ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
مصر.. غياب الدور العربي
بماذا نفسره? فهد الخيطان 2011-02-07 العرب اليوم حالة من الشلل تسيطر على الانظمة بانتظار
الحلول من امريكا . لم يتوان معظم زعماء العالم عن التعليق
على الاحداث الجارية في مصر ومتابعة
تطوراتها, وشكلت الدول الكبرى مثل
امريكا وبريطانيا وفرنسا "خلايا"
لادارة الأزمة واوفدت مبعوثين الى
القاهرة. ولا تمر ساعة من دون ان نسمع
تصريحا صحافيا لمسؤول امريكي او غربي
حول مصر, ولا تخفي دول مثل الولايات
المتحدة دورها في اقتراح حلول للأزمة
وسيناريوهات لانتقال السلطة. اسرائيل
بالطبع حاضرة في المشهد المصري بقوة
ومنذ بدء الانتفاضة تعقد حكومة
نتنياهو اجتماعات مكثفة لمناقشة
الاوضاع في مصر ومصير اتفاقية كامب
ديفيد ومستقبل العلاقات مع مصر في حال
سقوط نظام مبارك. بمعنى آخر العالم كله مشغول بالحدث
المصري باستثناء العالم العربي واعني
هنا الانظمة العربية. فمعظمها ما زال
تحت تأثير الصدمة بعد الثورة التونسية
والانتفاضة المصرية. قلة من الدول
العربية استخلصت الدروس مما حدث, فيما
الأغلبية تسعى وبكل الوسائل الى صد
عاصفة التغيير التي بدأت تضرب العالم
العربي, وسارع زعماء عرب - كانوا بالأمس
القريب يستهترون بحق الشعوب في
الديمقراطية وتداول السلطة - الى
التراجع عن خططهم للاستمرار في الحكم
او توريث السلطة لأبنائهم وتستعد
انظمة اخرى لانهاء حالة الطوارئ
وتوسيع هامش الحريات. لكن التداعيات الداخلية لعاصفة الشعوب لا
تلغي السؤال المطروح حول دور النظام
العربي الرسمي فيما يجري بمصر. فهل من
المنطق ان يتخلى العرب عن مساندة مصر
وشعبها في هذا المنعطف التاريخي
ويتركوا للقوى الدولية تحديد مصير
الدولة الأكبر والأهم في العالم
العربي. رغم الحساسيات والاعتبارات الكثيرة التي
تحول دون اتخاذ مواقف صريحة وعلنية الى
جانب النظام المصري او ضده, فان
المراقب لتوجهات الأنظمة العربية
يمكنه ان يقسمها الى مجموعتين: الأولى: دول عربية تتمنى فشل الانتفاضة
المصرية لتبقى هي في مأمن من استحقاقات
التغيير, من جهة, ويستمر النظام المصري
الحالي بالخط السياسي نفسه الذي يخدم
مصالح وارتباطات عدد غير قليل من
الأنظمة العربية من جهة اخرى. الثانية: مجموعة تريد سقوط نظام مبارك ليس
من باب الحرص على تحقيق الديمقراطية
للشعب المصري, وانما لرغبتها في تحسين
موقعها السياسي المناوئ لنهج النظام
المصري وحلفائه الاقليميين والدوليين
في سياق الصراع الدائر بين الولايات
المتحدة واعدائها في المنطقة. حالة التجاذب بين اطراف النظام العربي
الرسمي والخوف من انتقال "العدوى"
الديمقراطية الى عواصم عربية اخرى هما
العاملان المسؤولان عن حالة الشلل
العربي الرسمي حيال ما يجري في مصر,
وامتد هذا الأمر ليطال مؤسسة الجامعة
العربية التي لم يحتمل أمينها "المصري"
عمرو موسى دور المتفرج ونزل الى ميدان
التحرير بصفته الشخصية كما قال واطلق
عدة تصريحات توحي كلها بأن الرجل ينوي
الدخول الى حلبة المنافسة على رئاسة
مصر في مرحلة ما بعد مبارك. باستثناء مداخلة موسى "المصرية" لم
تتحرك أي دولة عربية للمساهمة في
الوصول الى حل للمأزق المصري او اقناع
مبارك بالتنحي لتجنيب مصر وشعبها
المزيد من التضحيات والخسائر.
والمفارقة المأساوية في هذا الصدد ان
الحديث الذي يجري عن دور محتمل للدول
العربية قد جاء عبر البوابة الامريكية
وبطلب مباشر من اوباما. كما لو ان ما
يجري في مصر هو شأن امريكي او غربي وليس
قضية عربية ستحدد مستقبل النظام
العربي برمته. غريب أمر الدول العربية فقد اصطفت الى
جانب امريكا لاسقاط نظام صدام حسين
واحتلال العراق, بينما ترفض تقديم
الدعم المعنوي لشعب عربي يسعى لتغيير
نظامه بالوسائل الديمقراطية والسلمية!. ======================= الثورة الشعبية تتوطن
والقمع والاستبداد يتقهقران طاهر العدوان 2011-02-07 العرب اليوم لا يجادل احد بوجود مفهوم شائع في الرأي
العام العالمي بان القمع والاستبداد
مستوطنان في العالم العربي. حتى ان
هناك من ارجع الامر الى "جينات" في
الانسان العربي تختلف عن تلك التي عند
البشر. بحيث انه يستمرئ العبودية
والادعاء بانها جزء من ثقافته واطيعوا
"اولي الامر" التي اخذت من النص
القرآني على طريقة "لا تقربوا
الصلاة" لتبرير هذه الثقافة. هذا المفهوم الخاطئ الشائع عن الانسان
العربي ينقشع اليوم في سماء الثورة
الشعبية في مصر التي بدأت تتوطن في
الارض المصرية لتؤسس لمرحلة تاريخية
جديدة ليست هناك فقط على ضفاف النيل
انما على طول امتداد الارض العربية.
انها ثورة سلمية حضارية بمواجهة سلطة
مستبدة قمعية, انها تعيد تصحيح صورة
الانسان العربي امام العالم كانسان
متعطش للحياة الحرة الكريمة, يستحق ان
ينال حقوقه كاملة وفق المعايير
الدولية لحقوق الانسان بأرقى صورها
ونماذجها القائمة في اوروبا وامريكا
وآسيا وامريكا اللاتينية. الانظمة الاستبدادية زرعت القهر واشاعت
الاضطهاد في مجتمعاتها. ولم يكن نظام
مبارك او نظام زين العابدين الا جزءا
محدودا من خارطة الاستبداد في العالم
العربي. وكثير من الانظمة التي تحكم
شعوبها بقوانين الطوارئ ومصادرة
الحريات بزعم انها (تحارب الارهاب)
انما هي الاكثر ممارسة "للارهاب
المباشر" على مواطنيها من خلال
تعميم روح اليأس والقنوط, ونشر ثقافة
الذل والنفاق, حتى اصبحت المجتمعات
العربية على وصف ما كتبه الدكتور هشام
شرابي "بانها مجتمعات تقضي بأن تحل
روح الخضوع محل روح الانتقام وروح
المكر محل روح الشجاعة, وروح التراجع
محل روح المبادرة". العالم كله سيغير نظرته للانسان العربي
بعد الثورتين, التونسية والمصرية,
والاهم من ذلك, هو ان الشعوب العربية
بدأت تتغير وتُغَيّر من سلوكها ووعيها
والمفاهيم المتعلقة بدور المواطنة في
الدولة الحديثة, من منطلق الاعتزاز
بانسانية الانسان العربي وكرامته,
والنظر الى مسائل الحرية والكرامة
بانها لا تقل اهمية عن توفير الخبز
والعمل. نشعر, ويشعر العالم بهدير غليان القدر في
العديد من المجتمعات العربية التي
تسعى للتغيير والتحول الجاد نحو
الديمقراطية وبناء دولة القانون
والمؤسسات, لكن الشعوب العربية اصبحت
اكثر وعياً واهتماماً بحرية الشعوب
التي تعيش في ظل نظم الحكم الاستبدادية
القائمة في العالم العربي. ومثلما ان
الثورة الشعبية في كل من تونس ومصر
كشفتا عن الروح الحقيقية للشعبين
العظيمين المنتفضين على القمع
والاستبداد, فان ما اصبح مكشوفا اكثر
هو صورة (النظام القمعي الاستبدادي"
في اكثر من بلد عربي. هناك شعوب عربية لا يُسْمَع لها الا اصوات
انينها وهمس بالظلم وروايات رعب عن
اقبية التعذيب والسجون والنفي ومصادرة
حتى حرية تنفس الهواء, شعوب ادخلت في
حمامات دم وسجون جماعية تحت شعارات
خادعة مضللة بالتصدي للامبريالية
والصهيونية, فيما هي لم تدخل معركة
واحدة ضدهما وكل معاركها كانت ولا تزال
ضد شعوبها في حفلات مفتوحة في السجون
والمعتقلات. على هذه الشعوب ستهب رياح الحرية
والديمقراطية, فما كان مستحيلا قبل
يناير عام 2011 اصبح بارادة الشعبين
التونسي والمصري مسألة وقت. فمع توطن
الثورة الشعبية في تونس ومصر, يتوطن في
عمق وعي العربي عشق الحرية وكراهية
الاستبداد وحكم الطغاة. ======================= إسقاط النموذج التركي
على الآخرين
آخر تحديث:الاثنين ,07/02/2011 محمد نور الدين الخليج قفز “النموذج التركي” إلى الواجهة من
جديد، وهو الذي لم يغادر ساحة الإعلام،
مع انفجار الحركات الشعبية الأخيرة في
بعض الدول العربية . ولا أحد يتجاهل حقيقة أن الثورات الشعبية
في الغرب قد انتهت من أكثر من سبعين
عاماً وحلت محلها صندوقة الاقتراع .
أما ما يجري من حراك شعبي أحياناً في
أمريكا وأوروبا طلابياً كان أو
عمالياً، فمن أجل تحسين سياسات قائمة
وهي قد تفضي إلى انهيار سلطة سياسية
عبر إجبارها على تقديم استقالتها .
لكنها لم تستهدف يوما طبيعة النظام . حقق الغرب لمواطنيه ديمقراطية وحريات
واسعة لا تعدم شوائب . لكن الأساس
دائماً تمت المحافظة عليه . إنه سرّ الغرب أو الديمقراطيات الغربية .
هنا لا يذهب الوهم أو الظن بأن ذلك
ينسحب على السياسات الغربية في
الخارج، حيث وحدها المصالح تتحكم
بالسياسات، إذ كان الغرب ولا يزال هو
الداعم الأساسي للأنظمة الدكتاتورية
لأن مصالحه النفطية والاقتصادية كما
حماية “إسرائيل” تقتضي التعاون مع
أنظمة عميلة وتابعة مهما كانت درجة
استبدادها، والأمثلة على ذلك لا تحصى . يقول الكاتب التركي الموضوعي طه آقيول إن
العرب افتقدوا ليس فقط الحريات
والديمقراطية على صعيد السلطة
السياسية، بل أيضاً على مستوى العمل
البلدي وانسحب هذا على التيار
الإسلامي أيضاً . فيما كان هذا قائماً
في تركيا، حيث كانت مشاركة الإسلاميين
في الانتخابات البلدية واستلامهم
عدداً كبيراً من البلديات، النافذةَ
التي تعرفوا فيها إلى العالم والواقع . في اتصال الرئيس الأمريكي باراك أوباما
مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب
أردوغان، أشار بيان لمكتب رئيس
الحكومة أن أوباما نوّه بالنموذج
التركي الذي اتاح استمرار أردوغان في
السلطة عبر انتخابات ديمقراطية وأن
تركيا بلد قوي بقيمه الديمقراطية . هنا إشارة سريعة إلى أن الولايات المتحدة
كانت أكبر داعم لنظام الوصاية
العسكرية في تركيا، وكانت وراء كل
انقلابات الجيش العسكرية منذ العام 1960
حتى الإطاحة بنجم الدين أربكان في
العام 1997 . وما دفاع أوباما عن النموذج
التركي إلا نتيجة لفرض الشعب إرادته
وبقوة لإيصال حزب يريد توسيع هوامش
الحريات، وليس لأن أوباما أو من سبقه
في الإدارة الأمريكية كان ساعياً
ومشجعاً على إنهاء نظام الوصاية
العسكرية . وليس خافياً على أحد أن واشنطن كانت من
أكبر حماة نظام زين العابدين بن علي في
تونس . وإذا كانت واشنطن ذكية في تبني
الانتفاضة الشعبية في تونس بعد
انتصارها ومحاولة توجيهها كما تريد،
فإنها تحاول تكرار السيناريو نفسه في
مصر من خلال الايحاء أنها تريد نظاماً
ديمقراطياً، لكنها تعمل على استمرار
النظام، وهنا تدخل اللعبة الأمريكية
بإظهار النموذج التركي مثالاً لما
يمكن أن تكون عليه مصر في المرحلة
المقبلة . وفي الواقع أنه رغم الاختلاف في الظروف
والمسار التاريخي للنظام في تركيا بما
هو شيء من العلمانية وشيء من
الديمقراطية وشيء من الوصاية العسكرية
والخارجية، فإنه لا يمكن استنساخ
النموذج التركي الذي هو حالة خاصة إلا
بما يمكن أن يكون عنواناً عاماً
للتغيير من عناوين كثيرة موجودة في
العديد من الحالات العالمية . لكن إذا كان يمكن للنموذج التركي أن يكون
بالفعل مثالاً للآخرين فهو أن تتاح
للجماهير أن تعبّر عن نفسها بحرية، وفي
اتجاهات تتيح العدالة، وفي الوقت نفسه
تحمي هوية البلد الوطنية والقومية،
وفي مقدمها استعادة دور مصر في الصراع
العربي- “الاسرائيلي”، خصوصاً أنها
أعطت للعرب في العصر الحديث أول إحساس
بالعزة من خلال ثورة 23 تموز/يوليو .
تماما كما استعادت تركيا بإيصال حزب
العدالة والتنمية عام 2002 إلى السلطة
هويتها وتصالحت مع محيطها، وفي الوقت
نفسه كانت تحمل مشروعها للتحديث
والتغيير . إن التغيير في اتجاه الحريات
والديمقراطية هو الوجه الآخر من تجسيد
الهوية والمصالحة مع الذات والتاريخ .
ولا يمكن لأحدهما أن ينجح من دون الآخر
. هذا ما أعطى تركيا دورها وحضورها
الجديد، وهو ما يجب أن يكون في غيرها من
الدول العربية، لتستعيد دورها
التاريخي الأصيل وتبدأ عملياً مشروعها
التحديثي . ======================== آخر تحديث:الاثنين ,07/02/2011 أمجد عرار الخليج طريقة تعاطي أمريكا مع الأوضاع في مصر،
تعني شيئاً واحداً مفاده أنها تريد
الإيحاء للعالم أن مصر شأن أمريكي حصري
ولا علاقة لأحد غيرها ببلد سبق أمريكا
بسبعة آلاف عام في صنع الحضارة
والنضارة والعلم . وهي وإن كانت تتحدّث
على نحو هلامي عائم بعبارات تشبه الخشب
العائم على سطح الماء، بعبارات من
شاكلة أن مستقبل مصر يصنعه الشعب
المصري، فإنها في الوجه الآخر لعملة
التصريحات تقذف في وجوهنا كل ساعة
تصريحات تبدأ ب “يجب” وتنتهي أحياناً
ب “فوراً” أو بشكل سريع . ورغم الصرخات المتتالية التي يطلقها شباب
مصر وصانعو مستقبلها والقائلة بالفم
الملآن إنهم يرفضون التدخل الخارجي في
المشهد المصري، يصر أركان الإدارة
الأمريكية على توزيع الأدوار
والتحركات في ما بينهم، وكأن الأمر
يتعلّق بولاية أمريكية . هناك من يفتي بأن أمريكا تحاول تصحيح
طريقة تعاطيها الخاطئ مع الانتفاضة
التونسيّة والصمت الذي أبدته تجاه قمع
الشباب هناك، فضلاً عن تعاميها المخزي
عن كل الانتهاكات التي ارتكبت، ليس في
تونس فحسب، إنما في كل المناطق الواقعة
تحت نفوذها المباشر أو غير المباشر،
وليست الجرائم “الإسرائيلية” سوى
النموذج الأوضح لهذا التعامي الممنهج
والمبرمج والمصوغ على شكل سياسة .
وهناك من يرى أن الدافع خلف هذا
الاهتمام من جانب الولايات المتحدة
بالشأن المصري، استجابة لمؤسسات
المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان
في أمريكا والعالم، حتى لا تضاف صفحة
جديدة إلى السجل الأمريكي الحافل
بازدواجية المعايير، بل وبانتهاكاتها
هي نفسها لحقوق الإنسان على أرضها وفي
فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها .
حتى لو صح اعتقاد البعض بهذين
التفسيرين للاهتمام الأمريكي فإن
الولايات المتحدة لا تفكّر إلا في
مصالحها ومصالح “إسرائيل”، بل إن بعض
المسؤولين الأمريكيين لم يخفوا هذه
الحقيقة وكانوا صدى مباشراً للأصوات “الإسرائيلية”
التي اختزلت مصر وشعبها ومستقبلها في
“معاهدة السلام” مع “إسرائيل”،
فليسوا حريصين على حقوق الإنسان ولا
حرية الإعلام ولا مصير النشطاء
الحقوقيين، بقدر ما تعشش “إسرائيل”
في هواجسهم ونومهم ويقظتهم . ها هي منظمات حقوق الإنسان، وفي غمرة كل
الصخب الأمريكي والتدخل الفج في الشأن
المصري، تكشف عن وجود سجنٍ سري جديد في
العراق الذي تحتله القوات الأمريكية،
ولا تبدي أي استعداد للحديث صراحة وعلى
نحو واضح عن تركه لأبنائه يصنعون
مستقبلهم بأنفسهم، ويصلحون ما أفسده
الاحتلال الأمريكي وتوابعه . صحيح أن التقارير عن كشف مركز الاعتقال
السري في بغداد، تسللت بصمت إلى
أسماعنا في ظل الصوت المرتفع في مصر،
لكن هذا لا يخفي حقيقة أن معيار
المواقف الأمريكية أبعد ما يكون عن
الشعارات المعلنة ذات الطبيعة
المصلحية، لا سيما حين يتعلّق الأمر
بحقوق الإنسان وسيادة الدول
واستقلالها . ومن هنا، فإن واشنطن، قبل أن تملي على
الدول والشعوب ما الذي يجب فعله، عليها
أن تعرف أو ألا تتجاهل ما الذي تريدها
الدول والشعوب أن تفعله وتكون عليه،
حتى تكون هذه القوة الأمريكية عامل دفع
للحضارة الإنسانية والعدالة بين البشر
. عليها أن تتذكّر أن شعباً مثل الشعب
المصري يستطيع أن ينتج من أبنائه زعماء
قادرين على حكم العالم بلا مال سياسي،
أو فوز بالعد اليدوي . ======================= من أجل أطفال غزة، يجب
التحرك الآن عمر شعبان مصدر المقال: خدمة الأرضية
المشتركة الإخبارية 4 شباط/فبراير 2011 غزة – لقد سبب الحصار المفروض على قطاع
غزة منذ حزيران/يونيو 2007 والهجوم
الاسرائيلي على قطاع غزة في عملية "الرصاص
المصبوب" دماراً هائلاً للبنية
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
للمجتمع الفلسطيني هناك. إلا أنه وفيما
عدا هذه النتائج الفورية، ما يشعرني
بقلق أكبر هو ذلك الحصار الداخلي
للعقول الذي بدأ يستحوذ خصوصاً على
الشباب. إنه تطور قد يشكل الأثر الطويل
الأمد للحصار إذا لم تتم معالجته الآن،
وبالتالي العائق الأكبر أمام السلام. إن إسرائيل والقيادة الفلسطينية كليهما
مسؤولتان بدرجات متفاوتة عن حصار
العقول هذا. مع ذلك، يمكننا جميعاً،
بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني
والآباء والمعلمين أن نعمل بشكل أكبر
لبناء ثقافة من السلام. يتوجب علينا،
بالنظر إلى ظروفنا، أن نعمل بجد لرعاية
قدرة الشباب على النظر إلى مواقفهم
باستخدام عقلية معتدلة ومنفتحة نحو
السلام والمصالحة مع "الآخر". إذا طلبت من طفل في غزة اليوم أن يرسم
صورة، فسيرسم/فسترسم على الأغلب
مشهداً من العنف. هكذا يتجاوب الأطفال
مع حقيقة أن العنف حدث يومي، ويتم
مفاقمته من خلال توجه تربوي يقف ضد
السلام. إضافة إلى ذلك، يعني الانقطاع
عن باقي العالم أن هؤلاء الشباب
محرومون من المعرفة والدراية بأن هناك
بدائل للحياة التي يعيشونها. خلال زيارة قمت بها إلى هولندا مؤخراً،
حدثني سائق السيارة الذي أقلني من مطار
أمستردام للفندق انه قبل أسايبع نقل
طالباً فلسطينياً قدم من قطاع غزة
للدراسة في هولندا من المطار إلى
الفندق. وعندما سأله السائق عن رأيه في
هولندا، لم يستطع الطالب الشاب، الذي
كان يخط حياته لأول مرة خارج قطاع غزة
المحاصر الاجابة سوى أن يجهش بالبكاء
الشديد من صدمة الحرية التي ينعم بها
لأول مرة منذ ولادته. إن التداعيات الطويلة الأمد للإبقاء على
الحصار والمستويات الحالية من العنف
لن تقف عند حدود قطاع غزة فقط. فآثار
هذا على السلام في المستقبل ضخمة.
إضافة إلى ذلك، لن يكون ضيق الفكر
والعقل محصوراً بغزة، حيث أن قطع
الغزيين عن العالم معناه قطع الأطفال
الإسرائيليين عن الفلسطينيين. على الحكومة الاسرائيلية أن تتمعن جلياً
في نتائج سياساتها على الشعبين
الفلسطيني والاسرائيلي. يجب عليها أن
تدرك أن الحصار وتوجهها العسكري يؤثر
على كلا الشعبين. فإنهاء الاحتلال وصنع
السلام هي مصالح إسرائيلية بامتياز.
فلا يمكن لدولة ما أن تحيا طوال الوقت
في حالة حرب وعداء شبه كامل مع المحيط
الذي تعيش فيه. كذلك على النظام السياسي الفلسطيني وقواه
السياسية بكافة أطيافها أن تتمعن
جلياً في تداعيات سياساتها وبرامجها
التربوية. فهي مطالبة أن تأخذ تتوقف
لتراجع سياساتها وتمعن النظر في
مسيرتها. عليها أن تأخذ قرارات هادئة
وحكيمة حول قضايا شائكة مثل إطلاق
الصواريخ والعمليات التفجيرية
والتحشيد والعنف ضد "الآخر"، ليس
من منطلق الاهتمام بالشعب
الإسرائيلي،على الرغم من وجاهة هذا
الطرح، بل من منطلق جوهري بأن ثقافة
العنف تضعف من فرصنا لبناء مجتمع حيوي
وعادل في فلسطين. إن تعزيز ثقافة السلام والاعتدال في
المجتمع الفلسطيني هي مصلحة فلسطينية
بإمتياز. هذا لا يعني مطلقاً التوقف عن
مواصلة النضال من أجل نيل حقوقنا في
إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها
القدس، لكن علينا أن نختار وسائلنا
وخطابنا وبرامجنا بعناية. تبين التطورات الأخيرة في تونس والقاهرة
أنه لا يمكن للحكومات التي تفرض سلطتها
على الشعب أن تستمر إلى الأبد. يتوجب
عليهم الاستماع لاحتياجات وتطلعات
الناس الذين يحكموهم اليوم والعمل بجد
من أجل ضمان مستقبلهم، وإلا سيجد الناس
طريقاً آخراً لصياغة مستقبل أفضل
لأنفسهم. سيدرك القادة الإسرائيليون والفلسطينيون
يوماً أن السلام هو الطريق الوحيد
لضمان مستقبل أفضل لكلا الشعبين.
وتعتمد فرص تحقيق سلام مستدام على ما
نفعله اليوم. فنحن نجني ثمار ما نزرع.
وإذا أردنا تفاحاً فعلينا أن نغرس بذور
التفاح. وإذا أردنا أن نزرع السلام
والتفاهم والتسامح في أطفالنا، فعلينا
أن نغرس هذه القيم اليوم. ### * عمر شعبان هو خبير اقتصادي
ومؤسس ورئيس مؤسسة بال ثينك للدراسات
الاستراتيجية، وهي منظمة فكرية
وثقافية مستقلة مقرها غزة. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية
المشتركة الإخبارية. تم الحصول على حقوق نشر هذا
المقال. ==================== الثورات العربية ونهاية
الحقبة الأميركية إميل أمين التاريخ: 07 فبراير 2011 البيان قبل أشهر قليلة من رحيل إدارة بوش الصغير
الثانية، أطل ريتشارد هاس، المنظر
الأميركي السياسي الشهير والرئيس
السابق لمجلس العلاقات الخارجية
الأميركية النافذ في نيويورك، على
العالم عبر مجلة الفورين افيرز، منذرا
ومحذرا من أن زمان الهيمنة الأميركية
والقطبية المنفردة إلى زوال. وبذات
الفعل يؤكد على أن الحضور الأميركي في
الشرق الأوسط، والموروث عن
الإمبراطوريتين الفرنسية
والبريطانية، مجده إلى زوال، ربما
لعقد أو عقدين أو أكثر، وأن قوى جديدة
ستظهر في تغير جوهري للمشهد السياسي
الشرق أوسطي. ولعل التساؤل؛ هل ما يجري على الساحة
العربية وفي عدة دول في الفترات
الأخيرة من فورات وثورات، هو بداية
تحقق نبوءة ريتشارد هاس؟ يثير هاس في ملامحه المتوقعة للمنطقة
الشرق أوسطية في العقود القادمة،
هواجس عديدة، لا تتعلق فقط بتقلص
الوجود الأميركي، بل تمتد إلى ظهور قوى
أخرى ربما تؤرخ لمرحلة جديدة في تاريخ
وجغرافية المنطقة. ودون اختصار مخل،
يمكننا أن نلخصها في عدة نقاط: ؟ ستظل الولايات المتحدة متمتعة بنفوذها
في المنطقة أكثر من أي قوة أجنبية
أخرى، ولكن نفوذها آيل إلى التقلص،
ويعكس ذلك التأثير المتنامي لمجموعة
من القوى الداخلية والخارجية، والحدود
الطبيعية للقوة الأميركية ونتائج
خيارات السياسة الأميركية. ؟ ستواجه الولايات المتحدة المزيد من
المنافسة من قبل السياسات الخارجية،
لمن يسميهم «دخلاء» آخرين. وفيما يقدم
الاتحاد الأوروبي مساعدة بسيطة في
العراق، يتوقع أن يبادر إلى طرح مقاربة
مختلفة للقضية الفلسطينية، أما الصين
فستقاوم فرض ضغوط على إيران، كما تسعى
إلى ضمان إمكانية حصولها على إمدادات
الطاقة. ؟ ستصبح إيران إحدى القوتين الأكثر
تأثيرا في المنطقة، ومخطئ من يقول إن
طهران كانت على شفير تحولات داخلية
دراماتيكية، فإيران التي تتمتع بثروة
عظيمة هي الدولة الخارجية الأكثر
نفوذا في العراق، كما أن لها تأثيرا
مهما على كل من «حماس» و«حزب الله». ؟ ستصبح إسرائيل الدولة الوحيدة في
المنطقة التي تتمتع باقتصاد معتدل
قادر على المنافسة دوليا، لكن سيبقى
عليها أن تتحمل تكلفة احتلالها للضفة
الغربية، وأن تتعامل مع مشكلة أمنها
المهدد لتواجه تحديا أمنيا متعدد
الأبعاد على أكثر من جبهة. ؟ لا يلوح في الأفق أي توجه نحو عملية سلام
حيوية، سيما في أعقاب العملية
الإسرائيلية المثيرة للجدل على لبنان. ؟ سيبقى العراق، وهو جوهر قوة العرب، في
حالة من الفوضى في السنوات المقبلة، في
ظل حكومة مركزية ضعيفة ومجتمع منقسم،
وسط تنامي أعمال العنف الطائفية. ؟ سيبقى سعر النفط مرتفعا، نتيجة للطلب
المتزايد من قبل الصين والهند،
والنتائج المحددة للجهود التي قامت
بها الولايات المتحدة للجم الاستهلاك
وزيادة احتمالات حدوث نقص في التغذية
النفطية. ؟ سيستمر التسلح بنمط متسارع، بحيث تصبح
الجيوش الخاصة في العراق ولبنان
والأراضي الفلسطينية أكثر قوة،
وستنبثق الميلشيات كنتيجة لضعف الدول،
خاصة تلك التي تواجه عجزا في بسط
سيادتها وقدرتها على السيطرة. ؟ سيبقى الإرهاب، الذي هو بحسب تعريفه «الاستعمال
المتعمد للقوة ضد المدنيين في مسعى
لتحقيق مآرب سياسية»، ظاهرة أساسية في
المنطقة، وسيظهر في المجتمعات
المنقسمة، كما في العراق، وفي
المجتمعات التي تسعى فيها الجماعات
الراديكالية إلى إضعاف أو إسقاط شرعية
الحكومة. ؟ سيسد الإسلام الفراغ السياسي الثقافي
السائد في العالم العربي، على نحو
مطّرد، وسيشكل مؤسسة لسياسات غالبية
سكان المنطقة. فالقومية العربية
والاشتراكية العربية، أصبحتا من
الماضي، والديمقراطية تنتمي إلى
المستقبل المنظور في أفضل الأحوال،
حيث باتت الوحدة العربية شعارا وليست
واقعا. كما أن نفوذ إيران والمجموعات
المرتبطة بها، تمت تقويتها، والجهود
المبذولة من أجل تحسين العلاقات بين
الحكومات العربية من جهة وإسرائيل
والولايات المتحدة من جهة أخرى، قد
أصبحت معقدة. هل من إمكانية ما لأن يكون هذا الغياب
حقبة زمنية موجزة؟ يرى هاس أن صناع السياسة الأميركية عليهم
تلافي خطأين: الأول؛ هو الابتعاد عن فكرة الاعتماد
المفرط على القوة العسكرية، فكما
تعلمت الولايات المتحدة من الكلفة
الباهظة لحربها في العراق، وإسرائيل
في لبنان، فإن القوة العسكرية ليست هي
العلاج، كما أنها ليست نافعة على
الإطلاق في مواجهة الميلشيات المنظمة
الطليقة، والإرهابيين المسلحين بشكل
جيد، والذين يحظون بتأييد شعبي محلي
والمهيئين للموت من أجل قضيتهم. الثاني؛ يمكن في الاعتماد على انبثاق
الديمقراطية لتهدئة المنطقة. صحيح أن
الديمقراطيات الناضجة لا تميل إلى شن
الحروب بعضها على بعض، لكن للأسف إيجاد
هذا النوع من الديمقراطية الناضجة ليس
مهمة سهلة، وحتى لو نجح الأمر في
النهاية، فلن يتطلب أقل من عقود من
الزمن. وفي هذه الأثناء يجب أن تواصل
الولايات المتحدة عملها مع العديد من
الحكومات اللاديمقراطية،
فالديمقراطية ليست الجواب على الإرهاب
كذلك. ويميل هاس للأخذ بالرأي القائل إن
الدمقرطة كثيرا، لا تنفع لدى التعامل
مع الراديكاليين الذين لا تحمل
برامجهم آمالا بتلقي دعم الأكثرية،
وأن المبادرات الأكثر نفعا قد تكون
خطوات مصممة لإصلاح الأنظمة
التعليمية، مثل نشر الليبرالية
الاقتصادية والأسواق المفتوحة،
وتشجيع السلطات العربية والإسلامية
على التحدث جهارا عن لا شرعية الإرهاب
وإدانة داعميه، وتناول الشكاوى التي
تدفع الشباب إلى اللحاق به. وبحال من الأحوال، فإن كافة أوراق
وطروحات هاس، تقودنا إلى تساؤل حقيق
بالتوقف أمامه في الآونة الأخيرة: هل
مضى زمن القطبية الأميركية المنفردة،
وبات العالم في مواجهة فجر أقطاب
متعددة جديدة قادمة؟ كاتب مصري ====================== جلال عارف التاريخ: 07 فبراير 2011 البيان ما يجري على الأرض العربية ليس صراعا على
السلطة ولكنه صراع على المستقبل..
وعندما يكون عنوان الأحداث هم الشباب
فإن القضية هي (الغد) وكيف يكون. ولا شك
أن الشباب قد فاجأ نفسه وفاجأ الجميع
وهو يعلن عن نفسه، فإذا هو بعيد كل
البعد عن الصورة التي تم ترويجها له
حتى تكون هناك المبررات لوضعه تحت
الوصاية إلى أبد الآبدين!! كانت الصورة
التي تم ترويجها تتحدث عن شباب لا
يجتمع إلا لتشجيع فريق كرة، ولا يهتم
إلا بمجلات الأزياء وأخبار أنصاف
المطربين، ولم تعد تشغله قضايا الوطن
ولا هموم المواطنين.. فإذا بهذا الشباب
يتخطى كل الآمال والتوقعات، ويكشف عن
معدن أصيل صلب، وعن وعي وطني رائع، وعن
طاقات لا حدود لها لابد أن يحاسب من
حرمها من الانطلاق، ومن حرم الوطن من
الاستفادة منها كما ينبغي. وأيا ما كانت نتائج ما يجري الآن على
الساحة العربية، فإن مرحلة جديدة من
التاريخ قد بدأت عنوانها هذا الشباب
الذي انطلق ولن يعود كما كان أبدا،
وساحتها هي المستقبل الذي يتصارع على
الإمساك بمفاتيحه قوى عديدة في الداخل
والخارج. وبعيدا عن المحاولات اليائسة لإعادة
المارد الذي انطلق إلى القمقم الذي كان
فيه، وبعيدا أيضا عن محاولات عواجيز
الفرح لركوب الموجة واللحاق بالأحداث،
وهم الذين فشلوا فشلاً ذريعاً على مدى
سنوات طويلة في تحقيق شيء من طموحات
شعوبهم لأسباب بعضها صنعوها بأيديهم
وبعضها جاء من ظروف فرضت نفسها عليهم
وقيود عرقلت حركتهم، ويريدون الآن أن
يقفزوا على ما حققته أجيال جديدة قهرت
الخوف والعجز وتعرف كيف تتعامل مع
المستقبل لأنها تملك أدواته. بعيدا عن الباحثين عبثا عن وسائل لإعادة
الزمن إلى الوراء، وبعيدا عن عواجيز
الفرح، تبحث الأجيال الجديدة عن
رؤيتها الخاصة، وكما يحدث في كل فترات
التحول الكبرى تختلف الاجتهادات
وتتعدد وجهات النظر، ورغم أن الأحداث
أثبتت أن حملات تزييف الوعي التي لم
تنقطع على مدى سنوات طويلة لم تؤد كما
كان يأمل أصحاب هذه الحملات إلى خلق
أجيال عربية تفقد معنى الانتماء وتلحق
التشوهات بهويتها، فإن علينا أن نراقب
جيدا بعض ما يجري ترويجه من أفكار تكشف
عن مخاوف قوى في الخارج والداخل من
حركة الأجيال الجديدة، كما تكشف عن
تطلعات هذه القوى إلى أن يكون المستقبل
الذي ولد الآن متوافقا مع مخططاتها
للمنطقة، ورؤيتها لمرحلة قادمة تأمل
بالطبع أن تؤمن فيها مصالحها وتحقق
النجاح لسياساتها. والملاحظات كثيرة
في هذا المجال، ولكن أتوقف عند
ملاحظتين قد تكشفان الكثير عن نوايا
قوى كبرى فاعلة، وعن حقيقة رؤيتها، وعن
بعض المخاطر التي ينبغي التحسب لها
ونحن نتعامل مع لحظة تكشف عن المستقبل
وصراعاته المحتملة. لقد كان أحد التجليات التي تحدثنا عنها
هنا مع انطلاق ثورة الياسمين في تونس،
هو توحد المشاعر في الشارع العربي من
أقصاه إلى أقصاه في احتضان تحرك
الجماهير العربية هناك، وأظن أن هذا قد
أزعج العديد من القوى الدولية
المعادية للعروبة بأكثر مما أزعجها
سقوط نظام صديق، لأن ذلك يعني خطأ كل
التقديرات التي بنت عليها سياساتها
والتي تقول إن حملتها لإعلان وفاة
العروبة قد نجحت، وأن كل حديث عن
طموحات قومية للعرب هو في ذمة التاريخ! الآن.. نجد أنفسنا أمام حركة مضادة لوحدة
المشاعر في الشارع العربي، ومنها
التركيز المبالغ فيه في التحليلات
الأجنبية (والأميركية والإسرائيلية
أساسا) على ما يزعمونه من أن تحركات
الشباب في الوطن العربي تأتي على خلفية
قضايا سياسية واجتماعية محلية ويغيب
عنها البعد العربي والقضايا القومية،
وكأن الحديث عن الديمقراطية والعدالة
الاجتماعية يعني التبرؤ من القضايا
القومية أو يتعارض معها.. وكأنهم لا
يعرفون أن من يطالبون بالحرية والعدل
هم أكثر الفئات ارتباطا بالبعد القومي
في سياسات دولهم، وهم أنفسهم الذين
سيخرجون غدا وبعد غد في أي ظرف قومي. لقد كان هذا الحديث مبررا عندما كان الأمر
يتعلق بأنظمة تبرر استبدادها بأنها في
مواجهة مع إسرائيل، وقد انتهى هذا
الأمر منذ أكثر من ثلاثين عاما.. فماذا
حدث؟ وأين وعود الرخاء الذي قيل إنه
سيعم على البلاد والعباد؟ وهل تركت
إسرائيل الفرصة لسلام حقيقي؟ وهل أدت
حكاية «مصر أولا، والأردن أولا،
وجيبوتي أولا.. الخ» إلا لتراجع الجميع
وإدراكهم في النهاية أنه لا حل لقضايا
الأقطار العربية إلا في إطار عربي.. من
أول تأمين رغيف الخبز وقطرة الماء، إلى
تحقيق الاستقرار والأمن القومي؟! الملاحظة الأساسية الثانية هي محاولة
تصوير بعض ما يجري على أنه ثأر من ثورة
يوليو ,1952.
وعندما يتحدث واحد من الذين يطرحون
أنفسهم للقيادة في مصر في مرحلة مقبلة
عن أنه قدم ليزيل آثار 59 سنة من الإذلال
(!!) فالأمر هنا ليس جهلا بالتاريخ ولا
انتقاما شخصيا ولا انتصارا لرؤية
شخصية فقط، فالرجل مهما كانت قلة
تجربته السياسية يعرف أن الثورات لا
تزال من التاريخ بقرارات شخصية،
والرجل يعرف أن ثورة يوليو كانت حدثا
فاصلا في تاريخ مصر والعرب، والرجل
يعرف أن ثورة يوليو لم تحكم في مصر
حقيقة إلا عقدين من الزمان خاضت فيهما
أعتى المعارك ضد الاستعمار والتخلف
ومن أجل الحرية والعدالة الاجتماعية
ووحدة العرب وتقدمهم، وما جاء بعد ذلك
كان سيرا على طريق يوليو وجمال عبد
الناصر ب«أستيكة» كما عبر الشارع
العربي بدقة عن الحرب التي لم تتوقف
لتشويه ثورة يوليو وضرب منجزاتها
والتركيز على أخطائها وأبرزها ما
يتعلق بالديمقراطية. ======================== محنة مصر.. محنة العرب
أيضاً...! المستقبل - الاثنين 7 شباط 2011 العدد 3906 - رأي و فكر - صفحة 19 خيرالله خيرالله لا حاجة الى عبقري من اي نوع كان للتأكد من
ان الشرق الاوسط دخل مرحلة جديدة في
ضوء ما جرى في تونس، التي طوت صفحة
الرئيس زين العابدين بن علي والعائلة
المتفرعة عن زوجته السيدة ليلى
طرابلسي، وفي ضوء ما تشهده مصر من
تطورات حاليا. ليس صحيحا ان مصر لن
تتأثر بالثورة الحقيقية التي شهدتها
تونس على حدّ قول احد الوزراء المصريين.
قال هذا الوزير بالحرف الواحد ان
الكلام عن انعكاسات للحدث التونسي على
مصر "كلام فارغ". تبين بعد اسبوع
من اضطرار بن علي الى مغادرة تونس ان
الكلام الفارغ هو كلام الوزير المصري
الذي لم يدرك حجم التحولات التي تشهدها
المنطقة التي "يعاد تشكيلها".
وعبارة "إعادة تشكيل المنطقة" هي
تلك التي استخدمها وزير الخارجية
الاميركي كولن باول في سياق تبريره
للحرب الأميركية على العراق التي بدأت
في آذار من العام 2003. ما زلنا في بدايات البدايات. الدول
المرشحة لأن تشهد ثورات من داخل كثيرة.
لا يزال مبكرا على وزير الخارجية
الإيراني الجديد علي اكبر صالحي
الكلام عن قيام "شرق اوسط اسلامي"،
اي عن شرق اوسط تهيمن عليه إيران بسبب
ما يجري في مصر. كلّ ما في الامر ان مصر
ستكون قادرة عاجلا ام آجلا على تجاوز
محنتها. اكثر من ذلك ان اي نظام جديد في
مصر لابدّ من ان يسعى الى استعادة
الدور الذي يفترض في اكبر الدول
العربية ان تلعبه على الصعيد الاقليمي.
في السنوات القليلة الماضية، كان هناك
فراغ في المنطقة لانّ مصر لم تلعب
الدور الذي يتوجب عليها ان تلعبه في
مجال صدّ الهجمة الإيرانية على كل ما
هو عربي في الشرق الاوسط. بكلام أوضح،
لم يكن هناك تصد مصري فعال للخطر الذي
تشكله إيران الساعية الى ان تكون قوة
اقليمية فاعلة تسعى الى تقاسم النفوذ
مع إسرائيل... اذا كان من مأخذ على السياسة الخارجية
لمصر في السنوات الاخيرة، فان هذا
المأخذ يتلخص بان القاهرة كانت في وضع
الرد على الهجمات التي تتعرض لها بدل
ان تكون مبادرة الى فرض اجندتها على
الآخرين. على سبيل المثال وليس الحصر،
كان الهدف من وراء استيلاء "حماس"
على قطاع غزة منتصف العام 2007، إقامة
"إمارة اسلامية" على حدود مصر،
على ان تدار هذه الإمارة من طهران وليس
من اي مكان آخر. وهذا ما دفع رئيس
السلطة الوطنية الفلسطينية السيد
محمود عبّاس (ابو مازن) الى الاعلان
صراحة خلال زيارة قام بها اخيرا
للقاهرة ان إيران هي التي تمنع "حماس"
من توقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية.
لو كان الوضع طبيعيا في مصر، هل كان ل"حماس"
ان ترفض توقيع وثيقة مصالحة مع "فتح"
لأن الوثيقة تلك صاغتها مصر ولأن
التوقيع يجب ان يكون في القاهرة وليس
في أي مكان آخر. على الذين يفرحون حاليا بما أصاب مصر ان
لا يبالغوا في الشماتة. يقول المثل
الفرنسي: يضحك طويلا من يضحك اخيرا.على
الشامتين بمصر ان يفكروا في ان هناك
دولا في المنطقة، بينها إيران تعاني من
مشاكل ضخمة، تبدو مشاكل مصر صغيرة لدى
مقارنتها بها. نعم، حصلت اخطاء في مصر.
نعم كان هناك ترهل على مستوى القيادة.
وكان هناك افتقاد لاي نوع من المبادرات.
كانت مصر في وضع المتلقي لا أكثر. كان
هناك فساد وكان هناك سوء توزيع للثروة.
وكان هناك نقص في التخطيط ونمو غير
طبيعي في عدد السكان. في القاهرة
نفسها، كان هناك ازدياد للمناطق
العشوائية التي انطلق منها المشاغبون
الذين ارتكبوا السرقات والاعتداءات
طوال يومي الثامن والعشرين والتاسع
والعشرين من كانون الثاني- يناير
الماضي... تبدو مصر الآن عند مفترق طرق. في حال
استطاعت تجاوز محنتها، سيتمكن العالم
العربي من تجاوز محنته ايضا. المهم ان
يؤمن الجيش المصري انتقالا طبيعيا
وآمنا للسلطة. متى تأمن ذلك، سيكون
هناك نظام ديموقراطي معقول الى حدّ ما
وحياة حزبية سليمة. سينعكس ذلك إيجابيا
على المنطقة ككل. الاهم من ذلك كله، ان
تعافي مصر سيعني تعافيا للدور العربي.
ستكون الدولة العربية الكبرى قادرة
على ان تقول لاسرائيل ان كفى تعني كفى
وان لا مجال لاستمرار الاحتلال الى ما
لا نهاية. وستكون قادرة على ان ترسم
لإيران حدودا لدورها، اكان ذلك في
الخليج او في العراق او في اليمن او في
لبنان... هل الرهان على مصر في مكانه؟ الارجح انه
كذلك، لا لشيء سوى لان ما يدور في
المنطقة ليس طبيعيا. صار الكبير
والصغير يتجرآن على مصر وعلى سياسة مصر.
صارت مصر مكسر عصا. صارت تخاف بدل ان
تُخيف. ولذلك، صارت استعادة مصر ضرورة
عربية. انها ضرورة للتوازن الاقليمي
الذي اختل بعد الاجتياح الاميركي
للعراق الذي امن انتصارا لإيران
ومكنها من اختراق الامن العربي عن طريق
العراق واستخدام الغرائز المذهبية.
اثبتت مصر في الماضي ان العرب من دونها
ليسوا شيئا وانهم في حاجة الى وزنها.
ولذلك، يبدو الانتقال الهادئ للسلطة
فيها، في حال حصوله، حدثا تاريخيا.
سيمهد ذلك لتغييرات في دول عدة تعاني
من انظمة فاسدة وديكتاتورية في الوقت
ذاته تتاجر بالقضية الفلسطينية وتحاضر
في الوطنية والعروبة. تلك أهمية مصر وتلك إهمية ما تشهده ارض
الكنانة هذه الايام. اذا اصطلحت اصطلح
الوضع العربي. واذا لم تصطلح، سيكون في
الامكان القول الف سلام على استقرار
الشرق الاوسط وعلى كل ما هو عربي فيه... ======================= محمد حسنين هيكل السفير 7-2-2011 الحقائق العشر: 1 شعب في طليعة شبابه الذي فتح أفق
المستقبل. 2 وجيش يملك ميزان القوة، وهو نفسه جيش
الشعب وابنه. 3 وأزمة حكم سقط، ولا يريد أن يرحل. وفي
سبيل البقاء، فهو يريد بغزيرة وحش جريح
أن يتمسك بموقفه، وأن ينتقم، ولا يبالي
في سبيل ذلك أن تحدث فتنة كبرى. 4 وفي وسط الأزمة زحام من ساسة بغير سياسة،
تحركهم أوهام قديمة أو أحلام مستجدة. 5 وهناك في خضم هذا الزحام صفوة من الرجال
والنساء لا يعرفون كيف يمكن أن يتحركوا
في الأزمة، وكثيرون منهم يتحركون بقوة
العاصفة لكن بدون بوصلة! 6 لا يوجد من يستطيع بثقة أن يقول إنه
يفهم، أو حتى يعرف ما هو المطلوب الآن،
فليست هناك جهة أو هيئة سياسية تحظى
بقدر من الشرعية أو المرجعية أو
المصداقية وأُولاها البرلمان المصنوع
أخيراً بمجلسيه بما يساعد هذه الجهة أو
الهيئة على الإسهام في صنع المستقبل. 7 وهناك عالم مهتم، ومن الصعب رد اهتمامه،
لأنه موجود بالواقع وسط الأزمة، وهو
يرى جيل الشباب ويستشعر إرادة الشعب،
ويرى سلامة الجيش ويلمس مسؤوليته،
ويرى أيضاً بجلاء أن هذا النظام لم يعد
يقدر على أن يتعامل مع العالم، ولا عاد
العالم قادراً على أن يتعامل معه،
فضلاً عن ذلك فهناك أمة من المحيط
للخليج تتابع وما زالت، وأيديها على
قلوبها داعية وراجية. 8 ومن سوء الحظ أن بعض عناصر هذا النظام
تجرب عزل ثورة الشعب عن العالم،
بمحاولة إضفاء طابع عليها، ينسب ما وقع
في مصر إلى عنصر أو تيار أو جماعة
معينة، وذلك خطأ وخطر، لكن بقايا
النظام تحاول جاهدة بمزيج من ضيق الأفق
ومخزون الخبث أن تدفع بهذا الانطباع
إلى الواجهة. كما أن بقايا النظام بالتوازي مع ذلك
تتصور المراوغة بالحيلة المعروفة في
الإلهاء السياسي، فتقطع بنفسها بعض
ذيولها (ثلاثة أو أربعة من الوزراء
السابقين، وثلاثة أو أربعة من الأنصار
القدامى)، وتلقي بهم على الطريق، لعل
مطارديها يتلهون بهم، وهذا خطأ في عالم
السياسة والأخلاق، مما قد يجوز في
العالم المظلم للجريمة وعصابات
المافيا، لكن عالم السياسة والأخلاق
يستدعي العدل قبل أن يفرض العقاب!! 9 وعنصر الوقت ليس مع أحد، لكنه ضد الكل،
من الأمن والاقتصاد إلى السياسة
والقرار، إلى الأمن القومي، إلى ضرورة
العودة إلى الأمة والعالم بعد أسبوعين
من الفوران حتى درجة الغليان!! 10 وعليه، فإن أصحاب الحل هذه اللحظة: شباب
وجماهير شعب يعرفون ما لا يريدون،
وأوله رحيل رجل واستقامة نظام، لكن
هؤلاء الذين يعرفون ما لا يريدون، لا
بد من أن تُتاح لهم الفرصة، كي يقرروا
ماذا يريدون، وهم يقفون في ذلك صفاً
موازياً وليس معارضاً، لجيش وطني
موجود بقيمته ومسؤوليته، وهو بفكرة
الدساتير بأسرها منذ ظهورها وكتابتها
حامي الشرعية الوطنية، وحامي الأمن
القومي. ولا بد بين الشعب والجيش الآن من لقاء. ولا يمكن لهذا اللقاء أن يتم إلا بضمانة
من الثقة، لا بد من أن تتوفر، كي يتنفس
الشعب بحرية، ويلتقط أنفاسه بهدوء،
ويتكلم بأمان، ويقدّر مسار خطاه بوعي
واقتدار. وهنا، قبل الوصول إلى الحلول السبعة،
تثور نقطة لا بد من أن تواجَه بأمانة
وجد واحترام للنفس وللعصر ولحقائق
الأشياء، وهي الكلام على إجراءات
دستورية لترتيب الانتقال. ذلك أن تطورات أحوال متلاحقة أصبحت تقتضي
تحولات سياسية كبرى في الفكر والعقل،
وليس صيغاً وعبارات تتزيا برداء
القانون، وذلك لأسباب بدهية، بداهة
طلوع الشمس وغروبها: } بينها، أن الدستور المعمول به الآن،
والذي جرى ترقيعه عدة مرات ليتسع لكل
ما عاشته مصر من تضليل طوال سنوات
بالعشرات، لم يعد يصلح قاعدة أو سنداً
لأي ترتيبات لبداية جديدة، فلا أحد
يستطيع تحويل الخرق البالية إلى ثوب
جديد، إلا إذا كنا نريد البحث عن نافذة
من سجن يهرب منها المستقبل خلال
الأسوار، لأن المستقبل لا يهرب من
نافذة سجن، وإنما ينطلق بإزاحة كل
الأسوار. } إن الشعب، وهو مصدر الشرعية، قال كلمته،
وأظهر إرادته، ووضع الأساس لشرعية
جديدة يمكن التعبير عنها بدستور جديد
يصدر عن جمعية تأسيسية منتخبة بعد فترة
انتقالية، تفتح الباب لعودة السياسة
إلى الوطن مرة أخرى، وتسمح لأجيال
جديدة من الشباب بأن تشارك في حوار
المستقبل الذي يقيمه ويحصِّنه الدستور
الجديد. ولقد كان الخطأ المتكرر في
تاريخنا باستمرار هو أن مشروعات
الدساتير كتبها قانونيون بطلب من
الحُكَّام، ثم جرى عرضها على الشعب،
وهذا استهتار بالسياق التاريخي في وضع
الدساتير، فالدستور يختلف عن القانون،
لأن الدستور عقد وطني سياسي واجتماعي،
يعبر عن مشيئة الأمة. أما القانون
فعملية تنظيم لاحتياجات الشعب وأمنه،
وعلاقات الجماعات والأفراد ببعضهم،
بما في ذلك خياراتهم في مجالات حياتهم
المتنوعة، وضمان مستقبلهم المشترك. } والقول بتعديل الدستور في عدة مواد ثار
حولها اللغط، والترتيب للمستقبل على
أساسها، أمر يتطلب مراجعة، لأنه ليس في
مقدور أحد أن يسد ثغرة ما جرى بأي عملية
«ترقيع». فرئيس الدولة
حامي ذلك الدستور انتهى سياسياً
وعملياً. والدستور نفسه
مهلهل. والمجلس المكلف
إعادة ترميم بعض مواده المتهالكه، هو
نفسه مجلس مزور. وأن يكون لهذا المجلس الذي يُراد فتح باب
الطعون في صحة عضوية من احتلوه
بالتزوير، وهم لسوء الحظ أغلبية فيه،
نوع من التلفيق بعد الترقيع وبعد
التزوير، وفي مطلق الأحوال، فكيف يمكن
أن يؤتمن على الدستور مجلس قام على
التزوير؟ وأقسم أعضاؤه اليمين على
باطل؟ وصفقوا جماعة لخطاب عرش تهاوت
قوائمه؟ } وربما يقول قائل وهو على حق ان المرحلة
الانتقالية نفسها لا بد من أن تكون لها
ضمانات دستورية، وهنا فإنه يمكن
للدستور الحالي أن يستمر حتى يحل بدله
دستور من إملاء الشعب، لكن بعد إخلاء
ما يكمن في مواده من أثقال على الحريات
العامة، والقيود تعوق العمل السياسي،
وعلى مطالب التفكير الحر والتعبير
النزيه، وبدلاً من «الترقيع» فإنه
يمكن بجانب ذلك إعلان مبادئ ركيزتها
إعلان حقوق الإنسان المؤكدة للحريات
العامة، وفيها حرية التفكير والتعبير
والتنظيم والكرامة المكفولة لكل
إنسان، وأن يكون ذلك في وجود «مجلس
قانون» مكوَّن من المحكمة الدستورية
العليا، والمحكمة الإدارية العليا
لمجلس الدولة، وبمشاركة مجلس «أمناء
على الوطن» يتم اختيارهم بعيداً عن ذلك
التسابق المهين لركوب الموج، وتلك
ظاهرة عرفتها وعانت منها كل الثورات في
التاريخ. } أقول بذلك وأنا أعرف وأقدر وأحترم فكرة
القانون، وأظنها وقد قلت مراراً
وتكراراً في كل الظروف أفضل ما أنتجه
الفكر الإنساني على طول العصور، فلولا
فكرة القانون لما استقر مجتمع، ولا
تقدم بشر، ولا تحرك زمان، لكن الدساتير
وهي القانون الأعلى في المجتمعات ليست
مسألة صياغة، وإنما هي مسألة إرادة،
وليست مسألة نصوص وإنما مسألة قيم،
وهنا فإن إرادة الشعب وقيمه هي الأصل،
وليس الصياغة والنص. ولنتذكر أنه بمنطق الصياغة والنص في
الدستور فإن كل الملايين التي خرجت
لتُسقط شرعية الحكم الشخصي، يعتبرون
بمواده متمردين وعصاة، يصح تأديبهم
أكثر مما تصح الاستجابة لطلباتهم. النص حق إذا كان
تعبيراً عن حقيقة وإرادة خالصة لشعب. والنص باطل إذا
جاء ليحقق شهوة في سلطة لا أحد يعرف من
أين وإلى أين! والنص عاجز إذا
كان مجرد كلمات وجمل ومواد يكتبها
المبتدئون أو الراسخون في فن الصياغات.
انتقل الآن إلى سبع خطوات إلى المستقبل (بعد
كل ما مضى مع عذاب الانتظار، وتكاليفه
المادية والمعنوية). 1 خروج الرئيس «حسني مبارك» من رئاسة
الدولة، وابتعاده عن الساحة، بدون
إضاعة فرصة أو مداورة، وتعلل بالفوضى،
وذلك حتى يرتفع ثقل وجوده عن المشهد
كله. فاستمرار هذا الوجود تعقيد لا
مبرر له، وتعطيل لما ينبغي بعده،
فالشعب كله حاضر، والكنيسة مضاءة،
والمسجد عامر، والشباب هناك، وأكثر من
ذلك فإن ذلك الرئيس لم يعد قادراً على
مواجهة طرف داخلي أو خارجي، ولا قادراً
على أن يقدم أوراق اعتماده لطرف عربي و
دولي يسمع له أو يقبل منه، كما أن القول
بالانتظار والصبر لم يبق له مجال يحتمل
الاستمرار، ولا داعي لهذا الوقوف، لأن
هذا الوضع: ستة شهور من القلق والشك
والتربص. 2 إعلان من القوات المسلحة مسؤوليتها
والتزامها حماية الشعب. 3 إعلان قيام «مجلس قانون» يمسك في يده
بالشرائع والقواعد، ومعه ما يصلح من
الدستور القائم، ومعه أيضاً ما هو
مقبول ومعمول به في دنيا النور
والحضارة. 4 إعلان قيام مجلس لأمناء الشعب بتمثيل
محقق للشباب. 5 إعلان فترة انتقالية كافية لحوار جاد لا
يضغط عليه دستور، تهاوت أسسه بتهاوي
شرعية من أصدروه. 6 تشكيل حكومة قوية تجمع بين الأفضل ممن
يمكن الوثوق بهم ممن يعرفون الحقائق،
إلى جانب من يمكن الاطمئنان إليهم ممن
يحملون نبض الأمل، فلا يمكن لصالح هذا
البلد (ولا هو وقع في كل الثورات من قبل)
أن يكون هناك حائط من الفولاذ بين ما
كان في وطن، وما ينبغي أن يكون فيه. 7 وأضيف هنا انني أحترم العسكريين الأربعة
الذين وضعتهم الأقدار الآن في موقع
القرار: «عمر سليمان» و«أحمد شفيق» و«محمد
حسين طنطاوي» و«سامي عنان». أحترمهم باعتبارهم من رجال هذا الجيش
الذي لم يعد هناك الآن بجانب أجيال
الشباب وقوى الشعب العارف والواثق
بنفسه قوة مؤثرة وفاعلة في المستقبل
غيره. وأحترمهم وأنا أعرف أن مسيرة التاريخ
المصري والمستقبل هذه الساعة في
أيديهم، وفيها حياة الشعب ودمه، وفيها
العصر ومستقبله. أقول ذلك وأنا رجل يدرك المحاذير، ويقدر
المسؤوليات، ويتفهم بقدر ما هو إنساني
مشاق الاختيار ومزالقه في هذا الظرف من
الزمان!! وتحت درع القوات المسلحة تستطيع جموع هذا
الوطن أن تهدأ، ويستطيع العقل أن يؤدي
دوره، ويستطيع الأمل أن يجد أفقه
بعيداً عن ضياع الساسة وتخبطهم، وصخب
الإعلام وألوانه وأضوائه. فلا بد من أن تُتاح للشعب فرصة أن يتكلم
ويُسمع ويُطاع. ولا بد من أن ينفتح الطريق للتاريخ. } أقول ذلك كرجل لا يملك غير فكره. ولا يطلب دوراً من أي نوع ودرجة، فهو
بالطبيعة قرب الغروب وعلى حافته. ولا يطلب أكثر من أن يطمئن على وطنه
ويستريح، قبل أن يغمض عينيه وينام. (ينشر بالتزامن مع «مصر اليوم» في القاهرة) ======================== تردُّد الجيش ينهي نظام
مصر ويهدِّد أميركا سركيس نعوم النهار 7-2-2011 لم تكن الولايات المتحدة، سواء في عهدي
"المحافظين الجدد" وباراك اوباما
مغرمة بالرئيس المصري حسني مبارك
وبسجل نظامه. وكانت لها في العهدين "كباشات"
مهمة معه وضغوط مباشرة عليه بغية
اقناعه بتوجيه نظامه نحو الديموقراطية
وإن تدريجاً تلافياً لمواجهته ونظامه
تطورات غير محسوبة كالتي تشهدها بلاده
منذ "25 يناير" الماضي يمكن ان تقلب
الاوضاع في مصر وتُهدِّد جدياً
المصالح الحيوية الاميركية في الشرق
الأوسط. لكن الولايات المتحدة لم تصل الى حد
التآمر على مبارك مع مؤيديه وحماة
نظامه وفي مقدمهم الجيش ربما لأنها لم
تكن تتوقع الانتفاضة الحالية أو
الثورة. وربما لأن مبارك كان "شريكاً"
مخلصاً لها ساهم في تنفيذ الكثير من
سياساتها في المنطقة كما ساعد في إحباط
المخططات المعادية لها. اما الآن وبعد
الذي تشهده مصر منذ نحو اسبوعين فإن
الولايات المتحدة بدأت تفيق من "الحلم
الاستقراري" داخل مصر الذي أقنعها
به مبارك. فغالبية الشعب تريد رحيله عن
السلطة وإسقاط نظامه. علماً ان النظام
وراعيه الاميركي يمكن ان يضحيا
بالرئيس بغية المحافظة على النظام
سلميّاً وإن بوجه جديد يُقنِع
الجماهير الغاضبة بحفظ الشراكة
الاستراتيجية المصرية – الاميركية
والسلام المصري – الاسرائيلي ويعزز
دور مصر في مكافحة "الارهاب"
الاسلامي الاصولي التكفيري، المؤمن
بالعنف وسيلة للتغيير. وهذا ما تحاول
اميركا القيام به بمساعدة الجيش بكبار
ضباطه. لكنها تبدو مترددة حيناً وعاجزة
حيناً وخائفة حيناً، وكل ذلك لا بد ان
ينعكس سلباً عليها وعلى نظام مصر
المتحالف معها. فالجماهير التي اقتصرت
مطالبها حتى الآن على الاصلاح ورحيل
مبارك ونظامه قد تبدأ قريباً طرح
شعارات جذرية مثل الغاء المعاهدة مع
اسرائيل واشهار العداء لاميركا واقامة
نظام اسلامي في مصر. والجيش الذي هو
ضمان النظام والذي بدا نموذجاً خلال
أسبوعين في الانضباط ومسايرة الشعب قد
لا يستمر على موقفه هذا، ولا أحد
يستطيع ان يؤكد انه لن يتحرك إما
لحسابه أو لحساب "بلاده" أو "دينه"
أو "أسلاميته" او جهات اقليمية
لها مصلحة في نقل مصر من معسكر اقليمي
– دولي الى آخر او في ايقاعها في
الفوضى والاقتتال جراء العجز عن ذلك. لكن ما تحاول اميركا ان تفعله لن ينجح الا
اذا حزمت أمرها مع الضامن لنظامها في
مصر أي الجيش، وإلا اذا تخلى الاخير عن
تردده وأقدم مباشرة على تبني التغيير
والاصلاح الذي تنادي به غالبية الشعب.
واذا لم يحصل ذلك فإن أحداً من كباره
كما من كبار النظام لن ينجو من مصير
أسود. كيف يرى الاميركيون المنطقة بما فيها مصر
في ضوء الانتفاضة المصرية المستمرة؟ يتحدث خبراء اميركيون عملوا طويلاً في
المنطقة العربية عن رؤيتهم للتطور
المرتقب في عدد من الدول العربية
المهمة والمؤثرة فيقولون ان ما يجري في
مصر لن يحصل في سوريا الأسد. ذلك ان "قاعدة"
حكمها الضيقة اساساً رغم غطاء "حزب
البعث" لها تعرف ماذا سيكون مصيرها
اذا خسرت السلطة. وتعرف انها ستواجه اي
تحدٍّ جدي لها بالاسلوب نفسه الذي
واجهت به تحدي الاخوان المسلمين في
أوائل الثمانينات من القرن الماضي. ويقولون ايضاً ان اسرائيل تراقب بدقة ما
يجري في مصر، وتأمل في ان ينجح مبارك أو
بالأحرى نظامه في البقاء. وما تقصده
بذلك المؤسسة العسكرية بقادتها الكبار.
وما يقلق اسرائيل هو حدود مصر مع قطاع
غزة الفلسطيني وما يمكن ان يجري عبرها.
طبعاً لا يعني ذلك انها على استعداد
للمغامرة لكن سقوط نظام مصر وسيطرة
الاسلاميين على السلطة قد يدفعها الى
"المغامرة". ويقولون ثالثاً ان المملكة الاردنية
الهاشمية منيعة جداً على الأقل حتى
انجاز تسوية بين العرب واسرائيل.
فجيشها "القبائلي" موالٍ للعرش.
واذا تطورت التظاهرات فيها الى ما هو
اكثر خطراً من ذلك فان "ايلول الأسود"
قد يتكرر سواء كان المستهدفون به
اردنيين أو فسلطينيين. ويقولون رابعاً، ان المملكة العربية
السعودية لا تزال آمنة حتى الآن.
فالعائلة الحاكمة ستوحد صفوفها عند
مواجهة أي تهديد جدي. وعندها ما يسمى
"الجيش الابيض" القوي الذي انشئ
اساساً لحمايتها. طبعاً تصبح المملكة
في خطر اذا سقط نظام مصر اذ تصبح ساعتها
بين خطر ايران الاسلامية الشيعية وخطر
مصر (اكبر دولة عربية) الاصولية السنية
المتشددة. علماً ان هناك خطراً آخر قد
تواجهه هو الصراع على السلطة. يقولون خامساً، انه اذا سقط نظام مصر
وسيطر "حزب الله" مباشرة او
مداورة على السلطة في لبنان فإن تدخلاً
اسرائيلياً قد يحصل. لكن في الوقت
الحاضر تكتفي اسرائيل بالمراقبة
لمعرفة ماذا ستفعل سوريا الاسد في
لبنان بعد عودتها "المظفرة" اليه.
فإذا "ضبطت" "الحزب" وأبقت
الهدوء جنوباً يمشي الحال. واذا لم
تفعل ذلك فإنها "ستتصرف". علماً
انها تعتقد ان لا مصلحة لسوريا الاسد
في ترك لبنان تحت سيادة "الحزب". في اختصار يقول الخبراء الاميركيون
انفسهم "العالم كله قلق مما يجري في
مصر وعليها وكذلك على المنطقة.
والمعنيون بها ينفضون الغبار عن
المخططات الموضوعة سابقاً ويضعون
مخططات جديدة. لكنهم يميلون الى
الاعتقاد ان مبارك ونظامه في مأزق.
فهما يعتقدان انهما سيربحان "المواجهة"
الحالية. لكنهما قد يكونان مخطئين. أما
اذا تنحى مبارك وبوشرت اصلاحات فإن مصر
ستتقدم وستبقى في موقعها الاقليمي –
الدولي كما سيتعزز دورها لأن الجيش هو
المؤسسة الأقوى في البلاد ولأنه ينوي
الاستمرار كذلك وإن قضى ذلك "بمرافقته"
مبارك الى خارج السلطة. ======================= شباب المحروسة يعيدون
للأمة ثقتها بنفسها ضياء الفاهوم الدستور 7-2-2011 لا يختلف اثنان على أن شباب مصر الذين
بدأوا مظاهرات عارمة منذ الخامس
والعشرين من الشهر الماضي قد ساهموا
مساهمات كبيرة في إعلاء شأن أمتهم أمام
العالم كله . ومن لا يرى ذلك فهو إما
منحاز ضد الحرية والديمقراطية
والعدالة الاجتماعية أو أنه ما زال
عالقا بما اعتراه من تشاؤم لم يعد له ما
يبرره بأي حال من الأحوال . في الأعوام الثلاثة الماضية التي نشرت
فيها العديد من المقالات في صحيفة
الدستور الغراء كنت من بين الكتاب
الذين رفعوا راية التفاؤل عن إيمان
صادق بأن أمتنا ستنتصر في النهاية
لجميع أهلها ولن ترضى بأي شكل من أشكال
الاحتلال أو الاستعمار لأية بقعة من
بقاعها وأن ديار العروبة والإسلام هي
ديار للعرب والمسلمين وليست ديار
غيرهم مهما طال زمان البغي ومساعدة
الظالم على الاستمرار في سرقة وطن
وحقوق المظلوم . العرب لا يريدون أن يظلموا أحدا ولكنهم
بلا أدنى شك يريدون أن يعيشوا كراما في
وطنهم العربي الكبير ويريدون أن
يساهموا بصدق في نشر الأمن والسلام في
ربوع العالم . ولقد تغاضى الغرب عن هذه الحقيقة فترة
طويلة من الزمان ساند فيها بكل ما أوتي
من قوة كيانا صهيونيا غاصبا في فلسطين
العربية الأبية على حساب شعب عربي عظيم
صبر وصابر طوال سنين عديدة وقدم
الشهداء تلو الشهداء في سبيل تحرير
بلاده من نير أعتى استعمار بلطجي شهده
التاريخ . وللأسف أنه ما يزال يتدخل في
الشؤون العربية وكأنه ليست هناك أمة
قادرة بعون ربها على الدفاع عن أراضيها
وحقوق أهلها ، رفع شباب مصر الراية ضد كل أشكال التدخل
في شؤون مصر وأمتها ، والدلائل تشير
إلى أنهم سيحققون مطالبهم العادلة
ويعيدون لشعب مصر ثرواته المنهوبة
ولوطنهم الغالي حريته وكرامته والعيش
الكريم لجميع أهله الذين ذاقوا مرارة
العيش الذي سببه لهم للأسف الشديد
متاجرون بكرامة الإنسان والثراء
الحرام على حساب الكادحين والمعوزين . مفكرو مصر ومثقفوها الكبار أعلنوا
تأييدهم لانتفاضة ملايين الشباب من
أبناء المحروسة التي عقد شبابها العزم
على تخليصها مما ابتليت به وهم فاعلون
ذلك بإذن رب العباد الذي حرم الظلم حتى
على نفسه والذي من أسمائه الحسنى
سبحانه وتعالى الحق . الحزب الذي كان حاكما في مصر انهار إلى
غير رجعة ولن تنطلي على شباب مصر تغيير
الأسماء والمسميات وأصبح الشعب المصري
كله مع شبابه ومع تضحياتهم الكبرى في
سبيل إعادة الروح الحقيقية للمحروسة
وأهلها الطيبين والعظماء في الوقت
نفسه . إنه جزاء من حاصر أهلنا الأبطال في غزة
هاشم مثله مثل الصهاينة وأكثر . لماذا
أكثر ؟ لأننا نتوقع من العدو الصهيوني
اللئيم كافة أشكال الضرر والأذى ولم
يخطر لنا يوما على بال بأن يقوم إخوة
أهل القطاع الأشم المحاصر بمحاصرته
بقسوة أكبر من قسوة أعداء الله
والحضارة والإنسانية الصهاينة رافضي
إعادة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين
والمتمردين على قرارات الشرعية
الدولية . إن الله العلي القدير يمهل ولا يهمل وقد
سمع سبحانه وتعالى دعاء المظلومين
المعتدى عليهم وألهم شباب أمنا
الحنونة مصر أن يهبوا انتصارا لليتامى
والثكالى وأبناء الشهداء والأسرى
والمرضى . إنه لا إله إلا هو سوف ينصر كل
من انتصر لشعب فلسطين العظيم كله ومن
أرسل لهم المستشفيات والأطباء والدواء
وقوافل الخير المتواصلة ومن تعهد
بمساندة نضالهم المتواصل من أجل تحقيق
أهدافهم النبيلة وفي مقدمتها تحرير
المسجد الأقصى المبارك وكافة المقدسات
المسيحية والإسلامية من عبث العابثين .
وهذا في يقيني هو أحد التغييرات المهمة
التي سيتأكد شباب مصر وأهلها الأحرار
من قيام حكومتهم المقبلة بها ، وفي
يقيني أيضا أنهم لن يدخروا وسعا في
سبيل تحقيق أعلى درجات التضامن العربي
الشامل حماية لبلاد العرب وتخليصها من
كل العابثين في شؤونها ومن ثم إقامة
الاتحاد العربي المنشود . والأهم من كل
شيء أن شباب مصر قد أعادوا للأمة
العربية ثقتها بنفسها وهي أمة كرمها
الله وليس من حق أحد من أهلها أن يخذلها
تحت أية ذريعة من الذرائع ، والله من
وراء القصد . ====================== بعض ارتدادات زلزال
الكارثة المالية المعولمة راكان المجالي الدستور 7-2-2011 كنا نقول منذ حوالي اربع سنوات بأن كارثة
ارتفاع الاسعار وخاصة المواد الغذائية
عالميا في العام 2007 سوف تحدث زلزالاً
مروعاً يزلزل كل بلدان العالم ، وفي
نهاية نفس العام 2007 كان "تسونامي"
كارثة الانهيار المالي العالمي
زلزالاً أشد هولاً له تداعياته التي
قلنا انها ستشمل الجميع وستمتد زمناً
طويلاً ، وهكذا فان ما يشهده الوطن
العربي من أوضاع متفجرة اليوم ، كانت
بداياتها الثورة العاتية في تونس
والاشد اثراً وتأثيراً في مصر وما
يتفاعل في كل الشوارع العربية ، هو
بالتأكيد في جوانب منه جزء من تداعيات
الكارثتين العالميتين التي أشرنا لها
، حيث سلطت الكارثتان الاضواء على
الفساد والانحرافات والاستغلال
وانكشاف نموذج التبعية والفساد
والاستبداد والسلطات التي نهبت مقدرات
شعوبها وحولت أوطانها الى اسواق
للعصابات والسمسرة عبر تطبيق وتنفيذ
متطلبات العولمة بلا تبصر. لقد اهتزت اوروبا في العام الماضي ، فكانت
الازمة اليونانية والايرلندية مقدمات
لازمة شاملة في كل اقطار اوروبا ، لكن
ما شهدته وتشهده منطقتنا هو اخطر لأنه
يقذف في مجتمعاتنا الغاضبة نحو
المجهول لأننا لا نملك نهج
الديمقراطية الاوروبية والاستقرار
الحقيقي الاجتماعي والاقتصادي ، وهو
ما يجعل تأثيرات الازمة علينا حاداً
وقوياً الا ان تفاعلات الكارثة لا زالت
في بداياتها ، وهي قد تشكل خطرا ماحقاً
على المجتمعات الضعيفة المأزومة أصلاً
، كما هي البدايات عندنا والتي تتعدى
تونس ومصر لتهدد غالبية بلدان المنطقة. وهنالك اجماع اليوم على ان معالجة الازمة
يتوقف على القدرة على المراجعة ،
والكفاءة في احداث التغيير على قاعدة
الاقرار بأن "سلطة السوق" هي التي
قادت الى كل هذا الخراب ، وان لا بديل
عن استعادة "سلطة الدولة" حيث
بادرت الحكومة الامريكية والحكومات
الاوروبية الى انتزاع زمام المبادرة
في دعم السوق وتوجيهه ، كما ان هنالك
اجماعا اليوم على ان لا بديل عن العودة
الى الاقتصاد المنتج بدل المضاربات
والسمسرة والقروض المغرية ، وغير ذلك. ويقول الكاتب الصحفي المشهور توماس
فريدمان: "علينا معاودة العمل
الانتاجي والتعويل على الهندسة
الانتاجية الحقيقية لا الاكتفاء
بالهندسة المالية". وعلى هامش ما ذكرنا فقد لاحظ كل المراقبين
ان الصين كانت وستظل اقل المتأثرين
بالازمة المالية العالمية الراهنة وهي
محصنة اكثر من غيرها باعتمادها على
اقتضاء منتج وتمسكها بالدور القيادي
والخلاق والفعال للدولة في ادارة
الاقتصاد وتطويره كما يصف ذلك الرئيس
الصيني "وين جياباو" الذي يضيف
قائلا انه لا بد من التوازن بين اليد
الخفية للسوق واليد الظاهرة للحكومة. ما يعينيا هو الامل بان تستعيد الدولة
دورها في قيادة المجتمع وان يستكمل
مشروع بناء الدولة القطرية العربية
الفاعلة وفق اطر ديمقراطية سليمة
واقتصاد منتج. وفي مواجهة اللحظة التاريخية الدقيقة
والخطيرة والحرجة فانه لا بد من تجاوز
المرحلة السابقة التي قامت على شعارات
خادعة باسم الاصلاح والتحديث وما
استشرى من فساد ما تولد من مآسْ في كل
البلاد العربية. وبلا استثناء ، بيع معظم مقدرات الدولة
وأدواتها ، الصانعة لهيبتها في نفوس
الناس ، إلى ما يسمى "القطاع الخاص"
، سواء كان محلياً أو خارجياً. وهو أمرّ
يتم تسويقه بحجة "كفاءة" القطاع
الخاص ومرونته وقدرته على رفع وتيرة
التنمية ، مقابل "ترهّل" أجهزة
الدولة ومؤسساتها ، وعدم فعاليتها
وانعدام كفاءتها. وهو كلام ، وإن كان
فيه بعض من الحقيقة ، إلا أنه كفكرة لا
يمت إلى ما يجري بصلة ، سواء على مستوى
التفاصيل والإجراءات أو الدوافع. فالدولة ، الموسومة الآن بكل "الرذائل
والموبقات" ، هي من أنجزت ، حين كانت
تسيطر على قطاعات الصحة والتعليم
والاقتصاد ، عملية التحديث الأساسي في
المجتمعات العربية. فبفضلها ، وصل
التعليم إلى الأرياف والمدن والبوادي
وانتشر ، وصار مجانياً. وبفضلها ،
انتشرت المؤسسات الصحية وانقذت حياة
الملايين من المعدمين المصابين
بالأوبئة والامراض. وبفضلها ، وصلت
المياه والكهرباء وشبكات الصرف الصحي
إلى الأرياف والقرى والتجمعات السكنية
البعيدة. وبفضل الدولة وحدها ، توسعت قاعدة
الطبقات الوسطى في مجتمعاتنا. وبفضلها
، تم تشغيل آلاف وملايين الموظفين
والعمال في إدارات الدولة ومؤسساتها
وشركاتها. بالنهب المنظّم ، جرى هدر الدور الأساسي
للدولة في بلادنا ومجتمعاتنا. وبإقالة
الدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي
، في حياة الناس ، وحصر أدواتها ودورها
في الجيش والمحاكم والشرطة ، يُطلب
منها حفظ الأمن الاجتماعي والسيادة..،، لم يخطئ المفكر العربي "عبد الإله
بلقزيز" ، حين أكّد أن أول الدروس
الاستراتيجية المعاصرة هو: "ان جوهر
الأمن القومي (والوطني) لأي مجتمع
ولأية أمة ليس الأمن العسكري ، حصراً ،
وإنما الأمن الاقتصادي والغذائي". فالسقوط تحت رحمة وجحيم الديون
والإملاءات والإذعان ، لا يتم إلا حين
يعجز المجتمع عن تحقيق أمنه الاقتصادي
والغذائي. فالدولة لا تحمي سيادتها
واستقلالها وإراداتها بالجيوش فحسب ،
بل بقدراتها الاقتصادية ، وتماسكها
الاجتماعي والسياسي من الداخل. وعليه ، فإن أي "مجتمع ودولة" تعجز عن
إشباع حاجات المواطنين ، وتأمين
مستقبل الأبناء ، وتأمين الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية ، فإن الدولة
لن يكون في وسعها النهوض بواجب حفظ أمن
المجتمع إلا بشلالات دم وقوافل
معتقلين. ولن ينجح أي "إعلام" ،
مهما بدا مقنعاً أو تابعاً ، في أن يكون
بديلاً لحاجات الناس ومتطلباتهم. لم
تعد المفاهيم والمصطلحات ، التي
يتداولها الكتّاب والسياسيون
والصحافيون ، تصلح لتفسير "وتفهيم"
الناس أسباب ما يجري في حياتهم اليومية.
فلا ارتفاع أسعار النفط ، ولا موجات
الغلاء العالمية ، ولا انخفاض أسعار
الدولار ، كافية لجعل الناس يقبلون
ويتفهمون ما يسري بينهم من إشاعات حول
مقدرات مجتمعهم ، التي يرونها تتسرب من
بين أيديهم ، وهم ينظرون. وهيبة الدولة
وسلطانها ، التي استقرت في نفوسهم ،
على مدى سنوات طويلة ، تقوم الحكومات ،
وبتسارع عجيب ، في نزع جذورها من
وجدانهم وعقولهم. ======================= الديمقراطية والتغيير 'بشرط
السكين'! محمد صادق الحسيني 2011-02-06 القدس العربي قبل انتفاضتي
تونس ومصر كنا نقدم تحليلا وقراءة
للقارئ الكريم - ونحن على ثقة من ذلك -
باننا نقترب من 'شرق اوسط' من دون
اسرائيل! اما وقد استعادت مصر عافيتها ونفضت عنها
غبار الزمن الرديء وتقترب من تحرير
روحها وجسدها من عار كامب ديفيد فاننا
نستطيع ان نقول وبثقة عالية باننا
نقترب من شطب هذا العار 'الجيو سياسي'
المسمى بالشرق الاوسط والذي الصقته
بريطانيا بخريطة بلادنا، ونتجه بكل
فخر واعتزاز لنسمي الاشياء باسمائها:
الوطن العربي وايران وتركيا ومعه سائر
امم الشرق اي مثلث القوة لهذه الامة
كما تحدث عنه المفكر المصري الراحل
جمال حمدان ما يعني آليا انتفاء وجود
الكيان الصهيوني قطعا! تقول النيويورك تايمز تعليقا على احداث
مصر: 'ان اسرائيل ترتعد من المظاهرات
التي تحيط بالنظام المصري من كل جانب'! ويقول موشي ارينز منتقدا سادته في واشنطن
حول حديثهم عن التحول الديمقراطي في
بلادنا: ان الولايات المتحدة
الامريكية تخطئ خطأ استراتيجيا عندما
تتحدث عن الديمقراطية في منطقة فيها
ايران وحزب الله والاخوان المسلمون
وحماس'! وبينما يمضي الشعب المصري على طريق ثورته
الشعبية المستقلة الصميمة ترتفع عقيرة
الكثيرين في العالم الغربي وبعض من
بطاناته او خلاياه التائهة في بلادنا
منددين بمسير ومسار هذه الثورة مرة
باتهامها بان لها اجندة خارجية ومرة
بانها من صناعة الاخوان المسلمين ومرة
بانها تابعة او عميلة لايران ومرة
بانها ستقع في قبضة التشيع او ولاية
الفقيه ودائما بانها قد تكشف عن وجهها
الديني الحقيقي الذي تخفيه الآن
تكتيكا! لقد نسي هؤلاء جميعا بان بلادنا هذه التي
يتحدثون عنها مثلهم مثل السياح الاجانب الذين يزورونها لاول مرة - هذا ان
احسنا الظن ببعضهم - انما هي مهد
الرسالات السماوية ومهد الحضارات
البشرية الكبرى وان جل ما يمتلكونه من 'مدنية'
يفخرون بها او يتفاخرون انما صدرت
اليهم من هذا الشرق المتدين وانه هو
صاحب تلك الاخلاق الرفيعة العالية
والثقافات السامية. والسؤال الكبير الذي يجب ان تتم مساءلتهم
حوله هو : اذا كانت الديمقراطية هذه
التي تتغنون بها والتغيير الذي
تتشدقون به من بنات افكاركم العظيمة او
منجزاتكم التي تفاخرون العالم بها
فلماذا اذن ترتعدون منها كلما لاح في
الافق احتمال ان تؤدي تلك الديمقراطية
او ذلك الانتقال السلس والسلمي للسلطة
الى صعود الاسلاميين او المتدينين باي
شكل من اشكالهم اليها؟! الا يعني هذا بانكم تريدون الديمقراطية
والتغيير في بلادنا 'بشرط السكين'؟ كما
يقول المثل الشهير حول من يريد شراء
البطيخ! بمعنى آخر بان كل ممارسة ديمقراطية
تريدون منحنا اياها لابد بان تأتي بالعلمانيين او التابعين لنمط حياتكم
الغربية الى سدة السلطة والا فهي
ممنوعة علينا وان تم انتزاعها من قبلنا
فان انتخاباتنا ستكون عندئذ مزورة
وغير نزيهة حتما!! اليس هذا هو ما يقوله الصهيوني موشي ارينز
وتؤكده تقارير الغربيين وممارساتهم مع
حكامنا سواء اولئك الحلفاء لكم او
المعادين لسياساتكم؟! ثم لماذا هو من حقكم 'الطبيعي' التدخل في
الصغيرة والكبيرة عندنا واحيانا الى
درجة وضع 'خريطة طريق' تمديد عمر هذا
الحاكم او ذاك او منع شعبه من ازاحته عن
السلطة الا في الوقت والظروف
والسياقات التي تحددونها انتم وفقط
بعد وضع المواصفات للبديل الذي
يوائمكم؟! في حين تمنعون على اهل البلاد الواحدة
والامة الواحدة والدين الواحد
والحضارة الواحدة والثقافة الواحدة بل
واحيانا الشعب الواحد من ابداء الرأي
في هذا وتقيمون الدنيا ولا تقعدونها
عليه مرة بحجة التدخل في شؤون الآخرين
ومرة بذريعة تصدير نموذجه الخاص
ودائما بشعارات الكذب والخداع
والتهويل بما هو آت اليهم، من نمط
اجندة الاخوان المسلمين او اجندة حزب
الله او اجندة الحرس الثوري الايراني
او اجندة ولاية الفقيه مثلا؟! اليس هذا جزءا اساسيا ومهم مما يعرقل حركة
التطور السلمي والديمقراطي للثورتين
التونسية والمصرية وتاليا الثورة
العربية الكبرى حتى الآن ويمنعها من
الوصول الى نهاياتها الحتمية ؟! ثم بالله عليكم اليس هذا اهانة واضحة
وموصوفة لشعوبنا عندما تتهمونها بانها
غير راشدة وغير واعية كلما ارادت
التواصل مع سائر اجزاء امتها الواحدة،
بينما هو حلال وطبيعي عليها ان تستهدي
بنماذجكم المنخورة والتي باتت وصمة
عار في جبين التاريخ الانساني! ماذا
يوجد عند ايران اصلا لتصدره للعرب غير
ما هو منهم اصلا كمسلمين او شرقيين؟! او ماذا يوجد اصلا لدى حزب الله او حماس او
الاخوان المسلمين من اجندات خاصة وهم
اهل البلاد الاصليين حتى تعيبوا عليهم
فيه فيما انتم تأتون الينا من وراء
البحار حاملين معكم اجنداتكم الخاصة
قطعا والتي يعرفها الصغير والكبير
لدينا لعل اهمها وابلغها خطرا تغليب
امن الصهاينة على امن اهلنا ونهب
مقدراتنا من نفط وغاز وماء وغذاء ليصل
اليكم واليهم بسلاسة و'ببلاش' فيما يتم
استئصال اقتصادياتنا تجويعا وافقارا
ومزيدا من التبعية لمشاريع انقاذ
اقتصادياتكم الكبرى المتعددة الجنسية
ّ؟! في مثل هذه الايام قبل اثنين وثلاثين عاما
اذا كنتم تتذكرون كان الغرب هذا نفسه
يخيف الايرانيين مما كان يسميه مرة
بالرجعية السوداء في اشارة الى عمائم
علماء الدين الذين كانوا يقودون
الثورة الشعبية الاسلامية الايرانية
المستقلة، وعندما كانوا يفشلون في ذلك
كانوا يخيفونهم بما كانوا يسمونه
وقتها بالرجعية الحمراء في اشارة
مزدوجة لترويع الناس من الشيوعية مرة
ومن الاتحاد السوفييتي السابق مرة
اخرى في اشارة كان القصد منها ايضا
وايضا اتهام الثورة والثوار بالارتباط
بالخارج كما يحاولون اليوم مع ثورة مصر
الكبرى ايضا!! انها اساليب الطاغية والطغاة البلهاء
نفسها عندما تفرغ جعبتهم من كل شيء
ويجدون انفسهم وحيدين امام الجماعة
والامة فيتذكرون كيف اتى بهم الخارج
الى سدة الحكم في غفلة من الزمن وكيف
يريد ان يستبدل بهم عميلا بعميل. ======================== من تونس الى مصر والبقية
تأتي: الشعب مصدر السلطات والثورة
الشعبية مصدر الشرعية د. أنيس مصطفى القاسم 2011-02-06 القدس العربي عادت الروح بكم
يا شبابنا في تونس وفي مصر. فما أحلى
الرجوعَ بكم اليكم. لقد دخلتم تاريخ
هذه الامة من أوسع أبوابه بأنكم كنتم
أول من ثار على الاستعمار الداخلي،
ويقيني أنكم ستنتصرون. إن لشعبنا
العربي تاريخا مجيدا في الثورة على
الاستعمار الاجنبي والانتصار عليه.
أما الثورة على الاستعمار الداخلي
فانتم أول من أشعلها في ثورتين
متقاربتين زمنيا، وملتحمتين في
التوجهات، وكأنهما على موعد. وهذا
التقارب الزمني سيكون دافعا للوصول
بالثورتين الى أهدافهما، وكل واحدة
منهما تساند الآخرى، وتستفيد من
ابتداعاتها الخلاقة في هذا المضمار
الذي لا تجربة فيه للشعب العربي، وهكذا
تصبح هذه التجربة الشبابية العربية
الدليل الثوري لشبابنا في أقطار اخرى،
بل ولشباب العالم كله، حين تحين لحظة
التغيير. وأهم قاعدة في هذا الدليل
الثوري هي الانتصار على حاجز الخوف،
وأن في قدرة الشباب العربي التصدي له
والتغلب عليه، وفي قدرته أن يُحدثَ
التغيير. لقد اكتشفتم الطريق الى ذلك
وهو قوة الشعب، قوة الجماهير الواعية،
عندما تتحرك وراء هدف محدد تستوعبه
وتؤمن به هذه الجماهير، لم تعد تخيفهم
الوحوش التي تربيها وزارات الداخلية
في وطننا العربي وغيره، وتعلمت كيف
تواجهها وتدحرها الى جحورها. وبهاتين الثورتين أكد الشباب على قاعدة
كانت غائبة عن دائرة الفعل والتأثير،
هذه القاعدة هي أن الشعب تولى الفعل
بنفسه وقضى على فكر عشش طويلا في
اذهاننا، وهو الاعتماد على السلطة في
أن تتحرك، هي المسؤولة وهي المقصرة،
وننسى أن الشعب نفسه قادر على الفعل
وأنه هو المسؤول الاول عن نفسه. وعندما
تنبه الشباب الى أن الشعب هو مصدر
السلطات تنبه أيضا لمسؤولية الشعب عن
الفعل، ونَفَّذ. لقد انسحبت قوات الأمن
فتنادى الشباب وشكلوا لجان الامن في كل
شارع لحماية الناس والممتلكات العامة
والخاصة، واذا بالشعب يدرك مسؤوليته
عن حماية تاريخ الوطن من المؤامرات
عليه، فيطوق الشباب المتحف المصري
ويحولون دون نهبه، كما نهب متحف بغداد
في غفلة من الوعي لما يجري. وعندما
امتنع الامن قام الشباب، مسلمين
ومسيحيين، بحراسة دور العبادة، من
مساجد وكنائس، وقام الشباب بالاشراف
على تنظيم حركة المرور، بل وكنس
الميدان والشوارع وتنظيفها. هذه أمور
كنا نتصور أنها من مسؤولية السلطات قبل
أن يتنبه الشباب الى نقطة مهمة جدا،
وهي أن هذه كلها أمورا تهمنا وهي في
الاساس مسؤوليتنا. لقد تصور كثيرون أن هذا اليوم لن يأتي،
وأن تفاهات العصر الامريكي، التي ملأت
الكثير من فضائيات ناطقة بالعربية قد
شغلت هؤلاء الشباب عن قضايا أمتهم
ووطنهم ومصيرهم. كثيرون ظنوا أن ذلك
اليوم لن يأتي. وفجأة تشتعل النار،
حقيقة ومجازا، واذا بشباب هذه الامة في
تونس يخرجون على عالم لم يصدق ما سمع
ورأى، ولكنه تجاهل أن هؤلاء الشباب
نشأوا وترعرعوا وهم يغنون لشاعرهم
الفذ ابو القاسم الشابي منشدين: 'اذا
الشعب يوما اراد الحياة *** فلا بد أن
يستجيب القدر'. 'ولابد لليل أن ينجلي ***
ولا بد للقيد أن ينكسر'. أبو القاسم
رحمه الله، توفي عام 1934 ولما يكمل
الخامسة والعشرين من عمره، ولكنه كان
صاحب روح شفافة هدته الى المفتاح
الأكيد لتحرر الشعوب وتقدمها، هذا
المفتاح هو 'الارادة'. وعندما يكتشف
الشعب هذه الارادة التي سماها أبو
القاسم 'ارادة الحياة'، فإن هذه
الارادة لا بد وأن تنتصر اذا مارسها
الشعب وفَضل صعود الجبال على البقاء
أبد الدهر بين الحفر، كما قال أبو
القاسم. وهذه هي عظمة تحرككم. لقد فرضتم يا شباب تونس ومصر على العالم
صورة أخرى للانسان العربي غير تلك التي
أشاعها أعداء ومغرضون، وأنظمة يسيطر
عليها الجهل والفساد وانتهاك الحقوق،
أو حركات جاهلة تنسب نفسها للاسلام،
ولا تنجح الا في جلب الكراهية له ونشر
البلبلة في أوساط الشباب الذين تربوا
على اسلام انساني مستنير متسامح وسمح،
يحترم خيارات الاخرين لأنفسهم، والله
وحده، وليسوا هم، هو صاحب القرار. ومن
أروع ما حصل في ميدان التحرير في
القاهرة أن أحد المشاركين حمل يافطة
كتب عليها 'الاسلام هو الحل'، فانزلها
الشباب، ولم تنتج عن ذلك مشكلة. هذا
شعار مضلل ومبتز بسبب غموضه من جهة،
وشموليته من جهة ثانية، وادعاء رافعيه
أنهم هم وحدهم المسلمون حقا والفاهمون
له حصرا من جهة ثالثة، ومُفرِّقٌ
لأبناء الوطن الواحد من جهة رابعة،
وليس في تاريخ الاسلام كله من رفعه،
سوى مُحدَثينَ يضللون البسطاء بشعار
جذاب من أجل الوصول الى السلطة. كما أن
من أكبر الادلة على التآلف في الوطن أن
المسيحيين وقفوا حرسا من البلطجية
الذين كانوا يهاجمون المتظاهرين في
ميدان التحرير أثناء أداء اخوانهم
المسلمين لصلاة الجمعة يوم جمعة الغضب. لقد نصت دساتير معظم الدول العربية، التي
لديها دساتير، على أن 'الشعب مصدر
السلطات وانه يمارسها على الوجه
المبين في الدستور'. الشعب اذن هو
السيد، وليس الرئيس أو وزارة الداخلية
وزبانيتها. جميع اجهزة الدولة بما فيها
الرئيس والمجالس النيابية تتصرف نيابة
عن الشعب وبموجب الوكالة التي منحها
الشعب لها. وفي هذا لا فرق بين النظم
الدستورية الحديثة والشريعة
الاسلامية. فالبيعة في الشريعة
الاسلامية هي وكالة ايضا، وقد عبر عنها
أبوبكر وعمر أدق تعبير، عندما خطبا في
الجماهير بعد المبايعة. قال كل منهما: 'اطيعوني
ما أطعت الله ورسوله، فاذا خالفتهما
فلا طاعة لي عليكم'. معنى هذا بلغة
العصر أن طاعة الحاكم واجبة فقط ما دام
ملتزما بسيادة القانون، وفي المقدمة
الدستور الذي هو القانون الاعلى، فاذا
خرج عليه فلا طاعة له. والبيعة
والدستور والقانون وما يلتزم به
الخليفة أو الرئيس أو القائد أمام
الشعب للحصول على تأييده ملزم لهؤلاء
لأنهم يكونون قد وصلوا الى السلطة
بالارادة الشعبية القابلة لما عرض
عليها. هذا هو العقد بينهما. فاذا خالف
أحدهم هذه الارادة الشعبية فإنه يكون
قد أخل بهذا العقد ويكون من حق الشعب أن
يعزله، وليس له أن يبقى في السلطة
تغليبا لارادته على ارادة الشعب. الثورة الشعبية تعبر عن ارادة الشعب،
الذي تنبثق منه جميع السلطات في
الدولة، من تشريعية وتنفيذية وقضائية.
ومعنى هذه الثورة أن الشعب غير راضٍ عن
الحاضر وأنه لا بد من التغيير. وشعبانا
في تونس ومصر عبرا عن عدم رضاهما، وعن
الحاجة للتغيير بطريقة حضارية متميزة،
وهذا من حقهما ويجب أن تنفذ ارادتهما
التزاما بهذا المبدأ الدستوري والشرعي.
هناك من يدعي أن المتظاهرين ضد النظام
يمثلون أقلية وهناك أغلبية قررت
البقاء في المنازل، وهذه الاغلبية، في
رأي هؤلاء، تعتبر مؤيدة للنظام أو على
الأقل لم تعبر عن رأيها، ولذا فإن
المتظاهرين لا يمثلون سوى ارادتهم هم،
وليس ارادة الشعب، هكذا يقولون. هذه
مغالطة مرفوضة، فأولا في الانتخابات
النظامية لا يحسب للقاعدين في بيوتهم
حساب، وانما الحساب للمشاركين فقط.
ولذا، وفي الوضع المصري، فإن المقارنة
تكون بين من خرجوا محتجين ومعارضين
للنظام، ومن خرجوا مؤيدين له، حتى وإن
كانوا من البلطجية الذين اشتراهم
أعضاء من الحزب الوطني أو كانوا من
رجال الامن المركزي. وواضح جدا من
متابعة الفضائيات الرسمية وغيرها، أنه
لا مقارنة بين الاثنين: المعارضون
لبقاء النظام هم بالملايين، في حين أن
وسائل الاعلام الرسمية عجزت عن عرض
مظاهرات أو اعتصامات أو تحركات تأييد
ذات بال. واذن فالرأي الغالب شعبيا
يكون هو المُطالِبُ برحيل النظام. هذا
أولا، وثانيا فإن الرئيس المصري
الحالي لم ينتخبه سوى 23 في المئة من
الناخبين، على أحسن تقدير. فاذا طبقنا
منطق المعترضين فإن 77 في المئة، الذين
لم يصوتوا وبقوا في بيوتهم يعتبرون ضد
انتخاب الرئيس، فيكون بذلك رئيسا غير
شرعي من الاساس. واذن فإن المظاهرات في الحالتين التونسية
والمصرية اسقطتا النظام بمطالبتهما
برحيله، وهذا هو المنطق القانوني
للثورات، وبسقوطه يسقط كل ما تنادي
الثورة بسقوطه. وفي الحالتين فقد طالب
الثائرون بسقوط النظام بأكمله، واقامة
نظام جديد. وطبيعي أن يشمل السقوط رئيس
النظام، خاصة اذا تبين أن الرئيس هو
المسيطر فيه، وأن يشمل كذلك المجالس
التشريعية التي كانت في القطرين
العربيين تزويرا سافرا للارادة
الشعبية. الارادة الشعبية التي أعلنت عن نفسها
بثورتها على النظام القائم، هي التي
تحدد النظام الجديد باعلان القطيعة
بينها وبين النظام الذي ثارت عليه،
تأسيسا على أن الشعب هو مصدر السلطات
وأنه صاحب السيادة. والقطيعة تعني
اعلان الارادة الشعبية بالتخلي عن ذلك
النظام، وبالتالي التخلي عن الإجراءات
التي حددها النظام الذي ثارت عليه هذه
الارادة. والسبب في ذلك بسيط، وهو أنها
كانت ملتزمة بهذه الاجراءات وقابلة
لها قبل الثورة على الأصل، وهو النظام،
لأنها كانت حينئذ معبرة عن ارادتها،
غير أنها عندما تثور معلنة عن ارادة في
التغيير، فانها لا يمكن أن تبقى مقيدة
بما ثارت عليه، وأن تضع تنفيذ ارادة
التغيير هذه رهينة لدى من أعلنت ثورتها
عليه. هذا منطق لا يستقيم لأنه يحرم
الشعب من حقه في ممارسة ارادة التغيير.
إن الذين يقولون بأنه لا يجوز تعديل
الدستور مثلا الا بناء على طلب رئيس
منتخب، يغيب عنهم أن هذا صحيح في
الظروف العادية، اذا كان النص
الدستوري كذلك، لأن الرئيس يكون في تلك
الظروف يتمتع بالشرعية بناء على
الارادة الشعبية التي جاءت به أصلا.
أما عندما تتحرك الارادة الشعبية في
الاتجاه المضاد وتسقط النظام كله فإن
الرئيس يسقط مع سقوط النظام، والا بقي
متحكما في ما يجوز للارادة الشعبية أن
تحققه في ثورتها وما لا يجوز، ويصبح في
استطاعة رئيس مخلوع أن يتحكم في ارادة
الشعب. هذه نتيجة مرفوضة أصلا. ولذا فقد
درجت الثورات على اختيار رجالها أو
رجال تثق فيهم لتنفيذ برامجها تحت
اشرافها، وممارسة سلطة الحكم باسمها،
وهي سلطة تستمد شرعيتها من شرعية
الثورة التي جاءت بها. ومن أغرب الامور ما طالب به البعض من أن
يعرض على الرئيس الاعتراف بشرعية
الثورة. هذا الطلب الغريب هو نقيض منطق
الثورة ومنطق أن الشعب، وليس الرئيس،
هو مصدر السلطات. الشعب هو من له
السيادة وهو الذي يختار الرئيس. فكيف
يُطلَبُ من الوكيل التابع الاعترافُ
بشرعية الأصيل؟ إن الثورتين الشعبيتين في تونس وفي مصر
تعتبران خطا فاصلا في تاريخ أمتنا
العربية، ليس فقط لأنهما تعبران عن
نقلة نوعية في الوعي الشبابي العربي،
وانما أيضا لما كرستاه من قيم في ثورات
الشعوب في مواجهة الاستعمار الداخلي.
وقد ابرزت هاتان الثورتان ظاهرة كانت
غائبة عن الادراك المباشر، وهي وعي
الشعوب العربية بقدرتها على التغيير
الجذري عند الحاجة، بصفتها مسؤولة عنه
وأنه حق لها. كما أنهما قد ابرزا، كما
نتمنى، وعيا لدى القادة والملوك
والرؤساء أنهم لا يملكون ممارسة
الاستبداد والطغيان وانتهاك الحقوق،
حيث أن هناك شعوبا أثبتت أنها واعية
لمقدرتها على تصحيح الاوضاع جذريا،
وأنها مسؤولة عن عملية التصحيح هذه
مهما كان مداها. انهما ثورتان حضاريتان
ستظل الامة العربية تؤرخ بهما على
أنهما نقطة تحرر الارادة العربية،
وأنهما نقطة بداية لتاريخ جديد. ======================= الثورات الملوّنة في
الشرق الأوسط الإثنين, 07 فبراير 2011 جاك غولدستون * الحياة تولّد الأحداث التي تشهدها تونس ومصر
قدراً كبيراً من الارتياب، لكن ينبغي
أن تلقى ترحيباً يحاكي ذاك الذي حصلت
عليه الثورات الملوّنة الأخرى في
العقود المنصرمة الأخيرة. وتقسم الثورات تاريخيّاً إلى نوعين، يقوم
أوّلهما على الثورات الجذرية وثانيهما
على الثورات الملوّنة الأحدث عهداً. وتعمد الثورات الجذرية إلى تعبئة
الفلاحين والعمّال الأمّيين، وتحضهم
على كره الطبقيّة وخصوصاً النخبة التي
تحظى بامتيازات. وينشر هذا النوع من
الثورات إيديولوجية التغيير
الاجتماعي الجذري، بهدف إسقاط النظام
الاجتماعي والتخلّص من الفئة
المتميّزة. وهذا ما قام عليه النمط
الطاغي على الثورة الفرنسية والثورة
الروسية والثورة الصينية الشيوعية
والثورة الكوبية والثورة الإيرانية.
أمّا الثورات الملوّنة الجديدة،
فتعمد،على نقيض سابقتها، إلى تعبئة
العمّال المهرة والمتخصصين والطبقات
المتوسطة والطلاّب، وتفتقر إلى
الإيديولوجية الجذريّة، مستعيضة عنها
باستبدال حاكم مكروه أو بإسقاط الحزب
الحاكم، باللجوء إلى معايير
الليبرالية الديموقراطية. وهذا ما
قامت عليه الثورات في كلّ من
تشيكوسلوفاكيا وصربيا وأوكرانيا
والفيليبين وجورجيا. وحتى الآن، تندرج الأحداث في تونس ومصر
ضمن إطار الثورات الملوّنة، حيث أنّ
مشاركة الجماعات المتطرّفة في الأحداث
تعتبر قليلة أو غائبة كلّيّاً. وتثور
الشعوب، عوضاً عن ذلك، على عقود من
القمع الذي فرضه قادة فاسدون سعوا على
نحو متزايد إلى تحويل البلاد إلى
إقطاعيّات عائليّة. وتبدو هذه
البلدان، تماماً كما في الثورات
الملوّنة الأخرى، وكأنّها متّجهة نحو
ديموقراطيات قد تكون فوضوية أو مثيرة
للجدال، إنّما ليس نحو أنظمة أصولية
واستبدادية. إلاّ أنّ الحرص واجب، حيث أنّ المتطرّفين
لم يكونوا دوماً مسيطرين منذ البداية،
حتى في الثورات الجذرية. ولم يتسنّ لهم
بلوغ السلطة في إيران وفرنسا وروسيا
إلاّ من طريق الإطاحة بالأنظمة الأكثر
اعتدالاً التي ظهرت للمرة الأولى بعد
سقوط الشاه والملك والقيصر، مع العلم
أن المخاوف من حصول ثورة مضادّة هي
التي منحت المتطرّفين الفرص التي
تسنّت لهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ فراغ السلطة الذي
يتبع الثورات هو الذي يمنح مختلف
الفئات فرصة التنافس للحصول على دعم
شعبي. وفي حال شعر الشعب بأنّه مهدّد،
ينجذب إلى الفئات الأكثر صراحة في
دفاعها عن الثورة، ما يخلق فرصاً أمام
الجماعات المتطرفة المنظّمة للسيطرة
على الثورات ويدفع الشعب إلى التمادي
إلى أقصى الحدود. وقد يكون لمحمد البرادعي دور شبيه بذلك
الذي لعبه فاكلاف هافيل - الحائز مثله
جائزة نوبل- في تشيكوسلوفاكيا، والذي
دعم الثورة «المخملية». أو يمكن أن
يكون له دور شبيه بدور المحامي الروسي
المنفي ألكسندر كيرينسكي الذي أصبح
أوّل رئيس للوزراء بعد سقوط القيصر
وترأس حكومة «كاديت» المعتدلة، مع أنّ
البلاشفة عزلوه بعد أشهر قليلة، في ظل
حكم لينين وتروتسكي. وتجدر الإشارة إلى أنّ ما سيحدّد بقاء مصر
وتونس ضمن إطار الثورات الملونة، أو
اعتمادها منحى التطرّف، مرهون بما إذا
كان النظام الجديد فيهما سيشعر بأنه
مهدد من الأعداء الخارجيين والداخليين.
ويتحتّم إذاً على القادة الغربيين أن
ينشطوا في طمأنة أية أنظمة جديدة تنشأ
داخل هاتين الدولتين إلى أنّها غير
مهدّدة على الإطلاق. وحتى إذا شارك الإسلاميون في الحكومات
الجديدة – وهذا ما سيحصل على الأرجح-
فمن الضروري أن تنجح حكومات الولايات
المتحدة ودول الغرب في تجنّب أيّ ردّ
فعل مبنيّ على الشك أو الخوف، لأنّها
إذا فعلت ذلك، فستؤجّج البارانويا
وتعزّز من شعبية المتطرفين. والأرجح أن ينظر حلفاء الغرب في الأردن
والسعودية والمغرب إلى الأنظمة
الجديدة بارتياب، وأن يطلبوا من
الولايات المتحدة وأوروبا التروّي
حيال الأنظمة التي أطاحت حكام البلدان
التي شهدت الثورات. غير أنّه من
الضروري كبح اندفاع من هذا القبيل،
وتنبيه الحكام في دول الشرق الأوسط
ودعوتهم إلى الانفتاح في مجتمعاتهم
بدلاً من مواجهة خطر الإطاحة بهم. في أعقاب الثورات الملونة التي شهدتها
كلّ من الفيليبين ودول أوروبا الشرقية
وجورجيا، سارعت قوى الغرب إلى
الاعتراف بالديموقراطيات الجديدة
التي كانت تشقّ طريقها بجهد، وإلى
دعمها واحتضانها. وهذا ما ينبغي أن
تفعله القوى الغربية، من دون تأخير، في
مصر وفي تونس. وإن لم تفعل ذلك،
فسيتسبّب الأمر بتحقق التوقعات التي
تنبئ بها هذه القوى الغربية، وذلك
بتوجّه هذه الثورات إلى التطرّف، وهو
أمر لا لزوم له على الإطلاق. * باحث أميركي في جامعة جورج
مايسون - ولاية فرجينيا ====================== التغيير من القاهرة إلى...
واشنطن أيضاً الإثنين, 07 فبراير 2011 جورج سمعان الحياة أياً كان السبيل الذي سيسلكه الحوار
والنتائج التي سيؤدي إليها، وأياً
كانت الوجهة التي ستسلكها المرحلة
الانتقالية في مصر، فإن الحقيقة
الكبرى هي أن التغيير حصل. ويبدو أن بعض
أطراف المعارضة قبل بالجلوس إلى
الطاولة بشروط، بعد إصرار حكومة أحمد
شفيق على ذلك، وبعد اقتناع الولايات
المتحدة بموقف هذه الحكومة. وأكد فرانك
ويزنر، مبعوث الرئيس باراك أوباما، أن
الرئيس حسني مبارك «لا بد من أن يبقى في
السلطة للقيام بالتغييرات المطلوبة
للتحول الديموقراطي». وحذا حذوه عدد من
المسؤولين الأوروبيين في التشديد على
وجوب «التغيير السلمي»، وإن استعجل
بعضهم انتقال السلطة سريعاً. وستحمل
الأيام بل الساعات المقبلة جواب
الشارع. هل يستمع إلى رغبة واشنطن التي
لم تستمع إليه طوال عقود؟ هل يعطيها
ويعطي النظام المتهاوي فرصة ترتيب
الأوضاع بهدوء؟ المأزق الذي تواجهه القاهرة تواجهه
واشنطن أيضاً بالاهتمام والمتابعة
إياهما. ف «النظام» الذي تداعى في مصر،
وقبل ذلك في تونس وبيروت، وقبلهما
أيضاً في قطاع غزة والعراق، وما قد
يحمله الوضع في أفغانستان ودول أخرى
مرشحة في الشرق الأوسط الكبير من
مفاجآت... هو جزء من نظام إقليمي رعته
الولايات المتحدة سنوات وسنوات، من
أيام الحرب الباردة، ولم يسقط مع
سقوطها وسقوط جدار برلين الذي أطاح كل
المنظومة التي دارت في فلك الاتحاد
السوفياتي. وكان أوضح تعبير عما يجري
ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية
هيلاري كلينتون، في كلمة أمام مؤتمر
ميونيخ الأمني، «إن المنطقة تتعرض
لعاصفة جبارة من التحولات القوية. وهو
ما دفع المتظاهرين للخروج إلى شوارع
تونس والقاهرة ومدن أخرى في أنحاء
المنطقة. وبات أمر الإبقاء على الأوضاع
الراهنة خياراً غير قابل للاستمرار». ما تريده الولايات المتحدة هو نجاح
المرحلة الانتقالية ليتسنى لها الوقت
الكافي للحد من الخسائر. فالنظام
المصري، أو بالأحرى النظام الإقليمي
القديم برمته حفظ لها مصالحها الحيوية
والاستراتيجية في المنطقة، من النفط
إلى إسرائيل وضمان تفوقها. توطدت
العلاقات بينها وبين مصر، في ظل حكم
مبارك. قدم لها غطاء ووفر «شرعية عربية»
لحربها ضد نظام صدام حسين لإخراجه من
الكويت ثم من بغداد نفسها. ووقف ويقف في
الصف الأمامي في مواجهتها مع
الجمهورية الاسلامية وحلفائها. لذلك
لم يكن غريباً أن ترفع طهران صوتها في
حض المصريين على إسقاط النظام. لقد
حصدت وتحصد كل يوم ما زرعه الأميركيون
في عقود. إن هبوب هذه «العاصفة الجبارة» لن تقتصر
تحولاته على أهل المنطقة بل على
الولايات المتحدة التي بدأت تتلمس
الطريق إلى بناء استراتيجية جديدة.
لذلك تبدو واشنطن حذرة في التعامل مع
الأوضاع في مصر. تبدي حرصاً ملحوظاً
على الموازنة بين موقفها من الجموع
الغاضبة ومطالبها من جهة، وموقفها من
النظام الذي يحاول التحكم بالمرحلة
الانتقالية لئلا يكون بعيداً من رسم
صورة النظام الجديد، من جهة أخرى. لا
تريد أن تبدو بعيدة من تطلعات الحشود،
لكنها لا تريد أيضاً أن تقطع خيوطها مع
الماضي للحد من الخسائر وتفادياً
لمزيد من المفاجآت. إنها كمن يمشي على
حبل مشدود. وليست وحدها على هذا الحبل،
أوروبا تمشي على الحبل نفسه. وأهل
المنطقة أيضاً وإسرائيل بينهم حيث
عبّر أحد أحد كتابها المعلقين على
الموقف بقوله: «لا يوجد اسرائيلي ذو
عقل لا يخشى نتائج الأحداث في مصر. يصعب
أن نُقدر القيمة الأمنية والاقتصادية
وحتى النفسية لاتفاق السلام مع مصر.
فالعودة إلى وضع الصراع حتى لو كان
بارداً غير معلن ستؤثر تأثيراً كبيراً
في حياتنا». إنها المرة الأولى منذ عقود تجد الولايات
المتحدة أن صدقيتها على المحك. لم يعد
ممكناً تباهيها برفع لواء حقوق
الإنسان ورعاية الديموقراطية، فيما هي
تسكت على التضحية بالديموقراطية وحقوق
الإنسان والإصلاح السياسي والحكم
الرشيد على حساب «الاستقرار» والمصالح
الاستراتيجية الخاصة والحفاظ على
موازين القوى القائم في المنطقة
والعالم. لم يعد ممكناً السكوت على
أنظمة وجدت ملاذاً في «خيار الاستقرار»
للتصرف بالسلطة على هواها، فلا تقيم
وزناً لتطلعات شعوبها. لم يعد ممكناً
أن تسير واشنطن في خطين بدا واضحاً،
بعد أحداث تونس وما يحدث في مصر وغير
بلد عربي، أنهما متوازيان لا يمكن أن
يلتقيا. لم يعد ممكناً هذا الانفصام
وهذه الازدواجية بين ما تدعيه وما
ترعاه في الواقع. توافقت الولايات المتحدة طويلاً مع بعض
النخب الحاكمة في سوء تقدير تطلعات
شعوب المنطقة. أخطأت كما بعض الأنظمة
في الحساب واستكانت إلى النظام
التقليدي القائم. رعت هذه الأنظمة
مصالح أميركا في المنطقة في مقابل دعم
ركائز سلطتها. عاصر الرئيس مبارك خمسة
رؤساء أميركيين ولم «يفلح» واحد منهم
في إقناعه بوجوب الإنصات إلى صوت
الشارع، صوت المعارضة. ومثله الرئيس
زين العابدين بن علي. مشكلة واشنطن أنها صدقت تماماً أن تداول
السلطة يعني سقوطها في أيدي «الجماعات
الإسلامية المتطرفة». لذلك لم تجد
ضرورة في الاستماع إلى وجهة نظر
المعترضين على ممارسات أنظمتهم. وعندما هز الولايات المتحدة زلزال 11
أيلول (سبتمبر) 2001 في عقر دارها، انطلقت
في استراتيجية جديدة. رفعت إدارة
الرئيس جورج بوش الإبن في آن معاً لواء
الحرب على الإرهاب، ولواء نشر
الديموقراطية في «الشرق الأوسط الجديد»
من أفغانستان إلى موريتانيا. لكنها
تعثرت في كلا الميدانين، بعد الذي
واجهته من متاعب في كابول ولاحقاً في
بغداد. لم تدرك أن الرد على الإرهاب ليس
بالقوة العسكرية وحدها. ولم تدرك أن
الديموقراطية لا تفرض فرضاً أو تستورد
كما تستورد أي سلعة من الخارج. فكان أن
اكتفت بالدعوة بين حين وآخر إلى اعتماد
إصلاحات حصرتها بتعديل بعض برامج
التعليم في هذه الدولة وتلك، وآثرت أن
تكتفي بتجميل صورة بعض الأنظمة،
والانحياز إلى مصالحها الاستراتيجية،
مغلّبة إياها على المبادئ والشعارات
التي تنادي بها من الديموقراطية إلى
حقوق الإنسان... وفي ذاكرة واشنطن اليوم أمام أحداث مصر،
أن إدارة الرئيس جورج بوش الإبن عندما
كانت تدفع نحو الديموقراطية في
المنطقة وأصرت على وجوب إجراء
انتخابات في الأراضي الفلسطينية
المحتلة لم تستمع إلى نصائح مبارك
شخصياً الذي ألح على وجوب تأخير هذا
الاستحقاق خوفاً من وصول «حماس». وبقية
القصة معروفة... والقطاع يعاني ما
يعانيه من حصار وعدوان عقاباً على فوز
الحركة. من دون أن يسأل أحد واشنطن عن
مصير شعار «الدولتين» الذي رفعه بوش! لم يسأل أحد في أميركا وأوروبا عن سبب
غياب الشعارات الايديولوجية عن لافتات
الحشود الغاضبة في تونس كما في القاهرة.
ولم يسأل أحد عن سبب غياب شعار «الاسلام
هو الحل». هذه انتفاضة جيل من الشباب
يشكل أكثر من ثلث تعداد العالم العربي
يبحث عن «الكرامة» والعمل والحرية. هذه
انتفاضة جيل توسّم خيراً في خطاب
الرئيس أوباما في القاهرة وقبله في
تركيا وخصه بعبارات واعدة... لعل
التغيير الذي حصل في أميركا يقود إلى
تغيير أميركا مقاربتها للإصلاح في
العالم العربي، وفي سياستها حيال شعوب
المنطقة، فتتبدل «صورة العداء» لها
ولحلفائها والنخب الحاكمة. صحيح أن الحشود الغاضبة حصرت شعاراتها
بشؤونها هي فحسب، لكن واشنطن وعواصم
الغرب تدرك أن ليس هناك مواطن عربي
واحد لم يعبر عن خيبة أمله من كل
الإدارات الأميركية وآخرها الإدارة
الحالية. ويشعر بالمهانة عندما يشعر
بأن دوله لا قيمة لها في ميزان القوى
القائم في المنطقة والعالم. وتثيره
الطريقة التي يتجاهل بها المجتمع
الدولي مصالح أهالي الشرق الأوسط
وتطلعاتهم. فهل تكتفي اللجنة
الرباعية، في هذه الظروف وبعد هذه
التطورات، بالحض على وجوب استئناف
المفاوضات بين الفلسطينيين
والاسرائيليين؟ وهل تكتفي المانيا
ومثلها دول أوروبية أخرى بالربط بين
الاستقرار والجهود القائمة لانتقال
سلمي للسلطة في مصر واستئناف
المفاوضات... أم تستسلم لجموح حكومة
نتانياهو... كما فعلت واشنطن؟ بدأ التغيير في الشرق الأوسط بأيدي أهله.
والسؤال الكبير: هل تتحول إدارة الرئيس
أوباما نحو سياسة جديدة تعترف لشباب
المنطقة بحقهم في التطلع إلى مزيد من
الحرية والعدالة والحكم الرشيد؟ هذه
وحدها ترسخ الاستقرار وترعى المصالح
الاستراتيجية المشتركة لكل المعنيين.
وهل تتخلى عن مخاوفها من إمكان سيطرة
القوى الإسلامية المتشددة على الحكم؟
فلا التجربة في تونس أظهرت أن
الإسلاميين المتطرفين هم القوة الكبرى
المحركة، أو هم القوة التي يمكن أن ترث
النظام وحدها. وكذلك الأمر في مصر وإن
بدا «الأخوان» هم الأكثر تنظيماً
وتماسكاً... ألا تتعامل مع «إخوان»
تركيا الذين يديرون دولة إسلامية بحجم
مصر وثقلها في الشرق الأوسط وآسيا
الوسطى... وتتفاهم معهم على ما يرسخ
الاستقرار في كلتا المنطقتين؟ ======================= ديفيد إغناتيوس الشرق الاوسط 7-2-2011 بينما يشاهد الرئيس أوباما الأحداث التي
شهدتها مصر ومحيطها العربي، يقال إنه
تذكر تجارب طفولته في إندونيسيا،
عندما كان يحكمها رجل مستبد فاسد تم
إسقاطه في ما بعد على يد حركة إصلاحية.
إن أوباما ينظر إلى الأحداث الدرامية
المصرية نظرة غير عادية، فقد كانت له
تجربة شخصية مباشرة مع الديكتاتورية
التي تمثل عالما «يأخذ القوي فيه الأرض
من الضعيف» بحسب ما نقله عن زوج أمه في
مذكراته. إن الرئيس قادم من عصر فرانتز
فانون وأصحاب نظريات عن التغيير
الشامل. أحيانا يوصف أوباما بأنه شخصية
«ما بعد العنصرية»، لكن من الجيد أن
ننظر له كرجل «ما بعد الاستعمار». كانت القرارات السياسية لأوباما خلال
الأسابيع الماضية تستند إلى إحساس بأن
شروخا تحدث في المجتمع المصري
والمجتمعات العربية الأخرى منذ مدة
طويلة، حيث يقول أحد المدركين لطريقة
تفكيره «هذا أمر لا يمكن إعادته إلى
صندوق». وفي الوقت الذي يعتقد فيه
أوباما أنه من الضروري حماية المصالح
الأميركية وسط هذه الاضطرابات، فإنه
يعتقد أن الولايات المتحدة لا يمكنها
أن تقدم ردا محدودا مثل الصين، لأنها
دولة ديمقراطية. يقال إن أوباما عقد
عدة اجتماعات خلال الأسبوع الماضي في
غرفة المواقف في ظل إنذار بالتفكير
بشكل موسع في عملية التغيير التي تحدث
الآن وجعل السياسة الأميركية متوافقة
مع هذه التغييرات الكبيرة. إن التجارب التي شكلت شخصية أوباما تخبره
بأن التغيير في الدول النامية لا مفر
منه، وأن الإصلاح كثيرا ما يفلح.
ويعتقد أوباما أن كل حركة شعبية ليست
بالضرورة أن تكون كارثية، مثل الثورة
الإيرانية التي قامت عام 1979، فهناك
نماذج إيجابية مثل حركة «قوة الشعب»
التي أسقطت نظام الرئيس الفلبيني
فرديناند ماركوس عام 1986، وسقوط حائط
برلين عام 1989، والإطاحة بالرئيس
الديكتاتوري سوهارتو في إندونيسيا عام
1998، الذي يتذكره أوباما منذ أيام
الطفولة. ليس ما يشكل طريقة تفكير أوباما فكريا
بقدر ما هو شخصي، فعندما يتحدث إلى
نشطاء حقوق الإنسان في الخارج، كثيرا
ما يتذكر شكل الحياة في دولة
ديكتاتورية يسودها الخوف والتوتر رغم
الأوقات التي تبدو هادئة. لقد أقر
لولو، زوج أمه الإندونيسي، بأنه رأى
شخصا يقتل «لأنه ضعيف». الدرس الذي
تعلمه أوباما من الثورة الديمقراطية
في إندونيسيا هو أنه عندما ترتخي قبضة
الحكم الاستبدادي، لا يمكنها أن تشتد
مرة أخرى. بمرور الوقت يمكن للتنفيس
الذي يحدث أن يؤدي إلى حكم أفضل ونمو
اقتصادي. لم يعلن أوباما عن هذه النقاط مؤخرا نتيجة
تسارع الأحداث، وكذلك بسبب طبيعته
المتحفظة. إنه ليس رجلا يحب الحكم على
أساس الحكايات والأمثلة. ويقول بعض
منتقدي أوباما إنه تباطأ في تبني
الحركة الاحتجاجية المصرية. لكن يبدو
أنه يعتقد أن التغيير أمر يحدده
المصريون، وليس الأميركيين، وأن تشديد
قبضة أميركا سيؤدي إلى نتائج عكسية. من المفيد إعادة قراءة خطاب أوباما في
جامعة القاهرة في 4 يونيو (حزيران) 2009
لمعرفة الأفكار الاستراتيجية التي
ترشد أوباما حاليا. لقد انهار أساس ذلك
الخطاب الذي تم الاحتفاء به وهو علاقة
أميركا بالعالم الإسلامي. فقال أوباما
حينها: «لقد جئت إلى القاهرة سعيا وراء
بداية جديدة قائمة على المصالح
المشتركة والاحترام المتبادل». لا
يزال هذا هو الخط الرئيسي، لكن من
العدل القول إن خطاب القاهرة أثار
توقعات في العالم العربي دون تحقيق أي
منها. قد يكون هذا بالفعل أحد العوامل
المؤدية إلى «الثورة ذات سقف التوقعات
العالي» التي نراها في شوارع تونس
والقاهرة وصنعاء وعمان. تاريخ أوباما الشخصي يمنحه فرصة فريدة
للاتصال بجيل الشباب الذي قام بهذه
الثورة الكبيرة، لكنه يجعله معرضا
أيضا لاتهام بأنه يضع الأمن الأميركي
في مرتبة تلي آماله لعملية تغيير سريعة
الزوال قد يتبين في ما بعد أن لها آثارا
كارثية على المصالح الأميركية.
المشاهد التي رأيناها خلال الأسبوع
الحالي من محتجين شباب يقفون على
الحواجز في ميدان التحرير تذكرنا ب«البؤساء»
أو «دكتور زيفاغو». لكننا نعلم أن هذه
الروايات انتهت لصالح الأخيار. إن التحدي الذي يواجهه أوباما هو
الاستفادة من تجاربه الحياتية وقدرته
غير الاعتيادية كشخص قادر على التواصل
والحديث في تبني عملية التغيير، يمكنه
أن يقف بجانب الثوار الشباب المثاليين
في الشوارع، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى
طمأنة العالم بأن القوة الأميركية
ثابتة في وقت يشهد عملية غضب عارم،
للمطالبة بتغيير شامل. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |