ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 20/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

رياح التغيير في الوطن العربي

فهمي الكتوت

2011-02-19

العرب اليوم

تهب رياح التغيير والديمقراطية على الوطن العربي, ثورتان شعبيتان في شهر واحد, انتصار الشعب المصري بعد الشعب التونسي زلزل أركان المنطقة, وحفز الشعوب العربية نحو التغيير. فشهدت عدد من الدول العربية تحركات شعبية واسعة, الجامع المشترك بينهما التصدي للانظمة المستبدة المعادية للديمقراطية, ومواجهة الفساد وافقار الشعوب العربية, كما ان وسائلها واحدة, على الرغم ان لكل دولة خصائصها, ففي الوقت الذي فتحت الثورة التونسية الطريق امام الامة العربية لمواجهة الطغاة, وشقت الطريق نحو الديمقراطية باساليب سلمية, فالثورة المصرية سوف تحدث تطورا ملموسا في الموقف العربي, لما تشكله مصر من محور رئيسي في الوطن العربي وإفريقيا, فانتصارها سيحدث تغييرا جوهريا في السياسة والاقتصاد على مختلف الاصعدة المحلية والعربية والإقليمية والدولية.

تميزت هذه الثورات بأهدافها ووسائلها, لم يعتد العالم على هذا النوع من الثورات, فسقوط الديكتاتوريات يحتاج الى ثورات شعبية مسلحة, او انتفاضة عسكرية للإطاحة بها, أما الوطن العربي اعتاد على انقلابات عسكرية توصل العسكر الى السلطة, باسم الحرية والديمقراطية والتحرير- تحرير فلسطين- ومع مرور أكثر من نصف قرن على هذه المشاهد المستنسخة في عدة أقطار عربية, لم تشهد الأجيال حرية او ديمقراطية, ولم يشهد أبناء النكبة او سواهم تحرير شبر واحد من فلسطين, لا بل سقطت باقي الأراضي الفلسطينية بأيدي الصهاينة, وأصبح كامل التراب الفلسطيني تحت الاحتلال, امتلأ الوطن العربي بصراخ حكامه, حول أمجادهم بتحرير الثروات العربية من النهب الاستعماري, ليكتشف العالم ان الاستعمار يحتاج الى دروس بالنهب من النظام العربي, فلم يقتصر على بيع الثروات بل باع الأصول ايضا - المصانع والمنشآت والأراضي- بثمن بخس للحصول على العمولات التي تراكمت وأصبحت بعشرات المليارات للحاكم وأعوانه.

فالشعوب العربية تمر بمرحلة جديدة سمتها الأساسية الانتقال الى الدولة المدنية, عبر آليات عمل ديمقراطية ومبادئ دستورية, تؤمن الانتقال السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع, أما المرحلة الحالية مرحلة ما بعد الثورة وقبل بناء المؤسسات الديمقراطية واستقرار النظام الديمقراطي تعتبر من أصعب المراحل, فالانتقال من مرحلة الى أخرى ليس سهلا, خاصة الانتقال من نظام ديكتاتوري بوليسي, الى نظام ديمقراطي يؤمن التداول السلمي للسلطة, حيث يشتد الصراع بين القديم والجديد, فالقوى الاجتماعية التي كانت سائدة ومهيمنة على نظام الحكم والتي استغلت السلطة في الاستيلاء على ثروات البلاد وخيراتها بطرق غير مشروعة, لم تستسلم بسهولة, وهي تمارس أساليب مختلفة لإعادة حركة التاريخ الى الوراء, بعد ان فشلت في قمع الثورة, كما ان الجماهير الشعبية في الوطن العربي لم تمارس الديمقراطية, فالديمقراطية ثقافة ووعي وسلوك انساني جديد على الوطن العربي. فإذا كانت الديمقراطيات الغربية نشأت في أوروبا بعد الثورة الفرنسية ضد الإقطاع والنبلاء والنظم السياسية المدعومة من الكنيسة, لكن محركها الأساسي نمو القوى المنتجة البرجوازية في أحشاء النظام الإقطاعي الذي شكل حاجزا منيعا في وجه تطور علاقات إنتاج رأسمالية, ما كان ممكنا تخلي الإقطاع عن سلطته المركزية في أوروبا لولا انتصار الثورة الفرنسية, التي مهدت الطريق أمام الانتقال من تشكيلة اقتصادية اجتماعية - النظام الإقطاعي- الى تشكيلة اقتصادية اجتماعية جديدة - النظام الرأسمالي- بناء نظام جديد كان احد سماته الرئيسية الديمقراطية البرجوازية التي وفرت الحرية المطلقة لحركة رأس المال باعتباره هدفا رئيسا للثورة البرجوازية, وكان للاهداف النبيلة للثورة في الحرية والديمقراطية حافز لالتفاف الطبقات المضطهدة حولها.

اما قيادة ثورة الشباب فهي مسألة جديدة في تاريخ الثورات, تستحق الدراسة والتمعن, جيل من الشباب استفاد من ثورة المعلومات ليس فقط للحصول على اهم المعلومات, بل ومن اجل التواصل الاجتماعي للتمهيد والاعداد والاعلان عن الثورة, بشفافية متناهية تحت سمع وبصر الطغاة واجهزتهم القمعية, ثورة لم تُحك ْفي الظلام اوفي البيوت السرية, والاحزاب السياسية لم تشكل دورا ملموسا في حركة الشباب خاصة في التجربة المصرية, فالثورة لم تكن من إعداد وترتيب حركة سياسية منظمة- حزب او تجمع أحزاب- بل هي تجربة جديدة ومميزة في أدواتها وأهدافها, فأدواتها تشكلت عبر التواصل الاجتماعي من خلال الشبكة العنكبوتية, وتشكلت قيادات في الساحات والميادين, وأعلن الشباب في مصر عن تشكيل ائتلاف في ميدان التحرير بعد مرور حوالي أسبوعين على الثورة, من شباب لا تجمعهم رؤية سياسية واجتماعية متماثلة, ولم يؤطر نشاطهم حزبا سياسيا,مع انهم يتهيئون للاعلان عن حزب, يتولى الدفاع عن مكاسب الثورة واهدافها المعلنة, - الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية- وهي نقاط محورية ثلاث يمكن بالاستناد اليها استنباط برنامج سياسي شامل بمختلف مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية, لبناء دولة مدنية عصرية تواكب التطورات العالمية وترقى لمستوى الأمم المتحضرة.

لا ارغب في التبسيط اوالتسطيح فالامر قد يكون اكثر تعقيدا, خاصة وان الشيطان يكمن في التفاصيل, وان المشروع السياسي المطروح يضم جماهير غفيرة من الشبيبة لا تربطهم علاقات تاريخية او تجربة سياسية, وحدّدتهم الثورة في ميدان التحرير, مع ذلك اعتقد ان من اهم منجزات الثورة انخراط الشباب في الحياة السياسية, وهو ما فشلت الاحزاب السياسية في تحقيقه, حيت تعاني الاحزاب السياسية في الوطن العربي من عدم سريان دماء جديدة في شرايينها.

===================

أول خطوة نحو الديمقراطية

آخر تحديث:السبت ,19/02/2011

أسامة عبد الرحمن

الخليج

يبدو أن أول خطوة في اتجاه تحقيق الديمقراطية هي حرية التعبير، ذلك أنها تمثل قاعدة للتعبير عن الاتجاهات المختلفة والمتعددة، وفي نفس الوقت تفتح إطاراً واسعاً للمساءلة . ويمكن إن ترسخت حرية التعبير، أن تكون منطلقاً لمزيد من الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها، وأن تزيد من النضج المجتمعي . ولكن هذا الإطار الواسع لحرية التعبير يجب أن يكون راسخاً وثابتاً وغير قابل للتهميش أو التحجيم . وهذا ما يصعب ضمانه في غياب التوجه الحقيقي نحو الديمقراطية، أو الإرادة الجادة للسعي نحو الديمقراطية . ومن ثم فإن هذه الخطوة في اتجاه تحقيق الديمقراطية لا بد أن ترتكز على قاعدة سليمة وثابتة حتى يمكنها أن تفتح الأفق نحو ديمقراطية حقيقية واعدة .

وحرية التعبير حين تتيح المجال واسعاً للآراء المختلفة والتوجهات المتباينة، فإنها تعطي الفرص للحوار، وثقافة الحوار التي هي سند أساسي في ثقافة الديمقراطية . وثقافة الحوار أو ثقافة الديمقراطية، لا تأتي من خلال قنوات تلقين أيديولوجي أو غير أيديولوجي، ولكنها تعتمد على الآفاق الرحبة للانطلاق والممارسة والتجربة . وقد يكون للتجربة بعض هفواتها وأخطائها ولكنها من خلال الممارسة قادرة على تلافي الهفوات وتصحيح الأخطاء .

صحيح أنه يجب إشاعة ثقافة الحوار حتى في الأطر التعليمية، ولكنه حتى من خلال هذه الأطر، يجب أن تعتمد على الممارسة، وليس على التلقين . ومن اللافت للنظر أن العالم العربي يأتي عموماً في الدرجات الدنيا بالنسبة إلى حرية التعبير بين دول العالم، رغم أن هناك تفاوتاً نسبياً بين الأقطار العربية في ما يتعلق بحرية التعبير . وربما كان هامش التعبير في بعضها أفضل من هامش التعبير في أقطار أخرى قد يضيق فيها الهامش إلى حد كبير . فالتعبير بالرأي وقبول الرأي الآخر نهج حضاري سلمي وليس مصدره الثقافة الغربية وحدها بتوجهها الديمقراطي، ولكن هذه الحرية مشهودة، حتى ولو عبر بعض النماذج المحدودة من التاريخ الإنساني، وهي ليست حكراً على ثقافة بعينها، ذلك أنها تمثل نتاجاً حضارياً بفكر حضاري قبل أن يتحول إلى ممارسة في حقب متأخرة . ومعروف أن انسداد الآفاق أمام حرية التعبير واحد من الأسباب المؤدية إلى التعبير بوسائل أخرى بعضها يعتمد على الإنترنت، وربما ينحو بعضها الآخر منحى عفوياً . وهنا تبرز مشكلة التصدي لهذه التحديات التي يفرزها انعدام حرية التعبير، أو انسداد الآفاق أمام حرية التعبير . ولا بد أن تحشد جهود وموارد وطاقات تلاحق المستفيدين من الإنترنت، وإن كان من غير الممكن تقييد الفضاء الإعلامي الواسع .

إن الفضاء الإعلامي الواسع، والإنترنت على وجه الخصوص، يمثل مرتعاً خصباً للتعبير عن الرأي من دون قيد أو رقابة، ويختلط فيه الحابل بالنابل، والصالح بالطالح وقد يجد فيه الغثاء حيزاً، لأن ردة الفعل كبيرة إزاء انعدام حرية التعبير وانسداد الآفاق . وقد تجد في الفضاء الإعلامي الواسع والإنترنت على وجه الخصوص . . إطاراً يسمح لها بإطلاق العنان للآراء والتوجهات التي لا يمكن كبحها إلا بكبح الفضاء الإعلامي الواسع بما فيه الإنترنت . وهذا أمر مستحيل . ربما يرى البعض في ذلك متنفساً لاحتقان سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، وأنه لا ضير من هذا المتنفس إذا كان يمتص ذلك الاحتقان من خلال هذه الوسائل المعلوماتية والإعلامية . ذلك أنه إن بقي في هذه الصورة، فهي أفضل بكثير من أن تكون ردة الفعل بوسائل أخرى تنحو نحو العنف، أو تتخذه مركباً لبلوغ غاياتها . ولذلك فإن وجود إطار واسع لحرية التعبير يمتص الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفي نفس الوقت يمكن أن يكون منطلقاً حقيقياً نحو الديمقراطية التي تمثل في مضمونها وجوهرها حواراً بين الآراء والتوجهات والبرامج المختلفة تحت مظلة واحدة تتجسد في ممارسة بناءة وموضوعية .

وإذا كان العالم العربي في درجات دنيا بالنسبة إلى حرية التعبير بين دول العالم، فذلك لا يدل على ضيق الهامش أمام حرية التعبير، أو انسداد الآفاق أمامه فحسب، ولكنه دليل في ذات الوقت على أن الخطوة الأولى الجادة نحو الديمقراطية مازالت غير حاضرة أو أنها متعثرة، وإن كان هناك تفاوت نسبي ملحوظ بين الأقطار العربية في هذا السياق . ولذا فإن على العالم العربي أن يخطو هذه الخطوة الجادة نحو الديمقراطية الحقيقية حتى تكون الشعارات التي يرفعها عن الديمقراطية شعارات حقيقية واعدة وليست مجرد وسيلة لامتصاص بعض الاحتقان، أو تجميل الصورة الرسمية، ذلك أنها إن بقيت مجرد وسيلة لامتصاص الاحتقان أو تجميل الصورة الرسمية، فإنها لن تصل إلى هذا الهدف في فضاء معلوماتي وإعلامي واسع، وقد يتجاوز التعبير الإنترنت إلى الشارع وثورته .

===================

عريقات: الوثائق والاستقالة

تاريخ النشر: السبت 19 فبراير 2011

جويل جرينبورج

الاتحاد

أريحا

أعلن صائب عريقات، المفاوض الفلسطيني الذي استقال في الآونة الأخيرة من منصبه كرئيس لدائرة المفاوضات الفلسطينية، بعد تسريب وثائق حساسة من مكتبه تتعلق بالمفاوضات، أن استقالته لم تأتِ بسبب ما جاء في الوثائق من مضامين، بل لأنه يتحمل المسؤولية في تسريب أوراق فلسطينية من مكتبه الخاص، ولابد من دفع الثمن.

فقد كان الشخص المشرف على الوثائق ولا يمكن التسامح مع ذلك. وقد كشفت الوثائق المسربة أن المفاوض الفلسطيني كان مستعداً لتقديم تنازلات مهمة للطرف الإسرائيلي فيما يخص القدس الشرقية وموضوع اللاجئين خلال المفاوضات التي جرت بين الطرفين في عام 2008، بحيث أثارت الوثائق عاصفة من الجدل سواء داخل فلسطين وفي باقي العواصم العربية.

وكان عريقات الذي اتهمه بعض المعلقين بأنه باع القضية الفلسطينية وسعى منذ ذلك الوقت إلى ترميم سمعته والحفاظ على صورته كمفاوض خدم قضيته لسنوات طويلة، قد قال في حوار أجري معه من مكتبه في مدينة أريحا، إنه بتنحيه يريد أن يعطي المثال في تحمل المسؤولية وعدم التنصل منها، أو إلقائها على الآخرين كما يحدث في الدول العربية، وعبر عن ذلك بقوله: "عندما يحصل اختراق لمكتبي ويتم الوصول إلى وثائق سرية حول مواضيع فلسطينية حساسة، فإنه لا يمكنني إلا أن أتحمل المسؤولية، ولا أستطيع الاستمرار في منصبي بعد هذا الخطأ الذي أعترف به، لذا أرغم نفسي على دفع الثمن جراء إهمالي، هذه هي المعايير وأخلاقيات المنصب العام، وعلى باقي المسؤولين الفلسطينيين أن يتعلموا مما جرى".

وأكد عريقات أن المعلومات المسربة تم الحصول عليها بصورة غير قانونية من كمبيوتر محمول لأحد الموظفين في دائرة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعدما أثبتت لجنة للتحقيق شكلتها السلطة الفلسطينية أن الأوراق المسربة خرجت من مكتبه، قرر التنحي، مضيفاً أن استقالته لاقت معارضة كبيرة داخل السلطة التي أرادت منه الاستمرار في منصبه لكنه أصر على الرحيل حفاظاً على ماء وجهه وتحملا للمسؤولية الملقاة على عاتقه.

وقالت قناة "الجزيرة" في وقت سابق إنها حصلت على ما لا يقل عن 1600 وثيقة فلسطينية، بما فيها محاضر جلسات المفاوضات مع إسرائيل، تضمنت معلومات عن موافقة المفاوض الفلسطيني على ضم إسرائيل لمستوطنات كبرى في القدس الشرقية عدا حي واحد، فضلا عن التخلي عن حق اللاجئين في العودة والاكتفاء بعدد محدود لا يلبي مطالب الفلسطينيين. وجاءت هذه الوثائق التي تناقض، فيما تحمله، المواقف العلنية للسلطة الفلسطينية، لتحرج المفاوض الفلسطيني وتضعه في موقع الدفاع عن النفس.

وقد حاول عريقات الدفاع عن نفسه في برامج تلفزيونية من خلال التأكيد على أن المعلومات مجتزأة عن سياقها ولا تعبر حقيقة عن الموقف الفلسطيني الموحد حيال القضايا الرئيسية التي لا يمكن، على حد تعبيره، التفريط فيها لأنه ببساطة لن يتم التصديق على أي اتفاق إلا بعد استفتاء الشعب الفلسطيني.

وفي معرض الدفاع عن موقف السلطة قال عريقات إنه تحدث في أكثر من مرة عن قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 على أساس مبدأ "تبادل الأراضي بنفس القيمة والمثل"، وأنه وفقاً لذلك ستتم مقايضة المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بأراض تتخلى عنها إسرائيل، كما أضاف أنه تحدث عن حل "عادل ومتفق عليه" لقضية اللاجئين، مشيراً إلى أن الاتفاق سيكون مع الإسرائيليين وليس مع الصين لضمان عودة اللاجئين إلى إسرائيل. وقال عريقات "إني عندما تكلمت عن تبادل الأراضي فإن الشعب الفلسطيني يعرف جيداً ما أقوله، وعندما أشير إلى مواضيع القدس واللاجئين فإن المعايير باتت واضحة ولا يمكن التلاعب بها".

هذا ويُذكر أن عريقات البالغ من العمر 55 عاماً كان أحد المفاوضين الفلسطينيين البارزين منذ مؤتمر مدريد عام 1991، كما عُين ابتداء من 2003 رئيس دائرة المفاوضات، وحتى بعد استقالته من منصبه وتأكيده عدم المشاركة في أية مفاوضات مقبلة مع إسرائيل، قال إنه ما يزال عضواً في اللجنة المركزية لحركة "فتح" بالضفة الغربية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

===================

التخويف من الفوضى ومن الإسلاميين

حسين العودات

التاريخ: 19 فبراير 2011

البيان

دأبت بعض الأنظمة العربية الشمولية على التخويف من تغييرها ورحيلها بحجة أن البديل عنها هو إما الفوضى أو تسلم الإسلاميين السلطة، وقد استطاعت هذه الأنظمة أن تقنع الإدارة الأميركية والدول الأوروبية بمزاعمها، حيث أخذت هذه الدول  في ضوء ذلك  تراعي هذه الأنظمة وتعزف عن الضغط عليها، وتدعمها أحياناً، تجنباً للفوضى المحتملة في حال سقوط النظام. أو تولي الإسلاميين السلطة، مما يسبب مزيداً من الإرباك أو المشكلات أو يخلق صعوبات أو يعيق تنفيذ سياسات الغرب واستراتيجياته في المنطقة، على افتراض أن الفوضى ستولد الإرهاب وعدم الاستقرار، وقد يتاح المجال لقفز تيارات متطرفة (يسارية أو شبه يسارية أو قومية على السلطة) معادية للغرب وسياساته، وقد تتحول هذه البلدان إلى ما يشبه الحال الأفغاني أو ما هو قريب منه. كما استطاعت هذه الأنظمة أن تدخل في وعي شعوبها المزاعم نفسها، وتقنعها أن الإسلاميين هم البديل المؤكد، وبالتالي ليس على هذه الشعوب سوى القبول بهذه الأنظمة مهما كانت سياساتها ومضامينها ومواقفها والانحياز إليها ضد هذا العدو المفترض، الذي سيسلم البلاد والعباد إلى إسلاميين متطرفين، ويبدو النموذج الطالباني ماثلاً أمام الجميع. وأمام هذه المخاوف قد تسكت الشعوب عن أخطاء وخطايا حكامها وعسفهم واستبدادهم وفسادهم، انطلاقاً من أن (المر خير من الأمر) وأن هذه الأنظمة  برغم آثامها  تبقى أفضل من الفوضى أو من حكم الإسلاميين المتطرفين، وقد استكان الغرب الأميركي والأوروبي لهذه المزاعم كما استكانت الشعوب لها، وسكتت علناً عن آثام أنظمتها خوفاً من الأسوأ، واستمرت اللعبة منذ ما يقارب العقدين، أو على الأقل منذ بداية عهد الرئيس بوش ومحافظيه الجدد في مطلع القرن الحالي.

تعتبر حركة النهضة في تونس من أقوى التيارات السياسية التونسية، وهي كما هو معلوم حركة الإخوان المسلمين في تونس، وعضو في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وكان نظام الرئيس زين العابدين بن علي قد أقنع الخارج والداخل أن بديل نظامه إما تسلم حركة النهضة السلطة أو الفوضى، وقد حدث ما حدث في تونس ولم يكن البديل كذلك، بل كان الشعب التونسي بكل قواه الوطنية والديمقراطية هو البديل، وكان ناشطو حركة النهضة جزءاً من المنتفضين وفصيلاً من الفصائل الأخرى لا أكثر ولا أقل، ولم تستطع لا هي ولا غيرها الاستفراد بالقيادة أو بالوراثة، كما لم تستطع أن تكون إلا كما هو حجمها الطبيعي دون مبالغات أو أوهام، وتصرفت خلال الانتفاضة التونسية وبعدها حسب ذلك، ولم تطالب بما لا يتناسب مع واقعها وقدرتها.

أما الإخوان المسلمون في مصر، فهم أكبر حركة إخوان مسلمين في العالم، وأقوى تيار سياسي معارض، لكن قدراتهم وإمكانياتهم لم تؤهلهم لا لقيادة الانتفاضة ولا للسيطرة عليها. وبالتالي لم يحق لهم المطالبة بأكثر من إمكانياتهم وقدراتهم الواقعية، وهم يوقنون باستحالة توليهم السلطة، عكس ما كان يزعم النظام ويحاول إقناع الغرب والداخل بمزاعمه.

لقد تبين من خلال انتفاضتي تونس ومصر، أن الفوضى ليست من البدائل للأنظمة الشمولية العربية، وأن الشعوب في البلدان العربية تعي ما تريد، وتبتعد عن الفوضى والعنف باعتبارهما خيارين مرذولين، وبالتالي فإن جميع الأوهام التي نشرتها بعض الأنظمة العربية الزاعمة أن الفوضى هي البديل مجرد أوهام ومزاعم غير بريئة، ومحاولات إخافة وتخويف لاستدرار عطف الخارج والداخل وكسبهما إلى جانبها، أو على الأقل لتوجسهما من تغيير هذه الأنظمة، في الوقت الذي أكدت انتفاضتا تونس ومصر أن تولي الإسلاميين السلطة بعد سقوط الأنظمة القائمة هو بدوره مجرد وهم، فما دام أقوى حزبين إسلاميين في البلدان العربية لم يستطيعا الوثوب على السلطة في الظروف التي مر بها البلدان، والتي كانت مهيأة لهما أكثر من أي وقت مضى، فإن أي حزب إسلامي لا يستطيع ذلك في أي بلد عربي آخر، وأقصى ما يطمح إليه هو أن يكون شريكاً في القرار الوطني، سواء قبل إسقاط النظام أو بعده، ولا يطالب، ولن يطالب كما يبدو، سوى بقبوله شريكاً والتعامل معه حسب إمكانياته وقدراته فقط ودون أوهام.

من يدرس واقع الأنظمة العربية وتجاربها، يلاحظ أن التيارات والحركات الإسلامية كانت تزدهر في ظلال الاستبداد والشمولية، وتتراجع مع تقدم الديمقراطية، وأنها وليدة المنع والقمع والعسف، وعلى ذلك فإن الضغوط على هذه التيارات، وملاحقتها ومنعها من النشاط والحركة، وإلزامها على العمل السري، هي أسباب ازدهار هذه التيارات والحركات والأحزاب التابعة لها، والشرط الموضوعي لنموها. وعلى العكس من ذلك فإن المناخ الديموقراطي يعيدها إلى حجمها الطبيعي مثلها مثل الأحزاب الأخرى المعارضة، ويضعها في إطار قدراتها الواقعية. ولعل الإدارة الأميركية أدركت ذلك بعد الانتفاضة التونسية وخلال الانتفاضة المصرية، ولذلك أعلن مسؤولوها رضاهم عن مشاركة الإخوان المسلمين المصريين في السلطة دون خشية، شريطة أن يكون النظام السياسي ديموقراطياً، وبالتالي رفعوا (الحرم) المفروض على دخول التيارات السياسية الإسلامية في اللعبة السياسية، على أن تكون لعبة ديمقراطية. بعد أن تأكدوا بأن مزاعم الأنظمة السياسية العربية القائمة المتعلقة بالإيهام بقوة هذه التيارات، ما هي إلا مزاعم وأوهام لا علاقة لها بالحقيقة ولا بالواقع، وإنما لها أهداف أخرى على رأسها المبالغة بقوة التيارات الإسلامية، وإقناع الخارج والداخل بأنها البديل المؤكد.

لقد سقطت عند ذوي الشأن أوهام الخوف من الفوضى ومن قفز التيارات الإسلامية على السلطة، كبديل لبعض الأنظمة الشمولية القائمة، وعلى هذه الأنظمة أن تبحث بعد الآن عن وسائل تخويف جديدة غير الفوضى وغير الإسلاميين.

===================

الشعب المصري تحت الراية المنصورة

ممدوح طه

التاريخ: 19 فبراير 2011

البيان

يبدو أن الصورة التاريخية التي فاقت أكثر الصور الإنسانية خيالا وإبهارا، والتي التقطتها كل عيون العالم للشعب المصري الفرحان تحت رايته المنصورة، في المشهد الختامي ل«ميدان التحرير»، ستظل في ذاكرة شعوب العالم دليلا على إرادة وحضارة وكرامة هذا الشعب..

فما بين الخامس والعشرين من يناير الماضي والحادي عشر من فبراير الحالي، وخلال ثمانية عشر يوما فقط، صنع الشعب المصري بشبابه وشيوخه، وبنسائه ورجاله، وبكل أطيافه وأجياله، وفي طليعته هذا الجيل الرائع من شعب مصر العربي بإرادته الحرة، ملحمة تاريخية تفوق أكثر الأحلام روعة وخيالا، محققا على أرض الواقع على امتداد الوطن المصري أعظم ثورة شعبية في التاريخ المصري. وربما سوف نظل لأيام وربما لأعوام طويلة قادمة، نستخلص الدروس والعبر لنتائج الصراع الأبدي بين الخير والشر، ونقرأ في الكثير من الصور والمشاهد الرائعة التي سجلت تلك الملحمة الأسطورية الرائعة، لانتصار الإرادة الشعبية للشعب العربي في تونس التي بشرت بالثورة الشعبية، وفي مصر وفي طليعتها هذا الجيل الجديد لمصر الجديدة الذي جاء في موعده مع القدر.

ولم يكن الشعب المصري وحده هو الذي يشعر بالفرحة ويحتفل بالنصر، بعد انتصار إرادته الحرة ونجاح ثورته البيضاء، التي بدأها شباب من هذا الجيل الرائع في عالم افتراضي، وجسدتها معه كل الأجيال والأطياف حركة تتسارع وتتسع، وتفعل فعلها البناء على الأرض تحقيقا لحلم التغيير، بل كان الشعب العربي كله من المحيط إلى الخليج يفرح لفرحه ويحتفل معه بانتصار إرادته.

حينما توقفت عقارب الساعة في تلك اللحظات التاريخية الفاصلة بين الخوف والأمل، الظلم والعدل، والقهر والحرية، والظلام والنور، وبالتحديد بعد أن فرغ المصريون من صلاة المغرب في «جمعة الخلاص» التي كانت تتويجا ل«جمعة الغضب» و«جمعة الرحيل»، طلبا للحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية.. وعندما كانت أبصار العالم كله بشعوبه وقادته، وبساسته وإعلامييه، شاخصة بعيونها على شاشات التلفزيون ترقب ذلك الميدان الكبير الغاص بطوفان بشري مليوني لم تشهد له مصر مثيلا، لا في نبل أهدافه ولا في شرف سلوكه الحضاري، ولا في إصراره على الفيضان منذ انطلاقته الثورية في الخامس والعشرين من يناير، وحتى لحظة الحسم برحيل الفرعون.

هذه المشاركة الشعبية العربية لذلك المشهد التاريخي لنموذج الشعب المصري في «ميدان التحرير»، تجسدت في مشاهد شعبية رائعة في بيروت ودمشق، وغزة ورام الله، وبغداد وعمان، والجزائر والسودان، والمغرب وموريتانيا والخرطوم وصنعاء، والعديد من المدن العربية، تجاوبا وجدانيا مع الفرحة الشعبية المصرية الفياضة في القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد والمنصورة والعريش ومطروح وأسيوط والمنيا وأسوان وسائر المدن المصرية. وينبع ذلك التوحد من سلامة القاعدة الثابتة في الوعي المصري والعربي، والقائلة «مصر بخير.. العرب بخير»، أي إذا سلمت مصر سلم الوطن العربي، وإذا مرضت مصر مرض الوطن العربي، والعكس أيضا صحيح.. لأن الشعب العربي في الواقع شعب واحد، والألم والأمل العربي في الضمير والوجدان واحد.. والمستقبل والمصير العربي في الوعي الشعبي واحد. وعندما أكدت مصر منذ انطلاق ثورتها التاريخية في 23 يوليو عام 1952، الهوية العربية للشعب المصري، انطلق هذا الشعب يدافع عن قضاياه الوطنية في الحق والعدل والحرية، مثلما انطلق بنفس القوة يدافع عن قضاياه القومية وفي مقدمتها القضية الفسطينية. فحمل هذا الشعب قضايا أمته العربية في ضميره ووجدانه، وانتقل بقلبه وعقله إلى ساحة كل وطن عربي، يرفع مع أشقائه أعلام الحرية ويدفع معهم حركة النهضة العربية، انطلاقا من وعيه بأن الحرية العربية لا تتجزأ، ومن إيمانه العميق بوحدة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج. ولهذا كان من الطبيعي أن ينتقل الشعب العربي بمشاعره، لا إلى ميدان التحرير في القاهرة فقط، بل إلى كل ميدان للتحرير في كل مدينة مصرية، فمصر هي مركز الثقل العربي الأكبر في معادلات القوى الاسترايجية في الشرق الأوسط.. ومصر عبر التاريخ كانت قلب وعقل ودرع أمتها العربية، وما يربط بين شعبها العربي وأشقائه على امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، بقي أقوى من كل محاولات الفصل والعزل والوقيعة من جانب القوى الاستعمارية في الخارج، والتيارات الانعزالية في الداخل. تلك الحقيقة الطبيعية والإنسانية، صدقت في مواقع تاريخية كثيرة، لكنها لم تظهر بجلاء ووضوح كما وضحت في السنوات والأيام الأخيرة، خصوصا في خضم ملحمة الثورة المصرية، وبها شهدت مصر ميلادها الجديد، واستعادت ذاتها وشخصيتها العربية والإسلامية، وعرفت مصر الجديدة طريقها إلى المستقبل، ونهض شعبها كشعب حر في عصر الشعوب.

كاتب مصري

===================

ثورتان عربيتان ديموقراطيتان تسقطان جدار الخوف!

المستقبل - السبت 19 شباط 2011

العدد 3916 - رأي و فكر - صفحة 19

توفيق المديني

الثورة الديمقراطية التونسية التي أسقطت نظام بن علي البوليسي في تونس، والثورة الديمقراطية التي أسقطت نظام حسني مبارك الديكتاتوري في مصر، والحركات الاحتجاجية التي اندلعت في كل من اليمن والأردن والجزائر من أجل تغيير الأنظمة التسلطية الحاكمة، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة تقود إلى بناء دولة القانون، تشكل جميعها حراكاً اجتماعياً وسياسياً جديداً، جوهره الغضب العاري والعفوي ضد الفجور الذي تمارسه الأنظمة التسلطية العربية، المنخرطة في نظام العولمة النيوليبرالية، التي عمقت الهوة بين الأغنياء والفقراء في العالم العربي، وداست بأقدامها على كرامة الإنسان العربي، قبل أميركا.

فها هو رأس نظام عربي آخر هو الرئيس المخلوع حسني مبارك يتدحرج بفعل نظرية الدومينو، بعد أن أصابه الهلع من عدوى الفيروس التونسي، لأن "العدوى" هذه ليست نتيجة لمحصلة الانتماء الثقافي والتاريخي واللغوي المشترك إلى العالم العربي، المترافقة مع ثورة الاتصالات الحديثة، ولكن أيضاً مع التاريخ الاقتصادي والاجتماعي الذي تتقاسمه الدول العربية. فها هي كل من تونس ومصر تتحدّان، عبثية وهمجية إستراتيجية الخوف التي كرستها الدولة التسلطية العربية طيلة العقود الثلاثة الماضية.. وها هو جدار الخوف يسقط في العالم العربي بفعل هاتين الثورتين الديمقراطيتين.

في الواقع التاريخي ظل العالم العربي يعيش على هامش موجة الانتفاضات الديمقراطية مع انتهاء الحرب الباردة الإيديولوجية التي أعقبتها حالة من اللااستقرار المزدوج وذلك بفعل الالتحاق بحماسة بالعولمة الليبرالية الأميركية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ارتجال الديموقراطية في دول تفتقر إلى الوسائل من جهة أخرى .

ففي الوقت الذي سقطت فيه الدولة الشمولية في المنظومة السوفياتية والأوروبية الشرقية، لم تدرك النخب التسلطية العربية الحاكمة جِدِّيًا تغير بيئة العالم باتجاه الانتقال التدريجي نحو الديموقراطية. وعلى نقيض ذلك، كانت الدولة العربية التسلطية تدخل في دورة الاكتمال الشمولي في الوقت الذي كانت فيه هذه الدورة تندثر تاريخياً وتفقد إشعاعها حتى في وعي النخب الشيوعية الشمولية السابقة. ويبدو أن العالم العربي ظل على هامش هذا التاريخ الكوني. فهناك من ناحية الصراع العربي الصهيوني وإسقاطاته المدمرة في ظل غياب مشروع عربي لتحرير الأرض السليبة، وهناك من ناحية أخرى نعمة الريع النفطي التي لم توظف لمصلحة بناء اقتصاد عربي منتج قادر أن يستوعب الأجيال الجديدة من خريجي الجامعات، إضافة إلى كل ذلك، أصبح العالم العربي واقعاً بين مطرقة الدولة التسلطية وسندان الحركات الإسلامية الأصولية، الأمر الذي قاد إلى إجهاض الطموحات لإنجاز ثورة ديمقراطية حقيقية.

وقادت نهاية الحركات الأيديولوجية الكبيرة التي عرفها العالم العربي في مرحلة ما بعد نهاية الكولونيالية: القومية والاشتراكية، إلى الصدام بين الدولة التسلطية العربية والإسلام السياسي المستقوي بانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في سنة 1979. وقادت هذه المواجهات إلى حدوث حروب أهلية في أكثر من بلد عربي. وفي ظل هزيمة الإسلام السياسي، تغولت الدولة التسلطية العربية على المجتمع المدني، ورفضت انتهاج سياسة الانفتاح الديمقراطي مخافة حسب رأيها أن تعبّد الديمقراطية الطريق لوصول الإسلاميين إلى السلطة.

ومع انتهاء المواجهة بين "الشرق والغرب" التي كانت تحدد البنية الجيوسياسية للدول العربية، وارتجال الدول المانحة إيعازاً ديموقراطياً لم يحسن التحكم به من جانب الرؤساء العرب، حلًت خلال العقود الأخيرة الديمقراطية مكان أنظمة استبدادية عدة، في أوروبا أولاً، ( مثال أسبانيا والبرتغال واليونان)، وفي أميركا اللاتينية ثانياً (حيث زالت الأنظمة العسكرية في معظم دول أميركا الجنوبية في عقدي الثمانينيات والتسعينيات)، ثم أيضاً بعد انهيار الشيوعية ثالثاً.

في أميركا اللاتينية كما هو في أوروبا الشرقية والدول التي برزت إلى الوجود نتيجة لتصدع الاتحاد السوفياتي، وفي إفريقيا كما في جنوب شرق آسيا، يتم "التحول الديمقراطي" على قدم وساق وبأعداد كبيرة بحيث أصبحت الديمقراطية التي كنا نادراً ما نراها هناك قبل عشرين عاماً من الآن هي النظام السياسي الأكثر انتشاراً، ولكن في كل مكان، هذه الديمقراطية التي تتلازم اليوم مع الخصخصة والاندراج في إطار العولمة الليبرالية وغالباً مع الاستغلال والفساد، كانت مُغَيبةً تماماً في العالم العربي.

وإذا كان الخطاب الأميركي يطنب في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن الولايات المتحدة دعمت لسنوات طويلة الأنظمة الديكتاتورية التي كانت سائدة في العالم العربي، والتي اتسم عهدها بانتشار الفساد في معظم الحكومات العربية، وبغياب القانون، وبتغلب مصالح النخب التسلطية على مصالح الشعوب. والإدارة الأميركية تغلق عينيها عن أماكن كثيرة تمارس القمع والإكراه، ولكنها معمدة بالمياه الأميركية، ومحمية بروح البيت الأبيض المقدس، مثل نظام حسني مبارك المخلوع، ونظام زين العابدين بن علي، الذي له مفهومه الخاص للديمقراطية، يقوم على تفضيل الحزب الواحد، ويعتبر حزبه هو الحزب الشرعي الوحيد، لأن ما يهم واشنطن بالدرجة الأولى هو التجارة، واندماج العالم العربي في دواليب الاقتصاد العالمي، وضمان أمن إسرائيل .

لقد شكلت الثورتان الديمقراطيتان في كل من تونس ومصر إخفاقاً حقيقيا لكل من الأنظمة التسلطية العربية والحركات الإسلامية الأصولية في آن معا، وأثبتتا أن العالم العربي قادر على اتباع طريق ثالثة، للخلاص من الفخ الذي وجدت فيه الشعوب العربية، منذ عقود تقوم على أساس بناء الدولة المدنية الحديثة، أي دولة القانون. وساد اعتقاد راسخ لدى النخب العربية على اختلاف انتماءاتها السياسية والفكرية أن الخيار الوحيد المتاح أمام الشعوب العربية، هو إما قبول العيش في ظل الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة والفاقدة للشرعية، وإما القبول بمجيء أحزاب إسلامية هي وحدها القادرة، نظراً لثقلها الشعبي، وفقاً للاعتقاد السائد عربيا وغربيا، على إسقاط هذه الديكتاتوريات.

وها هما الثورتان الديمقراطيتان التونسية والمصرية تجسدان خياراً جديداً، هو خيار ثورة الحرية والكرامة والقانون، الذي يمكن أن يتحول إلى مثال ونموذج يعم العالم العربي، ويضع حدّاً نهائياً للدولة التسلطية العربية. ويظل طريق بناء الدولة المدنية صعباً و شائكاً في العالم العربي، الذي يفتقر للخبرة والثقافة الديمقراطية، بيد أن هذا الطريق تبتدأ في ظل الأوضاع القائمة في كل من تونس ومصر، بتأسيس جمعية تأسيسية، وإقرار دستور جديد للبلدين كليهما، وإجراء تغيير جذري في القانون الانتخابي لكي يتم اعتماد قانون الانتخاب النسبي، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعد يتم الاتفاق عليه بين السلطة الانتقالية والمعارضة، وبناء نظام انتقالي يحول دون عودة النخب الفاقدة الشرعية، التي قد تعيد تجميع نفسها من أجل وضع اليد على مقاليد الحكم مجدّداً. هذا النظام الانتقالي قوامه: سيادة القانون والحرية، وفصل السلطات، واستقلال مؤسسات المجتمع المدني، على قاعدة حرية الفرد وحقوق الإنسان والمواطن.

===================

قراءة في ثورة العرب الراهنة

ميشيل كيلو

السفير

19-2-2011

يدور في جميع الأوساط، النخبوية منها والشعبية، حوار مكثف وقلق حول طابع ثورة مصر ومصيرها. أود، قبل أن أشارك في هذا الحوار، تقديم فهمي لما يجري، وطريقة إدراكي لجدته وأهميته، التي اعتقد أنها تجعله حدثا فريدا في تاريخنا القديم والحديث، وانقلابا تاريخيا لا سابقة له، سيسهم في وضع العرب على مشارف زمن مختلف عن كل ما عرفوه.

باختصار شديد: ليس ما يجري تغييرا سياسيا ينجزه تكوين جزئي، حزبا كان أم جيشاً أم طبقة أم طائفة أم فئة مجتمعية، وليس ثورة تنجز بقوة حزب أو تجمع أحزاب يقود طبقة أو تحالف طبقات لإنجاز تغيير سلطوي يعد بتحقيق برنامج تمليه أيديولوجيا خاصة. إنه بالأحرى فعل مجتمعي تتصدى له قطاعات رئيسة من مجتمع مصر، بينها، وربما أهمها سياسيا، قوى وعناصر الطبقة الوسطى، يتأكد هذا من خلال أعداد المواطنين الهائلة التي نزلت إلى الشارع في جميع أنحاء مصر، وضمت كتلا ضخمة من العمال والفلاحين والفئات البينية والميسورة، دفعها إلى احتجاج تراكمي وفتوح نظام أقلوي/ فئوي، التف حول أسرة حاكمة (بالأصح متحكمة) وفاسدة، أنتج نفسه من فوق: من رأسه، من رئيسه، وليس من تحت أي من قاعدة شعبية ومجتمعية ركيزتها المواطن. نظام زوَّر وشوَّه وظائف الدولة وأدواتها جميعها، وجوانب إعادة إنتاج المجتمع المختلفة، وكذلك وظائف السلطة، فكان ما حققه تخريبا شاملا لسائر أشكال ومضامين الشأن العام وأدواته وأجهزته الرسمية وغير الرسمية، حوّل مصر إلى مزرعة تمسك بأعنتها قوى تستخدم الحكم وأدواته من أجل نهب الشعب وامتصاص دم وعافية وطنها وشق صفوف مواطنيها وتحريضهم بعضهم ضد بعض، تستمد شرعيتها من غياب المواطن عن الشأن العام، وإقصاء الشعب عن أية مشاركة أو قرار، ومنعه من التعبير عن آرائه، وقطع أي تواصل سياسي بين فئاته وطبقاته وأفراده، والتعامل معه بمبدأ «جوّع كلبك يتبعك»، فهي سلطة، حاملها أجهزة أمنية وإدارية وعسكرية، جاء معظم المنتسبين إليها من قاع المجتمع وفئاته الرثة، ومثلهم المنتسبون إلى «الحزب الحاكم»، الذين تستخدمهم «القلة الممسكة بأعنة البلاد والعباد خارج وضد أي قانون أو دستور أو أخلاق، وتزجهم في مواجهات دائمة مع مجتمع المواطنين: مجتمع المنهوبين المهانين الذين لا حقوق لهم، ولم يبق النظام لهم أي خيار غير الموت قهراً وجوعاً وذلاً، أو الانفجار.

عاش المجتمع الأول، مجتمع السلطة، من تغييب المجتمع الثاني، مجتمع الناس، فكان من الطبيعي أن يموت بمجرد أن يعود مجتمع البشر: مجتمع العاملين والمنتجين والمفكرين وجميع الراغبين في استعادة حريتهم وكرامتهم، وحياتهم. يفسر هذا لماذا طالب التمرد الشعبي بإسقاط النظام، فإسقاطه يعني عمليا سقوط مجتمع السلطة من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، والموت السياسي والاجتماعي لتلك القلة الحاكمة والمالكة، التي مارست السلطة في صورة تسلط معاد للشعب، حول التنظيمات الرسمية إلى عصابات تمسك بخناق الدولة مع أنها تعيش خارج الضوابط والمعايير التي تجعل منها دولة، وتغيب المجتمع وتبطل المواطنة وتقوض القانون وتحتقر الدستور، وتضع إرادة فرد، هو الرئيس، محل إرادة الشعب ومؤسسات الدولة. كان سقوط الرئيس يعني هنا سقوط النظام، فهما يتماهيان أحدهما مع الآخر، وذهابه يعني موت النظام، نظامه، وانبعاث عنقاء الشعب من جديد من رماد الاستبداد وعودتها إلى طيران وجودي بما هي حاملة السياسة وميدان الشأن العام والمجتمع المدني.

كان من الحتمي إذن، في ظل هذا الوضع، الذي «خرج فيه الشعب من نظامه»، كما سبق لي القول في مقالة نشرتها قبل أربعة أشهر عن مصر في جريدة « القدس العربي «تحت عنوان» شعب يخرج من نظامه»، أن ينتفض الشعب كله، من دون توسطات حزبية أو فئوية أو نخبوية، لأن كبار ضباط الجيش من المشاركين في الوليمة، والأحزاب المعارضة أشد ضعفا من أن يحشدوا عددا من البشر يكفي للانتفاض، والرقابة على المجتمع وثيقة وآنية، فليس باستطاعة أية فئة من فئاته التصدي بمفردها للنظام. هذا جديد الثورتين التونسية والمصرية، أما الجديد الآخر، فهو أن الشعب لم يقم لأنه يريد استعادة أهداف سبق أن قال بها العسكر أو طالبت الأحزاب بتحقيقها، بل نهض كي يعبر عن رفض واقعه ويضع حدا للاستبداد بإطلاق: ليؤسس لأول مرة في تاريخ العرب نظاما حامله المواطنة، تعبر عنه على صعيد السياسة دولة مدنية تحكم بالقانون والشرعية الدستورية، قاعدتها المعيارية الحرية وحقوق الإنسان والمواطن، وناظمها العام الديموقراطية كنظام حريات في صعيد المواطنة والتنظيمات، وانتخابات دورية وتوازنات سلمية في صعيد تنظيم السلطة، تتعارض فيها المصالح من دون أن يفضي تعارضها إلى اصطدامها بعنف، يتحرك بداخلها المواطنون من دون أن يرتطموا بعضهم ببعض، ففيها مجال حراك كاف للجميع، لكنه ليس حراك متنافرين متناقضين، بل هو حراك متكاملين تسير آلته توافقات وطنية عامة يقرها الجميع ويلتزمون بالعمل في إطارها لفترة طويلة نسبيا سيتم خلالها توطيد النظام الجديد وإقامة مؤسساته، التي يجب أن تكون مستقلة ورقابية تماما على الصعيد القضائي، رقابية في مستواها التشريعي، خاضعة للمساءلة والمحاسبة في صعيدها التنفيذي، ومنتخبة وقابلة لإعادة الانتخاب في كافة أصعدتها ومستوياتها، وخاصة الصعيد التشريعي، وعند قمة السلطة التنفيذية.

بهذا التطور، نكون قد التحقنا لأول مرة في تاريخنا بخط تاريخي سبقتنا أوروبا والمجتمعات المتقدمة إليه: خط مجتمع / دولة / مجتمع، يذهب من الشعب كأساس للشرعية وحامل للسيادة إلى الدولة، التي هي دولة بمجتمعها ولمجتمعها، على أن يفهم الشعب باعتباره مجموع مواطني الدولة، الأحرار والمنتجين من الآن فصاعدا، فهو الشعب المنضوي في مجتمع مدني، الذي تتجسد إرادته في دولة لا مرجعية لها سواه، بما أنها تستمد سيادتها وشرعيتها منه، وتنظم علاقاتها معه في دستور هو السيد الوحيد. بهذا الجديد، نكون قد بدأنا نقطع مع خط تاريخي لطالما ساد عندنا، قام على معادلة دولة / سلطة لا وجود أو حضور فيها لشيء اسمه الشعب أو المجتمع، لذلك لم تعرف المواطنة كمفهوم وواقع، ولم تقر بوجود الإنسان كذات حرة وتتعين بحريتها وحدها وليس بدين أو ملكية أو موقع اجتماعي، تضع المجال السياسي الضيق جدا، الذي هو مجالها وحدها، في خدمتها، فتخلو تاليا من أي شيء يتصل بالحقوق المادية والروحية للفرد، كإنسان ومواطن - بعد أن انعدم وجودهما فيها -، وتقضي ببنيتها على أية فرصة مهما كانت ضئيلة تقود إلى الديموقراطية، النظام الذي ترى فيه نقيضها وخطرا أكيدا عليها، كما ترى في القانون، بما في ذلك الذي أصدرته هي نفسها، مجرد أداة لقمع خصومها وإسكات أعدائها، وتغطية جرائمها. ولعله مما يجب الالتفات إليه في هذا السياق، أننا خرجنا بالثورة المجتمعية الراهنة، التي بدأت في تونس ووصلت إلى مصر وشرع شبحها يتجول في كل مكان من المنطقة، من الخط القديم، ومن خط آخر، حديث، رأى في السلطة أداة تحدّث الدولة التي تحدّث بدورها المجتمع، اعتمدته «الثورة» العربية الحديثة، التي يثور الشعب اليوم على ذيولها، وما آلت إليه في الواقع من عداء للشعب وللوطن، ويتخلص منه، بعد أن حدّث من السلطة أجهزة النهب والقمع وحدها، وشق المجتمع وعزز عناصر التقليد فيه، وأقام الحداثة على بنى وتكوينات ما قبل مجتمعية، معادية لأية مجتمعية ومدنية، وتاليا ديموقراطية وحداثة، وضع نفسه في مواجهة حياة وموت مع مجتمعه، كما شرحت في بداية هذه المقالة.

هذه ثورة مجتمع، وليست ثورة طبقة أو قلة أو حزب. ثورة شعب وليست ثورة نخبة. ثورة لا أيديولوجية مسبقة لها، مطالبها الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان والدولة المدنية والتمثيل الشعبي المباشر والعدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون وفصل السلطات. ثورة لم يسبق وقوعها قيام حزبها، ستقوم أحزابها كتنظيمات مجتمعية تأسست في حاضنة الانتفاضة الشعبية الديموقراطية العامة، ولم تتأسس على يد نخبة سارعت إلى الحصول على نصيبها من السلطة، كما فعلت معظم أحزاب عالمنا العربي. ثورة قطعت مع الاستبداد في حاملها (الشعب) ومطالبها (الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان والمواطن) وأهدافها (الدولة المدنية. ثورة هي بداية واقع جديد للأمة العربية!

بهذه الثورة، نكون عمليا قد دخلنا في زمن ما بعد نظم الاستبداد القائمة، وإن بقي بعضها في السلطة لأشهر وحتى سنوات. بهذه الثورة، لم يعد الاستبداد كلمة وهوية العرب، صار عدوهم وعارهم، الذي يستطيعون قهره، وسيقهرونه، بعد أن أظهرت الثورة كم هي قوية المجتمعات والشعوب العربية وبائسة وهزيلة نظم النهب والقمع، وكم هو ساحق تفوق الشعب أخلاقيا وسياسيا وإنسانيا على جلاديه!.

سأل صديق إن كانت الثورة ستنجح ؟. قلت له مذكرا: بدأت الثورة الفرنسية عام 1789، ويقال إنها انتصرت بشكل نهائي عام 1848. كانت الثورة بداية تاريخية كالتي تمثلها ثورتنا العربية الراهنة، ثورة المجتمع الذي يحمل مشروع تحرره بذاته، وسينجح ما دام قادرا على مواصلته، ورافضا وضعه بين يدي أية قلة: مهما كان نوعها وتبجحت وعودها. ألا يكفي أن يكون لها هذا المعنى كي تكون انتصاراً وغير مسبوق للإنسان العربي ولشعوب ومجتمعات أمته؟

===================

إسرائيل وسط "الزلزال" العربي

سميح صعب  

الرأي الاردنية

19-2-2011

وجدت اسرائيل نفسها وسط ما وصفه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بعاصفة "الزلزال" العربي الذي بدأ في تونس ثم مصر. ويتبين من مواقف المسؤولين الاسرائيليين حيال موجة التغيير التي تضرب بعض الانظمة في العالم العربي، ان هؤلاء لم يكونوا يحسبون في يوم من الايام ان نظام حسني مبارك سيسقط في مصر، إذ كانت درجة الاطمئنان كاملة لديهم بأن النظام سينتقل حكماً من مبارك الاب الى مبارك الابن من دون حصول تغيير يذكر في سياسة النظام حيال الدولة العبرية، وتالياً لا داعي للقلق.

ما يحدث الآن في العالم العربي خلط الحسابات الاسرائيلية. ولذلك كان على نتنياهو ان يقول ان الجيش الاسرائيلي مستعد "لكل الاحتمالات". وكان على الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس ان يطمئن الاسرائيليين بأن "ايران هي الاخرى ستتغير" بفعل تظاهرات المعارضة الايرانية، وتالياً فإنها لن تبقى على عدائها لاسرائيل. وبذلك يحدث التوازن الذي فقد بسقوط نظام مبارك.

وعلى رغم ان لا اشارات عن احتمال ان يُقْدِم النظام المصري الجديد الذي سينشأ على انقاض نظام مبارك، على خطوة مثل إلغاء معاهدة "كمب ديفيد"، فإن القلق يستبد باسرائيل، ومسؤولوها لا يستبعدون ان تصل الامور الى "يوم غفران" آخر.

هذا التغير الحاصل من حول اسرائيل يجعلها في منطقة أكثر غرابة من تلك التي اعتادتها منذ 60 عاماً. وأخذاً في الاعتبار القلق الاسرائيلي سارع رئيس هيئة الاركان الاميركية الاميرال مايكل مولن الى اسرائيل لطمأنتها الى وقوف واشنطن الى جانبها في لحظة التغيير الحاصل في مصر، فضلاً عن الخوف من تغيير مماثل في الاردن، وفي وقت تبدو سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس غير مستقرة بعد الكشف عن حجم التنازلات التي كان كانت سلطته مستعدة لتقديمها لاسرئيل مقابل قبول اسرائيل بتوقيع اتفاق سلام.

ولأن اسرائيل قامت على نظرية الامن وليس الحق او العدالة كونها دولة مغتصبة لارض شعب آخر، فإنها تخشى أي تغيير من حولها يمكن في يوم من الايام ان يمس أمنها او يعرضها للخطر. وهي تدرك جيداً ان ثمن الامن بات مكلفاً ولم يعد من السهل كسب الحروب بتلك السهولة التي كانت تكسبها في الماضي. وهي حتى اليوم لا تزال تعاني من آثار حرب تموز 2006.

والاخطر من ذلك ان اسرائيل التي كانت تعتبر ان النظام المصري من الانظمة المستقرة، تبين لها حجم المفاجأة عندما تبين ان هذا النظام لم يصمد اكثر من 18 يوماً امام ثورة الشباب المصري. وبات عليها الآن ان تدخل في اختبار جديد مع النظام الجديد، مع الادراك سلفاً انه مهما كانت ماهية النظام العتيد فإنه لن يكون نسخة طبق الاصل عن نظام مبارك. وربما هنا مصدر القلق الاسرائيلي الذي يفوق حجم التطمينات الاميركية.

وفي الوقت الذي تستفيق اسرائيل على واقع جديد في المنطقة، فإنها تعيش في قلب "الزلزال" من دون ان تكون أعدت العدة لذلك. انها اليوم امام "يوم غفران" معنوي بسبب تسارع التداعيات من حولها. وقد تجد نفسها للمرة الاولى غير قادرة على الامساك بخيوط اللعبة. لا سيما وانها كانت تحسب انها تقف ونظام مبارك في معسكر واحد ضد اتساع النفوذ الايراني في المنطقة.

اليوم تتغير الحسابات بتغير مصر. فالنظام الجديد فيها لن يصل الى درجة الوقوف مع اسرائيل ضد غزة او ضد ايران. وبمجرد ان يكون نظاماً محايداً فإن ذلك لن يرضي اسرائيل او يتفق مع سياساتها في المنطقة.

===================

تشخيص المواقف الأمريكية حيال الحالة العربية الراهنة

سامح المحاريق

الرأي الاردنية

19-2-2011

المواقف الأمريكية حيال ما يحدث في المنطقة يبدو أنها تدلل على عدم حدوث أي تحول جوهري في النظرة للمنطقة، وكأن مشروع المحافظين لشرق أوسط جديد لم يتوقف مع وصول المرشح الديمقراطي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، خاصة أن السياسة الخارجية الأمريكية لم تشهد تحولا جذريا مع أوباما، وبقيت هذه المساحة هي الأكثر جمودا في مشروع اللا تغيير الذي يتزعمه، هذا احتمال ليس بالضرورة صحيحا، ولكنه على الأقل أفضل من الاحتمال الآخر، والذي يتلخص في أن إدارة أوباما لا تمتلك أي رؤية واضحة لمستقبل المنطقة، وبالتالي يمكن أن تتخذ ردود فعل عشوائية في حالة تطور الأمور لغير مصلحتها أو مصلحة اسرائيل.

أسهمت سياسات المحافظين وعملهم على تصدير القيم على مستويين اقتصادي وسياسي إلى إضعاف الأنظمة القائمة في أكثر من دولة عربية، وإفسادها، فمن ناحية عملت آليات السوق والانفتاح أمام الشركات الأجنبية ووكلائها المحليين إلى القفز بأداء الفساد من ناحية النوع والكم، الأمر الذي أسهم في تراجع دور الدولة تجاه مواطنيها، يصبح التراجع الذي تمثل في الخصخصة وتدني الدعم بمختلف أشكاله مصدرا لقلق اجتماعي جارف يمكن أن يتحرك بطاقة هائلة تجاه تقويض أشكال هذه السيطرة الجديدة.

في الجانب الآخر عمل المحافظون على دعم تيارات واسعة تؤمن بدور الحركات الاجتماعية الجديدة والقيم الليبرالية الغربية وتدعو إلى تفعيل الإصلاح بأي صورة، وتضافرت التقنية الحديثة في دعم قدرة هذه المجموعات على إحداث التغيير وتولي زمام القيادة من القوى التقليدية التي أضعفت عبر سنوات طويلة من خلال الترصد والتشكيك الدائم، بينما صعدت القوى الحديثة في غفلة من النظرية الأمنية القائمة.

التحركات الاجتماعية الواسعة حققت مكاسب كبيرة ولكنها في الوقت ذاته تنطوي على مخاطر لا يستهان بها، بمعنى أن مشروع بوش – تشيني – رايس لشرق أوسط جديد تمكن خلال فترة سيادته من تحقيق أرضية التغيير المطلوب، ولكن الحجر الأول في سلسلة الدومينو سقط لاحقا مع الأزمة المالية العالمية التي شكلت ضغطا كبيرا على قدرة الحكومات على امتصاص الغضب والتململ الشعبي.

لا يعني ذلك أن الأنظمة العربية غير مسؤولة عن هذه التحولات والطريقة التي تمضي بها الأمور، والنتائج المحتملة في المدى القصير والمتوسط، فالتأخر في الإصلاح والاكتفاء بتحركات شكلية ودعائية مثل الوثائق والمؤتمرات أضعف من قدرتها على التعاطي مع المستجدات، وجعلها تمشي على الحبل في محاولة استعراضية لتسديد فواتير الإصلاح على المكشوف، بدلا من التعامل بشفافية مع المتطلبات الفعلية لتقديم برامج اصلاحية معقولة ومقبولة.

هل فات الأوان؟ إلى حد ما ولكن ليس في جميع الدول العربية، فأينما وجدت الثقة وغابت الذهنية الانتقامية المرتبطة بتصفية الحسابات مع الدولة البوليسية يمكن أن تحصل العديد من الدول على نقلة اصلاحية مهمة، تمكنها من مواجهة منعطفات تنعدم الرؤيا خلفها في مستقبل المنطقة، خاصة مع غياب البوصلة الأمريكية وتماشيها مع ما يسمى برياح التغيير، ولكن الثابت الأمريكي بتأمين دولة يهود العالم مع الترحيب الأمريكي بالتغيير المتسارع يجعل العديد من الأسئلة تكتسب مشروعيتها وتجبر كثيرين على وقفة هادئة للتأمل وتحديد بوصلتهم في المقابل، حتى لا تصبح كل الدول العربية في طابور طويل يسير إلى اتجاه غير معلوم.

===================

مستقبل مصر الديمقراطية

كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية من 2005 2009)

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

الرأي الاردنية

19-2-2011

عندما شاهدت مبارك يخاطب الشعب المصري الأسبوع الماضي، قلت لنفسي» لم يكن هناك ما يستدعي أن يكون الأمر على هذا النحو».

في مايو 2005، وبصفتي وزيرة لخارجية الولايات المتحدة، وصلت إلى الجامعة الأميركية في القاهرة، كي ألقي كلمة في وقت كان زخم التغيير الديمقراطي يشهد مداً متصاعداً في المنطقة. قلت في ذلك الوقت، مستلهمه ما كان بوش الابن قد قاله في خطاب افتتاح فترة ولايته الثانية، إن الولايات المتحدة ستقف مع الشعب الذي يسعى لنيل حريته. كان ذلك بمثابة اعتراف بأن واشنطن، وفي منطقة الشرق الأوسط أكثر من أي منطقة أخرى، كانت تسعى إلى تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية.

 وفي النهاية لم تتمكن من تحقيق أي منهما. كما كان ذلك تأكيداً على إيماننا بأن الرغبة في الحرية هي رغبة عالمية - ليست غريبة، وإنما إنسانية - وأن تحقيق هذه الرغبة هو الذي يقود إلى الاستقرار الحقيقي في النهاية.

لبعض الوقت، بدا أن القيادة المصرية تستجيب، ليس لنا، وإنما لشعبها الذي يطالب بالتغيير.

 كان المصريون في ذلك الوقت قد شاهدوا للتو على شاشات التلفزة انسحاب القوات السورية من لبنان وتشكيل حكومة جديدة هناك، كما كانوا قد شاهدوا الانتخابات الحرة في العراق، وبروز قيادة جديدة في فلسطين، كما شهدوا بعد ذلك بعدة شهور، انتخابات رئاسية في بلدهم أكثر حرية من سابقتها، وإن لم تكن حرة تماماً، جاءت عقب سجال مدني مصري صاخب في المقاهي والمنتديات وعلى شبكة الإنترنت.

وعلى الرغم من أن مبارك قد فاز بأغلبية كاسحة في تلك الانتخابات، فإن الأمر قد بدا حينها، وكأن المصريين قد عبروا نقطة حاسمة.

ولكن الذي حدث بعد ذلك بوقت قصير هو أن مبارك تراجع عما كان بدأه، وأجرى انتخابات برلمانية، لا يمكن أن توصف سوى بالمهزلة، كما أبقى قانون الطوارئ البغيض في مكانه، وزج بالشخصيات المعارضة في السجون.

 وقد جعل ذلك الشعب المصري يغلي وهو غليان تفجر من خلال بركان من الغضب في ميدان التحرير في نهاية المطاف. والدرس الذي يقدمه ذلك الانفجار للزعماء الآخرين في المنطقة هو ضرورة الإسراع بالإصلاحات السياسية والاقتصادية المؤجلة منذ زمن طويل.

الولايات المتحدة تعرف أن الديمقراطية عملية طويلة، وأنها يمكن أن تكون غير منظمة، ومضطربة، بل وفوضوية في بعض الأحيان، كما أنني شخصياً لا أقلل بحال من التحدي الذي يمثله أي مستقبل غير مضمون في مصر على المصالح الأميركية. واعترف بأن نظام مبارك على الرغم من كل عيوبه، قد نجح في المحافظة على سلام بارد مع إسرائيل، كان يمثل عاموداً من أعمدة السياسة الخارجية لمصر، كما أنه دعم فتح وساعد على إقصاء «حماس». ولكنه لم ينجح في تحقيق ذلك بشكل كامل، لأنه كان يخشى من «الشارع».

إننا لا نستطيع أن نملي على حكومة مصر القادمة خياراتها الخارجية، وإن كنا نستطيع التأثير عليها من خلال علاقاتنا بمؤسستها العسكرية، والروابط التي ننجح في إقامتها مع مجتمعها المدني، والوعود التي نقدمها لتلك الحكومة بتوفير مساعدة اقتصادية، وتعزيز التجارة الحرة بين البلدين، من أجل تحسين حياة جزء كبير من الشعب المصري.

الخطوة الأهم التي يتعين علينا القيام بها في الوقت الراهن هي التعبير عن ثقتنا بالمستقبل الديمقراطي لمصر. علاوة على ذلك فإن مصر تمتلك مؤسسات أقوى، كما أن علمانيتها أكثر رسوخاً من غيرها.

من المحتم أن يتنافس «الأخوان المسلمون» على تمثيل الإرادة الشعبية في انتخابات حرة ونزيهة تعقد في مصر والواجب في مثل هذه الحالة إجبارهم على تقديم حججهم والدفاع عن رؤيتهم لمصر من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: هل يريدون فرض الشريعة الإسلامية على المجتمع؟ هل يريدون مستقبلاً من الهجمات الانتحارية والرفض العنيف لوجود إسرائيل؟ وماذا عن تنظيم»القاعدة»؟ من أين ستتمكن مصر من الحصول على وظائف لشعبها؟ هل يتوقعون أنهم سيستطيعون تحسين حياة المصريين الذين سيصبحون منقطعين عن المجتمع الدولي، بسبب سياساتهم - إذا وصلوا للحكم - المصممة على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط؟

ما سيأتي لاحقاً أمر يرجع للمصريين؟ فالعديد منهم من الشباب المفعم بالحماس الثوري، ومستقبلهم سوف يشهد لاشك تنافساً بين السياسة الديمقراطية وبين مبادئ الإسلام السياسي الراديكالي. وهو التنافس الذي تتكشف تفاصيله وتتضح ملامحه في مختلف أرجاء المنطقة: في العراق ولبنان وعلى وجه الخصوص في تركيا، حيث أفسحت عقود من العلمانية الطريق لاستيعاب المتدينين في المجال العام. وفي مصر أيضاً سوف يحاول المسيحيون وغيرهم من أتباع الأديان الأخرى إيجاد مكان لهم والعثور على صوت.

إن الشهور، بل السنوات القادمة في الحقيقة سوف تشهد اضطراباً، بيد أن هذا الاضطراب - في نظري - أفضل من الاستقرار الزائف الذي يدعيه الحكم الأتوقراطي، وهو استقرار تجد فيه القوى الشريرة موطئ قدم عبر فجوة الحرية التي يتم من خلالها إخراس الأصوات الديمقراطية.

الحكومات الديمقراطية بما في ذلك حكومات حلفائنا الأقربين، لا تتفق معنا على الدوام. ولكنها مع ذلك تقاسمنا إيماننا الأكثر جوهرية على الإطلاق، بأن الشعب يجب أن يُحكم من خلال التراضي. وهذا الأمر صحيح اليوم، مثلما كان صحيحاً عندما قلت عام 2005 إن الخوف من سماع الأصوات الحرة لم يعد قادراً على تبرير إنكار الحرية.

وليس أمامنا الآن سوى خيار واحد: هو أن نثق في المدى الطويل للتاريخ، أن عقائدنا المشتركة سوف تكون أكثر أهمية من الاضطرابات المباشرة التي قد تواجهنا، وأن ذلك سيخدم مصالحنا ومبادئنا على خير وجه في خاتمة المطاف.

===================

الثورة المصرية بين القلق والنوايا الحسنة والحذر

محمد عبد الحكم دياب

2011-02-18

القدس العربي

 القلق السائد خوفا على الثورة المصرية منطقي ومشروع. والثورة حين تنتصر تفرض شرعيتها ومشروعيتها بقوة الناس وإرادة الشعب، وتعيش الثورة في مراحل انتصارها الأولى معتمدة على زخم تحقق بفعل التفاف الجماهير والمؤيدين حولها، وهذا هو حال ثورة مصر الآن.

وعدم إمساك الثوار بمفاتيح القرار السياسي يجعل الثورة في حاجة إلى مدى زمني أطول من غيرها لتغيير الأوضاع لصالحها. وأصعب المراحل هي مرحلة يوضع فيها بلد في منطقة حرجة بين حكم قديم بعفنه وسوءاته ومؤامراته، وقوى شابة متطلعة لبناء نظام جديد ينعم فيه الشعب بالحرية والمساواة والأمان والديمقراطية. وفي الملعب الآن قوتان أساسيتان هما قوى الثورة من جانب وفلول حكم بائد في الجانب المقابل، القوة الأولى تعتمد على حالة معنوية وروحية عالية لدى الناس، وقدرة إعجازية من الشباب على التحدي، عوضت البعد عن ناصية الحكم وامتلاك القرار السياسي، والفلول ما زالت تعيش صدمة قطع رأس الحكم، وتسعى جاهدة لتركيب رأس بديل يعيدها إلى الحياة مرة أخرى، وهو شيء صعب إن لم يكن مستحيلا.

وبين القوتين يقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة في منطقة ضبابية ولا نقول محايدة، فما زال هو الجسر الرابط بين الاثنين، والأمل في أن ينتصر للثورة بشكل نهائي، وعليه أن يعلم أن هذا النوع من الثورات تصعب هزيمته، في الوقت الذي نذكره فيه بما للقوات المسلحة من رصيد تاريخي ووطني، وما لها من تقدير واحترام في نفوس المواطنين، وقد يكون ذلك الرصيد وراء إقرار المجلس بعدم توجيه السلاح ضد الثوار، وبسلامة مطالبهم وتأييد شعاراتهم، وفوت الجيش بموقفه هذا والثورة بسلمية تحركها، فوتا على حسني فرصته في تفجير معركة دموية ضد المعتصمين في ميدان التحرير، وحين فاتته الفرصة تنحى مرغما مذموما مدحورا. ولا يغيب عن الذهن التغييرات الجوهرية التي شهدتها القوات المسلحة في نظمها القتالية وعقيدتها العسكرية، المتعلقة بتحديد العدو والصديق، وذلك بعد حرب 1973، وبناء عليها صارت الدولة الصهيونية من دول الجوار الصديقة! وأضحى الجوار العربي الشقيق خصما وعدوا، خاصة ضد فلسطين ودول الممانعة وإيران. وبتأثير تلك التغييرات أدخلها حسني مبارك معارك لحساب المنظومة الصهيو  غربية، وكانت حرب الخليج الثانية أبرزها وغزو العراق ذروتها وأخطرها. وهذه الثورة تحرر القوات المسلحة من مثل ذلك التوريط المشين.

وخلاص القوات المسلحة من عبء حسني مبارك وفساده وتبعيته فتح باب الفرز فيها، إما الولاء للوطن أو الارتباط بفلول حكم بائد انتهى ولن يعود، ويبدو أن هذا الفرز هو الذي أحدث توازنا أدى إلى تلبية كثير من مطالب الثورة، وإن كانت قد تمت مجزأة ولم تأت كحزمة واحدة تتكفل ببعث الطمأنينة في النفوس، وعموما فإنها صبت في خانة المكاسب، ونهج التعامل بالتجزئة وليس بالجملة  على طريقة التجار  قد يعود إلى عدم استيعاب طبيعة الثورة، وأنها لم تقم من أجل أنصاف الحلول، ولم تندلع ليكون الحكم قسمة بينها وبين أعداء الشعب، وسقف الثورة هو الأعلى دوما. وعزاؤنا أنها تعيش وضعا انتقاليا طلبه الثوار أنفسهم.

ولم يكن ما نشرناه السبت الماضي اعتباطا، وقد كان من أجل استشراف المخاطر المحدقة. قلنا فيما نُشر إن مهمة وزارة أحمد شفيق الأولى هي جمع فلول الحكم البائد وإعادة تنظيمها وتوفير الإمكانيات لها لإجهاض الثورة، إذا أمكن، بالإضافة إلى ترميم قواعد الحكم البائد في الشهور الستة القادمة. ومهمتها الثانية تأمين خروج أموال عائلة مبارك ومن معها، وتحصين حساباتها وحماية ممتلكاتها الخارجية. والمهمة الثالثة ضمان استمرار التبعية وحماية وتأمين الدولة الصهيونية، والإبقاء على اتفاقية كامب ديفيد، واستمرار تصفية القضية الفلسطينية، والمجلس الأعلى وهو يحل محل رئاسة الدولة أبقى وزارة أحمد شفيق واستمرارها ليس في صالح المجلس الأعلى ولا صالح الثورة. وإن كان المجلس قد واجه منظومة العادلي البوليسية، ومليشيات جمال - عز الإجرامية، فلماذا استمر محافظا على الفلول التنفيذية الممثلة في الوزارة الحالية، وعلى مرتكزها القانوني وهو استمرار العمل بقانون الطوارئ؟

وحتى كتابة هذه السطور لم يكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد لبى طلب إيقاف العمل بقانون الطوارئ ولا استكمل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ولا حل الحزب الحاكم، ولا اتخذ موقفا من جهاز أمن الدولة، ولم تبد منه بادرة لإعادة تأهيل الشرطة، أو وضع خطة لجهاز بديل. ولم يعلن عن بدء محاكمة رموز الفساد ومجرمي مجزرة ميدان التحرير، ولم يقر مطلب تكوين مجلس حكم انتقالي مدني، يضم ممثلا عن القوات المسلحة، ولا بمطلب تشكيل الجمعية التأسيسية. ولنتوقف قليلا أمام هذا المطلب ومستوى استجابة المجلس له. فقد تمخض الجبل وولد لجنة لتعديل الدستور، وهذا زاد الخوف من عودة حكم مبارك في قالب جديد (نيولوك)، وهناك من يرى أن تشكيل اللجنة التفاف مقصود، بدا استجابة لمطالب إصلاحية سبقت قيام الثورة، وكانت من أحزاب وجماعات سياسية ودينية تقليدية وليبرالية، كأحزاب الوفد والغد والجبهة الديمقراطية والإخوان المسلمين والجمعية الوطنية للتغيير. ولم تكن الثورة في وارد أي منها، ولا في تصور جماعات وأحزاب أخرى صغيرة، كان كثير منهم لا يريدها ولا يتوقعها، كانت الثورة لدى هؤلاء رجس من عمل الشيطان، حرمتها مذاهبهم السياسية والدينية تحريما قاطعا. وتغير الحال. فبعد الأحاديث المكررة والمملة عن خطر الثورجية والوطنجية والقومجية والحنجورية رُد للثورة اعتبارها. وكما أثار متعصبون دينيون الفتن الطائفية، نشر أولئك الفتن الوطنية وبثوا الفرقة السياسية، في وقت كانت الحاجة فيه ماسة إلى كلمة سواء وإلى وحدة صف في مواجهة وحشية حكم عائلة مبارك وعصابتها.

وفي كل الأحوال يبقى الحذر مطلوبا. فمصر تتطلع إلى دستور جديد، يستوعب ويلبي المطالب كافة. والثورة لم تقدم الشهداء لإزاحة حسني مبارك وعائلته وعصابته فحسب، إنما استهدفت إسقاط النظام برمته من أجل بناء دولة حديثة، أساسها المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون والمساواة وعدم التمييز بين مواطن وآخر، وإقامة نظام ديمقراطي برلماني. وإن لم تستطع قوى الثورة استخلاص وإبداع النظام الملائم، فلا بأس من الاستعانة بنظم عدة في العالم، يمكن دراستها واختيار ما يناسب منها، في الهند وألمانيا وفرنسا، رئيس الجمهورية في الهند وألمانيا هو رأس الدولة ورمز وحدتها، وتُوكل السلطة التنفيذية للحزب الحائز على الأغلبية البرلمانية وتتشكل الحكومة من بين أعضاء البرلمان، والحكم في فرنسا حصيلة قوة رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويبدو أن هذا سببه الحضور المؤثر (الكاريزما) لعدد من الرؤساء، ديغول وبومبيدو وميتران وديستان وشيراك، ولم يهتز وضع الرئاسة الفرنسية إلا على يد ساركوزي.

ومع حسن الظن بالقوات المسلحة المصرية إلا أن البعض يعاني من عقدة العسكر، وأخص هنا مصر على وجه التحديد، ونتج عن هذه العقدة خلط، إما عن جهل أو عن عمد، بين عمل المؤسسة العسكرية ووحشية الحكم البوليسي، جاهلا أو متجاهلا أن الشرطة بنص الدستور المصري جهاز مدني وليس عسكريا، وترتبط هذه العقدة بموقف البعض من جمال عبد الناصر وثورة 1952، وقد يخفف من هذه العقدة التضافر من أجل تطوير النظام السياسي، والالتفاف حول هدف الحكم المدني الديمقراطي، كسبيل يحصر دور القوات المسلحة في المهام القتالية دفاعا عن الأرض والحدود والسيادة الوطنية. بذلك تستقيم الأوضاع، ويرتقي عمل المجلس الأعلى إلى مستوى حسن الظن بمؤسسته، وإلا يصبح عبئا عليها كما كان حسني مبارك، الذي أساء لها وشوه صورتها وتاريخها.

وأخيرا لنتعرف على الأجواء التي أحاطت بتشكيل لجنة تعديل الدستور. حيث جاء تشكيلها بعد اجتماع عقد الأحد الماضي بين ممثلين عن شباب الثورة وأعضاء بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو اللقاء الأول للطرفين، واستمر زهاء أربع ساعات. وفيه أكدت القوات المسلحة على الدولة المدنية كسبيل وحيد للتقدم، وأن الجيش تسلم السلطة حماية للثورة. وحول هذا المعنى صرح المنسق العام لحركة 6 أبريل وعضو ائتلاف الثورة، أحمد ماهر لقناة 'سي إن إن' باللغة العربية، فقال إن قيادات القوات المسلحة رأت في التعديل بديلا عن مشروع دستور جديد يستلزم وقتا أطول من مدة الأشهر الستة، التي وعد فيها المجلس بتسليم السلطة. وفي ذلك الاجتماع تم الاتفاق على تعديل عشر مواد بشكل مبدئي، ومنح اللجنة حرية العمل وطرح التعديلات الجديدة في استفتاء شعبي عقب الانتهاء منها. ويبدو من تصريحات ماهر أن الجيش قدم ضمانات للدولة المدنية، وحماية الديمقراطية، وعدم التدخل في العملية السياسية، وملاحقة المتسببين في سقوط الشهداء والجرحى بين المتظاهرين، فهناك أكثر من 70 متهما في مجزرة ميدان التحرير في الثاني من شباط (فبراير) الحالي. والتحقيق مع المسؤولين الفاسدين واللصوص - سواء من استمر في منصبه أو من رحل - ومن يثبت تورطه يقدم للمحاكمة، وهناك قائمة ضمت عددا من الوزراء والمسؤولين - سابقين وحاليين - للتحقيق معهم كما حدث مع وزراء آخرين منعوا من السفر وتم التحفظ على أموالهم. وختم منسق حركة 6 أبريل حديثه إلى الفضائية الأمريكية بقوله: إن الائتلاف وجد تجاوبا كبيرا من قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

كان على المجلس أن يشير إلى مرحلية التعديلات، وأنها خطوة تمهد لقيام الجمعية التأسيسية، خاصة أن ميزان القوى السياسي ما زال على اختلاله، مما قد يغري فلول الحكم البائد، بجهالتهم وحماقتهم المعهودة، بشن هجوم مباغت لإجهاض الثورة، فما زالوا يملكون المال والنفوذ والبلطجة والمليشيات، وكلها إمكانيات، إذا ما بقيت، تؤثر على العملية السياسية وسير الانتخابات القادمة. وتعديل ميزان القوى مطلوب قبل الانتخابات، ولن يعود له توازنه إلا بإزاحة وزارة أحمد شفيق وإعلان حكومة وطنية موسعة، أو تشكيل وزارة من الفنيين (التكنوقراط)، وعليه نقول إن النوايا الحسنة مطلوبة والحذر مطلوب أيضا، واستمرار الضغط هو الحل.

' كاتب من مصر يقيم في لندن

===================

لماذا يشجّع أوباما تغيير الانظمة العربية؟

السبت, 19 فبراير 2011

سليم نصار *

الحياة

ذهب الرئيس المصري حسني مبارك وبقي نظامه... وهو نظام معقد صمّم على قياس الرئيس بحيث يعينه على تحقيق اهدافه السياسية.

ويتوقع قادة التظاهرات في مصر ان تبدأ عملية الاصلاح بإجراء تعديلات دستورية تساعد الشعب على استرداد حقوقه. وتقضي مهمة اللجنة الدستورية برئاسة طارق البشري، بضرورة تعديل المواد التي اضيفت خصيصاً على امتداد ثلاثين سنة، لحماية النظام السابق وتقييد حرية خصومه. ومع ان عدد المواد المطروحة للإلغاء او التعديل، يزيد على العشرة، الا ان المادة 77 هي التي تشغل اللجنة الدستورية. اي المادة التي تنص على ان تكون مدة الرئاسة 6 سنوات، مع السماح بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد اخرى. وهذا ما دعا ايمن نور الى وصف النظام الذي شرّع لانتخاب مبارك في دورة خامسة بنظام «الملكية المنتخبة». لذلك يطالب الاصلاحيون بضرورة تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات، غير قابلة للتجديد اكثر من مرة واحدة.

واللافت ان الانتقادات شملت اللجنة الدستورية التي اختارها المجلس الاعلى للقوات المسلحة. خصوصاً ان رئيسها طارق البشري بدأ نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي ثم انقلب الى «اخواني» متشدد. ويتبين من مراجعة سير الاعضاء التسعة انهم متعاطفون مع جماعة «الاخوان المسلمين». وقد احتج «حزب الوفد» على هذا الانتقاء الذي حاولت فيه قيادة الجيش استرضاء «الاخوان» وحجب مشاركة الاحزاب الاخرى.

من اجل تطمين المواطنين الى اهدافها، اعلنت حركة «الاخوان المسلمين» امتناعها عن ترشيح ممثل لها الى رئاسة الجمهورية. ويتردد في القاهرة ان هذه الخطوة ترمي الى عدم اثارة مخاوف القوى السياسية الاخرى، وانتظار نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومع ان محمد البرادعي ايد انخراطهم في المسيرة السياسية باعتبارهم لا يشكلون اكثر من عشرين في المئة من أعداد الناخبين... إلا ان تجربة الجزائر اثبتت خطأ هذا الرهان.

وكانت ارقام مراكز الاستقصاء قد اعطت الاسلاميين في الانتخابات الجزائرية سنة 1991، ارقاماً ضعيفة لا تدل على قوتهم الحقيقية. وجاءت المفاجأة لتظهر فوزهم بغالبية تتيح لهم تشكيل حكومة من لون واحد. وتدخل الجيش الجزائري لمنعهم من استلام الحكم. وكان من نتيجة هذا التدخل ان انفجر نزاع دموي بين الاسلاميين والجيش ادى الى سقوط نحو نصف مليون قتيل وشل القدرات الاقتصادية لمدة تزيد على السبع سنوات.

حكاية «الاخوان المسلمين» في مصر بدأت سنة 1928 مع مؤسسها المرشد الاول للجماعة حسن احمد عبدالرحمن محمد البنا.

باشر حسن البنا دعوته مع ستة شبان، ثم اتسعت تلك الدعوة لتصبح حزباً شعبياً قوياً ينافس «حزب الوفد» على الزعامة. ولكن هذه الشعبية لم تسمح له بالدخول الى البرلمان، لأن الدولة كانت تعتقل أنصاره وتحاصر الدائرة الانتخابية التي يترشح عنها (دائرة الدرب الاحمر) في القاهرة.

في 12 شباط (فبراير) 1949، اطلق مجهول الرصاص على حسن البنا وهو خارج من مبنى «جمعية الشبان المسلمين». وأفاد قبل موته بأن السيارة التي اطلق منها الرصاص كانت تحمل الرقم 9979. وتبين للمحقق انها سيارة رسمية يملكها الأميرالاي محمود عبدالمجيد، المدير العام للمباحث الجنائية في وزارة الداخلية.

بعد الانقلاب العسكري الذي قام به جمال عبدالناصر والضباط الاحرار ضد الملك فاروق (1952)، جرى التعاون مع رجال الثورة. ولما طالب عبدالناصر بحل الاحزاب القائمة، سارع «الاخوان» الى تأييده. واستمر التعاون الى حين تعرض عبدالناصر لمحاولة اغتيال سنة 1954، على يد احد اعضاء «الاخوان». وذكر في حينه ان اجهزة الاستخبارات هي التي افتعلت تلك الحادثة من اجل تقوية شعبية عبدالناصر، واعطائه المبرر لملاحقة «الاخوان» وزجهم في السجون. وقد بلغت الحملة ضدهم ذروتها بإعدام بعض المفكرين الاسلاميين، ابرزهم سيد قطب وعبدالقادر عودة.

وبسبب التعذيب في المعتقلات، خرج هؤلاء ليطالبوا بإسقاط نظام الحكم بكل الوسائل الممكنة، بما فيها العنف والاغتيال والارهاب.

ثم جاءت هزيمة 1967 لتجدد نشاطهم، وتحيي دعوتهم بأن الانتصار على اسرائيل لا يتم إلا من خلالهم. وقد عززت هذه الفكرة تشكيل منظمات مشابهة مثل: الجهاد والتكفير والهجرة والشرقيين والناجين من النار... الخ.

عندما تولى انور السادات الحكم سنة 1970، تخيل ان الناصريين واليساريين هم الذين يعرقلون تنفيذ سياسته. وفي حديث مع مجلة «نيويوركر» نشر في كانون الاول (ديسمبر) 1994، كشف حسني مبارك عن واقعة مذهلة خلاصتها ان انور السادات ساهم في تأسيس «الجماعة الاسلامية» التي ترأسها الشيخ عمر عبدالرحمن. أي الجماعة التي اشرفت على تدبير عملية اغتياله بواسطة خالد الاسلامبولي. وقد اطلقت ايران اسمه على اكبر شارع في طهران، تكريماً للعمل الذي قام به يوم اغتال بطل «كامب ديفيد»!

الملاحظ حالياً ان الجيش المصري رفع القيود عن الاسلاميين الذين تعرضوا للمطاردة منذ عهد جمال عبدالناصر. وقد نجحوا في انتخابات 2005 عندما فازوا ب 88 نائباً، ولكنهم قاطعوا الانتخابات الاخيرة لأن القادة الجدد آثروا الانخراط في النشاطات الاجتماعية والابتعاد من الامور السياسية. ولكنهم فوجئوا بزخم تظاهرة المليون، الأمر الذي يفسر ترددهم في المشاركة خلال اليومين الاولين. ولكنهم استلهموا الانتفاضة التونسية وقرروا النزول الى الشارع في القاهرة والاسكندرية، وإنما بطريقة غير مكشوفة.

يدعي المجلس الاعلى للقوات المسلحة انه في صدد الإعداد لنقل سلطته الى حكومة مدنية تلتزم المبادئ الديموقراطية. وهو يتعهد الرجوع الى الثكنات بعد انتهاء الفترة الانتقالية المحددة بستة اشهر يصار بعدها الى إجراء انتخابات عامة ورئاسية. ومن المتوقع ان تلغى حال الطوارئ وتحل المؤسسات التمثيلية محل الجيش. ويتخوف «الاخوان المسلمون» من نشوء ظروف امنية داخلية تفرض وصول عمر سليمان الى سدة الحكم. ومع ان مدير الاستخبارات السابق (74 سنة)، هادن «الاخوان» في بعض مراحل عهد مبارك، الا انهم لا يغفرون له الموقف الذي اتخذه تجاه ايمن الظواهري، نائب اسامة بن لادن. ففي سنة 2002 شنت القوات الاميركية غارة على موقع نمي اليها ان الظواهري لجأ اليه. ولما فشلت في تحديد هوية الجثة طلبت من القاهرة ارسال عينة من الحمّض النووي (دي ان ايه)، من شقيق الظواهري المسجون في مصر. وأُشيع في حينه ان عمر سليمان، ابلغ الاميركيين بأنه سيقطع ذراع الشقيق ويرسلها اليهم للتأكد من هوية شقيقه المقتول. وقد انكر سليمان هذه الواقعة، وقال ان خصومه السياسيين هم الذين يرددون هذه الترهات والمزاعم!

بقي السؤال المحير الذي تطلقه الدول العربية حول الدور المريب الذي يلعبه الرئيس باراك اوباما بالنسبة الى تأجيج الشارع العربي، وتشجيع المتظاهرين على اسقاط الانظمة مثلما حدث في تونس ومصر؟

اظهرت برقيات حصل عليها موقع «ويكيليكس» ونشرتها صحيفة «افتنبوستن» النروجية، ان واشنطن دفعت ملايين الدولارات لمنظمات مصرية، الامر الذي اثار دهشة الرئيس حسني مبارك. وجاء في البرقية الاولى ان السفارة الاميركية في القاهرة خصصت مبلغ 150 مليون دولاراً لنشر الديموقراطية. وفي برقيات ديبلوماسية اخرى جاء ما يثبت ان الولايات المتحدة ساهمت في شكل مباشر في تشجيع القوى المحلية المعارضة للرئيس مبارك.

والمستغرب حقاً ان ادارة اوباما لا تنفي هذا الاتهام ولكنها تبرره من موقع الدفاع عن مصر لا عن مبارك. وقال احد كبار مستشاري البيت الابيض، ان اوباما لن يؤيد رئيس دولة يتمسك بكرسيه خلافاً لارادة شعبه. علماً ان اوباما يعتبر مصر حجر الزاوية في الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط، ومحظور عليها ان تخسرها لمصلحة الراديكاليين و «الإخوان المسلمين». ونقل عن اوباما قوله: «اميركا بقيادتي لن تؤيد رئيس دولة يزوّر الانتخابات، ويستعد لتوريث نجله بعد ثلاثين سنة في الحكم. ان مسؤوليتي الادبية تحتم عليّ ان اقول له: يا صديقي، انتهى مسارك... والآن انصرف!

الى جانب التفسير الايديولوجي، فإن اوباما يعرف ان الثورات الديموقراطية في العالم العربي يصعب عليها ان تكون مؤيدة لسياسة بلاده. ولكنه يسعى لئلا تكون مناهضة لسياسته. وعليه يرى ان من المفيد لبلاده بلورة النظام الجديد في مصر بحيث يكون قادراً على مواكبة التغيير.

ومثل هذا الموقف الغامض يقود الى استنتاجين: اما ان اوباما يدفع لاسرائيل ثمن التمديد لولاية ثانية من طريق ارباك العرب... وإما انه يغري طهران لاستغلال الفراغ الدولي والإقدام على مغامرة متهورة تستثمرها اسرائيل لتسديد الضربة المؤجلة.

بعض زعماء الدول العربية رفض منطق الرئيس اوباما، لأنه لم يكن عادلاً وموضوعياً في رسم معاييره السياسية. والدليل على ذلك ان الانتفاضات الفلسطينية الشعبية في الضفة الغربية وغزة، قوبلت بالصمت يوم كانت اسرائيل تواجهها بالقنابل المحرقة. وقد استند الرئيس كارتر الى هذا المنطق عندما انتصر للمتظاهرين في ايران، وجاءت النتيجة مخالفة لكل توقعاته، لأن سقوط الشاه صديق اميركا اوجد نظام الملالي مكانه. أي النظام الذي يطالب بطرد الولايات المتحدة والنفوذ الغربي من كل منطقة الشرق الاوسط. وعندما اتصل العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز بالرئيس اوباما مطالباً اياه بعدم اهانة الرئيس مبارك، انما كان يطالبه ايضاً بعدم التدخل في شؤون مصر الداخلية، خصوصاً اذا كان هذا التدخل سيؤدي الى عكس النتيجة المتوخاة.

ومثل هذا النصح ينطبق على حالات اخرى تحدث في ليبيا واليمن والبحرين، خصوصاً ان الحكومة البريطانية قد ايدت تدخل واشنطن، تماماً مثلماً ايدتها حكومة العمال في حرب العراق.

والمؤسف ان التودد المبكر للأنظمة البديلة في بعض الدول العربية، لن يفتح للولايات المتحدة وبريطانيا اذرع الاستقبال والاحتضان، بقدر ما يفتح الفرص لايران بأن تطرد اعداءها من كل المنطقة!

===================

مصر: ليست «ثورة دينية».. ولا تحتاج إلى «خميني»

زين العابدين الركابي

الشرق الاوسط

19-2-2011

من وظائف الإعلام - السياسي على وجه خاص - تفسير الأحداث والأخبار.. ومن خصائص التفسير، كشف الغموض، وتوضيح الرؤية للجمهور الذي لا يستطيع آحاده القيام بهذه المهمة، لأسباب عديدة. بيد أننا رأينا ما هو عكس ذلك بشأن ما جرى في مصر. فقد خاض الخائضون في تفسير هذا الشأن، وبدلا من أن تزيل تفسيراتهم الغموض وتجلي الرؤية، زادت الأمر غموضا، وزادت الرؤية اضطرابا.. ومن نوع هذه التفسيرات، أن انتفاضة الشباب في مصر «عاصفة عابرة» لا تلبث أن تهدأ.. أو أنها «ثورة فقراء» تنطفئ بزيادة الأجور وما في حكمها من حلول وإسعافات.. أو أنها «ثورة دينية».. أو أنها «مؤامرة خارجية» على مصر.. الخ.

ولهذا الاضطراب الشديد في التفسير أسبابه، ومنها:

أ) سبب أن الحدث المصري أكبر من الجميع؛ أكبر من الأحزاب المصرية، وأكبر من النظام، وأكبر من قراءات الإقليم، وأكبر من دراسات وتنبؤات مراكز البحوث في الولايات المتحدة نفسها وإسرائيل ذاتها!

ب) وسبب «المباغتة».. فالحدث الهائل باغت الناس أجمعين: الأقارب والأباعد. وهي مباغتة دالة على «القصور المروع» في دراسات وبحوث «التبصر في الواقع»، و«استشفاف المستقبل». وهي مباغتة تبرهن - كذلك - على «تخلف العقل السياسي» وعجزه عن التفنن في «الخيال السياسي» الذي يبتدع السيناريوهات كافة، ولا يستثني شيئا منها حتى ذلك الذي يبدو مستحيلا أو مضحكا.. وها هنا نفهم مضمون دراسة غربية نشرت - بمناسبة ما جرى في مصر - تقول: «إن ما وقع في مصر يدل على أن العقل السياسي والاستراتيجي الغربي أصيب بالتحجر أو الترهل، وهي حالة تدعو إلى فقدان الثقة بدراساته وتحليلاته وتنبؤاته وقراءاته للاتجاهات الاجتماعية والسياسية في العالم».

ولنأخذ نموذجا واحدا من هذه التفسيرات ليكون «موضوعا» للدراسة والتحليل والتعليق. وهذا النموذج هو تفسير ما حدث في مصر بأنه «ثورة دينية»، وهو تفسير قال به طرفان متناقضان:

1) الطرف الأميركي الإسرائيلي. فقد سارعت إسرائيل - وجهات أميركية - إلى القول بأن «الإخوان المسلمين» في مصر يقفون وراء هذه الثورة ويديرونها. فهل انبنى هذا التفسير على منهج علمي في التحليل والاستنتاج؟ لا يبدو الأمر كذلك. فالحدث كان مباغتا للجميع - كما سبقت الإشارة - والمباغتة حالة لا تتوافر فيها العناصر الضرورية للبحث العلمي - الاجتماعي والسياسي - وفي طليعتها «عنصر الرويّة الزمنية».. إذن ما هي مصادر هذا التفسير العجل؟ الراجح أن هناك مصدرين: الأول هو: الذهنية التقليدية أو النمطية في التخويف من الإسلام، وهي ذهنية مشبعة بجهالات الخلط بين الإسلام والإسلاميين، سواء كانوا إرهابيين أم غير إرهابيين. ولطالما انتقدنا هذه الجهالات وقلنا: إن الإخوان المسلمين لا يمثلون الإسلام، وهو - من ثم - ليس حكرا عليهم، وليس من حقهم - قط - أن يزعموا أن برامجهم الفكرية والسياسية هي الإسلام نفسه، وأن من رفضها يرفض الإسلام نفسه، فهذه كهانة ينقضها منهج الإسلام نقضا تاما. ومن هنا رفض أئمة الإسلام الكبار أن تكون مذاهبهم هي عين الإسلام.. أما المصدر الثاني للتفسير الأميركي الإسرائيلي العجل لما جرى في مصر فهو أن هذه الأطراف استعارت «أسطورة» فكرية سائدة في الفكر السياسي العربي، الإسلامي وغير الإسلامي، أسطورة: أن كل حدث يقع في عالمنا هذا وراءه - بالضرورة - الاستخبارات الأميركية والحركة الصهيونية! لقد استعار هؤلاء الناس هذه الأسطورة ليفسروا بها ما حدث في مصر، مع التضاد في بواعث التفسير ومعاييره ومقاصده ومجالاته.

2) وثمة طرف «آخر» نقيض ومعاد للطرف الأول، بيد أنه التقى معه في هذا التفسير. فهذا الطرف الآخر فسر ما حدث في مصر بأنه «ثورة دينية»، وبأن هذه الثورة تحتاج إلى «خميني» آخر.. ولسنا نتقول على الناس، فهذه أقوالهم الموثقة ناطقة بتحليلاتهم وتفسيراتهم.. فقد قال السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية: «إن ثورة مصر هي حركة دينية». وقال الشيخ رافسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام: «إن مصر وثورتها في حاجة إلى خميني».. فهذا تفسير خاطئ، جد خاطئ:

أولا: لأنه ينطوي على إيحاء سياسي بأن ما جرى في مصر له روابط ما بإيران، وأن شباب مصر التقى مجموعة من العملاء تحركهم إيران.. وهذا كله إساءة سياسية بالغة لشباب مصر وشعبها كله.

ثانيا: إن هذا التفسير الخاطئ يخدم التفسير الإسرائيلي والأميركي لما جرى ويعطيه القرائن والوجاهة.

ثالثا: لأن مصر ليست إيران، ولن تكون «خمينية» أبدا.. وهذه هي الأسباب الموضوعية الغالبة:

أ) الاختلاف العقدي السياسي الفقهي بين الدولتين.. فإيران تأخذ بولاية الفقيه، وهو مصطلح مقتضاه: أن يتولى «فقيه حاضر» السلطة أو إدارة الدولة بالنيابة عن «الإمام الغائب المنتظر».. تقول المادة (5) من الدستور الإيراني: «تكون ولاية الأمر والأمة في غيبة الإمام المهدي - عجل الله تعالى فرجه - في جمهورية إيران الإسلامية للفقيه العادل التقي العارف بالعصر الشجاع المدير المدبر الذي تعرفه أكثرية الجماهير وتتقبل قيادته».. ويشرح الخميني حدود صلاحية الولي الفقيه بقوله: «إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل، فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا».

وبالقطع، فإن هذا الفكر والمفهوم لا وجود له في مصر، لا على مستوى جماهيرها، ولا على مستوى علمائها وساستها.

ب) ليس في مصر شيخ، ولا حزب ولا أحد - قط - تجمع عليه الأمة. وتسلمه - من ثم - قيادها على النحو الذي ورد في المادة الخامسة من الدستور الإيراني.. فلماذا الافتعال والتكلف في تفسير الأحداث على نحو يخدم الأهواء والأيديولوجيات، ولا يقدم للناس رؤية صائبة فيما يقع ويحدث؟

ومن الظواهر التي دُست في تفسير ما جرى في مصر بأنه حراك أو «ثورة دينية» إقامة الصلوات في الميادين العامة، وظهور بنات ونساء يرتدين الزي الإسلامي، وجريان كلمات «إن شاء الله» و«بإذن الله» على ألسنة المحتجين.. وهذا تأويل فاسد ومغرض لهذه المظاهر. فالشعب المصري عريق في التدين، ولذلك فإن قريبا من نصفه يواظبون على الصلاة، ولو وصف كل مصل بأنه «أخ مسلم» لكان عدد الإخوان في مصر أكثر من أربعين مليونا!! ولم تكن البنات ذوات الزي الإسلامي في الميادين فحسب، فهناك عشرات الألوف من السافرات كن يتقدم الصفوف في الاحتجاج ورفع الشعارات (وليس مسموحا للإخوانية أن تكون سافرة). أما ذكر الله على ألسنة المصريين فهو نهج عام وتلقائي ودائم.. ومن النكت التي تُحكى - ها هنا - أن شخصين اتفقا على ارتكاب معصية فقال: أحدهما لصاحبه: أخاف ألا ننجح، فقال الآخر: سننجح بإذن الله!!.. ثم إن ما حدث لم يكن قوامه المسلمون فحسب، فقد انخرطت في المظاهرات حشود مسيحية كبيرة، وكان التآخي والتعاون بين الطرفين عميقا جدا.

فليعد الإعلام السياسي إلى وظيفة أساسية من وظائفه الرئيسة وهي: تفسير الأحداث بعلم وموضوعية، وتقديم هذا التفسير للجمهور بأمانة ونزاهة واحترام لعقله ووعيه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ