ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 13/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الحرب الأهلية في ليبيا

تاريخ النشر: السبت 12 مارس 2011

الاتحاد

مرت أربعة أسابيع على اندلاع الثورة الليبية، ونجحت هذه الثورة في الاستيلاء على مقاطعة بنغازي والمدن القريبة منها، كما نجح الثوار في الاستيلاء على مدن أخرى في وسط ليبيا وغربها، أما العاصمة طرابلس فقد ظلت تحت سلطة القذافي وجيشه، على رغم الاحتجاجات والمظاهرات في بعض الأحياء القريبة منها.

ولقد سقط في هذه الثورة المئات من الضحايا من المدنيين ومن الثوار، وقامت الطائرات الحكومية بقصف عشوائي للمدن والمساكن، مما زاد من عدد الضحايا بشكل غير مسبوق.

والحقيقة أن الثورتين الناجحتين في كل من تونس ومصر، اللتين أسقطتا النظامين الحاكمين فيهما، وأجبرتا كلاً من بن علي ومبارك على الرحيل، اعتمدتا على مواقف وطنية مستقلة للجيش في هذين البلدين، أما في ليبيا فلم تتمكن الثورة حتى اليوم من تحقيق هذه الأهداف. ويعود ذلك إلى وجود جيش ليبي مفكك وسيطرة أبناء القذافي على كتائب هذا الجيش، والدور الذي لعبه المرتزقة من الأفارقة في سلاح البر والمليشيات، وكذلك الطيارون الذين استقدموا من شرق أوروبا ومن بعض الدول الإسلامية لضرب المتظاهرين العزّل. ويشير هذا بوضوح إلى عدم ثقة الرئيس الليبي في الأفراد والضباط الليبيين الذين رفضوا الانضمام إلى كتائب تقاتل وتذبح أبناء وطنها، ما أجبره على الاستعانة بالمرتزقة الأجانب.

والخوف كل الخوف أن تتحول هذه الثورة المسالمة إلى حرب أهلية طاحنة تقتل المواطنين، وتترك ليبيا بلداً مقسّماً وضعيفاً، وغير قادر على إدارة نفسه، وإدارة موارده.

وبينما نجح القذافي في الاستعانة بالمرتزقة الأجانب لدعم قواته، فإن قادة المعارضة والثوار لا يرغبون في أن يضعوا أنفسهم ألعوبة بيد القوات الأجنبية، ويريدون تحرير أنفسهم بأنفسهم. غير أن استخدام القذافي للقوات الجوية وضعف الإمكانيات المادية للثوار ستصب في نهاية المطاف لصالح القذافي وزمرته. ولن يتوقف النظام الليبي عن سفك دماء الليبيين حتى آخر قطرة، للمحافظة على النظام، كما صرح القذافي بذلك بنفسه، وصرح به ابنه.

والحقيقة أنه مثلما نجحت الثورة التونسية في استهلال عصر جديد في العالم العربي، وبقدر ما كانت سلمية إلى حد كبير، فإن فشل الثورة الليبية سيعني نهاية ما يسمى بالربيع العربي، وإعادة إحياء فترة مظلمة جديدة في تاريخ الشمال الإفريقي.

ولنا في دروس أخرى فشلت فيها الثورات حكمة بالغة. فالثورات تفشل بسبب عدم وجود قيادة سياسية موحدة لها وهو عكس ما يحدث في ليبيا، حيث يقوم المجلس الوطني الانتقالي الآن بدوره كقائد سياسي للثورة، حيث أمهل القذافي اثنتين وسبعين ساعة للرحيل، مع احتمال فرصة ألا يقاضيه المجلس والثوار أمام المحاكم الدولية.

والثورات تفشل حين تنشق عنها مجموعة أحزاب رئيسية وتنتقل من صفوف المعارضة إلى صف السلطة، وهو ما حدث في الثورة الألمانية عام 1918 وعام 1920. وتفشل الثورات أيضاً حين تتحول من حركة احتجاج سلمي إلى ثورة مسلّحة، وخاصة أن الجماهير لا تملك السلاح الكافي لمواجهة السلطات الحاكمة وقواتها المجهزة بأحدث العتاد والأسلحة.

وحينها ستفشل الثورة حتماً لأن ميزان القوى بين الحكومة والثوار سيكون لصالح القوات العسكرية، وسيعني المزيد من الدماء من جانب الثوار والمواطنين العزّل.

وتفشل الثورات أيضاً في عدم وجود قوى إقليمية ودولية مساندة لها، سواءً بالعتاد، أو بالمال أو بالقوة الإعلامية، أو القوة الناعمة، التي رأينا تأثيرها العظيم في إنجاح كل من الثورتين التونسية والمصرية.

ولا يطلب الثوار الليبيون العتاد والسلاح من الخارج، ويبدو أن لديهم ما يكفيهم في هذا المجال. بل يطلبون قرارات دولية جريئة تمنع القوات الجوية الليبية من استخدام سلاح الجو ضدهم. وعلى رغم تداول مجلس الأمن في موضوع إقامة منطقة حظر جوي على ليبيا، فإن هذا الموضوع لا زال موضوع نقاش وتفاوض بين الدول الكبرى، ولا زالت بعض الدول دائمة العضوية مثل روسيا والصين تعارض مثل هذا القرار، لأنها تخشى من أن تجيّره دول حلف "الناتو" لمصلحتها وتتوسع في نفوذها في مناطق غنية بالنفط في شمال إفريقيا.

والراهن أن الثورة الليبية بحاجة إلى دعم عربي وعالمي، وأول هذا الدعم هو حمل الدول الكبرى على إعلان منطقة الحظر الجوي. أما المسألة المهمة أيضاً فهي تقديم العون الطبي والغذائي للشعب الليبي في المدن المحاصرة في الزاوية، وفي بنغازي، وغيرهما من المدن الليبية. وإنه لمن العار أن تصفق الفضائيات لهؤلاء الثوار وتجلس كمتفرج على ما يصيبهم من قذائف القذافي وصواريخه الموجهة إلى بيوتهم.

ولا شك أن كلاً من الدول المتاخمة لليبيا لا يمكنها تقديم الكثير من العون لليبيين، ولكن على الدول العربية والإسلامية الأخرى الاستعانة بهيئات الإغاثة الدولية سواءً كانت تحت مظلة الأمم المتحدة، أو كانت تحت مظلة منظمات غير حكومية، لتقديم العون والمساندة الإنسانية عن طريقها، لأفراد الشعبي الليبي.

وستظل الكلمة الأخيرة للقذافي وزبانيته الذين يرفضون الرحيل، بينما يطالبهم أبناء شعبهم بذلك، وبعد أن فقدوا أية قوة أخلاقية لممارستهم الحكم في ظل الأعداد الكبيرة من الضحايا من المدنيين.

لقد انتهى عهد القذافي، ولكن القذافي يرفض حقائق التاريخ، وهو مغيّب عن واقع شعبه ومعاناته.

========================

الأيديولوجيا والتسلح النووي

تاريخ النشر: السبت 12 مارس 2011

الاتحاد

يشهد مسرح العلاقات الدولية حالياً صراعاً بين فريقين هما الولايات المتحدة الأميركية ومنظومة دول الاتحاد الأوروبي من جانب، وبعض دول العالم النامي في آسيا والجوار الجغرافي للمنطقة العربية من جانب آخر، محوره منع الأخيرة من امتلاك الأسلحة النووية.

بعض ساسة ومفكري العالم النامي يقولون بأن هذا الصراع قائم بسبب رغبة دول الغرب ومعها إسرائيل في احتكار القدرة على امتلاك هذا النوع من الأسلحة. والهدف من ذلك هو تأكيد قيادة الغرب للعالم المعاصر وتأمين تلك القيادة بكافة الصور إلى جانب الرغبة في تركيع الآخرين وإبقائهم تحت السيطرة السياسية والاقتصادية. ووفقاً لوجهة النظر هذه، يرى الغرب بأن من واجبه الحفاظ على الصورة التي ترسمها الدول المارقة في العالم النامي، حين يصفها بأنها تشكل عدواً يهدد سلامة دول العالم الأخرى.

ومجموعة أخرى ترى وجود صراع تاريخي حتمي بين أيديولوجيات ونظم الرأسمالية وبين ما تؤمن به، وتعتنقه دول العالم النامي المعنية، وتحديداً كوريا الشمالية وأيديولوجيتها الاشتراكية.

وبالنظر إلى الموضوع من زاوية معينة فإن أهم وظيفة للعلاقات الدولية من وجهة نظر الغرب هي حماية الرأسمالية والديمقراطية التي تحياها شعوبه في مواجهة خطر الشمولية، التي ربطها بعض المفكرين الغربيين، كصمويل هنتنجتون بالإسلام الثوري المطبق في إيران حالياً، والذي يمكن أن تتولد تجارب مشابهة له في دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى نمط الاشتراكية المطبق في كوريا الشمالية حالياً. وبالنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، فإن سبب الصراع الدائر هو المقاومة المحتملة، التي يمكن أن تبديها الرأسمالية لموجة الصحوة الدينية، التي أحرزت لنفسها مواقع في أوساط عدد من شعوب العالم النامي الطامحة في التغيير وإثبات الذات.

وليس من المهم أياً من تلك التفسيرات حول المفضل لدى المرء، لكن المهم هو أن فريقين متناقضين يبدو أنهما مستعدان للدفاع عن نفسيهما عن طريق استخدام الأسلحة النووية، خاصة بالنسبة لحالة كوريا الشمالية. ويضاف إلى ذلك أنه لو حدث وأن تحقق امتلاك إيران وكوريا الشمالية أو غيرهما من دول العالم النامي المعادية للغرب، لأسلحة نووية، ونسبة خلاف جذري يستدعي استخدام تلك الأسلحة، فإن ذلك سيهدد كامل الجنس البشري بالفناء التام. ففي الوقت الذي يمكن فيه للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تدمير العالم آلاف المرات، فإن دول العالم النامي المالكة لأسلحة نووية ستتبع أسلوب الانتحار الجماعي.

خاتمة القول هي إن امتلاك الأسلحة النووية واستخدامها كوسيلة للردع، يعني التهديد بقتل ملايين البشر الأبرياء على افتراض حماية طريقة في الحياة قائمة على قيم تُعتبر أساساً لاستمرارية المجتمع المتمدن، لكن ذلك يبعث فينا الحيرة وربما الإحباط، فكيف يمكن وصف شعب أو حكومة أو مجتمع بأنه متمدن عندما تصبح له أيديولوجية أو فكراً لو أراد حمايته يصبح مستعداً لشن حرب إبادة جماعية نووية ضد مجتمع أو شعب أو حكومة، لنفترض جدلاً بأنه مارق، ولا يتفق مع الدول في قيمه وفكره وثقافته؟ فإذا ما كان المجتمع المعني لا يستطيع حماية فكره أو عقديته أو أيديولوجيته إلا عن طريق استخدام الأسلحة النووية، فيحق لنا عندئذ التساؤل عن كون أن ذلك المجتمع يؤمن حقيقة بالقيم التي يدعي أنه يعتنقها؟

========================

فرصة تركيا المصرية 

آخر تحديث:السبت ,12/03/2011

محمد نور الدين

الخليج

لم تكن زيارة عبدالله غول الرئيس التركي إلى مصر عادية، فهو أول رئيس أجنبي، عربياً كان أو غير عربي يزور مصر .

تؤكد الزيارة مرة أخرى الدور الفاعل الذي تؤديه تركيا في قضايا الشرق الاوسط وكل المناطق التي تحيط بها .

ومع أن تركيا عملت على امتداد السنوات الماضية إلى محاولات متعددة لرأب الصدع في العديد من الخلافات بين الدول وحتى داخلها فإنها في الحالة المصرية لم تبادر إلى أية محاولة عن قرب .

وإذا أخذنا المثال اللبناني لربما كانت أوضح طبيعة الدور التركي في الحدث المصري . ففي المشكلة اللبنانية اندفعت تركيا تارة عبر رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان وغالباً عبر وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو إلى محاولة التوفيق بين الأطراف اللبنانيين المتصارعين والتقريب بين وجهات نظرهم . ولم تكن محاولة يتيمة بل متكررة خلال الخمس سنوات الماضية .

لكن في الحالة المصرية وقفت تركيا بعيداً عن دورها الأثير على قلبها أي الدور الوسيط . واكتفت بإرسال رسائل عن بعد كانت في معظمها أقرب إلى إملاءات منها إلى أي شيء آخر وأولها دعوة داود اوغلو النظام في مصر إلى تلبية “المطالب المحقة” للشعب . غير ان أكثرها إثارة كانت طلب اردوغان من الرئيس المصري حسني مبارك إلى تلبية طلبات الشعب والتنحي، مذكّراً اياه بأن نهايته في قبر مساحته متران مربعان وسوف يحاسبه ربّه .

لم ترسل تركيا لا رسائل ولا أي مبعوث، ولم يغادر داود أوغلو على عجل بلاده ليمنع تفاقم الأوضاع في مصر .

ربما كان هذا ناتجاً عن شعور من الأتراك بأن لا فائدة من مثل هذه الوساطة أو أن الظروف غير مهيأة . لكن قياساً إلى تاريخ العلاقات التركية المصرية في السنوات القليلة الماضية ومنذ وصول “حزب العدالة والتنمية” إلى السلطة عام 2002 فإن “برودة” انقرة تجاه القيام بمبادرة حول الأزمة المصرية كانت مبررة، لجهة أن من مصلحة تركيا الإطاحة بالرئيس المصري مبارك وكل أركان نظامه ولا سيما على صعيد السياسة الخارجية وفي مقدمهم وزير الخارجية السابق احمد أبو الغيط .

 ففي ذروة سعي تركيا لتثبيت دورها وتمديده إلى ساحات جديدة كانت مصر عقبة اساسية امام تمدد هذا الدور بل محاولة تعطيله في اكثر من مكان . فالموقف التركي من “اسرائيل” كان أول عناوين الخلاف التركي المصري . حيث بدت تركيا متقدمة جداً على مصر كامب ديفيد في انتقاد “اسرائيل” على سياساتها العدوانية في القدس والضفة وغزة . وهو ما كان يحرج جداً مصر الدولة العربية الكبيرة التي كانت تبدو حليفة للكيان . من هنا انزعاج القاهرة الكبيرة من المواقف التركية المتشددة من “إسرائيل” .

وكانت ايران عنواناً كبيراً للخلاف بين تركيا ومصر خصوصاً في ظل انخراط مصر في جبهة الدول التي توصف بالاعتدال وتضع نصب عينيها الحد من النفوذ الايراني المتصاعد في المنطقة فيما العلاقات التركية الممتازة مع ايران كانت تخفف الضغوطات على ايران وهو ما يثير بالطبع استياء القاهرة .

 غير أن الخلاف الأكبر كان حول قطاع غزة وحركة حماس . منطقياً بدت مصر على انها شريكة “اسرائيل” في حصار قطاع غزة ومنع حتى المؤن من الوصول اليه وارسال تركيا “اسطول الحرية” حتى لو لم يكن بإرادة حزب العدالة والتنمية كان يحرج مصر جداً ويظهر تركيا على أنها هي الدولة العربية لا مصر . وكل هذا كان يضعف ويربك السياسة الخارجية المصرية .

ويأتي الموقف التركي من حماس ليزيد الطين بلة ويعمّق هوة الخلاف بين مصر وتركيا، خصوصاً أن دفاع تركيا عن حماس كانت مصر تعتبره تهديداً للأمن الداخلي المصري في ظل علاقات حركة حماس مع الإخوان المسلمين في مصر كما في ظل التعاطف التركي لجذور حزب العدالة والتنمية الاسلامية مع الحركة الاسلامية في مصر .

اجتمعت كل الأسباب لتجعل من غير الممكن إقامة علاقات تركية مصرية سويّة وجيدة في عهدي مبارك وأردوغان . فكان لا بد لأحدهما أن يغيب عن الساحة ويأتي آخر له الكيمياء السياسية نفسها مع الأول .

لذا وجدت تركيا نفسها أقرب إلى ثورة 25 يناير، فناصرتها منذ اللحظة الأولى ولم يكن غريباً أن يكون غول أول رئيس أجنبي يزور مصر ليثبت دعائم التغيير في مصر .

 تركيا مدّت اليد الأولى، الكرة الآن في ملعب ميدان التحرير .

========================

ليبيا نموذج مختلف   

آخر تحديث:السبت ,12/03/2011

غسان العزي

الخليج

ابتداء من السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول الفائت أخذت أخبار الثورة الشعبية التونسية المفاجئة تحتل كل الحيز الإعلامي العالمي . لم يعد هناك من أخبار في العالم تقريباً سوى تلك الآتية من تونس، قبل أن ينتقل الاهتمام إلى ميدان التحرير في القاهرة انطلاقاً من الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني . انتصرت الثورتان الشعبيتان أمام ذهول المراقبين والمحللين الذين لم يتوقعوا، وبالكاد يصدقون، ما شاهدت أعينهم وسمعت آذانهم . واليوم يتكرر الأمر نفسه في ليبيا التي باتت مصدر المادة الاعلامية الأساسية لوسائل الإعلام في العالم كله .

لقد بدأت الثورة في مصر عملياً بعد أن نجح ثوار تونس في دفع الرئيس بن علي إلى الفرار . وبدأت الثورة الليبية عملياً بعد أن تمكنت الثورة المصرية من الإطاحة بالرئيس مبارك . وكأن ثمة “مايسترو” يدير إيقاع الثورات العربية التي ما أن تحقق الواحدة مطلبها الاطاحة برأس النظام حتى تنطلق الثانية، وهكذا دواليك من دون أن تخطف الواحدة من الأخرى الأضواء الإعلامية الموجهة إليها .

كان هناك تشابه لافت بين الحدثين التونسي والمصري لجهة سلمية التظاهرات الشعبية وطريقة التصدي الرسمي لها وتعاطي الرئيسين المخلوعين مع الاحتجاجات والتراجع التدريجي وصولاً إلى تنحيهما تحت الضغط الشعبي المستمر من دون لجوء المتظاهرين إلى العنف رغم كل المحاولات الرسمية لجرهم إليه .

لكن تبدو الحالة الليبية مختلفة عن شقيقتيها، فالمعارضة لجأت إلى السلاح رداً على القمع الوحشي للنظام ولم تتركز في العاصمة كما تونس والقاهرة ولم يظهر فيها عنصر الشباب متصدراً الصورة، واعتمدت كثيراً على المعارضين المنفيين في الخارج والذين تناقلوا معلومات غير دقيقة أربكت المراقبين والمعارضين في الداخل على حد سواء . لقد بدت الثورة الليبية على شاكلة تمرد مسلح تقود مواجهته إلى حرب أهلية هدد بها القذافي علانية . ذلك أن الأنظمة العربية التي تلقفت الدرس التونسي تبنت طريقة استخدام الشارع الموالي لها في مواجهة الشارع المعارض وذلك كي لاتبدو الصورة كمواجهة بين سلطة تقمع وجماهير تحتج سلمياً . في مصر فشلت هذه الطريقة لأن بلطجية النظام سرعان ما انكشفوا في غياب استعداد هذا الأخير لهذا النوع من المواجهات . في ليبيا اعتمدها العقيد الشعبوي الذي احترف منذ عقود أربعة طويلة حرفة “الالتحام مع الجماهير” التي تصرخ مرددة شعاراته الطنانة الجوفاء حتى تنقطع الأنفاس المسكينة . لم يكن من الصعوبة بمكان على “قائد ثورة الفاتح العظيم” أن يستدعي جمهوره الجاهز، من المحابين والمضللين المؤمنين به أيضاً، ليشن ثورة مضادة من دون سلاح بالضرورة . فجمهور السلاح، بعد فقدان الثقة بالجيش النظامي الضعيف أصلاً، يمكن شراؤه من أسواق المرتزقة في إفريقيا التي يحمل القذافي لقب ملك ملوكها .

وهكذا نشبت الحرب الأهلية التي وعد بها سيف الإسلام القذافي والأمور تبدو، وكأنها تسير في طريق التقسيم أو الصوملة بمعنى تمركز الثوار في بنغازي وبعض المدن المحيطة بها في الشرق الليبي وتمركز قوات القذافي في العاصمة والغرب إلى الحدود مع تونس، مع استمرار “حرب الكر والفر” بين القسمين إلى أجل غير معلوم .

الرئيسان بن علي ثم مبارك توجها بداية إلى الجماهير ليعلنا أن جل ما في الأمر عصيان محدود سوف ينتهي عما قريب، وهذا بالضبط ما يقوله القذافي عن الثائرين عليه . ولم يفت الرئيسين التونسي والمصري التحذير من الاسلاميين ثم من الفراغ الخطير في السلطة في حالة تنحي رأس الهرم ثم من الفوضى الخ . وهذا بالضبط ما يفعله القذافي . ثم في مرحلة لاحقة يبدأ الكلام عن موافقة النظام على الاصلاحات ثم عن مجموعة من الاغراءات للطبقات الشعبية (عدم التجديد، عدم التوريث، دعم بعض المواد الغذائية، إلغاء ضرائب وديون الخ . .) قبل أن تبدأ عمليا وبالسر ترتيبات التنحي أو الهروب بعد محاولة أخيرة لمواجهة الثورة بالعنف وبالاغراء عبر خطاب مؤثر في الوقت نفسه . وما أن يبدو فشل هذا الإجراء جلياً من خلال رفض الجماهير حتى يذاع خبر هروب الرئيس أو استقالته .

نحن الآن أمام مشهد مشابه في ليبيا وإن اختلفت طريقة الإجراء وسيناريو الثورة التي بات انتصارها حتمياً لأسباب كثيرة، أهمها أن الثوار لم يعودوا البتة قادرين على العودة للعيش في ظل نظام لن يتردد في الانتقام والفتك بهم واحداً واحداً من دون رحمة اذا انتصر . ومن جهته فالنظام لايستطيع ان ينهزم في المواجهة العسكرية بعد أن صدرت بحقه إدانات دولية وقرار عن مجلس الأمن وإحالة إلى محكمة الجزاء الدولية وغير ذلك . لقد أضحت اللعبة صفرية والسبيل الأفضل للخروج منها هو التفاوض لإخراج العقيد من ليبيا واخراجها منه بالقدر الأقل الممكن من الخسائر على البلد الذي يحتاج إلى إعادة بناء كاملة بعد هذه العقود الطويلة من التخلف والتعسف .

========================

مصير أوباما في يد المعارضة الليبية

المصدر: صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية

التاريخ: 12 مارس 2011

البيان

نظرا لعدمَ وجودِ شخصيةٍ قيادية في المعارضة الليبية، يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يأخذ على عاتقه دورَ المنسق العام لجهود الثوار، بالإضافة إلى ما يقوم به من تنسيقِ المواقف الدولية الهادفةِ إلى وضعِ حدٍ للعنف في ليبيا. ولقد تشكل هذا الانطباع بعد أن تَجمَّعت مجموعةٌ كبيرة من السفن الحربية البريطانيةِ والأميركية بالقرب من الشواطئ الليبية. وبعد أن صدرت عن البنتاغون تصريحاتٌ تفيد بأن إدارة أوباما تُجري حسابات دقيقةً، لكل الاحتمالات المتعلقة بحل المشكلة الليبية التي يمثل معمر القذافي جوهرها. ومن الملاحظ من متابعة الأحداث منذ بدايتها حتى الآن أن أوباما متردد في اتخاذ قرار الحسم العسكري لأن قرارا من هذا القبيل يتطلب استدعاء عددٍ كبير من الجنود الأميركيين، المنتشرين في سهول العراق وجبال أفغانستان، وهي في حد ذاتها مخاطرة كبيرة وتحتاج إلى دراسة جيدة من القيادة العسكرية، وعلى الرغم من ذلك فإن الحسم العسكري يبقى خيارا مطروحا، بعد أن تستنفد كافة الخيارات الأخرى. ويرى البعض أن المهمة المباشرة تتمثل في نقل السلطة إلى الثوار الليبيين. لكن هذا الهدف يبدو صعب المنال في الظروف الراهنة، لأن البلاد دخلت في بداية حرب أهلية في واقع الأمر، وهي الحرب التي لا يستطيع أحد أن يحدد أبعادها أو يتوقع تطوراتها إلا إذا كان داخلها وليس بعيدا عنها آلاف الأميال، وفي هذه الظروف لم يتبق أمام أوباما من خيار سوى ترؤس الثوار الليبيين بنفسه. ولقد بدأ (أوباما) على ما يبدو في السير في هذا الطريق. حيث أصبح بمثابة الناطق الرسمي باسم المعارضة الليبية، عندما دعا خلال مؤتمر صحافي عقده في واشنطن يوم الخميس الثالث من مارس، إلى وقف فوري للعنف في ليبيا، واعتبر أن معمر القذافي فقد شرعيته وعليه أن يغادر فورا. وحمل كل من يحرض على العنف ضد الشعب الليبي المسؤولية. وتجدر هنا الإشارة إلى المخاطر والصعوبات الكبيرة التي تنطوي عليها عملية قيادة المعارضة الليبية. والأمر يصبح أكثر صعوبة وتعقيدا عندما يدور الحديث عن قيادة المعارضة الليبية عن بعد. ذلك أنه من الصعب على الرئيس أوباما أن يتابع الأحداث في ليبيا وهو في مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض، حتى وإن كانت تحت إمرته أجهزة مخابرات خارقة وعدد كبير من المخبرين الذين يراقبون القذافي عن قرب. وبعبارة أخرى فإن أوباما لن يكون قادرا على توجيه مسار الأمور في ليبيا إلا بمساعدة مستشاريه العسكريين، الذين تسللوا على الأغلب إلى داخل الأراضي الليبية وباشروا عملهم فيها. لكن، إذا حصل أن تمكن الموالون للقذافي من القبض على أولئك المستشارين العسكريين، فإن القذافي سوف يحصل على ورقة رابحة، يستخدمها ضد الولايات المتحدة. مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية الثوار الليبيين لا يمتلكون من القوة والخبرة ما يمكنهم من الإطاحة بنظام القذافي. وفي هذه الحالة سوف يستغل الجمهوريون ذلك، ليشنوا هجوما ساحقا على الديمقراطيين وفي مقدمتهم أوباما متهمينهم بالفشل في معالجة الأزمة الليبية. مما تقدم يمكن استنتاج أن المعارضة الليبية يجب أن تبذل قصارى جهدها لتحقيق آمال الرئيس أوباما في الإطاحة بنظام معمر القذافي، ومساعدته على البقاء في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية. فأوباما لا يرغب في المقامرة بمستقبله السياسي بإقدامه على مغامرة عسكرية في ليبيا ليست مضمونة النجاح.

========================

أبعاد أخرى للثورات العربية

المستقبل - السبت 12 آذار 2011

العدد 3937 - رأي و فكر - صفحة 22

صالح بكر الطيار()

من خلال الشعارات المرفوعة في الساحات العربية التي تشهد تحركات شعبية يتبين ان مطالب ذات ابعاد وطنية تتعلق بالفساد والرشوة والبطالة وتداول السلطة وإقامة انظمة مدنية وإشاعة الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير هي الطاغية من دون ان يستشف أي موقف لأي ثورة قامت بشأن مستقبل العلاقة مع الغرب او بشأن مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي. ولوحظ بالمقابل ان هناك عدم وضوح ايضاً لدى الإدارات الرسمية الغربية التي تتعاطى بحذر مع ما يجري في العالم العربي خصوصا أن اجهزتها الديبلوماسية لم تتوقع في تقاريرها حصول أي ثورة، و كانت تظن ان الأنظمة العربية التي سقطت كانت ستعيش سنوات طويلة قبل ان تشهد أي تهديد فعلي. وحالة الاضطراب والضياع في دوائر صناعة القرار الغربي يمكن رصدها من خلال تمهلها عدة ايام قبل اصدار أي موقف سلبي او ايجابي، بدليل ان وزيرة خارجية فرنسا السابقة ميشيل اليو ماري عرضت على نظام زين العابدين بن علي تزويده بخبراء وتجهيزات، ظناً منها ان ما يحدث في تونس كان كناية عن تمرد او عن عمليات اضطراب ذات ابعاد ارهابية. والولايات المتحدة الأميركية كانت تظن عند اندلاع الثورة المصرية انها ما زالت قادرة على الإمساك بزمام الأمور وأن إزاحة الرئيس حسني مبارك والإتيان بمن يخلفه من نظامه سيحل المشكلة. ولكن المفاجأة كانت هي ازاحة النظام بأكمله. وفي ليبيا اليوم ما زال البعض يظن من امثال رئيس فنزويلا هوغو تشافيز ان المسألة يمكن حلها من خلال فتح باب الحوار بين نظام العقيد معمر القذافي والثوار. وجاء الجواب بأن المطلوب هو اقتلاع النظام من جذوره. وهناك الحالة اليمنية والبحرينية والأردنية والعراقية حيث الصورة لم تتضح بعد بشأن ما ستؤول اليه المفاوضات الجارية بين الحركات الشعبية وبين الأنظمة السياسية. هذا الواقع يفيد ان الوقت ما زال مبكراً من اجل معرفة التوجهات السياسية الخارجية للدول العربية التي شهدت او تشهد تحركات شعبية، وهذا ما يستدعي من الدول الغربية رسم عدة سيناريوهات كلها قائمة على احتمالات افتراضية وليس على ثوابت. والأكثر ارباكاً من الغرب هي اسرائيل التي تعتبر نفسها انها قد حققت الكثير من الإنجازات خلال العقود القليلة الماضية حيث وقعت اتفاقية كمب ديفيد مع مصر، وإتفاقية وادي عربة مع الأردن، وأقامت علاقات "مساكنة" مع تونس والبحرين وليبيا. ولكن ماذا عن المستقبل فيما لو اعادت هذه الدول النظر بعلاقاتها مع تل ابيب ليس على قاعدة الغاء اتفاقيات السلام المعقودة بل على قاعدة عدم التعاطي الإيجابي مع اسرائيل والعودة للتضامن بشكل فاعل مع الشعب الفلسطيني من دون النظر الى الى انتماءاته السياسية سواء كان البعض مع حركة فتح او البعض الآخر مع حركة حماس؟. وما هو مستقبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس فيما لو ظل يعتبر ان التفاوض هو اقصر طريق للوصول الى السلام؟. وما هو مصير الرعاية الأميركية لمسار السلام في الشرق الأوسط في ظل انحياز واشنطن الى تل ابيب؟. وماذا لو بادر الشعب الفلسطيني في الداخل الى اعلان انتفاضة شعبية سلمية جديدة ضد المحتل؟. هذه الأسئلة عصية على الإجابة عنها في القريب العاجل. وبقدر ما يُنظر بإيجابية الى بعض التغييرات التي حصلت في العالم العربي بقدر ما يخيم الخوف لدى الكثيرين من ان تتفلت التحركات الشعبية في بعض الدول العربية من حدود القدرة على ضبطها فتتحول الى شرارة لاندلاع حرب مذهبية في مكان ما، وحرب قبلية في مكان آخر، وحرب اهلية في مكان ثالث خصوصا أن الغرب المتطلع دائماً الى ضبط الإيقاعات في العالم العربي قد يكون هو الداعم لمشاريع الزعزعة فيما إذا كانت الأمور ذاهبة عكس ما تشتهيه رياح الغرب.

() رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

========================

كيف نمنع فراغاً سياسياً؟

المستقبل - السبت 12 آذار 2011

العدد 3937 - رأي و فكر - صفحة 22

يوسي بيلين

("اسرائيل اليوم" 7/3/2011)

يصعب على المرء أن يكون خبيرا في هذه الفترة. فالكثير من المستشرقين يشعرون بأنفسهم مثل الخبراء في الشؤون السوفييتية في نهاية الثمانينيات. النظام القديم يتضعضع، ولا يوجد بعد نظام جديد. ومع ذلك ثمة شيء واحد واضح بقدر ما يكون الجمهور الكبير في الدول المجاورة لنا اكثر مغزى في تحديد السياسة، بقدر ما يحتل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني مكانا اعلى في سلم الاولويات. اذا ما استمر الفراغ السياسي، فمن شأنه ان تكون له آثار على مستوى العنف في المنطقة. ومن شأن هذا الفراغ أن يشكل ريح اسناد للارهاب.

تعبئة الفراغ الحالي من خلال خطوة سياسية هو حاجة الآن تتجاوز في أهيمتها الاهمية الجوهرية للسلام الذي يضمن اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. لا يمكن الاستمرار طويلا في الجمود السياسي، دون صلة بمسألة من المسؤول عنه.

الخطوة المطلوبة أكثر من أي خطوة اخرى، في نظري، هي محاولة استئناف المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية على خلفية تجميد البناء في المستوطنات، والاستعداد للفحص مع عباس الامكانية للوصول إلى اتفاق على نمط مبادرة جنيف. مبادرة جنيف لا تضم مستوطنة ارئيل، في الخريطة المستقبلية لاسرائيل، وهي تنقل القدس الشرقية، باستثناء الاحياء الاسرائيلية التي اقيمت فيها إلى ايدي الفلسطينيين.

بما أني أفترض ان حكومة نتنياهو غير مستعدة لاتفاق سلام كهذا، وبما أني أُقدر بان الفلسطينيين لن يكتفوا بأقل من ذلك، فالبديل يمكن أن يكون تطبيق المرحلة الثانية من خريطة الطريق: اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، وبدء مفاوضات على التسوية الدائمة مع الدولة الجديدة.

من حيث المبدأ، من شأن هذه الخطوة ان تكون أكثر راحة للحكومة الحالية، ولكن اصعب بكثير للفلسطينيين. للامتناع عن تثبيت المؤقت يحتاج الفلسطينيون إلى عرض واضح للافق السياسي المتوقع لهم. مشكوك ان يكون بوسعهم ان يحصلوا على ذلك من حكومة نتنياهو.

الامكانية الثالثة هي استغلال مرور 20 عاما على مؤتمر مدريد في 30 تشرين الاول 2011، وعقد مؤتمر مدريد الثاني في هذا الموعد.

الامكانية الثالثة عملية في نظري. فأنا مقتنع بانه يجب العمل الآن وعدم الانتظار. يوم ميلاد مؤتمر مدريد الاول العشرين كفيل بان يكون سببا وجيها للتحرك.

========================

ماذا يحدث لليبيا؟

ميشيل كيلو

السفير

12-3-2011

في الأيام الأولى من ثورة 17 شباط، تحمس الأميركيون لها وأعلنوا وقوفهم الصريح ضد معمر القذافي ونظامه، وقالوا إنه فقد شرعيته ولم يعد يستطيع البقاء في وطنه لأنه يقتل شعبه بالجملة. بعد أيام قليلة، اعتبروا أعماله جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهددوا بإحالته وأتباعه إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي ما لبثت أن تحركت بالفعل، وحدد مدعيها العام أوكامبو تسعة عشر مسؤولاً، على رأسهم القذافي وأبناؤه، وجه إليهم تهماً تجرمهم قانونياً، عممت شرطة الأنتربول بعد قليل أسماءهم على فروعها الدولية.

وكانت كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، قد ذهبت في حماستها الأولى إلى درجة هددت معها بتطبيق القوانين الأميركية على القذافي ونظامه، بينما اتخذ الكونغرس الأميركي بعد يومين قراراً غير ملزم للإدارة يدعم فكرة فرض حظر جوي على ليبيا، وهي فكرة كان قد اقترحها الرئيس اوباما، ورجح في الوقت نفسه أن يقوم حلفاؤه في أوروبا، وخاصة منهم إنكلترا وفرنسا، بتنفيذها، ثم كرر دعوته إلى القذافي لمغادرة ليبيا، وهدد من جديد العسكريين والسياسيين الذين يساندونه بالملاحقة والمحاسبة.

في هذه الأثناء، كانت أوروبا تبتعد من جانبها بدرجات متفاوتة عن حاكم ليبيا، وقد سبق الرئيس الفرنسي ساركوزي الجميع إلى إعلان مواقف صريحة يقطع فيها معه ويعلن نهاية شرعيته وضرورة سحب الاعتراف الدولي بحكومته، ثم تبعته إنكلترا فيما فعل وصرح، وتولت الدولتان، تلبية لرغبة أميركية ربما، تنسيق السياسات الأوروبية تجاه ليبيا، بينما كانت أسلحة البحر الغربية المختلفة تسارع إلى سواحلها، استعداداً للخطوات التالية، التي بدا مؤكداً أنها ستذهب جميعها نحو تصعيد الدعم للثوار، والحظر الجوي على طيران النظام، وقد عبر هذا التحول عن نفسه بوضوح في تصريح لصديق حاكم ليبيا وحليفه رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلوسكوني، أكد فيه إن هذا فقد شرعيته ولن يبقى في الحكم.

في النهاية أعلن الأميركيون أن باستطاعة الغرب تنفيذ الحظر على الطيران العسكري الليبي، الذي يقصف ويقتل الشعب، وأن هناك حاملتي طائرات ترابطان الآن في مواقع مناسبة، يكفي ما لديهما - وما يرابط في مطارات إيطاليا - من طائرات لتنفيذ أي أمر يصدر إليهما من الرئيس.

في ضوء هذه التطورات، قلت إن جديد الحدث الليبي يتمثل في تحول العامل الخارجي إلى عنصر حاسم في صراع القوى الداخلية، يجعل هزيمة القذافي مؤكدة حتى إن كانت قواه متفوقة على قوى خصومه ومعارضيه، وأن المشروع الدولي لمنعه من استخدام كامل قواه يعني منعه من تحقيق الانتصار على خصومه، ويجعل نهايته مسألة وقت. ثم، وقع فجأة أمر ما زالت طبيعته غير واضحة إلى اللحظة، أعقب إعلان الوزيرة كلينتون أن بلادها تجري اتصالات مع بنغازي: لقد حدث تبدل في الموقف الأميركي عبر عن نفسه في توقف الرئيس عن إصدار أوامر إلى القذافي بضرورة مغادرة ليبيا، وغياب كلينتون عن الشاشة تماماً، وتغير أولوياتها، وقول وزير دفاع أميركا إن بلاده لا تستطيع بمفردها فرض حظر جوي فوق ليبيا، وإن المسألة ليست سهلة لأنها تتطلب تدمير مواقع الدفاع الجوي ثم المطارات، وليبيا كبيرة والمهمة معقدة، والرأي العام الأميركي والعالمي ليس مستعداً بعد لدعم حرب جديدة، والأمر يتطلب قراراً دولياً من الصعب الحصول على موافقة جميع أطراف مجلس الأمن الدولي عليه. بينما قال مسؤولون أوروبيون كلاماً قريباً من هذه التصريحات. بعد الحماسة الجامحة جاءت الآن البرودة المتحفظة.

ما الذي حدث وجعل أميركا تغير موقفها أو تجمّده، وتتخذ دور المتفرج غير المهتم طيلة ثمانية أيام متواصلة؟ في حين كان القذافي يصعّد الحرب ويستفز العالم، وكان أبناؤه يقتلون الشعب الليبي بالجملة وبدم بارد، بينما ردّد أحدهم، سيف الإسلام، بلغة ساخرة: إن الغرب لا يقبل غير الأقوياء، والقوة ستستخدم إلى حد الحرب الأهلية ضد الشعب؟

ما الذي طلبه الأميركيون خلال الاتصالات من المعارضة ولم يحصلوا عليه، فقرروا ترك القذافي يفعل ما يشاء والاكتفاء بالتفرج على جرائمه؟ ما الذي جعل الحظر الجوي مهمة سهلة أول الأمر وهي كذلك بالفعل ثم مستحيلة أو شبه مستحيلة بعد الاتصالات؟ هل حمل الأميركيون تصوراً ما لعلاقاتهم مع ليبيا الجديدة رفضه الثوار في بنغازي، فكان ما شاهدناه من تحفظ المؤسسة العسكرية على العمل المباشر ضد القذافي، وصمت أوباما وكلينتون، الذي حل محل تصريحات يومية سابقة ركزت معظم جهد أميركا الدولي على الحدث الليبي؟

قال بعضهم: إن أميركا لا تريد التورط في حرب ثالثة؟ الجواب: إنها ليست متورطة اليوم إلا في حرب واحدة هي حرب أفغانستان. وقال آخرون: إنها لا تستطيع إرسال قوات برية إلى ليبيا. الرد: لم يطالبها أحد بذلك، واكتفى القوم الثائر بفكرة الحظر الجوي، فإن كان صعباً، فبالتشويش على اتصالات القذافي، فإن كان هذا صعباً، فبإمداد الثوار بأسلحة مضادة للدروع والطيران. وقال غيرهم: إن المنطقة ستهب ضد التدخل الخارجي. الجواب: إن من طالبوا بالحظر لم يريدوا تدخلا خارجيا، بل مساعدة إنسانية تقرها الأمم المتحدة فتكون محدودة وشرعية، لا تتضمن نزول قوات أجنبية أميركية أو غير أميركية في الأراضي الليبية، علما بأن البريطانيين أعطوا أنفسهم الحق في إرسال جنود إلى شرق ليبيا دون علم الحكومة الحرة، فكان رد الثوار عظيماً: لقد اعتقلوهم واحتجزوهم، وأفهموهم أن ليبيا ليست بلاداً بلا سيادة يحق لهم اقتحامها بحجة أنهم يريدون إجراء اتصال مع قيادتها الجديدة، فهل يجهل الإنكليز حقاً أصول العلاقات الدولية وكيفية إجراء اتصالات مع حكومات الدول الأخرى؟ أخيرا قال بعض محبي أميركا: إن الخلاف بين وزارتي الخارجية والدفاع قيّد أيدي واشنطن، وأربك إدارتها، وأفزع رأيها العام، فلا بد من انتظار تفاهمهما قبل التحرك، الذي لم يحدد أحد هويته إلى اللحظة!

شجّع الموقف الأميركي الطاغية وعصاباته على توسيع نطاق القتل، وتحويل الصراع إلى حرب شاملة غطت أكثر فأكثر كل مكان في ليبيا: من الزاوية إلى طبرق. ولعل مذبحة مدينتي الزاوية ومصراته، اللتين تقصفان منذ أسبوعين ونيف بصنوف الأسلحة الثقيلة كافة من الجو والبر، وتقتحمان بالدبابات والمدفعية المحمولة وراجمات الصواريخ، والهجوم المعاكس على الوسط والشرق وما سببه من فرار جماعي للسكان، هما النتاج الميداني لسياسة أميركية تتشدق ليل نهار بالحرية والإنسان، لكنها تغلب أقل مصالحها شأناً عليهما، وتسمح لنفسها باتخاذ مواقف تشجع في البداية الثوار على مواصلة النضال، ثم تشجع بصمتها وسلبيتها خصمهم على مواصلة القتل، فهي إما أنها كانت كاذبة عندما ادعت دعم التحول الديموقراطي في المنطقة، أو أنها أرادت ترويض الديموقراطيين إلى الحد الذي يجبرهم على وضع أقدار ليبيا بين يديها، وإلا دعمت سفاحاً تعلم أنه سيخرج من معركته ضعيفاً ومنبوذاً سيسهل عليها اقتناصه والتحكم ببترول بلاده وموقعها الاستراتيجي وأموالها الكثيرة، فالثورة ليست فرصة يحرز الشعب الليبي الديموقراطية بواسطتها، بل هي فرصة لوضع يد أميركا على ليبيا، ومثلها انتصار القذافي!

بدأت ديبلوماسية أميركا وأوروبا بالأمس (الاثنين) تحركاً جديداً لتغطية سلوكها المشين، فطالب وزير دفاع واشنطن من كابول بدعم دولي للحظر الجوي، وقالت إنكلترا إن الحظر لا يمكن أن يتحقق دون «موافقة المنطقة والشعب الليبي»، وألمحت إلى وجود تباين في الرأي داخل المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي، الذي طالب بدعم دولي/ إنساني، بحظر جوي يفرض بقرار من الشرعية الدولية، التي يبدو أن أميركا لم تعد تعرف أين هو مقرها وكيف تعمل! والأشد سوءاً من ذلك أن ناطقاً باسمها أعلن استعدادها لإمداد الثوار بالسلاح، وإن «كان الوقت لم يحن لذلك بعد»!

ماذا يفعل العالم؟ إنه يبحث عن مصالحه، التي كثيراً ما تتعارض مع ما نريده لأنفسنا. لكنني أتساءل: ماذا يفعل العرب؟ ماذا الذي يحول دون إعلان ثوار مصر بأن هزيمة شعب ليبيا خط أحمر، وأنهم لن يسمحوا للطاغية بسحقه وإعادته إلى العبودية والذل؟ يقوم إخوتنا في تونس مشكورين بما يستطيعونه من أجل من دخلوا أراضيهم من ليبيا، عرباً كانوا أم أجانب، ومثلهم يفعل مصريو الحدود الشرقية مع ليبيا، الذين يساعدون جيرانهم بالغذاء والدواء. لكن هذا لا يكفي. أين مظاهرات التضامن مع الشعب الليبي، ولماذا لا ينظم الثوريون في البلدين حملة لتلبية حاجة شرق ووسط وغرب ليبيا إلى الأطباء والخبراء في مجالات تسيير الدول الحديثة كافة، وما يحتاجون إليه اليوم وبعده لطرد الطاغية؟ لقد أعلنت كل ثورة في التاريخ الحديث أنها ستدافع عن المحرومين من حقوقهم والمقاتلين ضد الطغيان والظلم، فهل كثير أن تعلن ثورة العرب الثانية في مصر وتونس عزمها على دعم كل من يقاتل في سبيل حريته من أمتنا في ليبيا وغير ليبيا وتبادر إلى فعل ما تستطيعه، رغم ظروفها الراهنة الصعبة، ضد نظامها وأي نظام آخر يحارب شعبه، وتدعو إلى تشكيل فصائل لمساندته ودعمه وإشعاره أنه ليس وحده، وأن معركته ليست ليبية وحسب، ولن تحسم على المحور الغربي/ الليبي وحده، بل في الإطار العربي الجديد أيضا؟

لا يجوز السماح بإطالة آلام الثورة الليبية. كما لا يجوز السماح بنزول قوات أجنبية في ليبيا، لأن هذا سيكون بداية انتكاس الثورة العربية الثانية في كل مكان، بما في ذلك تونس ومصر. ولا بد من وضع جميع الجهود في خدمة ثوار الحرية في أرض عمر المختار، ما دام انتصارهم سيسهم في الإطاحة بجميع صروح الاستبداد وركائزه. أما أميركا، فلتفضح نفسها للمرة المليون كدولة تتشدق بالحرية، بينما تتفرج بدم بارد على قتل المطالبين بها، لأن حريتهم قد لا تخدم مآربها الأخرى!

========================

لماذا يُقلق التغيير إسرائيل؟

سميح صعب

النهار

12-3-2011

بدأت رياح التغيير التي يشهدها العالم العربي تلقي بانعكاستها على اسرائيل. ويحاول رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ان يواكب التغيير بطرح مبادرة يقوم مضمونها على رسم حدود موقتة لدولة فلسطينية على ان ترجأ القضايا الشائكة مثل الحدود الدائمة والقدس واللاجئين الى مواقيت أخرى. وعلى رغم ان نتنياهو يعلم مسبقاً ان خطته لن تلقى قبولاً لدى الجانب الفلسطيني، فإنه يعتبر ان هذا أقصى ما يمكن حكومته الائتلافية ان تقدمه حتى لا تتعرض للانفجار من الداخل.

على ان خطة نتنياهو ليست المظهر الوحيد للقلق الذي يستبد باسرائيل منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي ولا سيما في مصر. فاسرائيل تخشى ان تصب التغييرات في مصلحة ايران التي تعتبرها الدولة العبرية خطراً استراتيجياً عليها بسبب علاقاتها الوثيقة مع سوريا ومع "حزب الله" وبسبب مضيها في تطوير برنامجها النووي.

من الواضح ان اسرائيل كانت مستكينة الى حال الركود السياسي التي عاشت فيها مصر منذ التوقيع على معاهدة كمب ديفيد عام 1979. وكانت مطمئنة كل الاطمئنان الى ان المعاهدة تتيح لها التفرغ للتركيز على الجبهة الفلسطينية والجبهة الشرقية. أما الان فثمة شيء تغير في الجنوب ولم يعد في وسع الاسرائيليين تجاهله.

وعلى رغم ان المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر الآن حرص على الاعلان عن التزام الاتفاقات الدولية التي سبق للحكومات المصرية ان وقعت عليها، وعلى رغم التطمينات التي عاشت بها الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، فإن ذلك لم يبعث الاطمئنان في نفوس الاسرائيليين.

فالاسرائيليون يعلمون ان الرئيس المصري السابق حسني مبارك قامت عصبية حكمه على حراسة معاهدة كمب ديفيد بعد اغتيال انور السادات الذي وقع المعاهدة. وباسم الحفاظ على كمب ديفيد كانت تصل المساعدة الاميركية الى مصر بانتظام، وباسم المعاهدة مدد مبارك لحكمه ست مرات وكان يعد كل شي لانتقال الحكم من بعده الى ابنه جمال، وباسم الحفاظ على المعاهدة تغاضى الغرب عن كل ممارسات النظام المصري بحق المعارضة، وباسم الحفاظ على المعاهدة تساهل الغرب مع نشوء طبقة حاكمة فاسدة في مصر، وباسم الحفاظ على المعاهدة عادى مبارك ايران.

وبعد سقوط نظام مبارك، تدرك اسرائيل ان أي رئيس مصري مقبل سيكون متحرراً من الاسباب التي جعلت مبارك حارساً اميناً على كمب ديفيد. ولا يعني هذا انه سيكون هناك الغاء للمعاهدة او اعادة للنظر فيها. لكن مجرد ان يعمل الرئيس المقبل على اعادة مصر الى العالم العربي، فإن ذلك ستكون له تبعات سلبية على اسرائيل.

وبمجرد عودة مصر الى ممارسة دور اقليمي فاعل فإن ذلك يعني مباشرة اهتماماً بالقضية الفلسطينية غير الاهتمام الذي كان يمارسه مبارك. ولن يكون الرئيس المصري المقبل ملزماً اغلاق معبر رفح ومساعدة اسرائيل في حصارها لقطاع غزة. وهذان امران تبرع بهما مبارك كي يثبت لاسرائيل حسن نياته تجاهها وكي يدعم المسؤولون الاسرائيليون في اميركا فكرة التوريث في مصر.

القلق الاسرائيلي من التطورات الجارية في العالم العربي ليس ناشئا من فراغ، بل من حسابات بعيدة المدى. وأي اهتزاز اليوم في الاردن مثلاً من شأنه ان يضاعف موجة الهلع في اسرائيل. ويبدو ان المسؤولين الاسرائيليين لا يزالون يحاولون مواجهة التغييرات من حولهم باساليب قديمة مثل زيادة الانفاق على الموازنة العسكرية لتحصين كيانهم من أي مفاجآت في المستقبل. ومن هنا كان الطلب من الولايات المتحدة مساعدات عسكرية إضافية ب20 مليار دولار.

تحاول اسرائيل ان تقاوم التغيير في العالم العربي كي تحافظ على طابعها القديم وكي لا تكون مضطرة الى تغيير سياساتها.

========================

من قتل الضحايا مرتين ؟؟

العين د. نبيل الشريف

 الدستور

12-3-2011

يواصل العقيد ولوغه في دماء الابرياء في ليبيا منتهكا كل القواعد الاخلاقية والمواثيق الدولية دون أن يجد من يوقفه عند حده أو يضع حدا لبطشه واستباحته لدماء الليبيين الشجعان الذين يواجهون صواريخه المجرمة وقذائفه الهوجاء بعزيمتهم الصلبة وصدورهم العارية .

إن مواجهة هذا الخطر الذي يتعرض له المواطنون العزل في لبييا تستدعي التفكير في كل الخيارات وعدم استثناء اية وسيلة لتخليص الناس من ذلك الكابوس الجاثم على صدورهم منذ عقود . ولكن أحدا في لبييا او الوطن العربي لايطالب بتدخل قوى عسكرية اجنبية لحسم هذا الصراع .

كما أن موضوع التدخل العسكري ليس قرارا سهلا إذ قد تترتب عليه تبعات إنسانية وقانونية ومادية عالية جدا. وعلى القوى العسكرية أن تفكر مسبقا في قدرتها على الخروج من الورطة (إذا ما وجدت نفسها مضطرة للتدخل) ، خصوصا بعد ورطة امريكا والقوى الغربية في العراق وافغانستان .

بمعنى آخر ، فقد يلتمس المرء عذرا لبطء وتردد المجتمع الدولي في نجدة الشعب الليبي ، فالقرارات المطلوبة ليست سهلة وتحتاج الى دراسة وتفكير قبل الاقدام عليها ، ولكن أحدا لا يستطيع ان يجد عذرا للمسؤول الغربي الذي قال في معرض رفضه لفكرة فرض حظر جوي على لبييا أن الموضوع غير مطروح الان لأن عدد القتلى ليس مرتفعا بعد ،،

وقد سمعنا إسطوانة مماثلة في أعقاب كارثة الفيضانات التي ضربت باكستان العام الماضي ، فقد قال مسؤول غربي آخر ردا على سؤال عن عجز الغرب عن الإستجابة لصرخات ضحايا تلك الكارثة الطبيعية بنفس السرعة التي إستجاب فيها لنجدة منكوبي زلزال هاييتي إن عدد الضحايا ليس مرتفعا بالقدر الكافي ،،

إن هذه التبريرات المعيبة والمخجلة تقدم نموذجا عمليا لمقولة "عذر اقبح من ذنب"التي تجري على ألسنة الكثيرين ، فالتدخل والنجدة واغاثة الضحايا يجب الا تكون مقترنة بعدد الضحايا الذين يسقطون او بكمية الدماء التي تسفك ولكن بعدالة القضايا وتعرض الابرياء لاخطار تفوق قدرتهم على صدها او مواجهتها .

إن ماذهب اليه هؤلاء المسؤولون الغربيون يوحي وكأن الغرب يملك مؤشرا لعدد القتلى أو الضحايا . وبموجب (مؤشر الموت) هذا فإن قتل الابرياء يعد مقبولا وطبيعيا ومسكوتا عنه إذا مابقي عند حدود رقم معين على ذلك المؤشر .. أما إذا تجاوز عدد القتلى ذلك الرقم فإن التدخل يصبح ضروريا ومشروعا ومبررا ،،

كم نتمنى أن يلوذ هؤلاء بالصمت بدلا من قتل ضحايانا مرتين ..مرة بنيران الطغاة أو الكوارث ومرة اخرى بفقدان الحساسية وتبلد المشاعر.

========================

التعاون من أجل عزل نظام القذافي

بيتر ميليت

الدستور

12-3-2011

"منذ اندلاع الأحداث المروعة في ليبيا عملت المملكة المتحدة على إدانة الأعمال المرتكبة من قبل نظام القذافي ، وقد تعاظمت مخاوفنا في الأيام الماضية في ظل تزايد الضغط الدولي الممارس على القذافي ومن حوله.

إن نظام القذافي يعمل على شن هجمات عسكرية مضادة ضد قوات المعارضة. وهناك تقارير ذات مصداقية تؤكد قصف المدنيين باستخدام طائرات مروحية تابعة للقوات الحكومية ، إضافة إلى شن اعتداءات خطيرة ضد مدينتي الزاوية ومصراته في الغرب ، والكثير ممن نقلوا إلى مستشفى المدينة كانوا مصابين بالرأس والعنق والصدر ، كما أن إمدادات الغذاء والوقود والأدوية باتت شبه منقطعة. أما في طرابلس فهناك أنباء مقلقة حول اختطاف رهائن ، إلا أن سلطته تواجه التحدي في مناطق واسعة من ليبيا حيث تراجعت القبائل المحلية عن دعمها له.

موقفنا واضح ويتمثل بضرورة وضع العقيد القذافي نهاية فورية لاستخدام القوة المسلحة ضد المدنيين ، وتسليم السلطة دون أي تأخير لحكومة تحترم تطلعات الشعب الليبي وتكون ممثلة لمختلف الأطراف فيه وتخضع للمحاسبة والمساءلة.

تتعاون المملكة المتحدة مع دول أخرى لعزل النظام وضمان أن يعلم كل مسؤول عن أي انتهاكات ، بأنه سيواجه يوما يحاسب فيه عن أعماله. والعمل الذي يقوم به المجتمع الدولي لا سابق له.

لقد أعلن المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي عن مضيه في التحقيق بجرائم زُعم ارتكابها في ليبيا ، وذلك بعد أن أحال مجلس الأمن الدولي الأمر إلى المحكمة. إننا نرحب بهذا الإجراء السريع ، ولسوف نبذل كل ما في وسعنا لتقديم المساعدة. كما أننا نرحب بالقرار الهام الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بعد إحالة مجلس حقوق الإنسان الأمر إليها ، بتعليق عضوية ليبيا في المجلس.

وقد دخلت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد ليبيا حيز النفاذ يوم الخميس الماضي. كان ذلك أسرع تنفيذ لحزمة من العقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي ، وهي تتجاوز العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة ، وتتضمن حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا ، وتجميد أصول وحسابات القذافي 25و من المقربين منه ومنع إصدار تأشيرات لهم ، وهذه أسس قوية يمكننا البناء عليها.

إننا بصدد وضع خطط طوارئ لمواجهة الاحتمالات كافة في ليبيا ، فقد جرى تكليف حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالنظر في عدد من الخيارات ، بما فيها تشكيل منطقة حظر جوي ، وإخلاء المدنيين ، وتقديم مساعدات إنسانية دولية ، ومساندة الحظر الدولي على تصدير الأسلحة لليبيا. وسيعقد حلف الناتو المزيد من الاجتماعات خلال الأسبوع الجاري. أما على مستوى مجلس الأمن الدولي فالتعاون وثيق مع الشركاء بناء على مبدأ الاحتياط لصياغة عناصر قرار يقضي بفرض منطقة حظر جوي ، موضحين الحاجة لتلقي دعم من المنطقة ووجود سبب واضح وأساس قانوني مناسب لاتخاذ القرار المذكور.

في النهاية من الضروري مواصلة معالجتنا لتطورات الوضع الإنساني ، حيث أرسلت المملكة المتحدة بطانيات تكفي 38,000 شخصا وخيما لإيواء أكثر من 10,000 شخص ، إضافة إلى إرسالنا طائرات لإخلاء 6 آلاف مواطن مصري 500و مواطن بنغلادشي انقطعت بهم السبل على الحدود. ما زالت هذه حالة لوجستية طارئة ، لكن من الضروري السماح للهيئات الدولية الدخول من دون عراقيل لتساعد في الحد من تدهور الأوضاع لتصل إلى كارثة إنسانية. لقد دعت البارونة آموس ، بدعم منا ، إلى عقد جلسة خاصة في جنيف اليوم للمطالبة بالسماح لهيئات الإغاثة الإنسانية بدخول ليبيا دون عراقيل.

ونحن نتطلع إلى الجلسة الطارئة للمجلس الأوروبي اذ انه من الضروري أن يدفع الاتحاد الأوروبي - ليس فقط للضغط باتجاه اتخاذ المزيد من الإجراءات ردا على الأوضاع في ليبيا - بل أيضا تغيير الاتحاد الأوروبي تفكيره بشكل جذري تجاه الدول المجاورة. لقد آن الأوان ، للدول الأوروبية أن تكون أكثر وضوحا وطموحا ، وأن تبين بأنه بينما أوروبا لا تسعى إلى إملاء على هذه الدول كيفية إدارة شؤونها الداخلية ، فإننا سنبقى صديقا دائما للدول التي تضع لبنات بناء مجتمعات مدنية ، وتحقيق الانفتاح الاقتصادي ، وتوفير الحريات السياسية. وعلينا تقديم كل حافز ممكن لدول المنطقة لاتخاذ قراراتها الرامية إلى تعزيز الحرية وتحقيق الازدهار. سنطالب خلال اجتماع المجلس الأوروبي بأن تضع أوروبا برنامجا يزيل العوائق أمام التجارة ، وتحدد شروطا أكثر وضوحا في مقابل المساعدات التي تقدمها ، وأن تعمل على حشد مواردها لتكون بمثابة عامل جاذب للتغيير الإيجابي في المنطقة.

إن الأحداث التي شهدتها مصر وتونس كانت تاريخية وعلينا الترحيب بالتطور الذي حصل بما في ذلك الإعلان عن إجراء استفتاء عام على إصلاح دستوري في مصر ، وإعلان موعد الانتخابات في تونس. إلا أن استقالة رئيسي الحكومتين في كل من مصر وتونس يظهر أن تحديات كبيرة ما زالت تكمن على الطريق. إن المملكة المتحدة ستستمر بالطلب من الحكومات كافة في أرجاء المنطقة كلها احترام حقوق الإنسان ، ومنها الحق في الاحتجاج السلمي ، وتجنب استعمال القوة والاستجابة للتطلعات المشروعة نحو مزيد من الانفتاح السياسي والإصلاح الاقتصادي.

إذا أمكن تحقيق التغيير والتنمية في الشرق الأوسط بشكل سلمي فسيكون هذا أعظم تقدم في الشؤون العالمية منذ التغير الجذري الذي عرفه وسط وشرق أوروبا قبل عشرين عاما ، حيث دخل الكثير من دول المنطقتين في عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي حال لم يتحقق المذكور فمن شأن ذلك أن يؤذن ببداية مرحلة أكبر من عدم الاستقرار في المنطقة. من الحيوي لشعوب هذه الدول ودول سائر العالم أن تلعب الأسرة الدولية دوراً منسقا وطموحا في دعم تطلعاتها".

========================

مقدمات هزيمة سياسية كبرى لإسرائيل..!!

مفيد عواد

الرأي الاردنية

12-3-2011

من الطبيعي جداً أن يغرق كل من نتنياهو وليبرمان في لجة الصراع بينهما على زعامة اليمين في إسرائيل بشكل يوفر لهما وضعاً مريحاً ما دام الرجلان تركا موضوع التفاوض مع الفلسطينيين في ظل حكومة مؤيدة لخطوة الرجليْن الرامية لخلق مرحلة جديدة من الجمود السياسي وتكريس مسيرة سياسية جوفاء أكدت أمام العالم أن إسرائيل غير معنية أساساً بأي مسيرة سياسية جادة للسلام في المنطقة برغم ما يجري الحديث عنه في هذه الأيام عن خطة سياسية يعدها رئيس الحكومة الإسرائيلية لعلها تقنع الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات ضمن خطة يجري إعدادها بحيث تحمل في ثناياها عوامل فشلها مقدماً.

في حقيقة الأمر أن نتنياهو وحكومته عاجزون عن تقديم أي مبادرة جدية للسلام لأن نتنياهو فاقد القدرة والقوة لتقديم خطة سياسية حقيقية قادرة على إقناع الفلسطينيين والعالم على نقض منطق التوسع والاحتلال وبالتالي نقض إمبراطورية قائمة على الوهم لصالح كيان إسرائيلي محدود في الوقت الذي تبدو فيه إسرائيل أمام نفسها والعالم كرافضة مكروهة بتميز للسلام ما يدفع نتننياهو لتقديم مبادرة سياسية جديدة من موقع العجز عن تقديم مثل هذه المبادرة التي ستكرس بالتأكيد شروط التزمت الإسرائيلية التي سيرفضها الفلسطينيون حتماً إضافة إلى أن إسرائيل لا تستطيع في هذه الظروف الإعلان عن رغبتها الجامحة دائماً إلى تعطيل أي جهود مبذولة للسلام في المنطقة ذلك لأنها تواجه الآن تحديات صعبة وتحولات حادة في الوطن العربي ما يقوض إصرار إسرائيل على استمرار احتلالها للأرض كما يقوض بالقدر نفسه قدرتها على ما تسميه سياسة الدفاع عن النفس.

إن الزمن الذي كانت الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل وعلى رأسها نتنياهو يقولون أنه يعمل لمصلحة إسرائيل اكتشف عكس ذلك وأنه رغم التحذيرات استمر نتنياهو غارقاً في الوهم رغم أن الزمن كما أجمعت أوساط سياسية إسرائيلية يعمل ضد إسرائيل حقيقةً وواقعاً فقد أصبحت إسرائيل في ضائقة سياسية تأخذ بخناقها لسببين.

الأول:من المنتظر أن تجري الأمم المتحدة تصويتاً على إقامة الدولة الفلسطينية في سبتمبر أيلول القادم على أراضي حدود 4يونيو حزيران 67بغير موافقة إسرائيل على مشاريعها الوهمية وغير المقبولة للسلام ويعترف الإسرائيليون بإمكانية نجاح التصويت وعندها ستهزم إسرائيل سياسياً كما لم تهزم من قبل(كما ذكرت صحيفة هآرتس).

السبب الثاني:إن الانتباه العام كله مصروف إلى انفجار الغاز المصري في وجوه الإسرائيليين والكل مشغول بتداعيات المشروع ضدهم ما فتح ضد إسرائيل جبهة غاز مصرية ليس فقط بعد انفجار الأنبوب الناقل جنوب العريش بل أن شبكة الغاز أخذت تهز الحياة العامة في مصر بعد 25فبراير شباط وتهدد قطاع الطاقة الإسرائيلي من حيث طرح جماهير مصر لأسئلة صعبة ستنتهي بالتأكيد إلى توقف المشروع الذي أقامته إسرائيل على رمال متحركة لحكم فاسد.

========================

كي لا تبتذل الثورة

فهمي هويدي

السبت, 12 آذار 2011 00:03

السبيل

موضوع التظاهر في قلب القاهرة أصبح يحتاج إلى مراجعة وضبط، حتى لا يتحول ميدان التحرير من ساحة ورمز للثورة إلى بؤرة لتشويه الثورة وابتذالها.

لست ضد مبدأ التظاهر في الميدان، ولكن دعوتي تستهدف مجرد مراجعة وضبط العملية، ولعل البعض يذكرون أنني كنت قد دعوت إلى استمرار التظاهر كل يوم جمعة، فيما نشر لي فى هذا المكان يوم 2/3 تحت عنوان "استمرار التظاهر واجب الوقت".

وهذه الدعوة أطلقتها أثناء وجود السيد أحمد شفيق رجل مبارك على رأس الحكومة التي ضمت بعض وجوه النظام السابق. وكان هدف الدعوة هو التضامن مع المطالبة الشعبية بإقالة رئيس الحكومة واستبعاد تلك الوجوه، لإعلان القطيعة مع ذلك النظام.

وقد كان التظاهر -ولايزال- هو الصيغة الوحيدة المتاحة للتعبير عن رأي الشارع ومخاطبة السلطة، كما أن الميدان أصبح المنبر الوحيد المتوفر لإعلان صوت الشارع. إذ لم يعد سرا أن النظام السابق دمر أغلب مؤسسات المجتمع المدني، بحيث لم تعد لدينا أحزاب حقيقية ولا نقابات مهنية أو اتحادات عمالية، رغم أن لدنيا ما لا حصر له من اللافتات التي تحمل تلك المسميات.

بعد إزاحة حكومة مبارك واستبعاد رجاله تحقق أحد المطالب الأساسية للثورة، خصوصا حين رأس الحكومة شخصية موثوقة اكتسبت شرعيتها من انتمائها إلى المتظاهرين في ميدان التحرير، وهو ما يطرح سؤالين، هما: كيف يمكن الإسهام في إنجاح مهمة تلك الحكومة؟ ثم كيف يمكن أن يظل الشارع حاضرا ومساهما في الضغط على السلطة لتحقيق بقية المطالب المشروعة؟

اقتراحي المحدد كالتالي: أن يتوافق ممثلو جماهير 25 يناير على مجموعة من المطالب الأساسية للمرحلة المقبلة (حبذا لو أدرجها رئيس الوزراء في برنامج حكومته)، منها مثلا: إطلاق الحريات العامة بما في ذلك حرية تشكيل الأحزاب لاستعادة الحيوية السياسية قبل الانتخابات التشريعية القادمة، وإلغاء قانون الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومحاسبة المسئولين عن قتل المتظاهرين، وتطهير جهاز أمن الدولة.. الخ.

وفي حالة الاتفاق على هذه العناوين أو غيرها وعلى آجال تنفيذها، تتوقف المظاهرات تماما، في حين تستمر الجهات التي تمثل جماهير الميدان (مجلس أمناء الثورة والائتلاف مثلا) بمتابعة الموقف ومراقبة التنفيذ.

ولها أن تدعو الشعب إلى التظاهر مجددا إذا تبين أن هناك إخلالا بما اتفق عليه، ويستمر الأمر كذلك إلى حين يتم انتخاب مجلس نيابي جديد يمثل إرادة الشعب.

إن التزام الحكومة بتنفيذ مطالب الشعب، ينبغي أن يستتبعه انفضاض الجمع المرابط في ميدان التحرير، تمهيدا لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية في العاصمة وفي غيرها من مدن الثورة.

وسيساعد على ذلك كثيرا لا ريب أن تظهر الشرطة لكي تؤدي واجبها في إعادة الانضباط إلى الشارع، ووقف الانفلات الأمني الذي أصبح عبئا على المجتمع وعلى الثورة.

أدري أن ثمة مجموعات ظلت مصرة على البقاء في ميدان التحرير، تتراوح أعدادها ما بين 300 و500 شخص، وهذه المجموعات تنقسم إلى فريقين، فريق الشبان المتحمسين الذين يعتبرون أن بقاءهم في الميدان هو الضمان الوحيد لتنفيذ مطالب الثورة، والفريق الآخر يضم أعدادا من العاطلين عن العمل الذين اعتبروا أن انتظامهم في الميدان بمثابة وظيفة بديلة لهم، وإلى جانبهم آخرون تعاملوا مع الميدان بحسبانه سوقا يروجون فيها بضاعتهم ويرتزقون منها. وأغلب الظن أن هؤلاء وهؤلاء لم يكونوا من ثوار الميدان لا في 25 ولا في 28 يناير، وإنما التحقوا به بعد ذلك، إما بدافع من الحماس أو الرغبة في الانتفاع.

إذا اعتبرنا أن وجود المتحمسين في الميدان من قبيل ممارستهم لحقهم القانوني في التظاهر السلمي الذي يمكن أن يستمر لبعض الوقت، فإن وجود غيرهم من البلطجية والباعة الجائلين يعد نوعا من ابتذال الميدان الذين ينبغي التعامل معه بحزم، ولا أجد سببا للتسامح معه من جانب جهات الاختصاص في السلطة.

لقد سارع البعض إلى إعلان ضيقهم واستيائهم من المشهد الراهن في ميدان التحرير، فظلموا الثورة بذلك التسرع، لأن الثوار الحقيقيين هم الذين حافظوا على الميدان، وغيرهم هم الذين قصفوه حينا وابتذلوه في أحيان أخرى.

========================

الواقع العربي و إصلاح .. الإصلاح

الصادق بنعلال

2011-03-11

القدس العربي

 شهدت الساحة السياسية العربية قبل و أثناء هذه الثورات و الانتفاضات الشعبية الصاخبة و الشجاعة ، اهتماما بالغا بموضوع الإصلاح الذي طالما تبوأ الصدارة ضمن انشغالات المعنيين بشأن الأمة العربية منذ مستهل القرن العشرين .

و ما من شك في أن الحديث الهادف و الجاد عن الإصلاح ظاهرة صحية في أي إطار زمكاني مخصوص ، شريطة أن ينطلق ذلك من مقاربة علمية و عقلانية مسؤولة ، تروم استقراء فصول و أصول مواطن الضعف العربي و اجتراح حلول إجرائية قمينة بالمساهمة في التقليل من هذا الهوان العربي المبين ، خاصة و أن الفشل الذي يسم الأقطار العربية برمتها هيكلي .و هكذا يمكن القول دون أية مبالغة أو مزايدة في الكلام إن الزلزال الذي يضرب العالم العربي من الماء إلى الماء ، هو نتيجة حتمية لسلسلة من الانتكاسات و المسلكيات السياسوية الفجة ، و الممارسات الفردية و التسلطية لأصحاب القرار من قبيل الاستفراد بالقرارات المصيرية و الحيوية في السلم و الحرب ، و تفضيل مصلحة الأسرة أو المحيط الحاكم على مصلحة الشعب قاطبة ، و تعليق كل المواثيق و القيم الإنسانية و القوانين الدولية ، و تجريد المواطن العربي من حقوقه السياسية و المدنية و الاجتماعية و الثقافية .. و الاستبداد الذي كان و مافتئ يشكل ديدن الحكام العرب في الغالب الأعم .

و الواقع أنه إذا كانت الثورتان التونسية و المصرية قد أطاحتا بزعيمين اشتهرا بالقمع الممنهج و إحصاء النفوس و نهب المال العام .. و إذا كان الشعب الليبي العظيم يواجه بأدوات بسيطة الآلة العسكرية الجهنية للعقيد الأهوج ، و تمكن من السيطرة على أغلب المناطق الليبية الاستراتيجية : مدينة مدينة و " زنكة زنكة ": حسب تعبيرالقائد الدموي ، فإن ذلك يعني من جملة ما يعني أن الشعب العربي الذي كدنا نشك في قواه العقلية و النفسية و الوطنية و القومية ، كان في الموعد و أزال عن كينونته تلك الصورة المفبركة الزاعمة أن الشارع العربي لم يبق له أي وجود أو إحساس بالحياة و العزة و الأنفة ، و الحال أنه كان سنين عددا تحت سطوة " الحاكمين بأمر الله " . و لما دقت ساعة الحقيقة قلب الطاولة و انتفض مثلما لم ينتفض مثله شعب آخر.

بيد أن الإصلاح الذي نحن بصدد الحديث عنه لا يمكن أن ينحصر في مجرد إسقاط طاغية من سدة الحكم ، و إدخال بعض التغييرات الجزئية لنعود للسباحة في نفس المياه الملوثة ، و إلا لماذا هذه التضحيات الجسام و القرابين الزكية و الدماء التي تسيل دون توقف ؟

إن الإصلاح الذي يستدعيه الراهن العربي هو التفكير العميق و التخطيط المعقلن لما سيكون عليه الوضع بعد إزالة الأنظمة الفاشلة ، حتى نودع و إلى الأبد تلك الأشكال من الحكامة غير الحكيمة الموغلة في الاستكبار و التجبر و الفساد بكل ألوان الطيف . كيف ذلك ؟ أن ينضوي المثقفون العضويون و أصحاب الضمائر الحية في كل الأقطار العربية و رجال السياسة بحصر المعنى ، من أجل هدف موحد : مأسسة الحياة العامة و طي صفحة الشخصنة و التعاطي الشعبوي و الديماغوجي مع قضايا المجتمع المصيرية ، و الصياغة التشاركية لدستور حداثي يستلهم لحمة و سدى المواثيق و القوانين المتعارف عليها دوليا ، والعمل من أجل أن تكون هناك أحزاب و هياكل سياسية فاعلة و قادرة على تأطير المواطنين و تمثيلهم و اقتراح برامج مجتمعية واعدة و قابلة للتنفيذ و الأجرأة ، و تلبي تطلعات المناضلين و المناضلات نحو عيش كريم و تنمية إنسانية شاملة و مستدامة ، و فصل لا لبس فيه بين السلط و حكومة منفذة و مسؤولة أمام ممثلي الأمة ، و إحداث تغيير جذري في النسق الإعلامي لمجاراة الإيقاع الرقمي الذي تشهده ثورة المعلوميات و تكنولوجيا التواصل ، حيث المنافسة في الحصول على المعلومة و تقديمها بالشكل المناسب و بالصوت و الصورة عالية الجودة في اللحظة المناسبة بعيدأ عن لغة الخشب و النزعة الإنشائية البائدة . أملنا ألا تذهب تضحيات الشباب العربي الجسيمة هذرا ، و أن تكلل بإصلاح محرقي و بناء يدخل بنا إلى نادي الدول الديمقراطية بالمعنى النبيل و الأعمق للكلمة .

باحث في قضايا الفكر و السياسة

========================

لقد ولى زمن السكوت: لن تبقى سورية مملكة الصمت

رياض الترك

2011-03-11

القدس العربي

 في سورية اليوم طيف اسمه الحرية يهيمن على كل أرجاء الوطن، ورياح التغيير التي هبت في الاشهر الثلاثة الأخيرة على كل العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، لا يمكن لها في النهاية إلا أن تطرق باب السجن السوري الكبير. فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة، والتاريخ لن يتوقف عند أعتاب دولتنا العتيدة.

لقد سقط حاجز الخوف، الذي جثم على كاهل الشعوب العربية لعقود طويلة، وانطوى معه نصف قرن طويل ومديد من الانقلابات العسكرية وتسلط الجيش على السياسة، ومصادرة الحريات العامة، وممارسة الوصاية على الناس، تارة باسم التقدم والاشتراكية، وتارة باسم الدين، وتارة أخرى باسم الاستقرار ومحاربة التطرف الإسلامي.

التغيير آت لا محالة، وسورية لم ولن تكون أبداً الاستثناء. أما التخويف من الفوضى والحرب الأهلية، والتخويف من وصول الإسلاميين إلى الحكم، والتخويف من أن شعبنا غير مؤهل بعد لممارسة تجربته الديمقراطية، فهذه كلها ادعاءات لن تجدي نفعاً عندما تدق ساعة الحقيقة ويستعيد الناس زمام المبادرة. إن الشعب السوري بلغ سن الرشد، وعلى سلطته أن تعي ذلك قبل فوات الأوان. فالمطلوب اليوم ليس خطوات تجميلية على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، بقدر ما أن المطلوب خطوات جدية وواضحة المعالم لنقل سورية بشكل سلمي من الاستبداد إلى الديمقراطية.

خطوات قلناها وكررناها مراراً، مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء حالة الطوارئ، وشرعنة التعددية الحزبية، وترسيخ مبدأ فصل السلطات، واستقلالية القضاء، وطي صفحة الحزب القائد، وتحقيق المساواة بين المواطنين، من دون أي إقصاء أو تمييز. فبمثل هذه الخطوات، لا بالمزيد من القمع وكم الأفواه ومسرحيات التأييد الجوفاء، يمكن للسلطة السورية، إن هي أرادت ووعت، أن تستبق التغيير وتتحضر له.

لقد غيّر الخوف من وجهته، وانتقل من طرف الشعب إلى طرف السلطة. أما من يحذّر من القلاقل والفوضى، ويهوّل بتفكك الدولة وتفسخ النسيج الوطني، ويجهد للمحافظة على هذا الاستقرار الاستبدادي الكاذب بأي ثمن، فإننا نذكّره بأن الشعب السوري منذ بداية تاريخه الحديث، استطاع أن يتجاوز، بوحدة أبنائه ونضالهم المشترك، الانقسامات المذهبية والدويلات المصطنعة التي فرضها عليه المستعمر الفرنسي، وتمكن في النهاية من أن ينال استقلاله الكامل بضريبة الدم التي دفعها من خيرة أبنائه، لا بل أن هذا الشعب تمكن بوعيه وحكمته أن يبعد مخاطر الحرب الأهلية التي كاد يجره إليها عنف السلطة وتهور بعض الجماعات الإسلامية المسلحة.

لقد قالوا بالاشتراكية فجلبوا الجوع والفقر. ووعدونا بتحرير فلسطين، فأتوا بالذل والهوان. وتغنوا بالحرية والعدالة، فشيدوا السجون والمعتقلات. واليوم، إذا كان تفشي الظلم والعوز والفساد ووطأة الاستبداد لا تستثني أحداً من أبناء الشعب السوري، على تعدد مشاربهم وانتماءاتهم، فإن هذا الشعب قادر وعازم على استعادة حريته المسلوبة، وصون وحدته الوطنية، وحماية كيان دولته السورية.

إن الملايين التي تواجه اليوم بصمتها عسف الاستبداد وجبروته، في دمشق وحلب، في اللاذقية وطرطوس، في حمص وحماه، في القامشلي ودير الزور، في حوران وجبل العرب، لن تلبث أن تخرج عن صمتها وتواجه هذا الاستبداد بوقفاتها الاحتجاجية وتحركاتها السلمية، مستندة إلى تضامن أبناء المجتمع السوري وتكاتف الجيش مع الشعب. ومخطئ من يراهن على أن الناس ستنزلق إلى العنف، أو أن الجيش سيوجه فوهات بنادقه إلى صدر الشعب السوري. لقد ولى زمن 'معادلة مدينة حماه'، فلا الشعب ولا الجيش سيسمحان لأحد أن يسجنهما فيها من جديد. وليع كل من يحاول أن يصطاد في الماء العكر، أن الجيش من الشعب والشعب من الجيش، فداخل كل دبابة هناك حفيد من أحفاد يوسف العظمة، وعلى زناد كل بندقية يقبض ابن من أبناء وحدات الإنزال على مرصد جبل الشيخ.

لست أنا، اليوم، في موقع من يقترح الحلول ويضع السيناريوهات المستقبلية. فالتغيير آت بعزيمة الشباب وهمتهم، ليس فقط لأنهم يشكلون أغلبية المجتمع السوري، ولكن لأنهم أثبتوا أنهم أكثر وعياً لمتطلبات العصر من أحزاب المعارضة ورجال السياسة، الذين لا يزال الكثيرون منهم مكبلين بخطابهم التقليدي وممارساتهم البالية، يكاد الرقيب الأمني لا يغادر أدمغتهم أبداً. كل ما اعرفه اليوم أن سورية لن تبقى مملكة الصمت، ولن يبقى الخوف مطبقا على الصدور، ولن يبقى الوطن سجنا كبيراً.

نعم 'الشعب السوري ما بينذل'، كما هتف متظاهرون في قلب دمشق قبل أيام، وهو يريد الحياة الكريمة، ومن إرادته سينبثق فجر الحرية وستولد سورية الجديدة.

نعم 'سورية الله حاميها' لأنها باقية بشعبها وجيشها ودولتها. أما الاستبداد فإلى زوال، قصر الزمن أو طال، وإن غداً لناظره قريب.

' سياسي سوري وعضو قيادة

حزب الشعب الديمقراطي وإعلان دمشق

========================

تجديد مهمة ميتشل لمنع إلغاء «كمب ديفيد»!

السبت, 12 مارس 2011

سليم نصار *

الحياة

بعد انقطاع طويل، قرر الرئيس الاميركي باراك اوباما، ارسال مبعوثه الخاص السيناتور جورج ميتشل الى المنطقة بهدف اطلاق المفاوضات المجمدة. ويأتي هذا التحرك المفاجئ عقب الجهود التي قامت بها المانيا وبريطانيا وفرنسا على امل احياء تلك المفاوضات.

وحظيت هذه الخطوة الايجابية بترحيب فلسطيني عبّر عنه الرئيس محمود عباس اثناء استقباله في رام الله قناصل الدول الثلاث. خصوصاً بعد الاتفاق معهم على تضمين بيان اللجنة الرباعية العناصر اللازمة لتمكين الجانب الفلسطيني من العودة الى المفاوضات. ومن اهم هذه العناصر مشروع وقف الاستيطان الذي احبطته الادارة الاميركية باستخدام حق النقض (الفيتو).

وكان واضحاً من وراء استخدام الفيتو، ان اوباما قرر التمديد ولاية ثانية. وقد ساعدته على اتخاذ هذا القرار غالبية اعضاء الحزبين، الديموقراطي والجمهوري، في حين خذله ابو مازن بعد مكالمة طويلة استغرقت خمسين دقيقة. وتمنى اوباما على الرئيس الفلسطيني سحب مشروع الشجب لأن الموافقة عليه تقود الى خسارة معركة التمديد. وكان من المنطقي الا يستجيب محمود عباس لاقتراح اوباما، لأنه بذلك يكون قد اطلق على نفسه رصاصة الرحمة.

يقول المراقبون في واشنطن ان اوباما اختار لادارته استراتيجية جديدة عقب فشله في انتخابات منتصف الولاية. وقد اجرى تعديلات في الوظائف ادت الى ابعاد المتشددين وتهميش الذين يفتعلون المعارك السياسية ضد الجمهوريين.

قبل عشر سنوات كلفت الادارة الاميركية السيناتور ميتشل التوجه الى فلسطين بهدف دراسة العوائق التي تحول دون تحقيق مشروع السلام. وأوصى المبعوث الاميركي مع اعضاء اللجنة الدولية التي ترأسها، بضرورة وقف بناء المستوطنات، كونها تشكل العائق الاساسي للمفاوضات المستقبلية.

ودعا ميتشل حكومة اسرائيل الى الامتناع عن استخدام المستوطنات ورقة مساومة واستفزاز، لأن المماطلة في حسم هذا الموضوع زادت عدد المستوطنين خمسين الف نسمة منذ ربيع سنة الفين. واستناداً الى هذه التوصية، قدمت اللجنة الرباعية الى الطرفين في نيسان (ابريل) 2003 المرحلة الاولى من «خريطة الطريق». وبعد فترة قصيرة صوت مجلس الامن بالاجماع في صالح مشروع الدولتين بحسب القرار 1515. وعلى رغم كل هذا، فقد رفض نتانياهو تنفيذ التوصيات، وغض النظر عن التجاوزات التي واصلت بناء البؤر الاستيطانية.

عندما ادرك الرئيس اوباما ان عهد صديقه الرئيس حسني مبارك وصل الى نهايته، انتقد تصرف الحكومة المصرية تجاه حقوق الانسان، داعياً الزعماء العرب الا يتخلفوا عن تحقيق مطالب الشباب. وعلقت الصحف العربية على هذه الدعوة بضرورة التجاوب مع حقوق الشباب في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. أي الجيل الذي يبحث منذ 45 سنة عن الحرية والكرامة وفرص التحرر من الاحتلال.

خلال زيارته الاخيرة لواشنطن عقد وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك اجتماعاً ضم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومستشار الامن القومي ووزير الدفاع الاميركي. واتفق الجميع على اهمية ملء الفراغ السياسي في منطقة الشرق الاوسط من طريق وضع خطة سياسية اقليمية تنقذ محمود عباس وتساعد العاهل الاردني وتخفف من ضغوط الاسلاميين المتطرفين في انتخابات مصر المقررة في ايلول (سبتمبر) المقبل.

المقترحات التي حملها باراك من واشنطن، ضاعفت البلبلة في اسرائيل وخلقت داخل الحكومة ثلاثة تيارات متناقضة: التيار الاول يدعو الى طرح مبادرة سياسية بعيدة المدى في الشأن الفلسطيني تتضمن تنازلات كبيرة في موضوع الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين. وتشمل اهداف هذه المبادرة تعزيز دور الدول العربية المعتدلة والتوصل الى تسوية مقبولة مع محمود عباس. كل هذا، في سبيل قطع الطريق على احتمال وصول قيادة فلسطينية متطرفة تحل محل رئيس السلطة.

التيار الثاني، لا يرى الامور من هذه الزاوية، لاعتقاده بأن الانتفاضات في الدول العربية لم تنبع من اخفاق الادارات الاميركية في حل القضية الفلسطينية. وانما نبعت من عوامل محلية كالفقر والفساد ومصادرة الحريات والبطالة واخفاق الحكم في معالجة المشاكل الحيوية.

التيار الثالث، يرفض الالتزام بالمشروعين لاقتناعه بأن الانتفاضات المتواصلة قد تستقر على اوضاع ليست في مصلحة اسرائيل. واسوأ سيناريو يمكن ان تفرزه الاحداث هو بروز حكومتين في مصر والاردن، تطالبان بإلغاء اتفاق «كمب ديفيد» و «وادي عربة». وفي ضؤ الواقع المتغير في الشرق الاوسط، خلص هذا التيار الى استنتاج مفاده ان مصلحة اسرائيل تكمن في ضرورة بناء جسر من التفاهم يجمع بين التوجهين.

ولكن التوجس من خطر الاسلاميين يهيمن على افكار التيارات الثلاثة بدليل ان وشاحاتهم الحمراء غطت كل الميادين الثائرة بحيث وصلت الى الجزائر والاردن.

وكما عاد الشيخ راشد الغنوشي الى تونس، هكذا عاد الشيخ القرضاوي الى ميدان التحرير في القاهرة ليحض «الاخوان المسلمين» على التمرد والعصيان. والمعروف ان فلسفة القرضاوي تستغل الجماهير الغاضبة لتوسيع الحركة الاسلامية. وقد طالب في مطلع الانتفاضة بضرورة فتح ابواب غزة وتحرير المسجد الاقصى. وهذا ما تبنته «حماس» في غزة، مستغلة الغضب الشعبي في المناطق المحتلة، من اجل نسف مشروع مفاوضات السلام.

عقب عودة الوزير الاسرائيلي ايهود باراك من واشنطن، ارتفعت اصوات في قيادة الجيش تطالب بفتح ملف الجولان مع الحكومة السورية. وفي رأي هذا التيار، ان اخراج سورية من حلقة النزاع مع اسرائيل، سيساهم في ابعاد دمشق عن ايران «وحزب الله» و «حماس» و «الجهاد الاسلامي».

وحذر رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية من اهمال الدور السوري، معتبراً ان الحرب المقبلة ستكون حرب صواريخ. وهو يرى ان سورية تركز جهودها منذ سنة على صناعة الصواريخ.

في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»، اعلن وزير الدفاع ايهود باراك ان اسرائيل يمكن ان تطلب مساعدة عسكرية اضافية بقيمة 20 بليون دولار من الولايات المتحدة للحفاظ على تقدمها النوعي في المنطقة. ومع انه لم يذكر الاسباب التي فرضت حاجة اسرائيل لهذه النقلة النوعية العسكرية، الا ان المحللين لم يستبعدوا قيام استراتيجية دفاعية لمواجهة احتمالات الغاء اتفاق «كمب ديفيد». ومعنى هذا ان ال 20 بليون دولار ستخصص لمواجهة الوضع الجديد على الجبهة المصرية. صحيح ان الحكومة المصرية جددت محافظتها على التزاماتها الدولية... ولكن الصحيح ايضاً ان الانتخابات المقبلة قد تملأ البرلمان بنواب ينتمون الى «الاخوان المسلمين» او ممثلي جبهات المقاومة. ويبدو ان اسرائيل بدأت تستعد لهذا الاحتمال، بعدما اثبتت وثائق «ويكيليكس» ان المصريين اجروا مناورات يكون فيها العدو الاساسي هو اسرائيل.

وعلى رغم الجمود الذي سيطر على 300 كلم من صحراء سيناء طوال ثلاثين سنة، الا ان ذلك لا يمنع الجيش المصري من ان يكون الاكبر والاكثر تسلحاً في المنطقة. ويملك سلاح الجو 400 طائرة حربية، وما يقرب من مئة مروحية حربية، ونحو 3600 دبابة، غالبيتها من طراز «ابرامز» الاميركية المتقدمة. اضافة الى 1600 صاروخ أرض – ارض.

الاسبوع الماضي وصف نتانياهو الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط بأنها غير مستقرة. وقال ان كل الحكومات مرشحة للسقوط، بما في ذلك التزاماتها الدولية. لذلك طالب وزير دفاعه باراك بألا يستعجل الحديث عن السلام مع ميتشل قبل ان تصل عملية التدحرج الى القاع. وهو يتوقع ان تصل ارتدادات الزلزال السياسي الى الاردن وسورية ولبنان وايران، قبل وصولها الى غزة والضفة الغربية.

وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي اعلن هذا الاسبوع ان هناك اكثر من 150 دولة مستعدة للاعتراف بدولة مستقلة للفلسطينيين. ومع ان محمود عباس طالب بامتحان الجمعية العامة خلال هذه السنة... الا ان ذلك مرتبط بمدى نجاح مهمة جورج ميتشل.

اما بالنسبة الى الساحة اللبنانية، فإن النظام اللبناني تعرض لثورات وطنية متواصلة في عام 1958 وعام 1975 وعام 1989، الامر الذي خلط نسيجه المركب، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً. ولقد حصنته النزاعات الداخلية بمناعات ضد الفساد والرشوة والتجاوزات وعدم احترام النظام والقانون، الامر الذي فرض عليه ظروف الاصلاح من الخارج لا من الداخل.

وهذا ما يجعل تأليف الحكومة ضرباً من المستحيل، اذا بقيت مفاتيح الحل والربط في ايدي زعماء الداخل فقط.

* كاتب وصحافي لبناني

========================

في العالم العربي فوضى... الوضع ممتاز

السبت, 12 مارس 2011

مصطفى زين

الحياة

شيء مما يدور في العالم العربي.

بعضهم يعيد بناء الدولة المصرية الحديثة إلى محمد علي باشا. بعضهم يعيدها إلى العصر الفاطمي. (في المناسبة بدأ تمرد الفاطميين في تونس وانتقل إلى مصر ومنها إلى ليبيا وبلاد الشام عندما ضعفت الخلافة العباسية في بغداد). مهما يكن فالمؤرخون يعتبرونها أقدم دولة في الشرق الأوسط، وأشدها رسوخاً. تعرضت خلال مسيرتها التاريخية لقليل من الثورات. تحولاتها كانت من خلال الصراع بين الطبقة السياسية على السلطة (ثورة عبدالناصر مثالاً). أما الشعب فكان دائماً إلى جانب الدولة. من هنا ديمومتها، وتصور حكّامها لأنفسهم أنهم أزليون.

للمرة الأولى الشعب المصري «يريد». وللمرة الأولى يفرض رؤيته على الذين يولِيهم شؤونه، ويكون مؤثراً في تشكيل نظام يتناسب وطموحاته. ولكن الوصول إلى هذا الطموح ما زال في بدايته. ها هي الثورة المضادة بدأت. وها هم الإسلاميون المتحالفون مع الليبيراليين بدأوا يميزون أنفسهم. هي مرحلة الصراع على السلطة بين الحلفاء. ومن الطبيعي ان يتصارع المنتصرون.

في تونس لا يختلف الوضع كثيراً. الشعب الذي أراد تغيير النظام استطاع خلعه. الحكومة التي خلفت سلطة زين العابدين بن علي لم تستطع الصمود، ولم ترضِ طموحات المنتفضين المطالبين بالتغيير. هؤلاء لم تنطلِ عليهم حيلة الحزب المخلوع. خاضوا صراعاً وما زالوا مصممين على فرض برنامجهم الذي تبلور خلال التظاهرات. أقالوا رئيس حكومة ما بعد الثورة (الغنوشي) ووزراء من الحزب الحاكم. فرضوا برنامجهم في التحول إلى الديموقراطية، وفي محاسبة الذين أذلوهم لعشرات السنين.

في تونس بعض الفوضى، لا بأس في ذلك.

في الجارة ليبيا الوضع مختلف. الديكتاتور يزعم أنه أفاد من التجربتين المصرية والتونسية. يرى أن مبارك وبن علي هربا. وكان نصحهما بالصمود. لذا قرر المواجهة. بدأ حملة هستيرية من القتل المنظم، مراهناً على عدم تدخل أحد لوقف المجزرة. رهانه في مكانه لأنه لم يترك دولة مؤثرة في الغرب إلا وعقد معها صفقة «تجارية». (تبرع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، بالعمل لتحسين صورته ونجح).أما العرب فلم يحسب لهم أي حساب. هم أعجز من أن يعالجوا مشاكلهم فكيف إذا طلب منهم التدخل لوقف المجازر في دولة أخرى. والآن ها هو الغرب في انتظار جلاء الصورة كي يقرر ما يفعل. فإذا انتصرت الثورة انتصر. وإذا انتصر القذافي حصد ثمن وقوفه على الحياد نفطاً ومشاريع لإعادة إعمار ما هدمه المتحاربون. وإذا قسمت ليبيا حاول السيطرة على المناطق الأكثر ثراء. الفوضى في ليبيا محزنة. لكنها ستفرز وضعاً أفضل.

في اليمن، قدم الرئيس علي عبدالله صالح تنازلات كثيرة. قرر عدم توريث إبنه. حاول إرضاء المعارضة بالإحتكام إلى صناديق الإقتراع. قراراته لم تلبّ مطالب المتظاهرين الذين ما زالوا يتعرضون للإعتقال والتنكيل يومياً. الوضع القبلي يتيح له المناورة. بسبب هذا الوضع قد يتوصل إلى تفاهم مع المتظاهرين، تفاهم لن يتعدى في أفضل الحالات نوعاً من الديموقراطية القبلية البدائية. الفوضى في اليمن ستطول.

من اليمن إلى بلاد الشام. لبنان أكثر الدول عرضة للفوضى. غداً يجتمع الألوف، رافعين شعار «لا للسلاح»، أي سلاح المقاومة و»حزب الله»، مقابل شعار آخر «إسرائيل أيضاً تقول لا للسلاح». حرب الشعارات هذه تؤكد عدم قدرة المعسكرين المنقسمين على التعايش. الحرب الأهلية ليست مستبعدة بعد قرارات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.

كان ماو تسي تونغ يقول: «في الجنة فوضى... الوضع ممتاز». في العالم العربي فوضى ... «الوضع ممتاز».

========================

خطاب مفتوح إلى سيف الإسلام معمر القذافي

محمد الهوني

الشرق الاوسط

12-3-2011

تحية للملايين التي أفاقت من سباتها ودلفت إلى معارجها تعبّدها بالدم والألم والدموع..

أكتب إليك هذه الرسالة المفتوحة لأنه أصبح من المتعذر أن أخاطبك وجها لوجه، لأننا نقف على ضفتين متقابلتين، ولأن يدي لم تعودا قادرتين على مصافحتك. نقف على ضفتين متقابلتين لنهر الدماء المتدفق من رحم الوطن.

إن أسوأ ما في الدول الشمولية - عندما يعصف بها جنون الاحتضار - ألا تترك أي هامش إنساني: فإما أن تكون مع الوطن وإما أن تكون مع أعدائه، وهذا هو الخيار القاسي، وهذه هي النهايات المروعة.

لقد كنتُ معك وإلى جانبك أكثر من عشر سنوات، وكنت معتزا بذلك، لأنك كنت نظيف اليد من دماء الليبيين وأموالهم وأعراضهم. كنت حالما ككل شباب ليبيا بالازدهار وحقوق الإنسان والحرية. كنت تقاتل كل يوم من أجل رفع المظالم عن الناس، وإطلاق مساجين الرأي، وقد أطلقت مئات منهم. وأنا خير من يعلم بما كنت تعانيه من صلف النظام وغطرسته، وأراجيف الأجهزة الأمنية وتصلبها. وكنت تتألم وأتألم معك، وكنت دوما أشد أزرك وأشجعك على المضي إلى الأمام، عسانا نوفر على الوطن محنة كالتي نعيشها الآن..

وفي لحظة رهيبة، جاء ذلك الخطاب في تلك الليلة المشؤومة.. الخطاب الذي هددت فيه الشعب الليبي بالحرب الأهلية، وبتدمير النفط، والاحتكام للسلاح، واخترت موقعا من الصراع لا يقبل اللبس ولا المواربة. فأنت أخيرا قد اخترت الباطل بعد جولات لك في نصرة الحق. وفوجئتُ، كما فوجئ كل من يعرفك في الداخل والخارج، وكنا في ذهول من هذه الصدمة العنيفة، لا نعرف من نصدق: سيف الأمس أم سيف اليوم؟

نعم، لقد كنت نظيفا خارج هذا النظام بالأمس القريب، وها أنت اليوم تلبس جلباب أبيك المتسخ بفعل أربعة عقود من العمل في مذابح ومسالخ الديكتاتورية وورش القمع والعسف الذي كنت تنتقده.. يا لخيبة المسعى!

لقد حددت مصيرك، وها نحن في مفترق الطرق في هذه الأيام العصيبة من تاريخ ليبيا تتحدد مصائرنا وترمي بنا الأقدار كل في سبيله.

كان أحد الأصدقاء يقول لي دوما إنك أجمل من أن تكون ابنا لهذا الإله المكفهر، وكنت أرد بأن صلة قرابتك بالوطن أقوى من أواصر الدم ووشائج الجينات. غير أنني أعترف بأنني خسرت الرهان بعد أن ابتلعتك دوامة العصبية إلى غياهب البؤس والعدمية.

كنا نعاني معا شطط الشمولية وظلم الاضطهاد، وكنت لنا مشكاة نخاف عليها من الانطفاء، وكنا نحميها من أعاصير الحقد وعواصف الاستكبار، وكنا نتقاسم الخبز والخيبات، حتى قررت أن تترحل عنا وتنضم إلى خندق العناد والمكابرة. أما نحن، فليس لنا مكان غير معسكر المستضعفين..

إن هؤلاء الشباب الذين يقتلون في طول البلاد وعرضها ليس لهم من ذنب سوى أنهم طالبوا بكرامتهم وحريتهم ما كنت تطالب به أنت بنفسك وعلى رؤوس الأشهاد، وعندما هُزمت وهُزمنا معك في تلك المعركة، هب هؤلاء الشباب الجبابرة ليحققوا أحلامهم بالدم لا بالاستجداء.

لا أعتقد أنك صدقت تلك الفرية الكبرى بأن هؤلاء الشباب الذين يتهافتون على الموت مدفوعون بفعل حبوب الهلوسة كما قال أبوك. لماذا لا تقتصدوا على الأقل في هذه الكلمات التي تغتال الشباب للمرة الثانية بعد تقتيلهم بالرصاص؟ ألا يكفي موت واحد؟ لماذا هذا الإمعان في فنون الإفناء؟

كل من حولك الآن يتكلمون عن الانتصار. الانتصار على من؟ على شعبك؟ على الشباب من جيلك؟ لكي يتحقق ماذا؟ هل تريدون أن تصنعوا عرشا من الجماجم وصولجانا من الأشلاء؟

بئس الانتصار وبئس الحكم العضوض المبني على قرة الشوكة في الألفية الثالثة للميلاد. إلا إذا صدقت أخيرا التقويم السنوي الليبي الذي وضع على جوازات سفرنا وأوراقنا الثبوتية بأنا ما زلنا نعيش في القرن الخامس عشر!

إن الشعب قد رزح تحت أربعة عقود من غياب الديمقراطية، وبقدر تحمله لهذه الفترة الطويلة فلن تكون له قدرة على تحمل كل الأهوال لتحقيق مطالبه المشروعة..

سوف ينتصر الشعب، وكنت أتمنّى لو كنت في صفوفه تحتفل بانعتاقه وتكحل عينيك بشمس حريته، ولم تكن في الصف الآخر الذي يحلم بالرقص على أشلاء الوطن في وهم انتصار مستحيل.

* المستشار المقرب من سيف الإسلام القذافي

========================

لكي لا يضيع «الإصلاح المطلوب» في زحمة الشعارات

الشرق الاوسط

زين العابدين الركابي

12-3-2011

نقطع الطريق - في البدء - على المزايدات بالتوكيد اليقيني على أننا منحازون إلى التطوير والإصلاح والتجديد.. وهذا الانحياز مؤسس على «قناعة منهجية»، لا على التأثر بهذا الشعار أو ذاك.. ومن حق القارئ ألا يقتنع بمنهجنا هذا حتى نقدم له هذا الدليل.

أولا: دليل السنة الكونية أو الحياتية العامة. فقد أقام الله - عز وجل - الحياة على سنة التطوير والتجديد.. والبرهان على ذلك: أن الحياة البشرية منذ نشأة الأسرة الصغيرة (آدم وحواء وأبنائهما المباشرين) قد تطورت ألوف المرات في صيغ وقوالب وعلاقات شتى: من الكهف والصيد والرعي وتدجين البهائم إلى الزراعة والقرية ثم المدينة وشبكة المدن.. ومن المصباح العادي إلى الكهرباء، ومن النفخ في الكير إلى الصناعات الكبرى.. ومن نقل البريد بالإبل والحمير إلى عصور المواصلات والاتصالات الحديثة.. ومن الرمي بالمنجنيق إلى منظومات الصواريخ العابرة للقارات.. ولو بقيت الحياة البشرية في صورتها الأولى البدائية، لما قامت الحضارات الرائعة المتتابعة. ذلك أن الله - خالق الإنسان والحياة - لم يشأ أن تظل الحياة البشرية في تلك الصورة البدائية الأولى. بل شاء - كما تحدث في كتابه - أن يتفنن البشر في عمران الأرض والحياة تفننا يتمثل في فنون المعمار، وأساليب الحياة، ونظم الدول والمجتمعات: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، أي جعلكم عمارا للأرض في الصيغ التي تبدعونها أنتم.

ثانيا: دليل «السنة الدينية». ونلتقي بهذا الدليل الصريح الساطع الجميل في حديث نبوي صحيح هو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها».

وهذا نور على نور.

فإذ يشترك المسلمون مع سائر البشر في السنة الكونية للتطوير والتجديد، فإن الهدى الخاص المزيد - ها هنا - هو «سنة التجديد الديني» - بالمفهوم الكلي للتجديد - ومن المفاهيم التي ينبغي استنباطها في هذا السياق: مفهوم أن «التجديد الإسلامي» إنما هو «تجديد دوري»: كل مائة عام، وليس في العمر مرة واحدة.. ويشمل هذا التجديد الدوري «الأمور التشريعية» بالتوكيد، إذ لا تجديد في الاعتقاد والعبادة - إلا من حيث العرض فحسب - وهذا التجديد التشريعي هو ما يسميه الشاطبي ب«الاجتهاد التشريعي». وما يسميه ابن تيمية ب«الشرع المؤول».

وفق هذه القناعة المنهجية، نحن منحازون إلى التطوير والإصلاح والتجديد: في السراء والضراء، في الرخاء والشدة، أي بغض النظر عن ملابسات الظروف.

خلاصة المحور الآنف أنه ينبغي انعقاد الإجماع على أن «الإصلاح والتطوير والتجديد»، ليس قرارا سياسيا فحسب، بل هو مع ذلك - وقبل ذلك - سُنة كونية عامة في الحياة البشرية، وسنة دينية خاصة بالمسلمين - وهما سنتان متكاملتان متناغمتان - تنفعان من يباشرهما بحرص ووعي.

وبالانتقال إلى الواقع العملي، يتبدى نوعان من الأنظمة السياسية تجاه هذا الإصلاح والتجديد:

1) نظام أو وضع يصل - بصنع يديه وطبيعة أفعاله - إلى طريق مغلق، تنسد معه كل خيارات الإصلاح وفرص التجديد والعلاج. فليس أمام الناس - والحالة هذه - إلا إزاحته.. وقد ينشأ سؤال: هل ثمة أنظمة؟.. هل ثمة بشر يفعلون هذا فيجلبون التعاسة والنحس على أنفسهم؟.. والجواب: نعم. هناك ناس من الناس يهرولون إلى هذا المصير التعس: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ».. وفي التاريخ البشري، والواقع الإنساني الراهن نماذج عديدة من هذه المصائر التعسة.

2) ونظام أو أنظمة لا تزال فرص الإصلاح وآفاق التجديد أمامها واسعة ومفتوحة وواعدة.

وهنا يتعين طرح السؤال التالي: هل يمكن إجراء إصلاح وتطوير وتجديد في ظل الأنظمة القائمة.. نعم (باستثناء الأنظمة التي وصلت إلى طريق مسدود فهلكت).. وهذا الجواب مسنود بشرط.. وبتجربة.

أما الشرط فهو: أن تكون «الأسس» التي قامت عليها هذه الأنظمة صحيحة من حيث المبدأ. فإن الخطأ في التطبيق يقوّم ويعالج بالرد إلى الأساس الصحيح؛ ردا صادقا حازما ناجزا.

وأما التجربة فهي «التجربة الأميركية».

متى أقر الدستور الأميركي؟

أقر عام 1791، أي منذ 220 سنة تقريبا.

هذا الدستور لم يغير كله تغييرا يضاهي «التبديل»، ولكنه عُدل مرات عديدة اقتربت من الثلاثين تعديلا. لماذا كان التعديل، ولم يكن التبديل؟

كان التعديل لأن الحياة أتت بقضايا ومفاهيم وعلاقات جديدة كان لا بد من أن يتضمنها الدستور حتى تكون في مستواه من حيث التوقير والمهابة والإلزام والإنفاذ.

وكان التعديل لأن ثمة فقرات أو مفاهيم دستورية قد تخطاها الزمن، وكادت تكون «قيدا» على حركة الدولة والمجتمع ونشاطهما.

وكان التعديل لأن الدستور الأميركي «فكر بشري» في التحليل النهائي. والفكر البشري مهما تألقت رؤيته فإنه يتقادم. وهنا ندرك حقيقة ما نص عليه الحديث النبوي الآنف عن تجديد الدين كل مائة سنة، ذلك أن الاجتهادات المبدعة نفسها في الدين تتقادم بسبب الظروف والقضايا الجديدة في الدولة والمجتمع والعالم.

ثم لماذا لم «يتبدل» الدستور الأميركي بالكلية؟.. لم يتبدل لأن فيه من النفائس ما ليس من العقل ولا من المصلحة تبدليه.

ومما يلحق بهذا؛ تجربة أميركية أخرى أيضا، وهي تجربة يمكن تسميتها ب«الإحساس الإيجابي بالمخاطر».. وهذا الإحساس سلوك ممتاز، بل ممتع ومفيد.. مثلا: حين سبق السوفيات الأميركان في ارتياد الفضاء في أواخر خمسينات القرن الماضي.. خرج الرئيس الأميركي، يومئذ، مرتفقا الإحساس الإيجابي بالخطر، خرج ليخاطب أمته فيقول: «إن أمتنا تواجه تحديا تاريخيا وحضاريا، وهو أنه غير مسموح لخصمنا بأن يتفوق علينا في أي مجال. وأقول لكم: إنه تفوق علينا الآن في الفضاء. وهذا تهديد علمي وحضاري لأمننا القومي. وأقول لكم: إننا نحن الأميركيين مسؤولون عن ذلك بتقصيرنا المميت في حقل البحث العلمي. وأقول لكم: إن مستقبلنا مرهون بإصلاحات ذاتية جوهرية تتمثل في إصلاح حقيقي لنظامنا التعليمي والعلمي.. وعلى جامعاتنا، ومراكز البحث العلمي، أن تتقدم الصفوف في هذا السباق الذي لا نتصور أميركا عظيمة دون الفوز فيه».

والدرسان الكبيران هنا:

أ) التمكين المتعمد للإحساس الإيجابي بالمخاطر من الوعي والشعور والتفكير والاهتمام على نحو يرفع همة الفعل.

ب) أن الاستجابة الإيجابية لهذا الإحساس تمت في ظل النظام الأميركي القائم.

وخلاصة الخلاصة:

1 - أن الإصلاح والتجديد ضرورة وليس ترفا.

2 – أن الإصلاح متاح في ظل النظام القائم.

3 - أن الإصلاح في صالح الأنظمة ذاتها قبل أن يكون تلبية لضغوط داخلية أو خارجية.

=========================

هل تستطيع النهضة العربية أن تجلب السلام إلى الشرق الأوسط؟

غسان ميشيل ربيز

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

11 آذار/مارس 2011

www.commongroundnews.org

بالم بيتش غاردنز، فلوريدا - تراقب إسرائيل العاصفة التي تجتاح العالم العربي بخوف وتوتر. فلعقود خلت حكمت الاتفاقيات الورقية السلام مع مصر، بدلاً من المشاركة على مستوى الجذور بين الشعبين. وقد أثار قلب نظام الحكم في مصر، وعملية الثورة المعدية شكوك الإسرائيليين بأن يعني هذا التغيير الكبير نهاية معاهدة كامب ديفيد وبالتالي إنهاء السلام مع مصر.

 

ينقسم الإسرائيليون حول ما إذا كان الوقت الراهن هو الأفضل لصنع السلام مع بيئة العالم العربي. ويقلق المتشائمون من أنه إذا توحّد شعبا مصر والأردن وتخلصا من قادتهما، فهم يستطيعون بالتالي التخلص من اتفاقية السلام مع إسرائيل. إلا أن البراغماتيين، من ناحية أخرى يناقشون أنه بما أن إسرائيل ما زالت في موقف قوة وتتمتع بأفضلية عسكرية وازدهار اقتصادي، فقد حان الوقت للتوصل إلى صفقة مع الفلسطينيين وبقية الدول العربية. ويعلل البرغاماتيون ذلك بأنه مع مرور الزمن فقد يتحول بندول الساعة ويترك لإسرائيل قوة تأثير أقل لصنع السلام حسب شروطها.

 

يتطلب السلام الدائم بين إسرائيل والدول العربية بالطبع اندماجاً تدريجياً لإسرائيل في المنطقة. ومن بين الدروس التي يمكن للمرء أن يستنبطها من الثورات، هو أن سلام إسرائيل مع مجموعة مختارة من دول الشرق الأوسط هش أكثر من صفقة سلام إقليمية.

 

وترى تزيبي ليفني، زعيمة المعارضة الإسرائيلية هذا المنظور الواضح. فقد ناشدت في رسالة أرسلتها مؤخراً إلى جي ستريت، وهي جماعة تأثير مركزها الولايات المتحدة ملتزمة بالحل السلمي للنزاع العربي الإسرائيلي، ناشدت القادة الإسرائيليين استغلال الفرصة: "تعمل الأحداث الأخيرة الهامة في المنطقة على إبراز الطبيعة غير المستدامة للوضع الراهن والحاجة لمبادرة وشجاعة في سعي إسرائيل لتحقيق السلام والأمن مع الفلسطينيين وعبر الشرق الأوسط."

 

يتسم تأكيد ليفني على حاجة إسرائيل للسعي نحو السلام مع الفلسطينيين كخطوة باتجاه السلام الإقليمي بحدة الرؤية: فالسلام غير الكامل ليس دائماً. أنهت اتفاقية السلام عام 1978 بين الرئيس المصري يومها أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحم بيغن الحرب بين إسرائيل ومصر، ولكنها تجاهلت الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية والسورية. تستطيع إسرائيل من خلال التوصل إلى صفقة مع الفلسطينيين أن تخفف من أحد المصادر الأكثر إثارة للاحباط وأن تفتح الباب للسلام مع بقية العالم العربي.

 

بالإضافة إلى إثبات عدم استدامة الوضع الراهن، يمكن للتغييرات الكاسحة في المنطقة أن تعني تجديداً لكل من الدينامية الإسرائيلية الفلسطينية وكذلك للسياسة الداخلية الفلسطينية.

 

شكل التشظّي الفلسطيني دون شك عائقاً أمام مفاوضات السلام. هناك قيادتان فلسطينيتان اليوم، حماس المسيطرة على غزة والسلطة الفلسطينية التي تمثل الضفة الغربية والقدس الشرقية. كما أن الانقسام الفلسطيني عقائدي بطبيعته، فحماس محافظة دينياً ومبهمة فيما يتعلق بأهدافها السياسية، بينما يتم حشد بقية الفلسطينيين على أرضيات وطنية صرفة، وقد قبلوا بشكل واضح وصريح حل الدولتين. وقد أرغمت البنية السياسية الجديدة مؤخراً القادة السياسيين على اتخاذ خطوات إيجابية. ودعت السلطة الفلسطينية، شعوراً منها بتهديدات الثورة، إلى عقد انتخابات برلمانية في شهر أيلول/سبتمبر.

 

إضافة إلى ذلك، قد يكون لدى القادة الجدد في مصر فرصة أفضل من مبارك للضغط على حماس للمشاركة في الانتخابات والعودة إلى الوحدة مع السلطة الفلسطينية والمساهمة في جولة جديدة محتملة من محادثات السلام. وبالنسبة للمواطنين العرب الشباب والمتعلمين الذين قادوا هذه الثورات، سوف تبدو قيادة غزة التقليدية رجعية بشكل متزايد بالمقارنة.

 

يمكن للفلسطينيين إذا اتحدوا أن يكونوا في موقف أفضل بكثير لتقديم التزامات بأمن إسرائيل وبناء دولة حديثة مستقلة لهم. وإذا خرجت مصر كقوة قيادية في الشرق الأوسط المتغير فقد نتمكن من إعادة طرح مبادرة السلام العربية لعام 2002 بأثر أقوى بكثير. لقد تم تهميش مبادرة السلام العربية، التي تعرض علاقات كاملة بين إسرائيل والعالم العربي مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، على أنها وثيقة عفا عليها الزمن.

يجب اعتناق التغيير السياسي الدرامي الحالي. هناك فرصة لتوسيع السلام من خلال جعله ينطبق على الفلسطينيين، ومريح لإسرائيل ووثيق العلاقة بالعرب جميعهم. فيمكن لما قد يبدو على أنه أزمة أن يشكل فرصة.

###

* الدكتور غسان ربيز (grubeiz@comcast.net) معلق عربي أمريكي حول قضايا التنمية والعدالة، وهو السكرتير السابق لمجلس الكنائس العالمي ومركزه جنيف.

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

========================

النساء يقفن مع الرجال من أجل التغيير في الشرق الأوسط

كارلا كوبل وهالة اسفندياري

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية

11 آذار/مارس 2011

www.commongroundnews.org

واشنطن العاصمة – وقفت المرأة في ليبيا ومصر والبحرين واليمن وتونس وغيرها إلى جانب الرجل تدفع باتجاه التغيير. ففي ليبيا تساعد إيمان وسلوى باغاغيف في قيادة وتشكيل ودعم المتظاهرين. وفي مصر، قدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وهي واحدة من أقدم وأشهر المنظمات غير الحكومية في مصر، أن 20% على الأقل من المتظاهرين كانوا من النساء.

 

على سبيل المثال، قامت أسماء محفوظ، المؤسِّسة المشاركة لحركة السادس من إبريل للشباب، والبالغة من العمر 26 عاماً بحشد آلاف الشباب دعماً للاحتجاجات من خلال فيديو مثير للعواطف نشرته على اليوتيوب. وفي اليمن ساعدت توكل كرمان وهي أم لثلاثة أطفال على تنظيم احتجاجات ضد الحكومة الحالية.

 

إلا أن القيادة النسائية عام 2011 ليست ظاهرة جديدة. ففي إيران، نجحت المرأة منذ سنوات عديدة في الدفع باتجاه المزيد من الحرية في قانون الأحوال الشخصية والمزيد من فرص التعليم والعمل. وقد تعرضت العديد من النساء الإيرانيات للسجن لمجرد أنهن وافقن على حملة المليون توقيع، التي تسعى إلى تحقيق حقوق متساوية وإلغاء القوانين التي تميز ضد المرأة.

 

وقد استخدمت المرأة الإعلام الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات للسعي نحو تحقيق انفتاح اجتماعي وسياسي أعظم منذ ما قبل وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد. وبالرغم من تاريخ غني من العمل اللاعنفي النشط والقيادة المميزة، نادراً ما شاركت المرأة في عملية صنع القرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

وعلى مستوى أساسي أكثر، لا تشعر المرأة بالثقة بأن حقوقها ستحفظ ضمن الأنظمة التي ستبرز من التحولات السياسية الأخيرة.

 

ففي العراق، كانت هناك قاضيات منذ خمسينات القرن الماضي، وبذلك جرت حماية العديد من حقوق المرأة منذ العام 1978 من خلال قانون الأحوال الشخصية. إلا أنه في العام 2003 سعى المجلس العراقي الحاكم الجديد إلى تجريد المرأة من هذه الحقوق. ولم تنجح المرأة إلا من خلال كتابة الرسائل والمناشدات وأعمال الاستقطاب وجهاً لوجه من مواجهة محاولات الحد من حرياتها والحفاظ على مكتسباتها. وتستمر المرأة العراقية في مجابهة الجهود الرامية إلى الحد من حرياتها وقد تمكنت من دحر الهجمات عليها في كل مرة.

 

وتعاني المرأة المصرية من خطر مماثل لتهميشها، إذ لا توجد امرأة واحدة على لجنة تعديل الدستور. وفي وضع مماثل ملحوظ إلى درجة بعيدة لنضال المرأة العراقية بعد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، قام المصريون بصياغة عريضة وقّعت عليها أكثر من ستين منظمة محلية تحتج على غياب المرأة عن الهيئات السياسية الانتقالية.

 

ويشير الانحياز الضمني في مسودة الدستور الجديد إلى أن هذه المخاوف قد تكون صحيحة.

 

يحتاج المجتمع الدولي والجيل الجديد من القادة التقدميين ذوي العقليات الديمقراطية في الشرق الأوسط للنظر إلى المرأة كشريك حاسم من أجل التغيير. الاثباتات والأدلة لا يمكن الخلاف حولها. يحذّر تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2005 الصادر عن الأمم المتحدة من أن عدم توفر فرص العمل الكافية والاستثمار المتراجع للمرأة، يستنزفان إلى حد بعيد فرص الازدهار العام، ويصل إلى نتيجة أن "نهوض المرأة هو في الواقع متطلباً مسبقاً لنهضة عربية، ترتبط بشكل لا يمكن فصله، وبعلاقة سببية بمصير العالم العربي".

 

لدى العالم اليوم فرصة لم يسبق لها مثيل لتحويل الشعوب التي قُمِعت لسنوات طويلة من قبل أنظمة ظالمة. يجب أن نتأكد من أن هذه الفرصة مفتوحة لجميع المواطنين بمن فيهم المرأة.

 

يجب احترام دور المرأة في الكفاح وحمايتها من الموجة الأصولية. والأهم من ذلك، سوف تكون مشاركتها أساسية في تمكين مجتمعات تعددية مزدهرة اقتصادياً من الظهور في منطقة تأخر تقدمها عبر العديد من الأجيال.

 

إن النافذة صغيرة ولكن الوقت قد حان، والفرصة هائلة. بينما نحتفل بالذكرى المئوية ليوم المرأة العالمي في 8 آذار/مارس، لنتذكر كم سيكون هاماً وحاسماً تقدم وضع المرأة من أجل النجاح.

###

* كارلا كوبل هي مديرة معهد الأمن الشمولي. هالة اسفندياري هي مديرة برنامج الشرق الأوسط لمركز وودرو ويلسون العالمي للعلماء.

كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ