ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 08/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

تونس إلى أين؟

الاتحاد - 07 مارس 2011

كم تغيرت تونس في شهرين فقط، هما الفترة القصيرة التي مضت على انهيار نظام "بن علي": اعتقال أو إقصاء كل رموز الحقبة الماضية، تعليق الحزب الحاكم منذ استقلال البلاد، الاعتراف بأكثر من عشرين حزباً سياسياً جديداً، عفو تشريعي عام وعودة عشرات السياسيين من المنفى، انفتاح الإعلام العمومي وتحرير الصحافة المكتوبة. في هذه الفترة القصيرة، شكلت حكومة ائتلافية أسقطها الشارع الثائر الذي أطاح ببن علي. علق أحد الظرفاء على الثورة بالقول"إن بن علي أسقط بورقيبة فأسقط شارع بورقيبة بن علي". غادر التكنوقراطي الهادئ "محمد الغنوشي" المسرح السياسي بعد أن فشل في كسب ثقة الجمهور الهائج.

لم يكن الرجل الذي لا يشك أحد في نظافته وإخلاصه مهيأ لتسيير المرحلة الانتقالية التي تتطلب حنكة السياسي أكثر مما تطلب مهارة الخبير الاقتصادي. خطأ الغنوشي الكبير أنه توهم أن المشكلات السياسية تحل بمنطق الإصلاحات القانونية والمؤسسية ،التي ليست في الواقع سوى صياغات بعدية للتوافقات السياسية.

استبدل الغنوشي بالسياسي الثمانيني ذي التجربة الطويلة في العمل العمومي منذ انخراطه المبكر في العمل النضالي داخل حركة التحرر، التي تزعمها الحزب الدستوري الجديد بزعامة "بورقيبة" الذي تولى في عهده حقائب الخارجية والداخلية والدفاع.

أظهر رئيس الحكومة الجديد منذ تصريحاته الأولى قدرات ملموسة على التواصل مع الشارع التونسي ومع القوى السياسية والمجتمعية المختلفة. بدا "الباجي قائد السبسي" واعياً بسقف المطالب الشعبية المرتفعة وبحجم القطيعة الجذرية المطلوبة مع العهد السابق، وبضرورة إشراك مختلف الفاعلين في إدارة المرحلة الانتقالية. أدرك بجلاء أن صيغة الحكومة السياسية الائتلافية المتكونة من فلول التجمع الدستوري وبعض تشكيلات معارضته "الشرعية" غير قادرة على تأمين معادلة الاستقرار السياسي، التي تقتضيها المرحلة الراهنة، التي ستشهد إعادة بناء النظام السياسي التونسي بكامله.

والواقع أن المشهد السياسي التونسي تغير بالفعل جذرياً، وإن كان لا يزال في طور المخاض العسير، ولم تتشكل معالمه الثابتة النهائية.

ومن المعروف أن هذا المشهد تمحور منذ تكريس التعددية الحزبية في بداية الثمانينيات حول خمسة أقطاب سياسية رئيسية، على الرغم من هيمنة الحزب الحاكم والقيود الخانقة المضروبة على التشكيلات المعارضة. وهذه الأقطاب هي:

أولًا: الحزب الدستوري الذي قاد البلاد إلى الاستقلال، وخضع لمراجعات إيديولوجية وتنظيمية متلاحقة منذ تأسيسه عام 1920 على يد "الشيخ عبد العزيز الثعالبي"، قبل أن يتزعمه "الحبيب بورقيبة" عام 1934 ويحوله إلى حزب الدولة الوحيد بعد الاستقلال. وعلى الرغم من الواجهة التعددية المعلنة، ظل الحزب مهيمناً على هياكل الدولة في عهد "بن علي"، الذي حوله إلى أحد أهم أجهزة نظامه الاستثنائي.

ثانياً: القطب الليبرالي الوسطي الذي تمحور حول "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين"، التي أسستها عام 1978 وجوه سياسية معروفة منشقة عن الحزب الدستوري من أبرزها الوزير الأسبق "أحمد المستيري"، الذي عارض الميول الاستبدادية والزعامة الفردية لبورقيبة، واعترض على قرار تعيينه رئيساً مدى الحياة. وبعد الانقلاب الذي أحدثه "محمد مواعدة" في بداية التسعينيات داخل الحزب بدعم من النظام الحاكم الذي أصبح من أشد مؤيديه، أسست بعض قيادات الحركة حزباً جديداً باسم "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" يرأسه الطبيب والناشط الحقوقي "مصطفى بن جعفر"، الذي ظل معارضاً لبن علي والتحق بحركة الثورة الشبابية التي أطاحت به.

ثالثاً: القطب "اليساري" العريق في الحياة السياسية التونسية منذ منتصف القرن الماضي. وقد تمحور تاريخياً حول "الحزب الشيوعي التونسي"، الذي غير عام 1993 تسميته إلى "حركة التجديد"، التي يرأسها حالياً الأستاذ الجامعي"أحمد إبراهيم" الذي استقال الأسبوع الماضي من الحكومة الانتقالية. وعلى يسار هذه الحركة "حزب العمال الشيوعي التونسي"، الذي تميز بنشاطه الكثيف في الأوساط الجامعية على الأخص رغم حظره، ويتزعمه راهناً "حمة الهمامي".

رابعاً: القطب الإسلامي المتمحور حول "حركة النهضة"، التي تحولت منذ تأسست عام 1981 إلى رأس الحربة في معارضة نظامي بورقيبة وبن علي. وقد أثبتت انتخابات 1989 البرلمانية التي شاركت فيها الحركة بلوائح مستقلة أنها كانت آنذاك التشكيلة المعارضة الأولى في البلاد. وقد تعرضت الحركة للقمع الشديد منذ بداية التسعينيات، وحصلت لأول مرة على الاعتراف الرسمي في الأيام الماضية.

خامسا: القطب القومي العروبي الذي شكل تاريخياً الاتجاه المناوئ للبورقيبية داخل حركة التحرر وداخل الحزب الدستوري قبل إقصاء ثم اغتيال رمزه "صالح بن يوسف" الذي تنافس مع بورقيبة على زعامة الحزب.

ومن أبرز الأحزاب القومية النشطة "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين"، التي أسسها عام 1981 المحامي"أحمد نجيب الشابي"، الذي انضم في شبابه على غرار الكثير من مثقفي الجنوب التونسي إلى التيار البعثي.

ومع أن هذه الأقطاب لا تزال تشكل محاور الخريطة السياسية التونسية، إلا أن الخروج المفاجئ والعنيف من العهد الاستثنائي قد انجرت عنه نتيجتان بارزتان هما:

أولًا: تفكك وتجزؤ الأقطاب السياسية بانبثاق ما يزيد على أربعين تشكيلة جديدة، حصل بعضها على الترخيص القانوني والآخر في الطريق. ففضلًا عن النتائج المرتقبة عن حل الحزب الحاكم السابق (كنشوء حزب دستوري جديد يحافظ على الرصيد التاريخي للبورقيبية)، فإننا شاهدنا مؤخراً ظهور حزبين إسلاميين جديدين منافسين لحركة النهضة، وظهور أربعة أحزاب بعثية بأسماء متقاربة وحزبين ماركسيين. فكيف ستتجسد هذه الخريطة الحزبية في المشهد الانتخابي القادم؟

ثانياً:تميزت الحالة التونسية عربياً في الماضي بالدور السياسي النشط للمجتمع المدني الذي تمحور حول "الاتحاد العام التونسي للشغل"، التي نافست الحزب الدستوري المشروعية التاريخية والفاعلية التنظيمية. ويبدو من الواضح حالياً أن المركزية النقابية تعيش صراعاً إيديولوجيا وتنظيميا حاداً تعود جذوره للقطيعة التي حدثت في عهد بن علي بين قيادتها الداعمة للنظام وهياكلها القيادية غير المدجنة. فهل ستتفق مكوناتها المتنافرة على برنامج سياسي مشترك ومرشح موحد للرئاسة، أم ستتقوض وحدتها بفعل الحراك السياسي الجارف؟

================

الشباب يتجاوزون "فتح" و"حماس"

الاتحاد - 07 مارس 2011

إن واحدة من أهم الرسائل المدوية للثورات العربية الراهنة تكمن في قلبها الشبابي النابض الرافض والمتمرد على كل الصيغ التقليدية للسياسات المتكلسة التي أودت بالوطن العربي ودوله ومجتمعاته. ومن لم يلتقط هذه الرسالة حتى الآن خسر وسوف يخسر أكثر. في التحليل السوسيولوجي والسياسي للمجتمعات العربية في مرحلة ما قبل الثورات كان الاهتمام يتركز على قوى أساسية كان يُظن أنها المتحكمة في حركة السياسة بل والتاريخ العربي المعاصر. وهذه القوى هي الأنظمة الحاكمة، والغرب، والإسلاميون بمعتدليهم ومتطرفيهم، والأحزاب التقليدية العلمانية واليسارية، ومنظمات المجتمع المدني، والبنية القبلية. ومعظم ما كُتب من تحليلات أكاديمية أو صحفية أو تقدير موقف كانت تحوم حول قراءة هذه القوى وتوزع أحجام القوة والتوقعات والسيناريوهات المستقبلية بناء على المعطيات المرتبطة بها. أما الشريحة أو القوة التي أهملت فكانت الأغلبية المدنية الصامتة التي لم يندرج تسيسها بالمعنى الكامل للكلمة في إطار أي واحدة من القوى التقليدية تلك. كانت الأغلبية الصامتة محط استهتار شبه دائم، وإهمال مقصود أو غير مقصود، وتُرى بكونها موضع التأثير المباشر لأي من تلك القوى ومجرد تابع عريض يتسم بمحدودية الوعي وبعدم الاكتراث السياسي.

وما كشفته الثورات العربية هو خطل تلك التحليلات إذ تبين أن الحراك الأهم والتفاعل الأكثف والتراكم التاريخي الحقيقي كان يحدث في قلب تلك الأغلبية التي نادراً ما تم تحليل مكوناتها بشكل دقيق. وتبين أن الشريحة الشبابية العريضة التي تشكل العمود الفقري لتلك الأغلبية، والتي ابتعدت عن التخندق الحزبي والأيديولوجي التقليدي، كانت متسيسة حتى النخاع وإن لم تكن مؤدلجة. وتبين أيضاً أنها شريحة ثورية وعميقة الوعي ومدركة لذاتها ومجتمعاتها وللعالم من حولها، وتفاقم توقها للحرية والكرامة بترسخ وتدرج وئيد أوصلها إلى نقطة الذروة التي حال الوصول إليها تستحيل العودة إلى الوراء. وتلك النقطة هي أيضاً الحد المدهش لتجاوز عتبة الخوف التي تم كسرها بلا تردد وبعبقرية الحراك السلمي والمنظم وعالي التقنية.

إننا الآن نعيش في قلب هذه اللحظة التاريخية الشبابية التي انفجرت في وسط الأغلبية التي ما عادت صامتة، وقد التفت حول المطالب الشبابية بالحرية والكرامة واحتضنتها. وكل القوى التقليدية المذكورة تفاجأت بذلك الانفجار الذي جاء من حيث لم يحتسب أحد. والأنظمة المهترئة على وجه التحديد لم تكن تتوقع ذلك وأجهزتها القمعية غير مستعدة وغير مدربة لمواجهته. فتلك الأجهزة معدة لقمع انقلابات عسكرية، أو تمردات مسلحة، وليس ثورات جماهيرية سلمية سلاحها الوحيد الإرادة ووسائلها التقنيات الإعلامية الحديثة. وثورية الثورات العربية الجديدة تكمن أيضاً في تسيسها البالغ وغياب الأيديولوجيات. فهي ليست ثورات مطلبية تبحث عن فرص عمل وتحسين الشروط المعيشية على رغم مركزية ذلك كله وربما اشتغاله كشرارة للانطلاق. ذلك أنها سرعان ما تحولت إلى ثورات سياسية تطالب بإسقاط هذا النظام أو تغير ذلك بجرأة غير مسبوقة وضد أنظمة بوليسية شرسة.

في فلسطين وكما في الحالات العربية الأخرى كانت القوى المؤثرة في المصير الفلسطيني محط النظر والتحليل هي تلك التقليدية: إسرائيل، الغرب، "فتح"، "حماس"، التنظيمات اليسارية والعلمانية، ومنظمات المجتمع المدني باختلاف أنواعها ونشاطاتها. وفي السنوات الأربع الأخيرة تكلست السياسة الفلسطينية على خلفية الانقسام المدمر الذي خدم إسرائيل وجمد الوضع الفلسطيني وأحبط الفلسطينيين في الداخل والخارج. لم تستطع "فتح" و"حماس" تجاوز مصالحهما الحزبية وتقديم المصلحة الوطنية والمواجهة مع إسرائيل وبدا وكأن الانقسام طريق باتجاه واحد هو الترسخ والتكريس، وصار الإحباط والتشاؤم هو عنوان المرحلة. وكما أن المفاجأة في كل الثورات العربية جاءت من شريحة الشباب المتمردة على أوضاعها يبدو التغيير في فلسطين يؤول إلى أيدي هؤلاء الشباب والشابات. فإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الأمران اللذان صارا مؤخراً آخر اهتمامات "فتح" و"حماس" هما الآن الأجندة السياسية المرحلية للحركة الشبابية الواسعة التي تستجمع قواها لتفرض الوحدة الوطنية بقوة الإرادة الشعبية وتكنس كل من يقف في وجهها. هي أجندة مرحلية لأن الشعار الأوسع والناظم لهذه الحركة سيكون قريباً إنهاء الاحتلال.

لن تستطيع "فتح" و"حماس" من اليوم فصاعداً مواصلة سياسة التلكؤ واحتكار صناعة القرار الفلسطيني بحسب ما تمليه اشتراطات التنظيم والمصلحة الحزبية. شعار "فلسطين أكبر من الكل" الذي يصدح به شباب فلسطين الآن أوقع على الوجدان الفلسطيني من أي شعار حزبي آخر. وصفحات "الفيسبوك" والتواصل الإعلامي التي يستخدمها الشباب صار بإمكانها أن تحشد في الشارع ألوف الشباب من الشريحة التي لا تُحشد من قبل أي تنظيم آخر، وأوجدت مساحة لا حدود لها. ومعنى ذلك أننا بصدد تحول كبير في طبيعة التسيس الفلسطيني وديموغرافيته وتوجهاته الحزبية الأساسية. وهناك طبقة قيد التشكل هنا كما هي قيد التشكل في كل حالات الثورات العربية قوامها تجاوز الصيغ التقليدية والأحزاب الكبيرة والتكلس الذي يرافقها والطروحات التي تقود إلى مآزق ولا تعترف بعجزها عن اجتراح حلول لما تورط فيه مجتمعاتها. وليس ثمة حل أمام القوى التقليدية، وفي الحالة الفلسطينية "فتح" و"حماس" على وجه التحديد، سوى أن تنفض نفسها ثوريّاً أيضاً وتتحلى بالشجاعة والجرأة في تغيير توجهاتها الأساسية وإلا فإن حركة الشارع المتراكمة ستتجاوزها. وفي هذه الحالة أيضاً فإن أهم ما تحمله حركة الشارع في اللحظة الحالية يكمن في شعار إنهاء الانقسام فوراً ومن دون تلعثم واشتراطات أضرت بالشعب وبقضيته ووحدته ووجدانه وخدمت عدوه. ما عاد قرار الإبقاء على الانقسام أو إنهاؤه قراراً تنظيميّاً بيد "فتح" و"حماس"، إنه ينتقل تدريجيّاً ليصبح بيد الحركة الشبابية التي ستفرضه فرضاً على الجميع. ونرى كيف فعّلت هذه الحركة موضوع المصالحة وصرنا نسمع عن مبادرات مطروحة وأخرى قيد الطرح حتى قبل قدوم يوم الحشد والتظاهر الذي أعلنته في 15 مارس للخروج إلى الشوارع في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى صدور هؤلاء الشباب والشابات تعلق فلسطين وسام التفاؤل الذي تاق إليه الشعب طويلاً، وآن لشمس البلاد أن تصقله من اليوم فصاعداً كي يعيد الحياة والحراك باتجاه الشعار التالي والأهم وهو إنهاء الاحتلال.

================

إلى الشباب

 د. رشاد محمد البيومي

الاخوان اون لاين

7-3-2011

كانت رسالة إلى الشباب من أول ما قرأت من تراث الإمام الشهيد حسن البنا.. ولقد كان- ولا يزال- للشباب المكانة السامية المتميزة في الجماعة فهم الأمل وهم المستقبل وهم حملة اللواء في السراء والضراء، ولقد قالها إمامنا الشهيد: "إن أول ما ندعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم، وأن تعلموا منزلتكم، وأن توقنوا أنكم سادة الدنيا (وإن أراد بكم الخصوم الذلة) وأساتذة للعالمين (وإن ظهر عليكم غيركم بظاهرٍ من الحياة الدنيا).

فجددوا- أيها الشباب- إيمانكم وجددوا غايتكم وأهدافكم، وأول القوة الإيمان وبه تتم الوحدة.. وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين.

يا شبابنا لقد أثبتم أنكم أشد الناس إخلاصًا لأوطانكم وتفانيًا في خدمة هذه الأوطان، واحترامًا لكل مَن يعمل لها مخلصًا، وأنكم دعاة وحدة دون تفريق عنصري بين طبقات الأمة فدينكم يحرص بدقة وعناية على احترام الرابطة الإنسانية العامة لبني الإنسان امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ (الحجرات)، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: من الآية70)، كما وأنه قد جاء لخير الناس جميعًا ورحمةً من الله للعالمين لقد عرفتم العالم أجمع أنكم لا تعملون لحساب أحد إلا لله ، تُنكرون ذواتكم ولكن ترفعون هويتكم وتعتزون بها ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ (فصلت: من الآية 33).

ويدعوني هذا أن أستعرض معكم تاريخًا ناصعًا تفتخرون به، وأحس أنكم امتداد لمَن سبقوكم بجهادهم والتزامهم.

شباب الإخوان كتبوا بدمائهم الزكية تاريخًا مضيئًا لكم ولجماعتكم.

أذكر لكم طرفًا من هذا التاريخ.. ففي أوائل الخمسينيات (وكان الإنجليز يحتلون وطننا الغالي) كان لا بد من مواجهة هذا الغاصب.. (وبعد أن فشل الساسة في إنهاء الاحتلال.. والذي نادى العدو بتمديده)، ونادى منادي الجهاد.. وكالعادة كان إخوانكم شباب جماعتكم أول مَن لبَّى، وتوقفت الجامعات الثلاث عن العمل (جامعة فؤاد "القاهرة"- جامعة إبراهيم "عين شمس"- جامعة فاروق "الإسكندرية").

ورصدت ميزانيات الجامعات الثلاث لمعسكرات الجهاد, وغادرت الكتائب الجهادية إلى القتال فأبلوا بلاءً حسنًا ساميًا على أثره تم جلاء الإنجليز عن مصر.

وما زلتُ أذكر عمر شاهين (23 عامًا) طالبًا كلية الآداب جامعة فؤاد قسم الجغرافيا، والذي كان يقود أحد المعسكرات.. فتراه طوال الليل قائمًا بين يدي الله، داعيًا متبتلاً متوسلاً، طالبًا من الله النصر.. وطوال النهار يُرتِّب ويُنظِّم ويوجه، كان يرنو إلى الشهادة وقد نالها هو والإخوة أحمد المنيسي (24 عامًا) طالب الطب بالسنة الرابعة جامعة فؤاد، والأخ عادل غانم (18 عامًا) طالب إعدادي طب جامعة إبراهيم، وعباس الأعصر (تجارة فاروق) بعد أن توقفوا ليحموا ظهور إخوانكم وهم ينسحبون بعد أن قاموا بنسف أحد المعسكرات الإنجليزية وعادوا إلى جامعاتهم.

وكان المشهد مهيبًا في جامعة (فؤاد)، وقد حمل الجثمان المرشد الأستاذ حسن الهضيبي ورئيس الجامعة عبد الوهاب مورو باشا.

ويقف وائل شاهين (طالب الطب 25 عامًا حينئذٍ) شقيق الشهيد عمر شاهين ليقول لقد قدمنا في سبيل الله عُمرَ.. وسنقدم في سبيل الله عمر وعمر.

وفي جامعة إبراهيم حمل الجثمان رئيس الجامعة (كامل حسين باشا) وإخوانكم، وتكرر الأمر في جامعة فاروق.

أما مَن بقي في الأسر فهم إخوانكم محمد عبد الوهاب حبيب والأخ علي إبراهيم.. وقد أُفرج عنهم بعد أيام ليعودوا ويعملوا حتى آخر أيام حياتهم.

وإنْ أنسَ لا أنسى الفتى المجاهد عبد الرحمن البنان الذي كان طالبًا بالجامعة، وهو الذى قام بنسف كوبري الفردان الذي كان طريقًا للإنجليز ثم قام بنسف قطار محمل بالجنود والضباط الإنجليز، وبقي عبد الرحمن؛ حيث تُوفي بعد أن قامت ثورة 25 يناير المباركة.

أكملوا كتابة تاريخكم وتاريخ جماعتكم بأعمالكم السامية التي شهد لها الجميع، وكونوا عند حسن الظن بكم عند ربكم أولاً وعند إخوانكم وعند وطنكم ثانيًا، ورددوا دعاء الأجيال المسلمة على مدار التاريخ ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10)، وثقوا أن الله يسدد خطاكم ولن يتركم أعمالكم.

================

يوميات الثورة (2)

بقلم: د. عصام العريان

اخوان اون لاين

7-3-2011

كانت وقائع يوم الثلاثاء العظيم 25/1 معبرةً عن تحوُّل خطير في الحالة المصرية، وتنبئ عن مخزون هائل من الغضب النبيل الذي يملأ صدور المصريين؛ بسبب الاستبداد والفساد وتزاوج الثروة والسلطة ومشروع التوريث، وكانت القشَّة التي قصمت ظهر البعير هي تزوير انتخابات مجلس الشعب التي تمَّت في 28/11/2010م، ولنتوقف قليلاً أمام هذا الحدث للتأمل فيه.

كان قرار مجلس الشورى للإخوان بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب والشورى محلَّ دراسة متعمِّقة داخل القسم السياسي والمكاتب الإدارية ومكتب الإرشاد، ثم مجلس الشورى في صورة قطاعات، وتمَّ الموافقة على المشاركة بنفس الإستراتيجية القائمة وعدم الانسحاب من الحياة السياسية، فأصبح محل انتقاد الكثيرين من خارج الإخوان وبعض الإخوان الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات لنزع الشرعية عن النظام السابق، وسخَّر البعض من نسبة المؤيدين للمشاركة في الانتخابات، وصُدِم البعض من المراقبين الذين توقَّعوا من المرشد الجديد، الأستاذ الدكتور محمد بديع، الانسحاب من الحياة السياسية، وكالوا له- ولبعض أعضاء المكتب- اتهاماتٍ باطلةً في الفكر والرؤية والانتماء لمدرسة فكرية معينة، تصفها الأدبيات بالتطرف والعنف.

عقب تزوير الانتخابات وإعلان الإخوان عدم الاستمرار في الجولة الثانية قوبل القرار بترحيب شديد، رغم أن هناك نسبةً في مجلس الشورى (25%) ونسبةً أكبر في مكتب الإرشاد كانت مع الاستمرار، وحاول الإخوان إقناع قواعدهم بالاحتجاج لمدة طويلة على تزوير الانتخابات، إلا أن الإجهاد وعدم توقع استجابة شعبية للاحتجاج الطويل أجَّل تنفيذ الاحتجاج المدني المتواصل.

وعندما جاء الوقت الذي اختاره الله للاعتصام والتظاهر والاحتجاج كانت استجابة الإخوان، رجالاً ونساءً، شيوخًا وشبابًا، مع الشعب العظيم الذي فاقت استجابته كلَّ التوقعات، وكان أداء الإخوان راقيًا ورفيع المستوى كقيادة عليا، وقيادات وسطى، وعموم الإخوان، بل قيادات ميدانية في اللجان المختلفة في الثورة لم يَحِن الوقت بعد للإفصاح عنهم وعن أسمائهم وأدوارهم؛ في الاتصالات والتقارير السياسية، والإعلام والإعاشة، والحماية، والتنظيم، والتواصل مع القوى السياسية، وإدارة الثورة على المستوى العام.

وأتوقف هنا أمام قرار الإخوان بالمشاركة في الثورة التي بدأت بالتظاهر، ثم الاعتصامات، ثم المظاهرات المليونية؛ حتى قرَّر الجيش الضغط على مبارك للتخلِّي عن السلطة، وما زالت الثورة مستمرةً لتحقيق أهدافها بالتخلص من بقايا النظام القديم: الحكومة (التي استقالت بالفعل)، وجهاز أمن الدولة، والإفراج عن المعتقلين، والعفو العام عن المسجونين السياسيين، ثم بناء النظام الجديد الديمقراطي.

أمامي الآن- وأنا أكتب- ما نقله موقع (اليوم السابع) يوم الأحد 23 يناير قبل اندلاع الثورة بيومين:

كتبت الأستاذة رباب فتحي الساعة 15.21 (3.20 عصرًا)- نقلاً عن (النيويورك تايمز) (الأستاذة منى النجار التي هاتفتني طويلاً)- أن الإخوان يقاطعون الإضراب احتفالاً بعيد الشرطة، وقد خلصت الجريدة الشهيرة إلى أن دلالة ذلك هي أن دعوات التغيير باتت غير مرتبطة بأيديولوجية معينة مثل "الأسلمة"، وأن القوة الرئيسية خلف نزول الشباب التونسي إلى الشوارع كانت المطالبة بوضع نهاية لنظام حكومي فاسد، وتخفيف المعاناة الاقتصادية واحترام سيادة القانون (دومًا حديثي وخطابي واحد داخل الإخوان وخارج الإخوان ومع الناس، إلا أن طبيعة الجريدة أو القناة الفضائية تُملي عليَّ أحيانًا التركيز على جانب مع عدم إغفال الجوانب الأخرى).

ونقلت عني- وهو ما نفيته بعد ذلك للمحررة ب(نيويورك تايمز)- ينبغي لنا أن نحتفل معًا.

وقال مجاهد مليجي (عضو قديم في الإخوان استقال قبل 3 أعوام): "الأيديولوجية تراجعت الآن؛ حتى نتمكن من التخلص من هذا الكابوس الذي يواجه الجميع".

في نفس الوقت 15.22 عصرًا كتب شعبان هدية في نفس الموقع (اليوم السابع) أن الإخوان يدعون إلى حوار وطني شامل، ونقل دعوة الإخوان للمسئولين إلى التعامل مع الاحتقان الشعبي بالحكمة المطلوبة والاستجابة لمطالب الأمة والبدء في تطبيقها فورًا- بدلاً من إحالة كل الملفَّات إلى الجهات الأمنية التي تتعامل بمنهج التهديد والوعيد والاعتقال والتعذيب والسجن- لا يحقِّق عدلاً ولا يعالج قضيةً.

وأعلن الإخوان- في بيانهم-: أنهم دائمًا وسط الشعب، يشاركونه همومه وآماله، ويعملون لتحقيق حريته وكرامته.

وأرجع الإخوان موقفهم إلى رغبتهم فى الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وأرواح المواطنين وممتلكات الشعب ومكانة مصر.

وشدد الإخوان على رفضهم التهديدات الأمنية وإرهاب الدولة بعد استدعاء جميع مسئولى الجماعة بالمحافظات.

ثم كتب شعبان هدية الساعة 18.59 (الساعة مساء) تحت عنوان : الإخوان تحدد 3 ضوابط للمشاركة بمظاهرات 25 يناير يوم الأحد 23/1/2011م "أعلنت جماعة الإخوان مشاركتهم فى مظاهرات 25 يناير على مستويين وحددت الجماعة 3 ضوابط لشبابها المشاركين فى المظاهرات، وأكدت احترامها للشرطة كهيئة وطنية، وحذرت من التخريب أو أعمال الشغب ونفت الجماعة دعوتها للحشد فى موقع معين، لكنها أكدت على عدم منع الشباب من المشاركة"

وتابع الأستاذ شعبان فى الخبر "وأكد د. عصام العريان أنهم سيشاركون فى الوقفات الاحتجاجية التى دعت لها بعض المنظمات الشعبية من خلال مستويين من المشاركة، أولهما : أعضاء الجماعة الممثلين فى الجمعية الوطنية للتغيير والبرلمان الشعبى، وكذلك عرض المطالب التى أعلنتها الجماعة (وهى التى تضمنها المقال (1)) ضمن مطالب الجمعية الوطنية للتعيير أمام دار القضاء العالى.

وأوضح العريان أن المستوى الثانى للمشاركة هم الشباب فى مختلف المحافظات بضوابط ثلاثة :

1) عدم تجريح المؤسسات ولا الهيئات .

2) الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة .

3) أن يستوعب شبابنا المطالب العشرة التى أعلنتها الجماعة وأن يبذلوا جهدهم فى كل مكان لتوضيح تلك المطالب وتضمينها فى أى تحرك ولأى فئة .

 وأوضحت فى تصريحى للأستاذ شعبان أننا لم ندع للحشد فى موقع أو مكان معين، وأن الدعوة جاءت من المواقع على الشبكة العنكبوتية والصفحات على الفيس بوك .

كما أوضحت أننا كإخوان لسنا ضد مؤسسة الشرطة بل يكنون لها الاحترام والتقدير كمؤسسة وكنية وقفت ضد الإنجليز والاحتلال وطالبت الشرطة أن تقف ضد الفساد والظلم وألا يكونوا أداة فى يد النظام ضد الشعب، ودعوت الشرطة أن تتعامل مع الشباب بالحكمة وأن يقلدوا على الأقل الشرطة الأردنية التى وزعت المياة على المحتجين ضد غلاء الأسعار قبل أيام .

كما أوضحت أن قرار الجماعة هو عدم الخضوع لإرهاب الأمن للقيادات الإخوانية .

لقد أطلت النقل عن موقع إخبارى محايد تماما، بل متهم بالانحياز أحيانا، عن موقف الإخوان المسلمين ليتضح للكافة الموقف التاريخى الذى اتخذه الإخوان المسلمون والذى عبرت عنه بياناتهم الرسمية ووثائقهم الثابتة، وصرحت شخصيا بمضمونه ونصوصه تماما .

قضية ليلة 26/1 نائما على سرير متنقل بالمكتب بالروضة لأن زوجتى رأت قبل أيام مناما – وغالبا تتحقق منامتها فى الواقع – أن حجابها قد طار بعيدا عنها ولكن لم يبتعد كثيرا، وهو ما تحقق فى الحياة بعد ذلك (الحجاب فى الرؤية غاليا للمرأة هو الزوج ، والثوب للرجل هو الدين)

وحضرت اجتماع مكتب الإرشاد صباحا لنستمع طويلا إلى تقارير مفصلة ومطولة عن حجم الاحتجاجات والإعتصامات فى القاهرة والمحافظات وقد حضر إلينا ليلا ممثلو شباب الإخوان الأعضاء فيما سمى بعد ذلك بائتلاف الثورة لنسمع منهم تقديرا للموقف من الميدان وقرارات الجماعات الشبابية المؤتلفة فى صنع يوم 25/1 ورؤيتهم للمستقبل .

أصدرنا فى ذلك اليوم 26/1/2011م البيان الثالث لنا من بداية الأحداث بعد بيان المطالب وبين السبت 23/1/2011م "عن حالة الاحتقان الشعبى والاستبداد الأمنى فى مصر" .

قلنا بوضوح شديد فى ذلك البيان الذى قررنا فيه المشاركة فى "جمعة الغضب" بقوة :

إن الإخوان يعيشون مع كل أبناء مصر هذه الأجواء، ويشاركون فى هذه الأحداث ويؤكدون على مطالب الأمة، وتوجهنا بالتحية والتقدير للشعب المصرى وتقدمنا بخالص العزاء لأسر الشهداء من المواطنين ورجال الشرطة وسألنا الله أن يتقبلهم شهداء، ودعونا الله للمصابين بالشفاء العاجل ثم حددنا موقفنا :

1. أن حركة الشعب المصرى التى بدأت يوم 25 يناير وكانت سلمية وناضجة ومتحضرة يجب أن تستمر هكذا ضد الفساد والقهر والظلم حتى تتحقق مطالبه الإصلاحية المشروعة وعلى رأسها حل مجلس الشعب المزور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف قضائى كامل.

2. على النظام فى مصر أن ينزل على إرادة الناس ويسارع بإجراء الإصلاحات المطلوبة وألا يتعرض للمتظاهرين بسوء وأن يفرج فورا عن كل المعتقلين فى هذه الأحداث وما قبلها .

3. أن الإخوان المسلمين كجزء من نسيج المجتمع المصرى يدعون كل الشعب إلى التعاون على البر والتقوى، وإلى العمل على تحقيق العدل، وإلى إرساء قواعد الحق وتقديم مصلحة الأمة على كل المصالح الفردية والفئوية، ويهيبون فى هذه الظروف بالجميع أن يكونوا على قلب رجل واحد ضد الظلم والجور والفساد والتزوير، وبسلمية وجدية وواقعية، دون إضرار بالمؤسسات أو الممتلكات العامة والخاصة ويصبرون على ذلك حتى تتحقق مطالب الشعب المشروعة .

استمرت الاحتجاجات الشعبية فى شبرا والقاهرة يومى الأربعاء والخميس رغم أن الشباب اكتفوا بالدعوة إلى مظاهرات يوم الجمعة 28/1 الذى أصبح يوما للغضب "جمعة الغضب" التى سقط فيها مئات الشهداء .

اتصل بنا الدكتور البرادعى من أوربا (فيينا) يسأل المشورة هل يحضر إلى مصر أم لا ؟ فماذا كان الجواب ؟ هذا حديثنا القادم إن شاء الله تعالى.

================

مطلوب إنقاذ الثورة الليبية   

آخر تحديث:الاثنين ,07/03/2011

كلوفيس مقصود

الخليج

فيما تنجز الثورة العربية في تونس ومصر أهدافها المرحلية الواعدة، لايزال ثوار ليبيا يتصدون لما تبقّى من نظام تتجاوز شراسة استبداده كل المعايير الثأرية، ما يفسر حالة الإنكار التي ميزت السلوك اللاعقلاني واللامعقول لمعمر القذافي، وهو ما أدى إلى ما يمكن اختزاله بأن يبقى مستأثراً بالتحكم لا مجرد الحكم بمعنى إما الرضوخ له أو اعتماده القتل . هذا بدوره يفسر إصرار الثوار على الإنجاز في مقابل غياب الوجدان وانفلات التعامل من دون الضوابط التي سادت الاختراق في كل من تونس ومصر وأدى إلى إقالة كل من الرئيسين السابقين ونظاميهما بكلفة يمكن إدراجها في إطار الثورات اللاعنفية .

يستتبع بالضرورة تعريف الثورة بكونها تمكين عملية التطور الطبيعي لاستئناف دورها بما يصطدم مع نظم شمولية مستبدة وطاغية، وبالتالي عودة التطور إلى مساره في توسيع مساحة حقوق الإنسان وفي تلبية حاجاته في إنجاز الضمانات لكرامة لا كحالة فحسب، بل كفعل في خضم المتغيرات التي من شأنها استمرار توسيع فرص ما توفره الإنجازات المتواصلة التي يستولدها بشكل متواصل في حقول العلوم والمعلومات والاختراعات في مجالات الصحة والثقافة والتعليم، وما توفره السياسة التي تعتمد على حق المساءلة والمساواة وتمكين المواطن من المشاركة في إبداء الرأي وصناعة القرار كحق وليس كمنّة .

من هنا فالتطور يكون حالة مستمرة، لكن طالما تم ردعه من خلال نظم قامعة، فإن الثورة تصبح آلة الاختراق لعودة سلامة مسيرة التطور طبيعية .

* * *

نشير إلى هذه المعادلة كون ضمان سلامة التطور يكمن في الثورة المستمرة، هذا ما يفسر حالة الاغتباط السائدة عند الشعب العربي جراء ثورتي تونس ومصر، كونهما مهّدتا لاستئناف مسيرة عودة الكرامة للوطن وللمواطن بما يشكل إلهاماً لحركات التغيير المتنامية في أرجاء الأمة .

أما في ليبيا فنجد أن ما يقوم به ثوارها فريد من نوعه، لأن الدكتاتور نفسه يتصرف وكأن مجابهة نظامه في ليبيا بنظره عملية غزو يجوز سحقها، لذا تبقى هناك ضرورة ملحّة في احتضان ومساعدة ثورة ليبيا ضد وضع شديد الغرابة، ما يجعل إنهاء الحالة المرضية التي تعانيها ليبيا مسؤولية مباشرة لثورتي تونس ومصر، حماية لشعب ليبيا وتوفيراً لمزيد من المناعة للإنجازات المتواصلة التي تتجلى في المرحلة الانتقالية باتجاه استقامة وصيرورة الأهداف البعيدة المدى التي التهمتها ثورتا تونس ومصر، ما يفسر الشعور الرائع بالمسؤولية التي ميّزت سلوك المجتمعات المدنية والحكومات الانتقالية في كل من تونس ومصر في التعامل الإنساني مع تدفق مئات الألوف الذين لجأوا إلى الحدود، برغم الإنهماك المضني في إزالة ما أورثه النظامان السابقان من عوائق وإشكاليات معقّدة . كما أن ثورتي مصر وتونس اعتبرتا أن مسؤولية تسريع الإنجاز لثورة ليبيا يسقط خيار تحريف مسار ثورة التغيير في الأمة العربية عن مسارها، وهو ما يسعى ما تبقى من نظام القذافي إلى تحقيقه . لذا صار لزاماً أن نعمل جميعاً على حض المجتمع الدولي لممارسة مسؤولياته تجاه شعب ليبيا، وتجاه الشرعية التي رسخها مجلس الأمن الصادرة بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة .

* * *

نشير إلى الحاجة الملحة لترجمة عملية وسريعة وفورية لذلك في خضم استمرار القتال وسقوط ضحايا متناثرة، حيث يستعمل النظام المتهاوي كل أنواع الأسلحة والطيران الحربي، والاعتداءات العشوائية على الشعب الآمن، إضافة إلى الإمعان بالتهديدات التي يتفاقم كلما تم تحرير المزيد من المدن القريبة من العاصمة والتي من شأنها أن تؤدي إلى مذابح جماعية، ما يتطلب فرضاً فورياً لحظر المجال الجوي وتسريع المساعدات الإنسانية، إضافة إلى الإجراءات العقابية التي اتخذت .

صحيح عندما يسود انطباع بأن “المجتمع الدولي”، يعني الغرب وخاصة الولايات المتحدة، عندئذ تتراكم الهواجس ويسود انطباع بأن فرض الحظر الجوي على كردستان العراق كان استعداداً لتدخل أمريكي، لكن فرض مثل هكذا إجراء يكون إضافة إلى مزيد من الحماية ورد العدوان عن الشعب الليبي، من خلال تنفيذ أحد البنود الرئيسة لقرار مجلس الأمن، وهو قرار دولي وليس بقرار غربي أو أمريكي . هذا يعني أن تنفيذ القرار هو دولي وإجماعي، حتى ولو كانت عناصره من دول غربية أو أمريكية نظراً لمشاركة المقتدرين . القرار الذي اتخذه مجلس الأمن بالإجماع ينطوي على أن تنفيذه يستند إلى إرادة جماعية، حتى لو كان من يقوم بالإجراءات اللازمة دولة أو مجموعة دول، وبالتالي من يقرر الحاجة الملحة بمعنى عدم التأخير . لذا هذا الإجراء هو تصميم إجماع دولي للحيلولة دون تفرد النظام المتهاوي بارتكاب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية وضد شعبه، ثم إذا كان من قدرة لدى أعضاء الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي المشاركة، أو حتى المبادرة في هذا الشأن، فهذا ليس مجرد حق لدولهم بل هو واجب .

صحيح أن الدول التي تتوفر لديها القدرات التي تستطيع التجاوب الفوري لفرض الحظر الجوي هي دول غربية (فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، بريطانيا، الولايات المتحدة)، فهذا لا يعني أن دولاً أخرى تشارك في تنفيذ الحظر أو أية إجراءات تسرّع في الحؤول دون مزيد من الضحايا، فهذا هو جوهر معنى القرار، كون مسؤولية تنفيذه هي مسؤولية كل الدول الأعضاء، وإن بنسب متفاوتة .

كل الدلائل والتطورات وحتى التوجه السليم الذي يلبي مطالب شرعية الثورة في ما يتعلق بخطوات الفترة الانتقالية المعبّرة عن مسيرة التطور التي انبثقت عن الثورة، تؤكد أن وضوح الرؤية لمستقبل العمل والتي تمثل بإسناد رئاسة الحكومتين الانتقاليتين إلى شخصيتين، إحداهما أسهمت في ثورة ساحة التحرير، والثانية كانت في طليعة مساندي الثورة التونسية .

إن الثورة في كل من تونس ومصر أنجزت خطوات جبّارة مضيئة استولدت احتراماً، إضافة إلى الإعجاب .

بدورها، فإن ثورتي تونس ومصر تستعيدان للعرب مرجعيتهم كمسؤولين عن فلسطين كون المشروع الصهيوني لا يجابه إلا بمشروع قومي عربي تغييري . في نهاية الأمر تبقى الإنجازات التي تحققت في تونس ومصر، وقريباً جداً في ليبيا، والحراك المطالب بالتغيير والحكم الرشيد هي الواقع الجديد، ما يقلل من بقاء “إسرائيل” منفلتة من العقاب وبمنأى عن أية مساءلة، ناهيك عن المعاقبة، لذا فإن عودة مصر إلى دورها المرجعي الملهم سوف يغير بشكل جذري معنى الواقعية وإخراجنا من الوقيعة التي بدورها كادت تجهض حقوق فلسطين الوطنية والإنسانية .

الأهم الآن وفوراً وقف النزيف في ليبيا وفلسطين . الثورة العربية الآن مهيأة لاستئناف مسيرة التطور في كل أرجاء الوطن العربي الكبير، كون وحدة الشعب العربي هي الضمان لاستعادة نجاعة البوصلة، ولنا في ثورتي مصر وتونس المرجعية الموثوقة بعد أن كانت مفقودة .

================

هل بدأ تاريخ جديد لعالمنا العربي؟

المصدر: د. سيّار الجميل

التاريخ: 07 مارس 2011

البيان

لا تسل عنا ولا كيف لقانا.. واسأل التاريخ عنّا والزمانا

في صباح الشرق عدنا أمة.. مثلما كنا على الدنيا وكانا

الشاعر محمود حسن إسماعيل (رحمه الله)

نعم.. بدأ تاريخ جديد لعالمنا العربي مذ انشدّت من جديد، الأسماع والأبصار العربية بقوة إلى «قلب الأمة» النابض بالحياة، والعالم كله يرقب لأول مرة هذه الملايين العربية، وهي ترقب وتتابع سلسلة التغييرات التي طال موعدها، وتأخر انبثاقها..

 وبدأ التاريخ يغّير نفسه، وهو يسير على خطوط متوازية مرة، ومتعرجة أحياناً.. المسألة ليست في نضوج واقع عربي متهرئ، كان مؤهلا للانفجار لأسباب نعرفها جميعا وكتب الناس عنها طويلا، ولكن الأهمّ هو حدوث مفاجآت أثبتت للعالم كله أن تاريخنا العربي له شراكته، وأن مجتمعاتنا العربية لها نسيج واحد، وليس كما يتشدق البعض من الذين لا يؤمنون أبدا بتكوين العرب الحديث والمعاصر، والذين لا يدركون أبدا أسرار تكوينات هذا التاريخ الذي يسجل اليوم حلقات متصلة، بل وعضوية في طبيعة الأحداث والتشكيلات من مكان عربي إلى آخر.. إنه الالتقاء بعد الافتراق.. إنه التواصل مع حلقات الماضي..

كل هذا وذاك، يعلمنا بما لا يقبل الشك، أن تاريخا جديدا قد بدأ في نظري منذ نهاية عام 2009، أي إثر الاقتراب من نهاية العقد الأول من هذا القرن، وسيلحظ الناس اختلافا مباشرا عما ألفوه في القرن العشرين من التجارب والأحداث والتفاعلات والآثار.. إنني أجد أن إرادة الدولة كانت سابقا أقوى بكثير من تطلعات المجتمع الذي لم يزل يعتقد بأن صوته له تأثيره وفاعليته في الحياة السياسية، وكان على خطأ كبير في التقدير.

وخصوصا بعد مرور القرن العشرين الذي عاش مختلف البدائل التاريخية، بولادة العديد من الإيديولوجيات والعقائد السياسية وقوتها وجبروتها، حتى كنستها اليوم عمليات ما سمي «تغيير العالم»، إذ غدا هذا «المشروع» هو المهيمن على هذا العالم، لا يسمع فيه إلا صوته، ولا يعمل إلا من خلال ما يفرضه على الآخرين من التوجهات والأساليب والمناهج والخطط والعمليات.

لقد بدا واضحا أن كل ما تعبت عليه دول ومنظومات وتكوينات سياسية وعسكرية، وأجيال ممثلة بأحزاب ومنظمات وكتل وجيوش وجماعات ونقابات ونخب وهيئات.. فضلاً عما تربت عليه الشعوب من قيم ومبادئ وطنية وقومية ودينية وأعراف وظيفية ونقابية ومهنية، ناهيكم عن أعراف وقوانين ومؤسسات ومنظومات.. كلها لا نفع أبدا فيها، ولا قيمة لها.

ولم تتمتع بأي نوع من السيادة والكبرياء وشرف المواطنة وفعل أي شيء.. لأنها غدت جزءًا من تقاليد الماضي المحتقر بسبب عقم أداء السلطات، فغدت تواريخنا في القرن العشرين، بمثابة موروثات مركبة وتالفة، لا دور ولا نفع لها في ظل تغيير العالم المعاصر.

لا بد من التفكير في الأرض العربية جمعاء ومصيرها تاريخياً.. نفكر قليلا، وندع أبناء الأمة كلهم يفكرون ملياً، خصوصاً عندما نسترجع ما كنا قد تربينا عليه نحن في القرن العشرين من القيم والثوابت والمبادئ والأصول.. أفكر اليوم كم أصبحت كلها هشة قابلة للانكسار والتفتت في أية لحظة من زمن جائر، وعلى أيدينا! كيف كانت فكرة الوطن والسيادة وعلم البلاد والنشيد الوطني وجيش البلاد وحرمة الشبر من الأرض والمقدسات والشهادة ودور المثقف والتغني بالإنسان والحريات؟..

أذكر كيف كانت قيمة الأوطان في وجداننا، وهدف التوحّد من أسمى أهدافنا.. والمال العام حرام على من يعبث به، والخيانة لطخة سوداء لا يمكن أن تمحى عنه أبدا، ويكون صاحبها قد سجل نقطة مشوهة في تاريخنا أمام كل العالم وتحاسبه الأجيال على ذلك! علمونا كيف نحافظ على أسوار الوطن وأسراره من العاديات.. وكيف نعتني بالإنسان..

وكيف نكون أذكياء ويقظين ومنتبهين.. لا يمكن أن يجرّح أحدنا الآخر في دينه ومذهبه وعرقه وثقافته وأسلوب حياته وتفكيره! كنّا نتعامل مع الآخرين بمهارة وحذاقة، من أجل النفع العام والصالح العام، بعيدا عن دكاكين البارود في ساحات الهرج والمرج، ونحرص ألا نعرض أوطاننا للتمزق ووهج الحرائق، إذ ينبغي اتقاء النار بأي ثمن كان.. فمن سيقي حرماتنا وأجسادنا وجلودنا في هذا الزمن الصعب؟

رحم الله الآباء الأوائل، كم كانوا شرفاء يقدسون الوطن والإنسان والصالح العام! كم سجّلت الأجيال الماضية أيضا إنجازات نهضوية وسياسية وثقافية واجتماعية من أجل المستقبل! وكم انسحقت مجتمعاتنا جراء سياسات بليدة وتسلطية قمعية، مارسها بعض الحكام الذين جعلوا من أنفسهم فراعنة وقياصرة وأكاسرة! كم أضاعت جامعة الدول العربية دورها الحقيقي وأداءها في ممارسات شاذة عن تطلعات الأمة، وابتعدت عن تحقيق أمنيات كل العرب!

إن الهزات التاريخية اليوم هي قرع أجراس أمام الأجيال الجديدة، كي تكون ذكية وحرة في اختيار طريقها السليم نحو المستقبل، مستفيدة من تجارب الأمس الصعبة ومتعلمة دروس الماضي بكل إيجابياتها وسلبياتها. إن مجتمعاتنا بحاجة إلى تغييرات وتحولات في تكويناتها وبنيوياتها وأفكارها، وفي أنشطة دولنا ومؤسساتها وأجهزتها، وفق أساليب حديثة تتسق ومنطق العصر..

ولينظروا إلى ما يجري في كل العالم من تغييرات، ويتعلموا من انتصارات بعضها وإخفاقات الآخرين. فهل باستطاعتنا أن نتعلم شيئاً من دروس الآخرين وتحولاتهم الجوهرية، من أجل نفض مجتمعاتنا الراكدة ولتكون مسيرة التاريخ في طريق صحيح؟

================

ليسوا أصوليين وإنما مسلمون

المصدر: مجلة «كورييه انترناشيونال» الفرنسية

التاريخ: 07 مارس 2011

البيان

صرح القذافي مؤخراً بأنه لا يريد التنازل عن السلطة، وأنه على استعداد «للتضحية بنفسه والقتال حتى آخر قطرة من دمه دفاعاً عن ليبيا». ولكن، إذا أردنا أن نبحث عن الشهداء الصرعى، فهم من معارضيه وخصومه المحتجين الذين ثاروا على نظامه الاستبدادي.

لم يتردد الزعيم الليبي لحظة واحدة في قصف شعبه بالقنابل وإطلاق ميليشياته المدججة بالأسلحة الثقيلة، ورغم هذا الاستخدام المفرط للقوة التي لا معنى لها، فإن نظام العقيد، «المسعور» كما أطلق عليه الرئيس الأميركي رولاند ريغان في حينه، لا يعدو أن يكون معلقاً بخيط رفيع يمكن أن يتهاوى في أية لحظة.

انقلب عليه جيشه ووزراؤه وسفراؤه وغيروا وجهتهم ومواقفهم، وتوصلوا إلى التفاهم مع الثوار المحتجين، وخاصة مع رؤساء العشائر، ومنها قبيلتان من أكبر القبائل الليبية؛ الورفلّة والزاوية، ودعوا إلى تغيير الحكومة والسلطة والنظام، مما أفقده أهم سلاح لعب على توازناته على مدى أربعة عقود، وكانت هذه اللعبة القديمة الجديدة سبب بقائه كل هذه الفترة.

كما نجح القذافي في فترة حكمه على مدى أكثر من أربعين عاماً، في أن يجعل من نفسه حاكماً مكروهاً من قبل الجميع في المنطقة العربية وسواها، لذا لا نتوقع أن يقدم أحد على نجدته أو تقديم العون له، لا من الإسلاميين ولا من الأنظمة الاستبدادية أو غيرها. ومن الطريف في هذه الأيام أن بعض كتّاب الأعمدة (ومنهم الكاتب السوري سامي مبيض، على سبيل المثال، الذي كتب في صحيفة «أخبار الخليج» الصادرة بالانجليزية) يدين الزعيم الليبي وبسخرية لعدم قدرته على دخول القرن الحادي والعشرين، وفي الوقت نفسه يدين صداقاته المشبوهة والمدانة مع رؤساء الغرب في السنوات الأخيرة!

وعلى النقيض من تونس ومصر، لا توجد أي بنية للمؤسسات التي يمكن الاعتماد عليها في التحوّل الديمقراطي المنتظر في هذا البلد، لأن القذافي أفرغ البلاد من جميع المؤسسات مدنية كانت أم عسكرية، وكأنه يقود قطيعاً من الأغنام، وليس شعباً له حقوقه وواجباته ومؤسساته ومكتسباته التي حققها على مرّ السنين، وحتى الجيش نفسه لم يتحوّل هو الآخر إلى مؤسسة تتمكن من الدفاع عن حقوق الشعب عند الضرورة، لأنه فرض على قيادته أفراد قبيلته لتتحكم في هذا الجيش، وتعبث بمقدراته، وتهينه ليل نهار. والأخطر من ذلك، أنه فرض قوانينه (أو لا قوانينه) على هذا الجيش، وسلب منه حريته وكرامته وقدراته، لذلك فهو كالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أية لحظة، وتحوّل ما يحيط به إلى نار ورماد، وذلك واضح في الاستقالات العديدة التي قدمها ضباط الجيش الليبي.

وفي البلدان المجاورة، لا تلعب الحركات الإسلامية دورا قياديا، ويعود السبب إلى تراجع الإسلاميين سياسياً، كما لاحظ بعض المراقبين السياسيين أمثال أوليفييه روي وجيل كيبل المتخصصين في العالم الإسلامي. ومع ذلك فإن الأوساط الإسلامية المحافظة مهدّت الطريق للثورات في البلدان العربية، من خلال تنديدها بفساد الأخلاق والاستبداد والمراوغة. ونحن في فرنسا شهدنا شيئاً من هذا القبيل خلال القرن الثامن عشر، وهو ما عرف بالحلقات الدينية الإكليركية (الكهنوتية)، المرتبطة بالبرلمان البورجوازي، والتي هيأت الأرضية للثورة الفرنسية.

وبالطريقة ذاتها، فإن الأصولية لم تفجّر ربيع الثورة العربية، ولكن صنّاعها العظام هم من المسلمين المؤمنين بالإسلام.

================

طواحين لا تحرّكها إلا رياح التغيير

د. بثينة شعبان

الرأي العام

7-3-2011

قال الثائر خالد الذكر أرنست تشي غيفارا: «لا يقوم بالثورة إلا مغامر ولا يستغلّها إلا انتهازي».

تذكرت هذا القول وأنا أتابع التحليلات الصادرة من الغرب اليوم حول اندلاع ثورات التغيير العربية، فلاحظت أن أكثر ما لفت انتباه المحللين الاستراتيجيين في الغرب هو التغيير المفاجئ والجذري الذي طرأ على مزاج العرب فأصبحوا لا يطيقون الانتظار أكثر كي تتغير الأنظمة والحكام، فهم يطالبون بالتغيير الآن وفي هذه اللحظة بالذات. فمن ناحية وبعد صدمة واندهاش وتردد إزاء ثورات الحرية في الوطن العربي الموجهة ضد الاستبداد والفقر والبطالة والفساد واحتكار النخب القريبة من الحكام على عوائد التنمية، استجمعت القوى الغربية الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة، زمام المبادرة من جديد فأخذت تفتح من جديد شهيتها للتدخل العسكري في بلدان كانت «صديقة» و«مستقرة» فإذا بها «مضطربة» كما يطلق عليها الإعلام الغربي، وذلك خوفاً على تدفق النفط الرخيص وحماية للتوسع الإسرائيلي، فاليوم نسمع تهديداً باستخدام السفن الحربية وتبني المواقف «الحازمة» لدعم قوى التغيير في المجتمعات العربية، وأخذت الدوائر السياسية والمخابراتية الغربية تمدّ خيوطها للتواصل مع مؤشرات التغيير، وتدرس آليات تجمع المظاهرات وانطلاقها وعملها. والخوف كلّ الخوف على هذه النهضة التاريخية للأمة العربية من عودة هذه القوى المعادية المعروفة بقمعها لنهضة الأمة في بداية القرن العشرين، والخوف كل الخوف من قيامها بدورها المعهود في تخريب كلّ تغيير إيجابي عربي، أو تشويهه أو محاصرته أو حرفه عن مساره، فيما صمتت وتصمت هذه القوى ذاتها عن أبشع قمع إسرائيلي متواصل منذ أكثر من ستين عاماً لحرية الفلسطينيين وحقوقهم، وهي التي أيدت لحّد اليوم أنظمة التمزق والفساد والاستبداد التي أصبحت كالطواحين الصدئة لا تحركها إلا رياح الثورة.

إن هذه القوى لا ترى شعباً عربياً ثائراً من أجل بناء مجتمع عربي حر وديموقراطي مزدهر ينعم بخيرات بلاده الوفيرة، بل ترى فقط قطعة جغرافية حددت حدودها «اتفاقية سايكس بيكو»، وتعمد هذه القوى إلى الحفاظ على التقسيمات الأفضل لمصالحها وتوريد النفط والغاز العربيين اللذين لا تقوم الحضارة الغربية من دونهما لها بأبخس الأثمان، وحماية ربيبتها «إسرائيل» من المحاسبة على جريمة العصر بحرمانها شعب فلسطين من الحرية وتدميرها الديموقراطية الفتية. لم تهتم هذه القوى يوماً بما تعانيه شعوبنا العربية في بلدانها من فقر وقمع واحتلال واستبداد وفساد. والخوف هنا، هو أن يرحل الطغاة «أصدقاء» إسرائيل بالأمس ويأتي من هو أسوأ منهم، وتتغير الحكومات لتأتي حكومات أكثر خنوعاً وتبعية. وتندفع من أجل تحقيق ذلك اليوم كل من إسرائيل والولايات المتحدة ليس فقط لاستغلال الثورات وإنما أيضاً للتخلص من عناصر المقاومة لإرادتها وسياستها الشرق أوسطية القائمة على حماية التوسع الإسرائيلي ونهب ثرواتنا تحت ضغط الهيمنة العسكرية الإسرائيلية المدججة بالسلاح النووي، ولدفن ماتسميه «بالاضطرابات» تندفع الولايات المتحدة بتزويد الأنظمة الموالية بالنصائح والخبرات والدعم اللازم من أجل استمرار أنظمة الاستبداد والفساد، ولكن بأشكال جديدة أكثر حداثة، وهي بذلك خبيرة ولديها موارد ضخمة ومصالح كبيرة.

ولكنّ كلّ هذا الاندفاع الأميركي للتدخل الانتهازي التخريبي الذي تخطط له وتمولّه خاصة ضد أنظمة معادية لها، لا يبرر ادعاء البعض أن هذه الثورات الشعبية ضد الفساد والبطالة واحتكار السلطة مخططة ومدبّرة من الولايات المتحدة وإسرائيل أو بريطانيا وما إلى ذلك من معزوفة قديمة لا تصلح هنا، كما لا تصلح للتعامل مع نقاط ضعف قاتلة لأنظمة عهد أصبح بائداً لأنها رفضت التغيير، فالسبب المباشر لهذه الثورات داخلي يتعلق بجمود الأنظمة الموروثة من عهود المماليك التي يتعامل فيها الحاكم مع «الرعية» وابتعاد الحكام عن نبض الجماهير، واستبدادهم بالرأي، وتمترسهم بالقوالب السياسية، هذه الأنظمة التي نراها حتى اليوم غير قادرة على الإبداع، فكلها تقف معاندة لحركة الجماهير، وهي مازالت تتعامل مع شعوبها من أعالي بروجها الهشة عندما تتحرك الجماهير فنراها رغم هذه الثورات تصّر على حرمان شعوبها من المشاركة الفعالة في صنع القرار السياسي والاقتصادي المتعلق بتفاصيل حياتها اليومية، مع أنها ماتزال قادرة على إطلاق مبادرات سريعة لبناء المؤسسات الدستورية الديموقراطية التشاركية والتي تضمن حرية الرأي والإعلام، والقضاء المستقل، وسيادة القانون، الذي يضمن هذه الحريات والحقوق لجميع المواطنين، وليس فقط لنخبة ضئيلة تستولي على المليارات وتهربها للمصارف الغربية، والذي يحاسب الكبير قبل الصغير عند التورط بالفساد، والجرائم، والمخالفات، والانتهاكات، ويضمن توزيع الثروات بعدالة، ويحاسب من يهرّبها إلى المصارف الأجنبية ويحرم شبابنا من عوائد التنمية، لماذا نرى أزمة خروج العمالة الأجنبية من بلداننا أثناء الثورات فيما يتوسل خريجوا جامعاتنا فرص العمل؟

وفي مراجعة سريعة لعام 2011 وماتخلله إلى حدّ الآن من ثورات، كان يصعب تخيّلها في الربع الأخير من العام الماضي، نستطيع أن نقول أولاً انّ هذه الثورات قد كشفت اليوم أن سبب الفقر هو تهريب عوائد التنمية، وبطالة الشباب وهجرتهم من عالمنا العربي سببها الأساسي أن مئات المليارات العربية من الثروات ترقد في البنوك الأجنبية وتحرك الاقتصادات الغربية التي تتحكم برقاب الشباب العربي هناك وتحصرهم في أسوأ الأحياء ولا تسمح لهم إلا بأسوأ وأدنى الوظائف. كما كشفت أنه في الوقت الذي تنهال الأموال الصهيونية على فلسطين لشراء الأحياء العربية لا يقدّم أحد من العرب شيئاً للفلسطينيين الصامدين في أحياء القدس الشرقية أو المحاصرين في غزة وفي المدن الفلسطينية الأخرى وقراها، بينما تعود عوائد تلك المليارات العربية من البنوك الأجنبية لتستخدم في شراء اليهود للبيوت العربية، وهدم ماتبقى منها، وإقامة المستوطنات في مكانها لمستوطنين إرهابيين هدفهم اغتصاب الأرض وطرد السكان الأصليين من أرض أجدادهم. كما كشفت أيضاً أن انهيار الجامعات حرم هذا الجيل من تربية وفرز كوادر قيادية مدربة على قيادة التحركات الاجتماعية. ولذلك نرى أن هذه الثورات لا تحسم لصالح أهداف التغيير الدستورية والسياسية رغم أنها مستمرة ومتابعة ومراقبة للتغييرات التدريجية، والخوف كل الخوف هو أن يخطفها ربّان خبير ويوجهها الوجهة المنافية لما تريده الجماهير.

كما كشفت أيضاً نقطة ضعف تتمثل في أن تراجع الثقافة أدى إلى نقص مراكز التحليل والدراسات والأبحاث في العالم العربي، الأمر الذي تركنا مشاهدين فقط مع ناقلي أخبار وأصبح المحللون السياسيون والاجتماعيون والاقتصاديون عملة نادرة في العالم العربي، بينما سخّر الغرب كلّ مراكز أبحاثه ومفكريه لأخذ السبق في التحليل والتأويل والتوجيه.

ولكننا اكتشفنا أيضاً أن شعبنا العربي من محيطه إلى خليجه مرشح أن يشعر بوحدة الألم والمصير والطموح ويتوق أن توحد أواصر الحرية بين أبنائه بعد طول فرقة وتجزئة. وإذا كانت القوى المعادية للعرب قد وصفتهم طوال العقود الماضية بالإرهابيين والمتشددين والمتعصبين والخانعين لأنظمة القمع والفساد، فإن هذه الثورات قد أظهرت للعالم برمته حيوية شعوبنا العربية وعشقها للحرية واستعدادها للموت من أجلها ضد الطغاة، محليين وأجانب، على حد سواء.

لقد برهنت هذه الثورة العربية أيضاً، كما برهنت الثورة العربية المماثلة في العقد الأول من القرن العشرين، أن الخوف الغربي الأساسي هو من نيل العرب حريتهم، واسترداد مقدراتهم، والفخر بحضارتهم وتاريخهم، لأن اجتماع هذه العوامل سيحوّلهم إلى قوة اقتصادية وسياسية دولية يحسب لها أيما حساب.

إن الثورة العربية في بداية القرن الواحد والعشرين هي ثورة ضد الفساد والقمع وارتهان إرادة الحكام للأعداء، ولكنها أيضاً ثورة لاسترداد مقدرات الذات، وفي مقدمتها العنفوان القومي، والكبرياء الوطنية، واسترداد الثروات، واسترداد لوحدة الجغرافيا والتاريخ. إنها ثورة تريد إعادة كتابة التاريخ العربي المعاصر بعد أن كتبه «الحلفاء المحتلون» حين كانوا يسيطرون على الجغرافيا العربية فيمزقونها، ويستولون على التاريخ العربي فلا نرى منه غير الفتنة، أي إنها ثورة تحرر من ربقة الأعداء وأعوانهم وآثارهم، ولذلك فإن نتائج انتصارها ستمتدُّ إلى المستقبل، ولكن الوعي الثوري، والحذر من مخططات الأعداء، والمتابعة الحثيثة لفرض المطالب كلها مطلوبة، لضمان عدم انحراف مسار الثورة بفعل فاعل «مجهول» معروف، ومن أجل ضمان عدم اختطافها من قبل الطامعين بثرواتنا والمعادين لطموحات وحقوق وحرية شعوبنا، والسلام على الشهداء والثوار الذين فتحوا طريق مستقبل أفضل لهذه الأمة بعيداً عن التبعية بمقدار بعده عن الاستبداد وكبت الحريات.

================

أوروبا: من العداء لليهود إلى العداء للمسلمين؟

المستقبل - الاثنين 7 آذار 2011

العدد 3932 - رأي و فكر - صفحة 19

محمد السمّاك

هل تحوّل العداء الأوروبي التاريخي لليهود إلى عداء حديث للمسلمين؟ وهل أخذ شعار الاسلام الفاشي مكان شعار اللاسامية؟

كانت أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تتماهي مع النازية. وكانت ترفع الشعارات المعادية لليهود. كما كانت تلقي عليهم تبعات المشاكل الاقتصادية والأزمات السياسية التي تحل بدولهم. الآن انقلبت الصورة رأساً على عقب. فقد اصبحت هذه الاحزاب تتماهى بكراهية الاسلام، وأصبحت ترفع الشعارات المعادية للمسلمين. كما انها بدأت تلقي عليهم تبعات المشاكل الاجتماعية والاضطرابات الأمنية التي تحل بدولهم.

فالنمسا مثلاً، هي أول دولة أوروبية اعترفت بالإسلام ديناً رسمياً. كان ذلك في عام 1912 (عندما انضمت البوسنة إلى الامبراطورية النمساوية الهنغارية). الا ان في النمسا اليوم حزب يميني متطرف يتزعمه هانز كريستيان ستراش يرفع في وجه المسلمين النمساويين الذين يتحدر معظمهم من أصول تركية، شعار "دم فيينا النقي". ويشير هذا الشعار إلى استعصاء فيينا على الاجتياح التركي العثماني، ويشير بالتالي إلى ان دم هؤلاء المواطنين المسلمين هو دم غير نقي.. نمساوياً. وكان هذا الحزب السياسي منذ نشأته الأولى على يد مؤسسه الراحل جورغ هايدر يتماهى إلى حد التماثل مع النازية، سواء من حيث فلسفة العقيدة المستمرة حتى اليوم او من حيث التنظيم شبه العسكري، أما التحول الاساسي الوحيد الذي طرأ عليه فهو انه بدلاً من التصويب على يهود النمسا، الذين هجر معظمهم، أصبح الآن يسترضيهم ويتودد اليهم، ويصوب سهام الكراهية إلى صدور المسلمين.

طبعاً لا يمثل هذا الحزب لا سياسة الحكومة ولا الرأي العام النمساوي. ولكنه يمثل حفنة من المتطرفين القوميين الذين يزداد عددهم يوماً بعد يوم من خلال انتشار ظاهرة الاسلاموفوبيا.

وما يجري في النمسا يجري على نطاق واسع في بلجيكا أيضاً، حيث يتولى فيليب توينتر رئاسة حزب يميني من الفلامنغ الذين يشكلون تقريباً نصف السكان. وكان هذا الحزب يجاهر بعدائه لليهود ويتماهى مع النازية، الا انه اليوم يجاهر بعدائه للمسلمين ويتودد إلى اليهود من خلال الدفاع عن السياسات الاسرائيلية. فالحزب يعتبر اسرائيل القوة الأساس التي تقف في الخط الأمامي في مواجهة ما يسميه "الارهاب الاسلامي"، الأمر الذي يستوجب حسب تصريحاته المتكررة وجوب دعمها ومساعدتها.. بل واتخاذها نموذجاً ومثالاً. أي انه بدلاً من معاقبة اسرائيل على انتهاك حقوق الانسان الفلسطيني وتدمير البيوت واحتلال الأرض وبناء المستوطنات، فان الحزب، ومع أحزاب اليمين الأخرى في أوروبة، يتبنى الدفاع عن هذه السياسة باعتبارها دفاعاً عن القلعة الأولى التي تتصدى لما يسميه الارهاب الاسلامي.

وعندما قام رئيس الحزب اليميني الهولندي المتطرف وايلدر بزيارة اسرائيل، حرص على زيارة موقعين رمزيين: حائط المبكى، ونُصب ضحايا الهولوكوست. علماً بأنه كان كغيره من زعماء الأحزاب اليمينية من الذين يتماهون بالنازية ويقلدونها في كراهية اللاسامية وفي استعداء اليهود. أما الآن فان العدو الجديد له هم المسلمون في هولندة وفي أوروبة. فهو يعتبرهم الخطر الجديد الذي حلّ محلّ الشيوعية في تهديد الأسس الأخلاقية التي تقوم عليها المجتمعات الأوروبية. وعندما أنتج الفيلم السينمائي التشويهي لسيرة النبي محمد عليه السلام ازدادت شعبيته وانتخب لأول مرة عضواً في البرلمان الهولندي.

وهناك عددٌ متنامٍ من الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة الأخرى في سويسرا وايطاليا وألمانيا، وكذلك في الدول الاسكندينافية. أما في فرنسا فان الحزب اليميني الجبهة الوطنية- الذي كان يتزعمه المرشح للرئاسة الأولى جان ماري لوبان، فقد تضاعفت شعبيته بعد أن دلت الدراسات الحصائية ان 42 بالمائة من الفرنسيين يعتبرون الاسلام خطراً على الهوية الوطنية الفرنسية (؟). لقد ارتفع عدد المسلمين الفرنسيين إلى 8 بالمائة، اي ما يتراوح بين 5 و 7 ملايين مسلم. وهو أكبر تجمع للمسلمين في أي دولة أوروبية. كذلك دلت هذه الدراسات على ان ثلثي الفرنسيين (وكذلك ثلثي الألمان) يعتبرون ان محاولة تذويب المسلمين في المجتمع الفرنسي (أو الألماني) هي عملية فاشلة، وقد تخلى لوبان عن زعامة الحزب لابنته مارين التي أعلنت انها سوف تترشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية في الدورة المقبلة على قاعدة هذه العقيدة.

اما في بريطانيا، فقد ارتفع عدد المسلمين فيها خلال العقد الماضي من 1.6 مليوناً في عام 2001 إلى 2.9 مليوناً الآن. وهذا يعني ان المسلمين أصبحوا يشكلون 4.6 بالمائة من مجموع الشعب البريطاني استناداً إلى دراسة أجرتها مؤسسة أميركية مختصة. ويعكس هذا التحول ان اسم "محمد" أصبح أكثر الأسماء التي تطلق على المواليد الجدد في بريطانيا، متقدماً بذلك على الأسماء البريطانية المتداولة على نطاق واسع مثل جون وأوليفر.

ان تضخم حجم التواجد الاسلامي في العديد من الدول الأوروبية (الأتراك في ألمانيا والباكستانيون في بريطانيا، والمغاربة (المغرب الجوائر تونس) في فرنسا والبوسنيون في النمسا وسويسرا الخ)، والتزام المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية بخاصة صلاة الجماعة يوم الجمعة وصوم رمضان، والامتناع عن المحرمات مثل المشروبات الروحية والقمار، الخ.. ان كل ذلك يصورهم وكأنهم مجتمع خاص غير قابل للتذويب في المجتمع العام. ولدى وقوع أي عمل ارهابي يقوم به مسلم متطرف، أياً كانت الجهة المحرضة، فان تهمة الارهاب توجَه إلى كل هذا المجتمع وبالتالي إلى الاسلام. ومن شأن ذلك أن يغذي الاحزاب اليمينية ويمدها بالمادة التي تحتاج اليها لتبرير كراهيتها للاسلام وللمسلمين.

وهكذا فان استبدال اللاسامية بالاسلاموفوبيا ادى إلى اعتبار اسرائيل النموذج الذي يجب أن تحتذي به هذه الاحزاب اليمينية للتصدي لما تعتبره ارهاباً اسلامياً.

والآلية التي تعتمدها اسرائيل مع الفلسطينيين تتوافق مع عقلية هذه الأحزاب المتطرفة من حيث :

الاستخدام المفرط للقوة

انعاش المشاعر الوطنية المسلحة

التنكيل إلى أقصى حد بالقوى المعادية (الفلسطينيين في اسرائيل والمسلمين في أوروبة).

في الأسبوع الماضي انشغلت الدوائر السياسية الاعلامية في بريطانيا بشكوى رفعتها أول وزيرة مسلمة في حكومة بريطانية هي سعيدة دارسي (من أصل باكستاني). وتناولت الشكوى مظاهر التمييز الديني ضد المسلمين في بريطانيا. والأساس الذي قامت عليه الشكوى هو الادانة الجماعية للمسلمين بالتطرف والغلو والسلوك السيء.. أما من يتصرف منهم بعكس ذلك فانه يعتبر استثناء للقاعدة. ومن خلال النقاش الذي جرى حول هذه القضية ارتفع صوت حركة يمينية جديدة متطرفة تنفي حتى وجود أي استثناء!! وتنعكس هذه المشاعر في معارضة بناء المساجد خلافاً لما كان يجري في السابق.

من هنا كان التساؤل: هل تحول العداء لليهود إلى عداء للمسلمين؟

================

إسرائيل قلقة: القوة لم تعد تحمي الأنظمة

مسعود ضاهر

السفير

7-3-2011

في وقت تعيش فيه منطقة الشرق الأوسط حالة غليان كبيرة في أكثر دولها، أصرّت الولايات المتحدة الأميركية على استخدام حق الفيتو لإفشال قرار يصدر عن مجلس الأمن بموافقة جميع باقي أعضاء المجلس. فاعتبرت السلطة الفلسطينية، ومعها جميع العرب، أن إفشال مشروع القرار اتخذ خصيصاً لمصلحة إسرائيل. لذلك بادرت الديبلوماسية العربية إلى إدانة الفيتو الاميركي، ورفضت السلطة الفلسطينية العودة الى طاولة المفاوضات الا بعد وقف الاستيطان. وقرر العرب التوجه مجدداً الى الجمعية العمومية للامم المتحدة لاستصدار قرار دولي يدين، ويرفض الفيتو الاميركي. وتحرك العرب لطلب دعم المؤسسات الدولية لضمان الحقوق المشروعة للفلسطينيين، والعمل على تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة بالطرق السلمية أولاً، وإدانة التطرف الاسرائيلي المنفلت من جميع القيود الدولية والقيم الإنسانية التي تحمي حرية الإنسان الفلسطيني وحقه المشروع في بناء دولته المستقلة.

جاء القرارالأميركي دعماً قوياً لإسرائيل التي تعيش اليوم مأزق الخوف على وجودها وسط تبدلات عربية وإقليمية لم تشهد المنطقة مثيلاً لها منذ ثورة مصر للعام 1952. وتتظاهر الدولة اليهودية بأن ما جرى في تونس ومصر وما يجري الآن في دول عربية أخرى لا يعنيها، في حين أن تلك التبدلات تثير فعلاً قلق المسؤولين الاسرائيليين من أن تقود موجة التغيير التي تشهدها المنطقة العربية، خاصة مصر، إلى إعادة نظر جذرية في الاتفاقيات التي وقعتها مع الدولة اليهودية، مما يحدث خللاً كبير في الخطط الاستراتيجية الطويلة الأمد على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية.

إن قراءة متأنية للمسيرة التاريخية التي عاشتها إسرائيل منذ نشأتها عام 1948 تثير الرعب في نفوس الإسرائيليين. فقد نعمت لعقود طويلة بحالة من الاطمئنان إلى مواقف دول الجوار الإٌقليمية في إيران، وتركيا، وأثيوبيا والتي كانت داعماً لها بقوة. ثم اطمأنت إلى موقف مصر بعد اتفاقيات كامب دايفد، وإلى موقف الأردن بعد اتفاقيات مماثلة على أساس «حسن الجوار»، أو سياسة عدم الاعتداء أو توتير العلاقات الحدودية بين الجانبين. كما أنها تعيش حالة ضبابية من اللاحرب واللاسلم مع سوريا منذ العام 1973.

لكن التبدّلات الجذرية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ انتصار الثورة الإيرانية، والتبدلات السلمية في تركيا إبان مرحلة رجب طيب أردوغان، وانتفاضة الشعبين التونسي والمصري في مطلع العام 2011 أعادت خلط الأوراق لغير مصلحة إسرائيل.

بات على القيادة الاسرائيلية أن تعيد النظر بعمق في سياساتها واستراتيجياتها تجاه دول الجوار الإقليمية، وان تأخذ بعين الاعتبار أن مصر ستحاول استعادة دورها الطليعي في العالم العربي. إلا أنها ما زالت تكابر بزعامة تحالف ناتانياهو – ليبرمان، ويطلق قادتها تصريحات علنية لطمأنة المجتمع الإسرائيلي القلق على مصيره. وأكدوا مراراً أن الجيش الاسرائيلي مستعد «لكل الاحتمالات». ولمزيد من طمأنة الاسرائيليين صرح رئيس الدولة شمعون بيريز بأن ايران على أبواب تغييرات كبيرة. وهو يراهن على نجاح المعارضة الداخلية القوية في إحداث تغيير جذري في النظام الإيراني من طريق المظاهرات المتلاحقة في شوارع طهران. ولعله يتوهم أن انتصار المعارضة الإيرانية قد يخفف من عداء الشعب الإيراني لإسرائيل، ويمهد لإقامة «علاقات طبيعية» معها من دون أن تبدل الدولة اليهودية من إيديولوجيتها العنصرية، ومن ممارساتها الفاشية ضد الفلسطينيين وباقي العرب.

هكذا تحاول القيادة الإسرائيلية إقناع شعبها بأن كل دول منطقة الشرق الأوسط عرضة للتغيير إلا إسرائيل. وأن النظام المصري بعد الرئيس مبارك سيتحاشى إلغاء إتفاقية «كمب ديفيد»، حتى لا يغضب الأميركيين. ويبني أوهاماً كبيرة على بيان للقيادة العسكرية الحالية في مصر والتي تعهدت بالحفاظ على الاتفاقيات الدولية التي وقعها النظام السابق. وتعتقد أن النظام الاردني ما زال قوياً ومتماسكاً وليس عرضة للتغيير كما يتوهم البعض بل يحاول امتصاص النقمة، ولا خوف من الاتفاقيات المبرمة معه.

تراهن القيادة الإسرائيلية على استمرارالصراع الداخلي بين حركتي «فتح» و«حماس». وان القيادة الرسمية الفلسطينية تخلت منذ زمن طويل عن اسلوب الكفاح المسلح الذي بات حكراً على حركة حماس وحلفائها. وهي على قناعة شبه تامة من أن القيادة الفلسطينية ما زالت على استعداد لمتابعة المفاوضات في حال حصولها على بعض الضمانات الأميركية. وقد تأكدت أن الصدام مع الإدارة الأميركية غير مجدٍ، كما ظهر من خلال رفض مشروع القرار العربي الذي قدم إلى مجلس الأمن. فرغم الإجماع الدولي، شهرت الولايات المتحدة سلاح الفيتو لإسقاط المشروع داخل المجلس، لأنه يدين الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، ويقطع الطريق نهائياً على مشاركة إسرائيل في مفاوضات الحل السلمي.

بدا واضحاً أن التبدلات العاصفة التي تشهدها المنطقة العربية لم تؤثر قط في الأسلوب الفظ الذي تعتمده القيادة الإسرائيلية. لذلك دعت سوريا مجدداً إلى التفاوض من دون شروط مسبقة، أي التخلي الطوعي عن طرح عودة الجولان المحتل إلى السيادة الإسرائيلية. وطالبت الحكومة اللبنانية إلى منع «حزب الله « من المشاركة في أي حكومة لبنانية.

وأرسلت الإدارة الأميركية إثنين من ابرز صقورها المؤيدين لإسرائيل إلى لبنان وهما السناتور ماكين، والسناتور ليبرمان، فهدّدا اللبنانيين من قلب بيروت بأن الإدارة الأميركية تتمسك بتصنيف «حزب الله» كمنظمة إرهابية، وأنها ستحدد موقفاً واضحاً من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على ضوء تشكيل الحكومة الجديدة، وفور صدور بيانها الوزاري.

وبالغت إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، في إظهار مخاطر زيارة بارجتين عسكريتين إيرانيتين إلى البحر المتوسط. وندّدت بالقرار المصري الذي سمح لهما بعبور قناة السويس. وبرزت تصريحات نارية لقادة إسرائيل تؤكد على أن أمن الدولة اليهودية بات مهدداً. وحذرت من أن لديها كامل الحق في اتخاذ التدابير التي يرونها ضرورية للدفاع عن أمن إسرائيل بموجب خطط استباقية تقوم على توجيه ضربات عسكرية اعتادت تنفيذها عندما تشعر بالخطر الداهم.

اللافت للنظر أن القيادة الإسرائيلية التي تنشر طمأنينة خادعة بين الإسرائيليين تبدو قلقة جداً من التحرك الثوري للشعوب العربية. فالأوهام التي تزرعها في أوساط المجتمع الإسرائيلي الخائف على مصيره لن تعمر طويلاً. مردّ ذلك إلى أن كل ما حول إسرائيل يتغير بسرعة مذهلة، وأن جميع شعوب الشرق الأوسط ادركت أن إسرائيل ليست دولة ديموقراطية بل عنصرية تمارس أقصى درجات الفاشية تجاه الفلسطينيين، وذلك باعتراف كثير من الباحثين والإعلاميين الإسرائيليين.

ختاماً، تدرك إسرائيل جيداً أن القوة المفرطة لم تعد تحمي أي نظام من السقوط. فانتفاضات الشعوب العربية واضحة في دلالاتها. والإفراط في استخدام القوة ضدّ قوى المعارضة والممانعة الشعبية لن يحمي بعد الآن مقولة الاستقرار مقابل القمع وفقدان الغذاء والتعليم والعمل والكرامة والحرية وغيرها من المقومات المادية والمعنوية الضرورية للإنسان. فقد كسرت الشعوب العربية جدار الخوف من أنظمتها التسلطية كما كسر اللبنانيون والفلسطينيون حاجز الخوف من الاحتلال الإسرائيلي. ومع أن الولايات المتحدة دخلت بقوة لطمأنة الإسرائيليين الخائفين على مستقبلهم في منطقة شديدة الاضطراب، إلا أن تلك التطمينات باتت غير كافية لإزالة القلق الاسرائيلي المتزايد طالما أن قدرة الأميركيين على المغامرة العسكرية مجدداً في منطقة الشرق الأوسط باتت الآن في حدودها الدنيا. فإسرائيل ستواجه اليوم الثمار المرة لسياسة القمع والإرهاب والاستيطان التي مارستها منذ نشأتها بأسلوب فاشي وعنصري بامتياز.

=================

أين أمريكا من الثورات العربية

راكان المجالي

الدستور

7-3-2011

يعيش المواطن العربي من محيط الوطن الى خليجه "فوبيا" (نظرية المؤامرة) وتراوده الشكوك دوما في كل ما يحدث خشية ان امريكا تتسلل الى كل حالة والى كل المعطيات وان تكون اصابعها الخبيثة وراء تحريك هذا الحدث أو ذاك ، وهنالك بعد آخر وهو ان الانسان العربي لكثرة ما عاش من انكسارات واحباطات وخيبات بات تفاؤله ضعيفا والى حد ما فان عامة الناس يقولون فيما لو ضحك الانسان كثيرا "يا رب اكفني شر هذا الضحك"،،

وما يحدث الآن من زلزال حقيقي داخل المجتمعات العربية ومن تحولات عبر استعادة جيل جديد للثقة والتفاؤل والاصرار على احداث التغيير هو تطور جديد في الحياة العربية المعاصرة ، وقد يكون ذلك مفاجئا لنا رغم ان الضغوطات واستشراء زيادة سطوة الاستبداد وكذلك حالة الاستخذاء والتواطؤ الرسمي وغير ذلك تبعث كلها على الانفجار الذي يأس الناس من وقوعه ايجابيا ، ولكنه وقع اخيرا.

والامر كان مفاجئا حتى لأمريكا وللغرب فهذه الامة استجمعت روحها وبدأت تأخذ طريقها في الحياة.

ورغم ذلك فان السؤال عن امريكا وأين هي من كل ما حدث وكل ما يحدث هو سؤال مشروع كما يقوله زميلنا الاستاذ الساطع نور الدين ، فامريكا قوة عظمى وهي لذلك لا يمكن الا ان تكون موجودة وترفض وجودها خاصة في المنطقة الاكثر حيوية لمصالحها ، وهي لا بد ان تتدخل ، لكن لا يمكن ان يكون تدخلها بحسن نية ومن باب التأييد للثورات كما تدعي ، وهكذا فان

التدخل الاميركي في الثورات الديمقراطية التي تجتاح العالم العربي من المحيط الى الخليج ، هو اخطر من فكرة الاستعمار او الغزو العسكري التي يتحدث عنها او يتخوف منها بعض الكتاب المنتمين الى ثقافة القرن التاسع عشر ، وهو اعمق اثرا من جميع التجارب الاستعمارية الاوروبية التي عاشها العرب والمسلمون على مدى القرون الماضية.. لانه يخترق الوعي العربي قبل ان ينتهك الارض العربية ، وكلاهما يبدو هذه الايام من دون حصانة او مناعة.

تعددت اشكال هذا التدخل الاميركي وتنوعت حسب طبيعة انظمة البلدان والشعوب التي تخرج الان في الشوارع مطالبة بالحد الادنى من حقوقها في الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ، لكنها تمثل القاسم المشترك الوحيد ربما بين تلك الثورات ، وتوفر فرصة تاريخية لم يحلم بها الاميركيون انفسهم ، ولم يتوقعوها او حتى يريدوها لا سيما في عهد رئيسهم الحالي باراك اوباما الذي كلفوه تحديدا بان ينهي حروبهم الخارجية ويقلص ادوارهم الدولية ويهتم بعلاج ازماتهم الاقتصادية.. فاذا به يصبح بين ليلة وضحاها مرشدا ينتظر العالم كله فتاواه الموجهة الى تونس او مصر او ليبيا او اليمن وغيرها ، داعيا ذلك الزعيم الى التنحي او ناصحا الاخر بالحوار مع شعبه ، ومحددا خريطة طريق لعمليات انتقالية للسلطة ، في واحدة من سخريات القدر القاسية من سلفه جورج بوش الذي كان يهلوس بمثل هذا الدور المكرس له بتكليف من السماء،

التدخل الاميركي لم يكن بتخطيط مسبق ولا حتى بقرار. الصدفة التاريخية لعبت دورها: العالم العربي في حالة فراغ وفوضى عارمة. بعض انظمته متهالكة وشعوبه مضطربة. وما ان اشتعلت الشرارة الاولى في تونس ، حتى انكشفت وجوه زعماء عرب واجهزتهم العسكرية والامنية ، والتقطت الاجيال الشابة الاشارة بالتحرك وتحطيم تلك الهياكل الخاوية ، التي لم يبق فيها ما يساعد على تنظيم اي عملية سياسية طبيعية ، وهي تستدعي البدء في تأسيس الدولة او الدول ، من نقطة الصفر ، من كتابة الدستور الى قوانين الانتخاب وصولا الى تنظيم عمل شرطة المرور.

لكن ، ومثلما كان الزعماء العرب في الماضي يتوجهون الى واشنطن طالبين العون ، في مواجهة خطر اسلامي مفتعل ، ها هي الشعوب العربية تتوجه بلا وعي نحو العاصمة الاميركية نفسها ناشدة المؤازرة في مواجهة بقايا الطغيان ، وفي مساعي اعادة بناء دولهم على النموذج الاميركي الذي يرجح ان يصبح معتمدا بالكامل في مصر وفي اكثر من بلد عربي ، يواجه ذلك السؤال المصيري من دون ان يجد في كتبه القديمة ، اي نماذج مناسبة للمستقبل.

التوجه الى اميركا باعتبارها القوة والمرجع والمثال ، يعني ان العرب والمسلمين بلغ بهم الامر حد الاستسلام التام لمشيئة الدولة العظمى والغفران لاساءاتها السابقة بحقهم ، وهو ما يعادل التشكيك بتلك الحقائق التي كان يفترض انها ثابتة وراسخة في اذهانهم عن ان اميركا دمرت افغانستان والعراق واباحت ذبح الشعب الفلسطيني وانهاء قضيته ، وباتوا يعملون وفق سلم اولويات خاص ، مغاير لكل ما عرفته الامة من قبل.

================

معركة ليبيا.. من يحسمها وكيف ؟

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

7-3-2011

بعد اكثر من اسبوعين على انطلاقة ثورة الشعب الليبي، انزلقت الثورة التي بدات سلمية ولها الكثير من مواصفات الثورتين التونسية والمصرية، انزلقت تدريجيا نحو العسكرة وحمل السلاح، وبدلا من رؤية الاف الجماهير تنزل الى الشارع للمطالبة باسقاط النظام، بدا العالم يتابع التطورات في ميادين القتال ويتحدث عن حجم الاسلحة واعداد المقاتلين ومناطق سيطرة كل طرف، لتتحول ليبيا الى ساحة حرب اهلية يسميها المعارضون حرب تحرير ليبية اخرى بعد حرب التحرير ضد الاستعمار الايطالي.

الذين لايعرفون طبيعة النظام الليبي، كانوا يعتقدون أن الثورة الليبية ستشبه في مساراتها ونتائجها الثورتين التونسية والمصرية، غير أن النظام الليبي كان له رأي آخر حين اختار المواجهة المسلحة مع شعبه على الاستجابة لمطالبه، فاستخدم السلاح والمرتزقة، كما ركز لعبته على استغلال التركيبة القبلية للمجتمع الليبي، ليبقي على فرص استمراره في الحكم قائمة بغض النظر عن النتائج.

وازاء هذا الوضع المأساوي، الذي ادى خلال ايام قليلة الى تزايد في ارقام الضحايا تجاوزت بكثير اعداد ضحايا الثورتين التونسية والمصرية معا، وهي اعداد قابلة للتصاعد يوميا، فان الازمة الليبية ليست مرشحة للحسم خلال فترة زمنية قصيرة، اذا اقتصرت تفاعلاتها على ثوار ليبيا ونظام القذافي. الامر الذي يدعو الى تدخل طرف ثالث لوقف انزلاق البلاد الى حالة من الفوضى المسلحة التي ستخلف اثارا سلبية متعددة الاتجاهات، وخاصة على الدول المجاورة ومن بينها اوروبا.

وعلى الرغم من القرارات الدولية التي اتخذت ضد النظام الليبي، فانه يبدو ان المجتمع الدولي ما زال مترددا في اتخاذ قرارات حاسمة لانهاء الازمة. ويعود هذا التردد في الاساس الى الموقف الذي تتخذه ادارة اوباما التي لاتزال تقول انها تدرس خياراتها رغم دخول الازمة اسبوعها الثالث، وكأنها تنتظر النتائج العسكرية في ميادين القتال بين شعب ونظام، بالرغم من المطالبات المستمرة بضرورة فرض حظر جوي يمنع القذافي من استخدام طائراته الحربية، او توجيه ضربات جوية محدودة لمراكز قوة للنظام.

لا احد في ليبيا يرغب في رؤية جنود اجانب على الارض الليبية، غير ان الشعب الليبي الذي اعلن بصوت مسموع انه لايريد استمرار هذا النظام، يرغب بخطوات تختصرالوقت والضحايا، في معركة يبدو انها وصلت الى نقطة اللاعودة.

ولكي لايكون التدخل العسكري الاجنبي غير المرغوب فيه من الليبيين، هوالخيار الاضطراري في النهاية، فانهم يتوقعون مواقف عملية من الدول العربية والاسلامية تكون بديلة لهذا التدخل الذي قد يحول القذافي الى بطل يدافع عن استقلال ليبيا.

المطلوب في حالة ليبيا هو تحرك عربي، او عربي اسلامي ليس بالتصريحات والمواقف التي تتماهى مع المواقف الغربية وتنتظرها، بل تتركزعلى تشكيل قوة عسكرية لا تطلب اذنا من النظام الليبي، بل تفرض نفسها لاعادته الى صوابه، وتوقف حمام الدم، وتمنح الشعب الليبي فرصة التعبير عن ارادته واختيار نظام الحكم الذي يريد، حتى لو كان نظام القذافي نفسه.

واشنطن واوروبا ما زالتا تعانيان من نتائج تدخلهما المباشر في العراق وافغانستان، ولا تريد تكرار التجربة ذاتها في ليبيا، وهذا يعطي الفرصة لتدخل عربي واسلامي، قد يحظى بدعم معنوي من الغرب لحسم معركة ليبيا. ولعل هناك دولتين اكثر من غيرهما قادرتين على تنفيذ هذه المهمة، وهما مصر وتركيا، اللتين تجدان قبولا كاملا من الشعب الليبي، ولا يمكن تحميل تدخلهما أي ابعاد استعمارية.

ان الازمة الليبية التي تتطور كل يوم نحو ابعاد اكثر مأساوية، تستحق هذا التدخل الفوري، والدعوة هنا موجهة في الاساس الى المجلس العسكري الحاكم في مصر، الذي يجب ان يخرج مصر من دور المتفرج اوالسجين، ليعلن عن مصر الجديدة الاكثر ديناميكية، وبما يتناسب مع حيوية ثورة شعبها، اتجاه بلد عربي مجاور سيؤثر ما يجري فيه، على امن مصر ومصالحها في المديين القريب والبعيد.

================

الانتقال السياسي المصري ومسؤوليات الجيش

مايكل وحيد حنا (زميل ومسؤول

عن البرامج ب»سنشري فاونديشن»)

«كريستيان ساينس مونيتور»

الرأي الاردنية

7-3-2011

عندما غادرت القاهرة بعد يوم واحد من استقالة مبارك، كان لديّ شعور بأن مصر قد قطعت علاقاتها بماضيها السياسي القريب، وأن تغيراً جوهرياً قد حدث للوعي السياسي للشعب المصري.

بيد أن هناك مخاطر تهدد بانطفاء هذا الحماس الثوري الذي وسم الأسابيع الأخيرة الماضية، ما لم تتم هندسة الانتقال السياسي بطريقة منظمة ومنهجية.

كما أن من شأن الاندفاع نحو تسريع انتقال السلطة للمدنيين أن يؤدي إلى عرقلة إحراز أي تقدم ثوري، خرج من أجله الملايين إلى الشوارع في مختلف المدن والمحافظات المصرية.

كما أن حلم إحراز تقدم سياسي قائم على الانتقال الانتخابي السريع للسلطة وحده، ليس سوى وهم لا أكثر، من شأنه إعاقة الإصلاح الحقيقي المنشود. وبدلاً من القبول بعملية انتقالية يفرضها ويتولى الجيش وحده تطبيقها، فإن على المعارضة المصرية أن تحافظ على وحدتها وسعيها إلى الإجراءات العملية الفورية التي تحول دون الانحراف إلى نظام حكم جديد يقوده الجيش مرة أخرى، في ذات الوقت الذي تسمح فيه بانتقال أكثر واقعية للسلطة.

وتبدي جماعات المعارضة المصرية حرصاً واضحاً على التأكد من أن الدور القيادي البديل الذي يقوم به الجيش حالياً ليس سوى أمر مؤقت، وليس تمهيداً لتوطيد أركان نظام سياسي جديد بقيادة عسكرية فيما بعد الثورة.

ولا يصعب فهم هذه الهواجس وغيرها من احتمالات ثورة مضادة، بالنظر إلى ماضي مصر وما شهدته من تطورات سياسية قريبة.

بيد أن من شأن هذه الهواجس نفسها أن تقوض الأهداف الجوهرية التي ثار من أجلها الشعب المصري، وإعاقة عملية الإصلاح الشامل.

فعلى سبيل المثال، سوف يفرض الجدول الزمني الذي أعلنه الجيش لإجراء انتخابات عامة خلال ستة شهور، أن يكون الإصلاح الذي يمكن القيام به في هذه المدة القصيرة الضيقة شكلياً وسطحياً. كما أن الانتخابات الحرة النزيهة نفسها لا توفر ضمانة كافية للسياسة النيابية الحقيقية.

وعلاوة على ذلك كله، فإن على جماعات المعارضة أن تدرك أن للجيش نوايا حسنة، ولكنه قليل الصبر وضيّق الصدر إزاء استمرار المظاهرات والاحتجاجات الشعبية.

وسواء صح الأمر أم لم يصح، فقد نجح الجيش في تعزيز سمعته في أوساط الشارع المصري عن طريق امتناعه عن توجيه أسلحته إلى صدور المصريين مهما كان الأمر، فضلاً عن إصراره على استقالة مبارك مؤخراً.

وقد بدا واضحاً أن استقرار مصر يتوقف كلياً في هذه اللحظة على خطوة كهذه. وعليه فمن المفهوم أن تعطي المعارضة الجيش دوراً قيادياً في تمهيد الطريق نحو العودة إلى نظام الحكم المدني.

هذا ومن المشكوك فيه جداً أن يخاطر الجيش بإضافة أعباء تولي الحكم إلى أعبائه الدفاعية، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة حالياً.

كما اتخذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة عدة خطوات ضرورية ومطمئنة على مدى حرصه والتزامه بالانتقال السلمي للسلطة، وعودة الجنود إلى ثكناتهم العسكرية.

وفي هذا الاتجاه، فقد أصدر المجلس قراراً بحل أجهزة البرلمان غير الشرعي، وأمر بتعليق سريان الدستور، إضافة إلى إعلانه عن إجراء انتخابات عامة في غضون ستة شهور، فضلاً عن بدئه إعادة تشكيل المجلس الوزاري.

بيد أن هناك حدوداً لصبر الجيش على استمرار المظاهرات والاحتجاجات الشعبية. وقد اتضح ذلك من خلال استخدامه القوة لتفريق المتظاهرين مؤخراً، وهو ما أثار شكوكاً جديدة في نواياه.

وبما أن الغاية العليا للجيش هي بسط الاستقرار الأمني، فإن من الواجب توقع اكتفائه بالحد الأدنى الممكن من الإصلاحات، وأن يكبح جماح المظاهرات والاحتجاجات، بما يؤدي إلى عودة الحياة إلى طبيعيتها.

وفي المقابل فإن هناك غياباً لبنى سياسية مصرية تتسم بالمصداقية ويمكن للشعب أن يلتف حولها.

وهذا ما يهدد بخطر تزايد انقسام المعارضة على نفسها، خاصة إذا ما ازدادت حدة تنافسها على السلطة. وعليه فإن تحقيق إصلاحات ملموسة ومنتظمة على المدى القريب، يطالب المعارضة بتلاحم صفوفها والحفاظ على وحدتها.

كما أن على المعارضة أن تتفق على أجندة مشتركة بينها، وأن تثابر على المطالبة بتحقيق بعض الأهداف المباشرة؛ وأولها إزالة بقايا النظام السابق من مجلس الوزراء؛ ذلك أنه ليس منطقياً أن نتوقع قيادة عناصر موالية للرئيس السابق عملية انتقال سياسي حقيقي فيما بعد الثورة. ومن الواجب أن تتولى مهمة الانتقال هذه، حكومة وحدة وطنية تتسم بالمصداقية ويعول عليها.

وثانيها أنه على المجلس الأعلى للقوات المسلحة إما أن يعطي سلطات الحكم التي يضطلع بها لشخصيات مدنية أعضاء في حكومة مؤقتة، أو أن يسمح بزيادة تمثيل المدنيين في جهاز حكومي يخلف المجلس الحاكم حالياً، على أن يسمح هذا الجهاز بتمثيل قادة مدنيين وعسكريين فيه.

أما الهدف المباشر الثالث والأخير، فهو ضرورة الإلغاء الفوري ل»قانون الطوارئ» الذي طالما اعتمدت عليه السلطات الدكتاتورية للنظام السابق. ويجب أن يصحب هذا الإلغاء قرارٌ بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الذين لا يزالون قابعين في غياهب السجون المصرية، إضافة لإلغاء حالة حظر التجوال التي لم تعد هناك ضرورة تبررها الآن.

ومن شأن هذه التدابير والإجراءات الانتقالية أن تعزز ثقة المواطن المصري بحسن نوايا الجيش.

والأهم من ذلك أن من شأنها المساعدة على تحديد جدول زمني أكثر ملاءمة ومعقولية لإجراء الانتخابات العامة في غضون عام أو عام ونصف من الآن، وهي فترة كافية لأن تكون فيها المعارضة أفضل تنظيماً واستعداداً لدخول حلبة التنافس الانتخابي.

===============

لماذا لا يخاف الغرب اكثر من ديمقراطية عربية حقيقية؟

مطاع صفدي

2011-03-06

القدس العربي

 هنالك حقيقة أولية قديمة تسلّم بها استراتيجية أوربا منذ عصر الإمبراطورية الرومانية وهي أنه لا أمْنَ لها إن كان جارُها الجنوبي أقوى منها.

وقد تستعيد هذه الحقيقةُ مفعولَها النفسي قبل السياسي هذه الأيام، إزاء هذه الموجة العارمة من يقظة الشعوب العربية؛ فمنذ اندلاع ثورة الشبيبة المصرية، والإطاحة السريعة بفرعونها الاكبر، احتلت الأخبار العربية صدارة الإعلام الأوروبي يومياً، مثلما صدمت عقولَ القادة الأوروبيين، فتباينت ردود أفعالهم، وسيطر القلق والارتباك معاً على التصريحات والمواقف. أما المثقفون أو المفكرون فلاذ معظمهم بالصمت والترقب، تعبيراً عن دهشةٍ تشلّ أقلامَهم حتى الآن. لكن كَتَبَة الأعمدة في الصحافة الرئيسية لم يستطيعوا أن يمسكوا ألسنتهم عن الكلام المكبوت في أفواه العامة؛ ثم أصبحت التعليقات على تطورات الحدث العربي من عاصمة عربية إلى أخرى، تفصح عن الإعتراف أوروبياً برياح التغيير، بقوتها وشمولها معاً، وأنها قادرة حقاً على نسف خارطة الاستبداد الشرقي المزعوم. فهو ليس قدراً أزلياً أبدياً، إنه صناعة غربية مفروضة بقدر ما هو نتاج لانحطاطٍ ذاتي متراكم.

لكن الغرب اختار وظيفة تأصيل جذور الاستبداد مع تحديث أشكاله الظاهرية، وذلك منذ أن تسلّم مقادير العرب مع اضمحلال السلطَنَة العثمانية. أصبح هو الآمر الناهي وحده تقريباً طيلة القرن العشرين بتمامه، مشاركاً رئيسياً في مختلف تحولات (الحداثة) العربية، بحيث لا يمكن لهذه الحداثة أن تنتج مفاعيلها الإنعطافية، خاصة في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة، دون رقابة المصالح الغربية على أسبابها ونتائجها، والتدخل في توجهاتها بشتى أساليب السيطرة على مراكز القرار العليا للدول الرئيسية، وقد حفلت تجارب النهضة العربية المعاصرة بمختلف أشكال الصراع مع التدخلات الأجنبية المباشرة وسواها، بهدف استيعاب الحركات الاستقلالية المتتابعة، خلال الربع الثالث من القرن الماضي، وقد نجحت (تلك التدخلات) في تحويل معظمها سريعاً إلى عكس غاياتها التحررية. وكان الانقلاب العسكري هو أداة التغيير الوحيدة، والمفروضة على كل حراك شعبي، إذ كان يسبق البلاغُ رقم واحد العسكري، كلَّ تنظيم سياسي مدني، في اختطاف ساعة الصفر (الثورية) المنتظرة جماهيرياً، بقيادة أحزاب أو فئات متنورة نسبياً. الأمر الذي ولّد نوعاً من جدلية عقيمة متعارضة غالباً بين العسكرتاريا والانتلجانسيا، بين سياسة القوة وقوة السياسة، فكانت الغَلَبَةُ للبندقية على القلم والورقة.

كان الانقلاب العسكري هو الوصفة السياسوية المفضلة للأمركة بعد النجاحات الدموية الباهرة التي حققتها في دول أمريكا الجنوبية، عبْر العقود الأولى للقرن العشرين؛ وعندما تحولت بوصلة التسلّط نحو بلاد الشرق عامة والعربي والإسلامي، مع انفجار الحرب الباردة، أدخلت أمريكا سلاح التغيير العنفي بالقوة النظامية الجاهزة، إلى صلب الحياة السياسية الناشئة في دول العالم الثالث المستقلة حديثاً وصورياً غالباً. في البداية استطاعت معظم الجيوش العربية الناشئة أن تضفي على ذاتها الخصائص الوطنية والقومية المتناسبة مع الشعارات المحلية المطروحة، ومميّزة نفسَها بالقدرة على الحسم الفوري مقابل الحراك المدني البطيء، مع الاعتراف أن المؤسسة العسكرية العربية تكونت ومارست أدوارها الدفاعية خلال احتدام الصراعات الحربية شبه الدورية مع العدو الإسرائيلي.

فالمتغيرات في قمم السلطات الحاكمة آنذاك لم تكن لتفصل ما بين ما هو عسكري وما هو مدني، تحت وطأة الضغوط الحربية المتلاحقة؛ حتى عاشت دول المشرق فيما يشبه جبهات حرب مستمرة ضد العدو، دونما تمييز فيها بين خطوطِ دفاعٍ أمامية لاهبة أو متأهبة، وأخرى خلفية مساندة ومتحفزة.

غير أنه ما أن توقفت حقبة الحروب المتواصلة بين دول المشرق وإسرائيل بعد معاهدة كمب ديفيد، حتى لم يبق للعسكرتاريا الحاكمة ثمّة تسويغ أيديولوجي تستمده من ساحات قتال فعلية، بعد أن وقعت الجيوش أسيرة البطالة والاستنقاع في معسكراتها؛ فانقلبت مهماتها من منازلة العدو المفترض، إلى مهمات الحراسة الأمنية والبوليسية لقادتها. كانت النتيجة الفعلية هي استيلاء الجيوش على دولهم. حينئذٍ حدث الإنقلاب البنياني الأخطر على منظومة الدولة (العربية) الناشئة ذات المؤسسات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية غير الناضجة بعد، وذلك مع الانحراف العظيم والأدهى لطبيعة السلطة العليا، عندما تمَّ انتزاع أولوية القرارات الحكومية من أيدي أجهزتها الدستورية. فقدت الدولة هكذا شرعيتها في ذاتها. تحولت إلى أدوات قوة خارجة عن منطقها الحقوقي والإداري الموضوعي معاً. يتحقق بذلك القضاءُ عملياً على أهم ما يميز الدول الديمقراطية، وهو مبدأ الفصل بين سلطاتها الثلاث، بعد أن أمست هي في مجموعها تابعة لإدارة أُحادية طاغية ما فوق إرادة الدولة ومجتمعها معها.

أسوأ ما ابْتُليت به الجيوشُ العربية في عصر الثورة المضادة المنطلقة مع معاهدة كامب ديفيد، والمعمّمة مفاعيلُها، الظاهرة والباطنة، على مستقبل كل من الأمنيْن: السياسي القومي، والاجتماعي الحضاري لمعظم أقطار المواجهة مع العدو، وما وراءها، نقول، ان الأسوأ فيما ابْتُليت به جيوشُ هذه الأمة العربية، الممنوعة من وقف الزحف الصهيوني والاستعماري نحو العمق العربي، هو مساهمتها، بإرادتها او بغيرها، في فرز وتنمية الأجهزة البوليسية، بلا حدود لعديدها ولأفعالها، وفوق جثث القوانين والأخلاق وأبسط الأعراف الأهلية والإنسانية. فكان الإجهاض الأَمَرُّ لأفدح خسائر النهضة، هو في تعجيزها عن إنتاج جهازها القيادي المسؤول عن بناء دولة الحرية والعدالة والحداثة.

كانت الحصيلة الرهيبة أنْ حازت الدولةُ العربية الراهنة على أعلى مقاييس الدولة الفاشلة في العالم الثالث، دون أن يُفهم هذا الفشلُ حسب المعايير الغربية، المطبّقة على الأنظمة الناشئة؛ لكنه هو معيار الحداثة الحقيقية كما اتخذتها، كعقيدة ثورية، طلائعُ النهضة الاستقلالية المعاصرة، فقد قادت الدولة البوليسية حركاتِ الردّة المنظمة نحو النموذج القروسطي، مغلّفاً بقشور حداثة زائفة مستوردة. قسَّمت هذه الردّةُ مجتمعَ كل قطرٍ عربي ما بين قمته المتسلّطة وقاعدته المُغيّبة. أوقعت العِداء النهائي بينهما. أمست الدولةُ الأمنية هي الحارسة الأمينة على انحطاط مجتمعها. فالبطش القمعي لا يحصد الأخضر بجريرة اليابس من مواسم أمته فقط، بل يبيد جذور كل نبتة حيَّة في أرضها، قبل أن تمتد فروعاً وأغصاناً فوق تربتها المتصحّرة. ومع ذلك تبدع الصحارى واحاتها.

لكن الثورة لن تأتي، لن تبقى، سياسيةً فحسب. والقول أن الديمقراطية هي قاب قوسين أو أدنى حتى في القطرين الرائدين ثورياً اليوم، تونس ومصر، ليس خطاباً ثورياً بقدر ما هو تفاؤل متعجّل. فالمهمات التي تنتظر ثورة الشارع هي الأشق والأعمق، والأكثر حاجة للنفس الطويل، المقرونة بأسئلة المعرفة الجذرية بأسرار الإصلاح ووسائل حمايته. ذلك ان هرم الدولة كاد يصير بديلاً عن هرم المجتمع.

والمطلوب الآن إعادة الإقرار بوجودهما معاً، حسب معادلة توازنٍ، هي في منتهى الدقة والشفافية معاً. وخلال هذه الرحلة المديدة المنتظرة لن تظلّ الثورة وحدها هي الفاعلة في كلا المستويين: القاعدة الشعبية والقيادة الحاكمة، لكن التغيير أدخل اختلافه على هياكل الصورة التقليدية الجامدة لمجتمعات العرب الراكدة منذ عقود طويلة؛ لم تعد ساحات العمل العام مطموسة تحت أعلام الطغيان وحده. أما حديث الانتصارات الفورية، ينبغي له أن يتذكر أن الحرية قد لا تحقّق غاياتِها الشاملة من الضربات الأولى.

لعلَّ النصر الحقيقي في هذه الجولات الافتتاحية هو أن التغيير استعاد مركزيته التاريخية: مصرُ. فهي عندما تعود إلى ذاتها تعود إلى أمتها العربية.. حداثة النهضة أطلقها محمد علي في أواسط القرن التاسع عشر. وجمال عبد الناصر حقق تجربتها التاريخية الأولى، بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين، وصولاً أخيراً إلى الشعب نفسه، وقد أضحى هو القاعدة والقيادة معاً. محركات التاريخ العربي المعاصر لم تعد هي فئويات من النخب: عسكرية أو شخصانية، أو حزبية؛ من هنا يدرك الغرب أنه فَقَدَ تقريباً مفاتيحَ التلاعب بمصائر الشعوب العربية، إذ كانت تستردّ هذه الشعوب كلَّ مفاتيحها الزائفة، استهلكتها. ما يخيف الغرب حقاً هو أن تكتشف شعوب العرب والإسلام ديمقراطيتها، عبر إنجازاتها الثورية المتنامية. ثم عليها أن تعقلها وتتفهّمها وتصنعها بأيديها، وتطورها بحسب تجاربها الإنسانية التي تخصّها وحدها.

مصرُ العربية تمسك مرة جديدة بزمام المبادرة في ترسيخٍ أولي لماهية الديمقراطية: ليس في جعل الشعب مصدر السلطات، ولكن في جعل الشعب هو السلطة الأولى المركزية. إنه يطرح تمرينه الافتتاحي: هذه الوزارة التي يؤلفها معارض وناشط في شارع الثورة. ذلك حَدَثٌ غير مسبوق كلياً في مسيرة النهضة السياسية العربية. ونجاحه سوف يلغي كلّ السدود النظرية والوهمية بين تلقائية الثورة وعقلانية السلطة. ما يعني أنه أصبح للثورة مشروعيتها الذاتية، القادرة على تسويغ الإجراءات الحكومية المنتظرة، كبنود إصلاحية في أجندة المعارضة العامة. فالتغيير الذي أطاح بقمة السلطة الفاسدة، هو عينه سيطيح بنظامها الإداري والإعلامي. أصبح الشعب المصري مدعواً لإعادة إنشاء الدولة والمجتمع معاً. ثورته المظفرة تقود مرحلة الانتقال، تنتج عقلانيتها المبدعة التي عليها أن تبرهن كيف يمكن للحرية أن تنتج العدالة والحداثة.

لماذا لا يخاف الغرب أكثر فأكثر.. وهو العاجز حتى اليوم في بلاده، عن إنتاج أية معادلة متوازنة لهذين الأقنومين في فلسفة الإنسانية الحرة: العدالة والحداثة.

' مفكر عربي مقيم في باريس

================

واشنطن على أعتاب ارتكاب خطأ في حق الثورة المصرية

الإثنين, 07 مارس 2011

جميل مطر *

الحياة

أستطيع أن أقرر وأنا مطمئن أنه لم يكن للولايات المتحدة أو قوة خارجية أخرى دور أساسي في إشعال الثورة في مصر أو غيرها من بلاد العرب. أقول دوراً أساسياً، لأنه لم يعد ممكناً أن يقع تطور كبير أو خطير في دولة ما من دون أن تكون لهذا التطور علاقات ودوافع في مكان ما خارج حدوده الإقليمية. وعلى كل حال سواء كان التدخل الخارجي كبيراً أو صغيراً، أساسياً أو فرعياً، في إشعال فتيل ثورة أو أخرى، فإن أحداً لا يستطيع إنكار أن التدخل بصور شتى حادث الآن. ولا يستطيع، إلا الساذج فينا، تصور أن يضعف هذا التدخل أو يمتنع نهائياً في أي وقت قريب. يستحيل في واقع الأمر إقناع أحد بأن ثورة تونس ومن بعدها ثورة مصر، وفي أعقابها أو بالتوازي معهما انتفاضات وثورات اليمن وليبيا والأردن والبحرين، كان يمكن أن تستمر وتلقح شعوباً غاضبة أخرى من دون الاستعانة بالقنوات الفضائية التي تبث من خارج الحدود والقارات، ولعل دور الفضائيات هو أبسط أشكال التدخل الخارجي ومن أكثرها نجاحاً.

دار جدال حول ما إذا كانت هذه الثورة أو تلك نشبت لتخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. وعندما اتسع نطاق الثورة ليشمل مدناً عدة داخل الدولة الواحدة وينتشر في شتى أنحاء العالم العربي، تغير موضوع الجدال ليصبح حول مكان التدخل الأميركي وزمانه، أو المشاركة الأميركية، في توجيه مسيرة هذه الثورات العربية، أو في مسيرة هذه الثورة العربية الكبرى. فالولايات المتحدة، سواء تدخلت في البداية في إشعال ثورة واستعدت لها، وهذا ثابت على كل حال إذا اعتبرنا خطاب أوباما في القاهرة بعد توليه منصب الرئاسة بستة أشهر نوعاً من التدخل بالتحريض على الديموقراطية والتغيير في الشرق الأوسط، أو لم تتدخل، فإنها لا يمكن أن تقف ساكنة وتترك الثورات لمسارات تحددها علاقات قوة بين مطالب تظاهرات هادرة وأحياناً غاضبة، وقدرة محدودة لحكومات ضعيفة على الاستجابة.

كنا نقول، وكان صحيحاً إلى حد كبير، إن الأوضاع المستقرة، أياً كان نوع الحكم، مفيدة للمصالح الأميركية، إذ في ظلها يسهل وضع خطط متوسطة الأجل تضمن مصالح أميركا ويتأكد التزام الحكومات العربية بضمان أمن إسرائيل سواء من طريق اتفاقيات صلح أو التزام الصمت ما يعني الرضا والعمل سراً لضمان أمنها. وبالفعل أمكن واشنطن إلى حد كبير التغاضي عن سلوكيات استبدادية وأنظمة حكم فاسدة وقمعية في سبيل الاستقرار. ومع ذلك ظل نشيطاً وناشطاً تيار في أميركا وفي بعض الدول العربية وبين منظماتها المدنية، يدعو إلى تشجيع قوى التغيير في المجتمعات العربية باعتبار أن المصالح والسياسات الأميركية والتحالفات مع أميركا لا يجوز أن تسلم نفسها كلية إلى حكومات ترفضها شعوبها، وباعتبار أنها ستكون آمنة أكثر لو أن الشعوب اشتركت مع الحكومات في دعمها والمحافظة عليها. بمعنى آخر، كان يمكن أن تحظى سياسات حرية السوق والقضاء على القطاع العام وتقييد دور الدولة بالنجاح لو أن الشعوب اقتنعت بها واشتركت في تبنيها.

وذهب جانب في هذا التيار إلى أن الأمر نفسه ينطبق على ضمان أمن إسرائيل. إذ انفردت السلطة في العالم العربي بتقديم هذا الالتزام، بينما بقيت الشعوب خارج الموضوع واستبعدت عن عمد وكأن الأمر لا يخصها، لذلك توافقت مصلحة أميركا والحكومات العربية في تفضيل الاستقرار على مغامرة التغيير. ومع ذلك ظل بعض أنصار التغيير من الأميركيين وأنصار التطبيع يعتقد أن الشعوب ستدخل أفواجاً لمناصرة السلام الذي يضمن أمن إسرائيل وترفض المقاومة فور أن يسمح لها بالمشاركة في صنع السياسة وتصبح طرفاً في العملية السياسية.

الآن وقد وقع التغيير وصارت الشعوب على أبواب المشاركة في صنع مستقبلها، يقول مسؤولون في الإدارة الأميركية: هل نترك لهذه الشعوب الحبل على الغارب استناداً إلى تصور نظري يعتقد أن مشاركتها في الحكم ستجعلها مؤيدة وداعمة للمصالح الأميركية وضامنة لأمن إسرائيل؟ أم نتدخل لإقناعها بالترغيب تارة وبالنصيحة تارة أخرى وبعرض المساعدة في تحقيق التحول الديموقراطي أو بوسائل شتى «ولنا خبرتنا الطويلة في هذا الشأن»؟ كتب مارك براون، وكان أميناً عاماً مساعداً للأمم المتحدة وقت صدور التقرير العربي عن التنمية الإنسانية، يقول إن الثورات العربية الراهنة تأخرت، وإن هذا التأخير تسبب في شكل ما في إثارة قلق في الولايات المتحدة من أن الحكام الجدد في العالم العربي الذين سيتولون الحكم باسم الثورة قد لا يستطيعون المحافظة على علاقات جيدة مع إسرائيل وأميركا. ويعتقد أن الديموقراطية العربية ستولد ضعيفة وستجد الحكومات الجديدة صعوبة في إصلاح الاقتصاد، وأن الثوار سيختلفون فيما بينهم فور طرد حكامهم، باعتبار أن هذا الطرد كان الهدف الوحيد الذي يتفقون عليه. وسيكون من واجب أميركا حينذاك التدخل للمساعدة سياسياً واقتصادياً.

ينصح براون الولايات المتحدة بأن تلعب الدور الذي طالما لعبته خلال الثلاثين عاماً الماضية في أعقاب كل الثورات وخلال مراحل الانتقال نحو الديموقراطية، «ولا أحد غيرها يستطيع القيام بهذا الدور». وينصح بأن تستعيد دروس الماضي حين تتعامل مع الثورات العربية، فتستعيد مثلاً درس كوري آكينو التي طردت فرديناند ماركوس من الرئاسة في الفيليبين عام 1986 ودروس الانتقال إلى الديموقراطية في أميركا اللاتينية خلال الثمانينات، ودروس الثورات ضد الشيوعية في شرق أوروبا في 1989. كلها أخذت بمبدأ التدرج في الانتقال إلى الديموقراطية، وفي تطوير علاقاتها بالولايات المتحدة.

أما أنصار إسرائيل، فما زالوا متشبثين بالشك والريبة والغطرسة. إذ بينما يرى تيار براون وأمثاله أن الديموقراطيين العرب سيكونون أشجع من المستبدين العرب في الالتزام بحماية إسرائيل وضمان أمنها وتوسعاتها، يرى ريتشارد كوهين، الكاتب الصهيوني في صحيفة «نيويورك تايمز»، والمعروف بكراهيته الشديدة للعرب، وعدائه العنصري لهم، إن الديموقراطية التي يدعو لها أوباما جاءت بالنازية في ألمانيا وجاءت بحملة شعبية واسعة النطاق ضد اليهود في بولندا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حين اعتبرهم الشعب البولندي المشارك في حكم بلاده أجانب غير مرغوب فيهم. وكعادة الصهيونيين الكارهين العرب يكرّر كوهين قصة الشيخ أمين الحسيني باعتبارها الدليل الأعظم على عداء العرب للسامية حين اختار الحسيني النظام النازي حليفاً له يساعده ضد الغزاة اليهود والمحتلين الإنكليز. وتأكيداً لكرهه العرب يعلن كوهين أن الشيخ القرضاوي هو خليفة الشيخ الحسيني في زعامة المسلمين والعرب، ويعتقد كوهين أن مصر الديموقراطية ستكون أشد برودة من مصر الديكتاتورية في علاقاتها بإسرائيل، وكذلك ستكون حكومة الأردن.

من حق الدولة العظمى أن ترعى مصالحها وتؤمنها، وقد ترى في يوم قريب أن الثورة العربية حققت هدفاً سعت إليه واشنطن، حين أدخلت بعض التغيير الذي لا يهز قواعد الاستقرار الإقليمي، وعندها ستتدخل للتشجيع بوسائل شتى لوقف الثورة وبدء مرحلة متدرجة نحو تغييرات متلاحقة تمتد عقوداً. بمعنى آخر ستحاول الولايات المتحدة فرض نفسها على مسيرة التغيير في مصر بخاصة والدول العربية بعامة. وفي اعتقادي، بل وأستطيع أن أجزم بأن مهمتها لن تكون سهلة كما يأمل مهندسو التدخل الخارجي، سواء كانوا من بين موظفي الأمم المتحدة الذين تكلفهم واشنطن للعمل مستشارين للتحول الديموقراطي وهندسة المستقبل العربي والتدخل في شؤون الدول العربية والعلاقات بينها ومزودين بتوجيهات أميركية وربما إسرائيلية، ومثلنا الأشهر هو ممثل الأمم المتحدة الأسبق في لبنان الذي اكتسب احتقار من تعامل منهم من العرب وأساء إلى سمعة المنظمة الدولية، أو كانوا من العسكريين والسياسيين الذين يهمهم في المقام الأول أمن إسرائيل وهدفهم الآن الحصول على «شرعية ثورية» لعلاقات سلام لمصلحة إسرائيل تحل محل شرعية استبداد سقط أو في طريقه إلى السقوط، ويخشون أن تكون اتفاقات السلام غير العادل والسلام المفروض التي عقدت مع حكام غير شرعيين، في طريقها هي الأخرى إلى السقوط.

أتوقع محاولات عدة من جانب الولايات المتحدة مستخدمة الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة وكذلك الاتحاد الأوروبي للتدخل لتغيير مسار ثورات وطنية رائعة وحرفها نحو ما لا نريد. أعرف أن محاولة جديدة يجرى تنفيذها حالياً، وإلا فكيف نفسر أن تكلف الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك وفداً ليزور القاهرة ويعرض المساعدة في وضع نظام انتخابي وأن يكون الشخص المكلف التحضير لهذه الزيارة مع جيمس راولي المنسق لأنشطة الأمم المتحدة في القاهرة هو روبرت دان المسؤول في مكتب الأمم المتحدة في إسرائيل عن تنسيق عملية السلام في الشرق الأوسط. مرة أخرى تخطئ واشنطن ويخطئ كبار المسؤولين في الأمم المتحدة الذين ينفذون توجيهات أميركية وإسرائيلية. هذه المرة لن ينجحوا فالثوار لم يخرجوا ويضحوا من أجل ضمان مصالح أميركا وأمن إسرائيل، وإذا هم شعروا بضغوط خارجية لتغيير المسار والأهداف أو إجهاض الثورة ستكون العلاقات العربية الأميركية هي الخاسر الأكبر.

* كاتب مصري

================

الفلسطينيون حيال تحولات المنطقة

الإثنين, 07 مارس 2011

مأمون الحسيني *

الحياة

ثمة ارتباك وتردد لدى السلطة الفلسطينية والمنظمة وفصائل العمل الوطني، تبدَّى جلياً في مسألة دعوة الحكومة إلى انتخابات بلدية، ومن ثم دعوة منظمة التحرير إلى أخرى تشريعية ورئاسية في موعد لا يتجاوز أيلول (سبتمبر) المقبل، حيث تم «التراجع الفعلي» عن هذه الدعوات بعد تأكيد الرئيس عباس، الذي اعتبرته حركة «حماس» بمثابة «فاقد للشرعية ولا يحق له أن ينظم هذه الانتخابات»، عن ضرورة شمولها الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، أي بعد موافقة «حماس»، وبعد حديث الفصائل المؤيدة لإجرائها عن ضرورة إحداث توافق وطني شامل، بما في ذلك مع حركة «حماس»، من أجل الاتفاق على شروط إجراء هذه الانتخابات بضمانات كاملة لحريتها ونزاهتها. ليتبع ذلك تقديم الكثير من المبادرات المتعلقة بإنهاء الانقسام، من نمط إعلان رئيس وزراء السلطة سلام فياض استعداده تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم «حماس» في حال الاتفاق «على ترسيم المفهوم الأمني الذي تعمل بموجبه الحركة في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة، والقائم على استبعاد العنف وسيلة لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني»، وإعلان عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» نبيل شعث، أنه سيتوجه إلى قطاع غزة، بتفويض من «القيادة الفلسطينية»، للقاء قادة «حماس» والتباحث معهم في فرص إعادة الوحدة.

في المقابل، يبدو أن حركة «حماس»، وتحت وطأة القراءة المتسرعة البائسة للمشهد العربي، الذي وضع الجميع في جوف الإعصار، وعدم القدرة على رؤية الدرس الأساسي للثورات المستجدة: رفض القمع وكم الأفواه وتدمير مقومات المجتمع المدني، قد قررت وأد المساعي الهادفة إلى تحقيق «تقدم ما» على طريق المصالحة الوطنية كافة، لا بل والقفز خطوات إضافية نحو تكريس الانقسام السياسي وتحويله إلى تقسيم جغرافي حقيقي ما بين الضفة الغربية التي تتعرض لهجوم استيطاني شبه مستدام، وبين قطاع غزة الذي يجمع المحتلون الإسرائيليون على أنه عبء أمني ينبغي التخلص منه، من دون أن تكون معنية، لا من قريب ولا من بعيد، بانهيار المفاوضات وما يسمى «العملية السياسية» وتحدي السلطة الفلسطينية السياسة الأميركية ورفض الخضوع لإملاءاتها، وضرورة التقاط هذا التطور من قبل قوى ومكونات الشعب كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية، لتشييد صرح الوحدة الوطنية، وإعادة الاعتبار للقضية والأهداف الوطنية ولوحدة الأرض والشعب والنظام السياسي الفلسطيني، ومن دون أن تلقي بالاً للفاعليات الشعبية المتصاعدة المنادية بإنهاء الانقسام وإيقاف حال النزف الداخلي، والشروع في ترتيب البيت الداخلي، بما في ذلك مجموعة التظاهرات في الوطن والشتات، ونداء نحو 80 منظمة أهلية من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

تجليات هذا القفز المتهور في لجّة تكريس الانقسام، بحثاً عن «شرعية» عزَ الحصول عليها حتى الآن، لم تقتصر على إعلان «حماس»، التي تعد لتعديل وزاري في حكومتها، رفض الدعوة إلى إجراء الانتخابات، بتنويعاتها المختلفة، بزعم أن السلطة عموماً، وحكومة فياض خصوصاً «غير شرعية»، وأن أي حل «يجب أن ينطلق من حل شامل وتصور للقضية»، بل تجاوزت هذه التجليات ذلك إلى مستوى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الخطرة، من بينها، وفق بعض المصادر الفلسطينية، عدم التعاطي مع «الورقة المصرية» كون صلاحياتها انتهت مع انهيار نظام القاهرة السابق، والتخلي عن وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) التي كانت موضع إجماع فلسطيني، والإعداد لتشكيل إطار سياسي جديد، بحيث يكون بديلاً عن منظمة التحرير في المستقبل القريب.

ومع أن أحداً لا ينتابه الشك حيال إيلاء البلدان العربية التي انتصرت فيها الثورة، وبالتحديد مصر، أو الأخرى المرشحة للسير على الطريق، قضاياها الوطنية الداخلية الأولوية القصوى في المعالجة التي يمكن أن تستمر لسنوات عدة، وكذلك حيال عدم المراهنة على انتظار المدد الإقليمي، فيما الأوضاع الفلسطينية الداخلية مقسَمة ومتهتكة وضعيفة، غير أن «حماس» التي تحاول تعويم مشروعها ما زالت، وفق المرئي من سلوكها، تفرمل أي توجه نحو فتح آفاق المصالحة بانتظار اتضاح الصورة المصرية، وتبيَن قوّة الإخوان المسلمين في المعادلة التي ستتبلور بعد الانتخابات المقررة في نهاية الفترة الانتقالية، ما يؤسس، بتقدير بعض الواهمين، لفرز جديد في موازين القوى في مصر، ومن ثم في فلسطين، ويفتح آفاقاً جديدة أمام «الشرعية المنتظرة»، وأمام المشروع السياسي والدعوي الذي يصعب، منذ الآن، تقدير توافقه مع القواسم الفلسطينية المشتركة ومشروعها الوطني التحرري.

================

في لبنان وليبيا.. إنه الاقتصاد ثم القانون الدولي

أياد ابو شقرا

الشرق الاوسط

7-3-2011

«باستطاعتنا التهرب من الحقيقة.. لكننا لا نستطيع التهرب من عواقب الحقيقة» (آين راند)

* صديق عزيز، له خبرة عميقة بالشأن الاقتصادي، قال لي، قبل بضعة أسابيع: إن غالبية التحليلات السياسية حول مستقبل الوضع في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط تستنزف نفسها بلا طائل، وإن قلة قليلة من المحللين تركز في منظورها على الأبعاد الاقتصادية، ودور الاقتصاد في معالجة أزمات محلية مباشرة، كوضع لبنان، أو إقليمية مثل الطريقة المثلى للتعامل مع طموحات إيران التوسعية.. مذهبيا ونوويا.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن أحداث الأسبوعين الأخيرين في ليبيا تدفع المراقب حقا إلى النظر بتعمق إلى ما تسوقه العواصم الغربية من كلام وذرائع حول ما يجب فعله إزاء القمع الدموي الذي يمارسه «اللانظام» الليبي ضد شعبه.. المفترض أنه هو الحاكم. ولعل أخطر ما في هذا الكلام الغربي، على الرغم من الاطمئنان على إخراج الرعايا الغربيين من ليبيا، الإصرار على هدر الوقت، ومقارنة أي سلبيات تدخل مستقبلي في ليبيا بسلبيات التدخل في العراق عام 2003.

لنبدأ بلبنان المقبل على ذكرى «14 آذار»، ذكرى الانتفاضة الشعبية المليونية العربية الأولى، التي نجحت لبضع سنوات في إسقاط النظام الأمني، قبل أن يؤدي الدعم الإقليمي الهائل له إلى إعادته إلى التحكم بالبلاد، مستفيدا من سطوة سلاح حزب الله أولا، والأخطاء التي ارتكبها أهل «انتفاضة 14 آذار» خلال الفترة الفائتة ثانيا، والتواطؤ الفاضح من بعض القوى الدولية ثالثا.

صديقي الخبير الاقتصادي قال لي ما يلي: «عندما باشر رفيق الحريري، رئيس الوزراء الأسبق المغدور، إعادة بناء لبنان بعد الحرب الأهلية الإقليمية المدمرة، كان أول ما عالجه هو الحفاظ على النظام المصرفي ودعمه استقرار الليرة اللبنانية (العملة الوطنية) بعدما كانت تقلباتها تنسف أي جهد اقتصادي فعال. وبعد جهد جهيد مشكور، ربط الليرة بالدولار الأميركي بسعر صرف يبلغ 1500 ليرة للدولار، ولقد كلف ذلك الخزينة اللبنانية مبالغ طائلة هي بعض أسباب العجز في الميزانية. ولا بد من أن يذكر هنا أن الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية كانت لفترة طويلة في حدود ال40%، وبعد جهد استقر الأمر، وساعد على ذلك تولي شخصيات عالية الكفاءة والنزاهة منصب حاكم مصرف لبنان المركزي».

وتابع صديقي قائلا: «في المخاض السياسي الحالي اختارت الأكثرية البرلمانية الجديدة الرئيس نجيب ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة، وهذا خيار ذكي؛ لما لميقاتي من مكانة وصلات بالأسواق المالية العالمية. وفي تصوري أن على قوى «14 آذار» - المعارضة الحالية - الابتعاد عن السلطة اليوم.. وترك قوى «8 آذار» تعالج أمور الحكم والتزاماته، وأهمها الأوضاع الاقتصادية والمالية. فإذا اختار ميقاتي مجابهة المجتمع الدولي - وهذا ما أستبعده - فسيواجه لبنان، ولو بعد حين، ضغوطا اقتصادية ومالية لا طاقة له بتحملها. فلبنان يعيش ويزدهر باقتصاده الحر، وإذا بدأ التضييق فإن أي هزة تتعرض لها الليرة اللبنانية ستكون مواجهتها صعبة، لا بل مستحيلة؛ لأن علينا أن نتذكر أن رواتب الموظفين ومعاشات التقاعد كلها بالليرة اللبنانية، فهل يمكن عندها تصور أي أزمة اجتماعية ستجتاح لبنان؟ ثم هذا، بوجود نجيب ميقاتي، الذي تعمل قوى «8 آذار» - مهما قالت - على إنجاحه، لكن هذا الوضع لن يطول، وقد لا يتجاوز بضعة أشهر؛ فالرعاة الإقليميون لقوى «8 آذار» لهم مصالح مباشرة. إيران - بالذات - تتطلع إلى النظام المصرفي اللبناني كمخرج لها من عزلتها، فهل سيسمح لها بذلك؟ في حين أن سورية لن تتمكن من ضبط شيء إلا بنسبة ضئيلة إذا اختل أمر العملة. أما قوى «8 آذار» فإذا ركبوا رؤوسهم، وأتوا بحكومة تضم أمثال عبد الرحيم مراد وأسامة سعد ووئام وهاب وناصر قنديل ونواب ميشال عون.. فأقل ما ننتظره الخراب، أو التقسيم الفعلي (دي فاكتو)... وعندها سيصبح مصير البلد في علم الغيب». انتهى كلام صديقي.

اليوم لبنان مثل ليبيا في عين العاصفة.

فإذا كانت ملفات الإدانة عند القضاء الدولي تتجمع في كل ساعة وكل يوم مع مواصلة ميليشيا «اللانظام» القذافي قمعها انتفاضة الشعب الليبي - عندما تسمح المصالح الاقتصادية الكبرى بالتحرك، طبعا - فإن «قوى الأمر الواقع» المسلحة فوق الأراضي اللبنانية تتحدى بدورها، علنا، المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.. مطالبة ب«تجميد» التعاون معها.

تطورات الأسبوع الماضي، لاسيما الإعلان عن أن أربعة وزراء لبنانيين رفضوا التعاون مع مكتب المحقق الدولي، وكلام رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، الذي نقلته قناة «المنار» (محطة تلفزيون حزب الله) المشكك بصدقية التحقيق، تطورات تضع لبنان، مثل ليبيا، في مواجهة الشرعية الدولية، وتهدد بجعله دولة «مارقة».

من قال إن لا ويلات مشتركة بين البلدين؛ حيث يعربد «جنرال» وميليشيا هنا.. و«عقيد» وميليشيا هناك؟!

==========================

عندما هُزم ديكتاتور تونس في عزّ جبروته بمعركتَي الحجاب والمساجد

متابعة: حسين فاروق

الأمان 28/1/2011

عكس مشهد صلاة أول جمعة (21/1/2011) تشهدها تونس بعد هروب الرئيس المخلوع ابن علي، التي حضرها التونسيون بكثافة، مدى انتشار التدين في المجتمع التونسي.

واللافت أن هذا التدين كان حاضراً بشكل واضح في السنوات الأخيرة لحكم بن علي رغم قمعه الوحشي، بل إن هذا العهد شهد في أوج تغوّله خسارة الديكتاتور السابق لمعركتين كانتا بمثابة «كسر شوكة» لسطوة نظامه، وهما ما يطلق عليهما كثير من التونسيين: معركتا «الحجاب» و«المساجد» اللتان قادتهما القاعدة الدينية في تونس، أو قطاع عريض من التونسيين المتدينين.

فعلى الرغم من القيود الأمنية الشديدة التي فرضت خلال معركتي ارتداء الحجاب ودخول المساجد، إلا أن ابن علي هزم في كلتا المعركتين، ولم تنجح آلاته الأمنية في فرض سطوتها على إرادة الشعب التونسي.

واذا كانت القاعدة الدينية قد خاضت لسنوات متتالية معركة الحجاب بصورة معروفة للداخل والخارج، وأسفرت خلال السنوات الأخيرة من حكم بن علي عن تزايد عدد المحجبات في تونس، إلا ان معركة المساجد كانت «خفيّة» الطابع، وهزت أركان نظام ابن علي بعد أن أسفرت هي الاخرى عن ازدياد عدد المصلين وخاصة من فئة الشباب.

ولا يختلف أحد في تونس على أن قطاع المتدينين في هذا البلد له حجمه الذي سيوفر له ثقلاً سياسياً مؤثراً خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة في تونس، إلا ان خبيراً سياسياً استبعد توظيف هذا القطاع لصالح أي تيار سياسي، وخاصة أنه متشعب ومتعدد التوجهات وليس حكراً على طرف دون آخر.

ليست حكراً على أحد

ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد الحمروني، في تصريحات لشبكة أون إسلام أنه «على الرغم من التأثير الواسع للقاعدة الدينية في تونس، إلا انها لن تكون حكراً على أي تيار سياسي في البلاد».

وأضاف الحمروني «إن القاعدة الدينية في تونس متشعبة، وهي ليست حكراً على تيار سياسي دون آخر، لذا فلا أعتقد أن توظيف هذه الأصوات انتخابياً سيكون لصالح طرف بعينه».

وكان ابن علي يتفنن في سنّ القوانين والمراسيم التي تهدف إلى حظر حجاب النساء واعتباره زياً «طائفياً»، وإلى أن تقلل إلى أدنى حدّ من عدد مرتادي المساجد.

معركة الحجاب

وفي عهد الديكتاتور الهارب، جندت أجهزة الدولة بكاملها لمحاربة الحجاب وتجفيف منابع التدين، فإذا كان الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة قد اكتفى بإصدار المنشور رقم 108 لمنع المحجبات، وإطلاق دعواته للتحرر منه، فإن بن علي استخدم الآلة الأمنية والعنف الشديد لتنفيذ ذلك.

ودارت «معركة الحجاب» بين القاعدة الدينية والسلطات الامنية في تونس منذ عام 2005، وبلغت ذروتها في عام 2007، حيث أمر بن علي جهازه الأمني بتكثيف ملاحقة المحجبات في الشوارع، ونزع حجابهن بالقوة أمام الجميع، في الوقت الذي كان يقف فيه المواطن أعزل عاجزاً أمام إنقاذ تلك المحجبات اللاتي يستنجدن به.

وكان لهذا القمع تأثيره العكسي، حيث نالت المحجبات تعاطفاً شعبياً واسعاً من جانب فئات واسعة في المجتمع التونسي، بما فيها غير المحجبات اللاتي أقبل الكثير منهن على ارتداء الحجاب في تلك السنوات، كرد فعل تلقائي على شعورهن بالنفور من ممارسات النظام الذي يتعامل بهذه الطريقة المهينة، بحسب الحمروني.

وعلى المستوى الحقوقي أيضاً، ثارت منظمات حقوقية داخل تونس على تلك الملاحقات الأمنية المهينة للمرأة التونسية المحجبة، ولفتت الغرب الى الممارسات غير الانسانية للمرأة التونسية المحجبة، وهو ما شكل أيضاً مسماراً في نعش هزيمة بن علي في معركة الحجاب.

ولقيت التونسيات المحجبات دعماً غير مباشر من التونسيات المحجبات في الخارج، فقد كان ملاحظاً توقف الحملات الأمنية ضد الحجاب في تونس وغيابها تماماً في فصل الصيف، موسم العودة التقليدي للتونسيين المقيمين بالخارج ومعهم الكثير من زوجاتهم المحجبات، خوفاً من تأثير ذلك على تدفق عائداتهم المالية، التي تعدّ أحد أهم مصادر العملة الصعبة للبلاد.

وهكذا، في أشد سنوات القمع والملاحقة للمحجبات، نشأت الصحوة الدينية في تونس، بعد أن نجحت المحجبات في فرض خيارهن وتحدي كل انواع التضييق، بل إن وثائق تسربت بعد سقوط ابن علي أشارت إلى صدور تقارير أمنية من أجهزته أشارت الى زيادة عدد النساء المحجبات من زوجات ضباط الأمن في تونس.

معركة المساجد

ويلفت الحمروني إلى أنه إذا كانت «معركة الحجاب» معروفة في داخل وخارج البلاد، فإن «معركة المساجد» بين سلطات الأمن والشعب التونسي، كانت «خفيّة الطابع».

فقد مارست السلطات الأمنية في عهد ابن علي أساليبها القمعية والترويعية لمنع ارتياد المساجد، فانتشرت المراقبات الأمنية والكاميرات داخل المساجد، فضلاً عن تجنيد مئات الشرطيين للتجول أمام وداخل المساجد لرصد كل تحركات المتدينين وتزويد المراكز الأمنية بتقارير دورية عن هؤلاء بأدق التفاصيل.

وكان طبيعياً أن تشمل تلك التضييقات عمليات اعتقال مستمرة للشباب التونسي الذي يرتاد المساجد، وملاحقة معارفهم وأصدقائهم وأقاربهم أمنياً، بجانب تحديد مضمون الخطب التي تلقى في المساجد مسبقاً، وكذلك منع دروس الدين فيها إلا لأشخاص معينين.

واذا كان الإشراف على المساجد يتبع وزارة الشؤون الدينية، فإن في عهد ابن علي تركت هذه المهمة لسلطات الأمن لتتدخل في كل شيء يخص المساجد والعاملين بها، بما في ذلك تحديد الأئمة.

وبالرغم من كل مظاهر القمع هذه الذي استهدفت القاعدة الدينية في معركة المساجد، إلا أن أعداد المصلين لم تتناقص، بل كان ملاحظاً للجميع أنها تزايدت في السنوات الأخيرة من حكم ابن علي، التي بدا واضحاً فيها فشله في منع المصلين من ارتياد المساجد أو تقليص عددهم.

وعلى غرار معركة الحجاب، ما لقيه الكثير من الشباب التونسي من قمع وقهر في معركة المساجد، ورفع من إصرارهم وعنادهم زاد وأثار تعاطفاً من غير المصلين، ما أدى في النهاية لنتيجة عكسية أيضاً، إذ انجذب الى المساجد أعداد أخرى من المصلين، في هزيمة واضحة لبن علي في ثاني معاركه مع القاعدة الدينية في تونس، كما يروي الحمروني.

الشعب التونسي متدين بطبعه، وهذا التدين كان موجوداً ومنتشراً، وصمد أمام حملات القمع، وإذا كان اليوم قد شهد زوال تلك القيود، وصار الشباب التونسيون يقبلون على المساجد دون خوف أو رهبة، والتونسيات يرتدين الحجاب بلا ملاحقة ولا تضييق، فإنهم جميعاً يحصدون ثمار انتصارهم في معركتي الحجاب والمساجد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ