ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
وليد
ابي مرشد الشرق
الاوسط 10-3-2011 بعد أن
بلغ تشبث العقيد معمر القذافي
المستميت ب«نعمة» حكمه المنهار حد
الاستعداد لاحتلال أرض بلاده عسكريا
وإخضاع شعبها بالقوة لسلطته، تبدو
ليبيا متجهة للتحول إلى جبهة قتال
عسكري يشرع الباب واسعا لاحتمالات
التدخل الخارجي. وقد تكون اقتراحات
التسوية التي قدمها الرئيس الفنزويلي
هوغو شافيز أول الغيث في هذا الاتجاه. الانتفاضة
الليبية بدأت تتميز عن انتفاضتي تونس
ومصر. وأي مقارنة بين الانتفاضات
الثلاث تبرر الاستنتاج بأن ما يطيل أمد
حكم القذافي في طرابلس الغرب هو افتقار
الساحة الليبية إلى عامل حسم تمتلكه،
دونها، الدولتان المجاورتان: المؤسسة
العسكرية المتماسكة والقادرة على
احتواء التصعيد الأمني في مواجهة
الشارع والسلطة. الانتفاضة
الليبية على الحكم السلطوي كانت، عند
انطلاقتها، كانتفاضتي تونس ومصر: أقرب
في طبيعتها إلى الاعتصامات الشعبية
الحاشدة منها إلى الثورة العامة على
النظام. حياد
المؤسستين العسكريتين في كل من تونس
ومصر، وصمود شارعيهما في مواجهة
تهديدات القمع بالقوة، إضافة إلى
النفس الطويل الذي تحلت به حركتا
التحرر التونسية والمصرية.. ذلك كله
حوَّل الصمود إلى قرار شعبي بتغيير
النظام في البلدين. لكن هذا التغيير
كان يمكن أن يتخذ منحًى دمويا ومأساويا
لو لم تحسم المؤسستان العسكريتان في
الدولتين، بسرعة، مصير النظام،
وتشكلا، بموقفيهما غير المسيسين، جسرا
للعبور إلى المرحلة الانتقالية
الراهنة. لأن
المؤسسة العسكرية مفقودة في ليبيا -
نظرا لانقسام الجيش من جهة، وتولي «كتائب
أمنية» موالية للقذافي مهمة قمع
الانتفاضة، من جهة أخرى - ولأن إنهاء
الحكم الديكتاتوري فيها لا يبدو
بالسهولة التي انتهى بها حكما زين
العابدين بن علي وحسني مبارك، باتت
الانتفاضة الليبية مفتوحة على احتمال
التحول إلى حرب أهلية شرسة. وبعد أن فقد
القذافي الكثير من بلداته النفطية لم
يعد مستبعدا أن يستأسد على شعبه (وخطب
العائلة القذافية تبشر بهذا الاحتمال)
وأن يزداد اعتمادا على ما تبقى تحت
سيطرته من سلاح الطيران وعلى المرتزقة
الذين تحدثت الأنباء عن استيرادهم من
بعض الدول الأفريقية. لكن
إلى متى تستطيع الأسرة العالمية،
والدول العربية بشكل خاص، تحمُّل
مشاهد سفك الدماء والبطش بالمدنيين من
دون أن تحرك ساكنا؟ دول
الغرب المتخوفة على إمداداتها النفطية
من ليبيا، وعلى تدفق النازحين إلى
أراضيها، تلجمها عن التدخل تجربتا
العراق وأفغانستان. وبينما
تنظر الجامعة العربية بحذر إلى أي تدخل
غير عربي، تبدو هي أيضا مكبلة بعبارات
تأمين إجماع عربي على أي قرار تدخل
مباشر في ليبيا. إلا أن
العواصم الأوروبية تدرك تماما أن أي
تدخل عسكري غربي، خصوصا الأميركي، في
الحرب الليبية، من شأنه أن يشق صفوف
الانتفاضة الليبية ويحمل بعض فصائلها
على توجيه بنادقهم باتجاه الأميركيين
بدلا من مرتزقة القذافي. وفي هذا
السياق قد ينفع التذكير بأن لليبيا
تاريخا «جهاديا» معروفا جسده عمر
المختار في حربه على الاستعمار
الإيطالي لبلاده، وأن «الجهاديين»
الليبيين كانوا من أبرز المقاتلين ضد
التدخل العسكري الأميركي في العراق. (مؤسسة
«وست بوينت» الأميركية لمكافحة
الإرهاب قدرت عددهم، عام 2008، بما يعادل
خُمس مجموع «الجهاديين» الأجانب في
العراق). على
خلفية هذا الوضع المعقد، من الأسلم ترك
الانتفاضة الليبية لليبيين وحدهم. إلا
أن ذلك لا يمنع الجامعة العربية من
التحرك على صعيدين، الأول: دعوة الأسرة
الدولية إلى الاعتراف بالمجلس الوطني
الليبي والتعامل معه كممثل شرعي
لليبيا، والثاني: دعوة مجلس الأمن
لإضفاء شرعية دولية على مطالبة
الانتفاضة الليبية بفرض حظر جوي على كل
ليبيا لمنع نظام القذافي من نقل
المرتزقة الأفارقة، جوا، إلى طرابلس
والغرب، وللحيلولة دون مواصلة طيرانه
قصف المناطق والمدن المحررة في شرقي
ليبيا. ====================== ديانا
مقلد الشرق
الاوسط 10-3-2011 في
الأسابيع الأخيرة، انشغل معلقون في
الغرب، وفي الولايات المتحدة تحديدا،
في نقاش جوهره: كيف سمحت التقنيات التي
أنتجتها حداثة الغرب، وتحديدا موقعا
التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيس بوك»
في تزخيم حركات التغيير في العالم
العربي. لقد
نسبت صناعة الإنترنت الأميركية لنفسها
السبب في قلب نظامي حسني مبارك وزين
العابدين بن علي. ما
يلفت في هذه النقاشات، فضلا عن جهلها
بالتمايزات بين مجتمعات الشرق الأوسط
وبنيتها، أنها أهملت دور موقع «ويكيليكس»
في كشف كثير من الوثائق الدبلوماسية،
وهو أمر لا ينبغي تجاوزه لدى البحث في
أسباب الحراك الجماهيري الذي حدث. فبفضل
وثائق «ويكيليكس» تمكن التونسيون من
قراءة حقائق عن فساد النظام الذي
يقمعهم، والموقع نفسه سمح للمصريين
بأن يطلعوا على تفاصيل سرية عن نظامهم
لا تقل فضائحية. مع ذلك
فإن دور «ويكيليكس» و«تويتر» و«فيس
بوك» مجتمعة، قد يبدو باهتا أو أقل
سطوة ربما أمام دور الفضائيات
الإخبارية، وتحديدا قناتا «الجزيرة» و«العربية»..
فملايين العرب ليس بمقدورهم أن
يستخدموا تلك المواقع الإلكترونية،
لكنهم جميعا يشاهدون التلفزيون
والفضائيات. وهنا يفيد ربما الاستدلال
بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري
كلينتون التي اعترفت قبل أيام بأن
بلادها تخسر حرب المعلومات، فكلينتون
انتقدت بقسوة الإعلام الأميركي وسطحية
مقاربته واهتماماته، بينما كالت
المديح لقناة «الجزيرة»، خصوصا الخدمة
الإنجليزية منها، معتبرة أنها تقدم «أخبارا
حقيقية». إذا
كانت التقنيات الأميركية قد أسهمت
بطريقة أو بأخرى عبر مواقع التواصل
الاجتماعي في تزخيم التحرك الجماهيري
وتنمية حركات التغيير والاحتجاج
العربية فإن الأمر نفسه لا يصح البتة
على وسائل الإعلام الغربية والأميركية
تحديدا، ولا يعود الأمر فقط لكون
التيار الغالب من العرب لا يشاهد تلك
القنوات أو أن تلك القنوات لا تتوجه
إليه بالأصل. لقد
طغت على مقاربات ذلك الإعلام للثورة في
مصر وتونس الرؤية الإعلامية الأميركية
للعالم بصفته عالما ينقسم بين خير وشر،
تماما كما هي الأفلام الأميركية، فيها
بطل مقدام يحارب عدوا شريرا، لكن البطل
ينتصر في النهاية. فالإعلام الأميركي
أو التيار السائد فيه يعكس الطريقة
الأميركية في رؤية وفهم العالم من خلال
عدسة وطنية تبعا للمفهوم الأميركي،
وهنا يصح التذكير بأن السيدة كلينتون
وهي تمتدح «الجزيرة» قد فاتها ربما أن
بلادها لا تزال تقيد بث هذه القناة،
بينما هي تنتقد سياسات الرقابة والمنع
التي تمارس في بلد كإيران مثلا.. قد
يكون بمقدور «العقل التقني» الأميركي
الحديث أن ينسب لنفسه، وعن حق، دورا في
مشهد التغيير الكبير والهائل الذي حدث
في الشرق الأوسط، لكن هذه الثورات وكما
تحتاج إلى تقنيات مسهلة وداعمة
للتواصل فهي تحتاج صدى لرأيها ونقاشا
وسعة صدر لا انحياز فيها، إذ لا يمكن
تغطية ثورات عربية وزاوية التركيز
تكاد تنحصر بمدى أثرها على إسرائيل
ومصير العلاقة معها.. ثم إن
سؤالا أخلاقيا بدأ يطرح على وسائل
الإعلام الغربية، وهو سؤال مواز لسؤال
بدأ يطرح على الحكومات الغربية أيضا
يتمثل في سكوتها عن معدلات الفساد
والاستبداد الهائلة التي كشفها سقوط
نظامين حتى الآن.. ====================== الخميس,
10 مارس 2011 عمرو
حمزاوي * الحياة صنعنا
جميعاً، مصريات ومصريين، ثورة عظيمة
ونقف اليوم أمام استحقاقاتها بمزيج
مشروع من الأمل والخوف. ملايين
المواطنين الذين تظاهروا واعتصموا على
امتداد الجمهورية خلال الأسابيع
الماضية وملايين ممن تعاطفوا مع مطالب
ثورة 25 يناير وطابعها السلمي يأملون
اليوم بالقضاء التام على النظام
السلطوي الفاسد الذي حكم البلاد خلال
العقود الماضية ويرون أن الفرصة باتت
سانحة لبناء مصر الديموقراطية
والعادلة والمتقدمة، ويتخوفون في ذات
الوقت من احتمالات الإخفاق في إدارة
الانتقال الديموقراطي والانتكاس إلى
القديم السلطوي. لجدل
الأمل والخوف هذا الكثير من
الاعتبارات التي تبرره. فثورة 25 يناير
العظيمة أعادت المواطنين إلى صدارة
المشهد المصري واستعادت لهم الشارع
كساحة للفعل السياسي الحر ولإدارة
الصراع مع مؤسسات الدولة بعد أن أعطبت
دورهم منظومة القمع الأمني بشقيها
الرسمي وغير الرسمي. نجحت الثورة أيضاً
في التخلص من الرئيس حسني مبارك
وأجبرته على التنحي وأبعدت بعض
المتحلقين حوله وحول أسرته من سياسيين
وأصحاب أعمال وتكنوقراط فاسدين ودفعت
بعضهم إلى ساحات القضاء في بداية عملية
لملف شديد التعقيد لمحاسبة المسؤولين
السابقين. ثم جاءت إرادة المواطنين
الجماعية بوضع الدكتور عصام شرف، أحد
المسؤولين السابقين القلائل الذين
تظاهروا واعتصموا منذ بدء الثورة، على
رأس مجلس الوزراء، ومنحت حكومته شرعية
الوجود كحكومة الثورة المؤيدة من
القوى الوطنية. إلا أن
الثورة، ناهيك عن الاحتجاجات الفئوية
والمهنية والتوترات الطائفية التي
تصبغ صفحة الوطن وتعمق من الانفلات
الأمني وتعطل الدورة الاقتصادية على
نحو كارثي، ما زالت تفتقد إلى اليوم
صيغة دستورية وقانونية وسياسية واضحة
تحدد ملامح الانتقال الديموقراطي ليس
فقط لأشهر قليلة قادمة، بل للسنوات
الخمس المقبلة. فالمجلس الأعلى للقوات
المسلحة عطل العمل بدستور 1971 حين تولى
إدارة شؤون البلاد بعد تنحي مبارك، إلا
أنه لم يسقط الدستور المعيب الذي كرس
السلطوية، وشكل لجنة قانونية لاقتراح
تعديل بعض مواده وسيعيد له الحياة إذا
قبلت غالبية المواطنين التعديلات
المقترحة في الاستفتاء العام المقرر (إلى
الآن) إجراؤه في 19 من الشهر الجاري. لا
يصلح دستور 1971 للتأسيس لانتقال
ديموقراطي آمن ولا يصلح لأن ينتخب على
أساسه رئيس الجمهورية القادم
والبرلمان الجديد نظراً لإعطائه رئيس
الجمهورية صلاحيات مطلقة وإضعافه
البيّن لمبادئ مساءلة ومحاسبة الرئيس
وانتقاصه من سلطات الهيئات التشريعية
والقضائية في مقابل تقوية السلطة
التنفيذية. إذا وافقت غالبية
المواطنين على التعديلات في الاستفتاء
ستعاد الحياة إلى دستور معيب، ويباعد
بذلك بين مصر وبين الشروع الفوري في
انتخاب (أو انتخاب وتعيين) هيئة
تأسيسية لصياغة دستور جديد يتم وفقاً
له انتخاب الرئيس والبرلمان. وتزداد
خطورة هذا الأمر حين يقرأ بعناية ودقة
نص التعديل الدستوري الخاص بقيام
الرئيس والبرلمان بعد الانتخابات
بتشكيل هيئة تأسيسية لصياغة دستور
جديد لمصر. فللرئيس (مع موافقة مجلس
الوزراء) وللبرلمان حق تشكيل الهيئة إن
توافقا على ذلك، إلا أنهما ليسا ملزمين
بتشكيلها، وهو ما يعني حال انتخاب رئيس
يريد استمرار العمل بدستور 1971 وبرلمان
لأغلبيته ذات التوجه أن التحايل على
مطلب الدستور الجديد قد يستمر لسنوات
مقبلة. ما
زلنا نفتقد أيضاً صيغة سياسية تطمئن
المصريين الى أن الانتقال الديموقراطي
لن يتعثر. المجلس الأعلى للقوات
المسلحة يقترح كجدول زمني أن يتم إجراء
الانتخابات البرلمانية خلال الأشهر
القليلة المقبلة ثم تتبعها الانتخابات
الرئاسية، بينما يفضل طيف واسع من
القوى الوطنية والشخصيات العامة
المؤثرة جدولة معكوسة. والحقيقة أن
إجراء الانتخابات البرلمانية خلال
أشهر قليلة سيعني عملياً أن القوتين
المتنافستين بفاعلية ستكونان بقايا
الحزب الوطني الديموقراطي (النشطة
للغاية خارج المدن) وجماعة «الإخوان
المسلمين» التي اعتادت العمل
الانتخابي وتتمتع بقوة تنظيمية لا
يستهان بها. أما القوى الأخرى، من
أحزاب مسجلة وحركات شبابية تسعى مع
شخصيات عامة لتنظيم صفوفها في كيانات
حزبية جديدة، فستجد صعوبة بالغة في
المنافسة إن لضعف إمكاناتها التنظيمية
أو لعدم توافر مساحة زمنية كافية للعمل
الجماهيري والتعبئة. وترتبط
بالانتخابات البرلمانية وبموعدها
قضايا أخرى شديدة الأهمية كإطلاق حرية
تكوين الأحزاب، وهذه ما زال المصريون
ينتظرون أن يتم النص عليها في قانون
جديد للأحزاب السياسية، وتحديد النظام
الانتخابي الذي سيعمل به، وإن كنا
سنستمر على النظام الفردي (الكارثي في
نتائجه والمكرس على الأرجح لهيمنة
بقايا الوطني و «الإخوان») أم سننتخب
وفقاً لنظام القائمة النسبية (الحزبية)
الأكثر توازناً مع إتاحة هامش
للمستقلين. ناهيك عن تفاصيل عمليات
الانتخاب والإشراف القضائي والرقابة
المدنية عليها، من تنقية الجداول
الانتخابية واعتماد الانتخاب ببطاقة
الرقم القومي ووفقاً لقاعدة البيانات
المرتبطة بها، مروراً بشروط الإشراف
القضائي إلى قضايا الرقابة الداخلية
والدولية. كما أن
تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى ما
بعد إجراء الانتخابات الرئاسية يعرّض
البلاد لخطر انفراد رئيس جديد، مطلق
الصلاحيات إن كانت مصر حينها ما زالت
في معية دستور 1971، بالسلطة من دون
رقابة من قبل هيئات تشريعية منتخبة.
وربما كان أحد الضمانات الممكن
اقتراحها هنا، إن فشلت القوى الوطنية
الراغبة في صياغة دستور جديد قبل
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في
فرض هذا الخيار، أن يُلزم الرئيس
الجديد وبصورة قاطعة في التعديلات
المقترحة على دستور 1971 بتشكيل هيئة
تأسيسية لصياغة الدستور الجديد بعد
انتخابه مباشرة. كذلك يمكن أن يُلزم
الرئيس بتعيين مجلس استشاري من ممثلين
عن القوى الوطنية والحركات الشبابية
والشخصيات العامة يدير معه مهام
الانتقال الديموقراطي إلى أن ينتخب
البرلمان. تلك
عيّنة من التحديات الكبرى والتفاصيل
الشائكة التي نواجهها اليوم في مصر
ونحن نسعى لإدارة انتقال ديموقراطي
آمن، وهي عيّنة يمكن أن تضاف إليها
قضايا من شاكلة إعادة هيكلة الأجهزة
الأمنية والعدالة الانتقالية لمحاسبة
المتورطين في الفساد وانتهاكات حقوق
الإنسان وإخراج مؤسسات الدولة من إرث
السلطوية الذي جثم عليها لعقود طويلة
وغيرها. ====================== الخميس,
10 مارس 2011 حسان
حيدر الحياة تعارض
الصين المسعى الاوروبي والأميركي لفرض
منطقة حظر جوي على ليبيا، متذرعة
بضرورة احترام سيادة هذا البلد. لكن في
خلفية هذا التحفظ تكمن على الأرجح
محاولة للدفاع عن النفس، اذ ترى بكين
ان الدول العربية التي شهدت انتفاضات
ناجحة وتلك التي لا تزال تشهد محاولات
للتغيير، تبنت جميعها «النموذج الصيني»،
اي المزج بين الانفتاح الاقتصادي
والتشدد الأمني والاجتماعي، وتخشى من
ان تصل العدوى الى حدودها مستفيدة من
التفاوت الهائل في المستوى المعيشي
بين الصينيين. وعملياً،
فإن الاميركيين الذين يقودون اليوم
بشكل غير مباشر مسار التغيير في الشرق
الاوسط، يفعلون ذلك وعينهم على الصين
نفسها، لانهم يرون فيها وريثاً لحال
الاستقطاب السوفياتية السابقة (مثلما
تُظهر الحماية الصينية لنظام كوريا
الشمالية وتحالفات بكين في افريقيا
ومواقفها المؤيدة لايران)، ومنافساً
ناجحاً في الاقتصاد والمال، وساعياً
دؤوباً الى التوازن العسكري يهدد
زعامة الاميركيين المنفردة للعالم،
خصوصاً ان اجمالي الناتج الداخلي
للصين في 2010 تجاوز اليابان وحلّ في
المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات
المتحدة، ويرجح خبراء انه سيبلغ
المرتبة الاولى في غضون عشر سنوات. وتعتبر
واشنطن ان اسقاط «البيادق الصغيرة»
التي اعتمدت الطريقة الصينية يساعد في
عزل بكين وتقليص نفوذها ويحد من سعيها
الى التوسع في الاسواق الناشئة وتوفير
الطاقة النفطية، وهي كانت ترى في
النظامين التونسي والمصري السابقين
نسختين «طبق الأصل» عن النظام الصيني،
فكلاهما تبنى الانفتاح الاقتصادي غير
المضبوط، وكلاهما اقام منظومة أمنية
وقمعية فاعلة لحماية جوقة المنتفعين
والشرائح الوليدة من الاثرياء الجدد
الذين لا يخضعون لأي محاسبة، أي انهما
غرقا في الفساد الذي يزدهر في ظل غياب
الحريات السياسية التي يتطلبها اي
نظام مساءلة. ولعل
هذا ما يفسر اصدار السلطات الصينية
تعليمات الى وسائل الاعلام الرسمية
بالامتناع عن تغطية تطورات الثورة
المصرية من وكالات الانباء والمصادر
الاخرى والاكتفاء بالاخبار والصور
التي توزعها هي عليها. كما يفسر ايضاً
التحذيرات التي وجهتها الى سكان
العاصمة بكين من تلبية الدعوات التي
ظهرت على المواقع الالكترونية للتجمع
والتظاهر، معتبرة ان الهدف منها «التسبب
في الفوضى»، وارفقتها بانتشار كثيف
لعناصر الامن، داعية الصينيين الى ان «يحموا
الانسجام والاستقرار بدلاً من السماح
لمجموعة من الاشخاص خارج الصين
وداخلها باستغلال المشاكل في تطورنا
والتسبب في اضطرابات». ومع ان
بكين اعترفت على لسان رئيس وزرائها
ومسؤولين آخرين بوجود استياء لدى
السكان، إلا انها عزت ذلك الى التضخم
وارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية،
اللذين ربطتهما بالرغبة في تحقيق نمو
مرتفع ووعدت بايجاد حلول دائمة لهما،
متجاهلة تماماً ان تكون لهذا الاستياء
علاقة بالحريات السياسية وبالنمو غير
المتوازن الذي انتج طبقة من اصحاب
الملايين في المدن الرئيسية بينما
بقيت غالبية سكان الارياف تعيش عند خط
الفقر. ومع ان
التحركات واعمال الاحتجاج المتفرقة لم
تصل الى حد تهديد النظام الصيني ولو من
بعيد، إلا ان استمرار بكين في تجاهل
متطلبات التحول الى قوة عظمى تنافس
الغرب، والاميركي خصوصاً، يعني انها
لم تستفد من تجربة الاتحاد السوفياتي
الذي وضع في يد اعدائه الايديولوجيين
ورقة الحريات وحقوق الانسان الثمينة. ===================== لا
استبداد بعد اليوم.. بداية نهاية
الطغاة احمد
السنوسي 2011-03-09 القدس
العربي القذافي
هذا المخلوق الذي تجرَّد من انسانيته
بشكل مطلق، وراهن على العتاد العسكري
الثقيل وفلول المرتزقة من أجل إفناء
أبناء شعبه وترهيب 'الحلفاء' الذين
تحملوا نظامه الدموي الرهيب لمدة تفوق
العقدين من الزمن مقابل براميل النفط،
وذلك بالتلويح بفزاعات لم تعد تخيف
أحداً، من قبيل 'الاسلام السياسي'
وهجرة المعذبين في الارض الافريقية
نحو 'الفردوس' الاوروبي المزعوم. لقد
تبخّرت ترسانة الديكتاتور من رصيده في
المحاججة وتوفير ولو مبرر واحد
لاستمراره ملكاً للملوك، اختزل البلاد
كلها في شخصه وربط مصيره بمصيرها وأدمن
اليقين بأن الشعب يموت حباً فيه، وأن
العالم من أقصاه الى أقصاه سيهب
لإنقاذه من 'الجرذان' المتربصة بسلطته،
التي انتزعها خارج أي شرعية وضداً لكل
المرجعيات السياسية المتعارف عليها
عالميا، بل انه تفرغ لأكثر من أربعين
عاماً من أجل محو ذاكرة الشعب الليبي
من قيم الديمقراطية والحريات الفردية
والجماعية، وأطّر الشعب بعصابات 'ثورية'
تحصي الأنفاس وتستبيح المحظورات، بعد
ان أثّتّ الفضاء الليبي بضجيج
الشعارات المنقولة من تراث الانظمة
الشمولية البائدة وأدبيات الاستبداد،
وبذل العطاء لمئات 'البحاثة'، عن
الدولار، المرتزقة من مختلف انحاء
العالم، يحلون ضيوفاً عليه كل سنة في
مهرجان هزلي، هو عبارة عن سوق للمديح
والتغزل في محاسن ومفاتن 'النظرية
الثالثة'، وفي الدرر الثمينة المنشورة
في 'الكتاب الأخضر'، الذي هو عبارة عن
مجرد دفتر تمارين انشائية تافهة
اقترفها تلميذ يعاني من شرود الذهن
ومصاعب جمّة في الادراك والفهم
واستيعاب الأفكار. خارج
كل القيم، ترَّبع مستبدون عرب على عروش
مقرصنة بمباركة 'الديمقراطيات'
الغربية التي تناهض الاستبداد على
ارضها، لكنها ترتضيه لشعوب العرب،
بمنطق حساب الربح والخسارة، لكن عرب
الثورة نجحوا في تصحيح هذا الخلل
العميق عبر اعادة ترتيب الاولويات،
وسَنّ ضوابط سلوك جديد يجعل من الشعوب
المحاور الأول والاخير مستقبلاً،
بعيداً عن الممارسات الممجوجة التي
تحاك كالمؤامرات في الكواليس مقابل
عمولات وأتاوات تعمّق من مأساة النهب
المنهجي لثروات الشعوب. ومن مأساة نهب
حقها في الحياة الكريمة، بعد ان ظلت
الكرامة حلالاً مباحاً على شعوب
الغرب، وحراماً محظوراً على شعوب
العرب، لكن بداية النهاية دقت بالنسبة
لهذا الوضع اللاأخلاقي المشين بعد ان
عرفت الشعوب طريقها الى شارع الاحتجاج
وانتصرت على الخوف وما صحَّ على ثوار
تونس ومصر سيصحّ على شعب ليبيا المكلوم
بطاغية الطغاة المتعطش للدماء، وهو ما
سيصح ايضاً على باقي الحلقات العربية
التي تنتظر دورها في اجواء التوجس
والرعب من الزحف الثوري الذي لن يتوقف.
رغم ان الديكتاتوريات العربية تراهن
على فشل الثورة الليبية من اجل تخويف
شعوبها، بل ان بعضها دفع بجيش 'فقهائها'
الرسميين الى اصدار فتوى تحرّم
بموجبها الاحتجاج، فيما لم يسبق لهم
ابدا ان افتوا سوى بالسكون والرضوخ
للطاغية، مهما بلغت درجة فسقه
ولصوصيته واعتدائه على الحرمات وفساده
المبين الذي ما بعده من فساد. تعاني
شعوب اوروبا من عقدة دفينة، لانها حصلت
على تحررها بالوكالة، لكون الانظمة
التي كانت تحكمها تواطأت مع الغزو
النازي او قللت من شأنه او انغمست في
حسابات وهمية حول معايير الربح
والخسارة، فخسر الجميع. وحين
اندلعت حرب الخليج الاولى والثانية،
وحاولت فرنسا آنذاك ان تحتفظ
باستقلالية قرارها حول الانخراط
العدواني الهمجي الامريكي ضد شعب
العراق، سارعت واشنطن بمكر ودهاء الى
تذكير فرنسا بان الامريكيين ماتوا من
اجلها، نيابة عن شعبها المستسلم
المغلوب على أمره. لا
يعبر الشعب الفرنسي اليوم صراحة عن
تبعات هذه الاهانة التي يرفعها 'العم
سام' كسيف دمقليس مسلط على رقابه.
ولكنها في الحقيقة ضريبة شعوب لم تملك
من الشجاعة ما يكفي من اجل ان تسقي
ارضها مقاومة طاهرة تمكنها من امتلاك
ثورتها من دون الحاجة الى تقديم فروض
الامتنان والولاء لقوى خارجية. لم يخف
هذا الاشكال وتبعاته على الشعبين
التونسي والمصري اللذين انجزا ثورة
شعبية خارج 'الروموت كونترول' الامريكي
وحتى الاوروبي، لكن تحريك الرئيس
الامريكي لأساطيله وسفنه وطائراته
بمحاذاة الوطن الليبي وسواحله يحذرنا
من تكرار السيناريو الاوروبي وتبعاته
المؤلمة التي تخطط لكي تكون الثورة
الليبية مرهونة الى الابد بالتدخل
الخارجي، في صورة هبة امريكية منقذة من
خلال استبداد القذافي وعائلته
المتسيبة ذات النكهة المافيوزية
الواضحة للعيان، التي لجأت الى حيلة
ممزوجة وفاشلة لم تعط اكلها في اي مكان
آخر في العالم، اي لعبة تدويل الأزمة
من اجل تعويمها والاطالة في عمرها حتى
تضطر الدول الاجنبية الغازية الى
التعامل مع النظام الاستبدادي في
انتظار نفاد صلاحيته واندثار اثره،
وهي كلها اشواط اضافية سيسعى من خلالها
الاستبداد الى اعادة توزيع الادوار
ولعب ورقة التشرذم القبلي وركوب كل
عاهات المجتمع التي أفرزتها جماهيرية
ديكتاتورية، لم يكن لها ان تعيش لولا
شرايين النفط الممزوج بدماء الليبيين
الاحرار الذي يغذي معاصي دماء الشعوب
من لندن، اسرائيل، باريس وواشنطن. الكثيرون
اليوم يتحّينون الفرصة لدخول رقعة
الملعب الليبي كأبطال يحسمون نتيجة
الثورة ضد استبداد القذافي ومرتزقته،
ويجنون ثمارها البهية ويعملون على
اعادة انتاج سيناريو يتحكم فيه
قذافيون جدد يحملون خاتم سليمان
الامريكي، قادرين على التوقيع لاوباما
ومركبه الصناعي العسكري
على شيك على بياض من اجل ابرام زواج
ظالم واستغلالي بين ثروة الشعب الليبي
النفطية وشركات الجشع الامريكي التي
لم تخض حرباً الا وفاحت منها رائحة
الذهب الاسود الملون بمعاناة وأنين
الشعوب... لكن
زمن استضعاف الامم ولىَّ الى غير رجعة..
وثورة الشعب الليبي العظيم ستكون
استثناء في المحيط العربي الثوري
الهائج بالآمال والتطلعات التحررية ضد
الطغاة وضد كل الاطماع الخارجية،
شعارها في ذلك: لا استبداد بعد اليوم. '
فنان وكاتب مغربي ==================== طبيعة
الثورة العربية: تونس ومصر وليبيا د.
بشير موسى نافع 2011-03-09 القدس
العربي ثمة
جدل متصل حول الثورات التي اجتاحت
العالم العربي خلال الشهرين الماضيين،
جدل يتعلق بطبيعة هذه الثورات، بما إن
كان يمكن أصلاً وصفها بالثورات، وبما
إن كانت في الحالتين التونسية
والمصرية على الأقل قد أنجزت أهدافها.
ولأن للثورات سجلاً في التاريخ
الحديث، متفقا عليه بهذا القدر أو ذاك،
فلا مفر من مقارنة الثورات العربية
بسابقاتها في العالم، بدءاً بالثورة
الفرنسية ووصولاً إلى الثورة
الإيرانية. شهدت
الثورة الفرنسية، مثلاً، حراكاً
شعبياً هائلاً، يرى الآن من زاوية
الصراع الطبقي في مجتمع نهايات القرن
الثامن عشر الفرنسي وصعود الطبقة
الوسطى. وبالرغم من أن الثورة الفرنسية
أطاحت بالملكية وسلطة الكنيسة، وشهدت
فصولاً دموية وإرهاباً واسع النطاق،
لم تستطع في النهاية أن تؤسس لاستقرار
سياسي في فرنسا، التي وقعت فريسة
لأحلام إمبراطورية، وحروب أوروبية
عاصفة، وانتقالات متتالية من النظام
الإمبراطوري إلى النظام الجمهوري. في
منتصف القرن التاسع عشر، شهدت أوروبا
موجة واسعة من الثورات، ولكن هذه
الثورات لم تحقق إنجازات ملموسة
مباشرة، وإن تركت أثراً بطيئاً
وبعيداً على عملية التحول الديمقراطي
في أنحاء القارة. وليس هناك ثمة شك في
أن الثورة الروسية في 1917 أصبحت علامة
بارزة في تاريخ الثورات، وأنها طبعت
القرن العشرين بطابعها، ليس فقط لعمق
أثرها على مجتمعات الإمبراطورية
الروسية، ولكن أيضاً للدور الذي لعبه
النظام الشيوعي في توازنات القوى
العالمية. انطلقت الثورة الروسية من
عبء الهزائم الروسية الثقيلة في الحرب
العالمية الأولى، ومن تفاقم سيطرة
نظام طبقي استبدادي وكنيسة وثيقة
الصلة به. وبالرغم من أن التوجهات
المبكرة للثورة كانت ديمقراطية
بامتياز إلا أن التنظيم المحكم
للبلاشفة، الذين كانوا مجرد مجموعة
صغيرة في صفوف الثائرين، ساعدهم في
النهاية على السيطرة على مقدرات
الثورة والبلاد. وربما شهدت الثورة
الإيرانية في 1979 تحولاً شبيهاً في
مقدرات الثورة عندما حققت القوى
الإسلامية الأكثر تنظيماً صعوداً
حثيثاً خلال شهور الثورة الطويلة
والدموية، لتنجح في النهاية في إقامة
الجمهورية الإسلامية وتهميش كافة
التيارات السياسية الأخرى التي شاركت
في الثورة. طرحت
الثورة الفرنسية شعارات وأسست لقيم
جديدة في مجالات السياسة والحكم
والاجتماع؛ ولكن من الصعب القول أن
الثورة كانت نتاجاً أو انعكاساً
لمنظومة أيديولوجية محكمة. مهما كان
الأمر، فإن عصر الأيديولوجيات الحديثة
لم يكن قد تبلور بعد. أما الثورة
الروسية في طورها البلشفي والثورة
الإيرانية في طورها الإسلامي فكانتا
ثورتين أيديولوجيتين بامتياز. في كلتا
الحالتين، عمل المحتوى الأيديولوجي
للثورة، والعنف واسع النطاق الذي
فجرته، على إطاحة نظام الحكم السابق
وتقويض بنية الدولة التي استند إليها
نظام الحكم. وسرعان ما عمل الثوريون
المنتصرون على إقامة دولة جديدة، دولة
شيوعية في الحالة الروسية ودولة
إسلامية في الحالة الإيرانية، أظهرت
كلتاهما قدرة أعلى على التحكم
والسيطرة، بل وعلى توظيف أدوات عنف
الدولة لتدمير القوى المعارضة وتأسيس
حكم أيديولوجي، شمولي. ولكن الموجة
الثورية الأوروبية الديمقراطية في
السبعينات (أسبانيا والبرتغال) ونهاية
الثمانينات (دول الكتلة الشيوعية
السابقة)، فكانت مختلفة إلى كبير. هنا،
اتسمت الثورات الأوروبية بطابع سلمي
نسبي؛ وبالرغم من أنها جميعاً استلهمت
النظام الليبرالي الرأسمالي، إلى أنها
لم تستند إلى مفاهيم أيديولوجية
محكمة، بل إلى مجموعة قيم سياسية. وقد
انتهت جميعها تقريباً إلى أنظمة
ديمقراطية ذات محتويات اجتماعية
متفاوتة، أفسحت مجالاً حتى للأحزاب
الشيوعية السابقة، التي استطاع بعضها،
منفرداً أم متآلفاً، في بعض الحالات
العودة إلى الحكم. ليست
هناك ثورة جماهيرية هي صورة عن الأخرى،
وإن اشتركت أحياناً في سمة ما أو عدد من
السمات. وربما كان المشترك في أعلى
مستوياته بين ثورات نهاية الثمانينات
الأوروبية، نظراً لأنها جميعها كانت
ثورات على أنظمة الحزب الشيوعي، أنها
استهدفت إنجاز التحول الديمقراطي
والانضواء في المنظومة الأوروبية
الليبرالية. وسيكون من الخطأ الفادح
النظر إلى سلسلة الثورات العربية،
سواء تلك التي حققت بعضاً من أهدافها،
أو تلك التي لم تزل في طريق التحقق،
باعتبارها نسخة من الثورات السابقة،
أو تقييمها على أساس من المعايير
المستمدة من موجات الثورة السابقة في
العالم. ربما
من الضروري في البداية ملاحظة التشابه
الكبير بين المناخات السياسية
والاجتماعية التي ولدت موجة الثورات
العربية، من جهة سيطرة أنظمة مستبدة،
وتحكم قلة صغيرة في مقادير الحكم
والثروة، والانتشار الفادح للفساد،
والإهانة العميقة التي أوقعتها هذه
الأنظمة بروح الشعب والكرامة العربية.
كما أن من الضروري ملاحظة الشعور
العربي المشترك بالوحدة، بالرغم من
الانقسام السياسي العربي العميق ورسوخ
أقدام الدولة القطرية. كلا العاملين
لعبا دوراً فاعلاً في إطلاق سلسلة
الثورات العربية، من تونس إلى مصر، ومن
ليبيا إلى اليمن. والواضح أن الثورات
العربية ليست ثورات طبقية بأي حال من
الأحوال؛ بمعنى أنها ثورات ما بعد
النموذج الماركسي التحليلي. الاعتقاد
بأن هذه ثورات الفقراء والمحرومين ليس
أقل خطاً من الاعتقاد الشائع بأنها
ثورات الطبقة الوسطى. خرج التونسيون
والمصريون، ويقاتل الليبيون ويتظاهر
اليمنيون، في عمومهم، بغض النظر عن
الفئة الصغيرة التي أطلقت شرارة
الثورة في كل حالة من الحالات. وهذه
أيضاً ثورات ما بعد الأيديولوجيا،
بمعنى أنها لا تستند إلى مرجعية
أيديولوجية قاطعة. ما تستهدفه الثورات
العربية هو إعلاء منظومة من القيم
السياسية والاجتماعية، منظومة لا
يختلف عليها حزب أو تيار، وتجمع بين
طموحات المجتمع الإنساني كله، ابتداء
من المطالبة بمزيد من الحرية، إقامة
نظام سياسي ديمقراطي وتعددي، مواجهة
الفساد، وسيادة حكم القانون. بيد أن
مسارات الثورات العربية ستختلف
بالتأكيد، على الأقل في المدى القصير،
نظراً للتباينات الاجتماعية
والثقافية بين هذه المنطقة العربية
وتلك، ونظراً للاختلافات بين أنظمة
الحكم وبنى الدول القطرية. انطلقت
الثورة التونسية من مدن الوسط، واتسعت
سريعاً نحو الجنوب والشمال. وكما كان
متوقعاً، لم تستطع إطاحة بن علي إلا
بعد أن وصلت إلى العاصمة التونسية.
ولكن الثورة المصرية انطلقت بداية في
العاصمة، واتسعت خلال أيام قليلة إلى
كافة مدن البلاد. وفي كل من تونس ومصر،
لعب الجيش دوراً رئيسياً في إطاحة
الرئيس السابق، عندما أصبح واضحاً أن
مؤسسات التحكم الأخرى للنظام قد
انهارت وأن على الجيش أن يختار بين
الحفاظ على الدولة والحفاظ على نظام
الحكم. في تونس، ابتعد الجيش عن ممارسة
السلطة والحكم، ووفر للسياسيين
المدنيين فرصة قيادة البلاد في
المرحلة الانتقالية. أما في مصر، فلم
يكن المخرج التونسي ممكناً، نظراً
لحجم الحراك الشعبي، وصعوبة تقديم
خيار دستوري مقنع للملايين الشعب
الثائرة، ولأن الجيوش أصلاً مؤسسات
محافظة، فليس ثمة شك في أن جنرالات
الجيش في تونس ومصر لا يريدون تغييراً
شاملاً وجذرياً، وأن مثل هذا التغيير
سيقع فقط بفعل الضغوط الجماهيرية
وصلابة الإرادة الشعبية. والواضح
الآن أن المسار الليبي سيكون أكثر
اختلافاً عن المسارين التونسي
والمصري، بالرغم من أن المعارضة
الليبية الشعبية لا تقل اتساعاً
وعمقاً عن المعارضتين التونسية
والمصرية. ليست ليبيا بلداً متسع
الأرجاء وحسب، ولكنه أيضاً قليل
السكان نسبياً، بينما لا تقل أدوات
العنف والقمع التي يمتلكها النظام
الليبي حجماً وفعالية عن مثيلتها في
تونس ومصر. وبينما نجحت الثورة الليبية
في إطاحة أدوات النظام وسلطته في مدن
بعيدة وقريبة عن العاصمة طرابلس، فإن
محاولات إشعال الثورة في العاصمة لم
تنجح في صورة ملموسة حتى الآن. وهذا ما
أدى في النهاية إلى تحول الثورة
الليبية إلى ثورة مسلحة، وإلى أن يعاني
النظام من الدرس الإيراني عندما أدى
وضع الجيش في مواجهة الشعب إلى تفكيك
المؤسسة العسكرية وانهيارها. لم تبق في
حوزة النظام الليبي سوى عاصمة مقهورة
ومتذمرة ووحدات أمن متورطة في سلسلة
جرائم طويلة؛ ولكن الدولة الليبية لن
تخرج من النهاية بمثل التماسك الذي
خرجت به الدولتان التونسية والمصرية،
ليس فقط لأن دولة القذافي هي في
حقيقتها شبه دولة، ولكن أيضاً لمقدار
العنف الذي ولدته مواجهة النظام مع
الحركة الشعبية، وللزمن الطويل نسبياً
الذي تتطلبه ثورة الشعب الليبي قبل أن
تحقق انتصارها. كيف
يقع حدث الثورة، وإلى أي حد ينخرط
الشعب في وقائعه، هو الذي يجعل من
الثورة ثورة. ولكن النتائج التي تنتهي
إليها الثورات تختلف من موقع إلى آخر.
ما يوحد الثورات العربية اليوم هو هدف
اسقاط أنظمة الحكم، وإجراء إصلاحات
عميقة في جسم الدولة، بدون إطاحتها
كلية، إجراءات تكفل تحقيق الحريات
والديمقراطية وحكم القانون ومحاصرة
الفساد. وإن نجحت الثورتان التونسية
والمصرية في اقتلاع الطبقة الحاكمة،
فإن يقظة الشعبين كفيلة بإصلاح بنية
الدولة وأجهزتها في البلدين. مسار
الثورة الليبية بات مفتوحاً على
الاحتمالات. أما في ليبيا فكل الخيارات
مطروحة أمام نظام الحكم وكبار رجالات
الدولة. ما لا يمكن إغفاله في النهاية
أن موجة الثورات العربية ماضية في
طريقها، وأنها تقدم للعالم نماذج
جديدة لصلابة الإنسان العربي وحكمته،
ولتصميم الشعوب العربية وسعيها لإقامة
حكم عادل وبناء حياة كريمة. '
كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث ==================== عجز
أم خوف من عالم عربي حرّ ؟! راجح
الخوري النهار 10-3-2011 يوسّع
معمر القذافي دائرة المذبحة التي
ينفذها ضد الثوار، عبر أسلحة الطيران
والمدرعات والصواريخ التي تدك الزاوية
ورأس لانوف منذ يومين، في وقت اتسعت
دائرة التردد المعيب في الأمم المتحدة
والعواصم الغربية، حيال اتخاذ موقف أو
اجراء اخلاقي وسياسي مسؤول، يحول دون
البطش الدموي الذي يلحق بالثائرين على
النظام المتوحش. كان من
بواعث التقزز ان يبدو مجلس الأمن في
حال انتظار، قبل ان يبحث عملياً في
اتخاذ قرار يفرض حظراً جوياً يوقف سلاح
الطيران الليبي، ويحول دون استمرار
تدفق المرتزقة على القذافي، من
الجزائر ومالي والنيجر وتشاد. ان
مسخرة المساخر ان يقال أمس، إن مجلس
الأمن ينتظر نتائج اجتماعات عدة ستعقد
هذا الأسبوع، ومنها اجتماع وزراء
الخارجية في الجامعة العربية نهاية
الأسبوع، ولكأن في وسع هؤلاء ان يقرروا
أمراً مفيداً في هذه المرحلة
الزلزالية التي تضرب دولاً عربية عدة،
أو أنه ينتظر اجتماع دول الاتحاد
الافريقي الذي سبق له أن نصّب القذافي
ملكاً للملوك عليه ويا للسخرية. أما
الحديث عن انتظار قرار يتخذه اتحاد
الدول الاوروبية فسيطول هو أيضاً في ظل
الانقسامات المعروفة. ❒❒❒ إذاً
يستطيع نيرون أن يمضي في احراق ليبيا،
ويستطيع العالم "الحر" ان يقف معه
متفرجاً، والى مدى ليس من المعروف متى
ينتهي وعلى اي أساس وبأي أثمان كارثية
يدفعها الشعب الليبي. ومن
المفيد أن نتذكر مثلاً أن روسيا التي
تتخوف من ضياع عقود تسليح للقذافي
قيمتها أربعة مليارات دولار فتعارض أي
تدخل ضده، ليست أسوأ من الصين، التي
ترفض اي تدخل يردع النظام الليبي
الماجن الدموي لكنه المصدر للنفط(!) وان
الإثنتين ليستا في النهاية أسوأ من
أميركا باراك أوباما الذي يحرص على
موازنة سيول الدم المسفوح من الليبيين
بتصنع تصعيد اللهجة ضد القذافي! واضح
أن أميركا أوباما تنوء تحت درسين
قاسيين وتعاني أيضاً في موضوع ليبيا
عقدتين مهمتين. أما عن الدرسين فانهما
تحديداً حرب العراق الفاشلة التي كلفت
تريليون دولار، وحرب افغانستان
المتجهة الى الفشل وقد كلفت هي أيضاً
تريليون دولار، فهل تنزلق الى حرب
ثالثة في شمال افريقيا تثير على ما
يبدو ذعر روبرت غيتس والبنتاغون؟! وأما
عن العقدتين فإنهما عقدة الاحساس
بالذنب "الاخلاقي" وهي تسمح
للقذافي بذبح شعبه بالصواريخ، تقابلها
او بالأحرى توازنها عقدة الحذر من
التدخل من دون غطاء مجلس الأمن، فتبدو
اميركا كأنها صانعة الثورات العربية
وراعيتها! ❒❒❒ أمام
هذا الموقف الدولي المثير للاستهجان،
لا شيء يوازي جرائم القذافي المتمادية
ضد الليبيين، إلاّ "جرائم" الصمت
والتردد والدأب على اصدار البيانات
الفارغة والتصريحات التافهة وخصوصاً
من هيلاري كلينتون، تعليقاً على
المذابح المتسعة في ليبيا. واذا
كانت الصحافة الأميركية قد دأبت منذ
فترة على تسمية أوباما "البطة
العرجاء"، فإن الأمم المتحدة تبدو
الآن أشبه بدجاجة تنازع البقاء، وسط
شبكة واسعة من المصالح المتناقضة،
التي لم تسقط الاخلاقيات التي قامت
عليها "عصبة الأمم" فحسب، بل جعلت
من المنظمة الدولية أحياناً، أشبه
بردهة للبورصة والمقايضات حيث يبدو ان
الاسهم الأكثر رواجاً هي النفط مقابل
الدم! ❒❒❒ في
مقال كتبه آرنو دوبورشغريف في صحيفة
"واشنطن تايمز" The
Washington Times"
بعنوان "فخ التورط في شمال افريقيا"،
أن القذافي يملك إمكانات هائلة
للانتقام الدموي: 227 مقاتلة روسية
وفرنسية وشبكة كبيرة من صواريخ "سام
2" و"سام 6". وان هذا يفرض شل هذه
القدرات كمقدمة للحظر الجوي. فإذا
صح ان فرض الحظر فوق العراق عام 1991
استلزم استعمال أكثر من مئة طائرة،
إضافة الى "الاواكس" والى 12 سفينة
حربية وأكثر من 10 آلاف عسكري، وبلغت
تكاليفه 14 مليار دولار، فإن تكرار ذلك
في ليبيا الآن لا يبدو أمراً مستحيلاً
أو صعباً، على حاملتي طائرات
أميركيتين قبالة السواحل الليبية، ولا
على اسلحة الجو في الحلف الاطلسي. أما
عن المليارات فقد تم حتى الآن حجز
عشرات المليارات من أموال القذافي،
وهي تكفي لفرض حظر جوي على القارة
الافريقية كلها! إذاً
لماذا التردد؟ وهل القصة قصة سياسة في
العمق؟ وهل
استيقظت في مطابخ الاستراتيجية
الاميركية مخاوف من قيام عالم عربي
جديد على النموذج التركي مثلاً، يقف
وقفة الند في وجه أميركا والغرب، ويجعل
من اسرائيل الحي اليهودي في العالم
العربي، أم أن أوباما وزعماء الغرب
يصدقون ترهات القذافي عندما يقول انه
يحميهم من "القاعدة" ولو قام بذبح
آخر ليبي حرّ؟! ====================== السفير الياس
سحاب 10-3-2011 لا شك
بأن العصور الحديثة في التاريخ
السياسي والاجتماعي للبشرية قد تم
تدشينها في نهاية القرن الثامن عشر،
على يد الثورة الفرنسية (1789). وكانت
خلاصة الانجاز التاريخي لتلك الثورة،
انها قلبت رأسا على عقب فلسفة انظمة
الحكم التي كانت سائدة منذ فجر تاريخ
الاجتماع السياسي البشري، فأوجدت
للمرة الاولى في هذا التاريخ مفهوم «المواطن»،
وتوجت هذا المواطن من خلال معادلة
مثلثة الاضلاع «مساواة، عدالة، أخوة»،
سيدا للوطن في كل مكان بدلا من الحاكم،
وحولت موقع الحاكم الى وظيفة مدنية
تستمد شرعيتها من التفويض الشعبي،
الذي له حق تعيينها واقالتها، وليس من
الله، كما كان سائدا في انظمة الحكم
قبل تلك الثورة. صحيح
ان سيادة فلسفة الثورة الفرنسية في
مهدها الجغرافي اوروبا، لم تفرض نفسها
فور ظهورها، بل دخلت في سلسلة من
التحولات الصاخبة والدموية، في فرنسا
وفي كل ارجاء اوروبا طيلة النصف الاول
من القرن التاسع عشر، غير انها عرفت
بعد تلك المعاناة وذلك المخاض،
السيادة والاستقرار في المجتمعات
الاوروبية، منذ انتصاف القرن التاسع
عشر. هذا عن
اوروبا، فماذا عن المنطقة العربية؟ لقد
امضت الاقطار العربية القرن التاسع
عشر بأكمله، إما في حضن الامبراطورية
العثمانية، التي ثلاشت واندثرت قبل ان
تلفحها رياح العصور الحديثة التي
اطلقتها الثورة الفرنسية، (المشرق
العربي)، او تحت نير الاستعمار
الاوروبي المباشر (المغرب العربي). وحتى
عندما انهارت الامبراطورية العثمانية
لم يتح للاقطار العربية دخول العصور
الحديثة، بل انتقلت من حكم
الامبراطورية العثمانية الى حكم
الاستعمار الاوروبي. الى
هنا والتسلسل منطقي. اما ما لم يكن
منطقيا بعد ذلك، فهو انه حتى عندما
بدأت الاقطار العربية تدخل عصر
الاستقلال الوطني، مع اقتراب القرن
العشرين من انتصافه، فانها بقيت في
اجتماعها السياسي، راسفة في اغلال
القرون الوسطى. بل ان
بعض الدول العربية التي تحولت في الشكل
الخارجي لنظامها السياسي الى
جمهوريات، اخترعت في علم السياسة
نظاما هجينا، غير الملكية وغير
الجمهورية، هو الجمهورية ذات المضمون
الملكي، تتحول فيها اسرة رئيس
الجمهورية الى اسرة «مالكة» تملك
الوطن والمواطنين، وتورث الحكم فيها
من الاب الى الابن. لقد
انتهى القرن العشرون على الامة
العربية وهي منقسمة بين انظمة جمهورية
ملكية او انظمة ملكية غير دستورية،
الوطن فيها بمواطنية وثرواته ملك
للحاكم، وليس للمواطنين. حتى
دخلنا العقد الثاني من القرن العشرين،
ونحن محبطون من احتمال دخول الاقطار
العربية، مثل بقية الامم، العصور
الحديثة من اوسع ابوابها، باب
المواطنة. وهذا
بالضبط ما انجزته ثورتا تونس ومصر، في
الشهر الاول من العام 2011، عبر عملية
تراكم تاريخي ومخاض تاريخي يطول
شرحهما. لقد
خسرنا التحدي في القضية الفلسطينية،
لانها داهمتنا، ونحن نعيش في اوطان
يحكمها حكام غير ملتزمين بارادات
شعوبهم، بل بمصالح مناصبهم. وكما خسرنا
فلسطين، فاننا خسرنا حتى الآن كل معارك
الدخول الحضاري والاقتصادي والصناعي
والعلمي الى العصور الحديثة، للسبب
نفسه. ان ما
يشهده الوطن العربي في هذه الايام
المجيدة هو هبوب رياح العصور الحديثة،
اخيرا، على كل ارجاء الوطن العربي،
انطلاقا من تونس ومصر. انها
مسيرة طويلة وشاقة على كل حال، لكن
المسيرة انطلقت اخيرا من المنطلق
الصحيح، منطلق ثورة المواطن العربي،
لذلك فانها ستقودنا حتما هذه المرة الى
الآفاق الصحيحة انها مسيرة التاريخ
البشري في كل مكان. وعندما
تنطلق هذه المسيرة من مصر بالذات،
الدولة العربية المركزية والنموذج
وصانعة الاتجاهات، وعندما يجتمع لها
في كل يوم جمعة ملايين المواطنين العرب
المصريون لملاحقة تطورها اولا بأول،
فانها مسيرة مرشحة لتعم اقطار الوطن
العربي بأكملها، وليس فقط البحرين
واليمن وليبيا والاردن. ====================== الشرق
الأوسط الجديد يستحق أكثر من إسرائيل
القديمة! المستقبل
- الخميس 10 آذار 2011 العدد
3935 - رأي و فكر - صفحة 20 روجر
كوهين () ()
"نيويورك تايمز" ترجمة:
صلاح تقي الدين اذهب
إلى القدس سيدي الرئيس. إسرائيل قلقة.
كانت تفضل النظام الشرق أوسطي القديم؟
كان بإمكانها الاعتماد على الطغاة،
مثل حسني مبارك في مصر، لقمع الجهاديين
ورفض إيران، والتماشي مع خطوط اللعبة
الفلسطينية الإسرائيلية التي أنشأت
وضعاً مؤقتا ً دائماً كان مثالياً
بالنسبة للقوة الإسرائيلية. الإسرائيليون
قلقون. هم يتساءلون سيدي الرئيس إذا
كنت تحبهم من القلب. لقد ذهبت إلى
القاهرة، وزرت اسطنبول، لماذا ليس إلى
القدس؟ لماذا لا تأتي إلينا سيدي
الرئيس أوباما لتشعر بألمنا؟ الإسرائيليون
قلقون أكثر. لا يمكن التنبؤ بنتائج
الانتخابات (انظر إلى غزة) التي ستجري
في أنحاء العالم العربي! هناك الأخوان
المسلمون الذين يتحدثون بلهجة جيدة
لكنها تتضمن تهديداً. ماذا لو ذهب
الأردن أيضاً؟ "أميركا
هي شركة تأمين بالنسبة لإسرائيل
واليوم نحتاج لقدوم رئيس مجلس إدارة
الشركة ليقول لنا : لستم وحدكم". هذا
ما قاله لي دانيال بن سيمون عضو
الكنيست الإسرائيلي الذي أنشق عن حزب
العمل مؤخراً. وأضاف
بن سيمون "نحتاج لذلك خصوصاً أن
سياسة إسرائيل ليست مأساة فحسب، بل
إنها إجرامية تقريباً". هذا
صحيح من الجهتين. إنها فرصة رائعة قد
تتبدد في ظل تفتّح الربيع العربي.
أعتقد أن القلق الإسرائيلي نابع من
أسباب أخلاقية وإستراتيجية. السبب
الأخلاقي بسيط: هل هناك ما هو أقرب إلى
قلب اليهود من مشهد الناس التي تقاتل
من أجل إزاحة كاهل الاضطهاد عنهم
واستعادة كرامتهم وحريتهم؟ إذا
كانت إسرائيل ستشعر ببرودة تجاه هذه
الصراعات النبيلة من بنغازي إلى
البحرين، ولا تبدي قلقاً بشأنها، فما
الذي حلّ بجوهر وروح الدولة اليهودية؟ يبدو
أن أكثر دولة ديموقراطية إشراقاً في
الشرق الأوسط تفوت على نفسها مشهد
ولادة ديموقراطيات جديدة في المنطقة.
أولاً، عندما يتمكن العرب من التجمّع
في أماكن خارج أسوار المساجد، فإن ذلك
يشكل ضربة موجعة للإسلام المتطرف.
ثانياً، إن المعايير الأميركية
المزدوجة في دعم قادة أمثال مبارك،
شكّل ذخيرة غوغائية لأعداء إسرائيل،
وبشكل رئيسي إيران. ثالثاً،
يمكن استغلال الناس المقهورين
الغاضبين بسهولة، حيث ان الذين يتولون
السلطة سيركزون عملهم على تحسين ظروف
معيشة هؤلاء عوضاً عن افتعال نزاعات في
أماكن أخرى. رابعاً، لقد انطلقت
المحاسبة في العالم العربي قريباً من
إسرائيل وتحديداً في الضفة الغربية مع
برنامج (رئيس حكومة السلطة الفلسطينية)
سلام فياض: لذا على إسرائيل أن تسبق
موجة الديموقراطية من خلال اعتماد
التنمية عوضاً عن التغاضي عنها. لا
يوجد أي سبب للتفكير بأن التحرّر
العربي سيتوقف عند أبواب فلسطين. إن
الانتفاضات العربية ليست بوجه إسرائيل-
بعد. لم أسمع خلال أسبوعين قضيتهما في
القاهرة كلمة إسرائيل، لكن يمكن أن
يتغيّر ذلك إذا نشبت مشادات كلامية
جديدة. لا شيء يمكنه تعزيز المشاعر
الإقليمية التي تتركز اليوم على
البناء، عوضاً عن التهديم، مثل
المشادات بين إسرائيل والعرب. لذا،
فإن المصلحة الأميركية، الأوروبية،
الإسرائيلية والعربية الشاملة تكمن في
إيجاد خرق سريع في جدار الأزمة
الفلسطينية الإسرائيلية. لكن كيف ذلك؟ لقد
حدث أمر صغير لا بين الانتفاضيتين
الليبية والمصرية. لقد صوّتت الولايات
المتحدة الأميركية في مجلس الأمن
الدولي ضد مشروع قرار يدين الاستيطان
الإسرائيلي في الضفة الغربية. لقد
علمت أن هذا القرار شكّل معاناة شخصية
بالنسبة (للرئيس الأميركي باراك)
اوباما، إذ انه جاء مخالفاً لحقيقة
مشاعره، وخطاباته تقريباً. كان اوباما
قد أعلن أن الولايات المتحدة "لن
تقبل بشرعية" المستوطنات، ويجب أن
تتوقف. لقد صوّت حلفاء الولايات
المتحدة الرئيسيين
بمن فيهم بريطانيا وفرنسا
وألمانيا إلى
جانب قرار الإدانة. بالطبع، أوباما هو
الذي سيخوض انتخابات في العام المقبل،
ويعلم أن مواجهة إسرائيل ستكلفه. لقد
قيل لي ان أوباما بذل كل ما يمكنه
لإقناع الفلسطينيين بسحب مشروع القرار.
لقد عرض على الرئيس الفلسطيني محمود
عباس سلة تضمّنت بياناً يصدر عن اللجنة
الرباعية للسلام في الشرق الأوسط
التزاماً باستخدام حدود العام 1967
كأساس للحل المنشود. وبخلاف الاتحاد
الأوروبي، لم تذهب الولايات المتحدة
يوماً إلى هذا العنوان. لكن عباس الذي
شعر أنه معرّض، رفض العرض، واستخدمت
الولايات المتحدة حق الفيتو. كان
ذلك خطأ فلسطينياً تشويق تكتيكي عوضاً
عن مكسب إستراتيجي. الفلسطينيون اليوم
بحاجة ماسة لتشكيل فريق تفاوض متماسك. إسرائيل
بالمقابل بحاجة ماسة لتوجيه. لقد نشب
خلاف عقب التصويت في مجلس الأمن الدولي
بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو والمستشارة الألمانية أنجيلا
ميركل. لقد سأل نتنياهو كيف يمكن
لألمانيا أن تعاقب إسرائيل فيما عبّرت
ميركل عن غضبها من المماطلة
الإسرائيلية. عندما يتم امتحان
المانيا، ثاني أوثق حلفاء إسرائيل،
فإن السخط يكون قد وصل إلى أعلى
مستوياته. وهناك
سخط في إسرائيل ايضاً. كلمة أوباما على
المحك. لقد قال انه قبل انعقاد أعمال
الجمعية العمومية للأمم المتحدة في
أيلول المقبل "يمكننا التوصل إلى
اتفاق يؤدي الى انضمام عضو جديد إلى
الأمم المتحدة دولة فلسطينية مستقلة
ذات سيادة تعيش جنباً إلى جنب بسلام مع
إسرائيل". ويحل
أيلول بعد ستة أشهر من اليوم. كنت
آمل أن يصل مستوى العلاقات
الديبلوماسية بين إسرائيل والولايات
المتحدة إلى الدرك الأسفل، كبديل
إسرائيلي عن الفيتو الأميركي المتناقض
مع نفسه. لكن ذلك لم يحصل. تتحدث
إسرائيل عن "اتفاقيات انتقالية"
مرة جديدة. هذا لن يمر. يدرك
الفلسطينيون اليوم من سيكون الرابح من
المؤقت الدائم. فلسطين تريد السيادة
وإسرائيل تريد الأمن. هذه مطالب غير
قابلة للتفاوض. غير أن
مغامرة من أوباما وحدها الكفيل بخرق
جدار الأزمة من الآن وحتى ايلول. عليه
أن يتوجه إلى القدس في ايار ويخاطب
الكنيست، عليه أن يفصح عن الطرق التي
تضمن فيها أميركا امن إسرائيل. عليه
إقناع إسرائيل بفك الحصار العقلي الذي
يعميها عن الفرص التي تتكاثر من حولها.
بإمكانه نشر الحب. الشرق
الأوسط الجديد يستأهل أكثر من إسرائيل
القديمة. ====================== البقعة
الساخنة الخميس
10-3-2011م مصطفى
المقداد الثورة سيبرز
في المستقبل سؤال يحتاج كثيراً من
البحث للإحاطة بإجابة مقنعة ومنطقية
وواقعية له. وسيبقى
هذا السؤال يتردد طويلاً في ظل وجود
الكثير من التفسيرات التي قد تذهب إلى
حد التناقض, فضلاً عن غياب الكثير من
الوقائع والمعلومات وعدم توفر قواعد
بيانات دقيقة. السؤال
ببساطة هو: ما الأسباب التي أدت إلى
قيام ثورة تونس أو ثورة الشباب في مصر
أو الاحتجاجات في اليمن أو المواجهات
في ليبيا , ربما وغيرها في غير موقع
عربي آخر. في كل
الثورات أو الاضطرابات أو المظاهرات
والاحتجاجات المباشرة ثمة أسباب
مباشرة تعلن نقطة البداية، وتكشف عن
الأسباب غير المباشرة التي اختزنت
لفترة زمنية سابقة لم تكن الظروف
الموضوعية مكتملة لإعلان لحظة الصفر.. فهل
سيسجل مثلاً أن حرق محمد البوعزيزي
الخريج الجامعي العاطل عن العمل لنفسه
احتجاجاً على مصادرة عربة الخضار
المخالفة لتنظيم البيع .. كان السبب
المباشر لاندفاع الآلاف إلى مختلف
المدن للمطالبة برحيل الرئيس وإسقاط
مشروعية نظامه برمته.. أعتقد
أن الأمر أبلغ من ذلك، وأكثر عمقاً
ويحتاج وقتاً أطول للإجابة عليه
والاحاطة بكل جوانب ذلك الحدث
التاريخي الذي لم تتضح صورته النهائية.. وإذا
سحبنا الأمر على مصر، فإننا نعتقد أن
موت شخص على يد الشرطة تحت التحقيق قبل
أشهر من انتفاضة الشباب لا يمثل السبب
المباشر للثورة، وأن استخدام التقانات
الحديثة، ووسائل الاتصال المتطورة
ربما يكون قد ساعد في توجيه اهتمام
المتظاهرين إلى أماكن التواجد، لكن
الواقع على الأرض يفرضه الشباب الذين
نفذوا الاعتصامات في ساحة التحرير
وغيرها، وصولاً إلى تحقيق أولى
مطالبهم فيما تأخذ ثورة الشباب منحى
مختلفاً بعد رحيل الرئيس. وبانتظار
وجود متغيرات جديدة يبقى التفسير غير
مكتمل الأركان. ===================== أحمد
حبيب حسن البعث 10-3-2011 لم تعد
إسرائيل تستطيع إخفاء قلقها من نتائج
ثورات الكرامة العربية، وهي تعرف
جيداً أن البيئة الإستراتيجية الناشئة
عن هذه الثورات، تختلف بالمطلق عن
البيئة التي خبرتها وتعاملت معها خلال
السنوات العجاف الماضية. صور
القلق متعددة: وزارة الحرب تطلب زيادة
المساعدات العسكرية الأمريكية، ايهود
باراك يلعب على وتر الهواجس الغربية:
المساعدات ضرورية لأمنكم أيضاً،
نتنياهو يجهد لتقديم " الحل المرحلي"
وكأنه الترياق الشافي، وأكثر من ذلك،
يطالب بخطة "مارشال" لتنمية الشرق
الأوسط، علها تبعد عنه الكأس المقبلة،
يعتقد واهماً أن الحق المغتصب، لا
يطالب به سوى الفقراء والمستضعفين. لا
يعرف نتنياهو أن للدم المسفوك ظلماً
سيرورته المقدسة بمعزل عن الغنى
والفقر، وأن الجرائم الموصوفة التي
ارتكبتها إسرائيل بحق شعب أعزل إلا من
إصراره على الحياة، لا تسقط بالتقادم،
ولا تنتهي بالتواطؤ، ولا تشترى بالمال. والحال
فإن لعنة الدم تطارد الجميع، القتلة
ومؤيدوهم، ففي حين تجبر القاتل على
تغيير هويته، والتنقل متخفياً، كما
فعل أفي بنياهو الناطق باسم الجيش
الإسرائيلي مؤخراً، فهي تجبر المؤيدين
أيضاً على كشف وجههم الحقيقي، فتغض
حكومة "ديمقراطية" مثل الحكومة
البريطانية، النظر عن ادعاءاتها
بالتزام الشفافية، لتستقبل مجرماً
قاتلاً تحت جنح الظلام، بل وأكثر من
ذلك، تضغط على القضاء
الذي تتشدق باستقلاليته
للسماح للقتلة بالإفلات من
العقاب، بعد أن أعلن وزير خارجيتها
السابق أن هذا الوضع "غير مرض ويتعين
تصحيحه". "إنها
حالة عبثية ومستحيلة" كما يقول
بنياهو نفسه، ولكن بمفهوم معاكس، فرغم
كل الإدانات العالمية لجرائم إسرائيل
الموصوفة، والقرارات الدولية
المتتالية بحقها، إلا أن العالم "الديمقراطي"
لا زال يفتح أبوابه للمجرمين، ليناقش
معهم مسألة "السلام"، وخطط "
مارشال" للتنمية، ولكن المفارقة
المدهشة أنه في حين يضطر القاتل إلى
تغيير هويته لدخول بعض الدول الغربية،
كان بعض العرب يمدون له السجادة
الحمراء علناً، ويفتحون له القصور
الموصدة على الضحية ذاتها، وهي مفارقة
نأمل أن تنهيها ثورات الكرامة العربية. أخيراً،
للدم المسفوك ظلماً لعنته المقدسة،
ومع الإرادة والإصرار يصبح لديه
القدرة على صنع المستقبل، كل ما يحتاجه
لفعل ذلك، أن يؤمن أهله أن الوقت قد حان..!! ==================== الخطاب
الأمريكي حول الحرية والديمقراطية
ازدواجية وغياب للمصداقية د.
أكرم مكنّا البعث 10-3-2011 يكشف
الخطاب الأمريكي المرتكز على الحرية
والديمقراطية وحقوق الإنسان عن
ازدواجية وتناقض كبيرين، يتأكدان من
خلال الهوة الواسعة بين الخطاب
السياسي والإعلامي والممارسة على أرض
الواقع التي تبين ثغرات هائلة في هذا
الخطاب، سواء على الصعيد الداخلي أم
على الصعيد الدولي، الأمر الذي أفقد
السياسة الأمريكية، القائمة على
الهيمنة والإكراه السياسي
والاقتصادي، كل المصداقية، إذ درجت
الولايات المتحدة على تسليط الضوء على
الحرية والديمقراطية كمرتكز لتسويق
خطابها، وكقاعدة لمهاجمة خصومها
ومنافسيها، بينما نجدها المدافع الأول
عن الديكتاتوريات والأنظمة التي تدور
بفلكها وتنفّذ كل سياساتها وإملاءاتها. وإذا
كان الخطاب المرتكز على الحرية
والديمقراطية قد اقتصر على الجانب
السياسي والإعلامي للترويج للنظام
الليبرالي الرأسمالي إبان الحرب
الباردة، فإن هذا الخطاب انتقل لمهام
جديدة بعد متغيرات العقد الأخير من
القرن الماضي، إذ أصبح ممهداً
ومرافقاً لعمل الآلة العسكرية
الأمريكية التي استهدفت أكثر من بلد في
أرجاء العالم، فالحرب على يوغسلافيا
كما الحرب على أفغانستان ثم الحرب على
العراق، التي فشلت الولايات المتحدة
حتى في تقديم مسوغ مقبول من قبل
حلفائها، وكلها كانت تُقدَم تحت
يافطات (الحرية والديمقراطية) القادمة
مع الطائرات والدبابات والصواريخ
الأمريكية وتحت شعارات نقل التجربة
الأمريكية في الديمقراطية للبلدان
المفتقدة لها الديمقراطية، وفقاً
للرؤية الأمريكية. وإذا
كانت الحروب الأمريكية المسوغة
بالضربات الاستباقية قد لقيت من
المجتمع الدولي كل رفض، ولم يقبل بها
إلا الحلفاء في لندن، وإذا كان أول
مبادىء الديمقراطية يرفض فرض نموذج
سياسي اقتصادي على بلد آخر، مهما كانت
المسوغات والأسباب، فإن التساؤل يثور
حول ما إذا كان النظام الأمريكي ينطوي
على ديمقراطية حقيقية فعلاً تعبر عن
مجموع الشعب الأمريكي وإرادته؟ وحول
ما إذا كانت الولايات المتحدة بملاحظة
سياساتها على الساحة الدولية تشكل
نموذجاً للديمقراطية يصح تطبيقه على
الآخرين؟!. إن
التدقيق في بنية الحياة السياسية في
الولايات المتحدة يشير إلى أن
الديمقراطية في أمريكا تغيب تماماً عن
القرار الذي تتحكم به فئات لا يزيد
عددها عن 10٪ من المجتمع الأمريكي،
تمثل الأغنياء من أصحاب المجمع
الصناعي العسكري، وأصحاب رأس المال
الكبير ومجموعة من اللوبيات، في حين
تغيّب بقية الشعب الأمريكي عن
المشاركة في القرار، وإن توفرت حرية
الرأي للأمريكيين، والتي لا تعني
ديمقراطية المشاركة في القرار قطعاً،
التي ضاقت جداً في ظل إدارة بوش وبعد
أحداث الحادي عشر من أيلول وازدياد
إجراءات الأمن التي بلغت حداً من
القسوة لا يقل عن الإجراءات في تلك
الدول التي تصفها واشنطن بالبوليسية،
فمضايقات الأمن تجاه فئات واسعة من
الأمريكيين وصلت حدوداً لا تُطاق
وتصادر الإدارة وأجهزة الأمن كل
الاحتجاج عليها، مستغلة الإرهاب
الأمني الذي أشاعته. وهناك
من الباحثين من يرى أن الجهات الفاعلة
والمتنفذة في القرار الأمريكي سعت،
وبهدف حصر القرار بالفئات المتنفذة
دون سواها، إلى ممارسة نوع من التسطيح
لثقافة المواطن الأمريكي وحصرها
بالاستهلاكية السريعة، لدرجة أن
قطاعات واسعة من الأمريكيين لا يعرفون
عما يدور خارج مدينتهم أو ولايتهم أو
في الولايات المتحدة على أبعد تقدير،
على الرغم من أن بلدهم هو القوة الكبرى
الأولى في العالم التي تبسط نفوذها
وهيمنتها على أرجاء واسعة من العالم،
وتنشر ترسانتها العسكرية في قارات
العالم أجمع، ويغفلون عن حقائق ما يلحق
بشعوب العالم من غبن وحيف، وحتى من
قتلٍ وتدمير على أيدي بلادهم التي تصر
على دوس استقلال الشعوب وسيادتها،
والمفارقة أن ذلك يأتي تحت عناوين
الديمقراطية والحرية والتي لا تزال
نموذجها الأخيرة مستمراً في أفغانستان
والعراق. وثمة
جوانب ونقاط يشار إليها للتأكيد على أن
الديمقراطية الأمريكية ليست إلا
قناعاً يخفي وراءه حقيقة هي على النقيض
تماماً من الواجهات البرّاقة التي
تسوّق إعلامياً: -
فأمريكا تمارس ديكتاتورية بالغة
القسوة على الساحة الدولية، وتضغط
بقوة لمصادرة إرادة المجتمع الدولي
ومؤسساته، ولا تتوانى عن تجاهل منظومة
القوانين والأعراف الدولية إذا تعارضت
مع مصالحها وأهدافها، وما انحيازها
الفاضح لإسرائيل بمجابهة المجتمع
الدولي ولجوؤها للفيتو لحماية العدوان
الإسرائيلي في الكثير من المرات، وكان
الفيتو الأخير ضد مشروع قرار لإدانة
الاستيطان في الأراضي العربية
المحتلة، وتهديدها به مرات أخرى
وغزوها للعراق واحتلال أراضيه، على
الرغم من معارضة المجتمع الدولي،
حكومات وشعوباً إلا أمثلة على
الديكتاتورية التي تتعامل بها أمريكا
مع العالم. - وهي
تصر على تجاهل ثقافات الشعوب وقيمها،
سعياً لتعميم أحادية الثقافة وتسييد
أنماط الحياة الأمريكية، وعدم الإقرار
باستقلالية الثقافات الأخرى، وكذلك
عدم القبول بخصائصها المميزة. -
وأمريكا تعمل على فرض النموذج
الليبرالي وفق الطريقة الأمريكية
مقياساً للأنظمة السياسية في البلدان
الأخرى، واعتباره الحقيقة الوحيدة
التي لا يجوز مخالفتها، والنموذج
الرأسمالي على الأنظمة الاقتصادية،
وإجبار بلدان العالم على فتح أسواقها
أمام المنتجات الأمريكية، وتبنّي
الخصخصة وإعادة هيكلة اقتصاداتها بما
يوافق المصالح الأمريكية، وكل رفض
لهذه الليبرالية السياسية
والرأسمالية الاقتصادية يُقيّم
أمريكياً على أنه ديكتاتورية وانعدام
للديمقراطية ووقوف بوجه الحرية
السياسية والاقتصادية. -
والتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية
للبلدان الأخرى، ضغطاً وتهديداً، وحتى
غزواً وحروباً، خلف مآسي كبيرة، وما
حصل من تدمير ليوغسلافيا وأفغانستان
والعراق ومحاولة زعزعة الاستقرار في
البلدان الديمقراطية بأمريكا
اللاتينية غير التابعة لها بهدف تغيير
نظامها وإبداله نظاماً تابعاً، يؤكد
زيف ما تطرحه الإدارات الأمريكية من
شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق
الإنسان، فالإدارة الأمريكية لا تريد
سماع أصوات الشعوب الرافضة لوجودها
وتدخلها، مصرة على أنها مع مصلحة تلك
الأوطان أكثر من أبنائه، في مغالطة
للمنطق والتاريخ ومسلمات العقل البشري. كل
ذلك يؤكد أن أمريكا غير مؤهلة، ناهيك
عن عدم جواز ذلك أخلاقاً وقانوناً،
لتعليم شعوب العالم الحرية
والديمقراطية من حيث المبدأ، فكيف إذا
كانت الإدارة الأمريكية تريد فعل ذلك
قسراً، والدليل الأكبر على هذه
الحقيقة رفض شعوب العالم للسلوك
الأمريكي القائم على القوة والهيمنة،
والدعم المعلن للإرهاب الإسرائيلي،
ومصادرة إرادة الآخرين في منطقة الشرق
الأوسط، وهذا ما تأكد بشكل لا لُبس فيه
في الثورتين التونسية والمصرية، إذ
تبين أن الديمقراطية الحقيقية في هذه
البلدان، وفي كل البلدان العربية
والإسلامية سوف تؤدي بالضرورة إلى
محاربة ورفض الإملاءات والتدخلات
الأمريكية. ويبدو
أن العقل السياسي الأمريكي ثقيل الفهم
في التقاط رسائل هذه الثورات، وحتى
الرسالة قبلهما في لبنان، ويتبدّى ذلك
من خلال محاولة أمريكا إحداث فتن وفوضى
في بعض البلدان المجابهة للسياسة
الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة،
ويظل السؤال الأهم متى ستكون صحوة
الشعب الأمريكي على سياسات إداراته
التي ربطت مصيره بمصير الكيان
الإسرائيلي، الذي يقدّم له الشعب
الأمريكي من ماله وضرائبه، ويتم تقتيل
أبنائه من أجل عيون إسرائيل، ومن أجل
المجمّعات الصناعية العسكرية، ومن أجل
شركات النفط الكبرى ..الخ؟!. وهل
يدرك الشعب الأمريكي أنه بحاجة
للإصلاح السياسي وتصحيح العلاقة مع
شعوب العالم، ولا سيما في منطقتنا
العربية، واستبدال العلاقة (بالطارىء)
الإسرائيلي الإرهابي (بالأصيل)
العربي، أم أنه سيبقى أسير إعلام
متحيّز وأسير تسطيح مقصود؟!. ==================== الأميركيون
ودروس الانتفاضات العربية تاريخ
النشر: الخميس 10 مارس 2011 ويليام
رو الاتحاد لفتت
المظاهرات السياسية الاحتجاجية
الجارية في عدد من الدول العربية،
أنظار العالم وانتباهه، بينما سيطرت
التغطية الإخبارية لهذه المظاهرات على
مختلف وسائل الإعلام الأميركية منذ
يناير الماضي. وفيما يبدو، فإن
مشاهدتنا التلفزيونية للأحداث
الجارية في القاهرة وتونس وغيرهما من
عواصم الدول العربية، على نحو مستمر
يومياً، قد تركت أثرها على الطريقة
التي ينظر بها الأميركيون إلى
المسلمين والعرب، وهو أثرٌ صحي إلى حد
كبير. فليس
سراً أن موجة الكراهية للعرب
والمسلمين تصاعدت عقب هجمات 11 سبتمبر
على أميركا. وإلى حد ما، ساهمت
استراتيجية "الحرب الدولية على
الإرهاب" التي تبنتها إدارة بوش
السابقة، في تعزيز نزعة الكراهية هذه.
فرغم أن بوش قال إنه يميز بين الإرهاب
والمسلمين، فإن سياساته العملية ساهمت
في الخلط بين هذين الأمرين في أذهان
كثير من الأميركيين. وسعت بعض
الجماعات، مدفوعة بأجندتها ومصالحها
السياسية إلى تعزيز هذه العصبيات التي
استهدفت العرب والمسلمين بالذات.
ونلاحظ أن بعض الساسة انتقدوا بناء
مركز إسلامي في موقع قريب من برجي مركز
التجارة العالمية اللذين دمرتهما
هجمات 11 سبتمبر. ومن ناحيتهم حاول بعض
الناشطين السياسيين اليمينيين
المعادين لأوباما استغلال تلك المشاعر
بالقول إن أوباما نفسه كان مسلماً. وفي
ذلك ما يشير ضمناً إلى صفة سلبية في
الرئيس. كما نشر برنارد لويس سلسلة من
الكتب التي حققت أعلى المبيعات، وجّه
فيها انتقادات متحيزة وغير منصفة
للعرب والمسلمين، وصفهم فيها بأنهم
مطبوعون على العنف، ولا إنسانيين، وأن
الشمولية والطغيان يجريان في دمائهم.
وبسبب كونه أكاديمياً مرموقاً من
جامعة مرموقة، فقد صدق الكثيرون ما
أطلقه من صفات سلبية مجحفة بالعرب
والمسلمين. وبسبب سطحية تفكير
الأميركيين الذين لم يحدث لأحدهم أن
التقى بعربي أو تعامل معه عن قرب، فقد
تهيأ المناخ لانتشار تلك العصبيات
والنزعة العدائية للعرب والمسلمين. وبالنتيجة،
ساد اعتقاد بين كثير من الأميركيين بأن
النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ليس سوى
نزاع ديني بين المسلمين واليهود،
متجاهلين بذلك الجزء الأعظم من
تعقيدات ومسببات النزاع، والتي من
ضمنها أن انتقادات المسيحيين
الفلسطينيين لإسرائيل، لا تقل حدة عن
تلك التي يوجها الفلسطينيون المسلمون
للدولة المحتلة نفسها. والحقيقة
أن جزءاً لا يستهان به من هذه العصبيات
يعود ببساطة إلى الجهل، طالما أن معظم
الأميركيين لا يعلمون سوى النزر
القليل جداً عن الإسلام والعرب. بيد أن
العواصف السياسية الأخيرة التي شهدها
الشرق الأوسط مؤخراً، يبدو أن لها
دوراً واضحاً في تثقيف الأميركيين
وتعريفهم بالعرب على نحو أفضل. فعندما
تابع الأميركيون عبر شاشات التلفزيون
والصحف اليومية، التغطية اليومية
الإخبارية للمظاهرات التي اندلعت في
تونس، وانتهت بالإطاحة بنظام بن علي،
ثم تلك التي شهدتها مصر وانتهت بذهاب
نظام مبارك، رأوا لدى الشباب العربي
سلوكاً متحضراً، منظماً وبعيداً عن
العنف، مما كان له أثره القوي في رسم
صورة مغايرة عن العرب عموماً. وأخص هنا
أن تلك المظاهرات التي استمرت في ميدان
التحرير بوسط القاهرة، وواجه فيها
الشباب المتظاهرون عنف قوات الشرطة
والأمن ضدهم، وتعاونوا مع الجيش،
بينما سارعت الأطقم الطبية إلى معالجة
المصابين والجرحى، وحمل المتطوعون
الغذاء والماء للمتظاهرين... كانت قد
صورت جميعها في لقطات فيديو وصور
فوتوغرافية ثابتة، فضلاً عن اللقاءات
الحية التي أجريت مع بعض المتظاهرين
والناشطين، وتركت أثراً قوياً على
المشاهدين وقراء الصحف الأميركيين.
وأثارت تلك المشاهد فيهم احتراماً
فورياً لهذه الشعوب التي يشاهدونها
وهي تناهض طغاتها وجلاديها. وقد ساعد
ذلك كله في تبديد الصور النمطية
المطبوعة في أذهان الأميركيين عن
العرب والمسلمين. كما
أعرب الكثير من المحللين وكتاب
الأعمدة في الصحف الأميركية عن
إعجابهم بما يرونه في بعض الدول
العربية. صحيح أنه قد ساءهم كثيراً ما
يحدث في ليبيا، لكنهم سعدوا بالانتقال
السلمي الديمقراطي للسلطة في تونس
والقاهرة، وبما يبدو أنه حوار سياسي
جاد وفاعل في عدد من دول المنطقة. ومن
بين هؤلاء المحللين والمعلقين، نذكر
سلسلة المقالات التي نشرها الكاتب
نيكولا كريستوف، من واقع متابعته
الميدانية للأحداث في القاهرة وغيرها.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى الافتتاحية
التي كتبها المحلل السياسي ديفيد
بروكس في عدد صحيفة "نيويورك تايمز"
الصادر في الثالث من مارس الجاري،
وتناول فيه قراءة جديدة لكتاب "صراع
الحضارات" الذي نشره البروفيسور
هنتنجتون. فقد كان من رأي البروفيسور
أن المسلمين والمسيحيين واليهود من
الاختلاف إلى حد يجعل الصدام بينهم
أمراً حتمياً في نهاية المطاف. لكن
عندما نظر بروكس إلى حقيقة ما يجري
اليوم في شوارع عدد من عواصم الدول
العربية والإسلامية، أعلن اختلافه
التام مع تلك التقسيمات الحادة التي
رسمها هنتنجتون في كتابه المذكور،
واصفاً إياها بعدم الموضوعية، خاصةً
إن تعلقت هذه التقسيمات الحادة
الفاصلة بالمسلمين والمسيحيين العرب. هذا
وقد تغيرت نظرة الغرب إلى الصحافة
العربية نفسها. ففي عهد إدارة بوش كانت
قد وصفت إحدى القنوات الفضائية بأنها
بعبع مخيف معاد للغرب ولأميركا على وجه
الخصوص. ووصل الأمر إلى درجة منع فيها
مسؤولو الإدارة عن الظهور في تلك
القناة. وساهمت هذه السياسات في انتشار
اعتقاد وسط عامة الأميركيين بأن هذه
القناة إرهابية ومتحيزة ولا رجاء في
تعافيها. صحيح أن اللغة العربية التي
تبث بها القناة وقفت عائقاً أمام
مشاهدة الكثيرين لها. بيد أن جمهور
المشاهدين الأميركيين وجد مؤخراً في
القناة التي تبث باللغة الإنجليزية -التي
يتابعونها عبر الإنترنت- أشمل تغطية
صحفية مستمرة للأحداث الجارية في
العالم العربي. لذلك فقد تغير رأيهم
عنها. وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية
هيلاري بملاحظتها مؤخراً عن ارتفاع
عدد مشاهديها في أميركا، لكونها تبث
أخباراً حقيقية. وبالمقابل انتقدت
كلينتون الفضائيات الأميركية، لأنها
مفرطة في بث برامج التسلية والترفيه. وأخيراً
نختم بالقول إن الوصمة والعصبيات
المرتبطة بالشرق الأوسط في أذهان
الأميركيين لا تزال موجودة إلى اليوم،
غير أنه أصبح ممكناً محو هذه الصورة
السلبية عن كل ما له علاقة بالعرب
والمسلمين. ====================== ثورات
شعوب أم فوضى خلاقة جديدة؟ البيان التاريخ:
10 مارس 2011 د.
إينا ميخائيلوفنا شهد
التاريخ العديد من الثورات الشعبية
العفوية أو العشوائية، التي اتسمت في
شكلها وأدائها بكثير من الفوضى. بعض
هذه الثورات حققت نتائج إيجابية وغيرت
مجرى تاريخ الشعوب، ربما أكثر من
الثورات المنظمة والموجهة وفق خطط
معدة مسبقا، إلا أنها في النهاية لم
تحقق للشعوب ما تحلم به، وذلك لأنها
كانت دائما بسبب عفويتها وعدم
تنظيمها، عرضة لمصير واحد، وهو صعود
قوى مضادة أو رجعية على صهوة هذه
الثورات، وتوجيهها وجهات أخرى عكسية. ومثال
واضح على ذلك الثورة الفرنسية عام 1798،
التي اندفعت بها البورجوازية الفرنسية
المتأثرة بأفكار مونتسكيو وفولتير
وروسو المثالية، ضد سيطرة حكم النبلاء
الفاسدين، معتبرة نفسها ممثلة لطبقات
الشعب الفرنسي المطحونة والفقيرة.
ورغم نجاح هذه الثورة في إسقاط
الباستيل وتغيير تاريخ فرنسا، وربما
العالم كله، إلا أنها لم تحقق آمال
الشعب الفرنسي، والنظام الجمهوري الذي
وضعته لم يدم ثلاثة أعوام، وانهار أمام
تحالف الجيش مع البورجوازية لتأسيس
نظام إمبراطوري نابوليوني، أكثر
دكتاتورية وقمعية من النظام الملكي
الذي أسقطته الثورة. وهذه النتيجة كانت
دائما مصير الثورات الشعبية
العشوائية، التي تقوم بمنطلقات
وشعارات مثالية وتنتهي بنتائج مأساوية. هذه
المقدمة ليست عرضا تاريخيا، بل هي ما
نراه يحدث أمامنا الآن على الساحة في
الشرق الأوسط، من ثورات شعبية عارمة ضد
أنظمة استبدادية قابعة في السلطة
لسنوات وعقود طويلة، هذه الثورات التي
يؤكد الكثيرون على أنها شعبية نقية،
وخالية من أي دسائس وخطط وتوجيهات من
جهات أجنبية، على الأقل حتى الآن، حيث
أنه ليس من المستبعد أن يغري الأمر
جهات أجنبية لاستخدام هذا المد
الثوري، لإشعال الحماس الشعبي وتوجيه
الجموع الشعبية بأيادٍ خفية لتحقيق
مصالح أجنبية. وهذا أمر وارد، ليس فقط
في الدول العربية أو في الشرق الأوسط،
بل في مناطق ودول أخرى صغيرة وكبيرة
أيضا، وقد سمعنا الكثير عن توقعات
بوصول هذا المد الثوري الشعبي إلى دول
مثل روسيا والصين والهند، وحتى دول
غربية في أوروبا وفي الأميركتين. ومن
المعروف عن دولة مثل روسيا، خبرتها
وزخمها التاريخي بالعديد من الثورات
والانقلابات، سواء قبل الحقبة
السوفيتية أو بعدها، وربما من منطلق
هذه الخبرة جاء التحذير الذي أطلقه
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،
أثناء زيارته لبريطانيا في الأسبوع
الأخير من فبراير المنصرم، حين قال «نحن
في روسيا لدينا خبرة عالية بالثورات،
ونعلم جيدا ما يحدث بعد هذه الثورات».
وحذر لافروف في حديثه بشدة من الانجراف
وراء تأييد هذه الثورات ودعم الأنظمة
التي تأتي بها، مطالبا بالتريث والحذر
الشديد في دعم أي نظام أو قوى جديدة
تتولد عن هذه الثورات. الحقيقة
أننا لا نشكك في نقاء ووطنية هذه
الثورات ومن يقومون بها من جموع شعبية
مدفوعة تحت ضغوط القهر والقمع والفساد
والفقر وغيرها، ولكن ما نخشاه هو أن
هناك جهات كثيرة تترصد وتحاول استغلال
نقاء وعفوية ومشاعر الجموع الثائرة،
وتوجيهها في اتجاهات أخرى عكسية
ومضادة تماما لمصالح الشعوب والأوطان.
وهذا الأسلوب هو الذي تمارسه واشنطن
بالتحديد الآن مع هذه الثورات، وهو ما
فعلته في تونس ومصر وليبيا. ونتساءل
هنا عن الحراك الشعبي الدائر في دول
أخرى، مثل اليمن والجزائر والبحرين
وغيرها، لماذا لا تبادر واشنطن من الآن
إلى تأييده ودعمه؟ وماذا تنتظر؟ وهناك
أنظمة أخرى حاكمة في دول أخرى، وتصفها
جهات كثيرة في الغرب وواشنطن بالقمعية
والدكتاتورية والفساد وخرق حقوق
الإنسان وانعدام الديمقراطية، ورغم
هذا تدعم أوروبا وواشنطن هذه الأنظمة،
وتمدها بالسلاح والمال لتساعدها في
قمع شعوبها، طالما لم تثُر هذه الشعوب
بعد. مشكلة
هذه الثورات الشعبية العشوائية، أنها
قد تستطيع بالفعل أن تطيح برأس النظام،
لكنها قد لا تستطيع الإطاحة بالنظام
نفسه. ومهما حققت هذه الثورات الشعبية
من نتائج، فإنها لا تبلغ الإنجاز
الكبير، وهو التغيير الحقيقي في
المجتمع، لأنها تفتقر إلى الخطط
والاستراتيجيات والمؤسسات الثورية
التنظيمية، التي تدير الأمور في وقت
الفوضى الثورية. الثورات
الشعبية العشوائية في الشرق الأوسط
محل دراسات وتحليلات كثيرة في الغرب
وواشنطن الآن، ومن ضمن ما قيل عنها
ونشرته صحيفة «واشنطن بوست» في
افتتاحيتها، علي لسان خبراء ومستشارين
استراتيجيين مقربين من البيت الأبيض
الأميركي، أن هذه بالفعل هي «الفوضى
الخلاقة» التي كانت تبحث عنها إدارة
الرئيس بوش الابن في الشرق الأوسط
وأفغانستان ولم تصل إليها، وتقول
الصحيفة الأميركية «لقد أتت هذه
الفوضى الخلاقة الجديدة إلينا على طبق
من ذهب، فهل نلتقطها أم نضيعها من
أيدينا؟». واشنطن
بوست، التي هي لسان حال المحافظين
الجدد في أميركا، تشير في افتتاحيتها
إلى نقطة هامة للغاية، وهي أن الجموع
الشعبية الثائرة في الشرق الأوسط، لا
تهاجم السياسة الأميركية في المنطقة،
على عكس ما هو متوقع باعتبار أن واشنطن
كانت تدعم هذه الأنظمة الحاكمة
المستبدة وتعتبرها أنظمة معتدلة،
بينما الأنظمة المستبدة هي التي تنتقد
السياسة الأميركية وتتهمها بأنها وراء
الحراك الشعبي ضدها، رغم أن هذه
الأنظمة كانت الأقرب لواشنطن. فهل
تستفيد أميركا من هذا الأمر وتنتهز
الفرصة لامتطاء هذه الثورات وتوجيهها
حيثما تريد؟ ربما هذا هو الذي تحذر منه
موسكو الآن. ====================== آخر
تحديث:الخميس ,10/03/2011 يوسف
مكي الخليج وسط
انشغال العرب بالتحولات التاريخية
الكبرى التي تجري في عدد من البلدان
العربية، اجتمع مجلس الأمن الدولي في
العشرين من فبراير/ شباط المنصرم
لمناقشة مشروع عربي، بإدانة الاستيطان
الصهيوني بالضفة الغربية وقطاع غزة . قبيل
موعد الاجتماع، مارست إدارة الرئيس
الأمريكي، باراك أوباما أنواعاً
مختلفة من الضغوط لثني السلطة
الفلسطينية عن عرض المشروع على مجلس
الأمن . واتصل الرئيس الأمريكي، باراك
أوباما شخصياً بالرئيس الفلسطيني “أبو
مازن”، لذات الهدف، مهدداً بقطع
المساعدات المالية السنوية التي
تقدمها بلاده إلى السلطة، في حالة
تمسكها بتقديم المشروع للتصويت عليه
من قبل مجلس الأمن الدولي . عند
عرض المشروع، صوتت لصالحه 14 دولة من
أعضاء مجلس الأمن الدولي ال،15 وتصدت له
الولايات المتحدة بمفردها باستخدام حق
النقض “الفيتو”، وكان لها ما أرادت .
وكان ذلك دليلاً آخر على عبثية
المراهنة في إمكان صدور أي قرار دولي
إيجابي لمصلحة الحقوق الفلسطينية،
يدين غطرسة الكيان الصهيوني، وخروجه
السافر على المواثيق والمبادئ
الدولية، ويدعم حقوق الشعب الفلسطيني
ضمن المعطيات الراهنة . حدث
استخدام “الفيتو” الأمريكي، وسط
انهيارات كبرى في النظام الرسمي
العربي، شملت مصر، أكبر قطر عربي من
حيث الدور الحضاري والثقافي الذي
لعبته، وأيضاً من حيث الثقل البشري .
وجاءت مناقشة القرار في مجلس الأمن،
أثناء انهماك عربي شامل بما يجري في
عدد من الساحات العربية . أدى
انهماك العرب بالأوضاع المتفجرة التي
تتداعى في عدد من الأقطار العربية، إلى
أن يمر استخدام “الفيتو” الأمريكي،
ضد مصلحة الشعب العربي الفلسطيني، من
دون اهتمام أو التفات من قبل أجهزة
الإعلام العربية المقروءة والمرئية،
والنتيجة حرمان الفلسطينيين من موقف
عربي تضامني تجاه الفيتو الأمريكي . لا
شك أن انحياز الإدارة الأمريكية
الأخير لمصلحة الكيان الغاصب، سيتسبب
في تداعيات خطرة على مسار المفاوضات
الفلسطينية “الإسرائيلية”، باتجاه
إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة،
وأيضاً على مجرى الصراع العربي
الصهيوني . وليس
من شك، أن إدارة الرئيس الأمريكي
أوباما كشفت باستخدامها حق النقض، عن
انحياز كامل للكيان الغاصب، كما كشفت
زيف الوعود التي أطلقتها هذه الإدارة
غداة وصولها إلى البيت الأبيض، وبشكل
خاص الخطاب التاريخي الذي ألقاه
الرئيس الأمريكي أثناء زيارته
للقاهرة، والذي وعد فيه بالتزام سياسة
نزيهة ومتوازنة تجاه القضايا العربية .
لقد تكشف للذين ساورهم الوهم بعدالة
الموقف الأمريكي ونزاهته، زيف دعوات
إدارة أوباما لاحترام حقوق الإنسان
وحق الشعوب في تقرير المصير،
وازدواجية فاضحة في المعايير، وتناقض
بين السياسات المعلنة والممارسة . لقد
أعلن الرئيس الأمريكي أوباما في بداية
دورته الرئاسية، عن رفضه سياسة
الاستيطان “الإسرائيلي”، في الضفة
الغربية، بما في ذلك مدينة القدس،
وطالب “الإسرائيليين” بوقفها، وأوضح
أن ذلك يمثل شرطاً ضرورياً لاستئناف
المفاوضات مع الفلسطينيين . لكنه أمام
تعنت إدارة حكومة نتنياهو، تراجع عن
موقفه، ودعا الفلسطينيين إلى مواصلة
المفاوضات مع الصهاينة، والقبول
بسياسة الأمر الواقع . توقع
الكثيرون أن تمارس الإدارة الأمريكية
الحالية، سياسة مختلفة عن سياسات
سابقاتها من الإدارات، تضغط بها على
الصهاينة للاعتراف بالحقوق
الفلسطينية . لكن ما تكشف لاحقاً، من
خلال استخدام “الفيتو”، أكد تماهي
سياسة هذه الإدارة مع سياسات الإدارات
الأمريكية السابقة، في الانحياز
الكامل للكيان الغاصب، والدفاع عن
مواقفه في الصراع مع الفلسطينيين
والعرب . لقد
فاجأ الموقف الأمريكي السلطة الوطنية
الفلسطينية، التي تصورت إمكان التزام
إدارة أوباما بموقف نزيه، يجعلها
مؤهلة للعب دور الوسيط، في التسوية مع
“الإسرائيليين”، باتجاه إقامة
الدولة الفلسطينية المستقلة . ولم يعد
بالإمكان التعويل الآن على استمرار
المفاوضات بين مختلف الفرقاء، من أجل
التوصل إلى تسوية سلمية عادلة، تضمن
تحقيق الحد الأدنى من الحقوق
الفلسطينية . إن
استخلاص الدروس من هذا الحدث، يعني أن
على الفلسطينيين، ألا يعولوا كثيراً
على تحقيق صبواتهم في الحرية
والانعتاق، على دعم من الراعي
الأمريكي . لا بد من إيجاد خيارات أخرى،
تجبر “الإسرائيليين” على الاعتراف
بالحقوق الوطنية الفلسطينية، خيارات
تعتمد تصليب عناصر الوحدة بين
الفلسطينيين، وتعمل على إعادة توحيد
الضفة والقطاع، وتحقيق المصالحة
الوطنية، بين فتح وحماس . إن ذلك يعني
فتح الأبواب مشرعة لكل الخيارات، بما
في ذلك خيار المقاومة المسلحة، التي
كفلتها الشرائع والدساتير وميثاق
الأمم المتحدة، والإعلان العالمي
لحقوق الإنسان، الذي يؤكد حق الشعوب
المحتلة في الكفاح بمختلف الوسائل
والأدوات من أجل انتزاع حريتها
واستقلالها . مع
المناخات العربية الجديدة، لابد من أن
تعيد السلطة الفلسطينية النظر في
سياساتها، وتركز مجدداً على العمق
العربي، لدعم الكفاح الفلسطيني . ولا
مناص من إعادة تقييم شامل لمرحلة أوسلو
وما تلاها من مفاوضات عبثية امتدّت
عشرين عاماً . ولن يكون بالإمكان تحقيق
ذلك إلا بترتيب البيت الفلسطيني أولا،
وإنهاء الانقسام والعودة إلى الوحدة،
وفق برنامج وطني يؤكد الثوابت
الفلسطينية، وينتهج سياسة مغايرة
بعيدة عن المساومة والتفريط في مصالح
الشعب الفلسطيني، أو المراهنة على
مواقف عادلة ونزيهة للإدارة الأمريكية
. إن هذه
المرحلة تتطلب تحقيق التلاحم العضوي
بين الفلسطينيين والعرب، وخلق مناخ من
التضامن العربي، للتصدي للغطرسة
الصهيونية، وإعادة تقييم المبادرة
العربية للسلام في الشرق الأوسط،
انطلاقاً من وعي مخاطر المشروع
الصهيوني، على الأمن القومي العربي،
وعلى حقوق الفلسطينيين . إن
الاستخدام الأمريكي المفرط والمتكرر
لحق النقض، حين يتعلق الأمر بالقضية
الفلسطينية، لا يطال السلطة
الفلسطينية وحدها، بل هو عدوان صارخ
على الأمة العربية جمعاء، والتصدي له
مسؤولية عربية أخلاقية وقومية ووطنية،
على الجميع وليست فرض كفاية . ====================== تاريخ
النشر: الخميس 10 مارس 2011 السيد
يسين الاتحاد حسمت
ثورة 25 يناير مشكلة العجز الديمقراطي
في مصر، الذي تمثل أساساً في تجفيف
منابع السياسة نتيجة لهيمنة النظام
السلطوي. وهذه الهيمنة تمثلت أساساً في
سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية، وتغول
شديد للسلطة التنفيذية على السلطة
التشريعية، ومحاولات خفية للنيل من
استقلال القضاء، وانفراد الحزب الوطني
الديمقراطي بالسلطة طيلة ثلاثين
عاماً، وتهميش الأحزاب السياسية
المعارضة، ومنع نشوء أحزاب سياسية
حقيقية جديدة، والقمع المنهجي لمن
يعارض السلطة من السياسيين والمثقفين. هذه
قائمة طويلة حقاً تكشف بوضوح عن مفردات
النظام السلطوي، الذي أدى في الواقع
إلى وقف العمل بالسياسة بمعناها
الحقيقي! Follow anaZahra on Twitter والسياسة
في أي مجتمع ديمقراطي تقوم على أساس
التعددية الفكرية والتعددة الحزبية،
في سياق يسمح بتداول السلطة بعد
انتخابات رئاسية ونيابية شفافة، لا
يشوبها التزوير، ولا تحمل في طياتها
تزييف إرادة الجماهير. وفي
ضوء ذلك كله إذا ظننا أن مجموعة من
التعديلات الدستورية مهما كانت
أهميتها في مجال توسيع إطار المشاركة
السياسية وضمان نزاهة الانتخابات،
وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومجلسين
للشورى والشعب، ستحل مشكلة انسداد
الآفاق الديمقراطية في البلاد نكون
مخطئين خطأ جسيماً. وذلك لأننا في حاجة
إلى إعادة اختراع السياسة بعد أن جفت
مياهها، وأنا هنا أستعيد عنوان كتاب لي
صدر عام 2005 "إعادة اختراع السياسة..
من الحداثة إلى العولمة" (ميريت 2005).
وحين أعود إلى فصوله المختلفة أجدني
أثير من المشكلات ما يستحق إعادة
إثارته اليوم، ولكن في سياق مختلف
جدّاً! لقد
كنت أتحدث من منظور الإصلاح السياسي لا
من منظور الثورة، التي كان وقوعها في
جيلنا يمثل ضرباً من ضروب الخيال!
والدليل على ذلك أنني كتبت مقالاً
بعنوان "محنة التحول الديمقراطي
العربي" تحدثت فيه عن عملية التحول
الديمقراطي، التي هي بحسب التعريف
الانتقال من السلطوية إلى الديمقراطية. وقررت
أنه في هذه المشكلة بالذات تبدو محنة
التحول الديمقراطي العربي وذكرت بالنص
"إذا كان هناك إجماع عالمي على أن
عهد الثورات والانقلابات قد ولَّى،
وأننا نعيش في عصر الإصلاح بكل تجلياته
السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية، فإن التحدي الحقيقي يكمن
في أن معظم النظم السياسية العربية لن
تجدي بصددها أي تغييرات جزئية، بل لابد
من تغيير طبيعة نظمها السياسية حتى
يحدث التحول الديمقراطي". وها هي
ثورة 25 يناير تثبت صدق هذه المقولة. ذلك
أن عملية الإصلاح السياسي في عهد مبارك
تعثرت وتجمدت بحكم تشبث نظامه بالسلطة
المطلقة، ورفضه القاطع لمسألة تداول
السلطة. وهكذا
جاءت الثورة لتبدأ مصر طريقها الحقيقي
إزاء الديمقراطية. والديمقراطية ليست
مجرد نظام سياسي ولكنها أسلوب حياة.
وفي ضوء ذلك ينبغي التفرقة بين إجراءات
الديمقراطية وقيم الديمقراطية.
فإجراءات الديمقراطية قد تتمثل في
الانتخابات وفي إجرائها بصورة دورية،
إشارة إلى أن ممثلي الشعب ينبغي أن يتم
اختيارهم من قبل الجماهير. غير أنه إذا
جرت انتخابات في غيبة الالتزام بقيم
الديمقراطية نصبح أمام موقف جدّ خطير. ولا شك
أن هناك قائمة طويلة تشكل مفردات
الديمقراطية، وعلى رأسها احترام حقوق
الإنسان واحترام التعددية. ويمكن
القول إننا نعيش في عصر العولمة
بتجلياتها السياسية والاقتصادية
والثقافية والاتصالية. وشعارات
العولمة المرفوعة هي الديمقراطية
واحترام حقوق الإنسان والتعددية. وحقوق
الإنسان تثير في التطبيق مشكلات شتى
وخصوصاً في الوطن العربي، وذلك لأن
الوضع السلطوي السائد أدى في التطبيق
عبر الخمسين عاماً الأخيرة إلى
اعتداءات جسيمة في هذا المجال،
وخصوصاً في طرق إدارة النظم السياسية
السلطوية العربية لصراعها مع خصومها
السياسيين. غير أن
هذه النظم السياسية العربية السلطوية
لم تجرؤ على أن تعترض جهاراً على تطبيق
مواثيق حقوق الإنسان التي وقعت على
أغلبها، ولذلك ومن قبيل المراوغة رفعت
حجة الخصوصية الثقافية في مواجهة
عالمية حقوق الإنسان، ومحتوى هذه
الحجة أنه مع التسليم بعالمية حقوق
الإنسان إلا أنه في التطبيق لابد من
مراعاة الخصوصيات الثقافية للدول
العربية والإسلامية، مما يمنع من
تطبيق بعض قواعدها. وهناك
اتفاق -على سبيل المثال- على أن أي متهم
ينبغي أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي،
ولابد له أن يتمتع بضمانات قانونية
تكفل له محاكمة عادلة، ومن بينها ضرورة
استعانته بمحامٍ، وعدم تعرضه للتعذيب،
والالتزام الدقيق بقواعد الإجراءات
الجنائية المتفق عليها في كل بلاد
العالم المتحضر. وفي هذه المجالات
وغيرها ليس هناك مجال للتعلل بحجة
الخصوصية الثقافية لعدم تطبيق قواعد
حقوق الإنسان العالمية. وإذا
أضفنا إلى ذلك حقوق الإنسان السياسية،
وحق المواطنين في الانتخاب الحر
المباشر لمن يمثلونهم في المجالس
المحلية والنيابية، أدركنا أن إعمال
هذه الحقوق بشكل صحيح إنما يمثل ضربة
حقيقية لصميم بنية النظام السلطوي
الذي يقوم على القهر السياسي
للجماهير، والذي حين يريد أن "يتجمّل"
ويلبس أردية الديمقراطية، فإنه يلجأ
إلى الاستفتاءات والانتخابات المزورة
هروباً من قاعدة تداول السلطة. غير أن
حقوق الإنسان لا تتعلق فقط بالحقوق
القانونية أو السياسية ولكنها -أكثر من
ذلك- تتعلق بالحقوق الاقتصادية. وفي
هذا المجال فإن الدولة السلطوية
العربية التي تسيطر على عملية صنع
القرار فيها العشوائية التي أدت إلى
إهدار المال العام، بالإضافة إلى
الفساد المنظم الذي تمارسه بعض النخب
السياسية الحاكمة، وكل ذلك أدى إلى
حرمان الجماهير العربية العريضة من
حقها في العمل المنتظم، وفي التمتع
بالتأمينات الاجتماعية والصحية، التي
هي حق من حقوق الإنسان في أي مجتمع
معاصر. غير أن
احترام حقوق الإنسان ليس سوى جانب من
جوانب الديمقراطية، أما الجانب الثاني
المهم فهو ضرورة احترام التعددية.
والتعددية ليست تعددية سياسية فقط،
ولكنها قد تكون تعددية دينية وعرقية
ولغوية. ولاشك أن جزءاً من مشكلة
التعددية سياسية كانت أو دينية أو
لغوية، هو غياب حرية التنظيم من
ممارسات عديد من الدول العربية. وحرية
التنظيم بما تتيحه من تعددية سياسية من
شأنها أن تجعل الانتخابات المحلية
والنيابية آلية فعالة من آليات تداول
السلطة. وذلك
لأن الظاهرة السائدة في الوطن العربي
هي ديمومة النخب السياسية الحاكمة في
ظل نظم سياسية لا تسمح إطلاقاً بتداول
السلطة، وباستخدام آليات مختلفة غير
ديمقراطية لتحقيق هذا الهدف. وقد أدى
هذا الوضع إلى تجمد السياسات العربية،
وظهور مراكز القوى السياسية، واحتكار
السلطة والمال والنفوذ، بل وأدى إلى
شيوع ظاهرة الفساد. ولذلك لم يكن
غريباً أن تتصاعد في العقد الأخير
الدعوات العالمية لضرورة تطبيق قواعد
"الحكم الرشيد" في الوطن العربي Governance، باعتبار أن هذا
النمط من الحكم هو الذي سيحقق قيم
المثال الديمقراطي الذي تحدثنا عنه من
قبل بكل مفرداته، في ظل تطور المجتمع
المعلوماتي العالمي، الذي يقوم أساساً
على حرية تداول المعلومات والشفافية،
بما يكفل للمحكومين أن يراقبوا أداء
الحكام. وما
زلنا في سياق تتبع إمكانيات تطبيق
مفردات الديمقراطية الأخرى في ضوء
كونها ليست مجرد نظام سياسي، ولكن
ينبغي أن تكون أسلوب حياة. ==================== صحيفة
«واشنطن بوست» الأميركية البيان التاريخ:
10 مارس 2011 بعد
أسابيع من التردد، تحدث الرئيس
الأميركي باراك أوباما، أخيراً، بقوة
عن ليبيا، معلناً خلال مؤتمر صحافي في
البيت الأبيض: «لقد فقد معمر القذافي
شرعيته في القيادة وعليه أن يرحل.. ولا
بد من تلبية تطلعات الشعب الليبي من
أجل الحرية... يجب أن تتحقق الديمقراطية
والكرامة». وبعد دقائق من ذلك، كرّر
أوباما هذه الدعوة وقال: «دعوني أكن
واضحاً جداً في هذه المسألة؛ إن العقيد
القذافي لا بد أن يتنحى عن السلطة
ويغادر البلاد». لقد
تحدث الرئيس الأميركي، وبات إسقاط
القذافي الآن سياسة أميركية رسمية. لقد
أصبحت هيبة أميركا في ورطة،
ومصداقيتنا على المحك. فما الذي سيفعله
أوباما إزاء هذا الأمر؟ القليل
جداً، على ما يبدو. فالإدارة الأميركية
تنشر عناصر عسكرية في منطقة البحر
المتوسط، ولكن يبدو أنها لا تريد
استخدامها. وأعرب وزير الدفاع
الأميركي روبرت غيتس عن تردد عميق إزاء
إقامة منطقة حظر جوي على ليبيا، وألقى
كلمة مؤخراً في «ويست بوينت»، حذر
خلالها من أن «أي وزير دفاع أميركي
يقدم في المستقبل المشورة للرئيس مرة
أخرى بإرسال قوات أميركية برية كبيرة
إلى آسيا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا،
يتعين فحص قواه العقلية». منذ
أيام توليه منصب نائب مدير المخابرات
المركزية الأميركية خلال إدارة الرئيس
الأميركي الأسبق «رونالد ريغان»، يعرف
«غيتس» أن هناك خيارات لخلع دكتاتور
دون الحاجة إلى إرسال «قوات برية
أميركية كبيرة». خلال عقد الثمانينات
من القرن الماضي، ابتكر صانعو السياسة
الأميركية وسيلة لدحر التوسع
السوفييتي، دون إلزام القوات البرية
الأميركية بكل نقطة اشتعال على امتداد
العالم. كان هناك أناس متحمسون لخوض
حروب التحرير الخاصة بهم، ولم يكونوا
يريدون أن يحارب الجنود الأميركيون من
أجلهم، وإنما أن تمدهم أميركا
بالأسلحة والتدريب ومعلومات
الاستخبارات، وغيرها من أشكال الدعم،
حتى يتمكنوا من القتال وتحقيق النصر في
تلك الحروب بأنفسهم. ومن خلال توفير
هذه المساعدة، ساعدت أميركا مقاتلي
المعارضة في أماكن متفرقة من العالم،
مثل أفغانستان ونيكاراغوا. وأطلق على
هذا التوجه «مبدأ ريغان»، وقد حان
الوقت لتطبيقه في ليبيا. تحتاج القوات
المناهضة للقذافي في ليبيا إلى الأمور
نفسها التي احتاجتها قوى المعارضة في
نيكاراغوا وأفغانستان، وهي: معلومات
الاستخبارات؛ بمقدور الولايات
المتحدة أن تزود الثوار الليبيين بصور
الأقمار الصناعية حول تحركات القوات
الحكومية، ومعلومات الاستخبارات عن
القوات العسكرية الحكومية وقدراتها
ونواياها، وكذلك تقديم المشورة
التكتيكية في كيفية الاستفادة من هذه
المعلومات. الأسلحة؛
يمكن لأميركا تزويد المقاومة الليبية
بكل شيء، من بنادق وذخيرة، إلى الأسلحة
الأكثر تطوراً، كالمدفعية المتقدمة
ومعدات الرؤية الليلية وأجهزة
الاتصالات. التدريب؛
يمكن للولايات المتحدة أن تضع خبرتها
التي استخدمت في تشكيل القوات
الأفغانية والجيش العراقي،
لاستخدامها في ليبيا، من خلال توفير
مستشارين لتدريب القوات المناوئة
للقذافي وتزوديها بالأسلحة
والتكتيكات والاستراتيجية العسكرية. الدعم
الدبلوماسي؛ يمكن للولايات المتحدة أن
تلعب دور الوكيل للمقاومة الدبلوماسية
الليبية، وتشديد العقوبات على
القذافي، في حين تقوم بحشد «الناتو»
وحلفائها في الشرق الأوسط للمساعدة في
الإطاحة به. ويبرز
حالياً دعم الحزبين الجمهوري
والديمقراطي في الكونغرس لتقديم مثل
هذه المساعدة، فقد دعا أعضاء من مجلس
الشيوخ الأميركي بشكل علني إلى تسليح
المقاومة الليبية. تطبيق مبدأ ريغان في
ليبيا لا يخلو من المخاطر، فبينما يريد
معظم الليبيين استبدال النظام المستبد
للقذافي لتحل الديمقراطية محله، فإن
هناك جماعات متطرفة وقوى متعاطفة مع
تنظيم القاعدة في شرق ليبيا، حيث
تتمركز حركة الثورة. فكيف يمكننا
التمييز بين هذين الجانبين؟ ==================== آخر
تحديث:الخميس ,10/03/2011 الخليج برنارد
هايكل لقد
دخل العالم العربي إلى الفترة الأكثر
دراماتيكية في تاريخه الحديث، فالآن
تسقط الأنظمة القَمعية وتُكتَسَح أمام
الشعوب العربية التي بدأت تأخذ
مصائرها بأيديها اليوم . ولكن
هذه اللحظة الانفعالية المتوقدة لا
تنبئنا بما قد يخبئه المستقبل، ففي
أحسن الأحوال، لا يزال الطريق إلى
الديمقراطية طويلاً: فالمؤسسة
العسكرية لا تزال تهيمن على الساحة في
أكثر من بلد عربي، وفي ليبيا واليمن
بدأت القوى القَبَلية تلقي بظلها
الثقيل . لن نجد
سرداً واحداً يفسر كل هذا، فالأنظمة في
مختلف أنحاء الشرق الأوسط، والولايات
المتحدة، والحكومات الأوروبية، فضلاً
عن “القاعدة” وغيرها من التنظيمات
الإسلامية، تبذل جميعها قصارى جهدها
في محاولة لفهم ما قد تأتي به الأيام
المقبلة . والآن
يعترف الباحثون في شؤون المنطقة، من
أمثالي، بأن فهمنا للسياسة العربية لم
يؤهلنا لتوقع هذه الموجة من
الاحتجاجات الناجحة . فإلى أن اندلعت
انتفاضة تونس كنا نتصور أن أي تغيير
سياسي في المنطقة إما أن تقوده قوى
إسلامية، وإما أن يأتي في هيئة انقلاب
تقوم به مجموعة من الضباط العسكريين،
ولكن ليس بوساطة حشود غير منظمة
يتقدمها الشباب . إن
التضخم الديموغرافي لشريحة عريضة من
السكان الشباب في الشرق الأوسط أمر
معلوم للجميع، ولكن أحداً لم يتوقع أن
أفراد هذه الشريحة قادرون على تعبئة
الوسائل الإعلامية الاجتماعية
والهواتف المحمولة لإسقاط قادة راسخين
. فقد كان من المتصور أن تكنولوجيا
الإنترنت تعمل على تفتيت القوى
الاجتماعية بدلاً من توحيدها في قضية
مشتركة . وكنا نرى أن الأنظمة الحاكمة
في المنطقة أكثر وحشية من أن تسقط من
دون قتال، كما تثبت الأحداث المأساوية
الجارية الآن في ليبيا . وحتى
تنظيم القاعدة، وباعترافه، أخِذ على
حين غرة، ولا شك أن هذا راجع إلى أن
الحجة المركزية للتنظيم كانت أن سقوط
الحكومات العربية القمعية لن يتسنى
إلا من خلال العنف . وفي رده على
الأحداث الأخيرة، نشر أيمن الظواهري،
الرجل الثاني على رأس تنظيم القاعدة،
تحليلاً مضجراً أشبه بملفات الباور
بوينت للقانون الدستوري والتاريخ
السياسي المصري . ومثله
كمثل الرئيس المصري المخلوع حسني
مبارك من قبله، كانت نبرة الظواهري
تحمل قدراً كبيراً من التنازل
والادعاء، والواقع أن محاضرته سلطت
الضوء على مدى ابتعاد كبار قادة تنظيم
القاعدة عن روح العصر . بيد أن
أحد منظري تنظيم القاعدة الأحدث سناً
كان أكثر إقناعاً، ففي رسالة مؤرخة في
السادس عشر من فبراير/ شباط 2011 تحت
عنوان “ثورة الشعب وسقوط النظام
العربي الفاسد: بداية جديدة وتحطم صنم
الاستقرار”، كتب ليبي أسمى نفسه عطية
الله: “أعترف بأن الثورة لم تكن التصور
الأمثل الذي كنا نسعى إلى تجسيده . .
ونحن نأمل أن يكون هذا بمثابة الخطوة
الأولى نحو مستقبل أفضل” . ويزعم
عطية الله أن هذه الثورات لم تسفر عن
إسقاط أنظمة مثل نظام مبارك فحسب، بل
إن الأهم من هذا أنها دمرت مبدأ “الاستقرار”
الذي سمح للأنظمة والغرب باستغلال
المنطقة وتوفير الأمن ل”إسرائيل” . وبعد
اعترافه بدهشته إزاء السرعة التي
تطورت بها الأحداث، ينصح عطية الله
الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة
بالمشاركة المتأنية المتروية مع القوى
الصاعدة في هذه البلدان . وهو يزعم أن
هذه الوسيلة هي الوحيدة من الناحية
التكتيكية التي يستطيع تنظيم القاعدة
من خلالها أن يحقق هدفه النهائي
المتمثل في الاستيلاء على السلطة .
ولقد أعرب آخرون من مفكري تنظيم
القاعدة عن إعجابهم بقدرة الشباب من
أمثال وائل غنيم على حشد الآلاف من
مواطنيه المصريين من خلال الإعراب عن
رغبته المخلصة في التغيير وحبه لبلاده
. وهناك بلا أدنى شك درجة من الحسد لما
نجح آخرون في إنجازه، وشعور يائس
بضرورة الاستفادة من هذا التغيير . وخلافاً
للانتفاضة في مصر وتونس، فإن الاقتتال
الذي يدور حالياً في ليبيا يقدم لتنظيم
القاعدة فرصة لتأكيد سرده الكلاسيكي
عن أهمية التغيير عن طريق العنف .
والأمر الأكثر إزعاجاً وإثارة للقلق
هو أن العنف في ليبيا يكشف عن ملامح
معينة في منطقة الشرق الأوسط، وهي
الملامح التي نُسيَت بعد النجاح
المسكر المبهر في تونس والقاهرة . والأمر
الأشد وضوحاً هنا هو أن التغير السياسي
لن يحدث بنفس النمط في البلدان
المختلفة في العالم العربي . فعلى
النقيض من تونس ومصر، حيث التجانس
المجتمعي النسبي، تتسم ليبيا
بانقسامات قَبَلية عظيمة الأهمية، في
حين تمزق الطائفية بلداناً أخرى، وفي
غياب المؤسسات الوطنية القوية فإن
التغيير في هذه البلدان يهدد بإراقة
الدماء على نطاق واسع . فضلاً
عن ذلك فإن العنف المفرط في ليبيا قد
يبث الرسالة إلى شعوب أخرى في المنطقة
مفادها أن ثمن التغيير أعلى من أن
يتكبده أي شعب، وأن التحول السلمي
نسبياً الذي شهدناه في مصر وتونس قد لا
يكون قابلاً للتكرار . أستاذ
دراسات الشرق الأدنى في جامعة
برينستون . والمقال
ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت” ====================== بريطانيا
وتحديات الأحداث الصاخبة افتتاحية
«غارديان» البريطانية الرأي
الاردنية 10-3-2011 كشفت
السلبية وانعدام الطموح الكامن في
منهاج تجاري ثنائي، حيال السياسة
الخارجية عند الحكومة الائتلافية
البريطانية، عن القصور السيئ في
مواجهة الأحداث الأخيرة. لم تتباطأ
وتيرة التغيير في الشرق الأوسط وشمال
إفريقيا خلال أكثر من شهر، وكل بضعة
أيام يظهر قرار صعب آخر على مكتب وزير
الخارجية البريطاني، مثل كيف يمكن
ممارسة الضغط على نظام مبارك؟ وكيفية
التعامل مع الوضع في البحرين؟ وكيفية
ضمان اجتياز آمن للمواطنين
البريطانيين من الوضع المتدهور بسرعة
في ليبيا؟ لا
يوجد في التحديات السياسية التي
فرضتها هذه الأحداث الصاخبة، ما يمكن
اعتباره واضحاً أو سهلاً. فقد انهارت
الافتراضات القديمة، بالسرعة نفسها
التي انهارت بها الأنظمة القديمة.
ولكن، للأسف، أبدت الحكومة البريطانية
سيطرة ضعيفة على الموقف بشكل لافت.
وعدم الكفاءة التشغيلية تبعتها حالة
من التنافر الاستراتيجي. وتجلت الفوضى
بشأن الرحلات الجوية، وحالة من عدم
اليقين على نطاق أوسع حول من الذي كان
مسؤولاً. بعد
ذلك، وفي أحد الأيام تمت مناقشة مسألة
فرض منطقة حظر للطيران لكي يتم التغاضي
عن الفكرة في اليوم التالي، فيما حذر
وزير الدفاع الأميركي «روبرت غيتس» من
«النقاش الفضفاض». وكأحد أشكال حسن
التدبير، اختارت الحكومة البريطانية
أيضاً في ذلك اليوم، الإعلان عن إقالة
الألوف من أفراد سلاح الجو الملكي
البريطاني. عندئذ اندلع غضب الرأي
العام، في الوقت الذي كان هناك شد وجذب
في مناقشات مجلس الوزراء بشأن ليبيا. يحق
للناس أن يتساءلوا حول ما يجري وما جرى
بطريق الخطأ. بالتأكيد، هناك افتقار
للخبرة على جميع المستويات الحكومية،
وهو ما يظهر في ارتكاب أخطاء أساسية،
مثل عدم التئام شمل مجموعة «كوبرا» (فريق
الطوارئ في المملكة المتحدة) بشكل
عاجل، ومن خلال الفشل في التنسيق بشأن
التصريحات العلنية مع الحلفاء
الرئيسيين لبريطانيا. لكن
ثمة أيضا مسألة أعمق؛ فالأجيال
السابقة من القادة نضجوا من خلال لحظات
جيوسياسية، مثل أحداث عام 1989
وحروب البلقان وأحداث الحادي عشر من
سبتمبر 2001. ورؤية العالم للحكومة
البريطانية الحالية تحددت في جانب
كبير منها، من خلال الأزمة المالية
العالمية. ووفقا لذلك، اعتقدت الحكومة
الائتلافية أنها إذا تراجعت عن الشؤون
الخارجية، فإن حالة من الهدوء على
الساحة العالمية ستنعكس وتعزز جدول
أعمالها الداخلي في التقشف. لقد
جاء المحرك لهذه الأحداث من داخل
المنطقة، وليس من خارجها. لكن التحدي
هو استخدام النفوذ البريطاني لدعم
التحولات السياسية في شمال إفريقيا،
مع تلك الدول التي لا تبعد سوى ثمانية
أميال عن أوروبا، بدلاً من مجرد لعب
دور المتفرج. التحدي الحقيقي أمام
بريطانيا اليوم، هو ما إذا كان
بمقدورنا أن نجعل الثورات «المتشابكة»
التي نشهدها، منسجمة مع سياسة خارجية
متشابكة. إن
بريطانيا هي البلد الوحيد الذي يمكنه
العمل بشكل متزامن، من خلال الاتحاد
الأوروبي ومجلس الأمن الدولي وحلف «ناتو»
والكومنولث. لذلك، ما هي ملامح الأجندة
البريطانية في الأيام القليلة
المقبلة؟ يتعين أن يبقى الضغط المستمر
على النظام الليبي وحماية الشعب، ضمن
الأهداف الاستراتيجية الغربية، وأن
تتقدم الحكومة البريطانية من الآن،
باقتراح أن تصبح جلسة الاتحاد
الأوروبي قمة طارئة مشتركة مع اجتماع
الجامعة العربية، وأن يكون الهدف
الرئيسي لهذه المجموعة، هو إجراء
اتصالات مع زعماء المعارضة لدعم
جهودهم في إدارة الأجزاء الكبيرة من
ليبيا التي يسيطرون عليها. ومن خلال
اجتماع وزراء دفاع «ناتو»، ينبغي أن
تكون بريطانيا في قلب جميع الاحتمالات
التي ربما تكون مطلوبة. ====================== تحديات
العرب الراهنة.. إلى أين؟! د.
محمد القضاة الرأي
الاردنية 10-3-2011 كيف
يبدو العالم العربي بعد هذه الثورات ،
وماذا ينتظر العرب بعد ذلك؟ ألا تستحق
هذه التحديات مراجعة شاملة لمفاصل
الحياة العربية كافة، أم لا بد من
الانتظار من جديد كي نعود إلى هذا
المربع ؟ إن الآراء والأصوات العربية
تجمع على أهمية المراجعة الشاملة
لمواجهة هذه التحديات، وترى أن إدراك
الحقائق على الأرض كما هي كاملة مهمة
في المراجعة الشاملة لتحديد الأخطاء
والسلبيات والمثالب والنواقص، مراجعة
حقيقية تستند إلى الموضوعية
والشفافية، مراجعة النظام السياسي
العربي بوصفةٍ عربية والنظم التعليمية
والقضايا العالقة في التعليم العالي/
الجامعات خاصة أعداد طلبتها وعدم
قدرتها على المنافسة العالمية،
ومعالجة هجرة الكفاءات العربية إلى
الخارج والخلل الذي يدفعهم إلى ذلك،
والوقوف طويلاً عند الإنجازات،
ومراجعة قضايا الشفافية وما يترجم
عنها، وكل ما يؤثر في حياة الفرد
العربي، وهي قضايا تحتاج إلى حزم
ومسؤولية عربية شاملة على مستوى كل قطر. المراجعة
العربية يجب ان تضع في اعتبارها كيف
تلتقي بالأخر وتتحاور معه في سبيل
مصلحة الفرد، وأن تؤكد على مراجعة
المفاصل التي ترتقي بالعمل المنتج
وتهتم بالإنسان لكي لا يبقى يشعر
بالغبن والهامشية وأنه عبثي ومجرد رقم
لا قيمة ولا وزن ولا حول ولا قوة، ولكي
تستمر البوصلة في طريقها لا بد من
تكاثف الجهود بحيث تترجم إلى فعل وعمل
مهما تغيرات المواقع والأسماء والظروف
والقيادات، والمؤسسات التي تعمل في
إطار مؤسسي لا تتأثر وانما تعزز
الثبات،والثبات هو عنوان الدولة
المستقرة ، والاستقرار يجب أن يكون نهج
السياسات العربية،وثمرة حية لما ينبغي
أن يكون عليه المجتمع في كل دولة
لمواجهة التحديات والمستجدات . ألا
يحتاج النظام العربي إلى وشائج واضحة
بين أفراد المجتمع الواحد، وعلاقات
دافئة بين أفراد المجتمع الواحد
والعرب على اختلاف مشاربهم وأفكارهم،
كما يحتاج إلى موضوعية وشفافية واضحة
في سياسة المصالح والمحاور، ومنظومة
جادة في محاسبة المقصرين والمتقاعسين
مهما كان وزنهم ومالهم، ومكافأة
حقيقية للمبدعين والمخلصين، والتخلص
من البيروقراطية والتسيب والفساد،
وتأكيد الحرية والديمقراطية ومبدأ فصل
السلطات الثلاث؛ كل واحدة لها هيبتها
واستقلالها ودورها في بناء أركان
الدولة الحديثة، يرفدها الإنسان
بقدراته وعمله بعيداً عن لغة المنافع،
ولا بد من سياسة الاعتدال ومراجعة
القوانين والأنظمة بين حين وآخر بحيث
لا تترك الحدود مفتوحة لكل من هب ودب،
وأن نعرف أن موقعنا في هذه القرية
العالمية التي ألغت الحدود والعقول،
وغدت فيها الدولة القطرية في سلم
الأولويات المتناقصة تجعلنا أمام وضع
حساس لكي ندحر ضرر العولمة ونستغل
النافع منها، لا نريد أن نصف العولمة
مثل وصف العميان للفيل، يصفها حسب
المكان الذي يضع عليه يديه، خاصةً أن
العولمة وما يتبعها من حرية التجارة
وفتح الأسواق وتنقل الاستثمارات وتقلص
دور الدول أصبحت حقائق علينا أن نتعامل
معها، كل هذا يضعنا أمام اختبار حقيقي
لوضع جميع السياسات الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية والثقافية
والتعليمية والصحية والإنسانية على
طاولة المراجعة حتى نكون قادرين على
التكيف مع المستجدات كافة، فهل يتحرك
العرب ويترجموا هذه المراجعة بحيث
تنسجم مع رؤية الإنسان العربي ورغبته
بالاستقرار والامان والحياة الفضلى
،وهل يكون الدرس اللبناني عبرة لكل
الفرقاء العرب؟ ====================== حسن
عصفور الدستور 10-3-2011 لا
تختلف غالبية الشعب المصري على أن لا
مكان لثورة مضادة ، ولا مجال لحدوثها
تحت أي ظرف كان ، كون الثورة الشعبية
التي أطاحت بالنظام السابق في بعض
أركانه أقوى من قوى الخراب والتخريب ،
وهناك اتفاق عام على أن قوى التغيير
بات لها من التأثير الهام القادر على
حماية "منجزات" لا تزال لم تكتمل
بعد ، وتسير في مسارها أحيانا بسرعة
وأخرى ببطء يؤدي الى توتر ما بين صفوف
قوى التغير الثوري ، خصوصا شباب
الانطلاقة الأولى .. ومع ذلك هناك إيمان
يقيني أن مصر لن تعود للوراء .. ولكن
لا ينكر كثير من أبناء "المحروسة"
أن هناك أحداثا تبرز بين حين وآخر ،
يمكنها أن ترسل رسائل خطيرة وقلقة جدا
على مستقبل النظام السياسي المراد أن
يكون في مصر ، وتسارعت بعض مشاهد في
الآونة الأخيرة هدفها الأساس إعاقة
روح التقدم والتغيير ، دون تجاهل أن
هناك أطرافا وربما قوى داخلية وخارجية
لها مصلحة في إشعال باب يشكل خطرا
شديدا على مصر الوطن قبل أن يكون خطرا
على النظام ، وبات الحديث اليوم أن
الثورة تريد "اسقاط النظام" بينما
قوى الفتنة تريد "إسقاط الدولة" ،
وبين المقولتين يتم تحديد مخاطر ما
تشهده مصر بعد رحيل مبارك وسقوط بعض
أركان نظامه.. المسألة
بين المقولتين باتت جزءا من النقاش
السياسي والفكري للمشهد القائم اليوم
، وإزدادت حدة الجدل والنقاش وإنتقاله
من باب التخوف والحذر قبل أسابيع ليصبح
نقاشا بوقائع ملموسة لا يستطيع
تجاهلها اي مصري يريد لمصر خيرا
وللتغيير مكانا ، فمع الليلة الأولى
لتكليف رئيس وزراء جديد بترشيح من قوى
التغيير ، انطلقت جموع شعبية في توقيت
موحد نحو مقرات "جهاز أمن الدولة"
تطالب بحله واسقاطه ، أدت لاحقا الى
اقتحام المقرات أثر وصول معلومات عن
قيام العاملين في الجهاز المذكور بحرق
الملفات لإخفاء معلومات قد يكون لها
أثر في كشف "الحقيقة" لمساعدة
جهات القضاء في محاكمة أركان الحكم
السابق ورجال أعماله وكل من يجب
محاكمته ، ولم تقف المسألة عند حدود
حصار الحريق بعد الإقتحام الشعبي
المفاجئ ، بل وصل الأمر الى السيطرة
على الملفات والوثائق والتقارير ،
وجدت مصيرها لاحقا الى الأرصفة لتباع
أسرار أو ما يمكن إعتباره "اسرار
دولة" بجنيهين مصريين أي أقل من نصف
دولار للوثيقة ، وبعضها وجدت منشورة
على المواقع والصحف دون أن يفكر أحد
بما بها من صواب وخطأ ، وفصل الحق عن
الباطل .. الى أن خرج البعض ممن لهم
مواقف مشهودة لهم بالتصادم العلني مع
النظام السابق ليرفعوا الصوت بما
بالوثائق من تزوير .. والى
حين أن يكتشف جموع المقهورين من قمع
الجهاز الأمني الذي نال كثيرا من
إنسانية المواطن ، رأى البعض في مصر أن
ما حدث ليس سوى بعض من "أوجه مخطط"
مرسوم بدقة لزرع بذور الشقاق والتشكيك
والصراع الذاتي داخل صفوف القوى التي
أسهمت في إسقاط النظام ، وإشغالهم
بالهدم وليس بالبناء ، وتبدو "الثورة"
وكأنها أداة هدم للدولة وليس للنظام ،
ما يثير فتنا سياسية مع جموع الشعب
المصري الحريص على مصر الدولة ، وتفتح
جبهة في جدار البناء الوطني وتأخير كل
ما يمكن المساهمة في تطور مصر ،
وإبقائها في حلبة الصراع ، خاصة وأن
هذه الأعمال جاءت أو ترافقت مع مظاهر
لجموع الموظفين والقطاعات المهنية في
غالبية مؤسسات الدولة ، الذين عانوا
كثيرا من القهر الوظيفي ، ووجدوا أن
الوقت حان لهم للتعبير ، فما كان من
البعض سوى رفض هذا الشكل في هذا
التوقيت ، ويدور نقاش عميق حول جدوى
هذه المظاهرات والمطالب الآن ، وهل هي
تأتي تعبيرا عن قهر وظيفي أم أنها أداة
لنشر "الفتنة" الداخلية ايضا.. وتنفتح
"جبهة التشكيك" فيما يحدث مع قيام
طلبة عدد من الجامعات والمدارس
بالتظاهر مع أول يوم لعودة الدراسة ،
اعتبر البعض أن زمنها ونوعية مطالبها
بعد أن تولى عصام شرف الوزارة ليست
بريئة حتى وإن كانت المطالب مشروعة لكن
التوقيت والاسلوب يثيران "شبهة
فتنوية" ، قد لا تكون بريئة أو بعيدة
عن جهات تشجع تلك المظاهر المنتشرة جدا
هذه الأيام في مصر .. وجاءت
الطامة الكبرى عندما قام بعض شباب مسلم
بحرق كنيسة في إحدى مناطق حلوان ( كنيسة
اطفيح) ، بدأت بقصة عادية جدا وانتهت
بتظاهر وقطع طرق وتهديد بمليونية
قبطية ، واشتباكات أدت لمقتل عشرة شباب
مسيحي ، ما الى مزيد من التوتر الطائفي
، الفتنة التي يعتبرها أهل المحروسة
الأشد خطرا على الدولة والوطن ، كونها
معولا خطيرا جدا للتدمير ، وجاء رد بعض
الجهات الاسلامية للرد على التظاهر
القبطي بشكل استفزازي بدل من التجاوب
مع نداءات شيخ الأزهر وعديد رجال الدين
والدعاة بمحاصرة "فتنة اطفيح" ،
فقام بعض المتطرفين من السلفيين وبعض
من الإخوان ( خروجا على رأي جماعة
الإخوان الرافضة للفتنة) بالتظاهر
أمام مجلس الوزراء للمطالبة بإعادة
كاميليا شحاتة فتاة مسيحية قيل إنها
اسلمت بعد زواجها من مسلم ، خطوة رآها
الكثيرون أنها تأتي لتصب النار على زيت
الفتنة الطائفية .. أحداث
تتحرك في مصر زمن الثورة ، والسؤال من
له مصلحة في زرع بذور الفتنة المهنية
أو الطائفية في زمن الحديث عن تغيير
الدستور وقبل أيام من الاستفتاء عليه ،
وزمن النقاش المعمق حول مستقبل مصر
والقوانين الخاصة بالأحزاب وممارسة
الحريات وقانون الانتخابات الأفضل
لمصر ، وكيفية إعادة الأمن والآمان
للمواطن بعد أن هرب النظام الأمني
السابق ، والسبل الكفيلية لنهضة
اقتصاد مصر وكيفية عودة المؤسسات
الصناعية والاقتصادية للعمل ، اسئلة
مشروعة جدا تصطدم بأفعال لا يبدو أنها
صدفة أو رمية من غير رام .. من هي القوى
الخفية داخليا وخارجيا ذات المصلحة في
تعطيل قطار التغيير في مصر .. ذلك هو
السؤال الذي يحتل مساحة واسعة في جدل
المصري اليومي .. مخاوف تبرز ولكن
اليقين أن شعب مصر وقواه لن تسمح
للفتنة ومن يريدها بالنجاح .. ملاحظة:
يبدو أن "الطائفية العربية" ستلجأ
لاحقا لاستخدام شعارات شعبية للاختباء
وراءها .. لنراقب البحرين ولبنان
والسعودية في الأيام القادمة .. هي بعض
محاولات لتشويه الحراك العارم في
بلادنا العربية التي تنتظر تغييرا
قادما لا رادَ له .. ===================== مسؤوليات
العرب الوطنية والحضارية ضياء
الفاهوم الدستور 10-3-2011
لم
يستطع العرب حتى الآن كبح جماح الطاغية
الذي أعلن حربا شعواء على الشعب العربي
الليبي الشقيق كما لم يستطيعوا بعد
مواجهة تحديات كيان صهيوني غاصب أقيم
بالحديد والنار على بلاد مسجدهم
الأقصى المبارك ، مسرى رسول الله إلى
البشرية محمد بن عبد الله صلوات الله
وسلامه عليه وعلى صحبه وآله ومن اتبع
هداه إلى يوم الدين . ولذلك نرى هذا
الكيان الغريب عن ديار العروبة
والإسلام يواصل أعماله الإجرامية ضد
الفلسطينيين وغيرهم من العرب باستفزاز
قل نظيره وعنصرية كريهة تتحدى كل
المبادئ والقيم و القوانين الدولية
وغطرسة متناهية حتى ضد المقدسات
الإسلامية والمسيحية وضد أطفال فلسطين
وأشجار زيتون أهلهم . وبالنسبة
للشعب الليبي الشقيق فإن من حقه أن
ينتظر مساعدات على كافة المستويات من
أمته العربية الإسلامية وكل شرفاء
العالم لوضع حد للسفاح معمر القذافي
وأعوانه ومرتزقته. وإن لم تقم هذه
الأمة بواجباتها الآن تجاه الإخوة
الليبيين فمتى تقوم ؟ هناك
بطء شديد لا مبرر له بشأن اتخاذ خطوات
جريئة لمساندة النضال العربي الليبي
ضد عسف وظلم مجنون يواصل قهر شعب ليبيا
العربي الإسلامي بأسلحة فتاكة
وبالدبابات والطائرات . ويرى كثيرون أن
على الجامعة العربية أن تتحرك في الحال
للقيام بواجباتها تجاه الشعب الشقيق . ولعله
قد أن الأوان أيضا لتكثيف الجهود
العربية للقيام بالواجب القومي تجاه
قضية الشعب العربي الفلسطيني الذي ما
زال يتعرض لاحتلال صهيوني استيطاني
كريه ولاغتصاب حقوقه بوسائل وحشية
فاقت قدرة البشر على التصور . لقد
ثبت للعالم الآن أن إسرائيل غير معنية
بالسلام بعد أن فوتت الفرصة التاريخية
التي أعطيتها للتوصل إليه مقابل أن
تنهي احتلالها للأراضي التي احتلتها
عام 1967 وتعيد الحقوق إلى أصحابها ولا
تضع العقبات أمام إقامة الدولة
الفلسطينية على التراب الوطني
الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف. كما
ثبت لهذا العالم أن اليهود العنصريين
قد أمعنوا في سفك دماء الفلسطينيين
وسجن كثير من قادتهم وأبنائهم
والتضييق على كافة أبناء شعب فلسطين في
محاولات متتالية لجعلهم يغادرونها حتى
تخلو لهم الساحات تمهيدا لتوسيع رقعة
كيانهم العنصري الغاصب . ولهذا فقد
واصلوا أعمالهم الاستيطانية
الإستئصالية في الضفة الغربية وهضبة
الجولان . العرب
الآن مهتمون ومنشغلون بمتابعة ما جرى
وما زال يجري في دول عربية شقيقة
لتعديل مسار حكوماتها بما يتمشى مع
مصالح شعوبها الحقيقية العادلة التي
يؤيدها أحرار العرب وشرفاء العالم .
وهم أيضا قلقون بما تواصله إسرائيل ومن
لف لفها من محاولات إثارة الفتنة بين
صفوفهم من منطلق فرق تسد . وإزاء ذلك
فإنه لا بد للعرب والمسلمين أن يكونوا
على يقين من أن سلاح أعدائهم الأمضى هو
إثارة الفتنة بين أبناء كل قطر من
أقطارهم . وبناء
على ما تقدم فإن أول ما يجب أن يتجلى
عند أبناء كل بلد عربي هو التمسك بقوة
في وحدتهم الوطنية واعتبارها أمرا
مقدسا لا يجوز المساس بأي حال من
الأحوال ومن ثم بناء تضامن عربي شامل
ومتكامل بين أقطار الأمة على أسس واضحة
وسليمة أساسها الكرامة والحق والعدل
والالتزام بالذود عن كافة أرجاء ديار
العروبة والإسلام . وبقيام اتحاد عربي
على غرار الاتحاد الأوروبي تصبح أمة
العرب ذات شأن كبير يحسب له ألف حساب
بدلا من أن يكونوا متفرقين وغير قادرين
على حماية وطنهم العربي الكبير . المهم
أنه لم يعد بخاف على أحد أن ساعة الخلاص
من كل ما كان يعيق توحيد الصف العربي قد
دقت وأن شباب العروبة الأبطال لن
يقبلوا بغير تحرر كامل وديمقراطية
صحيحة وعدالة اجتماعية شامله لا
يشوبها شائبة تمكنهم من بناء قوة عربية
كبرى تجعل العرب قادرين على القيام
بكافة مسؤولياتهم وعلى وجه الخصوص
تجاه ليبيا وفلسطين اللتين تتعرضان
هذه الأيام لأبشع أنواع القهر وتجاه
تأمين عيش كريم لكافة أبناء الأمة
وأجيالها القادمة وتجاه الإسهام بشكل
يشار إليه بالبنان في الحضارة
العالمية و تحقيق أمن وسلام دوليين
قائمين على الحرية والعدل والمحبة
وليس على الكراهية والبغضاء والحروب .
وهذا بالطبع ما لا تريده الصهيونية
العالمية التي قضت الانتفاضات العربية
مضاجعها خوفا على الكيان الغاصب الذي
أقيم زورا وبهتانا على أرض فلسطين
العربية وعلى إفشال خططها الخبيثة
للسيطرة على العالم . ======================== في
ليبيا "الشعب يريد بناء النظام" بقلم
عبد الاله بلقزيز (عن
صحيفة "الخليج"- الشارقة) ابتدع
الليبيون، في خضم ثورتهم، شعاراً في
غاية النباهة والحصافة والتعبير
الأمين عن حال بلدهم: “الشعب يريد بناء
النظام” . لمسة ليبية تلخص معاناة شعب
مع حقبة سياسية عجفاء في تاريخهم
المعاصر، وتصوغها الصوغ اللغوي
السياسي الدقيق والمناسب . لثوار تونس
ومصر أن يرفعوا شعارهم الذي أصبح كلمة
السر في الشوارع العربية: “الشعب يريد
إسقاط النظام”، فلقد كان في كل من
البلدين نظام سياسي، وهو وإن أثقل ظهر
الشعب، وجثم على الصدر، ونشر الظلم
والطغيان والفساد، كان فيه من مقومات
النظام السياسي ما لم يختلف في شأنه
زيد وعمرو، وكان التونسيون والمصريون
إنما يعانون من وجوده كنظام سياسي
بالذات . ليست
هذه حال ليبيا، ولا حال الليبيين مع من
يحكمونهم منذ اثنين وأربعين عاماً .
هناك جهاز سياسي حاكم مختلف عما عرفته
الكرة الأرضية منذ الزمن القديم من دول
وممالك وإمارات وإمبراطوريات
وجمهوريات . الرئيس ليس رئيساً، الوزير
ليس وزيراً، والجيش ليس جيشاً،
والأبناء ليسوا أبناء فحسب، والفوضى
قانون عام، والخبل والمزاجية شريعة،
والجنون عرف، والقتل طقس عادي، والسجن
مأوى للعقلاء، وثروة الشعب ملكية
شخصية، والناس عبيد ل “القائد”، فهم
رعاع وعملاء، وإن ضاقت بهم الأرض بما
رحبت وانسدت أمامهم السبل فتمردوا،
فهم جرذان يستحقون الرش بمواد الإبادة
. النظام
الوحيد في ليبيا “الجماهيرية” هو
الفوضى . سماها العقيد، منذ “كتابه
الأخضر” قبل ثلث قرن، “سلطة الشعب”
الذي “يحكم نفسه بنفسه”، وأوجد لها
صيغة “مؤسسية” هي “اللجان الشعبية”
التي تكاثرت على نحو طفيلي واخترقت
نسيج المجتمع كله عملاً بشعار “اللجان
في كل مكان” . ولقد كان على الليبيين،
في ضوء بل في ظلام تلك “اللجان الشعبية”،
أن يوطنوا أنفسهم على أنهم يعيشون في
كنف الغموض والالتباس والفوضى، وأن
يتعايشوا مع حقيقة لم يعرفها شعب قبلهم
منذ العهد البدائي هي: غياب الدولة
والنظام والشرعة والقانون . فلقد فرضت
“سلطة الشعب” تلك و”لجانها الشعبية”
و”الثورية” شريعة الفوضى في مجتمع
حوله “الكتاب الأخضر” وصاحبه إلى
قطيع بشري يسوقه الخوف والرعب ويتحكم
في رقابه جمهور من الموتورين
المتنزلين من الشعب منزلة “الممثل”
والناطق الرسمي . كانت
هذه حصة شعب ليبيا من “الدولة” و”النظام”
منذ أربعين عاماً ونيف . للبشرية
جميعها الملكيات والجمهوريات،
ولليبيا وحدها من دون سائر الخليقة “جماهيرية”
ليس على رأسها ملك أو رئيس أو وزير أول،
وإنما “زعيم” و”قائد ثورة” يقول عن
نفسه ويقول عنه إعلامه “الجماهيري”
إنه “لا يحكم” . غير أن هذا “الزعيم”
الذي يقول عن نفسه، ويقولون عنه، إنه “لا
يحكم” لا يشبه ملوك إسبانيا وبريطانيا
وبلجيكا حيث الملك هناك “يسود ولا
يحكم”، كما لا يشبه “مرشد الثورة” في
إيران، الذي يتقاسم السلطة مع رئيس
الجمهورية المنتخب من الشعب، لأن “زعيم
الجماهيرية” يسود ويحكم في آن، ولأنه
يملك السلطة الدينية والمدنية: ف “يرشد”
المجتمع و”الثورة” إلى الحتف، ويحكم
ويتنصل من الحكم في الوقت عينه . على
المرء أن يمتلك من الذكاء الخرافي
والنباهة والحذق ما يسمح له بأن يفك
طلاسم هذه الكيمياء السياسية العجيبة
التي صنعت ملامح “النظام السياسي” في
ليبيا “الجماهيرية”، ويفهم “فلسفتها”
الضمنية المؤسسة، ذلك أن “النظرية
الثالثة” المبسوطة في “الكتاب الأخضر”
هي أعقد النظريات السياسية في الكون
على الإطلاق، وتجربتها في التطبيق هي
الأعصى استيعاباً على العقل البشري
المعاصر . والمشكلة ليست في النظرية
وكتابها الأخضر وتجربتها السياسية
الحمراء، وإنما في العقل الذي يتلقاها
من دون أن يملك مفتاح فهم مستغلقاتها .
ولقد يكون على المرء في مثل هذه الحال،
حيث تنقلب الحقائق والأشياء سافلها
على عالٍ، أن يقف على رأسه حتى يرى
الأشياء بوضوح . كيف
أمكن لشعب ليبيا أن يعيش في كنف هذه
الفوضى العارمة أربعين عاماً ويزيد؟
كيف تدبر أموره الحياتية في ظروف
الفراغ السياسي والقانوني حيث المجتمع
من دون دولة؟ كيف حمى هؤلاء أمنهم من
غائلة الضواري المنفلتة من كل عقال
سياسي أو قانوني أو أخلاقي، ومن دون
وازع يزع بعضهم عن بعض على قول ابن
خلدون وتوماس هوبس؟ ليس في وسع علم
الاجتماع السياسي أن يفسر هذه “النازلة”
ولا تملك مفرداته أن تفي بغرض الإبانة
عن مجهولها . لكن الليبيين وحدهم
يستطيعون أن يشرحوا للعالم كيف أمكنهم
أن يعيشوا في كنف الفوضى واللانظام،
وأن يقدموا للبشرية وللمعرفة
الإنسانية درساً في الصلة الغريبة
والاستثنائية بين المجتمع والدولة على
نحو ما عاشوها وعانوا مراراتها منذ
عقود أربعة من تاريخهم المعاصر قبل أن
يتمردوا عليها فيرفعوا شعارهم الحكيم:
“الشعب يريد بناء النظام." ==================== ثورة
الشعب الليبي وحقول الألغام د.
مخلص الصيادي الوعــي
العــربي 9/3/2011 يقترب
الوضع الذي تعيشه ليبيا من مرحلة الحرب
الأهلية، ومالم تستطع قوى الثورة على
حسم الأمر بسرعة، وبكفاءة، فإن الوصول
الى مرحلة الحرب الأهلية سيكون كارثة
لأن من شأنه أن يتيح المجال أمام كل
مخاطر التدخل الخارجي، وكل مآسي
الانشطار والتمزق الداخلي، وإذا
كان التخلص من نظام معمر القذافي ضرورة
وفريضة حان وقتها من زمن، فإن من شأن
الانزلاق الى هوة الحرب الأهلية أن
يشوه هذا الهدف، وأن يمثل نكسة كبرى في
مسار انتفاضة الشعوب العربية التي
أطلقتها ثورة تونس، وأضاءت أرجاء
الوطن العربي بها ثورة مصر، كما أن من
شأن هذا الوضع أن يسمح لقوى طفيلية
بالتسلل الى حركة الثورة وحرفها عن
أهدافها. الإرتداد
الى الخلف : استدعاء القبلية لقد
تحول الزعيم الليبي معمر القذافي
بسرعة الى البنية القبلية للمجتمع
الليبي يحتمي بها، ويستحثها للدفاع
عنه وعن أسرته وعن حاشيته، باعتبار هذا
دفاع عن القبائل التي ينتمي اليها
هؤلاء. لقد نسي القذافي في لحظة الخوف
على الذات والخوف من المصير كل أحاديثه
السابقة عن التحول الثوري، وعن القضاء
على القبلية، وعن المجتمع الثوري الذي
تمكن من صنعه في ليبيا، وعن الجماهيرية
العظمى التي يقيمها، وشطب كل ما قاله
وسطره في كتابه الأخضر، وأسرع يتدثر
بالقبلية علها تقيه غوائل الأيام
القادمة، ولعل
القذافي وهو يلجأ الى القبيلة في
مواجهة الثورة لم ينتبه الى أنه يعلن
بذلك فشل ثورته، وهزيمة أفكاره، وأنه
يقول بذلك للعالم كله: إن قيم الثورة
التي بشر بها غير قادرة على تحريك
الناس للدفاع عنها، لقد هزم القذافي
ثورته قبل أن يهزمها المناوئين له،
وأعلن نهايتها قبل أن يصل هؤلاء الى
طرابلس ليعلنوا نهايته، ونهاية حكمه. وما
فعله القذافي في هذا الجانب ليس غريبا،
وليس فريدا، إنه سلوك يفعله كل
المستبدين الذي يتسترون بالشعارات
الثورية، وبالقيم الموحدة والجامعة،
فيما هم في حقيقة الأمر يستندون الى
أكثر التكوينات الاجتماعية تخلفا:
القبيلية أو الطائفية أو المذهبية أو
المناطقية، وحين تحق الحقيقة ولا يعود
هناك وقت ولا فرصة لمثل هذا التستر،
يُظهر هؤلاء حقيقتهم فإذا هم قبليون
حتى النخاع، وطائفيون ومذهبيون
ومناطقيون دون حدود. ومافعله
القذافي من اعلان الاستناد الى
القبلية خطير للغاية، لأنه لايمثل فقط
ارتداد عن بنية المجتمع المديني، وهو
مجتمع الحضارة والتقدم،"هكذا علمنا
الاسلام"، وإنما لأنه يمهد الطريق
الى الحرب الأهلية، حرب القبائل التي
ترى أن في ذهاب هذا الجانب أو ذاك ذهاب
لها. ولقد صار واضحا أن القذافي
وأبناءه يروجون لهذه المفاهيم ويشجعون
على حرب القبائل، ويوقدون نار الحرب
الأهلية، بل ظهر من هذه التصريحات،
أنهم منذ فترة طويلة كانوا يعدون
القبلية للدفاع عنهم ولمواجهة مثل هذا
الوضع، يعدونها تسليحا، ويعدونها
قيما، ويعدونها مصالح ومكاسب. إن هذا
الفعل لوحده جريمة كاملة بحق الوطن،
لأنه فعل واع يستهدف تقسيم بنية
المجتمع، وتدمير وحدته الوطنية،
وإثارة الضغائن بين مكوناته
الاجتماعية، وخلق الفوارق والتمايز
بين مناطقه. ولعل
ما ظهر من سلوك الثوار وتصريحاتهم يبشر
بأنهم واعون لهذه الجريمة التي
يرتكبها القذافي ونظامه بحق الشعب
الليبي، وأنهم يسعون الى إحباط الآثار
المدمرة للصراع القبلي على مسار
ثورتهم، وحتى ينجحوا في هذا الهدف فإن
أعباء كبيرة تقع على كاهلهم في وقت
عصيب، وقت قتال وإراقة دماء، سيكون على
الثوار أن يتمسكوا بشعار وقيم مواجهة
الظلم والاستبداد والحكم الفاسد،
بعيدا عن كل سمة قبلية، وتجاوزا واعيا
لكل مظاهر قبلية زرعها أو خلفها هذا
النظام، الأمر شاق لكن لامندوحة منه،
ولافكاك، إذا أريد لهذه الثورة أن تبقى
"ثورة الشعب الليبي". المرتزقة:
منطق خطر في مسار الثورة وكثر
الحديث إعلاميا وعبر تصريحات من عناصر
ملتحقة بالثورة الليبية، وكذلك عبر
تصريحات واضحة من القذافي ورجالاته،
عن اشتراك أفارقة أو حتى عربا في
القتال الى جانب قوات القذافي، وإذا
كان تغني القذافي ورجالاته بهذا الأمر
يأتي من قبيل إظهار آثار ثورة القذافي
افريقيا، ووجود أنصار له في تشاد
والنيجر ومالي وغيرها فإن على الثورة
أن تحذر من ترويج مثل هذه الأخبار،
والاستناد اليها في المعركة ضد
القذافي، وذلك لأن من شأن هذا المنطق
أن يولد موقفا عنصريا بعيدا عن الروح
الانسانية التي تتسم بها كل الثورات
الحقيقية، وموقفا اقليميا بعيدا عن
الروح القومية التي عرف بها الشعب
الليبي كغيره من الشعوب العربية، بل
وكان السباق في تحقيق وتأمين الترابط
بين مشرق الوطن العربي ومغربه، ومن
شأنه أيضا أن يعرضها لمخاطر النقد
والتشهير من منظمات دولية تعتبر صيانة
حقوق الانسان من مهمها. إنني
هنا لا أتحدث عن حقيقة وجود مرتزقة أو
عدم وجودهم، لكن ما أريد أن أركز عليه
أن هذه المسالة في حال ثبوتها لاتتعدى
أن تكون فردية، أو في إطار سياسات
خاطئة لهذا النظام أو ذاك، ممن يرون في
وجود القذافي ونظامه دعما لوجودهم،
وهذا موقف لايتصل أبدا بالشعوب، ولا
يؤثر أبدا على العلاقات الحضارية
والدينية والقومية فيما بينها، ولا
يجوز أبدا أن يعتمد كمنظور تقيس به
الثورة مواقفها. العون
الخارجي : التدخل الخارجي وتشير
التحركات الدولية، وكذلك التصريحات
الصادرة عن بعض عناصر الثورة في الداخل
وعن قطاع واسع ممن التحق بها في
الخارج، الى أن هناك سعي حثيث لإيجاد
شكل من أشكال التدخل الخارجي، يستهدف
التعجيل بإنهاء نظام القذافي وتأمين
رحيله، ولا شك
أنه كلما طال بقاء هذا النظام، تعززت
مخاطر الحرب الأهلية، والإنقسام
القبلي، وزادت مخاطر تشظية الوطن،
وزادت فاتورة الدم والدمار الذي يدفعه
الشعب الليبي ثمنا لتحقيق النصر على
هذا النظام، كما زادت مآسي حركة النزوح
سواء من قبل الليبيين الى خارج مناطق
القتال، أو من قبل العاملين في ليبيا
الى خارجها طلبا للسلامة. وبالتالي فإن
هناك مصلحة ليبية أكيدة في سرعة التخلص
من هذا النظام، لكن هذه المصلحة قد
تنقلب الى الضد مباشرة إذا ما تم ذلك
عبر تدخل خارجي، عند ذلك لن يكون النصر
نصر "ثورة الشعب الليبي"، وإنما
نصر صنعه التدخل الخارجي، وهذا لوحده
كفيل بإسقاط هذه الثورة وكل ثورة،
وسنجد أنفسنا حينئذ في وضع يحمل بعض
السمات التي حملتها القوى السياسية
العراقية التي جاءت مع الغزو الأمريكي
للعراق، فانطبعت بطابعه، وصارت رهينة
له، موسومة بأنها جاءت مع دبابات
الاحتلال. إن
الخارج الفاعل عسكريا، وليس هناك خارج
فاعل حتى الآن إلا الولايات المتحدة
والاتحاد الأوربي وذراعهما العسكري
المتمثل في حلف شمال الأطلسي، لايتحرك
إلا دفاعا عن مصالحه، أو تهيئة لهذه
المصالح، كل حديث النظام الغربي عن
حقوق الانسان، وعن تعديات نظام
القذافي على حقوق الانسان مجرد حديث
مخادع لاقيمة له، ولا مصداقية فيه، ولا
نحتاج لدليل حتى نؤكد ذلك إذ يكفي ان
نتساءل: بمن
كان يتستر مبارك ونظامه؟!. بمن
كان يتستر بن علي ونظامه؟!. بمن
يتستر الآن صالح ونظامه؟!. من قلب
صفحة الماضي وذهب يدعم القذافي ونظامه
بعد أن سلم للمطالب الغربية بشأن
البترول والمشاريع النووية
والتعويضات؟!. وقبل
هذا كله وبعده: أين ضمير هذا النظام
الغربي إزاء ما يجري في فلسطين؟! أين
مصداقية هذا النظام وتمسكه بالقانون
الدولي إزاء الجرائم والتجاوزات
الاسرائيلية على حقوق الفلسطينيين؟!. إن
النظام الغربي نظام فاقد للمصداقية،
يستوي في هذا الحكم قادة هذا النظام
جميعهم: الرئيس الأمريكي بارك اوباما،
والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي،
ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون، ورئيس الوزراء الايطالي
سيلفيو برلسكوني، ورئيسة الوزراء
الألمانية أنجيلا ميركل، على الرغم من
أن البرامج السياسية الداخلية لهؤلاء
القادة قد تختلف، لكن الضمير
الانساني، والقيم الانسانية مفقودة
لديهم لأن هؤلاء وأمثالهم تحركهم
براغماتية رأسمالية فاجرة، وهذا
الضمير وهذه القيم لاتكون كذلك إلا إذا
كانت فوق طبقية وفوق قومية، وتغطي
انسانية الانسان اينما كان. إن
النظام الغربي يتحرك الآن استعدادا
للتدخل في ليبيا، ويبدو أن فرض حظر
طيران سيكون مدخلا لهذا التدخل، وهذه
خطوة سيعقبها بالتأكيد خطوات أخرى، قد
تصل الى حدود التدخل العسكري المباشر. والمبررات
الظاهرية لهذا التدخل يوفرها الصراع
نفسه أما المبررات الحقيقة فتخفيها
هذه الدول وراء ستار: ** من
المبررات الظاهرية الاتصال بالثوار
وبحث احتياجاتهم، وقد فعل البريطانيون
ذلك بكل صلف حينما أرسلوا الى بنغازي
موفدهم الدبلوماسي بمثل هذا الادعاء
ومعه فريق من القوات الخاصة، لكن
الثوار فعلوا خيرا بأسرهم هؤلاء
البريطانيين، ذلك أن هؤلاء جاؤوا دون
سابق إعلام وتصرفوا على الأرض الليبية
وكأنها أرض مستباحة، وافترضوا أن
الثوار يريدون من يتصل من الدول
الغربية فندبوا أنفسهم لتحقيق هذا
الاتصال، إن روح المستعمر البريطاني
ظهرت على الفور، وعند أول تحرك. ** ومن
المبررات الظاهرية تأمين رحيل الأجانب
أو مواطنيهم من ليبيا : من داخل ليبيا
أو من مناطق الحدود سواء مع مصر أو مع
تونس، ولا شك أن المساعدة في نقل
المحتاجين من على الحدود المصرية أو
التونسية من واجبات المجتمع الدولي
الذي يتداعى عادة لمواجهة أي ظرف طارئ،
لكن الدخول الى الأرض الليبية دون إذن
مسبق وكأنها أرض مستباحة جريمة لايجوز
السكوت عليها، عدا عن كونها مخالفة
صريحة للقانون الدولي، وقد فعلها
الهولنديون قرب سيرت
تحت دعوى اخراج بعض مواطنيهم
وقد فعلت قوات القذافي خيرا حينما
أسرتهم أيضا. ** ومن
المبررات الظاهرية تأمين الغطاء الجوي
للثوار في مواجهة القوة الجوية
للقذافي ونظامه، وتأمين دعم السلاح
لهم، وهذه حجة تبدو في ظاهرها قوية
لأنها تمنع قوات القذافي من ارتكاب
مذابح عن طريق القصف الجوي، وتحييد هذا
السلاح الذي لايملك الثوار نظيره، لكن
كما قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت
جيتس فإن فرض حظر جوي فوق ليبيا يتطلب
قصف الدفاعات الجوية الليبية، وهذه
بداية حتمية للغزو العسكري، ويبدو أن
النظام العربي قرر مرة أخرى أن يصطف
خلف الرؤية الأمريكية الغربية، وأن
يدعهما غير عابئ بعوامل الثورة التي
تحرك الشارع العربي في كل مكان. ** ومن
المبررات الظاهرية الحديث عن ارتكاب
نظام القذافي جرائم حرب، وجرائم ضد
الانسانية، وهو حديث من شأنه أن يوفر
غطاء دوليا من مجلس الأمن، وتحت الفصل
السابع للقيام بعمل عسكري ضد هذا
النظام، وواضح أن هناك جهدا حقيقيا
لتوفير هذا الغطاء، وتعمل بعض الأصوات
الليبية المشبوهة التي تتحرك الى جانب
قوى الثورة على استدعاء هذا المستوى من
التدخل، من خلال تعظيم أرقام القتلى في
المواجهات بين الثوار وقوات القذافي،
ومن خلال إشاعة قيام " المرتزقة
وكتائب القذافي" بارتكاب مذابح ضد
السكان المدنيين. إن
القبول بالتدخل الخارجي تحت أي مبرر
قاتل للثورة، وقاتل للوطن، ويجب
اليقين بأن هذا الغرب وهو ينقض عهده مع
القذافي، ويسترجع أجواء صراعاته
السابقة معه ، إنما يفعل ذلك بعد أن
تبين له أن فرص نجاح الثورة فرص حقيقة،
وأن في نجاحها مستقلة عن الغرب
وسياساته خسارة فادحة قد لايستطيع
الغرب تحملها، وقد تسهم اسهاما مباشرا
وحاسما في ولادة مرحلة جديدة لحركة
الشعوب العربية ، تستعيد الأمة فيها
تلك الحركة التي تولدت حينما قامت ثورة
الفاتح من سبتمبر عام 69 والتحمت مع مصر
الناصرية، أو تتفوق عليها، والذي تابع
أحاديث محمد حسنين هيكل عن التغير
الاستراتيجي الهائل الذي أحدثته ثورة
الفاتح في ذلك الوقت، لن يجد صعوبة في
ادراك رعب الغرب من مثل الاحتمال. ويجب
اليقين أن هذا الغرب الفاسد الذي يخشى
المكانة الاسترايجية لليبيا يمثل
النفط الليبي الوجبة الشهية له، وهي
وجبة مغرية الى أقصى حد، وهو على
استعداد لتدمير ليبيا وتقسيمها وتقسيم
شعبها إذا كان من شأن ذلك أن يؤمن له
هذه الوجبة بشكل مستمر. العون
الحقيقي والضروري للثورة إن كل
ما أشرنا اليه من مخاطر التدخل الخارجي
لاينفي حاجة الثوار الى العون
الخارجي، فهذا العون في مثل حالة
الثورة الليبية قد يبدو ملحا، وهو كذلك
ولا شك، ودواعيه واضحة تحدثنا عن بعضها
فيما سبق، لكن الثورة، كل ثورة تتطلع
الى دعم يأتي من حلفاء لها، من قوى
وجهات تتلاقى معها في المصالح والرؤى
والاستهدافات. وفي
هذا الجانب على وجه التحديد فإن وضوح
رايات الثوار، وموقفهم الحاسم في
الاستقلال عن الغرب وطموحاته وبرامجه،
يمثل الأرضية التي تلتف حولها قوى
الأمة كلها، بل وقوى التحرر أينما
وجدت، وسيكون أعظم دعم للثورة، وأكثره
حسما، الدعم الذي تستمده من الشعب
العربي، من تعاطفه، ومن التفافه
حولها، ومن مختلف الامكانات المادية
والمعنوية التي يمكن أن يوفره لها،
وهنا يبرز بشكل خاص دور كل من مصر
وتونس، خصوصا بعد تخلص البلدين من
نظامين كانا الأسوء ، وكانا الداعمين
الرئيسيين لنظام القذافي، وقد عبر
القذافي عن تقديره لهذين النظامين
ورأسيهما حتى بعد أن سقطا. إن
بإمكان شعب مصر، وشعب تونس، وقوى
الثورة في البلدين أن يقدما الكثير،
وقد بدءا ذلك من اليوم الأول، إنني
أجزم بأن الثوار لايحتاجون الى
مقاتلين عربا لخوض المعركة معهم، ولا
يحتاجون الى سلاح يتدفق عليهم، وإنما
يحتاجون الى موقف شعبي، ودعم انساني
وطبي وغذائي يواجهون به آثار هذه
المعارك، وهذا ما يوفره الشعبين
التونسي والمصري ومن ورائهما قوى
التغيير في الوطن العربي كله. لقد
دعم شعب مصر قبل ذلك، ثورة المجاهد عمر
المختار، ودعم شعب مصر وبدون حدود ثورة
تحرير الجزائرمن الاستعمار الفرنسي،
وقدم شعب تونس الكثير لثوار الجزائر،
ووقفت الأمة العربية كلها بمختلف
شعوبها داعمة لكل حركات التحرر في
الوطن العربي . إن اي
تدخل خارجي من شأنه أن يمد القذافي
ونظامه بعوامل الاستمرار، لأن من شأنه
أن يضفي مصداقية على مزاعمه بأن هذه
الثورة تتحرك من الخارج، وأنها تستدعي
قوى الغزو الأجنبية، وأن ما تقوم به من
شأنه أن يعيد ليبيا الى مرحلة
الاستعمار. وبالتالي
من شأن التدخل الخارجي أن يزيد من فرص
امتداد أمد هذه الحرب، وأن يقلل فرص
انضمام المزيد من قطاعات الشعب الليبي
الى هذه الثورة، إذا تبين أنها تستعين
بالخارج، أو تسمح للقوى الغربية بأن
تطأ أرض ليبيا الطاهرة، ولعل قعقعة
السلاح حول ليبيا وتحركات الأساطيل
البحرية للدول الغربية وفي مقدمتها
الولايات المتحدة هو ما دعا عددا من
الدول الثورية تتقدمها فنزويلا الى
التحذير من سقوط ليبيا بيد الولايات
المتحدة، ودفعهم الى إطلاق "مبادرة
وساطة" بحثا عن سبيل يمنع سقوط ليبيا
في اتون الغرب الذي يسيل لعابه على
البترول الليبي ويرتجف قلبه هلعا من
انضمام ليبيا الى الدول العربية التي
حررتها ارادة شعوبها. لقد
اختط الثوار الطريق الصحيح الجلي
حينما أكدوا عبر قيادتهم المؤقتة،
وحدة الأرض الليبية في مقابل التخويف
من تجزئة ليبيا، واصرارهم على تحقيق
الوحدة الوطنية للشعب الليبي في مقابل
دعوات الانقسام الوطني على قاعدة
القبلية والمناطقية، ورفضهم اي تدخل
خارجي في مواجهة التحركات الدولية
التي تنشط لخلق ظروف تسمح بمثل هذا
التدخل، وقد يكون ضروريا من هذه
القيادة أن تتصدى لكل الدعوات التي
تصدر عمن التحقوا بالثورة من الخارج،
أو بعض الأصوات من الداخل التي تروج
لفكرة التدخل الخارجي ، إن الوضوح
والحسم في مثل هذه المواقف يعتبر من
لوازم تأمين ظروف نجاح الثورة . ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |