمين» الذين يديرون معركته من وراء الستار. كما اتهمته ايضاً بأنه رجل الولايات المتحدة، كونه يحمل جواز سفر اميركياً. وفي المرحلة الاخيرة اعتبر الحزب الحاكم، ان البرادعي صديق الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، وأنه يحمل افكاراً مشابهة لتحويل مصر الى «جمهورية اسلامية سنية».

ومع ان اللواء عمر سليمان ينفي اي طموح يتعلق بمنصب الرئاسة، الا ان الصحف ترشحه لخلافة مبارك منذ اختير الشاهد الوحيد على عقد قران جمال مبارك. وكان ذلك الاختيار بمثابة المؤشر السياسي على ان عمر سليمان واحد من الاسرة. وتدعي صحف المعارضة ان سليمان الذي مثل الرئيس في كل المفاوضات المهمة، اقسم على حماية مبارك وأسرته من الانتقام السياسي او الرغبة في محاكمة افرادها جنائياً. وقد ظهر هذا الامر جلياً في الخطاب الاخير الذي اذاعه مبارك، ملمحاً الى بقائه في مصر – حياً او ميتاً – وأنه لن يقلد زين العابدين في الهرب.

صحيح انه اعلن ايضاً انه لن يترشح لولاية سادسة، الا ان الصحيح ايضاً ان كلامه لم يمنع المشككين في عودة نجله جمال الى خوض المعركة. وقد طرحت احزاب المعارضة سيناريو آخر، مفاده ان عمر سليمان سيتولى حكم مصر لفترة انتقالية لا تزيد على السنتين، ثم يسلم الحكم الى جمال مبارك. أي ان جمال يكون قد نضج سياسياً، وأصبح في موقع المستعد لتسلم السلطات. ويبدو ان المعارضة قد تنهبت الى محاذير هذه اللعبة، لذلك طالبت باقتلاع نظام مبارك من جذوره، وعدم الاكتفاء بعزوفه عن الرئاسة.

يؤكد المتابعون للشأن المصري، ان عمر سليمان يشغل منصب نائب الرئيس غير المعلن، منذ سنة 1993. والسبب ان حسني مبارك الذي شهد اغتيال الرئيس السادات وهو قربه على المنصة، مقتنع بأن الاستخبارات الاميركية ضالعة في عملية الاغتيال. وقد ترسخت هذه القناعة في ذهنه بعد اطلاعه على محاضر التحقيقات واستجوابات المنفذين. وهو يرى ان ادارة كارتر شجعت السادات على توقيع «كامب ديفيد»، ثم تآمرت للتخلص منه بحيث اصبح عبئاً عليها تجاه الدول العربية الاخرى. وبسبب هذه الخلفية امتنع عن تعيين نائب له، خصوصاً بعدما رشحت واشنطن اللواء محمد عبدالحليم ابو غزالة لهذا المنصب الحساس. وتراءى له في حينه ان مؤامرة اغتياله ستتكرر بحيث يصبح ابو غزالة رئيس مصر. لذلك تعمد مبارك تشويه سمعة الرجل القادم من الملحقية العسكرية في واشنطن، وتكليف الاستخبارات بافتعال فضيحة جنسية مع الفنانة الارمنية «لوسي» بهدف اقصائه.

عقب الاعلان عن مرض الرئيس مبارك، اصبح عمر سليمان هو رئيس الظل. ومع انه تولى منصب وزير في مجلس الوزراء، الا انه شكل مجلس حكم مؤلفاً من اربعة اشخاص بينهم وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ووزير الداخلية حبيب العادلي. وتولى هذا المجلس شؤون الدولة وشجونها، في حين كان مبارك يحكم بواسطته من شرم الشيخ.

وفجأة، احدث انقلاب تونس احتجاجات شعبية في مصر بدأت ب «يوم الغضب» ولم تنته بعد بخروج المتظاهرين من شوارع القاهرة والاسكندرية والسويس. واكتشفت قيادة الجيش ان ادارة اوباما تحاول التدخل في توجيه سلوك الجماهير، تماماً مثلما تدخلت لضبط المسيرة السياسية في تونس. والهدف من كل هذا قطع علاقات الاحزاب المدنية مع القوة العسكرية التي تناوبت على حكم مصر منذ ثورة الضباط الاحرار سنة 1952.

وقد عارضت قيادة الجيش هذا المنحى، خوفاً من تكرار سيناريو ايران. لذلك ابلغت واشنطن ان اقصاء الجيش عن موقع القرار، لا يؤمن عودة الديموقراطية بقدر ما يوفر الفرصة ل «الاخوان المسلمين» لاستلام الحكم. وهذا ما حدث في ايران بعد اسقاط الشاه وتحييد الجيش النظامي.

ويقول المراقبون ان ادارة اوباما تتوقع تغييراً شاملاً في الشرق الاوسط على غرار التغيير الذي حدث بعد ان اعطى غورباتشيف الضوء الاخضر لتفكيك المنظومة الاشتراكية سنة 1989. وهكذا أدت لعبة «الدومينو» الى الانهيارات السياسية التي لحقت بألمانيا الشرقية وبلغاريا ورومانيا وبولندا. ومن غريب الصدف ان شبكات التلفزة الاميركية والاوروبية اعطت افضل الفرص للمتظاهرين كي يعربوا عن سخطهم ضد السلطة المصرية. كما روجت صحف هذه الدول لاحتمالات سقوط انظمة عربية عدة زعمت انها مرشحة للانهيار الواحدة بعد الاخرى. وكما اخطأ الرئيس كارتر في تقدير توجهات الإمام الخميني هكذا يخطئ الرئيس اوباما في تقدير نوازع الاسلاميين في تونس و «الاخوان المسلمين» في مصر، خصوصاً ان واشنطن تعتبرهم قابلين للحوار والانفتاح، اذا أعطيت لهم ظروف المشاركة في الحكم. وعملاً بهذا المبدأ اتصلت السفيرة الاميركية مارغريت سكوبي بالبرادعي، وبعدد من شخصيات قريبة من «الاخوان» بهدف اقناع عمر سليمان بضرورة الانفتاح على التيارات المعارضة. وهذا ما اشارت اليه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي دعت النظام المصري الى احترام حرية التظاهر وعدم استخدام العنف ضد المحتجين والغاضبين.

تقوم الصحف الرسمية في القاهرة بتذكير المتظاهرين بأحداث 1997 يوم استهدف الاسلاميون المتشددون كبار المسؤولين والوزراء والمصارف، ثم قتلوا 58 سائحاً في معبد الاقصر. ولما اعلن المعتقلون توبتهم للحصول على قرار بإطلاق سراحهم، كرروا عملياتهم في منتجعات سياحية في سيناء (2004 – 2006 – 2009).

ووفق تقرير نشر مع تسريبات «ويكيليكس»، عارضت السفيرة الاميركية في القاهرة ترشح حسني مبارك لولاية سادسة، وطالبت بتعبيد الطريق امام الرجل القوي عمر سليمان، لاعتقادها بأن الانتخابات الحرة التي وعد بتأمينها هي الضمانة الاولى لحل مشاكل مصر السياسية.

وهذا ما ذكره الرئيس كارتر قبل الانتخابات التي امنت الغالبية الشعبية ل «حماس»، بل هذا ما ذكره مدير الامن القومي الاميركي الاسبق بريجنسكي الذي نصح بضرورة اعطاء رجال الدين الايرانيين فرصة الحكم، لأن الشاه حول ايران الى «فزاعة» لتخويف دول الخليج.

والثابت من السياسة التي ينتهجها اوباما، ان الولايات المتحدة مهددة بأن تفقد خلال سنة 2011 كل الدول العربية المعتدلة التي تعاونت معها منذ الاربعينات!

* كاتب وصحافي لبناني

=============================

مصر في همهمة السجال

السبت, 05 فبراير 2011

حازم صاغيّة

الحياة

هناك همهمة سجاليّة، لا ترقى إلى سجال، في إيران وفي لبنان، وربّما في بلدان أخرى: إلى أيّ أفق تنتسب انتفاضة مصر؟

أهل السلطة في إيران والقريبون منهم في لبنان يحسبونها امتداداً لهم. ذاك أنّها تُسقط نظاماً «معتدلاً»، قريباً من الغرب، ما يعني أنّها ستنشىء نظاماً «ممانعاً»، إن لم يكن «مقاوماً». ويذهب رسميّ إيرانيّ كبير خطوةً أبعد فيبشّر ب»شرق أوسط إسلاميّ» لا نفهم لماذا لم تبنِه حتّى الآن إيران وتركيا، علماً بأنّ الأخيرة يحكمها حزب إسلاميّ!.

صحيحٌ أنّ الانتفاضة تُسقط نظاماً «معتدلاً»، إلاّ أنّ هذا عَرَض بقياس الجوهر الذي هو إسقاط أنظمة شائخة، أكانت «معتدلة» أم «ممانعة». لا يقال ذلك للتقليل من حجم «الارتباك الأميركيّ» حيال تحوّل يطاول الركيزة الأهمّ لاستراتيجيّته في الشرق الأوسط. بيد أنّ هذا الارتباك، الذي بارحته إدارة أوباما، لا يُقاس بحجم الذعر الذي يصيب «النظام الشائخ» في العالم العربيّ بجميع تلاوينه.

أبعد من ذلك، أنّ منتفضي مصر لم يطرحوا مسألة التحالفات الاستراتيجيّة، ولم يجهدوا ل»كسب» العداء الأميركيّ طلباً منهم للانتساب إلى «الممانعة». ما فعلوه هو العكس تماماً لأنّهم، على عكس «الممانعين»، يحبّون مصر أكثر ممّا يكرهون الولايات المتّحدة. يُستدلّ على ذلك أنّ أحداً لم يهاجم سفارات «الأعداء» في القاهرة، فيما لم تتحوّل غزّة إلى قضيّة من قضايا الانتفاضة، بينما تلهث كاميرات «الممانعة» وراء صورة تلتقطها لجمال عبد الناصر. وليس قليل الدلالة أنّ رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركيّة، مايك مولن، كان مَن أعلن عن تعهّد قيادات الجيش المصريّ عدم النيّة في «إطلاق النار على شعبهم».

أغلب الظنّ أنّ المزاج الغالب على الانتفاضة، والغالب كثيراً، هو الذي يعطي أولويّته لمصالح مصر الاقتصاديّة، وهذا ما يقطع الطريق على «الممانعة» الهاجسة بالمقاومة. فإذا جاز الحديث عن «ثقافة» للانتفاضة، صحّ استقاؤها من نزعة شبابيّة وسلميّة كارهة للقوّة والسلاح والحروب على عمومها. فالمهمّ، في المحلّ الأوّل والمحلّ الأخير، إلغاء حالة الطوارئ وتعديل الدستور، وإلغاء اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات، وتأسيس هيئة لمكافحة الفساد، وغير ذلك من مطالب يتأدّى عنها الإقلاع في اتّجاه بناء الجمهوريّة الديموقراطيّة والعصريّة.

أهمّ ممّا عداه قياساً بالتكوين الداخليّ للظاهرة، وأهميّتُه تفوق كثيراً أهميّة وصفها الخارجيّ، أنّها تشبه الانتفاضة الخضراء في إيران، ولا تشبه سلطة الملالي «الممانعين» والشائخين بدورهم. فالانتفاضتان، الإيرانيّة والمصريّة، ترفضان نظاماً راسخاً ومغلقاً، وهما مدنيّتان في وجه السلاح، كما أنّهما شبابيّتان في مقابل الكهولة، و»الفرد» حاضر فيهما قياساً بنظامين «جماعيّين»، وأخيراً، فإنّ الانتخابات والإصلاحات السياسيّة هي متن مطالبهما من نظامين يزوّران الانتخابات، واحدهما يحكّم «الوليّ الفقيه» في معزل عن إرادة الشعب، والثاني يحكّم «السيّد الرئيس» ويمدّد له مرّة بعد مرّة في معزل عن الإرادة إيّاها. أو إذا استنجدنا بالحالة اللبنانيّة، قلنا إنّ انتفاضة مصر أكثر تذكيراً بلا قياس بالذين تظاهروا ضدّ «نظام أمنيّ» وضدّ سلاح مؤدلج، ثم فازوا مرّتين في الانتخابات العامّة ولم يُقيّض لهم، بسبب أدوات العنف، أن يحكموا. وهؤلاء، بالتأكيد، ليسوا «الممانعين» اللبنانيّين!

لهذا جميعاً لم يكن بلا دلالة أنّ القاموس الذي غرف منه «بلطجيّة» نظام مبارك والناطقون بلسانه هو قاموس «الخيانة» و»العمالة» تُرمى بهما الانتفاضة والمنتفضون. وهذا القاموس لم تأتِ مصطلحاته من مير حسين موسوي ولا من سعد الحريري. إنّ «الممانعين» المتخوّفين ممّا يحصل في مصر هم وحدهم «الممانعون» الأذكياء. الآخرون يغنّون أغاني الشيخ إمام... نقول لهم، بأعلى الصوت، «طيّيييييب»!

=============================

هل إسرائيل وحيدة.. مرة أخرى؟

يوسي كلاين حاليفي

الشرق الاوسط

5-2-2011

يريد الإسرائيليون أن يسعدوا باندلاع المظاهرات في ميادين القاهرة. إنهم يعتقدون أن هذه لحظة شبيهة بما حدث في العالم العربي عام 1989. فربما يحل محل تقييم ذاتي صادق على حد قولهم رد الفعل المسموم الذي يحمل الدولة اليهودية المسؤولية عن كل مساوئ الشرق الأوسط.

قليل من الإسرائيليين يؤمنون بهذه النتيجة المشرقة، لكن الافتراض المتشائم هو أن تولي جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة المعارضة الحقيقية في مصر، السلطة ليس إلا مسألة وقت. تخشى إسرائيل من أن تسير مصر في الطريق نفسه الذي انتهجته إيران أو تركيا مع تولي الإسلاميين الحكم من خلال العنف أو من خلال دمجهم تدريجيا.

كلتا الحالتين تمثلان نهاية لأهم علاقة بالنسبة إلى إسرائيل في العالم العربي. لطالما أعلن الإخوان المسلمون رفضهم للسلام مع إسرائيل وتعهدت الجماعة بإلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وقعت عام 1979 في حال وصولها إلى سدة الحكم. بالنظر إلى قوة حزب الله في لبنان وسيطرة حماس على غزة وانقطاع التحالف التركي - الإسرائيلي، يمكن لحكم إسلامي في مصر أن يؤدي إلى كابوس طالما خشيته إسرائيل، وهو العيش في دولة يحيط بها حلفاء إيران أو عملاؤها بالوكالة.

يقول محمد البرادعي، رمز المحتجين المصريين، والكثير من المحللين الغربيين إن الإخوان المسلمين نبذوا العنف واتجهوا إلى تقديم الطعام للمحتاجين وإقامة عيادات خيرية. حتى وإن صح ذلك، فإنه لا يكفي لطمأنة الإسرائيليين الذين يخشون من أن يكون نبذ العنف من جانب الإخوان المسلمين ليس سوى مناورة مرحلية، ويعلمون أن نظرتها للعالم معادية للسامية.

طالما كانت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها هي الروافد الرئيسية لنظرية المؤامرة المنتشرة في العالم الإسلامي عن اليهود، بدءا من تحميل الاستخبارات الإسرائيلية مسؤولية هجمات سبتمبر (أيلول) وصولا إلى اتهام صهاينة باختلاق «الهولوكوست» لابتزاز الغرب. وبينما يقول آخرون إن مسؤوليات الحكم سوف تجعل الإخوان المسلمين معتدلين، قيل إن ذلك سذاجة غربية، فهذا هو ما كان يتوقع أن يكون عليه حال النظام الإيراني وحزب الله وحماس.

طالما ذكّر الخوف الإسرائيليين من أن يحيط بهم الإسلاميون بمأزقهم في الشرق الأوسط. تبدو إسرائيل مثل جالوت في علاقتها بالفلسطينيين، لكن فيما يتعلق بعلاقتها بالعالمين العربي والإسلامي، إسرائيل لا تزال داود.

منذ إقامة الدولة، حاولت إسرائيل الفرار من الحصار العسكري والسياسي الذي فرضته عليها دول الجوار. في ظل غياب قبول من العالم العربي، وجدت حلفاء على حدود الشرق الأوسط وإيران وتركيا. وسينتظر السلام مع دول جوار إسرائيل.

بدأ هذا النهج يسير في الاتجاه المعاكس عام 1979 عند انهيار التحالف الإسرائيلي - الإيراني وحلت محله معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في العام نفسه. أدى إبعاد مصر عن الجبهة المعادية لإسرائيل إلى غياب خيار عسكري حقيقي في العالم العربي. صحيح أن حرب 1973 السورية - المصرية، أو يوم كيبور، هي الحرب الأخيرة التي اشتركت فيها دول عربية ضد إسرائيل.. منذ ذلك الحين أصبحت كل الصراعات العسكرية مع إسرائيل، بدءا من حرب لبنان الأولى عام 1982 وصولا إلى حرب غزة عام 2009، مواجهات غير متكافئة ضد إرهابيين. في حين أن إسرائيل واجهت مشكلات استراتيجية ودبلوماسية وأخلاقية بسبب هذه الصراعات، إلا أنها لم تواجه تهديدا لوجودها من العالم العربي.

لذلك بالنسبة إلى إسرائيل، السلام مع مصر لا يمثل ضرورة استراتيجية فقط، بل أيضا ضرورة نفسية. ويفهم الإسرائيليون أن نهاية هذا الصراع مع العالم العربي تعتمد إلى حد كبير على استمرار السلام مع مصر، فهو رغم كل القيود يعد النموذج الناجح الوحيد لاتفاق الأرض مقابل السلام.

وفوق كل ذلك، يستمر التفاؤل الإسرائيلي من خلال الذكرى الخاصة بالشراكة التي كانت غير محتملة بين الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيغن. فقبل أربع سنوات من سفره إلى تل أبيب من أجل السلام، هاجم إسرائيل في يوم عيدها. انسحب بيغن، أكثر رئيس وزراء إسرائيلي تشددا حتى ذلك الوقت، من سيناء التي تعد مساحتها أكبر من إسرائيل بثلاثة أمثال.

رغم إخفاق مصر في تحقيق التطبيع الذي كانت إسرائيل تتوق إليه، شعر آلاف السياح الإسرائيليين الذين كانت الشواطئ الساحلية في سيناء تعج بهم، بالوعد بالسلام الحقيقي. فعلى الأقل شعروا بأنه مرحب بهم في مكان ما في الشرق الأوسط. وقد أثبت خلو سيناء من السلاح أنه يمكن لإسرائيل الحفاظ على عمق استراتيجي، والشعور بالأمان.

حدود سيناء هي الحدود الإسرائيلية الوحيدة التي لا تزال مفتوحة. ويشعر الإسرائيليون حاليا بالقلق من قرب انغلاق هذا المنفذ الهش المنفتح على العالم العربي.

* زميل في معهد شالوم هارتمان، ومحرر مشارك في «نيو ريبابلك»

==========================

فجر جديد بقيادة الشباب في الشرق الأوسط؟

فرح عبد الساتر

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 4 شباط/فبراير 2011

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

بيروت - "إنه فجر جديد. إنه يوم جديد."

عندما كتب أنتوني نيولي وليزلي بريكوس أغنيتهما "شعور جيد" عام 1965، كانت الإحتمالات شبه معدومة أن يتخيل الثنائي أن يكون هذا هو ما يشعر به المواطنون العرب الشباب بعد 46 سنة، وأن يغنّونه في الكثير من الأماكن أو يصرخونه، رداً على "ثورة الياسمين" التونسية.

يصعب بوجود ما يزيد على مليون مصري يملؤون ميدان التحرير اليوم مطالبين باستقالة الرئيس المصري حسني مبارك، أن لا تتساءل ما إذا كان هذا الفجر الجديد قد بدأ يبزغ فعلياً.

الواقع أن الثورة التونسية، التي أجبرت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على الاستقالة، لم تُلهِم شباب الشرق الأوسط الذين يعيشون تحت الحكم الدكتاتوري المستبد فحسب، وإنما شكّلت كذلك إنذاراً لحكومات أخرى في المنطقة.

جرى إصدار عدد ليس باليسير من الأنظمة الاقتصادية، مثل قرار الأردن تخفيض ضريبة الدخل، في محاولة لتجنب هذا الحدث الذي يخافه الجميع: الخروج للتظاهر في الشارع. إلى جانب هذه التحفّظات السياسية استخدمت شخصيات دينية، مثل الشيخ صلاح نصر إمام جامع الأزهر، المنابر العامة مثل التلفزيون لتثبيط همّة الشباب ضد أعمال التضحية بالذات. كان الشيخ نصر يشير بالطبع لأفراد مثل محمد بوعزيزي، بائع الفواكه التونسي الشاب الذي أحرق نفسه وأطلق الثورة.

إلا أنه يبدو أنه لا يستطيع لا الدين ولا القوة أن يثبطا عزيمة الشباب في الجزائر واليمن والأردن وغيرها من الدول في الخروج إلى الشارع مطالبين بالتغيير الديمقراطي.

وتدعي جماعات تأثير شبابية أنها تعد لتظاهرات أكبر سوف تأتي قريباً. ولكن الأنظار تتجه جميعها اليوم إلى مصر.

تطورت مسيرة صغيرة نسبياً ضد عدم المساواة والفقر والبطالة يوم 25 كانون الثاني/يناير، تضم آلاف المصريين، لتصبح "جمعة الغضب". تظاهر آلاف آخرون من المصريين ضد النظام والحزب السياسي الحاكم والرئيس، الأمر الذي جعل السلطات تحجب الإنترنت وخدمات الهاتف النقال والخطوط الهاتفية الأرضية، مما صبّ الوقود على النار.

ودخلت المظاهرات في هذا اليوم الأول من شباط/فبراير يومها السابع.

وفي الوقت الذي يأمل فيه الكثيرون بتحقيق نفس النتائج التي رأوها في تونس، إلا أن الوضع في مصر مختلف. فلدى مبارك تاريخ بامتصاص غضب هؤلاء المحتجّين ضده. وكما يشرح ياسر خليل، وهو صحفي وباحث مصري في مقال نشره مؤخراً في إحدى المدوّنات، ردّ الرئيس أحياناً بتنازلات بسيطة وترتيبات قصيرة الأمد حوّلت التركيز بعيداً عن جذور المشاكل التي تواجه الشباب، الذين وصل بعضهم حد اليأس لإشعال النار بأنفسهم للتعبير عن وضعهم.

والواقع أنه رغم المظاهرات الهائلة، كان التنازل الوحيد الذي قدّمه مبارك حتى الآن هو حل البرلمان وتسمية عمر سليمان، الرئيس السابق للمخابرات المصرية نائباً للرئيس يوم 29 كانون الثاني/يناير، وهو قرار يشعر الكثيرون أنه لا يشكل تغييراً حقيقياً. وقد رفض مبارك حتى الآن التنازل عن رئاسة الجمهورية.

إضافة إلى ذلك وبعكس تونس، يوجد في مصر قوة أمنية ضخمة، و450,000 فقط منها في الجيش. وتكمن هذه القوة الأمنية والشرطية الضخمة في داخل نظام مبارك، وهي من غير المرجح أن تصطف إلى جانب المتمردين كما حصل في ثورة تونس. وقد قدمت وسائل الإعلام العربية والعالمية تقاريراً عن أفراد بلباس مدني يُعتقد بأنهم قوات أمنية تشجع على الفوضى وتطلق سراح المجرمين من السجون وترتكب الجرائم باسم "الثورة المصرية".

إلا أنه رغم هذه المفارقات، يستمر الناس بالتجمع يوماً بعد يوم في كافة أنحاء الدولة. وقد قاموا بتشكيل لجان لحماية أحيائهم ومجتمعاتهم من أعمال السرقة والسلب، وشكّلوا سلاسل بشرية لحماية كنوزهم الوطنية من الدمار، بل وتقدموا لملء الفراغ الذي خلّفه هؤلاء الذين كانوا يوجهّون حركة المرور ويلقون القبض على المجرمين.

كان التونسيون أول من كسر حاجز الصمت، ويحمل المصريون اليوم الشعلة. لقد أصبح جيل الشباب العرب هذا مسلّحاً ليس فقط بهاتف البلاك بيري النقال والآي فون والمدوّنات والفليكر والفيسبوك، وإنما كذلك بالقناعة باتّباع إلهام غاندي "بأن يكون التغيير الذي يرغبون برؤيته في العالم".

هل يشكل هذا كله بداية لصحوة عربية؟

###

* فرح عبد الساتر مؤسِّسة ورئيسة جمعية شباب الأمم المتحدة في لبنان. وهي كذلك كاتبة ومدوّنة حصلت على جائزة جمعية الجامعات الفرانكوفونية لكتاباتها عن السلام. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

=====================

قراءة في الأحداث المصرية

محمد الرميحي

الشرق الاوسط

5-2-2011

أمام هذا الزخم من التحليلات المرئية والمكتوبة، وأمام تسارع الأحداث في مصر، مع اشتراك الخيل والجمال في المعركة، لا يستطيع متابع يكتب بأربع وعشرين ساعة - قبل النشر - أن يجزم بشيء، حتى لو كان تحليلا وتوقعا. فالمسار السياسي في مصر اليوم مفتوح على كل الاحتمالات. سوف أناقش هنا المشترك والجوهري، لأنظر إلى الغابة بعيدا عن الشجرة المهتزة، أن تطرح ثمرا أو لا تطرح.

عدد من التساؤلات يقفز إلى الواجهة:

الأول: هل سوف يحدث في مصر ما حدث في تونس - بحذافيره - أم أن هناك سيناريو آخر يمكن توقعه؟ الأكثر قربا إلى المنطق أن ذلك لن يحدث طبق الأصل، فمصر مختلفة عن تونس حجما سكانيا وتوزيعا للقوى الاجتماعية وموقعا وتاريخا. صحيح أن القائمين على الحراك المصري أو بعضهم يرغب أن يحدث في مصر تقريبا ما حدث في تونس، إلا أن القراءة الأولى أن ذلك لن يتم، سوف يكون هناك تسليم وتسلم للسلطة، وإن بدا قسريا، إلا أنه مختلف عما حدث في تونس، وهو الأقرب إلى ثقافة الجمهور السياسي المصري. إلا أن النتيجة النهائية لا يستطع أن يحددها أحد الآن، فيما إذا كانت نتائج هذا الحراك الكبير إيجابية - كما يريدها عدد كبير من السياسيين والناشطين المصريين - بمعنى إقامة جمهورية رابعة مدنية وحديثة، أو سلبية بمعنى قفز قوة أو قوى متحالفة منظمة لاقتناص الفرصة لحكم مصر وربما أيضا بستار قريب إلى الشمولية.

القوة المنظمة الرسمية الكبيرة في مصر هي الجيش، ثبت أن الحزب الوطني بتشكيلاته قام على انتهازية كبيرة، وليس لديه قوة مدنية فاعلة، لذلك استخدمت بعض أجنحته «البلطجة» مصحوبة بخيل وجمال لتفتيت جموع المحتجين. بل بعض قياداته قفز من السفينة قبل الغرق. التنظيم الشعبي الأكثر صلابة وتكاتفا في مصر هو «الإخوان المسلمون» ومن يقرأ أدبيات الإخوان يعرف أن بينهم تيارات مختلفة، وفيهم من يجلس على يسار فكر التنظيم أو على يمينه، بل إن أكبر عدد من «الإخوان» هم ربما من «الإخوان السابقين»! ولكن صلب التنظيم محكم، مركزي، وقائم على الطاعة العمياء. جزء من ذلك الإحكام التنظيمي، الملاحقات الأمنية السابقة لأفراده. إذا أضفنا إلى ذلك أن معظم الشعب المصري متدين بطبعه، وعاطفي أيضا، مضاف إليه وضع اقتصادي صعب ليس هناك خلاص منه بحلول سريعة، فإننا سوف نصل إلى مكان ما من القول إن فرص مثل هذا التنظيم كبيرة في القفز على عربة التغيير راكبا في مقطورة «الشعبوية / الشعائرية»، وربما أخذ العربة إلى الطريق الذي يبتغيه!

لا يتوقع أحد استعارة المثال التركي في مثل هذه المرحلة. هناك تيار انفصل عن الجماعة سمى نفسه حزب الوسط، قال عنه أردوغان ذات مرة إن التجربة التركية تعلمت منه! إلا أن هذا التيار، في خضم الأحداث، قد لا يكون له نصيب كبير من العمل السياسي، كونه صغيرا وغير محكم التنظيم. وثمة ملاحظة في هذا السياق؛ فإن الاقتصاد المصري لا يحتمل فترة طويلة من الاضطراب - كما تحمل جزئيا - الاقتصاد التونسي، وأخذا بماكينة التنظيم الاقتصادي الإخواني الذي يمكن أن يساعد المحتاجين في الوقت الحرج، قد يفتح شهية التنظيم لنقل طموحه من المشاركة إلى المغالبة.

التساؤل الثاني: ما سبب ما يحدث؟ كثيرون ذهبوا إلى الحديث بسرعة عن الأوضاع الاقتصادية في مصر، هذا جزء وربما يسير من الصورة. الحقيقة في مكان آخر، فإن أبناء الطبقة الوسطى المصرية، التي للمفارقة، ساعد على توسيعها نظام مبارك، هي التي قادت الحراك الشعبي، هي الكتلة الحرجة من الشباب المصري ذي التوجه الحداثي، انضم إليها بعد ذلك شرائح الطبقة المحرومة المهمشة، وهي واسعة، ومن بعدهم الأحزاب والتنظيمات التي كانت غير فاعلة على الأرض. أبناء تلك الطبقة الوسطى التي وجدت نفسها في موقع معقول في سلم الدخل المادي والولوج إلى التقنية الحديثة، محرومة - بسبب فساد الواجهة السياسية - محرومة من المشاركة السياسية، وقد قامت هذه الكتلة الحرجة من الشباب بكسر طوطمين، إن صح التعبير. الأول هو حاجز الخوف والثاني هو «الخروج عن طاعة الأب» أو كبير العائلة. التقدم الاقتصادي / التعليمي النسبي الذي وفره نظام مبارك لم يسايره انفتاح سياسي يشرك هذه الفئة. فتراكمت السلبيات التي كان الحديث عنها في وسائل الإعلام المصرية شبه مفتوح، حتى تحولت على مر الزمن من تراكمات سلبية نوعية إلى كمية، وكانت تحتاج إلى الصاعق كي تنفجر.

الصاعق في الحالتين التونسية والمصرية نجده بالمصادفة يتمحور حول عزيز، إما «محمد البوعزيزي» وإما «أحمد عز»، أجمعت التحليلات المختلفة على ذلك. فالأول كان الصاعق في التسونامي التونسي، والقصة معروفة، والثاني سولت له نفسه «اكتساح مقاعد مجلس الشعب» وخطفها للحزب الوطني ومحازبيه، كونه أمين التنظيم الذي أدار الانتخابات، فزاد على الجروح إهانات، سهلت تلك الخطوة السياسية غير الموفقة تحول النداء الإصلاحي الخافت، إلى نداء إنقاذي جماهيري كان رأس الحربة فيه هم الشباب المدني المتعلم.

السؤال الأهم ثالثا من هنا إلى أين؟

الكرة متحركة، كمثل تونس، الحراك المصري في الجسم الرئيسي، أي الكتلة الحرجة، بلا رأس، يحاول البعض من السياسيين والنشطاء والتنظيمات أن تركب له رأسا، إلا أنه في تحركه أولا بلا رأس، وثانيا يعرف ما لا يريد، ولكنه لا يعرف على وجه الدقة ماذا يريد!

هنا تكمن الخطورة.

هناك من التيارات السياسية من يريد تعديل الدستور أو حتى كتابة دستور جديد يشمل فكرة الدولة المدنية، وتحديد سقف زمني لفترة رأس الدولة، وإجراء انتخابات تعددية، وهناك من يريد حكما «شرعيا» على ضبابية المفهوم وابتساره، وآخرون يرون أن تغير الجلد الخارجي للنظام الحالي يكفي مع تحسينات مقبولة، وهناك أجنحة في السلطة تصر على أن الموضوع لا يتعدى «فورة» شبابية سرعان ما تفتر أن عولجت بأساليب معروفة، كإطلاق توجه مضاد لها.

الاحتمالات كثيرة، أمامنا نماذج، أكثرها وضوحا تركيا وإيران. لعل من الملاحظ أن السيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس، لما عاد من المنفى، نقل عنه أنه «ليس الخميني»، فتونس لها ظروف خاصة وربما تصل إلى شكل من التجربة التركية في المستقبل البعيد إن وسع قاعدته الشعبية. لم يسمع أحد من مكتب الإرشاد المصري للإخوان مثل هذا التصريح، إلا أن احتمال حصولهم على شريحة كبيرة في العمل السياسي المقبل، وبالتالي تأثيرهم في المستقبل السياسي المصري قائم، صحيح أن مشروعهم السياسي المعلن صعب القبول به من الأغلبية المدنية المصرية. ولكنهم يملكون ماكينة إعلامية واقتصادية فاعلة في الأوساط الشعبية لا بد من أخذها بجدية، ولا تستطيع الأحزاب السياسية المصرية على ضعفها وقلة عددها، أن تقول كما قال نظام مبارك: إن الأحزاب على أساس ديني ممنوعة! كما أن الكتلة الحرجة من الشباب غير منظمة ولا رأس لها، وقد تتبعثر بين القوى السياسية، مما يوفر أرضا صالحة لقوة منظمة كالإخوان أن تقلد نظاما شبيها بإيران بطبعة سنية، إن تمكن الإخوان المتشددون من الحصول على موطئ قدم في السلطة القادمة! لا يستطيع متابع أن يشطب هذا الاحتمال.

بقي أن نستطلع ما هي الدروس التي نتجت حتى الساعة من كل هذا الحراك؟

أولا: لم يعد التوريث في الجمهوريات، لا في مصر ولا في اليمن، مقبولا. هو الآن خارج التداول، بل حتى التوريث السابق الذي تحقق في مكان آخر من بلاد العرب، في مرمى النظر، هناك تشكيك جدي فيه. وثانيا الحلول الأمنية ليست إلا عقارا مسكنا يؤخر اندلاع أو توسع الأزمة ولا يمنعها، في حال تراكم الشكوى من «الجمود السياسي»، ما يمنع الأزمة هو تقديم الحلول السياسية المبكرة. وثالثا هناك حيوية جديدة منبعثة من جيل عربي جديد، هو الأغلبية الشبابية التي تمثل شريحة واسعة في كل بلدان الشرق الأوسط، تستفيد من العصر الرقمي في التثقيف والحشد والحراك الاجتماعي والصدع بالمطالب السياسية.

سئلت في ندوة مؤخرا: هل ما حدث في تونس معد؟ وكان جوابي تساؤل مضاد، قلت: ذلك يعتمد على ما يحدث في مصر ونتائجه! فإن سارت الأمور في مصر كما المسار التونسي أو قريبا منه، فإن مصر بما لها من تأثير عظيم على المنطقة بأسرها سوف تترك ما يمكن تسميته في المستقبل بمصر تسونامي يعم بأشكال مختلفة على الجميع ما لم يتدارك بحلول سياسية، أما إذا تعافى النظام المصري، فإن «العدوى» التونسية ستبقى تونسية! تلك هي المراهنة، إلا أن نتائجها خارج تمنيات الكل، مهما كانت التمنيات، نتائجها في يد الكتلة الشبابية الحرجة من المصريين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ