ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 19/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الإصلاح بين ضغوط الداخل وإملاءات الخارج!

نبيل علي صالح

الاتحاد

تاريخ النشر: الخميس 17 فبراير 2011

لاشك أن هناك دروساً عملية تعلمنا إياها جملة الأحداث والتحولات العربية الأخيرة المتلاحقة في مصر وتونس. والمطلوب اليوم الإسراع في إقامة مرحلة سياسية انتقالية تسبق الانتخابات الحرة، التي ينبغي أن تؤسس على قاعدة التمثيل النيابي الحر ومشاركة الناس في الترشح والانتخاب دون قيد أو شرط أو حصر أو حكر على أحد، وبما يؤسس لاحقاً لأنظمة جمهورية تقوم على قاعدة بناء دولة مواطنة علمانية ديمقراطية صحيحة، تفصل بين سلطاتها الثلاث. واعتماد صيغة سياسية منفتحة لتشكيل القوى السياسية بحيث تعمل التيارات جميعها تحت سقف الحكم الصالح ومؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية، وعدم السماح بتشكيل أحزاب أصولية إلغائية، وإنما السماح بتشكيل أحزاب معتدلة على المستوى الديني تتبنى في داخل هيكليها الفكري والتنظيمي الفكر الديمقراطي، والتسامح والاعتراف بالآخرين حتى لو كانوا من المخالفين، والاقتناع الكامل بالتداول السلمي للسلطة، وعدم تسييس الدين خاصة على مستوى ادعاء امتلاك الحقيقة.

وهذه الأفكار السياسية والفكرية يجب أن تكون موجودة ليس فقط في صلب البنية الفكرية لتلك الأحزاب، وإنما في الدستور المقرر إعادة بنائه وكتابته أيضاً للوطن ككل.

وعلى مستوى الأنظمة، يتعين أن يقوم نظام الحكم العربي على بنية ثقافية ومفاهيمية صلبة ومتماسكة، لبناء ديمقراطية صحيحة في العالم العربي.

ويبقى العامل الخارجي وتأثيره، وهنا من المعروف أن بوصلة تحريك دفة السياسة الدولية هي المصلحة والمكاسب المتغيرة والتحالفات المتحركة، وهذا ما جعل بعض الدول الغربية الكبرى تدعم أنظمة عربية غير ديمقراطية تحت دافع المصالح، وهو ما رأيناه أيضاً من خلال تعاطي الدول الكبرى -خاصة الولايات المتحدة- مع كل من أزمتي الحكم في تونس ومصر، فبعد أول يوم من الضغط الشعبي المتواصل على نظام مبارك، وقفت وزيرة الخارجية الأميركية لتقول إن نظام مصر ثابت ومستقر، ولكن بعدما اقتنعت الإدارة الأميركية بأن التغيير كبير وقادم لا محالة، وهو مسألة وقت قصير ليس إلا... بدأت في تغيير موقفها وموقعها من النظام المصري السابق -الذي كان من أهم أصدقاء الغرب في المنطقة- بصورة متدحرجة ومن ثم سريعة خلال ساعات وليس أياماً حتى وصلنا إلى سماع نداء بإحداث التغيير الفوري "الآن".. وليس غداً من أوباما ونائبه "بايدن"، وقادة الاتحاد الأوروبي الذين كانوا حتى الأمس يثقون ثقة عمياء في قوة النظام.

وفي ظني أن هذا السلوك السياسي العالمي المعروف مسبقاً للجميع، يجب أن يكون درساً ودافعاً قويّاً لبعض الزعامات والأحزاب السياسية العربية (حتى بعض "الأحزاب الجديدة"-القديمة التي ركبت موجات التغيير العربي مؤخراً بصورة انتهازية غير أخلاقية!) كي تقتنع بأن من يحاول أن يتغطى بالغطاء الخارجي الغربي، يبقى عرياناً أمام شعبه ومجتمعه .. وأنه لا بديل عن الانفتاح الكامل على شعوبنا ومجتمعاتنا العربية .. وأن كل ما تقوم بها أميركا من أعمال وممارسات وضغوط وتوجيهات ونداءات وغيرها -على مستوى المنطقة العربية الإسلامية على وجه الخصوص- تريد من خلاله التوفيق بين حماية سياساتها ومصالحها الاقتصادية والسياسية، وبين إصرارها على نشر ثقافة ومشروع الديمقراطية كحل وحيد تريد من خلاله إرساء فكرة تداول السلطة وأن من حق الشعوب أن تنعم بالحريات العامة.

ولكن السؤال المهم الذي يمكن طرحه هنا على خلفية ما سبق: هل يمكن اعتبار الغرب عموماً صادقاً في توجهاته السياسية لدعم فكرة الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي؟ وهل يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في هذا المسعى التوفيقي الصعب بين دعوتها ومصالحها؟ خاصةً مع وجود تيارات وقوى أصولية وقومية (يسارية وغير يسارية) تعادي الولايات المتحدة، وتستمد شعبيتها من العداء الشديد لقيم وأفكار الغرب الحداثوية والتنويرية، وتقوم في داخل بنيتها الفكرية على قاعدة مواجهة سياسات أميركا في العالم كله.

وأخيراً لا بد من التأكيد هنا على أن هذا الجيل العربي الذي ولد واستفاق وعاش في كنف أنظمة استبداد، وسمع وشاهد بعض الرموز والأسماء ذاتها الممثلة لتلك الأنظمة على مدار عقود عديدة مضت، هذا الجيل ينشد الخلاص حالاً، ويرفع شعار "كفاية".. وهو يطمح للتغيير والإصلاح الحقيقي على ضوء ما يشاهده من أفكار وثقافة الحداثة السياسية الديمقراطية في غير بلد عالمي.. بينما هو لا يزال يعيش تحت وطأة نظم متهالكة ضعيفة فشلت في كل شيء، وهي بالكاد تقدم لقمة خبز للناس، لا بل وتمن عليهم بهذه اللقمة المغموسة بالكثير من الإهانة.. أقول إن هذا الجيل العربي الصاعد كالنهر الجارف طالباً التغيير الحقيقي المنشود، يبدو لي ضائعاً ومشتتاً وقابلاً للاندراج في أية أيديولوجية غير عاقلة، خاصة في ظل هيمنة نظام فكري وثقافي إطلاقي وحدّي يعمل على تجديد نفسه بألبسة وتجميلات ديكورية مزيفة، وبصورة تابعة غير مستقلة. وهو نظام ثقافي بعيد عن العلم ومنطق التجربة، وقيم التطور والحداثة الإنسانية، كالنظام أو الإيديولوجية الدينية الأصولية الإلغائية الكارثية عليه وعلى مجتمعاته التي يريد إصلاح أحوالها ومواقعها. إنه جيل لا يزال يحمل في داخل وعيه وثقافته بعض البذور والطبائع الإقصائية للآخر.. وهذا ما رأيناه وشاهدناه وسمعناه في بعض أمكنة التظاهر في تونس ومصر.

والخشية كل الخشية أن تركب تلك العقلية القديمة صهوة الإصلاحات المنشودة، وتستثمر موجة الإصلاح العربية المتسارعة لتمرير برامجها السلطوية البالية التي لا تختلف كثيراً عن برامج بعض النخب السياسية العربية السابقة التي تريد إقصاءها عن الحكم.

كاتب من سوريا

ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»

============================

إسرائيل... والقلق من حركة سلمية فلسطينية

جنيسا جانز ويلدر

الاتحاد

تاريخ النشر: الخميس 17 فبراير 2011

على امتداد الشهر الأخير الذي قضيته في الشرق الأوسط انغمست في دراسة حركات الاحتجاج الفلسطينية غير العنيفة ونشطاء المقاومة الشعبية السلمية التي كان عناصرها يراقبون باهتمام ما يجري في الإقليم من انتفاضات أطاحت بالنظامين في تونس ومصر. هذا التفاعل بين التطورات في المنطقة والداخل الفلسطيني عبر عنه، مصطفى البرغوثي، المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية وصاحب المبادرة الفلسطينية الذي حصلت كتلته المستقلة على 20 في المئة من أصوات الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة، قائلاً :"إننا نشهد ثورة ديمقراطية في الشرق الأوسط، والأمر لم يبلغ نهايته بعد، بل نحن في البداية".

ولعل ما يؤكد هذا التفاعل ما شعرت به السلطة الفلسطينية من ضغط في أعقاب الثورة المصرية دفعها يوم السبت الماضي إلى الإعلان عن نيتها في عقد انتخابات بحلول شهر سبتمبر المقبل ليتلو ذلك استقالة حكومة سلام فياض يوم الإثنين الماضي بطلب من عباس.

وفي الأسبوع الماضي سعى نائب حاكم مدينة الخليل إلى الربط بين أحداث مصر وما يجري داخل الأراضي الفلسطينية قائلًا: "ما يحدث في المنطقة من تطورات لا يمكن فصله عن مجريات القضية الفلسطينية، وعلى إسرائيل إعادة تقييم سياساتها لأن حلفاءها العرب يتساقطون".

وفي الوقت الذي اجتاح فيه المحتجون الشوارع المصرية احتفالًا بتنحي مبارك، لم تعد إسرائيل قادرة على الاستمرار في سياسة خنق الحركة الفلسطينية السلمية، والوقوف في وجه المقاومة غير العنيفة، فتلك الجماعات تحمل رسالة مهمة في منطقة تتنازعها العديد من الصراعات وقد تنتج حلولاً مبتكرة، لكن عناصرها تشعر بالإحباط بسبب التضييق الإسرائيلي، علماً أن البديل لن يكون سلمياً أو مناهضاً لأساليب العنف.

فعلى إسرائيل أن تخشى من فشل الحركات الاحتجاجية الفلسطينية ذات التوجهات السلمية أكثر من تواجدها في الشارع وتعبيرها عن قطاعات واسعة من أفراد الشعب الفلسطيني الذين يجلسون اليوم في المطاعم والمقاهي بالضفة الغربية لمتابعة ما تحمله شاشات التلفزيون من أخبار عن تونس ومصر والأردن واليمن، التي تهزها جميعاً مظاهرات سلمية تطالب بالحرية والكرامة، ويتابع الفلسطينيون بكثير من الترقب ما حققته تلك الانتفاضات السلمية وبأقل الخسائر الممكنة عندما أطاحت بالأنظمة المستبدة فيما هم لم يحققوا الكثير من انتفاضاتهم التي قُتل فيها الآلاف من دون التحرر من الاحتلال، وقد عبر العديد من المواطنين الفلسطينيين عن فرحتهم لما يمكن أن تحس به إسرائيل في هذه اللحظة بعد سقوط بعض حلفائها التقليديين في المنطقة من تخوف.

ومع أن أحداً لم يتحدث بعد عن انتفاضة ثالثة في الشارع الفلسطيني، إلا أن جميع الظروف صارت مواتية لانطلاق انتفاضة فلسطينية في ظل معدلات البطالة المرتفعة وتعطل المفاوضات واستمرار عنف المستوطنين ضد الأهالي في القرى الفلسطينية، حيث قتُل فلسطينيان خلال الأسبوع الماضي على يد المستوطنين المتشددين، وهو ما يحذر منه مصطفى البرغوثي الذي يقول إنه إذا لم يرَ الفلسطينيون ضوءاً في آخر النفق، فإنهم سيلجأون إلى العنف.

لكن مع ذلك عبر ثلثا الفلسطينيين في الضفة الغربية عن تأييدهم للمقاومة السلمية حسب ما أفاد به "سامي عواد"، رئيس صندوق الأرض المقدسة التي تنشط في مدينة بيت لحم وتركز على نبذ العنف، ومازالت الاحتجاجات الفلسطينية ضد الاحتلال في القرى والبلدات مستمرة، وإن كان سرعان ما يتم تفريقها عندما تتدخل القوات الإسرائيلية مستخدمة القنابل الصوتية والرصاص المطاطي. وفي إحدى المظاهرات التي شهدتها شخصياً في إحدى البلدات الفلسطينية فوجئت بالعدد القليل للمتظاهرين الذين لا يتعدى عددهم ثلاثين شخصاً، معظمهم من "منظمات السلام" الإسرائيلية والأجانب، وعندما استفسرت من أحد الفلسطينيين المشرفين على المظاهرة عن سر المشاركة المتواضعة قال "لقد فقد الناس الأمل، في الماضي كانت المظاهرات أكبر لكنها لم تحقق شيئاً لذا بدأ الناس يفقدون الأمل".

والحقيقة أنه على إسرائيل أن تقلق كثيراً من حالة انعدام الأمل لدى الفلسطينيين أكثر من تسيير مظاهرات ضد الاحتلال لأنه عندما يستمر الخنق وتختفي البدائل ولا يستطيع الناس التعبير السلمي عن مطالبهم فإنهم غالباً ما يلجأون إلى العنف.

وقد أذهلني النشطاء الفلسطينيون الذين قالوا إنهم يريدون تهدئة مخاوف الإسرائيليين، وأنهم مستعدون لمعالجة ما خلفته التجربة اليهودية في أوروبا من مآسٍ من خلال مبادرات لبناء الثقة بين الشعبين الفلسطيني واليهودي، وهو الخطاب الذي يصعب سماعه في أوساط أخرى لما قد يجره من غضب الفلسطينيين أنفسهم الذين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي.

لذا فإنه بدلاً من تهميش أصوات الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم بطرق سلمية ويبدون استعداداً لتتواصل مع الدولة العبرية يتعين على إسرائيل تقويتهم وعدم التخوف منهم لأن البديل سيكون المزيد من الإحباط والتشدد، وربما الرجوع إلى العنف والصدامات الدموية، لا سيما في ظل ما يشهده الشرق الأوسط من تغيرات كاسحة يتعين على الجميع في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل، التعامل معها بحذر واستباق تداعياتها.

محللة سابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»

============================

مصر والنموذج التركي

آخر تحديث:الخميس ,17/02/2011

محمد نور الدين

الخليج

استمرت تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923 وإلى وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 خارج هويتها، فلم تعطها العلمانية (على الطريقة التركية)، ولا الديمقراطية التعددية عام ،1946 دوراً يليق بموقعها ومكانتها وقدراتها وتاريخها .

استمرت تركيا على امتداد كل تلك العقود والسنين غريبة بين أهلها ومنطقتها، اعترفت بأكبر كيان استعماري واستيطاني وإجرامي عرفه التاريخ، أي “إسرائيل” في عام 1949 لتكون أول دولة مسلمة تفعل هذه الفعلة، وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي لتكون أداة ومطية للمشروعات الغربية الموجهة ضد حركات التحرر العربية والإنسانية، فاكتسبت جوارها المباشر عدواً لها . وفي الداخل لم يحسن النظام العسكري في تعامله ضد المدنيين واليساريين وضد الإسلاميين وضد الأكراد، سوى مواجهة مشكلات مصطنعة وعلى رأسها منع المحجبات من دخول الجامعات .

عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة كان يواجه تركة ثقيلة جداً وكانت مهمته صعبة جداً .

لكن انفتاح الحزب، وما يمثل من تيارات داخلية منحته الدعم في الانتخابات المتعددة التي خاضها في السنوات الأخيرة، على قيم المجتمع وثقافته وتراثه وبالتالي هويته، هو الذي وفّر لتركيا هذا الدور الكبير الذي استعادته منذ أن فقدته في نهاية العهد العثماني، وعادت لتمارس ما يليق بها من بلد كبير ويختزن طاقات ضخمة، ويمكن له أن يكون موجّها ولاعباً أساسياً في المعادلات الإقليمية بل حتى الدولية .

هوية تركيا كبلد مسلم وشرق أوسطي لم تستعد إلا من خلال البوابة الفلسطينية وقرة عينها القدس . لم تستعد تركيا دورها وحضورها إلا من خلال إيلاء العمق التاريخي والجغرافي أولوية على “الأعماق” الأخرى . وباستعادة هذه الهوية كان لتركيا أن تصطدم حتماً بالسياسات “الإسرائيلية” وصولاً إلى تقديم شهداء في أسطول الحرية على يد العصابات العسكرية “الإسرائيلية” في نهاية مايو/ أيار 2010 .

إذا سحبنا هذا المشهد على مصر خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك على امتداد ثلاثين سنة، أمكن فهم أسباب تراجع حضور مصر ودورها ومكانتها، وهي البلد المحاذي للكيان الصهيوني الذي سقط له مئات آلاف الشهداء .

جمعت مصر بين الاستبداد السياسي في نظام الحكم والفساد وسطوة حيتان المال والأعمال في الحياة الاقتصادية، وبين التخلي عن هويتها التاريخية والقومية من خلال التحالف مع “إسرائيل” إلى حد محاصرة أهل غزة وتجويعهم .

في نظرة إلى تجمعات الثورة الشعبية في ميدان التحرير وسائر المدن المصرية، ارتفعت شعارات قوية لجهة إسقاط النظام وإحلال الديمقراطية وما شابه من شعارات جميلة تمس أسس النظام السياسي والاقتصادي .

لكن الشعارات القومية كانت محدودة وخجولة، وربما يسرع البعض ليقول إن المرحلة الانتقالية لا تتحمل حمل كل الشعارات الثقيلة دفعة واحدة . لا نعارض هذا التفسير .

ما انطبق على تركيا ينطبق الآن على مصر، تحديث النظام السياسي أكثر من ضروري لاحترام الشعب بمسلميه وأقباطه كمواطنين وليس كقطعان دينية أو مذهبية . واعتماد المحاسبة في أساس الحكم مطلوب أيضاً لمنع الاحتكارات وإنهاء نظام الأغنياء والفقراء، لكن أيضاً، إن عودة تركيا إلى هويتها في الداخل والخارج هو الذي منحها الاحترام والمكانة الجديدة القوية .

واستعادة مصر لهويتها القومية بما هي مقارعة العدوان والاحتلال والهيمنة “الإسرائيلية”، ولسيادتها بما هي إلغاء القيود على جيشها وأسلحتها في جزيرة سيناء وفقاً لمعاهدة كامب ديفيد، هي المعيار والشرط الضروري لتعود مصر إلى مكانتها ودورها في محيطها الإقليمي والساحة الدولية . ومن دون استعادة مصر هويتها العربية والتحررية لا معنى لأي تغيير ديمقراطي .

============================

جوهر المشكلة الأميركية

روبرت رايش

التاريخ: 17 فبراير 2011

البيان

تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما، مؤخراً، باستفاضة عن الاقتصاد الأميركي. والأمر الذي أخفق في الإشارة إليه، هو أن أميركا لديها الآن اقتصادان، واحد منهما فقط هو الذي يتعافى.

الاقتصاد الذي يتعافى هو وول ستريت والشركات الكبيرة. فالأرباح ترتفع عالياً، والشركات الكبرى تمتلك تريليون دولار من السيولة، والناس الذين يمتلكون الكثير من الأصول المالية، أو الذين يعتبرون «موهبين» يبلون بلاء حسنا للغاية.

ولكن معظم الأميركيين تركوا في مستوى متدنٍ. فهم بلا عمل، أو أنهم يحصلون على رواتب ضعيفة من وظائفهم، والفوائد التي يحصلون عليها لا تزال تتقلص. وهم لا يزالون مدفونين تحت وطأة الدين، ولم يتعاف اقتصادهم على الإطلاق.

بعبارة أخرى، فإن اتحادنا الاقتصادي يتهاوى، ولا بد للرئيس الأميركي أن يكون واضحاً إزاء ما حدث ولم إذا حدث.

تحقق الشركات أرباحاً من مبيعات عملياتها الخارجية، لاسيما في الصين والهند. وهنا في أميركا، تبيع الشركات للأميركيين الأغنياء (زادت مبيعات عيد الميلاد في متاجر تيفاني وشركاه ونيمان ماركوس، ولكن المبيعات تراجعت بالنسبة لتجار التجزئة ذوي المستوى الأقل)، لكن الدافع الأكثر أهمية بالنسبة لارتفاع أرباح الشركات، هو خفض التكاليف، خاصة الرواتب. فكانت النتيجة انخفاض عدد الوظائف وانخفاض الأجور.

عجّل الكساد العظيم بانطلاق التيارات التي بدأت قبل ثلاثة عقود، وهي التعهيد في الخارج، وأتمتة العمل، وتحويل وظائف بدوام كامل إلى وظائف مؤقتة وأخرى بعقود، وتقويض عمل النقابات، والحصول على تنازلات أجور ومنافع من العمال الباقين، فقد جعلت الإنترنت والبرمجيات كل هذه الأمور أسهل.

يصل حجم الاقتصاد الأميركي الآن ضعف ما كان عليه عام 1980، لكن الأجر المتوسط الحقيقي تزحزح بالكاد، واستأثرت الطبقة الأعلى بمعظم فوائد النمو الاقتصادي.

في أواخر السبعينات من القرن الماضي، حصل أغنى 1٪ من الأميركيين على حوالي 9٪ من إجمالي الدخل القومي. ومع بداية فترة الركود الكبير، تلقوا أكثر من 23٪. أصبحت الثروة أكثر تركيزاً.

يعتبر هذا هو لب مشكلتنا، فمعظم الأميركيين لم تعد لديهم القدرة الشرائية لتحريك الاقتصاد من جديد، وبمجرد انفجار فقاعة الديون، تقطعت بهم السبل.

لقد حدث ذلك من قبل. وكانت آخر سابقة في التاريخ الأميركي حصل فيها أغنى 1٪ من الأميركيين على أكثر من 23٪ من مجموع الإيرادات، في عام 1928. ونحن نعرف ما حدث في عام 1929.

ولا يقع اللوم على الشركات في ذلك، فهي في نهاية المطاف، معنية بتحقيق أرباح. لكن اللجوء إلى الشركات وكبار التنفيذيين فيها وتعيينهم كمستشارين اقتصاديين، لن يكون مجدياً. فما هو صالح بالنسبة للشركات، ليس بالضرورة صالحاً للعمال الأميركيين. كما أنه ليس خطأ الأغنياء الذين لعبوا وفقاً للقواعد.

المشكلة هي أن القواعد تحتاج إلى إصلاح. يحتاج الأميركيون من الطبقة المتوسطة إلى صفقة اقتصادية أفضل، ولا بد أن يأخذ الرئيس أوباما زمام المبادرة في هذا الشأن، لكنه لم يقطع شوطاً في هذا الصدد.

ينبغي عليه ابتداءً، أن يتقدم باقتراح لتوسيع قانون الائتمان الضريبي على الدخل المكتسب (في الأساس لدعم الأجور) على طول الخط، من خلال الطبقة المتوسطة.

ينبغي عليه أن يجعل النظام الضريبي أكثر تصاعدية، فلا بد من خفض معدل الضريبة على الشريحة الأولى من الدخل، التي تتراوح بين 50 ألفاً و90 ألف دولار إلى 10٪، والشريحة التالية من 90 ألفاً إلى 150 ألف دولار ب20، وجعل الشريحة التالية من 150 ألفاً إلى 250 ألف دولار 30٪.

تكوين الإيرادات عن طريق زيادة الضرائب، على هؤلاء الذين يكسبون ما بين 250 ألفاً و500 ألف دولار إلى 40٪، وعلى الذين يكسبون بين 500 ألف و5 ملايين دولار إلى 50٪، وأي دخل يتجاوز 5 ملايين دولار إلى 60٪، فضريبة رأس المال تكسب القدر نفسه من الدخل العادي.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الرئيس الدعوة إلى تعزيز النقابات، من خلال زيادة العقوبات على أرباب العمل الذين يردعونهم بطريقة غير مشروعة.

نعم سوف يحتاج الرئيس إلى تخفيض العجز في الميزانية على المدى الطويل، ولكن يجب عليه أن يتأكد من التمييز بين الاستثمارات العامة التي تبني الإنتاجية في المستقبل (في التعليم والبنية التحتية ومجال البحث والتطوير الأساسي)، والنفقات التي تعمل على تحسين حياتنا أو تحفظ علينا الأمن اليوم.

أخيراً، يتعين أن يجعل التعليم الجامعي في المتناول، من خلال السماح بسداد القروض الفيدرالية بنسبة 10٪ من الأرباح، على السنوات العشر الأولى من العمل بدوام كامل. ومن المؤكد أن الأثرياء الأميركيين سيكونون أفضل حالاً، بالحصول على نصيب أصغر من اقتصاد متنامٍ بسرعة كبيرة، بدلا من حصولهم على نصيب أكبر من اقتصاد يبقى في هوة عميقة.

============================

مصر وضرورة استعادة الاستقرار

المصدر: صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية

التاريخ: 17 فبراير 2011

البيان

تتركز أنظار العالم حالياً على مصر. فبعد ثمانية عشر يوماً من المظاهرات الحاشدة التي قام بها مئات الألوف من الشباب المصري، تنحى الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن منصبه، وسلم قيادة البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية. وفي الوقت الذي غادر مبارك القاهرة إلى شرم الشيخ، جاء رد المتظاهرين على نبأ رحيله بالهتاف والتلويح بالأعلام، وإطلاق أبواق السيارات، وشتى مظاهر التعبير العارم عن الابتهاج.

لقد أثارت الاحتجاجات في جميع أنحاء المدن الاضطراب، وأدت إلى تعطيل ملموس في حياة الناس اليومية. وبعد هذا التطور غير العادي، يحدونا الأمل بأن تبذل القوات المسلحة المصرية والحكومة والشعب في مصر، قصارى الجهد للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي واستعادة النظام الطبيعي للحياة اليومية على امتداد البلاد.

يسود الاعتقاد كذلك، أن مصر لديها من الحكمة ما يتيح لها التوصل إلى إيجاد الحلول المناسبة للتغلب على الأزمة الحالية. ينبغي أن يحظى الاستقرار الاجتماعي باهتمام فائق وأولوية متقدمة، ذلك أنه لن يكون لأي تغييرات سياسية أي معنى، إذا سقطت مصر فريسة للفوضى في نهاية المطاف.

نظراً لمكانة مصر كقوة عربية رئيسية ذات أهمية استراتيجية محورية، فإنه إذا استمر الوضع الحالي في التدهور، لن يكون أمراً كابوسياً بالنسبة ل80 مليون مصري فحسب، وإنما سوف يشكل خطراً على السلام والاستقرار الإقليميين كذلك.

لقد أثارت الاضطرابات في مصر قلقاً دولياً بشأن تأثيرها على عملية السلام في الشرق الأوسط. وكدولة رئيسية في العالم العربي وأفريقيا، فإن الاستقرار في مصر يثير المخاوف بشأن السلام والاستقرار في المنطقة بأسرها.

ومع سقوط محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في وهدة الجمود، فإن التطورات في مصر يمكن أن تغير عملية السلام سلباً أو إيجاباً.

ومع ذلك، فإن ما يجري في مصر يعتبر شأنا داخليا، ينبغي أن يتم حسمه دون تدخل أجنبي. فالتدخل الأجنبي لن يخدم مصالح الشعب المصري، وسوف يوسع من دائرة النفوذ والمصالح الأجنبية في هذه الدولة التي تتسم بفرادة وضعها، في أفريقيا والعالم العربي والشرق الأوسط بأسره، من منتصف الهضبة الآسيوية وصولا إلى سواحل المغرب المطلة على المحيط الأطلسي.

يعتقد أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومعدل البطالة وسط حالة تعافٍ بطيء من الأزمة الاقتصادية، هما من بين العوامل الأساسية المسؤولة عن الاضطرابات الاجتماعية في مصر، وفقا لتقرير صدر مؤخراً من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، في الوقت الذي لم يظهر الضغط المتصاعد على أسعار الغذاء العالمية أي مؤشرات على التراجع، ومن المرجح أن تواصل ارتفاعها في الأشهر المقبلة، وفقا لتوقعات معظم الخبراء العالميين.

إنها البلدان النامية، لاسيما البلدان منخفضة الدخل، هي التي تتحمل وطأة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والوضع العالمي النقدي غير المتسم بالوضوح. ويمكن أن تدفع الأزمة الغذائية التي تلوح في الأفق، إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، الذي سيفضي بدوره إلى جلب المزيد من المعاناة إلى الشعوب على امتداد العالم.

============================

مفهوم إسرائيل للأمن.. يدمرها قبل غيرها!

موقع L orient

ترجمة

الخميس 17-2-2011م

ترجمة : دلال إبراهيم

الثورة

يكشف عجز الرئيس باراك أوباما في الحصول على تعهد إسرائيلي بوقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس عن الانحياز الأميركي، كما ويؤكد على غياب الالتزام الجدي الأميركي بفرض السلام على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية.

والخطر الأكبر يكمن في أن تتحول حالة (اللاسلم) هذه إلى صراع مفتوح، والشكوك الوحيدة متوجهة حول من ستكون الساحة المقبلة للحرب، هل هي في غزة أم في لبنان أم في إيران؟‏

في مطلع شهر آذار من عام 1973 استقبل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، وأعلمها خلال اللقاء أن الرئيس المصري أنور السادات مستعد للتفاوض مع تل أبيب حول معاهدة شاملة. وفي الوقت الذي كانت تزعم أن بلادها تريد السلام، أجابت مائير أنها تفضل عقد اتفاق مؤقت وأنه لا ينبغي التعويل على المناورة المصرية التي تريد أولاً انسحابا إسرائيلياً لغاية خط الرابع من حزيران 1967 ومن ثم العودة إلى خط التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947 وإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية التي يتم البحث فيها مع ياسر عرفات وبالرجوع الى هذه المحادثات من خلال التسجيلات التي باتت علنية في متناول الجميع أقام الصحفي الإسرائيلي ألوف بن في مقالة نشرتها صحيفة هآرتس في عددها بتاريخ 15 كانون الأول المنصرم بعنوان(نتنياهو قال لأوباما ما قالته مائير لنيكسون) تشابهاً بين الوضع الذي كان قائما في ذلك الحين حيث أدى الرفض الإسرائيلي إلى اندلاع حرب عام 1973 وعبور القوات المصرية لقناة السويس وبين الردود المماطلة التي قدمها نتنياهو للرئيس باراك اوباما.‏

ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي عاد حينها من بوسطن على عجل للالتحاق بجبهة الحرب في تشرين الأول لعام 1973 إلى « تنشيط ذاكرته بالاستماع إلى تسجيلات المحادثات التي جرت بين مائير ونيكسون ويتساءل بعدها حول ما يمكن فعله لتفادي تكرار نفس الأخطاء وبالتالي دفع بلاده بشكل أعمى نحو كارثة يوم عبور ثانية». حرب كلفت الجيش الإسرائيلي مقتل 2600 جندي.‏

وليس في رفض تل أبيب عرض الرئيس إوباما بتجميد عملية الاستيطان فترة ثلاثة أشهر فقط في الضفة الغربية (ولا يشمل الاستيطان في القدس) مقابل وعود لا سابق لها، والتي شبهها الصحفي توماس فريدمان، المؤيد لإسرائيل في مقالته(فحص للواقع) في صحيفة نيويورك تايمز في عددها تاريخ 11 كانون الأول المنصرم بمحاولة رشوة واضحة وصريحة، تأكيداً على عجز أوباما ممارسة ضغوط جدية على إسرائيل فحسب، وإنما أيضاً رفض نتنياهو لأي تفاهم.‏

ودون شك، إلى جانب مزاعمه في رغبته بتحقيق السلام،مثل أسلافه، ولكن السلام المذل، السلام الذي يفرضه الأقوياء، سلام يرتكز على أساس نكران الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.‏

خلال المفاوضات السرية مع الفلسطنيين المفهوم(الأمني الإسرائيلي) الأمر الذي يعني من بين شروط أخرى، قبول وجود القوات الإسرائيلية على نهر الأردن وعلى طول (جدار الفصل العنصري)- على الجانب الفلسطيني بالطبع- ومواصلة احتلال جزء كبير من الضفة الغربية(دان افرون 16 ساعة من أيلول) نيوزويك، 11 كانون الأول 2010)‏

ولم يحدد أي سقف زمني لهذا التواجد، وطبعاً تحرص لأن يستمر لغاية أن يصبح الفلسطينيون شعباً (متحضراً).‏

وهذا التجميد على الجبهة الفلسطينية دفع الجيش الإسرائيلي لرسم خطط لحروبه الجديدة تقوم على أساس(مفهومه الأمني) الذي يقول: إن جميع أولئك الذين يرفضون هيمنة تل أبيب على المنطقة هم«ارهابيون» ينبغي القضاء عليهم. ولا تمتلك أي دولة في العالم، حتى الولايات المتحدة، مفهوماً أمنياً واسع النطاق مثل الإسرائيلي، مفهوماً يجعل من اسرائيل صانعة حروب دائمة. ضد من سينقض الجيش الإسرائيلي وضد من سيسدد ضربته المقبلة؟‏

على غزة؟ قبل عامين حولتها الدبابات والطائرات الإسرائيلية إلى أنقاض ورماد وقتلت الآلاف من المدنيين. مرتكبة ما دعاه غولدستون في تقريره«جرائم حرب» ودون شك «جرائم ضد الإنسانية». ورغم ذلك لا تزال حماس في السلطة قوية. لنسأل إلى متى ستستكين إسرائيل إلى هذا الوضع؟‏

على لبنان؟ فشل الجيش الإسرائيلي خلال حربه التي شنها في تموز من عام 2006 في سحق حزب الله، في وقت تمكن من تدمير البلاد، في ظل تحد للقانون الدولي. والآن بعد ثلاث سنوات ونصف السنة لا زالت المقاومة اللبنانية أقوى من أي وقت مضى، ولا تستبعد هيئة الأركان الإسرائيلية القيام بعملية واسعة النطاق يمكن أن تؤدي إلى احتلال جزء من لبنان.‏

(انشيل بفيفر: هل الجيش الإسرائيلي مستعد لحرب ثالثة في لبنان) صحيفة هاآرتس في 19 كانون الأول المنصرم.‏

ضد إيران؟ مجازفة بخطر صراع شامل سوف يمتد من العراق إلى لبنان ومن فلسطين إلى أفغانستان؟‏

يقر الجميع أن غياب السلام في الشرق الأوسط يفضي بشكل حتمي إلى الحرب. وإسرائيل هي من سيشعل نارها. ولكنها لن تواجه أعداء أكثر فعالية بكثير، وإنما كما أشار يوري أفنيري، سوف تواجه عداء متزايداً من قبل الرأي العام العالمي، هذا العداء الذي يشير إليه بوضوح اعتراف العديد من دول العالم بالدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967، وكذلك الرسالة التي بعث بها 26 نائباً أوروبياً سابقاً(كريس باتن، جيليانو أماتو، فيليب غونزاليس، ليونيل جوسبان، هوبير فيدرين، رومانو برودي وخافيير سولانا..) -ما عدا بعض المتطرفين من النواب-يدعون بها الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات في حال لم تغير الحكومة الإسرائيلية لغاية الربيع المقبل من سياستها. ومن جهتها نشرت منظمة هيومان رايتس واتش تقريراًفي 19 كانون الأول المنصرم يشير إلى أن الفلسطينيين هم ضحايا تمييز عنصري ممنهج، كما ويدعو حكومة الولايات المتحدة إلى تقليص حجم مساعداتها السنوية لإسرائيل بحدود المليار دولار( وهو المعادل لإنفاقها على المستوطنات). وفي الختام يرى ناشط السلام الإسرائيلي يوري أفنيري أن هذا الدعم الأميركي لإسرائيل يعني مساعدتها على الانتحار «مثل هذه المساعدات لإسرائيل هي جريمة، وعلى العكس، فالانتحار ليس جريمة، وأولئك الذين يريد الله تدميرهم، يجعلهم في البداية مجانين. فادعوا أن يثيبنا الله إلى رشدنا قبل فوات الآوان.»‏

============================

الفساد الأعمى هل يقود الى إصلاح مبصر؟

المستقبل - الخميس 17 شباط 2011

العدد 3914 - رأي و فكر - صفحة 20

سفيان حامد

الفساد موجود، منتشر في كل مكان، ربما هو جزء من الطبيعة البشرية عند بعضهم للوصول للكسب بطرق أقصر. يقابله القانون الذي يعمل على محاربته، والحد من انتشاره.

عند غياب القانون، أو حين يصبح القانون في خدمة الفساد، نصل لحالة الفساد الأعمى، المنفلت من أي نوع من أنواع الضوابط، كما هي الحال في كل المجتمعات ذات الأنظمة الشمولية.

السلطة المطلقة هي البيئة المناسبة لنمو وترعرع الفساد، وتعملقه ليصبح العلامة الأبرز في كامل المشهد. وبشكل أوضح، هناك ارتباط وتلازم عضوي بينهما (الفساد- السلطة المطلقة). فالتشابه بين المجتمعات التي تعاني من سيطرة الفساد لا يحتاج إلى دلالة، حيث شخصنة الدولة، وتراجع دور كل مؤسساتها، والبرلمان فاقد لدوره التمثيلي والتشريعي والرقابي، والقضاء يعاني من تغول السلطة التنفيذية. وحتى الحزب الحاكم برغم ملايينه، فلا دور يذكر له سوى تكرار كلمات أمينه العام الذي يصبح رمز الدولة والوطن.

وتكتمل الصورة باجتماع السلطة والثروة، حيث تستحوذ الطبقة الحاكمة على كل المشاريع ذات الريعية العالية والسريعة، حتى ولو بالانتزاع من أصحابها، لتفرض سيطرتها على كل الفعاليات الاقتصادية، بما فيها الصناعة والنقل والاتصالات والتقانة والمصارف وقطاع التأمين والإعلان والفنادق، والسياحة وصولاً إلى تخصيص التعليم والصحة. يترافق ذلك بنمو سريع لطبقة جديدة من الانتهازيين الذين لا يحملون أي معايير وطنية أو أخلاقية، على حساب طبقة أصحاب الأعمال التقليدية التي جرى التضييق عليها, ثم إخراجها من الحلبة، بعد أن كانت قد استقدمت ووطنت وطورت أسس العمل الاقتصادي، ومعوّل عليها دور هام في إعادة البناء الاقتصادي والوطني على أسس سليمة مستقبلاً.

وإذا ما أضيف لكل ذلك فشل القطاع العام، واستعداده للخروج أو التخصيص، وغياب دور الدولة كأحد وسائل التوازن الاجتماعي (تأمين فرص عمل, تنظيم العلاقة بين أطراف العملية الاقتصادية)، فإن ذلك يقود بالضرورة لسقوط فئة كبيرة من المجتمع، وبالأخص شبابه في مستنقع الفقر والبطالة والتهميش والجهل، لتشكل خزان الاضطرابات الكامن بانتظار الفرصة السانحة. يجري كل ذلك بالاتساق المنطقي مع تراجع مفاهيم الوطنية، المواطنة، وسيادة القانون لصالح المذهبية والعشائرية، وانحسار مفاهيم الوسطية والاعتدال وقبول الآخر نحو التطرف والثأرية، وتقدم دور العنف كأحد أشكال العلاقة بين مكونات المجتمع, أفراداً وجماعات.

إذا ما سنحت الفرصة، تأتي الاضطرابات، ويأتي وقت البحث عن حل. وتكون المقاربة الأمنية هي الأسهل والأسرع متمثلة بصفقات القنابل المسيلة للدموع والهراوات العادية والكهربائية، وتقدم قوات حفظ النظام ومكافحة الشغب، ثم الاعتقال والسجن بتهم قد تبدأ بزعزعة الاستقرار ولا تنتهي عند الارتباط بالخارج والاشتراك بالمؤامرة. وكذلك المزيد من التضييق على الحريات العامة، وحرية الإعلام، ووسائل الانتظام المجتمعي (جمعيات-نقابات-أحزاب) وحديثاً الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة بعد دخولها القوي على الساحة. وبذلك نحصل على مجتمع مقيد وليس مستقرا، مغطى بقشرة استقرار تقوم الأجهزة الأمنية بترميمها في البؤر التي تهتكت فيها بصرف النظر عما يعتمل تحتها. وهنا يأتي دور الأفكار الخلاقة بإضافة قشرة جمالية فوق قشرة الاستقرار تلك كطبقة ماكياج ثقيل بغرض تجميل الصورة: فن تشكيلي، أعمال مسرحية، سيمفونيات، فعاليات تتعلق بالأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والبيئة، وكأن الدنيا بخير والشعب يمارس أعلى درجات الرفاهية كما في الدول المتقدمة.

بعد كل هذه الجوانب القاتمة، هل هناك جانب مضيء في الصورة؟ بوضوح أكثر، هل التغيير في منطقتنا ممكن؟

على صعيد المجتمع، ليس صعباً رصد التغير العميق الذي أصابه، وبخاصة فئاته الشابة، تغير طال مفهومه، وطرحه وأهدافه وأدواته. فبدل الطرح القائل بتسخير الدولة كأداة لتحقيق أهداف الأمة الكبرى، هناك العمل على تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وذلك عن طريق احتجاجات سلمية تكشف الغطاء عن مدى فداحة الفقر والبطالة، وتنادي بالقيم الإنسانية الاجماعية (حرية-عدالة) بدون تسييس أو تطييف، وذلك بالاستفادة من التجارب البشرية كلها القديمة والجديدة، البعيدة وحالياً القريبة, ومن المعطيات التقنية الحالية كوسائل تواصل فعالة وسريعة.

هناك تطور مجتمعي، لا يمكن للهيكليات الحاكمة إيقافه بوسائلها المتوفرة. هل كان البوعزيزي يعلم ماذا سيحصل بعده؟ ألم يتمكن التوانسة من تحويل الحادثة من حالة فردية إلى قضية مجتمعية وطنية؟ أي إعادتها إلى مكانها الصحيح بعد أن كانت السلطات البائدة هناك قد وصفتها ب "هشاشة نفسية".

مهما حاولت الهيكليات الحاكمة الصمود أطول، فالتغيير قادم، من بين أيديهم أو من خلفهم، من السماء (الفضائيات) أو من تحت الأرض (الانترنت). والسؤال الآن هو: هل يكون التغيير تدريجياً (إصلاحا) أم مرة واحدة (انفجارا)؟ الأيام القادمة تشي بالمزيد.

============================

رحيل مبارك

روجر كوين

السفير

17-2-2011

القاهرة في حالة اهتياج. الأبواق والهتافات تملأ العاصمة من ميدان التحرير إلى حي مصر الجديد، ومن ضفتي النيل إلى الأهرامات. فقد أزاحت ثورة شعبية يقودها الشباب المصري حسنى مبارك من السلطة، وهو الرجل الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لمدة 30 عاماً. وبعد الكثير من الكلام، وكل الالتواءات وكل التلفيقات الالتفافية لديكتاتور عربي واجهته حركة لم يستطع فهمها، جاءت النهاية موجزة: «تخلى حسنى مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية ونقل سلطاته الرئاسية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة». وتلا البيان بوجه ممتقع عمر سليمان نائب الرئيس بعد أن عمل طويلاً كتابع أمين لمبارك، الذي فوضه سلطاته مساء الخميس قبل أن تنتقل السلطة إلى الجيش.

وعندما واجه مبارك جيل الاتصالات، المكون من شباب حركة ترتبط بالانترنت تتراوح أعمارهم حول العشرين عاما، يطالبون بالحق في حرية الحديث، أثبت أنه أكثر شخص لا يجيد التواصل. فعلى كل من يتولى تدريس العلوم السياسية في القرن الحادي والعشرين، أن يبدأ بمصر، حيث اتضح أن ذكاء مجموعات الإنترنت قد تغلب على سلطة هرمية قوية.

وليس من الواضح المسار الذي ستتخذه القوات المسلحة المصرية، غير أن تعاطفها مع قضية الانتفاضة أو على الأقل إصرارها على عدم إطلاق النار على الشعب، والدفاع عن الأمة وليس المستبد كان واضحاً منذ أول تظاهرة ضخمة يوم 25 يناير. وصدر بيان عن المجلس العسكري الأعلى قبل تنحي مبارك يقول إنه «ملتزم برعاية المطالب المشروعة للشعب» في المطالبة «بمجتمع ديموقراطي حر» وتحدث عن «الشرفاء الذين رفضوا الفساد».

وأخيراً، بدا أن شعباً عربياً تعرّض للسحق طويلا، وتعرض طويلا للمهانة من غير المواطنين في دولة بلا قوانين قد هبّ ليتصدى. واستيقظ الشعب العربي من سبات حافل بتآمر مستبدين مسنين مصرين على إبعاد شعوبهم عن الحداثة.

وكنا نتساءل في الغرب عن السبب في صعوبة تحقيق سلام في الشرق الأوسط. ربما كان علينا أن نعترف أن اللبنات التي استخدمناها للبناء كانت عفنة حتى النخاع.

وبعد مرور قرابة عقد على 11/9، الحدث الذي دمر علاقة كانت قد نمت بين الغرب والإسلام، هذا هو يوم الأمل لملايين من الشباب في العالم العربي والعالم. وقد اندلعت الثورة المصرية في أعقاب ثورة تونس، مما يفرض تساؤلاً حتمياً: ما هو النموذج الآفل التالي بين الدولة العربية؟

ولا شك في أن الديموقراطيات تستغرق وقتاً لبنائها، ولكن بمجرد بنائها، كما توضح أوروبا، فإنها تقيم سلاماً بينها وبين الديموقراطيات الأخرى. ومن نافل القول، إن الجينات العربية لا تحمل عداء للديموقراطية، على الرغم من أن هذه الحقيقة ليست واضحة للبعض.

وجسد خطاب مبارك يوم الخميس، الذي حاول فيه التشبث بالسلطة القائمة، ممارسة سياسية للصمم السياسي: فلا يمكنك القول إنك راحل بينما تسرد قائمة بما تخطط للقيام به. ومثلما قال دبلوماسي غربي كبير: «إنه لم يفهم أبداً».

وكان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، على اتصال مستمر مع نظيره المصري محمد حسين طنطاوي، منذ بداية الانتفاضة، يحثه على ضبط النفس والسعي لإنجاز تحول ديموقراطي.

وأنا أتفهم موقف الجيش المصري، الذي يتلقى معونات أميركية تبلغ نحو 1,3 مليار دولار سنويا، وأوضح مرارا وتكرارا الأهمية التي يوليها للعلاقة مع الأميركيين واعتزامه عدم الاقدام على ما يضر بهذه الرابطة. ويبدو أن كل هذه الأموال الأميركية عشرات المليارات خلال حكم مبارك قد اشترت على الأقل جيشاً محترفاً. وقد حان الآن وقت اختبار هذا الاستثمار.

وفي يوم الجمعة عمت الثورة كل مكان، وامتدت من ميدان التحرير المكتظ بالحشود، فيما يشبه تحطيم سد. وتمت محاصرة القصر الجمهوري، ومبنى التلفزيون الحكومي، وفي دلتا النيل والصعيد أحاطت الاضطرابات بالمدن، وعند الساعات المبكرة من المساء كان كل شيء قد انتهى.

وقبل تنحي مبارك، كان الانتقال إلى انتخابات حرة مطروحاً عبر طريقين، الأول يجسده عمر سليمان. والثاني يتضمن تنقيح دستور كان مفصلا للديكتاتور، وتعديله وفق توجيهات طرحها مبارك ضمن تدابير رحيله.

وبدا لي أن هذا المسار ميئوس منه تماماً. وتمثل أحد العيوب في مصداقية سليمان، رجل المخابرات المسؤول عن حصته من التعذيب والقتل. فكيف يكون مبارك بعيدا عن المشهد بينما يقود سليمان عملية التحرك؟ وما هي فائدة تعديل الدستور بواسطة برلمان جاء عبر انتخابات مزورة في نوفمبر؟

والآن صار الطريق مفتوحا أمام مسار أفضل طرحه المعارض الحاصل على جائزة نوبل محمد البرادعي: إنشاء مجلس رئاسي يتضمن ممثلا للجيش وشخصيتين مدنيتين تحظيان بالاحترام، لمتابعة صياغة دستور ديموقراطي جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة خلال سنة.

وسوف يكون ذلك طريقاً شاقاً بعد نحو ستة عقود من الديكتاتورية، بيد أن المصريين أثبتوا مدى عمق حضارتهم.

مبروك يا مصر!

[ كاتب صحافي في جريدة نيويورك تايمز

============================

تغيير السياسات الأميركية المنحازة لإسرائيل

ابراهيم العبسي

الرأي الاردنية

17-2-2011

في مواكبته لتطورات الاحداث خلال الثورة الشعبية المصرية التي انفجرت في الخامس والعشرين من يناير الماضي حتى انتصارها في الرابع عشر من فبراير الحالي، كان الرئيس الاميركي باراك اوباما لا ينفك يشيد بهذه الثورة وبمطالبها المشروعة في التغيير الشامل وحق الشعب المصري في امتلاك الحرية والديمقراطية والحياة الحرة الكريمة بما يتفق وروح العصر وحاجات الشعب المصري الذي انفجر دفعة واحدة بعد عقود من القهر والاستبداد والقمع والنهب لثرواته وسرقة منجزاته لحساب السماسرة والتجار الذين نصبوا انفسهم حكاما على هذا الشعب.

كان الرئيس الاميركي ربما من اكثر المتحمسين في الغرب لهذه الثورة، ومن اكثر المطالبين بضرورة التغيير السلمي، واحداث اصلاحات جذرية في الدستور والقوانين والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تماما كما يطمح اليها الشعب المصري ويريدها. واثنينا على كلام اوباما، وقلنا ان كلامه ينسجم تماما مع شعاره المعروف بضرورة التغيير والاصلاح حتى في الدول المتقدمة، فما باله لا ينبس ببنت شفةفي حالة الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال الصهيوني منذ اكثر من ستين عاماّّ!! لماذا لا يطالب بحق تقرير المصير لهذا الشعب الذي يكابد الظلم والقهر على ايدي الصهاينة المحتلين!!

لماذا لا يطالب بضرورة تمكين هذا الشعب من الحصول على حقوقه الوطنية والسياسية والانسانية مثل بقية شعوب الارض!! لماذا لا يجهر بصوته عاليا وبطالب بالتحرير والحرية والانعتاق لهذا الشعب، وضرورة اقامة دولته المستقلة على خط الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس العربية!!

اكثر من ذلك، يصيبه الخرس والعجز عن قول كلمة واحدة ينتصر فيها لهذا الشب المظلوم، فيما جيش العصابات الصهيونية يواصل اجتياح اراضيه ونهبها والتنكيل بابنائه واعتفالهم وقتلهم وهدم بيوتهم وارغامهم على التشرد في وطنهم على مرأى ومسمع من العالم كله ويستمر في بناء المستوطنات وتهويد القدس!! ولماذا تهدد ادارته هذه الايام بانها ستستخدم حق النقض « الفيتو» ضد مشروع القرار الفلسطيني المقدم لمجلس الامن من اجل ادانة وشجب اعمال الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة وعلى رأسها القدس العربية.

نعرف ان الادارات الاميركية المتعاقبة ومنها ادارة اوباما اشتهرت بازدواجية المواقف والكيل بمكيالين في النظر الى قضايا الشعوب وفي المقدمة منها قضية الشعب الفلسطيني، ونعرف انها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة والضامن المعلن لامن اسرائيل ووجودها، ولكن هل اسرائيل التي تمتلك اكبر ترسانة عسكرية ونووية بحاجة الى من يضمن امنها وهي تمتلك كل اسلحة الدمار هذه!!

من الذي يهدد امن اسرائيل في المنطقة وهي على هذا المستوى من القوة الهائلة!!

ومن الاكثر حاجة لضمان امنه وحريته واستقلاله، الشعب الفلسطيني الذي لم يعد لديه شىء سوى ارادته ام اسرائيل التي تمارس العدوان يوميا ضد هذا الشعب!!

ان الولايات المتحدة بحاجة الى اعادة النظر في سياساتها التقليدية المنحازة لاسرائيل وبشكل جذري خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي اعترف اوباما في خطابه الشهير في جامعة القاهرة قبل عامين انها تعرضت الى اكبر عملية ظلم في التاريخ. ان العصر الذي نعيش فيه يتغير باسرع من الضوء وفق المعطيات والمتغيرات المتواصلة فيه، فهل كثير على اميركا ان تغير سياساتها التقليدية المنحازة حتى يقال عنها فعلا انها دولة الديمقراطية والعدالة والحرية وحقوق الانسان يحيث تقف مع المظلوم ضد الظالم ومع الحق ضد الباطل ومع الحرية ضد العسف والاضطهاد والاستبداد!!

============================

أميركا القوة الأكبر.. ولكن

مارتن إنديك

الرأي الاردنية

17-2-2011

في الشهر الماضي حث أوباما مبارك رئيس أهم دولة حليفة لأميركا في العالم العربي على الاستماع لمطالب شعبه والتنحي عن منصبه، كما قام بتكوين علاقة عملية مع الرئيس الصيني، وألقى خطابه المنتظر عن»حالة الاتحاد». وإذا قمنا بضم هذه الفعاليات المهمة معاً، فسوف نجد أنها تلقي ضوءاً على مدى تعقد أزمة القيادة العالمية بالنسبة للولايات المتحدة، وعلى الأسئلة الصعبة التي تواجهها في سبيل الاضطلاع بهذه القيادة من مثل: هل تتعاون مع الدول العظمى الأخرى كالصين أم تتنافس معها؟ وهل تتعاون مع بعض الحكام السلطويين أم تضغط عليهم؟

خلال العقود الثلاثة الماضية، وجد الرؤساء الأميركيون من الحزبين أن قدرتهم على التعامل مع تلك الأسئلة والمعضلات تتأثر لحد كبير بتغير موازين القوى في المنظومة الدولية.

فخلال الزيارة الرسمية التي قام بها «هو جنتاو» إلى أميركا، كان من السهل على المرء أن يتخيل أن سياسات العالم، واقتصاداته قد اختزلت على هيئة لعبة تدور بين أميركا الديمقراطية والصين غير الديمقراطية. ولكن الواقع كان أعقد من ذلك بكثير.

فعلى الرغم مما يقال عن أفول الولايات المتحدة الأميركية، فإنها تبقى، مع ذلك، أكبر قوة اقتصادية في العالم حيث يبلغ ناتجها القومي الإجمالي 14 تريليون دولار سنوياً.. ويصل نصيب الفرد فيها من الدخل القومي لإجمالي 41 ألف دولار، ويأتي بعدها دول الاتحاد الأوروبي التي يزيد الدخل القومي الإجمالي لمجموع دوله البالغ عددها 27 دولة، عن دخلنا القومي الإجمالي للولايات المتحدة بمقدار 2 تريليون دولار. وعلى الرغم من أن معظم الدول الأوروبية الشرقية، التي انضمت للاتحاد الأوروبي أفقر من باقي دوله الواقعة في غرب ووسط القارة، فإنها تنمو بشكل مستمر، وإن التحالف الغربي الذي يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يبقى مع ذلك في موقع الصدارة العالمية.

وصعود الصين المذهل، والتطور الهائل الذي شهدته بنيتها التحتية، والارتفاع الكبير في مستويات المعيشة لشعبها قصة معروفة جبداً للجميع. في الوقت نفسه، نجد أن الديمقراطيات الناهضة منذ عام 2008 مثل البرازيل، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، وتركيا قد حققت قفزات كبيرة للأمام هي الأخرى.

فنصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في الصين يبلغ 6000 دولار سنويًا، أي ما يزيد قليلاً عن نصف نصيب الفرد من الدخل القومي في دول مثل المكسيك وتركيا، ولا يزيد عن سُبع نصيب الفرد الأميركي من الدخل القومي.

وخلال العقد الأخير، حققت الهند إصلاحات دراماتيكية ، ولا تزال تحقق تقدماً كبيراً وترسخ أقدامها، وسط الاقتصادات الناهضة في العالم.

في الوقت نفسه، يتواصل فشل الدول غير الديمقراطية ذات الاقتصادات المثقلة بالقيود، حيث تحقق ناتجاً اقتصادياً منخفضاً، وتعاني من نسبة تضخم مرتفعة، ونموا سكانياً كبيراً.

وتشير كافة الاحتمالات، إلى أن ديمقراطيات الاقتصادات الناهضة، والاقتصادات الراسخة، هي التي ستصوغ شكل الاقتصاد والسياسة لفترة طويلة قادمة في القرن العشرين، وأن دول العالم العربي، ما لم تنجز إصلاحات ذات شأن فسوف تتأخر عن الركب.

بعض هذا النمو يرجع ببساطة إلى العوامل الديموغرافية فالولايات المتحدة على سبيل المثال نمت ديموغرافياً منذ عام 1980، وحتى الآن بنسبة 36 في المئة، وهو ما يزيد عن نسبة النمو الديموغرافي لدول الاتحاد الأوروبي واليابان أربع مرات. وتشير الإحصاءات الرسمية أن النمو الديموغرافي الأميركي كان أسرع بنسبة 50 في المئة من مثيله في الصين، وأن معدل النمو الديموغرافي الصيني، لو استمر عند معدله الحالي الذي لا يزيد عن 0.7 فأنه سيشكل–حتما–قيداً على النمو الصيني في نهاية المطاف.

وهناك دول كمصر على سبيل المثال، لديها سرعة في النمو الديموغرافي 2 في المئة تقريبا المصحوبة بنمو اقتصادي متعثر، وهذا مشكلة كبرى في توفير الوظائف لقوتها العاملة التي تزداد فيها نسبة الشباب بشكل مطرد.

والتحدي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة–ويواجه الدول الأخرى في كافة مناطق العالم، هو تحقيق التوازن بين الصادرات والواردات. فالاختلالات المتزايدة في الموازين التجارية، هي التي تؤدي إلى عدم استقرار الاقتصادات، وتقوض إمكانيات توفير فرص العمل.

والنمو الاقتصادي له تأثير على المناخ فالانبعاثات الكربونية ارتفعت بنسبة تزيد عن 50 في المئة بسبب النمو الاقتصادي المتسارع، وخصوصاً في الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة، مع ارتفاع متزايد ومطرد في نسبة الانبعاثات في دول الاقتصادات الناهضة أيضاً.

ومن ناحية ارتباط النمو الاقتصادي بالقوة العسكرية، لا زالت الولايات المتحدة هي القوة الأكبر في العالم، كما حلت الصين محل روسيا كثاني أكبر قوة، بيد أن المشكلة بالنسبة للولايات المتحدة في هذا الصدد، هي أنها لن تتمكن من الحفاظ على معدلات إنفاقها العسكري الحالية، بسبب العجز المتنامي في ميزانيتها في الوقت الذي ستتمكن فيه الصين من زيادة هذا الإنفاق بسبب قدارتها الاقتصادية المتنامية.

من كافة المعطيات والعوامل السابقة نخلص إلى أن الولايات المتحدة سوف تظل الدولة القائدة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في العالم، وأن هناك قوى جديدة تنهض بسرعة، ولكنها تواجه تعقيداتها الخاصة في المجالات الديموغرافية، والبيئية، ونظم الحكم.

والسؤال الحقيقي هنا ليس هو ما إذا كانت الدول الناهضة ستستطيع اللحاق بالولايات المتحدة أم لا... فالحقيقة أنها تستطيع ذلك. ولكن ذلك السؤال سيكون هو: هل ستستطيع الولايات المتحدة مواصلة النمو بطريقة تحقق الاستفادة لنفسها ولغيرها. وهل ستستطيع تقديم يد المساعدة في صياغة نظام اقتصادي جديد يتجنب الصراعات، ويشجع على المزيد من الحريات؟

( مدير مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط

بمعهد بروكنجز, والسفيرالأميركي الأسبق لدى إسرائيل)

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

============================

هذا زمن السقوط ب'السكتة الشعبية'

أحمد السنوسي

2011-02-16

القدس العربي

سقطت أنظمة استبدادية ب'السكتة الشعبية'، فيما اكتشفت أنظمة أخرى فجأة ان لها شعوبا، لكن خيالها لم يجمح بعيدا، فهي ما تزال تنظر اليها على أنها مجرد بطون جائعة، فعمدت على وجه الاستعجال الى مراقبة اسعار الطحين والطماطم والزيت، حتى لا تخرج من عقالها، ونسيت أن حاملي تلك البطون يملكون احلاما وتطلعات وشوقا جارفا الى الحرية والكرامة، ورغبة اكيدة ليس فقط في ترميم الشرخ العميق في جدار وطن جريح، بل يريدون اليوم اقتلاع وباء الفساد من جذوره، وليس فقط معالجة نتائجه بالمراهم المهدئة والمسكنات الظرفية.

واذا ما قمنا بقراءة هادئة لأدبيات ما تبقى من الأنظمة التي لم تمسها بعد 'السكتة الشعبية'، فاننا نصاب بالذهول لكونها تعتبر 'الشعب' مفهوما جديدا لا مرجعية له في ثقافة العرب العاربة، فيما حول عرب النفط أرجاء العالم العربي المعوزة الى منتجعات للدعارة والقمار، واستثمروا في فقر 'اخوانهم' العرب قليلا من 'الفكة'، فيما الارصدة من العيار الثقيل تنام راضية مرضية في البنوك الامريكية والاوروبية الصهيونية الى حين يصادرها 'الحلفاء' لدى حلول 'السكتة الشعبية'، بعد ان يطالب الشعب وفئاته المحرومة باستعادة المال المنهوب من ارضها وعرقها. لقد انتهى ذلك العهد الذي اعتبرت فيه أنظمة الاستبداد ان 'الشعب' فكرة جديدة ودخيلة. وما ذكى وهممها كونها لم تستمد شرعيتها من المنطوق الشعبي الحر، وانما استندت الى أساطير ودجل وشعوذة سياسية وجدت لها 'منظرين' مرتزقة و'مؤرخين' رسميين ومحللين ومحرمين' سياسيين، وكلاب حراسة شرسين بأنياب طويلة تنهش في جسد كل من تجرأ على الجهر بسؤال الشرعية.

ها قد انطلق عهد 'السكتات الشعبية'، لكن السؤال يظل قائما: هل اسقاط الديكتاتور يعني بالضرورة اسقاط الديكتاتورية، التي كان لها من الوقت ما يكفي لنسج شبكات متداخلة ومتقاطعة، اخترقت كل مجالات الحياة من أمن واقتصاد ومؤسسات واعلام وولاءات خارج الحدود، وتواطؤات من 'ديمقراطيي' أوروبا وامريكا، ومن منظمات دولية شكلت لها رأس مال هائلا من تجارة تسويق صورة الديكتاتور عالميا والترويج له وكأنه المنقذ من الضلال وحامي حمى أمريكا وأوروبا واسرائيل من خطر الاسلام، ومحاربة كل دعوة الى الانتفاض والانعتاق واحقاق الحق.

وقد أحبطت انتفاضة الجماهير العربية من سيدي بوزيد الى ميدان التحرير، كل هذه الصيغ الملتوية التي هدفت الى تأجيل الثورة الى أجل غير مسمى، وهو ما سيدفع بالمتربصين بالشعوب الى مراجعة حساباتها بالكامل. وقد تصيب الهدف اذا هي راهنت على دعم الثورة، وستخلف موعدها مع التاريخ ان هي عادت الى التآمر عليها، واصرت على دعم من تبقى من المفسدين في الارض. فمن رحم ثورتي تونس ومصر خرج قاموس عربي جديد نقحت صفحاته من المصطلحات المتآكلة والمفردات ذات الرنين الصداح والمعنى الاجوف، والكلمات التي ضجيجها اقوى من مدلولها، كما تخلص القاموس العربي الجديد المنبثق من معاناة الشعب من كل الامثال و'الحكم' التي ربت الانسان العربي على الانهزام والخضوع والامتثال وطاعة الحاكم، حتى لو كان على ضلال وظلم وجبروت، واوصته بالصمت لانه من ذهب، فيما الذهب تكدس في خزائن الطغاة، من البحر الى البحر.

واسدت له نصائح بحفظ اللسان لانه يؤدي بصاحبه الى التهلكة، (ألم يقل أحدهم: لساني سبع ان تركته أكلني)، وبالتزام الصمت حيث يجب الكلام، حيث تبارى شعراء الديكتاتور والمداحون في تعداد فضائل السكوت وفوضوا للطاغية الجلاد وحدة الحق في القول والفعل.

لقد خرج القاموس الجديد منتصرا من خضم ثورتي تونس ومصر.. وما ستليها من ثورات شعبية أخرى، حيث ستتخلص اللغة وقاموسها دفعة واحدة من الحمولات الاستبدادية المزروعة في صلب الكلمات، فاللغة ليست بريئة، كما يقول علماء السيميولوجيا، وعاشت الثورة.

' فنان وكاتب مغربي

============================

بعد الثورة هل يمكن إقامة نظام ديموقراطي في مصر؟

د. يوسف نور عوض

2011-02-16

القدس العربي

 ثمانية عشر يوما قضتها مصر والعالم كله ينظر إليها من أجل أن يرى ما ستسفر عنه هذه الثورة الرائدة في المنطقة العربية، وعلى الرغم من تطور الأحداث علوا وهبوطا فقد وصلت الثورة الجماهيرية إلى نتيجتها المنطقية برحيل الرئيس حسني مبارك استجابة لرغبة الجماهير، وعلى الرغم من ذلك يبقى سؤال مهم وهو هل رحيل مبارك أو النظام الذي جثم على صدور المصريين منذ ثورة يوليو عام ألف وتسعمئة واثنين وخمسين- وكانت له تداعيات في مختلف أنحاء العالم العربي - كفيل بتحقيق مصر لنظامها الديموقراطي؟ بالطبع ليست هناك إجابة مؤكدة لأن الثورة لم تكن تخضع لقيادة شعبية واضحة ولذلك كانت نتيجتها الحتمية أن السلطة سلمت لمجلس عسكري وعد بأن يسلمها للمدنيين بعد فترة قليلة، وهذا شأن العسكريين في كل زمان ومكان قبل أن يتوسعوا ويشكلوا نظامهم الجديد، ولا نريد بذلك أن ندخل في جدل حول ما إذا كانت الثورة المصرية قد وصلت إلى نتيجتها المحتومة أم لا، ذلك أن الذي نعرفة هو أن الجماهير فعلت أقصى ما تستطيعه وبقي عليها أن تتهيأ لمرحلة جديدة قد لا تكون واضحة المعالم لديها، وهنا يخالجنا سؤال مهم ؟ الإجابة نجدها في دراسة قيمة كتبها البروفسور مايكل ماندلبوم أستاذ السياسات الخارجية في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن وهو مؤلف كتاب السمعة الطيبة للديموقراطية 'صعود ومخاطر أنظمة الحكم الشعبية في العالم'.

ذهب مايكل ماندلبوم في دراسته إلى أن سقوط الرئيس حسني مبارك يمثل مرحلة مهمة من أجل تحول مصر إلى نظام آخر من الحكم، ولكن هل يعني ما ذهب إليه الانتقال من النظام الدكتاتوري والاستبدادي إلى نظام ديموقراطي؟

يقول مايكل ماندلبوم إنه غير متأكد من ذلك، مستندا في رأيه إلى حركة النظم الديموقراطية وتطورها في مختلف أنحاء العالم.

وهو مع ذلك يركز على المزايا الخاصة التي تتمتع بها مصر، والعقبات التي قد تقف في وجهها من أجل أن تقيم نظاما ديموقراطيا يستجيب لتطلعات شعبها.

ونرى مايكل يبدأ بمحاولة للتعريف بالمقصود بالديموقراطية أولا، والتي يرى أنها خليط من نظامين متباينين من التقاليد، أولهما الاعتراف بسلطة وسيادة الشعب التي تظهر بشكل واضح من خلال النظام الانتخابي، والثاني سيادة مفهوم الحرية في داخل النظامين الاجتماعي والسياسي، ويذهب مايكل إلى أن الحرية تأتي على ثلاثة أنواع، أولا هناك الحرية السياسية التي تشتمل على حقوق أفراد المجتمع في التعبير الحر والتجمع من أجل تحقيق أغراضهم الاجتماعية، وثانيا كفالة الحريات الدينية التي تبيح لأفراد الجمهور أن يمارسوا طقوس عقائدهم دون حجر عليهم، وأما المظهر الثالث للديموقراطية فهو سيادة الحرية الاقتصادية في داخل المجتمع، وهي التي تبيح للأفراد الحرية في التملك بحسب امكاناتهم دون أن يخضعوا لمنافسة غير عادلة من أصحاب النفوذ الذين يريدون السيطرة على كل شيء وحرمان الآخرين من امتلاك القليل.

ويرى مايكل ماندلبوم أن الانتخابات التي تجرى في معظم دول العالم لا تمثل وجها صادقا للديموقراطية، ويعتقد أن الديموقراطية في مصر تواجه تحديا حقيقيا من الجهات التي أحكمت تنظيم نفسها في جو غير ديموقراطي، ويذهب مايكل ماندلبوم إلى أن التنظيمات الدينية هي التحدي الحقيقي الذي تواجهه مصر، وتلك وجهة نظر سائدة عند كثير من الدول الغربية التي لا تطمح فقط إلى دعم التوجهات السياسية في بلد كمصر بل تمتلك أيضا أجندة سياسية خاصة بها في المنطقة.

ويرى ماندلبوم أن قدرة التنظيمات الدينية على الحركة في بلد كمصر هي التي قد تفرض على البلاد نظما سلطوية، وكان ذلك هو شأن روسيا بعد ثورة البلاشفة في عام 1917 وهي التي أخضعت البلاد لحكم تسلطي دكتاتوري استمر حتى سقوط دولة الاتحاد السوفييتي التي استمرت نحو خمسة وسبعين عاما.

ولكنه مع ذلك يقول حتى لو استطاعت مصر أن تتجنب حكما تسلطيا من مجموعات دينية فإنها ستواجه تحديات كبيرة في إقامة نظام ديموقراطي، لأنها لو نجحت في إجراء انتخابات حرة عامة فقد تجد من الصعوبة إقامة نظام يكفل الحريات كما هو الشأن في النظم الديموقراطية الراسخة، وذلك بسبب صعوبة إقامة نظام قضائي حر ومستقل لا يأتمر بأوامر السلطة.

والسؤال المهم في نظره هو كيف يمكن أن تضمن مصر نظاما ديموقراطيا حرا؟ والإجابة عنده هي أن الأمر لا يقتصر فقط على إجراء انتخابات يشارك فيها الجمي، بل يجب أن تتأسس الديموقراطية على نظام اقتصادي حر أيضا، وذلك ما أسست عليه كثير من الدول ديموقراطيتها لأن وجود اقتصاد السوق العادل يضمن مصالح جميع الناس ويجعل سائر أفراد المجتمع يتعاونون من أجل تحقيق مصالحهم المشتركة، ويرى ماندلبوم أن أي تفكير في إقامة نظام ديموقراطي يجب أن يسبقه عمل من أجل إقامة اقتصاد السوق الحر، وذلك ما استوعبته كثير من الدول في أمريكا اللاتينية وآسيا بحسب وجهة نظره. خلال القرن العشرين.

ويرى ماندلبوم أن مصر تواجه تحديا كبيرا من أجل إقامة اقتصاد السوق، ذلك أن النجاحات التي حققها الكثيرون في المجال الاقتصادي لم تتحقق بسبب الممارسة الاقتصادية الحرة بل بسبب استغلال النفوذ وصلات كثير من الاقتصاديين برجال السلطة، كما أن كثيرا من النجاحات التي تحققت لم يستفد منها الشعب لأن كثيرا من الأموال التي كسبها مستغلو النفوذ خرجت من الدورة الاقتصادية بترحيلها إلى المصارف الخارجية حيث دعمت اقتصادات دول أجنبية وحرمت الشعب المصري من الاستفادة منها.

ويرى أن التحول إلى الديموقراطية في مصر يواجه تحديا آخر بكون مصر واحدة من الدول العربية، وهي تختلف بذلك عن دول المعسكر الشرقي السابق، ذلك أنه حين سقطت الدكتاتوريات في أوروبا الشرقية كان هناك في أوربا الغربية ما تنظر إليه، ولكن مصر لا تجد في العالم العربي أنموذجا ديموقراطيا يمكن أن تتطلع إليه. ولكنه مع ذلك يرى أن المجتمع المصري يتمتع بمزايا لا تتمتع بها كثير من البلاد العربية، ذلك أن المجتمع المصري فيه درجة عالية من الانسجام وهو غير مقسم من الناحية العقدية والمذهبية مثل مجتمعات أخرى كالعراق ولبنان وسورية وغيرها، ذلك أن الانقسامات في الدول العربية الأخرى ليس لديها أرضية للتعاون المشترك بينما لا تظهر هذه الانقسامات في مصر التي لا يزيد عدد الأقباط فيها عن عشرة في المئة، و نادرا ما تكون هناك مشاكل دينية في داخل مصر، ويرى مايكل ماندلبوم أن مشاركة الملايين في ثورة سلمية كما حدث في مصر هو في الحقيقة رصيد كبير يؤكد أن مصر قادرة على أن تحقق أشياء كثيرة في مجتمعها إذا ما توافرت لها الظروف المناسبة. وهو يرى أن الديموقراطية ليست فقط مؤسسات بل تحتاج أيضا إلى ديموقراطيين يعملون من أجل تحقيق مبادئها حتى وإن واجهتهم ظروف صعبة تقعد بهم عن تحقيق الغرض المنشود.

ولا شك أن الملايين التي خرجت في ميدان التحرير أكدت أنها تريد نظاما ديموقراطيا، ولكن كما قال مايكل ماندلبوم فإن المطلوب أولا هو تحقيق النظام الاقتصادي الذي يتيح للكثيرين الحركة الحرة، كما يوفر للكثيرين فرصة التحرك اقتصاديا في داخل المجتمع بسلاسة، واستناد جميع هؤلاء على نظام للضمان الاجتماعي يوفر للفقراء الحد الأدنى من العيش الكريم، لكن ذلك لا يجعلنا نتجاهل حقيقة أن الشعب المصري قفز من عشرين مليونا خلال حكم الرئيس عبد الناصر إلى ما فوق الثمانين مليونا في عهد مبارك، وذلك ما يوجد عقبة حقيقية في تأسيس القاعدة الاقتصادية التي يقوم عليها النظام الديموقراطي.

' كاتب من السودان

============================

الاصلاح ما زال بعيدا عن سورية

رأي القدس

2011-02-16

القدس العربي

 لا يختلف اثنان على ان سقف الحريات التعبيرية في سورية منخفض للغاية، ويكاد يلامس القاع، وان سجلها على صعيد حقوق الانسان وانتهاكاتها غير براق على الاطلاق، ويحتل مكانة متدنية على القوائم التي تصدرها المنظمات العالمية المتخصصة مثل 'العفو الدولية' و'هيومان رايتس ووتش' وغيرهما، ولكن اللافت ان النظام السوري، وفي ظل الثورات التي رأيناها تطيح بنظامي تونس ومصر، غير عابئ على الاطلاق بما يجري في المنطقة من غليان شعبي، ويتصرف وكأنه محصن بالكامل من امتداداته.

الرئيس السوري بشار الأسد اعترف في احاديث صحافية عديدة بان الشارع العربي يريد 'التغيير' وقال إن الانظمة العربية يجب ان تتجاوب مع مطالبه في اجراء اصلاحات سريعة على صعيد الحريات والديمقراطية، ولكن ما نشاهده على الارض يتناقض مع هذا الكلام كلياً.

قبل ايام اصدرت محكمة امن الدولة حكماً بالسجن خمس سنوات على المدونة السورية الشابة طل الملوحي بتهمة التعامل مع الولايات المتحدة الامريكية، وساقتها قوات الامن، وهي ابنة التاسعة عشرة، الى قاعة المحكمة مقيدة اليدين معصوبة العينين، حسبما افادت وكالات الانباء الغربية، ومن دون ان تسمح لوالدتها بمشاهدتها او حضور جلسة المحكمة.

الفتاة صغيرة مراهقة، ارتكبت 'زلة' ثانوية، عندما انتقدت النظام على مدونتها، والقول بانها قدمت معلومات 'خطيرة' الى السفارة الامريكية في القاهرة من الصعب الاقتناع به، اولا لان امريكا ليست بحاجة الى خدمات هذه الفتاة، لان اقمارها الصناعية ترصد كل كبيرة وصغيرة في بلداننا، وثانيا لو انها كانت جاسوسة فعلا لكان الحكم عليها بالاعدام وليس خمس سنوات فقط، والمحاكم الامنية السورية ليست معروفة بالرأفة مع الجواسيس، صغر سنهم او كبر.

لا نجادل في حق النظام في الدفاع عن نفسه في مثل هذه المرحلة المفصلية، ولكن ما يمكن ان نجادل به هو ان اصدار احكام بمثل هذه القسوة على فتاة شابة وبتهم غير مقنعة، وامام محاكم غير عادلة، لا يخدم النظام، بل يزيد من الضغوط المتعاظمة عليه من الداخل والخارج لتحسين ملفه على صعيد الحريات وحقوق الانسان.

الشيء نفسه نقوله عن المحامي هيثم المالح البالغ من العمر ثلاثة وثمانين عاما الذي جرى اعتقاله والزج به بالسجن لانه يطالب بالحريات الاساسية واحترام حقوق الانسان، فهل يعقل ان رجلا في مثل سنه وحضاريته يمكن ان يشكل خطرا على نظام مستقر ويملك اجهزة امنية هي الاقوى في المنطقة؟

الرئيس الاسد وعد بالاصلاحات السياسية واطلاق الحريات ومكافحة الفساد في اول خطاب ألقاه بعد توليه مهام منصبه خلفا لوالده، ولكن قليلاً جدا من هذه الوعود قد تحقق بسبب اصرار مراكز القوى الامنية على التمسك بأدواتها ونهجها القديم الجديد في التعاطي مع ابناء الشعب السوري.

كنا نتوقع ان يبادر الرئيس الاسد الى تبييض السجون السورية، والافراج عن جميع المعتقلين، واطلاق قفزة اعلامية جديدة تسمح بمساحة اكبر للرأي الآخر، ولكن توقعاتنا تبخرت بمجرد سماعنا خبر صدور هذا الحكم الجائر على فتاة سورية شابة انتقدت النظام بلطف على مدونتها الشخصية التي لا يقرأها الا بضعة افراد هم اصدقاؤها وأسرتها.

============================

التغيير في مصر يوجب مراجعات أميركية وإسرائيلية

الخميس, 17 فبراير 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

بالمفهوم المتعارف عليه، كانت للولايات المتحدة وإسرائيل مصلحة في استمرار نظام الرئيس حسني مبارك في مصر، ومن «عجائب» أو قل بساطة الثورة الشبابية أنها بددت قدرة هاتين الدولتين على تجنيب حليفهما سقوطاً لا بد من أن ينعكس عليهما في المديين القريب والأبعد.

كانت إسرائيل مواكبة لما حصل داخل النظام المصري طوال الأسابيع الثلاثة لكنها ظلت بلا فاعلية، فمن تعتبرهم «أصدقاء» أو حتى مجرد محاورين غدوا مساء «جمعة الغضب» (28/1/2011) كمن تلقى الضربة ما قبل القاضية. أما الوضع بالنسبة الى الإدارة الأميركية فبدا مختلفاً تماماً، كانت تتابع بالوقت الطبيعي كل التطورات، وعندما شعرت بأن الدائرة الضيقة المحيطة بمبارك لم تعد متواصلة معها أو تخفي عنها سراً، أوفدت فرانك ويزنر الذي عاد باستخلاصات تتعلق ببزنسه الشخصي أكثر مما تهتم بتحليل دقيق للوقائع. ومع ذلك أخذت الإدارة بنصائحه، لكن بحذر، ونال النظام مباركة لخطته الانتقالية فبدأ الحوار مع القوى السياسية ليتبين أن الشارع كان تجاوز عملياً ذلك النظام وتلك القوى التي خشيت بدورها أن تُغضب شباب الثورة، ثم إنها أدركت أن النظام نفسه لا يملك صفقة يعرضها عليها.

بين «ميدان التحرير» الذي أصبح مركز قوة والنظام الذي تأخر كالعادة في استجاباته، كان لا بد من التعويل على المؤسسة العسكرية التي تركت للنظام استهلاك كل الفرص المتاحة أمامه. لم يكن الجيش راغباً في التمثل بالخطوة التي أقدم عليها الجيش التونسي حيال زين العابدين بن علي، لكن بدايات العصيان المدني اضطرته الى حسم موقفه. كان المتظاهرون بدأوا يقتربون من الاستيلاء على مقار مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى وبعض المحافظات، بل انهم استعدوا للزحف الى مقر الرئاسة. كل المؤشرات أنذرت بأن التحرك السلمي قد يؤول الى مآسٍ دموية لن تنقذ النظام في أي حال.

مساء 11/2/2011 أوحى الفرح الشعبي العارم في مجمل المنطقة للرئيس باراك أوباما أن يقول إن العالم يشهد واحدة من اللحظات التي تصنع التاريخ. للمرة الأولى استطاع هذا الرئيس الأميركي أن يقود ديبلوماسية تلتقي فيها رؤاه الشخصية مع الأساليب التقليدية المتبعة. كان جلياً أن واشنطن وإسرائيل ليستا على الموجة ذاتها، ففي الجانب الأميركي كان الاعتراف بالواقع والوقائع أقوى من التشبث بالمصلحة في بقاء مبارك في منصبه، بل كان هناك اعتراف بأن طبيعة التحرك الشعبي عطلت كل احتمالات التدخل من أجل نظام فقد قدرته الذاتية على الاستمرار. أما في الجانب الإسرائيلي فعدا الانتقادات الساخنة لأوباما وإدارته، ومديح «الاستقرار» الذي يعنيه نظام مبارك، كان هناك رفض وعدم تعاطف وتوجس حيال ثورة الشباب. وبعد إبداء القلق من نظام جديد على النمط الإيراني، أو من سيطرة «الإخوان المسلمين» على مصر، اضطرت إسرائيل في النهاية الى التقوقع في القلق على «معاهدة السلام» قبل أن ترحب بإعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة التزام كل المعاهدات. كان الأداء الإسرائيلي في هذه الأزمة قصير النظر وبعيداً عن الواقع.

لا شك في أن الحفاظ على «معاهدة السلام» هو أيضاً من أهم مطالب الأميركيين، لكنهم في الوقت نفسه يضعون الديموقراطية والإصلاح وحقوق الإنسان في مصاف الأهداف الاستراتيجية بالنسبة الى العالم العربي. وبمعزل عن الطريقة اليائسة التي عملت بها إدارة جورج بوش الابن، فإن أوباما نفسه ضمن خطابه الشهير في جامعة القاهرة فقرة طويلة على هذه الاستحقاقات الضرورية، ثم أن وزيرة الخارجية هيلاري تحدثت عنها في مؤتمر في العاصمة القطرية بعد أيام من سقوط النظام التونسي وعشية الاحتجاجات المصرية. ولعل الأميركيين يدركون أن «المعاهدة» باتت جزءاً لا يتجزأ من السياسة المصرية، وإذا كان وارداً أن يطلب أي حكم ديموقراطي منتخب إجراء مراجعة لها، فإنه يصعب توقع إلغائها الذي سيعني عندئذ إجماعاً وطنياً على معاودة نهج الحرب ضد إسرائيل ويكون على المؤسسة العسكرية أن تمتثل.

هذا الاستعداد المبكر الذي أبدته إدارة أوباما للتعايش مع التغيير في مصر، لا ينفي أن واشنطن ستعاني خلال الفترة الانتقالية، وقبل اتضاح توجهات الحكم المقبل، نوعاً من الفراغ الديبلوماسي في المنطقة. فمصر مبارح لم تكن الركن الأساسي في ما يعرف ب «معسكر الاعتدال» فحسب، وإنما كانت شريكاً رئيسياً في مداولات «عملية السلام» ومحاولات تحريكها. لكن المرحلة المقبلة تستدعي أيضاً مراجعة للديبلوماسية الأميركية في ضوء الثورة التي حصلت، لأنها انطوت على دلالات لا بد من أن تنعكس على خيارات الشعب في ظل الديموقراطية المنتظرة. كان مصريون من أعمار مختلفة ومن مشارب سياسية متنوعة يقولون إن كرامة مصر أهينت، وإن مكانتها ودورها ونفوذها الإقليمية تضاءلت، وإن «السلام» استغل لإضعاف مصر وإبعادها عن محيطها العربي وارتكاب حروب وجرائم باسمها وبموافقتها. لا بد أن هذا يعني على أقل تقدير أن أي ديبلوماسية في ظل نظام منتخب مدعوة الى وضع كل المآخذ في اعتبارها لتصحيح المفهوم الأصلي لهذا «السلام» بأنه يجب أن يكون خطوة رئيسية على طريق السلام الشامل، لا أن يقتصر على توفير الأمان لإسرائيل.

هناك عبارة في مقال للكاتب الإسرائيلي ألوف بن تلخص ما يمكن اعتباره المسؤولية السلبية التي حملها نظام مبارك فساهمت في إيذائه ولم تسهم في «السلام». قال إن «قادة إسرائيل كانوا يعرفون أن الخاصرة اليسرى مؤمنة حين يذهبون الى الحرب أو يبنون مستوطنات أو يفاوضون على السلام على الجبهات الأخرى» (هآرتس 13/2/2011). قال أيضاً أن بنيامين نتانياهو أراد الحرب على إيران مستنداً خصوصاً الى تأييد لا يتزعزع من مبارك، ما يعني استطراداً أن هذه الحرب (الإسرائيلية) لم تعد واردة الآن. لعل هذا هو التحليل الأكثر دقة ل «الخسارة» التي تعرضت لها إسرائيل من جراء التغيير. إذ أن الاستمرار في الممارسات المتهورة نفسها، من دون التغطية المصرية، من دون مبارك، سيكون استدعاءً سافراً للعداء المصري واستفزازاً محرجاً للنظام المقبل حتى لو تمسك ب «المعاهدة» لأسباب تتعلق بالمصلحة المصرية البحتة.

كان واضحاً أن إسرائيل تعاملت مع الحدث المصري باعتبارها على توافق تام مع النظام، وعلى عداء مؤكد مع الشعب. صحيح أنها لم تعد تخشى حروباً مع أي نظام عربي، إلا أنها اكتسبت عداء الشعوب بدل السلام. ويأتي ذلك في ظل تنافر فكري وحتى ايديولوجي بين حكومتها وإدارة أوباما التي برهنت مرتين في الأسابيع الأخيرة أنها لم تعد - كإسرائيل - تفضل الدكتاتوريات المستقرة بل تراهن على استقرار يأتي عبر الانتقال الى الديموقراطية. وعلى رغم أن موقف واشنطن لم يتبدل من ظاهرة «التطرف الإسلامي»، إلا أنها بدت أكثر واقعية حيال «ظهور الإخوان المسلمين» سواء في التظاهرات أو في الحوار المجهض مع نائب الرئيس المصري. ولهذا أسباب لا بد من تسجيلها، ف «الأخوان» لم يفجروا الثورة بل انخرطوا فيها مثلهم مثل معظم المصريين، ثم إن الأهداف الواعدة للتغيير تبدو الآن على الأقل كأنها أنهت ادعاء الإسلاميين بأنهم «البديل» الوحيد للأنظمة المتهادية. كما يؤمل، مع الوقت، بأن التغييرات المتوقعة عربياً يمكن أن تشكل البيئات المناسبة لذوبان «القاعدة» فيها شيئاً فشيئاً.

ليس مؤكداً أن إسرائيل، بوجود الثلاثي نتانياهو وليبرمان وباراك، في قيادتها يمكن أن تراجع الإساءة التي ارتكبتها حيال مصر والسلام الذي وفّر لها ثلاثين عاماً من الاستقرار لكنها استخدمتها لقتل «السلام» وتمهيداً لبناء دولة عنصرية وعدوانية. هذا امتحان كبير للكذبة المسماة «ديموقرطية إسرائيل». في المقابل سيكبر الرهان العربي على «مصر الجديدة» لتصحيح المسار العربي، ليس بالحرب كما قد يتوقع البعض، وإنما ب «عدوى» الديموقراطية... كان بين ردود الفعل تعليق للتلفزيون السوري يقول إن مصر «عادت الى الصف العربي»، وليس مفهوماً أي صف عربي هو المقصود، فمصر هي التي اعتادت تاريخياً أن تحدد الاصطفاف العربي، ولعلها فعلت أخيراً عبر «ميدان التحرير».

============================

رسالة أنقرة الضمنية إلى القاهرة: الديموقراطية والتصنيع ومجلس للأمن القومي

الخميس, 17 فبراير 2011

بول سالم *

الحياة

حضّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مصر على «الانتقال بسرعة نحو الحكم الديموقراطي من دون التسامح مع الفوضى وعدم الاستقرار». ولقد قيل الكثير عن «النموذج التركي» كمثال يحتذى في الحالة المصرية، لكن لا يمكن تجربة وطنية أن تقدّم تماماً بصفتها «نموذجاً» لأي دولة أخرى، كما لا تخلو التجربة التركية من ثغرات ومشاكل. ومع ذلك، ثمة ثلاث تجارب تركية مهمة يمكن الاستفادة منها في حالة مصر اليوم:

أولاً: مصر في حاجة إلى «مجلس أمن قومي» لتنظيم العلاقة المستقبلية بين القوات المسلحة وبين القادة المدنيين المُنتخبين. وقد أنشئ مجلس الأمن القومي التركي في أوائل الستينات، وهو يضم رؤساء أركان الجيش فضلاً عن الرئيس المدني، ورئيس الوزراء، والوزراء المعنيين، مثل وزراء الدفاع والداخلية والشؤون الخارجية، وما إلى ذلك. ويضع المجلس السياسة الخاصة بالشؤون الدفاعية والاستراتيجية، ويُعزز التوافق في الآراء بين القيادات العسكرية والمدنية. وهو يضمن للجيش دوراً وصوتاً في الدولة الديموقراطية، ويؤمّن مساعدة الجيش في تحقيق انتقال آمن ومستقر إلى الديموقراطية.

يمكن مصرَ أن تنشئ مجلساً للأمن القومي يلائمها من حيث عضويته وصلاحيته. ومن الواضح أن التعاون بين الجناحين العسكري والمدني عامل مهم وحاسم في الفترة الانتقالية، وربما يكون ضرورياً لسنوات عدة بعد أن تبدأ العملية الانتقالية. وبالفعل فقد دعا بعض الأصوات في مصر إلى تشكيل مجلس رئاسي انتقالي يضم قادة مدنيين وعسكريين. ويمكن مجلس الأمن القومي في مصر أن يضم عدداً موازياً من المسؤولين العسكريين والمدنيين: المسؤولين الحاليين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إضافة إلى الرئيس المدني المُنتخب، ورئيس الوزراء، والوزراء المعنيين. ويمكن أن يكون المجلس برئاسة رئيس الجمهورية. ويُعطى المجلس دور تحديد المعالم الرئيسة لاستراتيجية مصر الدفاعية والأمنية والسياسية، وهذه تشمل مسائل الأمن الداخلي والدفاع الخارجي والالتزامات الدولية والعلاقات الاستراتيجية. كما يمكن أن تشمل أيضاً حماية النظام الدستوري الديموقراطي الجديد. ولكي يتم تشجيع بناء توافق في الآراء، تتخذ القرارات بغالبية كبيرة (الثلثين على سبيل المثال).

من شأن مجلس كهذا طمأنة الجيش إلى أنه سيكون له دور ورأي في النظام الديموقراطي الجديد، وفي المقابل يحظى المجلس بدعم القوات المسلحة لضمان انتقال آمن ومستقر نحو الديموقراطية، من دون أن يتدهور الوضع إلى حالة من الفوضى، أو تحاول أي مجموعة اختطاف التحوّل الديموقراطي.

ثانياً: مصر تحتاج إلى التحرك بسرعة لبناء المؤسسات التي من شأنها تمكين الديموقراطية وتفعيلها. قد تبدو عملية الإطاحة بالمستبد سهلة مقارنة بالتحدي المُتمثّل في بناء المؤسسات والسلوكيات الديموقراطية. إذ لا يمكن التغلّب على آثار ستين سنة من الحكم السلطوي بسهولة. فقد استغرقت عملية التحوّل الديموقراطي في تركيا عقوداً عدة، وتعثّرت مراراً بسبب الانقلابات والنكسات. يمكن مصرَ أن تتعلّم من تجارب تركيا وإندونيسيا والكثير من البلدان في آسيا وجنوب أوروبا وأميركا اللاتينية، لإحداث تحوّل أسرع وأكثر ثباتاً إلى الديموقراطية.

في هذا السياق، مصر في حاجة إلى قوانين انتخابات برلمانية ومحلية ورئاسية جديدة. وسيكون التمثيل النسبي أكثر ملاءمة على المستويين البرلماني والمحلي لضمان تمثيل واسع لألوان الطيف السياسي الجديد في مصر. وعلى المستوى الرئاسي، لا بد أن تضمن القوانين الجديدة عملية انتخابية مفتوحة فعلاً، بينما تبني في الوقت نفسه الخطوات التي تمكّن الأحزاب الجديدة والمرشحين من بناء قاعدة سياسية فعلية من خلال انتخابات حزبية ومناطقية تأهيلية.

قد ينفع لصياغة قوانين انتخابية جديدة تشكيل «لجنة وطنية عليا لإصلاح القوانين والأنظمة الانتخابية»، تتألف من خبراء مصريين في القانون والسياسة، لاستعراض الخيارات المختلفة والتوصية باعتماد الأنسب منها. هناك الكثير من التجارب العالمية التي يمكن التعلّم منها، ويتعيّن على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يكونا على استعداد لتقديم المساعدة التقنية لمثل هذه اللجنة، أو للحكومة المصرية، على الفور.

على رغم أنه يُرجّح أن يشرف القضاء على أول انتخابات في مرحلة ما بعد الثورة، فإن مصر في حاجة أيضاً إلى التحرّك بسرعة لإنشاء «مفوضية عليا مستقلة للانتخابات» لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها. وهذا ما فعلته معظم الديموقراطيات في العالم. فالمفوضية تُوفّر ما يلزم من الحياد والكفاءة والشفافية، في الوقت الذي تحافظ فيه على دور القضاء في الفصل في أية انتهاكات أو طعون.

الانتخابات لا معنى لها من دون وجود أحزاب سياسية فاعلة تستطيع عرض مطالب الشعب، وتقديم البدائل السياسية، وطرح المرشحين. وبعد عقود طويلة من الديكتاتورية، سيتطلب بناء هذه الأحزاب السياسية دعماً أساسياً من الحكومة الانتقالية في مصر ومساعدة كبيرة من المجتمع الدولي.

لقد أوحى شباب ميدان التحرير بظهور اتجاه جديد في العالم العربي، يرمز إلى المواطن والديموقراطية والحرية والتعددية والعدالة الاجتماعية. إنهم في حاجة إلى فرصة لكي ينتظموا في حزب سياسي فاعل. أما الأحزاب الأخرى الأقدم فهي في حاجة إلى فرصة أيضاً لتقييم الواقع الجديد، وتجديد أجنداتها، والإعداد للانتخابات.

وبالنسبة إلى الحركة الأكثر تنظيماً في مصر، جماعة «الإخوان المسلمين»، فلديها بالتأكيد الكثير لتدرسه من التجربة الانتخابية الغنية للحركة الإسلامية في تركيا. فقد أدرك الإسلاميون في تركيا منذ سنوات أن قلة فقط من الناخبين هي التي تدفعها الاهتمامات الدينية البحتة، وأن أجندة دينية ضيّقة قد تكسب من الخصوم بقدر ما تكسب من المؤيدين، وبالتالي، فإن حزب «العدالة والتنمية» التركي تجاوز الدين بحد ذاته كبرنامج سياسي. صحيح أن الناخبين الشديدي التديّن يُشكّلون جزءاً مهماً من قاعدته، لكن بخلاف ذلك فهو يصف أجندته الاجتماعية والثقافية بأنها «محافظة» وليست دينية، وقد طوّر مروحة كاملة من المواقف في شأن القضايا السياسية والاقتصادية الرئيسة التي تهم جميع الأتراك. وعلى غرار الأحزاب الأخرى في الغرب اليوم، فإن حزب «العدالة والتنمية» يحصل على أصوات قاعدة مقتنعة أيديولوجياً، لكن الأصوات التي تؤمّن له الأكثريات وتسمح له بالفوز في الانتخابات مستمدة من طيف واسع من الناخبين يختارونه بسبب سياساته في الحكم، لا بسبب أجندته العقائدية.

وأخيراً فإن مصر تحتاج، مثلما احتاجت تركيا قبلها، إلى تغيير سياساتها الاقتصادية والشروع في سياسة تصنيع جدية. فقد كان من الدوافع الرئيسة وراء الاحتجاجات في مصر - إلى جانب المطالب السياسية - هو يأس الشباب بسبب البطالة وواقع الفقر والتهميش. إن سياسات التحرير الاقتصادي التي انتهجتها مصر منذ السبعينات لم تحقق سوى معدلات محدودة من النمو (4 – 5 في المئة)، ولم تقابلها معدلات مرتفعة على صعيد التوظيف. ويعود السبب في ذلك إلى أن النمو تم في قطاعات معينة كالعقارات والأعمال المصرفية والسياحة والخدمات الخ... التي لا تُوفّر سوى وظائف محدودة أو منخفضة الأجر. وكما أدرك القادة من تركيا إلى الصين، فإن الطريقة الوحيدة للبلدان ذات العدد الكبير من السكان للخروج في شكل حاسم من نير التخلف الاقتصادي، تتمثّل بالتركيز على التصنيع والتصدير. وبالتأكيد تشمل هذه السياسة التصنيع والتصدير الزراعيين اذ يشغل القطاع الزراعي فئات واسعة من هذه المجتمعات. لقد تطورت تركيا بفعل سياسات التصنيع والتصدير، ولدى مصر القوة العاملة والموقع الاستراتيجي لتحقيق نجاح اقتصادي مماثل.

لقد عادت مصر إلى التاريخ من جديد، بعد غياب قسري طويل. وأظهر الشعب المصري إرادته في التغيير. والآن تبدأ المهمة الصعبة المتمثّلة في ترجمة تلك الإرادة إلى مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية مستدامة. وفي سياق هذه العملية، يمكن مصرَ أن تستفيد من بعض نواحي التجربة التركية في المرحلة الأخيرة، كما يمكنها أيضاً الاستفادة من تجربة البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم، التي مرّت بعملية الانتقال من السلطوية إلى الديموقراطية، والتي تأثرت اليوم بثورة الشعب المصري، والتي هي على أتمّ الاستعداد لتقديم الخبرة والمساعدة.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

============================

تأملات من وحي التجربة التونسية

رفيق عبد السلام

الشرق الاوسط

17-2-2011

لم يعد من المهم اليوم التنقيب عن أسباب ودواعي اندلاع الثورة التي انطلقت شرارتها الأولى في تونس قبل أن تأخذ طريقها إلى مصر، مركز الثقل العربي بلا منازع، فقد غدت هذه الأمور في ذمة التاريخ، وبين يدي المؤرخين وعلماء السياسة والاجتماع لإجالة النظر فيها بشيء من الهدوء والروية، ولكن ما هو أكثر إلحاحا اليوم، هو تشخيص التحديات التي ستواجه التونسيين في مقبل أيامهم وكيف يتم التغلب عليها، ثم تقوية عوامل المناعة الذاتية في ظل العواصف التي تحيط بهم.

لقد بدأت بتدوين هذه التأملات، وأنا أطل على شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية، وليس من لندن أو الدوحة على النحو الذي تعودت لسنوات طوال، وذلك بعد غياب طويل وقسري عنها دام ما يزيد على العقدين من الزمن، ولعل هذا ما أتاح للمرء تحسس مشاعرهم بصورة مباشرة والاقتراب أكثر من مشاغلهم وهواجسهم العامة.

ما يشد انتباهك لأول وهلة وأنت تجالس الناس وتتحدث إليهم، ميلهم التلقائي إلى تخطي حاجزي الخوف والتكلف، ورغبتهم الجامحة في الحديث في شؤون السياسة والسياسيين، وفي مثل هذه الأجواء، غدا التظاهر والاحتجاج جزءا مكينا من الحياة اليومية للتونسيين، وكأن هناك صاعقا كهربائيا قد سرى فجأة في دواخلهم وحرك فيهم هذه الطاقة الثورية غير المسبوقة، على الرغم مما عرف عن التونسيين من هدوء ومسالمة. ولا غرو أن ترى التصميم الشديد على النزول إلى الشارع واستخدام ما هو متاح من أساليب الاحتجاج المدني حتى بعد رحيل بن علي من قصر قرطاج. فقد غدت كلمة «ديجاج» الفرنسية، التي تعني «ارحل»، بمثابة الكلمة السحرية التي تجري على ألسنة الجميع في كل حين ولحظة. وهي حالة تعكس خشية الناس الشديدة من الالتفاف على ثورتهم وإهدار المكاسب التي انتزعوها من بين أنياب نظام تسلطي غشيم قد حكمهم بالحديد والنار على امتداد 23 سنة متتالية. فعلا ثمة ما يمكن تسميته هنا بعقدة 7 نوفمبر، تخيم على وعي التونسيين ومخيلتهم، أي توجسهم من أن يتم التحايل عليهم مرة ثانية من خلال تقديم بعض التنازلات الجزئية وبيعهم بعض الوعود الكاذبة التي يتم لعقها لاحقا على نحو ما فعل الرئيس المخلوع بعد إزاحة سلفه بورقيبة سنة 1987.

لقد قيل الكثير عن أن هذه الثورة كانت تلقائية وتفتقد القيادة والتوجيه، وليس لها برنامج سياسي واضح. وهو حكم ليس خاطئا بإطلاق، لكنه قطعا يحتاج إلى شيء من التنسيب. صحيح أنه لم تكن هنالك قيادة مركزية ضابطة وموجهة لحركة الشارع، لكن هذا لا ينفي وجود قيادات ميدانية شابة ضاربة بجذورها في الأرض لعبت دور المحرك الرئيسي في التمرد على حكم بن علي، سواء في المناطق الداخلية التي انطلقت منها الأحداث أو في العاصمة والمدن الكبرى فيما بعد، وهي تتكون أساسا من العناصر النقابية الميدانية المنحدرة من المنظمة العمالية العريقة، الاتحاد العام التونسي للشغل، ومن نشطاء سياسيين محليين وطلاب جامعات. وهذا في حد ذاته كفيل بمراجعة المفهوم السائد للقيادة. ربما نحن اليوم إزاء تشكل معنى جديد للقيادة لم نعرفه من قبل، أفصحت عنه التجربة التونسية ومن بعدها المصرية، وهو مفهوم يقوم على الأداء الوظيفي الميداني، وعلى الامتداد الأفقي بدلا من القيادات التراتبية والمركزية على النحو التقليدي المعروف، وهذا تحول فرضته أدوات الاتصال والمعرفة الحديثة، أو ما بعد الحديثة التي أتاحت بسط المعلومة والمعرفة بين عامة الناس وخاصتهم، وما عادت حكرا على فئة حصرية محددة تسمى القيادة أو الطليعة.

كما من الصحيح أيضا أنه لم يتبلور برنامج سياسي واضح، خصوصا في الأيام الأولى لاندلاع الثورة في المدن الداخلية التونسية المحرومة، بيد أن ذلك لا يجب أن يحجب عنا حقيقة الترابط بين مقولتي الحرية والعدالة الاجتماعية في وعي ووجدان الشبيبة التونسية التي فجرت هذه الثورة، وهذا ما ينطبق أيضا على الشبيبة المصرية التي رابطت في ميدان التحرير والتي ينتمي أغلبها إلى الطبقات الوسطى وما فوق الوسطى.

على الرغم من بعض المحاذير التي صاحبت، وما زالت تصاحب ثورة التونسيين، ومن بعدهم المصريون، فإن ما يدعو إلى الاطمئنان هو أنهما لم تنزلقا باتجاه الهيجان أو العنف الصاخب الذي يطبع الثورات عادة. هنا في تونس ترى الناس وهم يستأنفون وتيرة حياتهم اليومية ومداومة أشغالهم وأعمالهم، جنبا إلى جنب مع حركة الاعتصامات والمظاهرات اليومية التي لا تهدأ، سواء في العاصمة أو في غيرها من المدن التونسية الأخرى، فقد رأيت بأم عيني كيف ينفتح حشد المتظاهرين أمام عربات المترو أو سيارات الإسعاف وغيرها، ثم يعود الناس للالتحام مجددا، كما رأيت كيف احتشد رجال الأمن أمام مقر وزارة الداخلية في العاصمة، الذين كانوا إلى وقت قريب لا يرعوون عن جلد ظهور الناس وتعقبهم، للتبرؤ من مساوئ عهد الرئيس المخلوع، والمطالبة بنقابة تدافع عن مصالحهم المهنية.

ما ترسخ في ذهني من هذه الزيارة السريعة، بعد غياب طويل، هو أن عموم التونسيين بنخبتهم وجمهورهم لديهم إحساس عميق بكونهم قد أنجزوا مهمة عظيمة وشاقة، بإزالة صخرة كبيرة كانت تجثم على صدورهم على امتداد 23 سنة متتالية تقريبا، لكنهم مع ذلك يضعون أيديهم على صدورهم خشية اختطاف الثورة من بين أيديهم لصالح قوى العهد الغارب.

بيد أنه إذا تجاوزنا تشخيص الوضع الراهن وما هو عاجل من الأمور لصالح ما ينتظر التونسيين من مهام مستقبلية فإنه يمكننا بشيء من الاختصار أن نجملها في الآتي:

أولا: تفكيك بنى التسلط السياسي التي أقام دعائمها نظام بورقيبة الأبوي منذ استقلال البلد عن الاستعمار الفرنسي سنة 1956، والتي زادها حكم بن علي الغارب تعقيدا وضخامة من خلال إمعانه في توسيع وتعقيد الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ولعل هذا ما يعطي أولوية قصوى لإعادة بناء الأجهزة الأمنية وتقليص حجمها إلى الحد الذي يحتاجه بلد صغير مثل تونس لا يزيد عدد سكانه على عشرة ملايين ونصف المليون، ومن ذلك حل جهاز البوليس السياسي الشرس الذي استند إليه بن علي للفتك بخصومه وبث الرعب في المجتمع.

ثانيا: القطع مع العهد «القديم»، مؤسسات وثقافة ووجوها، بيد أنه يتوجب أن تكون هذه القطيعة هادئة وتراكمية وتتجنب الوقوع في مطبات الثورات عادة التي تولد مجنونة ومهووسة بفكرة البداية الكاملة والجدة المطلقة. يكمن التحدي هنا في الحفاظ على شيء من التوازن بين خطي الاستمرار والقطيعة، ومن ذلك الإقرار بأن هذه الثورة، فضلا عن كونها منجزا شعبيا عاما، فهي تتويج لميراث فكري وسياسي تواردت عليه نضالات ومطالب قوى سياسية وفكرية واجتماعية كثيرة من اليساريين والقوميين والليبراليين والنقابيين والإسلاميين، ثم فئات الشباب والقوى الجديدة الصاعدة، وليست ملكا لفئة معينة أو جماعة حصرية.. إن فكرة التدرج الهادئ ضرورية ومهمة للحفاظ على توازن الاجتماع السياسي وعدم الانزلاق في الهزات العامة التي تصاحب مولد الثورات عادة، شريطة أن يكون هذا الانتقال جادا وراسخا تحميه آليات ثابتة وواضحة وليس مجرد وعود في بطون الغيب، بحيث لا يتكرر خداع الحقبة السابقة التي قامت على المخاتلة والوعود الكاذبة. وهنا يهمنا أن نشير إلى أن مطلب الفصل بين الحزب والدولة وحل التجمع الدستوري الديمقراطي يظل أمرا مشروعا ولازما لفك الصلة بالعهد السابق، على أن تتاح لهذا الحزب فرصة إعادة بناء نفسه، إن أراد ذلك، على أسس جديدة بمعزل عن غنيمة الدولة التي تعيش عليها عقودا طويلة.

إن المحذور الأخطر الذي يجب ألا يقع فيه التونسيون وأقرانهم المصريون هو إطلاق العنان لغريزة الانتقام والتشفي، أي فكرة التطهير وما عساها تجلبه من كوارث على نحو ما رأيناه في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي.

ثالثا: الاتجاه نحو بناء ديمقراطية توافقية بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية، التي أسهمت على نحو أو آخر في إنجاح الثورة، وهذا يقتضي فيما يقتضيه إعادة بناء الإجماع العام حول أسس وأولويات المرحلة المقبلة بعيدا عن كل أشكال الاحتكار والاستثناء، بحيث تشعر جميع القوى السياسية الفاعلة بأن لها قدرا ونصيبا من السلطة وحق الكلمة في شؤون البلاد، مثلما يشعر الجميع أن لهم مصلحة في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي المعطلة. لقد بينت تجربة الجزائر المجاورة كم هو خطير الاعتماد على صناديق الاقتراع وحدها من دون ضمان توازن في المصالح والمنافع بين مختلف الأطياف السياسية. وحتى أكون دقيقا هنا أقول: إنه ليس من الضروري أن ينال كل طرف نصيبه السياسي بحسب حجمه الشعبي على الأرض بل لا بد من مراعاة مبدأ التوازن؛ بحيث لا يكون هناك رابح بالكامل وخاسر بالكامل. فلا أحد يريد أن يستبدل بهيمنة الحزب الحاكم أي ضرب من ضروب الانفراد أو الهيمنة الحزبية الأخرى كيفما كان شكلها ولونها.

إن وجود خطوط تحالف سياسي وجبهوي عريض بين تيارات سياسية وفكرية مختلفة من شأنه أن يحقق هدفين متكاملين هنا، أولا: الابتعاد عن مربع الاستقطاب الآيديولوجي والثقافي الذي تدفع بعض المجموعات العقائدية على إحيائه من مراقده مجددا، من قبيل القول: إن هنالك صراعا بين العلمانيين والإسلاميين أو بين الحداثيين والرجعيين وما شابه ذلك من العناوين الأخرى المضللة التي عطلت الحياة السياسة التونسية لسنوات طويلة، وأتاحت للعهد السابق غرز مخالبه في الجميع بعد ذلك. إذا لم يكن هناك بد من وجود فرز سياسي فيجب أن يكون بين أنصار التغيير الجاد وبين أولئك الذين يعملون على إيقاف ساعة الزمن والتحايل على الثورة.

هذه ملاحظات سريعة أسوقها عن تجربة تونس الصغيرة قبل أن تكتمل الحلقة الأولى من الثورة المصرية بتنحي الرئيس حسني مبارك، ولعل فيها ما هو جدير بالنظر والاعتبار من طرف أهلنا في مصر الذين تسلموا اليوم مشعل التغيير، وهم الذين انتدبتهم أقدار التاريخ والجغرافيا ليكونوا دوما في الموقع الأهم والأثقل لقيادة القاطرة العربية المعطوبة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ