ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
زين الشامي الرأي العام 20-2-2011 منذ أسابيع وخلال تحرك سلمي لعدد محدود من
الناشطين، لم تتدخل السلطات السورية
عندما تعرض 15 شخصاً للضرب لدى محاولتهم
تنظيم تجمع على ضوء الشموع تأييداً
للثورة المصرية. لقد قام نحو 20 «بلطجيا»
في ثياب مدنية بضرب وتفريق 15 متظاهراً،
بينهم سهير أتاسي المدافعة عن حقوق
الإنسان، حين تجمعوا أمام مركز للشرطة
في منطقة باب توما في دمشق. للأسف لم يعد الامن يكتفي بمجرد منع
الاحتجاجات وقمع المعارضين، بل إنه
يشجع في ما يبدو على مهاجمة المتظاهرين
المسالمين، في محاولة مسرحية مفضوحة
للايحاء أن هناك «مؤيدين» للنظام هم من
يردون على «العملاء»، حيث هذه هي الصفة
التي تسعى الأجهزة الأمنية لتعميمها
بين الناس عن المعارضين السوريين. الناشطة سهير الأتاسي قالت ان ضابطاً
اتهمها بالعمل لحساب إسرائيل وتعامل
معها بعنف عندما رفضت الرد عليه. نعم
هذه هي التهمة الجاهزة «العمالة
لإسرائيل» التي يلصقها النظام ضد أي
معارض يقول رأيا مختلفاً. لا بل إن الأتاسي نقلت عن ذلك الضابط أنه
وصفها بالجرثومة، وصفعها على وجهها
وهددها بالقتل، في صورة تذكرنا بما كان
يتعرض له تماماً أبناء مصر على أيدي
عناصر البوليس والأمن المركزي خلال
حقبة الرئيس حسني مبارك. ما نود قوله ان كل المحاولات لتعبير بعض
الناشطين السوريين عن تضامنهم مع
الشعب المصري بشكل سلمي باءت بالفشل،
لقد أرادوا فقط أن يقولوا للمصريين
إننا معكم ونؤيدكم وفرحنا لثورتكم،
لكن رغم ذلك تم منعهم من التعبير عن
الفرح بالثورة المصرية، وهو الأمر
الذي يعكس الخشية من انتقال عدوى
التظاهرات إلى الشوارع. لقد انتشر عناصر الأجهزة الامنية في كل
مكان من التجمعات وقاموا بتصوير
المشاركين وتحققوا من أوراق هوياتهم،
هذا يعكس حقاً حجم «الثقة» بين السلطات
والمواطنين، ويدل على طريقة التعامل
التي تتبعها السلطات مع السوريين. لقد أثبتت الشعوب العربية خلال الأحداث
الأخيرة أن أواصر مشتركة عديدة تجمعها
لاسيما وأن الهدف واحد والمعاناة
واحدة، وسورية هي إحدى تلك الدول
وشعبها أكد على نبل مشاعره حين قرر أن
يتظاهر تضامناً مع المصريين وفرحاً
لثورتهم. معظم العواصم العربية سمحت
بنشاطات سلمية مؤيدة ومتعاطفة مع
الشعب المصري... إلا سورية. في هذا
الصدد، يشير بعض الخبراء إلى أن سورية،
التي يحكمها «حزب البعث»، منذ نحو
خمسين عاماً قد تتأثر بحركات الاحتجاج
الاجتماعية والسياسية غير المسبوقة
التي تهز العالم العربي. من ناحيته
برهان غليون مدير «مركز دراسات الشرق
المعاصر» في جامعة السوربون في باريس
قال إن «ما حدث في مصر وتونس سيكون مثل
الطوفان ولا يمكن لسورية أن تكون بمعزل
عنه». لقد دعت منظمة «هيومن رايتس ووتش»
السلطات السورية إلى احترام حق
السوريين في التظاهر السلمي وطالبت
بالكف فوراً عن تهديدها ومضايقتها
للمتظاهرين المتضامنين مع الانتفاضة
في مصر، لكن لا حياة لمن تنادي وغالباً
لا ترد دمشق ولا تحترم كل هذه المنظمات
وتقول انها «أداة في يد الدول الغربية»
وأنها «تتدخل في الشؤون الداخلية
للدول»، وتتناسى هذه السلطات أن قضية
حقوق الإنسان هي قضية عالمية بامتياز
تهم كل الرأي العالمي وأنه لم يعد بعد
الآن إمكانية لقمع وسجن الناس بسهولة
دون أن تتعرض للنقد. رياح التغيير آتية عربياً بحكم قوانين
التاريخ والجيوسياسة مهما حاولت
السلطات إغلاق أبوابها ونوافذها،
والشعب لن يبقى بعيداً عما يجري حوله.
يكفي أن نرجع إلى الهزات السياسية التي
ضربت المنطقة وكيف انعكست على الحياة
الداخلية، مثل ما حصل في أعوام 1948، 1952،
1967 وغيرها من المفاصل التاريخية
المهمة في المنطقة. لقد كان نيقولاي تشاوشيسكو في رومانيا
يقول باستمرار ان بلده رومانيا لن
يتأثر بموجة الاحتجاجات التي تجري
حوله في بعض بلدان اوروبا الشرقية،
صحيح أن التحول تأخر حتى وصل إلى
رومانيا لكنه أتى في النهاية على شكل «ثورة»
كما يحب الرومانيون تسميتها. هل يقرأ أحد؟ زين الشامي كاتب سوري ===================== د. أحمد زويل التاريخ: 20 فبراير 2011 البيان أطاح الشعب المصري بالنظام السابق في
ثورة سلمية، وقد هدأت حدة الأحداث الآن
وبدأ العمل الصعب المتمثل في إعادة
البناء، وهناك مزيج من الانفعال وبعض
التخوف يسود حاليا، ولكن هناك احتمالا
لتحقيق تقدم حقيقي على الأقل في إعادة
مصر إلى موقع قيادة العالم العربي، غير
أنه لكي تنجح الديمقراطية بالفعل لا بد
من اتخاذ خطوات محددة الآن. أولاً وقبل كل شيء، لا بد للجيش من القيام
حسبما تعهد بنقل السلطة إلى حكومة
مدنية والعودة إلى دوره كحارس للدستور.
وباستخدام النظام القضائي الذي يحظى
بالاحترام في مصر ستتم كتابة دستور
جديد لإدراج المثل العليا المتعلقة
بالحرية والعدالة والوحدة رؤيا وطنية
للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث
لا ينبغي أن تلهيهم المعارك
الأيديولوجية والمناورات السياسية
والصراعات الجانبية. وميلاد
الديمقراطية في مصر له ثمن، وينبغي على
الشباب أن يوجهوا طاقتهم نحو إصلاحات
سياسية واقتصادية حقيقية، وألا
تستقطبهم الحياة السياسية التقليدية
كالمعتاد. تواجه مصر مشكلات كبرى، ففي ظل النظام
السابق شكل الدخل العائد من السياحة
وقناة السويس وبعض الموارد الطبيعية
الغالبية الكاسحة من إجمالي الناتج
المحلي، ومع وجود سكان يبلغ عددهم 85
مليون نسمة نصفهم تقريبا تحت خط الفقر،
فإن القضية الأولى في الإصلاح هي
التعليم، ومصر غنية برأس المال البشري
القادر على التجديد ومع نظام التعليم
الجديد فإن مصر يمكن أن تصبح لاعبا
حقيقيا في السوق العالمي. وعلى المستوى
الوطني يتعين على البلاد أن تتخلص من
الفساد الذي ضرب جذوره عميقة في النظام
القديم. وأن تبدأ على الفور إصلاحات للهيكل
الحكومي، ولا بد من معالجة مشكلة
الأمية، فمصر لن تدخل القرن الحادي
والعشرين أبدا بنسبة أمية تصل إلى 30٪ من السكان، ويتعين أن يحل
محل الإعلام القديم الموجه إلى
الدعاية، كيان مستقل له نظرة جديدة إلى
العالم الحديث. إن المثل العليا للشباب
المصري وتطلعاته هي أمور حقيقية، وما
يسعون إليه هو مصر جديدة، وهم يعرفون
ماضيهم المجيد، ويرغبون في صياغة
مستقبل جديد، لقد كانت ثورتهم سلمية
ومدنية وعلمية، ولم يكن لها بطل ينتمي
إلى اليسار أو إلى اليمين. وقد قام
الشباب بتنظيف الشوارع وتنظيم حركة
المرور، بل وشكلوا دروعا بشرية لحماية
الكنوز الوطنية مثل المتحف المصري. لقد شاهدت بنفسي المجموعات المدنية التي
بادرت إلى حماية المواطنين، بعد أن سحب
النظام السابق رجال الشرطة من
الشوارع، وقد كانت الثورة علمية،
بمعنى أن الشباب استخدم الإنترنت
والرسائل النصية والفيس بوك وغيره ومن
التقنيات الأخرى لتنسيق أنشطتهم وضمان
التحرك السلمي ضد قوى النظام الوحشية.
لقد أقر الرئيس الأميركي أوباما على
نحو بليغ بطبيعة الثورة التي شهدتها
مصر قائلا: «لقد ألهمنا المصريون
وقاموا بذلك من خلال تكذيب الفكرة
القائلة إن العدل يمكن تحقيقه على أفضل
وجه من خلال العنف». إن شباب مصر
وحركتهم الثورية يستحقان كل تكريم. وربما كانت الوسيلة الأكثر ملاءمة لهذا
التكريم، هو أن تقوم الولايات المتحدة
أوروبا اليابان
الصين والدول الأخرى بإنشاء صندوق
يعتد به، له هدف واحد هو الاستثمار
بمستقبل هؤلاء الشباب أي في التعليم
الحديث، فأكثر ما يحتاجه هذا الجزء من
العالم هو مراكز التميز في العلم
والتقنية، ومثل هذه المعاهد ستصبح
منارات معرفة وستزيد من الكبرياء
الوطني وتمكن الشباب من المساهمة في
الاقتصاد العالمي. يعد التفكير العلمي إحدى القوى الرئيسية
التي ستمضي بمصر قدما إلى الأمام في
المرحلة المقبلة، وإذا غرسنا هذه
القيمة الجوهرية في نفوس الشباب
بالطريقة السليمة فسيكون لدينا جيل
بأسره من المصريين الذين يتمتعون
بطاقة غير محدودة تقريبا، ولقد سبق لنا
أن رأينا في السنوات السابقة أن
استثمار الهند في العلم قد أعطى ثماره،
وانطلق بالبلاد قدما، مصر يتعين عليها
أن تشجع التفكير النقدي في الجيل الشاب
لكي توظف طاقاتهم. إن 35٪ من سكان مصر
هم في الرابعة عشرة من أعمارهم أو أقل،
وإذا استثمرنا في هذه الشريحة فإننا
سوف نوجد قوة عمل قادرة يمكنها أن تغير
مصر حقا. هذه الفرصة لا ينبغي أن تضيع، وفي
الستينات قامت مصر بمساعدة الاتحاد
السوفييتي السابق ببناء السد العالي،
وهو مشروع وطني مهم قام بتوليد مقادير
هائلة من الطاقة للتنمية الاقتصادية
في مصر، والشباب، من خلال ثورتهم
السلمية، ولدوا طاقة على المستوى نفسه
للتنمية البشرية في مصر، والتعليم هو
أفضل وسيلة لنقل هذه الطاقة. إن مصر هي
قلب العالم العربي ونبض هذا القلب يتم
الإحساس به في جميع الدول العربية
الأخرى. ومن المهم أكثر من أي وقت مضى
أن نقوم جميعا بمساندة الحرية في الشرق
الأوسط، والحفاظ عليها. ===================== المنطقة . . من التداعيات
إلى المعطيات آخر تحديث:الأحد ,20/02/2011 عبد الزهرة الركابي الخليج خلال زيارة وزير الحرب “الإسرائيلي”
إيهود باراك إلى واشنطن واجتماعه
بمسؤولي الإدارة الأمريكية، ذكرت
مصادر قريبة من البيت الأبيض، أن
أمريكا والدولة الصهيونية أجرتا
مناورات عسكرية سرية في الفترة
الأخيرة، تحسباً لأي حرب قد تندلع على
خلفية الأحداث الشعبية التي قامت في
أكثر من بلد في المنطقة، والتي أفرزت
تداعيات سياسية بالنسبة إلى واشنطن
وتل أبيب، ومن جهة أخرى قال الرئيس
الفرنسي ساركوزي خلال الاجتماع
التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا،
إن “إسرائيل” إذا ما قامت بإعادة هضبة
الجولان إلى سوريا، فإن هذا الأمر سوف
يقلل بشكل ملموس من قدرات التنظيمات
والجهات والبلدان التي تُعدّ مصدر
تهديد للدولة الصهيونية في المنطقة . يتضح أن الأحداث المتمثلة في الانتفاضات
الشعبية والتغييرات الحاصلة أو التي
ستحصل، إنما هي تداعيات سلبية على
أمريكا و”إسرائيل” والغرب عموماً،
وهي تمثل إرباكاً مفاجئاً للمعسكر
الأمريكي “الإسرائيلي” الغربي،
مثلما تجسد معطيات إيجابية لقوى
المقاومة والممانعة للمعسكر المذكور
في المنطقة، من الممكن البناء
والانطلاق منها نحو بلورة استراتيجية
عربية ذات أبعاد سياسية وعسكرية
وأمنية وربما اقتصادية، بهدف تعزيز
جبهة الممانعة العربية، كي يكون للعرب
أكثر من خيار فعال على محور الصراع
العربي “الإسرائيلي”، على طريق قيام
الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس
الشرقية ضمن حدود عام ،1967 وتحرير
الأراضي العربية المحتلة من قبل
الدولة الصهيونية، اعتماداً على
الخيار المناسب والموصل إلى هذا الهدف
. ومن المؤكد أن
مثل هذه التغييرات إذا ما حصلت وفق
الهدف المنشود، فإنها بلا شك ستنعكس
سلبياً على الموقف “الإسرائيلي” في
المنطقة والعالم، خصوصاً إذا ما أخذنا
في الإعتبار أن العلاقات “الإسرائيلية”
الإقليمية قد تضعضعت في السنوات
الأخيرة على صورة مشهودة، حتى رأينا في
بعض المواقف الإقليمية أكثر تقدماً في
معارضتها للسياسة “الإسرائيلية”، من
بعض السياسات السائدة في المنطقة،
وهذا ما يجعلنا نميل إلى القول، إن
الدولة الصهيونية ستجد صعوبة في إملاء
سياساتها في المنطقة، على حساب الحقوق
والمصالح العربية، لا سيما إذا ما
واجهت في المحور العربي عموماً خيارات
تتسم بالصرامة والقوة . وعلى هذا الواقع، أصبح للدبلوماسية
العربية مجال ذو فاعلية للنفاذ إلى
المؤسسات الدولية، حتى لو ظل “الفيتو”
الأمريكي، سيفاً مسلطاً على هذا
المجال، على الرغم من أن الفلسطينيين
قد جربوا الذهاب إلى الأمم المتحدة،
فضلاً عن أن إعلان فلسطين دولة مستقلة
قد تم في عام ،1988 وهو إعلان لم يتحقق
منه شيء على أرض الواقع، وفيما كانت
تتراجع فرص قيام الدولة الفلسطينية
خلال الفترة الأخيرة، إذا بالمعطيات
الجديدة في المنطقة، تدهم بشكل مفاجئ
ودراماتيكي، المعسكر الأمريكي
الغربي، بحيث إن هذا التطور في المنطقة
العربية، لن يكون في كل الأحوال لمصلحة
السياسات الغربية والأمريكية التي هي
السند الداعم والمنحاز في آن واحد
للسياسة “الإسرائيلية” . وبعدما أظهرت واشنطن بشكل واضح عدم
استعدادها للضغط على الدولة
الصهيونية، من خلال فرض حل الدولتين
واعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة
الفلسطينية، كما أن الاتحاد الأوروبي
الذي وجد نفسه منقاداً للموقف
الأمريكي في هذا الجانب، كل هذا يتطلب
هزة أو صدمة قوية مثل الأحداث الأخيرة،
كي تجعل الإرادة السياسية متوافرة لدى
أمريكا والاتحاد الأوروبي، لتعديل
الموقف الغربي في ما يخص الصراع العربي
“الإسرائيلي”، وربما تكون الأحداث
التي تلاحقت في المنطقة، هي الصدمة أو
الهزة المطلوبة في هذا السياق، على أن
يكون الخيار العسكري لدى قوى الممانعة
العربية مهيئاً وموازياً في صلابته
للخيار السلمي والدبلوماسي الحاسم،
إذا ما تأكد تلاشي الخيار الأخير في
الحاضر والمستقبل المنظور، حتى يُبنى
على الشيء مقتضاه . إذاً، التداعيات
السلبية تدهم المواقف “الإسرائيلية”
والأمريكية والغربية، في مقابل
المعطيات الإيجابية التي شكلتها
الأحداث الأخيرة التي تصب في مصلحة قوى
الممانعة العربية، وهو ما يعني أن محور
الصراع العربي “الإسرائيلي” قد دخل
مرحلة جديدة بشقيه العسكري والسلمي،
ومن الطبيعي أن آلية التعاطي مع خيار
السلام، ستختلف من ناحية الفاعلية
بالنسبة إلى العرب في المرحلة المقبلة
أو الجديدة عن الحقبة السابقة التي
شهدت عجزاً ونكوصاً في أداء السياسات
السائدة، بفعل ظروف وعوامل وأحداث،
لسنا في صدد ذكرها . وعليه، فإن المعطيات المذكورة سوف تلقي
بظلها الضاغط على المؤسسات الدولية
حتى لو كانت تحت الهيمنة الأمريكية
والغربية بشكل أو بآخر، وهذه المؤسسات
نفسها ستكون عرضة لتعديل موازين القوى
في هياكلها مستقبلاً، وسط ترجيحات
بصعود قوى دولية جديدة إلى مصاف
الزعامة المتعددة في العالم، بعدما
انفردت أمريكا بالزعامة الأحادية حتى
الآن منذ انتهاء الحرب الباردة . ==================== آخر تحديث:الأحد ,20/02/2011 هاشم عبدالعزيز الخليج بعد 18 يوماً من زلزال إرادة التغيير
المصرية التي أطلقها الشباب وانصهرت
في مجرياتها جموع الشعب وحشود
الجماهير في عموم البلاد، خرجت مصر من
نفق مظلم للنظام الذي استمر ما يزيد
على 30 عاماً لتطل على أفق المستقبل
المنشود لحياة الحرية والعزة والكرامة
لمصر الأرض والإنسان بما صار يعرف
بفترة الانتقال التي تختلط فيها
المخاوف مع الأمل والثقة مع الحذر وما
بينهما القلق المشروع بالمضي بمسيرة
التغيير إلى الأمام بربط التطمين
بالأعمال ضماناً للاطمئنان، ولهذا
الخليط من المشاعر غير قليل من الأسباب
. نظرياً تكون الفترة الانتقالية واقعة تحت
تأثير مزدوج بين ما هو قائم بتأثيراته
المباشرة وموروثاته الكابحة، وهذه
القضية تلعب فيها الفئات والأطراف
الداخلية والخارجية وحتى الأفراد ذوي
المصالح دور الاستماتة، وإذا ما نجحت
فإن الفترة الانتقالية تصير ارتدادية
إلى مستوى أسوأ مما كان، وعلى عكس من
هذا تماماً يكون ما هو قادم مرتبط لا
بالإرادة وحدها وحسب، بل والإدارة
القادرة على حشد الطاقات والإمكانات
وتوظيفها على نحو خلاق في تحقيق
الأهداف المحددة وقطع المسافة الزمنية
بخطوات متواصلة، والأهم هو تحويل هذه
العملية إلى مسؤولية المجتمع بأسره
طالما أن الانتقال، كما في مصر الآن،
مشروع على مستقبل البلاد والعباد،
وبين الموروث القائم والمرجو القادم
فالفترة الانتقالية محكومة بالأعمال،
لا محسوبة بضياع الأيام . عملياً في نظر البعض فإن الفترة
الانتقالية في مصر مازالت في بدايتها
ومازال هناك الكثير حتى تصبح واضحة
المعالم، ومبعث هذا الافتراض أن الجيش
المصري الذي يمسك الآن بزمام هذه
الفترة، مع أنه أقدم في فترة قياسية
على خطوات وإجراءات مهمة في الأبرز حل
مجلسي الشعب والشورى والتحفظ على عدد
غير قليل من أركان النظام وفتح ملف
الفساد ونهب المال العام وإسراعه في
تشكيل لجنة محل ثقة لإعداد التعديلات
الدستورية، إلا أن غياب آلية جديدة
حكومة انتقالية لاتضم محسوبين على
النظام السابق تناط بها مسؤولية إدارة
الأعمال، قد تكون لها آثار سلبية في
الثقة التي يحظى بها، والتي ستدخله في
دوامة المشكلات اليومية، وكان مفترض
الإقدام على مثل هذه الخطوة الأساس
للإمساك بالحلقة المركزية التي ترتبط
عليها حلقات المرحلة الانتقالية على
أي مستوى واختلاف مجال . على هذا الأساس يرى عديد من المراقبين
وذوي الاهتمام بمصر وبثورتها أن ما
يجري منذ تولى الجيش زمام الأمور في
البلاد لفترة محددة بستة أشهر لا يمكن
بحال من الأحوال وضعها محل قياس لثورة
25 يناير، بل هي فترة اختبار جدي أمام
غير قضية ترتبط بالنظام السابق لا
تحتمل التأجيل ولا الترحيل، وإذ من غير
المسموح ولا المشروع أن تكون عرضة
للعبة غرائز الانتقام، وهذه ببساطة
رهن توفر الانسجام ما بين المطالب التي
يطلقها الجيش لإيقاف الإضرابات
والاعتصامات المطلبية لمايعتبره من
تبعات اقتصادية ضارة ومخاطر أمنية
وبين إعادة اختيار لقيادات مرافق
ومؤسسات وقطاعات الدولة والتصدي
لعملية تهريب الأموال وهروب الفاسدين
وإتلاف وثائق الفساد من غير مرفق، كما
بات متداولاً في عدد من وسائط الإعلام . وفي الإجمال فإن الجيش أمام اختبار
لمسؤوليته في هذه الفترة التي هي على
ارتباط بما أطلقته ثورة 25 يناير، مصر
بأسرها دخلت مرحلة إعادة ميلاد،
والعملية ستواجهها مصاعب وتحديات
وعقبات في الداخل والخارج، لكنها لن
تتوقف، وهذا ما هو جدير بالاستيعاب . حتى الآن لم تنل ثورة 25 يناير المصرية
حقها من القراءة المعمقة التي تستوفي
استيعاب خلفياتها ومسارها وآفاقها،
ويبدو هذا مؤجلاً بغير سبب، ومن ذلك
وطأة صدمة الثورة ذاتها التي لم يفق
منها حتى الآن أولئك الذين حاولوا
الظهور بعدم التسليم بالعجز من خلال
الاندفاع المفرط باستسهال إطلاق الشعارات
الفضفاضة والأوصاف الطنانة . دونما الاسترسال في شأن هذا ال “حكي”
الأقرب إلى التسطيح، فإن ثورة 25 يناير
الشبابية الشعبية الجماهيرية المصرية
هي امتداد لتاريخ كفاحي للشعب المصري
وقواه الحية التي شهدت منذ أعقاب ثورة
23 يوليو 1952 فترات مد وجزر، يمكن
الإشارة هنا إلى أنها مرت بما عرف
بالاحتجاجات المطلبية والاحتجاجات
الاجتماعية والسياسية، ومع هذه
الاحتجاجات وبخاصة الاجتماعية انتشرت
في عموم البلاد وبخاصة بعد خصخصة
القطاع العام والخدمات الاجتماعية مثل
الصحة والتعليم وانتقلت إلى مرحلة
الإضراب العام في مرات عديدة، وكانت
لها نتائج، ولو معنوية، إلا أن هذه
العملية لم تشهد انتقالاً إلى الشارع
ومواجهة آلية القمع البوليسية وكسر
حاجز الخوف، وهي سياسياً لم تشهد
توحيداً، والانتخابات المزورة
الأخيرة قدمت الانقسام السياسي في
أسوأ حالاته . من هنا كانت الحركة الشبابية قد ولدت لا
من أوضاعها فحسب، بل ومن الاستيعاب
لقضايا الإنسان والمجتمع المصري
بأسره، لقد وضعت المستقبل المنشود على
قاعدة التغيير المطلوب ومن قبل الشعب
الذي استعاد من خلال الثورة حقه ودوره
في عملية تاريخية فجرت إرادة التغيير
وزلزلت النظام وانهارت أركان فساده
واستبداده وقمعه . ==================== هل آن للديكتاتوريات في
العالم الثالث أن تزول؟ [16/02/2011] د. توفيق الواعي اخوان اون لاين (يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون،
أي عند انتهاك القانون وإلحاق الأذى
بالآخرين)، (فالشرطي الذي يجاوز حدود
سلطاته يتحول إلى لص أو قاطع طريق،
كذلك كل من يتجاوز حدود السلطة
المشروعة سواء أكان موظفًا رفيعًا أم
وضيعًا، ملكًا أم وزيرًا، بل إن جرمه
يكون أعظم إذا صدر عمن عظمت الأمانة
التي عُهِدَ بها إليه..) من أقوال: (جون
لوك). (إذا ذاق المرء
قطعة من لحم الإنسان تحوَّل إلى ذئب!!)،
(فمن يقتل الناس ظلمًا وعدوانًا، ويذوق
بلسانه وفمه الدنسين دماء أهله
ويشردهم ويقتلهم؛ ينتهي به الأمر أن
يصبح وحشًا وطاغية وذئبًا) من أقوال: (أفلاطون)..
مثل هذا الطاغية، أو الشخصية
البهيمية، أو الحيوان الأكبر- كما
يسميه أفلاطون- لن يصادق إلا رفقاء
السوء، ولهذا لا ينبغي لنا أن ندهش
عندما نجد أعوان الطاغية يمارسون
مجموعة من الجرائم الكبيرة، كالسرقة،
واغتصاب الأموال، وهتك الأعراض، وبيع
الأحرار، وقتل الآمنين، وإذا كانوا
يجيدون الحديث احترفوا الوشاية،
وشهادة الزور أو الاتهام الكاذب
للأبرياء، وأخذ الرشوة، وبيع الأسرار،
وهذه الجرائم تعد قليلة وصغيرة
بالنسبة للجرائم الفادحة التي يرتكبها
الطغاة، وهذه الآثام كلها لا تكاد تكون
شيئًا مذكورًا إذا ما قُورنت بما يجلبه
الطاغية على الناس والدولة من بؤس
ودمار وبلاء، كما يشير أفلاطون إلى أن
هؤلاء الأعوان يمكن أن يخلقوا
الطاغية، فيقول: إذا وجد في الدولة عدد
كبير من هؤلاء النفعيين والمتسلقين
ومن أتباعهم وشعروا بقوتهم، فإن هؤلاء-
مستعينين بغباء الشعب- هم الذين يخلقون
الطاغية. والتاريخ دائمًا يعيد نفسه ﴿وَتِلْكَ
الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ
النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140)،
وقد حدثنا القرآن عن كثير من الطغاة
وأعوانهم الذين استخفوا بالشعوب
والأقوام: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ
فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا
قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)﴾ (الزخرف)،
حدثنا عن فرعون وغيره فقال: ﴿إِنَّ
فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ
وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا
يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ
يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ
وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ
كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾ (القصص)،
﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي
الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ
جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ
عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾ (الفجر). كما حذرنا من عواقبهم الوخيمة التي تحيق
بهم فقال: ﴿وَسَكَنتُمْ فِي
مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ
أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ
كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا
لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ
مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ
مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ
لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلاَ
تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ
وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ
عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾ (إبراهيم). وقد أنار الإسلام التاريخ الإنساني وخلص
البشرية من ظلم الطغاة والجبابرة،
وجعل الركون إليهم هلاكًا وكفرًا،
فقال: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ
النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ
اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ
تُنصَرُونَ (113)﴾ (هود)، ﴿إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ
قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ
اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ
فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97)﴾ (النساء). ولكنه وبعد خمود الجذوة الإسلامية في
ديار المسلمين وضياع المثل الإسلامي
من العالم؛ استفادت نهضات، وارتكست
أخرى، وخصوصًا في العالم الثالث الذي
جاست خلاله عصابات من الديكتاتوريات
ووحوش من الطغاة، أكلت الآمنين، وعاشت
على دمائهم، وتألهت في مجتمعاتهم،
وأسامت الناس صنوف العذاب أشكالاً
وألوانًا، وأَنَّتْ الجماهير تحت
وطأتهم أنين الاحتضار، وحشرجت من
بأسهم وبغيهم حشرجة الموت، وما حظيت
بشيء من الرحمة أو بلفتة من الرعاية،
رغم أنهم البقرة الحلوب التي ينهبون
حلابها، ويسرقون قوتها، ويطؤون ظهرها،
ويلوكون أكبادها. والحقيقة.. أنني كلما قرأت عن الاستبداد
والطغيان في القديم أو الحديث أجده
يرتبط بعضه ببعض ويأخذ بعضه بِحُجز
البعض الآخر، فصفحات الديكتاتورية
القديمة هي هي ديكتاتورية العصر
الحديث المتخلفة، ففي القديم حين
يتحدث المظلوم والمكلوم عن الديكتاتور
الذي تسلط عليه، وسامه سوء العذاب؛
يقول: الراعي الموكل بي قد أرسل قوى
الشر عليَّ، أنا الذي لست عدوه، أعوانه
لا يقولون فيَّ كلمة الحق، يقولون عن
كلامي الصادق إنه كذب وزور، ولقد تآمر
عليّ المخادع المرائي، وأنت يا إلهي (الحاكم)
لا تحبط مسعاه بل تساعده، فأنا الحكيم،
لماذا أقيد مع الجهلة، وأنا المدرك
العاقل، لماذا أُحبَس مع المجرمين؟!،
الطعام وفير في كل مكان، لكن طعامي
الجوع، في اليوم الذي قسمت فيه الأنصبة
على الناس كان نصيبي هو الألم والغباء،
يا إلهي أريد أن أقف بين يديك، أريد أن
أكلمك، وكلمتي أنين ونواح، وأريد أن
أعرض عليك أمري، وأندب مرارة سبيلي،
أريد أن أندب اضطراب حالي، عيناي
تحدقان ولكن لا تبصران، أذناي
مفتوحتان ولكن لا تسمعان، الوهن
تَمَلَّك جسدي كله، والرعشة قضت على
لحمي، قبض الشلل على ذراعي، والعجز على
ركبتي، حتى نسيت الحركة قدماي، آلامي
موجعة، وجرحي قاسٍ، المُعذِب لا يكف عن
تعذيبي طوال النهار، ولا يتركني
أستريح بالليل ولا للحظة واحدة، لقد
انشقت عروقي، وتمزق جسدي، وأنا أقضي
الليل كالثور في الروث، وأتمرغ في
مضلاتي كالغنم، وأنا الآن كأن قبري
ينتظرني، وأنا أعد جنازتي وقد توقف
النواح عليَّ قبل أن أموت، لكنني أعلم
اليوم الذي سيجيء فيه الفرج، إنني
أراه، وذلك عندما تشرق شمس الحرية
ويكلؤنا الله برحمته، وتكون انتفاضة
الحياة السعيدة هذه الأنات القديمة من
المقهورين. ألا ترى معي يا أخي أن هذا الألم هو نفسه
الذي يعانيه الذين يرزحون تحت
الديكتاتوريات الآن، وأن هذا العناء
الذي تقاسيه الأفراد والشعوب هو هو
نفسه، وأن الأمم المقهورة اليوم
تمنِّي نفسها بانتفاضة، وتحلم بيوم
الخلاص، كما كانت تتمناه الشعوب من
قبل، ولقد رأت دول العالم الثالث هذه
الأيام، وينظر العالم معها إلى تهاوي
طاغية وسقوط ديكتاتور أذاق أمته الويل
والثبور, بعد انتفاضة شعبه الذي رزح
تحت الظلم كثيرًا؛ حيث كان هذا تحقيقًا
لهذه الأحلام المكبوتة، وتخليصًا لهذه
الشعوب المنكوبة، رغم أنه سرق أموال
الشعب بما يقدره المحللون بأكثر من 70
مليارًا من الدولارات، والتي تكفي
لسداد ديون بلاده التي أثقلها بها هذا
الطاغية، فبعد 30 سنة عجافًا طوالاً،
أكلت من المشردين ما أكلت، وخلّفت من
المآسي ما خلفت، ولكن الشعب اليوم في
سعادة وفرح؛ لأن الحرية لا يعدلها شيء. ولكني أريد أن أقول: هل ما زالت
ديكتاتوريات العالم الثالث اليوم تظن
أنها مُخلدة أم أنها فهمت أن يومها آتٍ
لا محالة؟ أظن أنها زائلة وعن قريب إن
شاء الله.. وهل سيكون حكامنا الجدد أكثر
ديكتاتورية، ولكن بلون جديد،
وديمقراطية مزيفة؟ أقول: نعم، إذا أصبح
الشعب نائمًا، والجهل سادرًا.. ونسأل
الله ألا يكون ذلك.. آمين. ==================== المستقبل - الاحد 20 شباط 2011 العدد 3917 - نوافذ - صفحة 12 شاكر الأنباري ظاهرة الفيسبوك تعكس توحد الخطاب
الافتراضي مع الواقع، وهذا ما يعد من
الظواهر العالمية الجديدة. اللقطات
المباشرة للمظاهرات، والعنف، والواقع
المعيشي المزري، صارت تبث فوراً إلى
البحر الافتراضي على الشاشة، عابرة
بذلك حواجز الأوطان، والرقابات،
والتابوات الدينية. كما أن ديناميكية
الثورة التكنولوجية حولت أبسط
الأفراد، في الزوايا المهملة من
العالم، إلى أفراد عالميين، يمكنهم
إسماع أصواتهم إلى أي كان، بمن في ذلك
الحكام والمسؤولون. الهامشيون أتاحت لهم ثورة المعلومات فرصة
نادرة لكي يحتلوا الواجهة، ولم تعد
هناك أي قوة عالمية تمنع ظاهرة مثل تلك.
الهزة التي أحدثتها تسريبات موقع
ويكيليكس ما زالت ماثلة، وتتفاعل كل
يوم، وكانت تلك الهزة نتيجة لنشر
الغسيل القذر للحكومات بمطابخها
السرية والمخابراتية، وكانت هناك
فضائح تصل إلى مستوى الفظائع، وكانت
هناك ازدواجية في المواقف تكاد تصل إلى
درجة الشيزوفرينيا. فما يقوله الحكام
في العلن يناقض، بعص الأحيان، ما
يهمسون به في الغرف السرية، واللقاءات
غير الموثقة. ولم تستثن تلك الفضائح أي
بلد في العالم سواء كان متحضراً مثل
أميركا وأوروبا، أو كان متخلفاً مثل
بلداننا العربية. نشر المستور، هو ما أعطى لتلك التسريبات
زخمها الذي ظهرت عليه، وهو بشكل ما
صدمة وعي حقيقية للبشرية في العقد
الأول من الألفية الثالثة. تسريبات ويكيليكس هي آخر ما وصلته ثورة
التكنولوجيا العالمية. ولا أحد ينكر أن
الثورة التكنولوجية تلك قد حطمت
كثيراً من المفاهيم العتيقة في
العالم، وحولت الكرة الأرضية إلى
مساحة واحدة، بدأت الحدود تتلاشى فيها
سنة بعد أخرى. وتكنولوجيا الاتصالات
بالذات ساهمت بشكل رئيسي في هذا التحول. الشبكة العنكبوتية أصبحت واقع حال،
وضرورة في الآن ذاته، في كل بقعة من
بقاع العالم، مهما كانت مهملة أو
منزوية. ولكن الجديد في هذه الظاهرة أن
الانترنيت تحول إلى أداة تواصل فعالة
لا للمتطلبات الحياتية فقط كالمحادثة،
وإرسال الرسائل، ونقل الصور والأفلام
السريعة، بل أيضاً إلى برلمان عالمي
لطرح الآراء، وتحشيد الرأي العام،
وكشف المستور، وصولاً إلى التمهيد
لثورات شعبية هنا وهناك. ما بات يعرف بالفيسبوك تحول إلى رافعة
برلمانية لحرية التعبير، والنقد،
وتشكيل وعي بديل، وهذا ما أكدته
انتفاضة الشعب التونسي، ثم لاحقاً
انتفاضة الشعب المصري. آلاف الشباب
يتواصلون في ما بينهم على تلك الصفحات
لتبادل الرأي، ومناقشة ما يجري في
حياتهم اليومية، وأهم المعضلات التي
يعانون منها. وفي البيئة المسكونة بقمع
حرية التعبير، والفكر الحر، يصبح
الفيسبوك متنفساً يومياً، لا للآلاف
فقط، بل للملايين، وهذا بالتحديد ما
أرعب السلطات الحاكمة في كل من تونس،
واليمن، ومصر، على سبيل المثال. لذلك
كان أول رد فعل، في الحالة المصرية، هو
منع شبكة الانترنيت، ولكن بعد فوات
الأوان، حيث خرجت الجموع المليونية في
محافظات كثيرة تطالب بالتغيير الجذري. هذه الظاهرة تستدعي حقيقة أن الرقابة على
الفكر، والتعبير، والتظاهر، أصبحت من
المستحيلات، وأن لا مناص من دخول
الحضارة العالمية من أوسع أبوابها. ومن
يفكر بغلق بوابات التعبير ينبغي عليه،
كما تعلمنا الأحداث من حولنا، أن
يستبعد هذه الفكرة، فثمة معالجات
عاجلة لأمراض الواقع يجب أن تنفذ، ولا
سبيل إلى تغطية الفشل بإغماض العين
وعدم الرؤية. إذاً، إنه جيل الفيسبوك والماسنجر وبحر
الانترنيت المتلاطم، هذا الجيل الشاب،
يدخل يومياً إلى مدن العالم كافة،
ويدرك ما يدور في بلدان أخرى، ويتأثر
بما يرى. وهو جيل يرصد ما يستجد في
قريته الضيقة، ومنطقته، ومدينته، كي
يبثه في ثانية واحدة إلى جمهور كبير من
الأصدقاء والمعارف، ليطلع عليه العالم
في اللحظة نفسها. لا شيء مخبأ في بحر
الانترنيت. وهذا ما شاهدناه على صفحات
الفيسبوك في المرحلة السابقة، إذ كانت
هناك حوارات ساخنة بين المثقفين،
والفنانين، والسياسيين، والمفكرين،
وعامة الناس، حول تفسير وقراءة
الانتفاضات الدائرة في العالم العربي. تلك الحوارات إضافة ديموقراطية على الحدث
الواقعي ذاته، تخلق حيوية استثنائية
في الوعي، كما أنها مدرسة لتعلم فن
الحوار ومقارعة الحجة بالحجة، الأمر
الذي يمكن تسميته بالحوار السلمي،
الناضج، الذي يبتعد عن التطرف
والتكفير والإدانة. كل ذلك يتنامى ويمطر في منطقة كانت لعقود
مغلقة، ولا تسمع سوى صوت الحاكم الفرد.
هذا ما يمكن عده نقلة نوعية في الوعي
البشري، هذه النقلة ستخلق يوماً بعد
آخر شيئاً من الذهنية الجماعية، لكنها
ليست ذهنية القطيع بالتأكيد، إنما
الذهنية المؤمنة بالحوار، والتغيير،
والفكر الحر، والانفتاح على الشعوب،
وإدانة الظلم والتهميش والقمع. وكان منع الانترنيت في مصر من قبل النظام
قد وضع ذلك النظام في دائرة الاتهام،
عالمياً، وأثبت بهذه الخطوة للجميع
بأنه نظام متخلف لم يعد يواكب تحولات
العصر. وهو درس يفترض أن تعيه الأنظمة
في العالم الثالث التي تعتمد الرقابة
على المطبوعات، والأفلام،
والانترنيت، والفيسبوك، والهواتف
النقالة، إذ لا يمكن الوقوف بعد اليوم
أمام صخب الثورة المعلوماتية لأن
الوقوف أمامها، أو محاولة ترويضها،
صار بمثابة تغييب للعقل والمنطق
والإبداع الحر، ومن دون هذه يستحيل
بناء بيئة وطنية تنتمي إلى عالمنا
المعاصر. إن أي ثورة في وقتنا الحاضر لا يمكن
قيامها باستخدام وسائل متخلفة، وهذا
ما انتبه له الجيل الجديد، جيل
الفيسبوك والكومبيوتر والموسيقى
الصاخبة، والتقليعات الغريبة، حين
استخدم الفيسبوك، والانترنيت عموماً،
أداة للنقد، والكشف، والفضح، والحث
على التجمهر في مكان معين وزمان محدد،
تمرداً على حياة يومية مفرغة من الطموح
والكرامة والاستقرار، وكأن الأداة هذه
صارت بديلاً للجسد التنظيمي الكلاسيكي
السابق، الحزب الذي كان يعتمد في صناعة
المظاهرات والهبات الشعبية. كان تمثال التونسي بوعزيزي المنحوت من
النار هو الصدمة الأخرى، بعد تسريبات
ويكيليكس، للوعي الشعبي، وعي الجيل
الجديد في العالم العربي خصوصاً. ذلك
الجسد الذي نشرت صوره الفضائيات،
واليوتيوب، والمدونات، في لحظات قصيرة.
التهبت مخيلة الثورة الشبابية، بسبب
عنف الاحتجاج بالدرجة الأولى، وهو
احتجاج على ظلم لحق بكائن بشري من
مجتمعه، وحكومته التي يفترض أن توفر له
حياة كريمة من العمل وحرية التعبير.
وهو أقل ما يطمح له الإنسان في هذه
الحياة القصيرة. صدمة منحوتة النار كادت أن توازي فضائح
الويكيليكس، لكنها صادرة هذه المرة من
القاع، قاع المجتمع التونسي الذي
تشابه في جوانب كثيرة منه مع قيعان
العرب جميعاً، بل وقيعان بلدان أخرى في
هذا الشرق المتخلف، في ظل طغيان حكامه
واستهانتهم بأرواح المواطنين
وكرامتهم. منحوتة النار هي ثورة الهامش، وقد تجسدت
بالتضحية بالنفس، وبطريقة تحمل أقصى
صورة للاحتجاج، أي التحول إلى كتلة
نارية على مسمع ومرأى مليارات البشر
الذين يعيشون على هذا الكوكب. ==================== ياسر الزعاترة الدستور 20-2-2-2011 في عدد من الدول العربية اكتشفت الأنظمة
ما تعتقده سر الأسرار ممثلا في إمكانية
التصدي لزحف الجماهير المطالبة
بالتغيير عبر "البلطجية" أو "الزعران"
، وأحيانا عبر وسائل مشابهة تتمثل في
حشد مؤيدي الأحزاب الحاكمة ، أو لنقل
النواة الصلبة من المؤيدين الذين
تتضرر مصالحهم جراء التغيير. والحق أنه لو كانت الأرقام التي تعلن
لأعضاء الأحزاب الحاكمة ، أو ما يشبهها
في الدول التي لا أحزاب حاكمة فيها ، لو
كانت تلك الأرقام صادقة ، لما كان بوسع
الثورة المصرية أن تنتصر وقبلها
الثورة التونسية وتاليا أية ثورة أخرى
، إذ أننا نعلم أن عدد أعضاء الحزب
الحاكم في مصر بالملايين ، وفي تونس
بمئات الآلاف ، الأمر الذي ينطبق على
دول عديدة بدأ فيها الحراك الشعبي كما
هو حال ليبيا بلجانها الثورية العتيدة
أو اليمن وحزبه الحاكم. إننا إزاء أنظمة مضت عليها عقود من الزمن
، ومن الطبيعي أن تنشأ على هامشها
طوابير من المنتفعين ، وهنا تحديدا لا
تجد الأنظمة غير هؤلاء تستخدمهم في
سياق الدفاع عن نفسها أمام مد الجماهير
، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان
إلى صدامات وقتلى وجرحى. في هذا السياق تعتقد الأنظمة أنها عبر
طوابير المؤيدين المتحمسين يمكنها أن
تحقق عدة أهداف ، فهي بالفوضى يمكنها
أن تفض جماهير عريضة من الناس من حول
الفعاليات الشعبية ، كما يمكنها القول
عبر تلك الممارسات إن الشارع ليس موحدا
ضدها ، وأن ما يجري لا يعدو أن يكون
تعبيرا عن ثنائية الموالاة والمعارضة
التي تتوفر في سائر الديمقراطيات في
العالم ، وقد تبرر من خلال ذلك التدخل
العنيف بدعوى الحيلولة دون أن يقتل
الناس بعضهم بعضا ، وقد تدعي الأبواق
التابعة لها كما فعلت في الحالة
المصرية أن الملايين التي خرجت إلى
الشوارع ضد الرئيس لا تتعدى 5 في المئة
من الشعب ، وأن الباقي ليس مؤيدا لهم ،
لكأن الذين لم يخرجوا كانوا مؤيدين ،
فيما هم في واقع الحال ليسوا كذلك حتى
لو لم يخرجوا ، لأن الاحتجاج يبقى نشاط
الأقلية ، ولنتذكر أن وراء كل شاب كان
يقف في ميدان التحرير أو يتظاهر في
شوارع الإسكندرية أسرة تؤيده من أب وأم
وإخوة وأخوات صغار وكبار ، بعضهم لا
تتيح له ظروفه المشاركة المباشرة. في مواجهة هذه الظاهرة ، ليس أمام قوى
المعارضة وفعاليات الشارع سوى
الاستمرار في برنامجها لإحداث التغيير
، مع التأكيد على سلمية تحركها ، الأمر
الذي قد يكلفها الكثير من الشهداء من
دون شك ، لكن من قال إن التغيير يُصنع
من دون تضحيات ، وأن الأمم تحيا من دون
بذل وعطاء ، بما في ذلك بذل الأرواح
والدماء؟، إرادة جماهير الأمة يجب أن
تنتصر ، ولا مجال لتحقيق ذلك إلا عبر
التحرك السلمي الذي يستمر ولا ييأس ولا
يخشى التضحية ، والحمد لله أن كلفة
الانتصار في زمن الفضائيات والإعلام
المفتوح صارت أقل بكثير مما كانت عليه
قبل ذلك. ===================== «دولة يهودية».. أم غيتو
انعزالي جديد؟! د. أسعد عبد الرحمن الرأي الاردنية 20-2-2011 بين الحين والآخر يظهر جدل شديد في
المجتمع الإسرائيلي حول موجات
العنصرية التي تجتاحه. فرغم انفتاح
العالم وتواصله فكريا وثقافيا
وحضاريا، ما زال أحد أخطر أشكال
العنصرية قائما في اسرائيل, تمارسه
حكوماتها المتعاقبة كسياسة رسمية،
داخليا وخارجيا على السواء، تحت ذريعة
الأمن. في هذا السياق، تتزايد فاشية
المجتمع الإسرائيلي، الذي ما زال يعيش
بعقلية ونفسية الأقلية, وعدم الثقة لا
بنفسه ولا بالمحيط به، ويظهر ذلك في سن
عديد القوانين العنصرية، ربما يكون
أكثرهما خطورة «قانون النكبة» و»قانون
الولاء للدولة»، وهو ما يعبر عنه عضو
الكنيست من» كديما» (شاي حرمش) في مقال
حديث: «بالفعل هذه ايام صعبة
للديمقراطية الاسرائيلية. تشريعات
مفعمة بالكراهية تنبت دون انقطاع بين
جدران الكنيست». ومن جهته، يقول (يوفال
ألبشن) بعد انقسام حزب «العمل»، في
مقال بعنوان «تخوف من توسع المعسكر
الفاشي في إسرائيل»: «الوحيد الذي ضحك
حقا ودوى ضحكة عاليا هو افيغدور
ليبرمان. فقد حصل على خمسة جنود آخرين
طائعين - لا يسمعون ولا يرون ولا
يتكلمون بل يصوتون بمجرد إشارة
للمعسكر الفاشي الجديد الذي نجح في
انشائه. إن الثقافة القذرة التي ثارت
وطفت مؤخرا في كل ركن والقومية العنيفة
ساعدت في تبيان الامور ولم تعد الامور
يُهمس بها في الغرف المغلقة بل يُصرخ
بها في ميدان المدينة أمام عدسات
التصوير تقول: الاجانب الى الخارج
والعرب الى الخارج، والنساء الى
البيوت من الشارع، والجنود الذين
يكسرون الصمت الى الخارج، وأناس حقوق
الانسان في المدة الاخيرة ايضا الى
الخارج». أما (أمونه ألون) فقد كتبت حديثا: «على مدى
سنوات عديدة كبتنا مسائل قاسية، تنشأ
عن شذوذ (الشعب اليهودي) في أسرة الشعوب.
من الصعب على (الشعب) أن يستوضح جوهر
وجوده الشاذ والمختلف، في ظل حرب ضروس
ولا تنقطع في سبيل مجرد هذا الوجود».
أما الكاتب الإسرائيلي (دانيال جفرون)
فكتب في مجلة «نيوزويك» الأمريكية: «الإسرائيليون
يعملون بكل الوسائل الممكنة على عرقلة
وتأخير حلم الدولة اليهودية التي
يحلمون بها، فهم مستمرون فى الاستيطان
فى الضفة والقدس رغم إن الفلسطينيين
والبلاد العربية والإسلامية التي
تدعمهم عرضوا من خلال المبادرة
العربية إقامة علاقات طبيعية مع
الدولة اليهودية، بل إنهم مستعدون
لقبول «حماقة الاستيطان» عن طريق
تبادل الأراضي التى ستخلف أغلبية
اليهود الإسرائيليين المستوطنيين
بشكل غير شرعي في الضفة العربية خلال
العقود الأربعة الماضية داخل دولة
إسرائيل». في سياق متمم، يؤكد رئيس كتلة «ميرتس» في
الكنيست (ايلان جالون) ان «ظاهرة
العنصرية تتفشى بشكل خطير في المجتمع
الإسرائيلي بشكل عام وبين صفوف رجال
الدين بشكل خاص». ويصف (آري شبيط) الوضع
الراهن في إسرائيل فيقول: «تهب ريح
سيئة على (البلاد). سلسلة أحداث غير
متصل بعضها ببعض في ظاهر الأمر بل لا
يشبه بعضها بعضا أحدثت مزاجا عاما
جديدا لكراهية الأجانب. لقد جعلت
إسرائيل دولة تنبعث منها رائحة خبيثة.
ماذا يحدث لنا؟ لماذا إنفجرت قوى
ظلامية كانت تغلي تحت الأرض دائما
فجأة؟ لماذا رفعت العنصرية رأسها؟».
ويستخلص (شبيط) قائلا: «إن جرثومة
الكراهية تجعل إسرائيل تبدو وتُسمع
مثل دولة عنصرية ظلامية». أما (يهوشع سوبول) فيستخلص: «لقد تبين الآن
أنه من السهل اخراج اليهود من الغيتو
ولكن من الصعب جدا اخراج الغيتو من نفس
اليهود». ويضيف: «كثيرون منا وعلى
رأسهم رجال الدين غير قادرين على العيش
كبني بشر احرار مع بني بشر أحرار آخرين.
وهم قادرون على احتمال الوجود لانفسهم
وللآخرين فقط عندما يخلقون غيتوات
انعزالية لليهود لا يدخلها غريب».
ويضيف (سوبول): «بعد 62 سنة من (الاستقلال)
تجد اسرائيل نفسها أكثر فأكثر في حالة
نوع من الغيتو الكبير المحاط بالاسوار
المنقسم والمنشطر في داخله الى عدة
غيتوات عرقية. اذا واصلت دولة اسرائيل
التعفن باتجاه استمرار نزعة الغيتو،
فكل شخص يكتم فيه التطلع نحو الحرية
وحقوق الانسان الاساسية سيفر من هذا
المكان كي ينجو بنفسه هو وأطفاله من
الاختناق والتعفن الروحي والاخلاقي».
ونختم بما قاله (ألبشن): «إن حقيقة ان
الفاشيين الاسرائيليين الجدد لا
يعتقدون ان عندهم ما يخفونه أو من
يخافونه تدل على مبلغ كبر الخطر وقربه
منا. هذه هي طبيعة الفاشية فهي تندفع في
المكان الذي لا تجد فيه حاجزا». ===================== لبنان... والنموذج الجنوب
أفريقي ديفيد بيتي قانوني مقيم في لبنان ينشر بترتيب مع خدمة «كومون
جراوند» تاريخ النشر: الأحد 20 فبراير 2011 الاتحاد يقف لبنان الآن على أعتاب واحدة من
اللحظات المفصلية الفارقة في تاريخه.
فقد خطت المحكمة الدولية الخاصة
بلبنان، التي تحقق في مقتل رفيق
الحريري، على طريق استكمال عملها
المحفوف بالتعقيدات والحساسيات، حيث
سلّم مدعي عام المحكمة وثيقة الاتهام،
ومن المعتقد على نطاق واسع أن أشخاصاً
مرتبطين ب"حزب الله" سوف تتم
تسميتهم، مع كل ما يعنيه ذلك من
احتمالات احتقان وتجاذب. وربما يعتقد مراقب خارجي أن محاكمة علنية
لهؤلاء المتورطين بجريمة قتل ستشكّل
خطوة إيجابيّة لا تترتب عليها
تعقيدات، وتشير إلى تحول درامي في
اتجاه إنفاذ القانون بعيداً عن تاريخ
لبنان في حل مشاكل الاقتتال الطائفي
بالرصاص والقنابل. إلا أن تاريخ لبنان
معقد إلى درجة أن احتمالات إحضار
القتلة المفترضين إلى العدالة داخل
البلاد قد أثارت سلفاً خوفاً وحقداً
أكثر مما بعثت من آمال ومشاعر تفاؤل. وحتى لو استطاعت المحكمة الدولية إرساء
قواعد سيادة القانون، فإنها قد تطلق،
على الأرجح، شرارة جولة جديدة من
الأعمال العدائية، والاستقطاب
والاحتقان الشديد بين مختلف المذاهب
والطوائف في بلاد الأرز. وقد وصل القلق
داخل لبنان درجة دفعت وليد جنبلاط،
زعيم طائفة الدروز اللبنانية، للإعلان
أنه إذا أعطي الخيار بين مساندة
العدالة وتجنب النزاع المسلح فسيختار
الشق الثاني. ولكن، لماذا يجب أن يعاني اللبنانيون من
العنف والاستقطاب، حسب منطق الجدل
القائم راهناً، قبل أن إمكانية
استكمال إجراءات إنفاذ العدالة في
قضية واحدة محددة؟ يبدو أن حسابات جنبلاط هنا منطقية إذا
نظرنا نظرة موازنة براجماتية بين
الفائدة والتكلفة، من وراء العملية.
ولكن، الواقع أنها أيضاً وصفة للبنان
ليبقى دولة من دون قانون إلى الأبد.
فإذا تم تأجيل إنفاذ العدالة فسيفوز
الابتزاز والتهديد دائماً. وستأخذ
القوة الفعلية أولوية على حكم القانون
لتذهب في مهب ذلك كل قيم ومقاصد
العدالة والأمن. وهنا أيضاً تتعارض أولويات جنبلاط بشكل
صارخ وواضح مع أولويات نيلسون
مانديلا، رئيس جنوب أفريقيا الأسبق.
وقد فهم مانديلا كذلك إمكانات القوة
العقلية والأخلاقية والجسدية كأساليب
مختلفة لحل النزاعات والصراعات
الداخلية في النسيج الاجتماعي. وعندما
تقابل للمرة الأولى مع مضطهديه البيض
لبحث انتقال جنوب أفريقيا إلى
الديمقراطية، قال لهم إن باستطاعتهم
"إما الاقتتال عليها أو التفاوض
حولها". وفي نهاية المطاف اختارت جنوب أفريقيا
عمليتين قانونيتين مختلفتين. بالنسبة لأولئك الذين كانوا على استعداد
لتحمّل المسؤولية عن الجرائم التي
ارتكبوها، تم تأسيس لجنة حقيقة
وعدالة، تم فيها تبادل اعترافات
بالذنب والتعبير عن الندم والأسف
العميقين من أجل المغفرة والتنازل عن
طلب الاقتصاص. وقد اختار أبناء جنوب أفريقيا، لحل
مجالات النزاع الأخرى الاعتماد على
المحاكم والقانون. والأهم من ذلك كله
أنهم أسسوا محكمة دستورية وجدت لضمان
إلزام السياسيين باتباع حكم القانون.
وكان سجّل هذه المحكمة عبر 15 سنة من
تاريخها مميزاً، ففي أقل من عقد من
الزمن وضعت حدّاً لكافة أشكال العقاب
الجسدي، بما فيه الإعدام، وألزمت
الحكومة بالاعتناء بالمشردين
والمصابين بمرض الإيدز، ومنعت
قانونيّاً التمييز ضد النساء. وعند وضع تاريخيْ لبنان وجنوب أفريقيا
المعاصرة جنباً إلى جنب، فإن فائدة
استخدام القانون بدلاً من العنف لحل
النزاعات تبدو واضحة، بشكل لا لبس فيه.
ففي جنوب أفريقيا الجديدة أصبحت أعمال
القتل السياسي أمراً من الماضي، ولا
يوجد أحد فوق القانون، ولا حتى مانديلا
نفسه. وتلعب جنوب أفريقيا اليوم دور الوسيط
وصانع السلام في القارة السمراء بدلاً
من كونها مصدّرة للميليشيات الخاصة أو
داعمة لحركات التمرد كما كان حال
النظام العنصري السابق في عهد "الآبارتايد". وفي المقابل، طالما عمل قادة لبنان وفق
منطق حساباتهم السياسية الخاصة، فإن
البلاد محكوم عليها بأن تظل دولة فاشلة
في الشرق الأوسط، حيث يضع أقوى الناس
وأكثرهم سلطة نفسه فوق القانون وخارج
سلطته. ويقول البعض إن أمورا كإنفاذ القانون
والعدالة لم تعد خياراً في لبنان لأن
استقامة المحكمة الدولية وأمانتها
تلطّخت بعدم فاعلية وقدرة تحقيقاتها
وبالإثباتات الزائفة التي جمعتها،
بحيث لم يعد بالإمكان الوثوق بها. إلا
أن الحكم على طبيعة المحكمة الخاصة قبل
سماعها شهادة حتى شاهد واحد يشكّل
بالتأكيد حكماً مسبقاً ومحاكمة نوايا
واضحين. إذ لن يكون من الممكن الحكم على
صدق المحكمة والتزامها بالقانون
وحيادها في التعامل مع القضية إلا بعد
إنهائها لمجريات مهمتها. بل إن هناك
أسباباً عديدة اليوم لإعطاء المحكمة
فرصة لأداء عملها. حيث إن من المستبعد
جدّاً - مع تعيين أنطونيو كاسيزي
رئيساً- أن تلعب السياسة دوراً في
مجريات عمل المحكمة، فكاسيزي قانونيّ
دوليّ يتمتع بأفضل سمعة وله تجربة
واسعة في المحاكمات الجزائية الدولية.
وبالنسبة لأولئك الذين ينزعون للنظر
إلى المحكمة بالشك والريبة والتخوين،
يتعين عليهم تذكّر أنه عندما التزم
مانديلا بفرض حكم القانون في جنوب
أفريقيا كان أكثر من نصف القضاة الذين
جلسوا في المحكمة الدستورية من البيض. عندما تطلب من سكان جنوب أفريقيا أن
يشرحوا لماذا تخلّوا عن بنادقهم
ووضعوا ثقتهم في القانون، تراهم
يشيرون أحياناً إلى سمة من سمات ثقافة
جنوب أفريقيا يسمونها "أوبونتو"،
وهي مفهوم يتعلق بالترابط المتبادل
بين الشعوب والناس. وبدلاً من النظر
إلى الآخرين على أنهم يشكلون تهديداً،
يُنظَر إلى الجميع على أنهم جزء من
أسرة إنسانية أوسع. وعندما تقع
الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة،
ينبغي أن يصغي الجميع لما يقوله
الآخرون، ليتم حل الخلافات بقوة الجدل
والنقاش وليس بالعنف والقوة الجسدية
للمشاركين في الخلاف. وينبغي هنا التذكير أيضاً بأن لبنان يملك
أيضاً ثقافة شبيهة تتمثل في حسن
الضيافة والكرم تجاه الغرباء. والسؤال
هو عما إذا كان اللبنانيون سيختارون
التفاهم مثل أبناء جنوب أفريقيا،
ليستخدموا أفضل ملكاتهم وأوجه قوة
ثقافتهم لإرساء قواعد دولة القانون.
لاشك أن جميع أصدقاء لبنان ما زالوا
يمنون النفس بأن يحسب اللبنانيون
حساباتهم ويتصرفوا مثلما تصرف نيلسون
مانديلا. ==================== لورنا ستركويردا (منسقة حوار
المسلمين والغرب بمنظمة «البحث عن أرضية
مشتركة») «كومون
جراوند» الرأي الاردنية 20-2-2011 ظل المتظاهرون المحتجّون في مصر يملؤون
ميدان التحرير في وسط القاهرة. ورغم أن
مظاهراتهم كانت سلمية، فإنها لم تخْلُ
من العنف، حيث شوهد متظاهرون من أنصار
الحكومة وهم يلقون الحجارة وقنابل
المولوتوف الحارقة ويستخدمون
الهراوات ضد الصحفيين والناشطين من
أنصار الديمقراطية. لقد أدّى انتشار
العنف المفاجئ إلى تراجع التفاؤل الذي
ساد في بداية المظاهرات، لكن
المتظاهرين لم يتراجعوا في ضغطهم
باتجاه التغيير السياسي. وكان من
الواضح أن قصص آمال الناس العاديين
وتضامنهم، شكّلت جزءاً جوهرياً من
حركة الاحتجاج. جمعت الثورة في مصر الناس معاً، فأصبحوا
يفكّرون في توفير الخدمات لجيرانهم،
وشارك المسيحيون والمسلمون جنباً إلى
جانب في المظاهرات، وغدا الناشطون
الدوليون ينشرون أصوات المصريين بشكل
أوسع وأعلى. ورغم أن الثورة لم تنجز إلى
الآن غير خطوتها الأولى، أي تنحي رأس
النظام، فثمة آمال ببناء دولة قوية من
الأسفل إلى الأعلى. وخلال الثورة، شكّل سكان المدن المصرية
مجموعات لحماية مصادر الكهرباء والماء
والغذاء وغيرها، كما ظهرت لجان لحماية
الأحياء من أعمال السلب والنهب. ويقول خالد
توفيق، وهو عضو بإحدى هذه اللجان: «نريد
أن نثبت للعالم أن باستطاعتنا
المحافظة على بلدنا، ونحن نفعل ذلك في
غياب الحكومة وقوات الشرطة». وفي ميدان
التحرير، هتفت الجماهير: «مسلمون
ومسيحيون، جميعنا مصريون»، وظهرت
قمصانٌ رُسِم عليها الهلال والصليب
كرموز للوحدة، وكان مسلمون يصلّون وهم
محاطون بسلسلة من المسيحيين لحمايتهم
من رجال الشرطة. إنها مناظر أعطت
صورة عن مصر مخالفة لما يعرضه الإعلام
الغربي: الركود السياسي، والخلافات
الدينية والطائفية. وعلى المستوى العالمي، وجدت الجماعات
والأفراد والشركات أساليب لإظهار
تضامنهم وإيصال أصوات المصريين إلى
العالم. فقد انضمت جوجل إلى تويتر
أثناء التعتيم على الإنترنت وأوجدتا
تطبيقاً يمكن المصريين من تسجيل رسالة
يتم إرسالها عبر حساب معين ونقلها
عالمياً، ثم ترجمتها على موقع آخر. لقد ساعدت أدوات كهذه الناس في أماكن
بعيدة على الشعور بأن يستثمروا في كفاح
المصريين، ووفّرت عملية نقل خبر على
أرض الواقع لحظة بلحظة. وكان من مؤشرات الأمل إعلان الجيش أنه لن
يستخدم القوة ضد المتظاهرين. وقد شكّل
ذلك لحظة مرحباً بها، لاسيما في ظل
وجود عشرات القتلى وآلاف الجرحى بأيدي
قوات أمن النظام. إلا أن الجيش لم يمنع الصدامات بين أنصار
النظام ومعارضيه، بل نقلت صحيفة «الغارديان»
اللندنية يومها أنه تدخّل لمنع
المحتجين من إلقاء الحجارة على أنصار
النظام، مما أثار قلق المتظاهرين من
وجود خطة للزج بالجيش في مواجهتهم. لقد أثبتت أحداث الأسابيع الأخيرة في
مصر، أن الأسلوب الذي نفهم من خلاله
مكاناً ما، والسرد الذي نملكه حول
المستقبل، يمكن أن تتغير كلها في لحظة
واحدة. كنت في القاهرة خلال عام 2003،
وتصادف ذلك مع الذكرى الثالثة
للانتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث تم
تنظيم مظاهرة في ميدان التحرير فاق
فيها عدد قوات الأمن عدد المتظاهرين. ومهما يكن فإن العمل الذي قام به المصريون
العاديون مؤخراً، باندماجهم معاً عبر
خطوط يفترض أن تفرّقهم، وإيجادهم سبلا
للتغلب على المعوقات اليومية، يجب أن
يوفر لنا الأمل بمستقبل مصر. ==================== السبت, 19 شباط 2011 06:56 فهمي هويدي السبيل نريد أن نبقي على الهتاف مدويًا في الفضاء
المصري، لأنني صرت أسمعه في الجزائر
تارة، وفي عدن وصنعاء تارة أخرى، في
حين اختفى من مصر تماما، لذلك خشيت أن
يظن الذين ظلوا يرددونه كل يوم طوال
أسبوعين على الأقل أن مهمتهم قد انتهت
حين تنحَّى "الرئيس" عن منصبه. ما دعاني إلى الدعوة إلى استحضار النداء
أن ما نشهده الآن في مصر يذكرنا بأن رأس
النظام وحده الذي سقط، في حين أن جسمه
لا يزال موجودا، ولم يكف عن الحركة
التي لا نستطيع أن نطمئن إلى براءتها. فثمة إشارات لاحت مؤخرا، بدا منها أن بعض
المنتفعين بالنظام يحاولون الالتفاف
على الثورة، ولا نستبعد منهم أن يسعوا
إلى إجهاضها، ولا سبيل إلى التصدى لذلك
إلا بدق الأجراس التي تلفت الأنظار إلى
أن الشعب غير مستعد للتنازل عن مطلب
إسقاط النظام، كما تنبه إلى محاولات
القفز والإجهاض التي يراد لها أن تختطف
الثورة أو تفرغها من مضمونها. أدري أنه لم تمض سوى أيام معدودة على تنحي
الرئيس مبارك، وتولي المجلس العسكري
للسلطة في البلاد، وأعرف حجم المهام
الجسام التي ينهض بها المجلس في إدارته
لمجتمع تعرَّض للنهب والتشويه
والإفساد طيلة ثلاثين عاما، كما إنني
لا أستطيع أن أتجاهل أن المجلس سارع
إلى إصدار عدة قرارات لمحاربة الفساد
والحفاظ على ثروة البلد أدت إلى حبس
بعض كبار المسئولين السابقين ومنع
آخرين من السفر والتحفظ على أموالهم.
ولا نستطيع أيضا أن نتجاهل أخبار
الضغوط الداخلية الممثلة في الإضرابات
والمطالبات التي انتشرت في بعض
المؤسسات والوحدات الإنتاجية، وكذلك
ضغوط الدول الكبرى التي تريد لحركة
الثورة أن تتساوق مع استراتيجيتها
وحساباتها الإقليمية. وهو ما يصور مدى
جسامة المسئولية الملقاة على كاهل
العسكريين الجدد، كما يصور حجم الجهد
الهائل الذي يبذلونه لتحقيق الإنجاز
والاستقرار على كل تلك الجبهات. نقدر ذلك الجهد، إلا أننا لا نستطيع أن
نخفي قلقنا إزاء المعلومات التي تسربت
حول موقف فلول النظام الذي دعت الثورة
إلى إزالته. هذه المعلومات تقول إن أركان النظام
السابق الذين لم يختفوا تماما
يتحركون، وأن تحركاتهم تلك ليست في
صالح الثورة، يشجعهم على ذلك أن رجالهم
لا يزالون موجودين على رأس المؤسسات
الإعلامية التي أسهمت طول الوقت في
التضليل والكذب والتشويه، كما أنهم
على رأس المؤسسات الأمنية التي مارست
القمع والتعذيب وإذلال المصريين، وفي
مقر رئاسة الجمهورية التي لا تزال
جسورها مفتوحة مع الرئيس السابق. وثمة تسريبات تحدثت عن أن بعض المنتفعين
من الحزب الوطني الذي أحرقت الجماهير
مقره بدأوا يتحركون خلال الأيام
القليلة الماضية، وأنهم شرعوا في
الإعداد لخوض الانتخابات القادمة، تحت
مسميات أخرى. من ناحية أخرى، فهناك تساؤلات حول الأيدي
التي حركت الإضرابات والاعتصامات التي
جرت مؤخرا في العديد من المصانع، وحول
ملابسات خروج جماعات من السلفيين فجأة
في أكثر من مظاهرة رفعت شعارات مريبة
في مضمونها وفي توقيت إطلاقها. وهناك
شك في أن يكون ذلك كله مرتبا لإحداث
الفوضى وإثارة الفتنة في البلاد. أدري أن المجلس العسكري تولى السلطة منذ
أيام قليلة، وأنه يُظلم إذا طولب
بتغيير كل شيء في البلاد خلال تلك
الفترة الوجيزة، إلا أنني تمنيت عليه
أن يتبنى مواقف معلنة تهدئ الخواطر،
وتزيل أسباب البلبلة والشك التي بدأت
تراود البعض، وهو ما تحققه إجراءات من
قبيل إطلاق سراح سجناء الرأي الذين
انتهت محكومياتهم ولا يزالون تحت
الاعتقال، وتنحية القيادات الإعلامية
والأمنية التي لوثت عقول الناس
وأذلتهم طوال الثلاثين عاما الماضية،
والوعد بوقف التعذيب وإغلاق مقاره
التي اعتبرت فروعا لجهنم، وحظر
الاعتقال العشوائي الذي لا تزال أجهزة
النظام القديم تمارسه حتى هذه اللحظة. إننا لم نعرف حتى الآن من الذي أصدر قرار
سحب الشرطة وفتح السجون وإثارة
الفوضى، ولا مَن المسئول عن قتل المئات
وجرح الآلاف، وبالتالي لم يحاسب أحد
على تلك الجرائم، الأمر الذي يضيف
أسبابا جديدة للحيرة والبلبلة. من ثم
فما لم يقدم المسئولون في المجلس
العسكري على شىء من هذه الخطوات، أو
على الأقل يعدون بإنجازها في توقيتات
محددة، فإننا ينبغي ألا نتوقف عن
الهتاف قائلين: الشعب يريد إسقاط
النظام. ==================== الثورة من العالم
الافتراضي إلى المجتمع الواقعي! الأحد, 20 فبراير 2011 السيد يسين * الحياة
انطلقت الثورة الشبابية الشعبية المصرية
في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 كالسهم
الذي أصاب قلب النظام السلطوي في مصر،
فأرداه قتيلاً في فترة لم تتجاوز
أسبوعين من الزمان! وليس هذا غريباً في الواقع، فنحن نعيش عصر
السرعة، حيث يتسارع إيقاع الزمن بصورة
لم تشهدها البشرية من قبل، وبطريقة لم
تستطع إدراك جوهرها الحقيقي النخب
السلطوية الحاكمة في عديد من البلاد
العربية، التي أصاب أعضاءها الجمود
القاتل، مما جعلها تسيء إدراك الواقع
المجتمعي الذي كان يفور بالثورة
سنوات، وإن بقيت النار تحت السطح، إلى
أن حدث الانفجار الكبير! لقد سبق أن ركزنا في دراساتنا وكتبنا على
النقلة الحضارية الكبرى في تاريخ
الإنسانية، والتي تتمثل في الانتقال
من نموذج المجتمع الصناعي الذي كانت
وحدة التحليل الأساسية له هي السوق
بآلياته المعروفة ونعني العرض والطلب،
إلى نموذج مجتمع المعلومات العالمي
ووحدة تحليله هي الفضاء السيبيري Cyber
Space أو العالم الافتراضي. وأكدنا في كتابنا «الخريطة المعرفية
للمجتمع العالمي» (القاهرة، نهضة مصر
2008) أنه – إذا أردنا أن نفهم تفاعلات
المجتمعات الإنسانية في الوقت الراهن -
فلا بد أن نقف بالتحليل طويلاً أمام
خمسة تغيرات أساسية هي العبور إلى
مجتمع المعلومات العالمي، والانتقال
من الحداثة إلى العولمة بتجلياتها
المختلفة، وبروز مجتمع المخاطر Risk
Society،
وسقوط النموذج القديم للأمن القومي،
وأخيراً بروز حضارة عالمية جديدة
انتشرت قيمها الأساسية لدى أجيال
الشباب خصوصاً في مختلف أنحاء العالم. وقد وقفت طويلاً أمام التحول إلى مجتمع
المعلومات العالمي ولذلك أصدرت آخر
كتبي بعنوان «شبكة الحضارة المعرفية:
من المجتمع الواقعي إلى العالم
الافتراضي» (القاهرة، دار نشر ميريت
2010). وكنت أقصد بالعنوان الفرعي أن
أجيال الشباب عموماً والشباب العربي
خصوصاً، قد هاجرت من المجتمع الواقعي
بكل ما يزخر به من قيود على حرية
التفكير وحرية التعبير وحرية التنظيم،
والعمل بالسياسة من دون قهر وقيود
وضعتها النظم السلطوية العربية، إلى
العالم الافتراضي الذي خلقته شبكة
الإنترنت العنكبوتية. وهذه الشبكة
العجيبة خلقت فضاء عاماً جديداً Public
Sphere غير مسبوق في التاريخ الحضاري
الإنساني. وذلك لأنه أتاح لأجيال الشباب الغاضب
والثائر على النظم الديكتاتورية
والسلطوية، مجالاً رحباً للتعبير
الطليق عن الذات من دون قيود أو حدود.
وقد استحدثت أدوات جديدة للاتصال
تمثلت أساساً في المدونات و «الفايسبوك»
و «التويتر». أما المدونات فقد تنوعت أشكالها، فمنها
مدونات شخصية تنشر إبداعات أو تأملات
أصحابها، ولكن أخطرها مدونات سياسية
زاخرة بالنقد العنيف للنظم السلطوية
العربية. ونجد في هذا المجال أن
المدونات المصرية التي تعارض النظام
السلطوي المصري كانت أنشط هذه
المدونات، لأن أصحابها تجاوزوا كل
المحرمات التي كانت مفروضة على
التعبير السياسي. غير أن ابتكار «الفايسبوك» غطى – إلى حد
كبير – على تأثير المدونات، لأنها
تحولت من شبكة اجتماعية إلى شبكة
سياسية، يتم من خلالها التخطيط
للوقفات الاحتجاجية والتظاهرات بل
وللثورة! نعم! لقد تم التخطيط لثورة 25 يناير
المصرية على شبكة «الفايسبوك»، بين
شباب ناهض لا يعرف بعضه البعض معرفة
شخصية، ولكنهم أجمعوا على معارضة
توجهات النظام السياسي المصرية
السلطوية وممارساته المنحرفة في
مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع
والثقافة. وهذه الطليعة من الشباب المصري المتعلمين
تعليماً جيداً، وممن يتقنون اللغات
الأجنبية، ويعرفون فنون الإبحار في
شبكة الإنترنت، والمطلعين على أحوال
العالم، والمتابعين للموجة الثالثة
للديموقراطية وسقوط الشمولية إلى
الأبد، هذه الطليعة خططت ليكون يوم 25
كانون الثاني (يناير) هو يوم الغضب، وهو
يوم عيد الشرطة الذي يتم الاحتفال به
كل عام تمجيداً لمعركة الشرطة مع قوات
الاحتلال الإنكليزي في الإسماعيلية
قبل ثورة يوليو 1952. لماذا الغضب؟ لأسباب شتى، أهمها على
الإطلاق القهر السياسي الذي يمارسه
النظام المصري، وممارسات تعذيب
المتهمين في أقسام الشرطة، وأبرزها
حادثة تعذيب خالد سعيد في الإسكندرية،
وهو شاب اسكندري لم يقترف جرماً وإنما
عذب ومات في أحد أقسام الشرطة. ولعل السؤال الرئيسي هنا: لماذا قامت
الثورة؟ هذا السؤال الذي قد يبدو بسيطاً هو سؤال
صعب ومعقد، لأن أسباب الثورة متعددة
حقاً. ويمكن القول إن المجتمع المصري
تراكمت في جنباته أزمة مجتمعية،
خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة، لها
أبعاد أربعة: أزمة سياسية تتمثل في جمود المشاركة
السياسية، وتكشف عن الأزمة مؤشرات
متعددة أهمها الانفراد باتخاذ القرار
السياسي بواسطة الحزب الحاكم، وتزاوج
الثروة بالسلطة، حيث أصبح رجال
الأعمال من خلال عملية فساد واسعة
ومنظمة هم المهيمنون على اتخاذ
القرارات التنموية الكبرى، حتى تكون
لمصلحتهم وبغض النظر عن مصالح
الجماهير العريضة. وتضاف إلى ذلك تعددية سياسية مقيدة، لم
تسمح سوى بقيام الأحزاب التي ترضى عنها
السلطة، وضعف الأحزاب السياسية عموماً. وإذا أضفنا إلى ذلك وضع قيود متعددة على
حرية التفكير وحرية التعبير وحرية
التنظيم، أدركنا أن المجتمع المصري
تحول إلى سجن كبير يخنق كل المبادرات
الفردية والاجتماعية على السواء. غير أنه كانت هناك أزمة اقتصادية أيضاً،
وأهم مؤشراتها غياب رؤية استراتيجية
للتنمية في مجالات الزراعة والصناعة
والتكنولوجيا، وتنمية اقتصاد افتراضي
يقوم على المضاربات في البورصة، وفي
مجال نهب أراضي الدولة من خلال تمليكها
لرجال الأعمال بأثمان بخسة، تاجروا
بها وبنوا عليها منتجعات تباع فيها
الفيلات والقصور بملايين الجنيهات، في
حين يقبع حوالى أربعين مليون مصري تحت
خط الفقر وهم في حالة بؤس كامل. وعلى رغم ارتفاع معدلات التنمية في
السنوات الأخيرة، إلا أن ثمارها لم تصل
الى الجماهير، وإنما انفردت النخب
الفاسدة من رجال الأعمال بجني ثمارها.
وقد أدت هذه الأزمة الاقتصادية إلى
نشوء أزمة اجتماعية كبرى، تمثلت
أساساً في الفجوة الطبقية الواسعة بين
الأغنياء والفقراء بصورة لم تحدث من
قبل في التاريخ المصري الحديث،
وبطريقة فاقت بكثير المشكلة
الاجتماعية قبل ثورة يوليو 1952 وكانت
أحد أسباب قيامها. وإذا أضفنا إلى ذلك
الحراك الهابط للطبقة الوسطى، والتحاق
أعضائها بجموع الفقراء لأدركنا خطورة
الأزمة. وهي أخيراً أزمة ثقافية لأن نسبة الأمية
التي قاربت 40 في المئة من السكان أدت
إلى انخفاض الوعي الاجتماعي، مما
انعكس على فشل برامج تنظيم الأسرة،
وسيادة التفكير الخرافي، وسيطرة الفكر
الديني المتعصب سواء من المسلمين
والأقباط مما أدى إلى فتنة طائفية
بالغة الخطورة. ومما لا شك فيه أن تراكم الغضب في الفضاء
المعلوماتي والذي عبر عنه الشباب في
المدونات و»الفايسبوك»، كان أحد
أسبابه ليس الواقع الاجتماعي فقط بكل
أزماته التي أشرنا إليها، ولكن شيوع بل
سيادة خطاب نقدي اجتماعي عنيف أنتجته
جماعات شتى من المثقفين المصريين،
سواء في مقالاتهم في الصحف القومية
والمستقلة والخاصة، أو في دراساتهم
المنشورة وكتبهم المطبوعة. لقد استطاع هؤلاء المثقفون النقديون أن
يشعلوا نار الغضب لدى ملايين المصريين
من خلال خطابهم النقدي العنيف في مختلف
وسائل الإعلام، والذي ركز على
ديكتاتورية الحزب الحاكم، وعلى الفساد
الذي سمح لرجال الأعمال بمراكمة
البلايين من الجنيهات، في حين أن
الجماهير العريضة ظلت حبيسة الفقر
المتزايد. لقد استطاع سهم الثورة
الشعبية النافذ أن يصيب قلب المؤسسة
المصرية الحاكمة، مما أدى بعد خطوات
ثورية متعددة إلى تنحي رئيس الجمهورية
ورحيله وتولي المجلس الأعلى للقوات
المسلحة السلطة، للتخطيط للعبور
الشعبي الآمن من السلطوية إلى
الديموقراطية. الانتصار السياسي للثورة الشعبية
المصرية والتي أصبحت لها أصداء عالمية
مؤثرة، ليس سوى الخطوة الأولى
الضرورية لتفكيك البنية السلطوية
للنظام المصري، والذي لا تمثل
السلطوية السياسية فيه إلا أحد
الأبعاد. يبقى بعد ذلك أن تفكك الثورة
السلطوية الاجتماعية والسلطوية
الثقافية ولذلك حديث آخر. ===================== جابر حبيب جابر الشرق الاوسط 20-2-2011 صحيح تماما أن الثورة الشعبية المصرية
كانت ثورة مدنية، حركتها مطالب
اجتماعية واقتصادية وسياسية وعبرت عن
طموحات أجيال شابة تؤلف اليوم غالبية
سكان المنطقة، لم تستطع لا الأنظمة ولا
المعارضات ولا الأيديولوجيات السائدة
أن تستوعبها، وبدلا من أن تقود
المعارضة المنظمة عملية الاحتجاج كما
حصل في الكثير من الحركات الشعبية، فإن
تلك المعارضة ركبت الثورة وجلست في
مقعدها الخلفي، منقادة بدلا أن تقود. ولكن في حالة الإخوان المسلمين يبدو لي أن
الجلوس في الخلف كان خيارا مدروسا
بعناية أكثر من كونه نتيجة لضعف الحركة
أو تأخرها. لقد استعمل «الإخوان» نوعا
من التقية الذكية من أجل إبطال الحجج
التي حاول النظام أن يراهن عليها في
تأليب القوى الغربية على الثورة
بالقول إنها مدفوعة من الإسلاميين
وستتحول إلى حركة شبيهة بالثورة
الإيرانية، ثم جاء موقف «الإخوان»
بالإعلان عن نية عدم ترشيح أي من
أعضائهم لانتخابات الرئاسة القادمة
ليمثل استمرارا لسياسة جديدة تتسم
بالاعتدال السياسي والتراجع عن
المناهج الراديكالية ولتأهيل الحركة
للوضع السياسي الجديد القائم على
التنافس الديمقراطي، ومن هنا أعلنت
الحركة أيضا أنها بصدد إقامة حزب سياسي
في خطوة أخرى بنفس الاتجاه تؤشر إلى أن
الإسلاميين بدأوا يدركون أن اللعبة
الديمقراطية تحميهم قبل غيرهم، وأن «الحزبية»
ليست عصيانا للدين أو فتنة بقدر ما هي
آلية معاصرة لتنظيم الحراك السياسي
واللعبة الديمقراطية. لقد راهن النظام المصري والعديد من
حكومات المنطقة على استخدام بعبع
الحركات الإسلامية وكونها «البديل
الوحيد» من أجل كسب تأييد القوى
الغربية لبقاء تلك الأنظمة ولقبول
فكرة أن هذه الشعوب ليست جاهزة
للديمقراطية، وهي فكرة بدا أن الرئيس
المصري السابق والعديد من أركان حكمه
كانوا من أبرز المروجين لها، فضلا عن
عدد آخر من المسؤولين والكتاب في
المنطقة، من دون أن يقدموا وصفة لكيفية
إعداد تلك الشعوب للديمقراطية إذا لم
يمارسوها، ولنكتشف فيما بعد أن عدم
الجهوزية للديمقراطية هو مشكلة
الأنظمة لا الشعوب. ولإضفاء المصداقية على فكرة أن البديل
الوحيد هم الإسلاميون سمح النظام
للتيارات الدينية المتشددة بالظهور
والتأثير في ساحات لا تهدده، واستفاد
من ذلك العديد من التكفيريين
والتحريميين الذين حولوا القضاء
المصري والإعلام إلى وسائل للهجوم على
من يخالفهم بالفكر أو من يعتقدون وفق
تفسيرهم المتشدد للدين أنه خارج عن
العقيدة، فرأينا عمليات ومحاولات
اغتيال ودعوات بالتفريق على الكثير من
المفكرين والكتاب، وبدا النظام
متساهلا في ذلك من أجل أن يؤكد صورة أن
المجتمع خاضع لهيمنة الإسلاميين
المتشددين. لكن ثورة ساحة التحرير حررت الجميع من هذا
الوهم، وأظهرت الوجه الآخر الذي حاول
كل من النظام والإسلاميين المتشددين
إخفاءه، وهو وجه الشباب المدني
المتطلع لعصر جديد والذي لا يسعى أبدا
العودة إلى الوراء وليست لديه عقدة نقص
تجعله يفكر بالماضي فقط. القوى الغربية
بدا أنها لم تعد تشتري منهج التخويف من
الإسلاميين بل بدأت تراهن على إمكانية
السماح لهم بالانخراط في اللعبة
الديمقراطية كوسيلة لإجبارهم على
الاعتدال وعلى نهج طريق التسويات،
وأيضا كوسيلة للحد من الشرعية التي
كسبوها وهم يظهرون بمظهر الضحية. اليوم الامتحان الحقيقي هو الذي يخوضه «الإخوان»،
وأعتقد أنهم نجحوا بتقيتهم في دعم
الثورة وفي الإعداد للخروج بمظهر
جديد، ولست ممن يقول بأنهم سيكونون قوة
ثانوية بل إن تاريخهم الطويل في
التنظيم وفي الممارسة الانتخابية حتى
في ظل نظام كان يزور الانتخابات بشكل
سافر، يؤكد أنهم سيسعون قدر الإمكان
لكسب شرعية انتخابية لا سيما عبر
الأصوات التي سيحصدونها في أي
انتخابات قادمة في مناطق الأرياف،
فمصر ليست ساحة التحرير فقط ووجودهم في
مناطق الهامش ربما سيكون فاعلا في
منحهم وزنا انتخابيا كبيرا يجعلهم
كتلة مؤثرة. حركة الإخوان المسلمين هي أقدم حركة
سياسية إسلامية في المنطقة، وعبر
تاريخها صارعت أنظمة مختلفة، وأنتجت
تيارات متعددة بعضها مال إلى التشدد
محاكيا فكر سيد قطب الذي وصل إلى حد
تكفير المجتمع واعتباره يعيش جاهلية
معاصرة، وبعضها مال إلى الاعتدال فقدم
مراجعات مهمة كتلك التي يعبر عنها جمال
البنا شقيق مؤسس الحركة أو حركة
الغنوشي في تونس. ثورة المجتمع المصري
تنفي بالتأكيد جاهليته التي افترضها
قطب، وتقوي الاتجاهات المعتدلة التي
يمكنها أن تعيد تشكيل الفكر السياسي
الإسلامي ليس بالتنظير المجرد بل من
خلال الممارسة التي تضع حدا نهائيا
لأسطورة أن الإسلام والديمقراطية لا
يتجانسان. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |