ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
الإنترنت: أداة حرية أم
وسيلة قمع؟ مارك فايفل* تاريخ النشر: الثلاثاء 15 مارس
2011 الاتحاد الإنترنت الذي مكّن الشعوب التواقة إلى
الحرية في الشرق الأوسط من الإطاحة
بالطغاة الذين كانوا يحكمونها، هو
نفسه الذي مكن "جوليان أسانج"
بمجرد لمسة زر على موقعه المسمى
ويكيليكس - من تعريض حياة عدد لا يحصى
من الناس للخطر، عن طريق نشر آلاف
البرقيات الدبلوماسية السرية
المسروقة. فعلى الرغم من أن مواقع التواصل
الاجتماعي مثل فيسبوك، وتويتر،
ويوتيوب، وفليكر، قد منحت المواطنين -
الصحفيين في تونس، ومصر، وليبيا،
القدرة على تنظيم المظاهرات، وإرسال
أخبار التطورات التي تحدث في بلدانهم
في الزمن الحقيقي، (أي نفس زمن حدوثها)،
فإن شبكة الإنترنت ذاتها تحولت إلى
ملاذ للمروجين والمتاجرين بالبشر،
ولصوص الهويات الشخصية، كما جعلت
تهديد الإرهاب الإلكتروني - استخدام
الإنترنت لإسقاط قطاعات اقتصادية
بأكملها - حقيقياً وباعثاً على التشاؤم. فالتوترات الكامنة في شبكة الإنترنت،
تتفجر في العالم الحقيقي في الوقت
الراهن على نحو مفاجئ تقريباً لكافة
صناع السياسات في العالم. والسؤال الذي
يفرض نفسه في الوقت الراهن عند معرفة
ذلك هو: هل يمكن للحكومات تحقيق درجة
التوازن الصائبة بين تشجيع التدفق
الحر للمعلومات مع القيام في نفس الوقت
بحماية خصوصيتها - خصوصية الحكومات -
وخصوصيتنا؟ تحقيق هذا التوازن صعب ما في ذلك من شك،
حيث لا يوجد هناك برنامج كمبيوتر
يستطيع أن يدلنا على ذلك التوازن. فمن المعروف أن شبكة الإنترنت غيرت
الطريقة التي يتواصل بها البشر على نحو
من العمق لم يحدث منذ اختراع المطبعة.
ففي كل يوم، ومن أبراج المكاتب الشاهقة
في شيكاغو وغيرها من المدن التجارية
الكبرى في العالم، والهواتف النقالة
الذكية في باريس، والقرى النائية
الموصولة بالكمبيوتر، يتم إجراء
المليارات من المعاملات التجارية
والشخصية من خلال وصلات الإنترنت،
التي لم تكن موجودة بالنسبة لمعظم
الناس منذ 15 عاماً فقط. فنحن قادرون اليوم على الاتصال بالأصدقاء
والمعارف، وتكوين الصداقات والعلاقات
وتعميقها من خلال شبكة الإنترنت،
وبطرق لم يكن من الممكن تحقيقها من دون
وجودها. كما أن الملايين منا باتوا
يعملون بأساليب، وفي مجالات تخصص
متنوعة بصورة لم يكن تخطر لنا على بال
منذ عقد واحد من الزمان فقط. ولكن ما الذي يحدث عندما يتحول التعبير
الحر عن الاختلاف في الرأي، بواسطة
المواطنين - الصحفيين إلى نشر لوثائق
مسروقة، يمكن أن يؤدي الكشف عما تحتوي
عليه من أسرار إلى تعريض حياة بشر
للخطر، أو يحول دون نجاح مفاوضات حرجة
تجرى من أجل الإفراج عن رهائن؟ وكيف يكون شعورنا عندما نعرف أنه، ووفقا
لبيانات "مركز الأطفال المفقودين
والمستغلين" يوجد في الوقت الراهن 89
دولة في العالم ليس لديها قوانين
لمكافحة استغلال الأطفال في تصوير
الأفلام الخليعة؟ هذا الرغم من حقيقة
أنه بمساعدة الإنترنت تحول الاستغلال
الجنسي التجاري للأطفال إلى صناعة تدر
مكاسب تبلغ عدة مليارات من الدولارات
سنوياً، لا تعترف بأي حدود فاصلة بين
الدول. وهناك أيضاً عملية إساءة استغلال شبكة
الإنترنت بواسطة الأنظمة القمعية في
مختلف أنحاء العالم. فثمة نظام شرق
أوسطي، على سبيل المثال، تمكن من إخماد
الحركة الخضراء السلمية عام 2009 من خلال
تعقب خطوات المنشقين على شبكة
الإنترنت، والتلصص على ملفاتهم
الشخصية، والتلاعب بالرسائل
المستقبلة والمرسلة بواسطتهم، ثم
القيام بعد ذلك بشن حملات دهم دموي
عليهم من بيت لبيت بواسطة عناصر أمنية. السؤال: ما هو مدى نجاح واشنطن في تطوير
الوعد الذي يمثله الإنترنت وتجنب
المخاطر التي يمثلها؟ في خطاب لها
الشهر الماضي، أوصت وزيرة الخارجية
الأميركية - بحكمة - بما يعرف ب "اللمسة
الخفيفة"، التي تعني وجود ما أطلقت
عليه"الحرية في الاتصال". قالت
كلينتون في كلمتها حول هذا الأمر:"
لقد تحول الإنترنت إلى فضاء عمومي
للقرن الحادي والعشرين أي أصبح مجالًا
للحركة، التي كانت تتم في ميادين
المدن، والفصول الدراسية، والأسواق،
والمطاعم والمشارب، وأماكن التسلية". وقالت أيضاً:"والهدف الذي نسعى إليه
ليس هو أن نخبر الناس كيف يستخدمون
الإنترنت، أو كيف يستخدمون الميدان
العام سواء كان ميدان التحرير، أو "تايم
سكوير". وأضافت"فتايم سكوير في حد
ذاته يوفر مكاناً للعمل والفاعلية
بالنسبة للناس، أما هو نفسه فلا يمتلك
أجندة خاصة به". والاكتفاء بفرض القيود على الإنترنت فقط -
لن يجدي نفعاً. لأن أي قيود يتم فرضها،
سيتم التغلب عليها بواسطة المستخدمين
الذين يزدادون ذكاء ومعرفة وتقدماً
وتكنولوجيا على الدوام... كما أن تلك
القيود سوف تؤدي، ضمن ما تؤدي إليه،
ليس لمنع الممارسات السيئة فحسب، بل
منع الممارسات الحميدة الأخرى مثل
التجارة الإلكترونية التي تعد مسألة
جوهرية في عصرنا الراهن. لذلك يجب على صناع السياسات،
والدبلوماسيين، والمسؤولين العسكريين
أن يتقنوا الإمكانيات الهائلة التي
يتمتع بها الإنترنت، مع القيام في نفس
الوقت بالتحكم في احتمالات، وإمكانيات
استخدام هذا الإنترنت في تدمير حياة
أناس أبرياء، وإلحاق الأذى
بديمقراطيات تقع في أنحاء مختلفة من
العالم. ــــــــــ *نائب سابق لمستشار الأمن
القومي الأميركي للاتصالات
الاستراتيجية والتواصل العالمي في
مجلس الأمن القومي الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان
ساينس مونيتور" ==================== ليستر براون* تاريخ النشر: الثلاثاء 15 مارس
2011 الاتحاد الصين في حرب. ولكن هذه الحرب ليست ضد جيوش
غازية وإنما ضد صحارى متمددة تهدد
أراضيها الزراعية. ذلك أنه بينما تتوسع
الصحارى القديمة، وتتشكل صحارى جديدة،
وينضب مزيد من آبار الري، تخسر بكين
معركة طويلة لإطعام سكانها المتزايدين
بمفردها. ومن شبه المؤكد أن الصين ستضطر خلال
السنوات المقبلة لتلافي ارتفاع
الأسعار الذي يتسبب في زعزعة
الاستقرار السياسي. وهنا يأتي دور
الولايات المتحدة التي تعد حتى الآن
أكبر مُصدِّر للحبوب في العالم إذ
تُصدر حوالي 90 مليون طن من الحبوب
سنوياً، وإنْ كانت الصين تحتاج إلى 80
مليون طن من الحبوب كل عام من أجل تلبية
خُمس احتياجاتها فقط. ومثلما أن الصين هي مصرف لأميركا، فإن
الولايات المتحدة يمكن أن تصبح مزرعة
للصين؛ غير أن هذا السيناريو في
الاعتماد على الحبوب المستوردة التي
يأتي جزء كبير منها من الولايات
المتحدة يمثل أسوأ كابوس للصين،
وسيناريو يمكن أن يخلق كوابيس
للمستهلكين الأميركيين كذلك. والواقع أن الأدلة على محنة الصين واضحة.
فمنذ 1950، هُجرت نحو 24 ألف قرية في الجزء
الشمالي الغربي من البلاد كلياً أو
جزئياً جراء تقدم وزحف الرمال على
الأراضي الزراعية. ولأن ملايين المزارعين الصينيين يقومون
بحفر آبار من أجل زيادة محاصيلهم، فإن
المياه بدأت تقل في جزء كبير من سهول
شمال الصين التي توفر نصف القمح الذي
تنتجه البلاد وثلث إنتاجها من الذرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الزراعة الصينية
أخذت تفقد أيضاً مياه الري بسبب ازدياد
حاجيات المدن والمصانع؛ حيث تتم
التضحية بالأراضي الزراعية من أجل
إنشاءات سكنية وصناعية، ومن ذلك الطرق
السريعة والمواقف التي تواكب الارتفاع
الكبير جداً في الطلب على السيارات. والجدير بالذكر هنا أن مجموع مبيعات
السيارات في الصين عام 2009 بلغ قرابة 14
مليوناً، وهذا عدد تجاوز نظيره في
الولايات المتحدة لأول مرة. ومقابل كل
مليون سيارة تضاف إلى هذا الأسطول، فإن
50 ألف فدان على الأقل تضيع لصالح
الطريق المعبدة. ثم إن إمدادات الصين
الغذائية بدأت منذ مدة في الانكماش.
ففي نوفمبر الماضي ارتفع مؤشر سعر
المواد الغذائية ب12 في المئة مقارنة مع
2009. كما ارتفع سعر الخضار وحده بنسبة 62
في المئة. ولكن كيف يمكن، في هذه الظروف، إطعام أكثر
من مليار نسمة؟ هذا السؤال يقض مضجع
الزعماء الصينيين، الذين عاش العديد
منهم "المجاعة الكبيرة" ونجا
منها، حين مات قرابة 30 مليون صيني بسبب
الجوع ما بين 1959 و1961. العام الماضي، وفي
جهد لوقف ارتفاع أسعار المواد
الغذائية، باعت الحكومة الصينية الذرة
والقمح والأرز وحبوب الصويا من
احتياطيات الدولة. وخلال السنوات
الأخيرة، قامت الصين بشراء أو تأجير
أراض زراعية في بلدان أخرى من السودان
إلى إندونيسيا من أجل إنتاج الطعام
والوقود الحيوي، غير أن ثمة القليل
الذي أنتج في هذه الأراضي حتى الآن. والواقع أنه إذا لجأت الصين إلى سوق
الحبوب الأميركي، وهي التي استوردت
نحو مليوني طن من الذرة والقمح
الأميركيين في 2010، فإن المستهلكين
الأميركيين سيجدون أنفسهم يتنافسون مع
قرابة 1.4 مليار مستهلك أجنبي على محصول
الحبوب الذي تنتجه بلادهم. وهذا الأمر لن يرفع أسعار المنتجات
المصنعة مباشرة من الحبوب فحسب، مثل
الخبز والمعجنات وحبوب الإفطار، وإنما
أيضاً أسعار اللحوم والحليب والبيض
التي يتطلب إنتاجها كميات كبيرة من
الحبوب. وبالطبع فعندما تبيع الولايات المتحدة
الطعام للصين، فإنها تتعامل مع منافس
اقتصادي ومقرض يملك ما قيمته 900 مليار
دولار من سندات الخزينة الأميركية.
وإذا تسببت الصين في ارتفاع أسعار
الطعام الأميركية إلى مستوى أعلى، فإن
التوتر بين البلدين قد يزداد ويتصاعد.
كما سيزداد التوتر بين واشنطن
والمستهلكين داخل الولايات المتحدة ،
لأن الأميركيين الذين يعتبرون الطعام
الرخيص حقاً طبيعياً مسلماً به
سيضغطون على الأرجح في اتجاه فرض قيود
على صادرات الطعام الأميركية إلى
الصين. وهناك سابقة في التاريخ تؤكد
إمكانية حدوث هذا الأمر: ففي
السبعينيات، قامت الولايات المتحدة
بحظر صادرات حبوب الصويا إلى بلدان مثل
اليابان بغية وضع حد تضخم أسعار الطعام
في الداخل. لكن رغم أن الإحجام عن تصدير الطعام عن
قوة عظمى صاعدة يمكن أن يساهم في خفض
أسعار الطعام الداخلية، فإنه سيمثل
عملاً سيئاً من الناحية الدبلوماسية.
ذلك أنه حتى إبان الحرب الباردة، قامت
الولايات المتحدة بتصدير 10 ملايين طن
من القمح، أي قرابة ربع المحصول
الأميركي في 1972 إلى الاتحاد السوفييتي
بعد فشل المحصول هناك. فهل يمكن أن ينجح ذلك اليوم؟ الواقع أن
إدارة أوباما، أو أي إدارة في المستقبل
أمام اختيار صعب. فإذا قمنا بالحد من
مبيعات الحبوب إلى الصين، فهل يمكن أن
يقوم الصينيون بالحد من عمليات الشراء
الشهري في مزادات الخزينة الأميركية؟
ثم ماذا سيحل بالمزارعين الذين لا
يستطيعون البيع لأكبر سوق غذاء في
العالم؟ إننا لا نعرف كيف ستكون نتيجة
هذا التوتر سياسيا، ولكن الأكيد أننا
نعرف أن عجزنا الكبير خلال السنوات
الثلاثين الماضية يحد من قوتنا
التفاوضية. تمثل الولايات المتحدة السلة الغذائية
للعالم منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.
والواقع أن بلدنا لم يعرف أبدا نقصاً
في المواد الغذائية أو تضخماً منفلتاً
في أسعار الطعام. ولكننا، شئنا أم
أبينا، سنضطر لاقتسام محصولنا مع
الصينيين، بغض النظر عن إلى أي مدى
سيتسبب ذلك في رفع أسعارنا. إن عالمنا على وشك أن يتغير؛ غير أنه في
طابور الخروج من السوبرماركت، وفي
المطاعم واجتماعات الاحتياطي
الفيدرالي، من الصعب أن نتخيل أنه تغير
إلى الأفضل. ــــــــ *رئيس معهد "سياسة الأرض"،
ومؤلف كتاب "عالم على شفا الهاوية" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن
بوست وبلومبرج نيوز سيرفس" ==================== الربيع العربي... هل
يوقفه القذافي؟ جاكسون ديل* تاريخ النشر: الثلاثاء 15 مارس
2011 الاتحاد منذ أن أشعل بائع الفاكهة التونسي "محمد
البوعزيزي" النار في نفسه في شهر
ديسمبر الماضي، تحولت الانتفاضات
العربية إلى فيروس قابل للتحول، وهذا
ما جعل القذافي -الذي أشعل النار في
ليبيا كلها- شخصاً مهمّاً للغاية. وفي البداية لم يوحِ البوعزيزي بالانتفاض
والثورة، وإنما بالتضحية بالنفس.. وهو
إيحاء سرعان ما تم تبنيه في البداية في
الجزائر حيث انتحر عدة أشخاص بإحراق
أنفسهم، وبعد ذلك في مصر حيث حدث الشيء
نفسه. ولكن الفيروس سرعان ما حول نفسه
في صورة حركة علمانية جماهيرية انطلقت
في تونس تحت راية الديمقراطية
الليبرالية.. وبعدها قام الناشطون
المصريون الشباب بتبني نفس القضية.
وقررت بعض الجيوش -الحليفة للولايات
المتحدة- في تونس ومصر وغيرهما عدم قتل
مواطنيها لمجرد المحافظة على استمرار
الوضع القائم. وكل قرار من القرارات التي اتخذتها تلك
الجيوش ساهم في تعزيز مبدأ اللاعنف
الذي تسعى الولايات المتحدة والقوى
الخارجية عموماً إلى الدفع به قدماً في
الثقافة العامة السائدة. وفي الوقت الراهن يقوم القذافي بتغيير
طبيعة الفيروس مرة أخرى. فعلى رغم أن
الجنون الذي انطوى عليه كتابه المسمى
"الكتاب الأخضر"، أدى إلى وضع
ليبيا لعقود على هامش الحياة السياسية
العربية، إلا أن حملة الأرض المحروقة
التي يقوم بها في الوقت الراهن لحماية
نفسه، لم تؤد فحسب إلى إيقاف تقدم قوات
المتمردين نحو العاصمة طرابلس خلال
الأسبوعين المنصرمين، وإنما فعلت
الشيء نفسه أيضاً مع حركة الاندفاع
العربي نحو الديمقراطية. وإذا ما تمكن القذافي من البقاء في الحكم،
فإن فيروس نزيف الدم القمعي،
والأتوقراطيات المتشبثة بمواقعها
يمكن أن يتدفق عبر المنطقة العربية.. بل
يمكن القول إن هذا الأمر قد حدث
بالفعل، حيث شهدت مصر انفجارات خطيرة
للعنف خلال الأسبوعين الماضيين شملت
اشتباكات طائفية بين المسلمين
والمسيحيين. وفي اليمن هاجمت قوات
الأمن جموع المحتشدين في أحد ميادين
صنعاء بالذخيرة الحية مرتين خلال
الأسبوع الماضي.. وفي البحرين عادت
الاشتباكات أيضاً بين قوات الأمن
والمتظاهرين مرة أخرى. أما القوى الموالية للديمقراطية خارج مصر
وتونس، فقد توقفت.. في الوقت نفسه الذي
هدأت فيه الجزائر والمغرب. بيد أنه يتعين القول مع ذلك إن القوى
الليبرالية في مصر ما زالت قوية.
فالحركة التي قادها الشباب في ميدان
التحرير -التي لا تزال غير منظمة
نسبيّاً حتى الآن- نجحت في الإطاحة
بالنظام السابق، وتدمير قيادات جهاز
أمن الدولة الرهيب الذي طالما اعتمد
عليه. وهناك مرشحان موثوقان للحلول محل
مبارك في منصب رئيس الجمهورية هما عمرو
موسى أمين عام الجامعة العربية،
والدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق
للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
والاثنان أعلنا نيتهما الترشح، وهو ما
يوفر احتمالات قوية لتنافس ديمقراطي
حقيقي، يمكن أن ينتج محصلة ديمقراطية
يستطيع جيران مصر وحلفاؤها التعايش
معها. ولكن بعض المصريين يعتقدون أيضاً أن
بلدهم يقترب على نحو خطير من التفكك.
فقد قال لي مصدر موثوق تحدثت إليه "ربما
لن نتمكن حتى من الوصول إلى الانتخابات
الرئاسية" وأضاف هذا المصدر أن
السبب في ذلك يرجع إلى أن الاقتصاد
يكاد يكون متوقفاً، وأن الحكومة قد لا
تتمكن عما قريب من توفير الأموال
اللازمة لدفع المرتبات والمعاشات، وأن
كافة السلطات الموجودة في البلد
تتداعى: فمديرو المصانع وقادة
الاتحادات والنقابات يتعرضون للتحدي
من قبل عمال المصانع وأعضاء تلك
النقابات في حين اختفت قوات الشرطة إلى
حد كبير من الشوارع. وهذا المصدر المصري لديه أيضاً فكرة
مزعجة في الحقيقة عبر عنها من خلال
سؤال هو: "ماذا كان يمكن أن يحدث في
مصر لو أن الانتفاضة قد حدثت في ليبيا
أولاً"؟ والحال أن هذه الفكرة أثارت لديّ سؤالاً
آخر مقلقاً هو: في منطقة مثل الشرق
الأوسط.. إذا ما نجح ديكتاتور في شق
طريقه عبر المذابح إلى فترة من الأمان
المؤقت.. فما الذي يمكن أن تفكر فيه
بقايا النظام الاتوقراطي الذي كان
سائداً في مصر.. وما هي الأشياء التي قد
تُغري تلك البقايا بالقيام بها إذا ما
تفاقم الاضطراب وعدم النظام في
البلاد؟ ليس هناك شك في أن رئيس وزراء
مصر الإصلاحي الجديد عصام شرف يفكر في
كل هذا وهو ما دعاه إلى التحذير
الأسبوع الماضي مما وصفه بثورة مضادة
منظمة ومنهجية قال إنها تتم بالفعل. وفي المقابل هناك سؤال آخر: ماذا يمكن أن
يحدث إذا ما تم إسقاط القذافي من خلال
مساعدة عسكرية تقدم للمعارضة من
فرنسا، أو الولايات المتحدة أو غيرهما
من القوى الغربية -في صورة شحنات أسلحة
عاجلة أو فرض منطقة حظر طيران؟ قد يعتقد البعض أن ذلك يمكن أن يضعف
الثوار العرب، من خلال إدخال عنصر
أجنبي على المعادلة. وعلى الأرجح سيؤدي
ذلك إلى حدوث العكس تماماً، ويمكن أن
تستشفوا الإجابة من خلال سؤال واحد من
عتاة المعارضين للتدخل العسكري، وهو
كاتب العمود في "واشنطن بوست"
جورج إف. ويل". ففي مقاله المنشور
الأسبوع الماضي قال: "لقد شاهدت
الجماهير المصرية ما فعلته الجماهير
التونسية على التلفزيون وقامت
بتقليدها وهو ما فعلته القيادة
الليبية أيضاً. فتلك القيادة شاهدت على
التلفزيون ما حل بالقيادتين التونسية
ومن بعدها المصرية وقررت أن تقاتل مهما
كان الثمن". وهنا يغدو السؤال: ألا يشجع التدخل
الأميركي في ليبيا شعوباً أخرى قلقة
على توقع مساعدة عسكرية من الولايات
المتحدة. الإجابة هي: ربما يحدث ذلك..
ومن هنا فلو ظهرت حركة معارضة قوية في
سوريا وطلبت من الغرب أسلحة أو إسناداً
جويّاً من أجل القضاء على النظام، فهل
سيكون ذلك بمثابة كارثة؟ ـــــــــ *كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن
بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس" ==================== آخر تحديث:الثلاثاء ,15/03/2011 عبدالزهرة الركابي الخليج من المفيد القول، إن الثورة التي اندلعت
في أكثر من بلد عربي، كانت نتاج جهود
شعبية متعددة الأوساط والشرائح، وهي
من هذا التعدد والتنوع المجتمعي، لم
تتقيد بأطر سياسية وأيديولوجية، بل هي
نأت بعيداً عن الشعارات الاستهلاكية
التي كانت توظفها النظم أصلاً، كي تغطي
على أوضاع الداخل البائسة، بحيث لم
تترك مجالاً لأدعياء الوصل بليلى، إذا
ما استعرنا قول الشاعر: “وكل يدعي
وصلاً بليلى”، لتكون بالتالي ثورة
أهلها وزمانها وشعاراتها . هذه الثورة لن تمر مرور الكرام على
المنطقة وما يعتريها من اختلال في
توازن القوى وانخفاض السقف السياسي
السائد، إذ من المؤكد أن انعكاساتها
ستكون ذات أبعاد استراتيجية في سياسات
التوجه الخارجي، بينما ستقتصر أبعادها
المرحلية على معالجة وإصلاح أوضاع
وشؤون الداخل، حتى يُمكن لآلياتها
وفعالياتها بعد تثبيت ركائز الداخل،
الانتقال والمبادرة لإحداث التغيير إن
لم نقل التحول إلى ملامسة الأهداف
الحيوية والعروبية المركزية، بعدما تم
طمرها في أقبية ودهاليز السياسات
الجامدة، بفعل عوامل النكوص الداخلي
التي استولدتها هذه السياسات، والتي
تلقفتها عوامل الخارج المعادية
والضاغطة، توجهاً وتبنياً في طريق
تحقيق أغراضها وأهدافها المعادية
لتطلعات الشعوب وطموحات الأمة . إن من أهم الأسباب التي أدت إلى الثورة،
هو التردي الشامل للسياسات التي قامت
ضدها الثورة . صحيح أن هذا التردي لم
يعد خافياً على أحد، بيد أنه لو سبرنا
غوره في جانب واحد على سبيل المثال لا
الحصر، لوجدنا ماهية وأخلاقية هذا
النظام أو ذاك، عندما يقف مسؤوله من
دون لياقة ودبلوماسية وارتداء لبوس
الإنسانية، كدلالة اعترافية على ديدنه
الحقيقي والأخلاقي، مطلقاً أوصافاً من
الانحطاط بحق الشعب الثائر، مثل “الكلاب،
الجرذان، يلعقون الأحذية”، وآخر
يعتبر ثورة الشعب من تدبير أمريكا و”إسرائيل”،
وكأن هذا الاتهام جاء متماشياً مع ما
تروجه الأوساط “الإسرائيلية” من
ادعاءات ومزاعم حيال هذه الثورة، على
النحو الذي يقوم به الموقع الإلكتروني
الاستخباري “الإسرائيلي” فيلكا . ومن هذه الأسباب، يأتي الفارق الاقتصادي
والمعاشي بين عامة الشعب من جهة،
وأركان هذه النظم من جهة أخرى، ولو
أخذنا مثل هذا الجانب بالنسبة إلى
تونس، كصورة عاكسة لهذا الفارق، من
خلال زوجة رئيس النظام السابق، التي
كانت تخبئ 34 مليون دولار في أحد مكاتب
زوجها، كجزء من ثروة غير مستحقة أو هي
استولت عليها من دون وجه حق، ووضعنا
أمامها معاناة مفجر الثورة وملهمها
محمد البوعزيزي، الذي عجز عن الحصول
على رخصة بيع الخضار، فأي حق أو قانون
يبيح لزوجة رأس النظام الحصول على هذه
الثروة الطائلة بطرائق غير شرعية، في
وقت يمنع على البوعزيزي ممارسة العمل
الشريف لتوفير قوت يومه؟ ولم يدر هذا
النظام إنه احترق منذ أن قام البوعزيزي
بإحراق نفسه . لا شك في أن عدم نخبوية الثورة كان من
الأسباب المهمة في نجاح الثورة، وكانت
الشريحة الشابة التي تصدرتها، تتعامل
سلمياً وإنسانياً إزاء أدوات القمع
التي استخدمتها النظم، وقد رأينا في
ميدان التحرير في القاهرة، كيف تعرض
الثوار إلى هجمات من “البلطجية”
وأرباب السوابق الجرمية، الذين دفعهم
أعوان النظام، بغرض ترهيبهم وإجبارهم
على الانسحاب، لكن الثوار بحشودهم
المليونية كان شعارهم الصمود، وعدم
الإنجرار إلى مثل هذه الاستفزازات
الرخيصة، التي كانت مكشوفة الدوافع
والأغراض . وتبقى هناك الكثير من
الأسباب المفصلية التي كانت وراء
انتصار ونجاح الثورة، لا سيما عملية
الانغلاق التي تمارسها هذه النظم،
بعدما تبيّن أن رؤوسها يحيطون أنفسهم
بمستشارين يجعلونهم في حال من العمى
والطرش على شاكلة “كلو تمام يا فندم”،
أو عندما يأتون لهم بنتيجة استفتاء،
تُظهر أن الشعب وافق على اختيارهم
لولاية أخرى بنسبة 99 وكسر في المئة،
وإلى غير ذلك من أساليب التجهيل
والتعمية وعكس الحقائق، وهذا الأمر
سبب مفصلي للفجوة المتسعة بين الشعوب
وهذه النظم، التي أخذت على عاتقها
ممارسة الانغلاق وعدم التجسير والتماس
مع الشعوب . وعليه، كانت الثورة سبباً جامعاً لأسباب
عدة، شكلت في حقيقتها حزمة محفزة إلى
الانتفاض، على اعتبار أن الثوار
والمنتفضين ليسوا من منافسي السياسة
أو الطامعين في المناصب السياسية، ولا
هم من الوجوه والنخب التي تمارس
السياسة تحت واجهة ما أو شعار هذه
الآيديولوجية أو تلك . الثورة تنتصر عندما تكون من صميم الشعب
بجمعه أو بأغلبيته مهما طال الأمد،
بينما النظم المستبدة على مختلف
تسمياتها وأغطيتها، لزاماً عليها
الرحيل في نهاية المطاف، مهما تباهت
بجبروتها وحجم عديد القمع وإسكات
الأصوات . و هكذا، الثورة قامت وانتصرت لسبب أو
لأسباب، في حين أن مثل هذه النظم لا
يوجد سبب واحد لبقائها . . فمن يتعظ؟ ==================== د. إينا ميخائيلوفنا التاريخ: 15 مارس 2011 البيان ما يحدث من حراك جماهيري وثورات شعبية في
الشرق الأوسط، له تأثيره وتداعياته
الكبيرة في شتى المجالات وعلى العديد
من دول العالم، وعلى رأسها الدول
الكبيرة ذات المصالح الاستراتيجية
القارية. ولا شك أن روسيا التي تبدو في
حالة هدوء «مصطنعة» تجاه ما يحدث، هي
أيضا من الدول المتأثرة بشكل كبير بما
يجري في الشرق الأوسط. وقد وصفت وزيرة
الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون،
مواقف روسيا والصين تجاه ما يحدث من
ثورات في الشرق الأوسط، بأنها أذكى
بكثير من مواقف واشنطن والأوروبيين،
حيث تسعى كل من موسكو وبكين إلى إمساك
العصا من المنتصف، ولا تتسرعان في
المبادرة بتأييد أي طرف في الصراعات
الدائرة. والحقيقة أن رأي كلينتون صحيح إلى حد
كبير، وإن كنا نختلف بعض الشيء فيما
إذا كان هذا الموقف ينم عن ذكاء أم عن
خوف أو قلة حيلة تجاه ما يحدث، خاصة وأن
كلا من روسيا والصين ليستا ذات تأثير
ملحوظ على البلدان العربية مثل واشنطن
ودول أوروبية كبيرة، كبريطانيا وفرنسا
وإيطاليا وغيرها، هذه الدول التي
تربطها بالبلدان العربية علاقات
اقتصادية وسياسية واستراتيجية كبيرة
على مدى عقود طويلة مضت. وقد ورثت هذه
الدول الأوروبية والولايات المتحدة،
إلى جانب نفوذها القديم، مكانة
الاتحاد السوفييتي ونفوذه في كافة
المواقع التي كان يشغلها في المنطقة.
ولم تفكر روسيا الحديثة في التوجه إلى
هذه المنطقة أو العودة إليها إلا
مؤخرا، منذ أقل من خمس سنوات لا أكثر،
ولا يمكن الجزم بأنها اتخذت في هذا
الاتجاه خطوات ملموسة، وكذلك الصين
التي لم يتعدّ تقاربها مع بلدان هذه
المنطقة، المجال التجاري والاقتصادي
المحدود. الحذر الروسي تجاه الأحداث في الشرق
الأوسط أمر له أسبابه ومبرراته، ومن
أهم مبرراته أنه مثل الخوض في أرض
غريبة بدون خريطة محددة المعالم، حيث
لا توجد داخل البلدان العربية الآن
الأحزاب والتنظيمات الشيوعية أو
اليسارية التي كانت تعمل لحساب موسكو
السوفيتية، والتيار اليساري أو
التقدمي الموجود حاليا في الدول
العربية ضعيف من جهة، ومن جهة أخرى
ليست له علاقات بروسيا الحديثة
البعيدة عن الشيوعية، ولا حتى بالصين
التي ما زالت تحتفظ بالإطار الشيوعي،
وإن كان المحتوى نقيضاً للإطار، بينما
الوضع في البلدان العربية بالنسبة
لواشنطن والأوروبيين على العكس تماما،
حيث معظم القوى السياسية الفعالة، بما
فيها التيارات الدينية الأصولية، لها
علاقات متواصلة مع واشنطن والاتحاد
الأوروبي. ولكن كل هذا لا يعطي موسكو الحق في أن تكون
بهذه السلبية التي هي عليها الآن تجاه
ما يحدث في المنطقة، ولا أن تبالغ في
الحذر والتردد بالشكل الذي يضر
مصالحها، خاصة وأن الآخرين يجازفون
ويقامرون ويراهنون على كافة الجبهات،
وغير مقبول من موسكو أنها حتى الآن لم
تحدد مواقفها بوضوح مما يحدث، ليس فقط
في ليبيا، بل حتى بالنسبة لتونس ومصر.
ففي الوقت الذي بدأ يتوافد فيه
الغربيون على القاهرة بعد الثورة، لا
نرى أي خطوة من جانب موسكو في هذا
الاتجاه، علما بأن آخر مسؤول أجنبي
التقى الرئيس المصري المخلوع حسني
مبارك، كان نائب وزير الخارجية الروسي
سلطانوف، ولم تصدر من موسكو حتى الآن
أية تصريحات رسمية واضحة بالتأييد
للثورة وللقائمين عليها، اللهم إلا
بعض العبارات الدبلوماسية حول متانة
العلاقات الروسية المصرية. كما أن
الموقف الروسي مما يحدث في ليبيا أيضا
غير مقبول، فلا يكفي أن تصرح موسكو
بأنها ضد أي تدخل عسكري أجنبي في
ليبيا، فهذا موقف الغالبية بمن فيهم
قيادة حلف شمال الأطلسي وأيضا جهات
رسمية في واشنطن. المطلوب من موسكو مبادرات أكثر من
تصريحات، وكان يجب أن تصدر عن موسكو
مبادرة تجاه ما يحدث، قبل أن تأتي
المبادرة من أميركا اللاتينية من هوغو
شافيز، فمصالح روسيا مع ليبيا ومع
جيرانها أكثر بكثير من مصالح شافيز مع
صديقه القذافي، ويكفينا أن نعرف أن
روسيا حتى الآن هي الخاسر الأول في
ليبيا، قبل أن تخسر غيرها من بلدان
العالم، حيث ان هناك صفقات بيع سلاح
روسي لليبيا قيمتها نحو أربعة مليارات
دولار، لم تتم ومهددة بالإلغاء مع تطور
الأحداث، كما أن هناك عقودا أبرمتها
الشركات الروسية مع ليبيا معلقة حتى
الآن، ومنها عقد إكمال بناء مصنع
للأسلحة كان قد بدأ العمل في إنشائه في
زمن الاتحاد السوفييتي، وعقد آخر
لتحديث وإصلاح 145
دبابة، وهناك مباحثات بين البلدين
بشأن توريد 12 طائرة مقاتلة من طراز «سو-35«، و36
راجمة صواريخ، وقذائف من طراز «بانتسير
س1»، ومجموعة من منظومات الدفاع الجوي
الصاروخية، وهناك اتفاقات مبدئية
كثيرة بين روسيا وليبيا في مجالات
الطاقة والسكك الحديدية والطاقة
النووية. كل هذا وغيره روسيا معرضة لخسارته إن لم
تحسم موقفها مثل الآخرين، وعلى موسكو
أن تتوقف عن لعبة تباين التصريحات
الصادرة عن القيادة، والتي اعتدنا
عليها منذ وصول الرئيس ميدفيديف
للحكم، حيث نسمع تصريحا من الكرملين
ونسمع في نفس التوقيت تصريحا مناقضا من
الخارجية أو من رئاسة الوزراء! هذه
اللعبة قد تكون مقصودة ومفيدة في ملفات
وقضايا أخرى مثل الملف النووي
الإيراني أو ملفات الديمقراطية وحقوق
الإنسان، لكنها لا تصلح الآن في
التعامل مع الثورات الشعبية في
البلدان العربية، حيث الشعوب الثائرة
تريد أمورا واضحة ولا تقبل الألوان
الرمادية. ==================== المصدر: صحيفة «موسكو تايمز»
الروسية التاريخ: 15 مارس 2011 البيان يبدو أن الجميع أصبحوا خبراء في شؤون
الشرق الأوسط في الوقت الحاضر. جميع
الأطياف من علماء السياسة والمدونين
والمعارضة المتطرفة ووسائل الإعلام،
يبدون تعليقاتهم ويسعون لعقد
المقارنات، ويبدون الإعجاب بروح
النضال التي يبديها العرب، ويدينون
الأنظمة الفاسدة. وبالتأكيد روسيا
ليست استثناء، فالإغراء شديد جداً،
والكثيرون في النخبة الحاكمة يتوقون
إلى بدء مطاردة جديدة ضد ثوار الثورة
البرتقالية. في الوقت نفسه، فإن غالبية
المعارضة في روسيا تستخدم العالم
العربي كنقطة مرجعية، لتبرير تكرار
نغمة عمرها عشر سنوات حول «كل شيء فاسد
في بلادنا». هل من الممكن أن تحدث السيناريوهات
التونسية والمصرية والليبية في روسيا؟
حتى الآن الإجابة عن هذا السؤال هي «لا».
على صعيد الجبهة الداخلية، تتسم
المعارضة السياسية بأنها مجال خاوٍ،
فليست هناك حركة أو شخصية كارزمية تحظى
بالقبول يمكن أن تقود مثل هذه
الاحتجاجات. المعارضة، تماماً كالنخبة
الحاكمة، تخلو من «ضمير الأمة»، وهو
الذي يقوم بدور الوسيط، لديه أسس
أخلاقية لتحدي النظام الحالي، وله صلة
ضئيلة أو معدومة بالتجاوزات التي جرت
في عقدي التسعينات من القرن الماضي أو
مطلع الألفية الحالية. علاوة على ذلك،
فإن جميع استطلاعات الرأي تشير إلى أن
انهياراً اجتماعياً اقتصادياً
رئيسياً، ربما يصبح القوة الدافعة
للتحرك في الشوارع. أشار استطلاع للرأي
كثيراً ما يتم تداوله أجرته مؤسسة
الرأي العام، إلى أن 49٪ ممن شملهم الاستطلاع
مستعدون للمشاركة في احتجاجات، وهذا
يعتبر افتراضياً إلى حد كبير ولا يعبر
عن الرغبة الحقيقية في النزول إلى
الشوارع بأعداد كبيرة في المستقبل
القريب. من الواضح أن النسبة، التي تم
استطلاعها خلال الحملة الشعبية ضد خطة
الحكومة لتسييل المنافع الاجتماعية في
عام 2005، كانت أكثر من 60٪. يرى البعض أنه لا ينبغي التقليل من شأن
العوامل الخارجية، عند تحليل مخاطر
اندلاع الاضطرابات الشعبية في روسيا.
ومن ينشرون التعليمات بشأن «التغيير
الديمقراطي» بين حشود المتظاهرين في
مصر، ويقومون بالتعبئة من خلال شبكات
التواصل الاجتماعي، والمنظمات غير
الحكومية التي يتم تمويلها من الخارج،
الجميع يشيرون إلى تورط الولايات
المتحدة في إذكاء الاحتجاجات. ومن
الطبيعي أن تسخر واشنطن في نهاية
المطاف كل طاقاتها في هذه المنطقة
المهمة استراتيجيا، لكن روسيا لا
تتمتع بهذا المستوى من الأهمية
بالنسبة للمناضلين من أجل الديمقراطية
في الولايات المتحدة. لو كانت هذه القوى من الأميركيين، فإن ذلك
يعني أن شيئا لن يحدث أيضاً. ليس من
مصلحة واشنطن أن تكون روسيا غير مستقرة
أو مفككة، خاصة بالنظر لاحتمال عدم
الاستقرار في أفغانستان بعد انسحاب
القوات الأميركية في 2014. ليس من مصلحة الرئيس
الأميركي باراك أوباما التضحية «بإعادة»
تقييم العلاقات الثمينة مع روسيا،
والتي يبدو أنها أحد الإنجازات
القليلة خلال فترة رئاسته. المفارقة أنه حتى لو كانت الولايات
المتحدة ستبدأ هذا النوع من الحملة
التخريبية، فسوف تكون النتيجة عكس ذلك
مباشرة. سوف يكون الخطاب المناهض للغرب
عاملاً كبيراً لتدعيم المجتمع الروسي.
ولأسباب تاريخية، وربما حتى من
الناحية «الوراثية»، فإن الروس لديهم
إدمان على نظريات المؤامرة، وحاجة
ملحة إلى وجود أعداء خارجيين. ولكن من
عاشوا خلال الفترة السوفييتية لا
يريدون العودة إلى هوس التجسس وكراهية
الأجانب، ولا يريدون أن يفقدوا بلادهم
مرة أخرى. إن هناك حاجة ملحة لوضع سياسة جديدة تجاه
آسيا الوسطى. وينبغي أن تطالب كل من
روسيا والولايات المتحدة هذه الدول،
بمزيد من الشفافية لحماية مصالحهما في
المنطقة، سواء كانت اقتصادية أو أمنية
بسيطة. يتعين على موسكو وواشنطن
التركيز على العمل مع النخب، سواء
كانوا ورثة محتملين للحكم أو قادة
معارضين. ==================== الانتفاضات العربية
ونظرية المؤامرة !! المستقبل - الثلاثاء 15 آذار 2011 العدد 3940 - رأي و فكر - صفحة 19 محمد السمّاك تتصادم نظريتان بشأن ما يجري في العالم
العربي من انتفاضات شعبية تكاد لا توفر
دولة عربية واحدة. تقول النظرية الأولى ان أجهزة المخابرات
العالمية، وفي مقدمها جهاز المخابرات
المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) فوجئت
بنشوب هذه الانتفاضات ولم تتوقع أياً
منها، وبخاصة الانتفاضة الثورية
المصرية. وأن الرئيس الأميركي باراك
أوباما لامَ المسؤولين في جهاز
المخابرات وفي مجلس الأمن القومي
لأنهم لم يتنبأوا بما حدث، ولم يخططوا
للتعامل معه. وقد عكست المفاجأة ذاتها على تصريحات
الرئيس الأميركي نفسه، وكذلك على
تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون.
وساد الارتباك كلاً من الديبلوماسية
الأميركية والديبلوماسية الأوروبية
لعدة أيام، قبل أن تحسم أمرها في ضوء
المد الجارف للانتفاضات ولصداها
الإيجابي في المجتمعات العربية
المتعددة. وعلى العكس من ذلك، تقول النظرية الثانية
ان ما حدث كان مدبراً. وان المدبر هو
المخابرات الأميركية، وان ثمة غرفة
عمليات أميركية اسرائيلية تبرمج
وتخطط، وتعطي الضوء الأخضر هنا وهناك
في عملية اوركسترالية لإعادة صياغة
المنطقة تمهيداً لصناعة شرق أوسط جديد.
وتذهب هذه النظرية، ومن أبرز دعاتها
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الى
الاعتقاد بأن الهدف من وراء إثارة هذه
الانتفاضات هو حماية أمن اسرائيل، وأن
ذلك يقتضي بالضرورة زرع الفوضى في
الدول العربية، وإثارة الشقاق
والخلافات الداخلية، بحيث تنشغل الدول
العربية في شؤونها الداخلية فيما تمضي
اسرائيل في مخططها الاستيطاني التوسعي
بعيداً عن أي ضغط عربي أو إكراه دولي. لو ان ما جرى أولاً في تونس يقع في إطار
المؤامرة، هل كانت هذه المؤامرة تخفى
على وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال
اليو ماري علماً بأن فرنسا هي أقرب الى
تونس من حبل الوريد؟ لقد سقطت الوزيرة السابقة
لأنها عشية الانتفاضة الشعبية
التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن
علي، كانت تقضي إجازتها في ضيافة أحد
أقرباء الرئيس التونسي المخلوع وتنتقل
بين باريس وتونس على متن طائرته الخاصة. فكيف يعقل أن تجهل وزيرة خارجية فرنسا
وجود "مؤامرة" في حجم ثورة شعبية
أسقطت نظاماً حليفاً لبلادها؟ وإذا كانت غرفة عمليات المؤامرة تديرها
اسرائيل والولايات المتحدة، فهل يعقل
أن تبقى فرنسا بمعزل عنها بل وأن تذهب
ضحية لها؟ في علم الاجتماع ان نظرية المؤامرة هي
النظرية التي يلجأ اليها عادة
الضعفاء، حيث يجدون فيها ملاذاً يبرر
عجزهم. وان العقول التي تستند الى هذه
النظرية هي العقول التي تعجز عن
التفكير لذاتها. مع ذلك فان توالي انفجار الانتفاضات من
المغرب على المحيط الأطلسي الى سلطنة
عمان على الخليج العربي، يدعو الى
التساؤل : هل يمكن أن يحدث ذلك كله
بصورة عفوية؟ ولماذا الآن؟ ولماذا
تتخلى الولايات المتحدة إذا كانت هي
قائد اوركسترا هذه السيمفونية عن
حلفائها الذين اعتمدت عليهم طويلاً؟
ألم تعتمد الولايات المتحدة على
الرئيس حسني مبارك لصيانة اتفاقية
السلام مع اسرائيل، ولضبط الانفلات
الإيراني في المنطقة؟ أولم يجنح
الأردن للسلام مع اسرائيل بعد مصر من
خلال اتفاقية وادي عربة التي كانت
الولايات المتحدة عرابتها أيضاً؟ أولم
يكن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح
الرجل الذي اعتمدت عليه الولايات
المتحدة لمواجهة خلايا تنظيم القاعدة
في اليمن؟ ألم تغدق عليه المساعدات
المالية والعسكرية للقيام بهذه
المهمة؟ ثم ألم يعد الزعيم الليبي معمر
القذافي تائباً الى الولايات المتحدة
بعد أن ألغى برنامجه النووي وسلم كل
الأجهزة والمعدات وحتى كمية
اليورانيوم المخصب الى الادارة
الأميركية؟.. ألم ترفع الولايات
المتحدة العقوبات عنه بعد أن دفع
المليارات من الدولارات للتعويض على
أهالي ضحايا طائرة البان أميركان التي
أسقطها عمل ارهابي ليبي فوق لوكربي
الاسكتلندية؟ ثم ألا تستضيف البحرين واحدة من أكبر
القواعد البحرية الأميركية في
المنطقة؟ تطرح هذه التساؤلات السؤال الأساس. وهو أي
مصلحة للولايات المتحدة في أن تتآمر
على أصدقائها وحلفائها، إذا كانت هي
فعلاً من يقف وراء الانتفاضات التي
تعصف بهؤلاء الأصدقاء والحلفاء؟. من الواضح ان اسرائيل لم تستطع أن تخفي
قلقها مما جرى ويجري، فهي تشعر الآن
أكثر من أي وقت مضى بالعزلة. وتخشى أكثر
من أي وقت مضى على مصير التسويات
السلمية مع مصر والأردن. وهي أكثر من أي
وقت آخر، تبدي تخوفها من المرحلة
التالية، خصوصاً إذا ما فتحت هذه
المرحلة الأبواب أمام الحركات
الاسلامية للوصول الى السلطة. وكالعادة لجأت اسرائيل الى تعزيز قدراتها
العسكرية والى التهديد بها، في محاولة
منها لكبح جماح الطموحات الوطنية التي
تحملها الانتفاضات المتتالية في الدول
العربية. ومن المتوقع الآن أن تنشغل
اسرائيل في التخطيط لمواجهة مرحلة ما
بعد هذه الانتفاضات منفردة أو
بالتفاهم والتنسيق مع الولايات
المتحدة. من هنا فإذا كانت هناك غرفة
عمليات اسرائيلية أميركية، فمن المرجح
أن تكون مهمتها وضع تصور مشترك لما بعد
الانتفاضات العربية وليس لإثارة هذه
الانتفاضات أو للتحريض عليها. إن اتهام الانتفاضات التي ترفع شعارات
التغيير والاصلاح ومحاربة الفساد
واحترام حقوق الانسان بأنها ثمرة
تحريض أميركي اسرائيلي يسيء الى هذه
الانتفاضات، ويطعن في نبل أهدافها وفي
صدقية العاملين عليها. وهو اتهام
التفافي حول أهداف هذه الانتفاضات
الوطنية التي بدأت صياغة عالم عربي
جديد. لقد أثبت رد الفعل الأميركي لما حدث ولما
يحدث، صحة النظرية السياسية التي تقول
انه ليس للولايات المتحدة اصدقاء
دائمين، ولكن لها مصالح دائمة. وأن
الأصدقاء يبقون أصدقاء طالما انهم
قادرون على العطاء.. ولكنهم عندما
يعجزون عن العطاء يصبحون كالليمونة
المعصورة.. مآلها سلة مهملات التاريخ !. ==================== فايز سارة السفير 15-3-2011 لا يتفق العرب على شيء أكثر من اتفاقهم
على المعاناة، التي اصابتهم من
ممارسات الاجهزة المسماة ب«أمن الدولة»،
والتي قل ان خلا منها بلد عربي، وكان من
نتائج ممارساتها إلحاق أكبر الاذى
بالمواطنين العرب، اينما حلوا سواء
داخل اوطانهم او في الخارج، وسواء كانت
هذه الاجهزة تعود الى بلدانهم، او انها
تتبع بلداً عربياً آخر، وهم في كل
الحالات، كانوا تحت عيون تلك الاجهزة،
وعرضة لسطوتها وتصرفاتها،
وانتهاكاتها لحقوقهم الانسانية حتى
البسيطة منها. وبرغم ان اسم جهاز «أمن الدولة»، يؤشر الى
مهمة سامية تتعلق بحماية الدولة التي
يتبع لها الجهاز، فإن الممارسة، تشير
الى مهمة اخرى، يقوم بها الجهاز،
خلاصتها التدخل في كل امر يتصل
بالمواطن وصولاً الى حياته الخاصة
والقضايا الاكثر حساسية فيها، وذلك
انطلاقاً من ايحاءات بينها، ان الامور
مترابطة بين المواطن وأمن الدولة، وسط
تأكيد حضور تلك الاجهزة في حياة
المواطنين، وإخضاعهم الى اقصى الحدود. وبرغم ان اجهزة امن الدولة القائمة هي
اجهزة رسمية، فإن قيامها استند الى
قوانين استثنائية اساسها حالة
الطوارئ، التي شهدتها بعض الدول
العربية في فترات ما بعد الاستقلال،
وخاصة تلك البلدان التي شهدت فترات من
عدم الاستقرار السياسي بفعل
الانقلابات العسكرية او القلاقل
الداخلية، وحيث ان هذه الاجهزة اقيمت
بصورة استثنائية، فقد صار الاستثناء
حاكماً اساسياً في حضورها وفي
نشاطاتها وممارساتها، بحيث صارت
وأفرادها خارج القانون او عصية على
المحاسبة والتدقيق في ممارساتها، بل
انها اعطيت صلاحيات استثنائية، فصارت
في اغلب الاحيان فوق كل الاجهزة
الامنية الاخرى مثل جهاز الامن
العسكري او جهاز الامن السياسي، وفوق
جهازي الشرطة والامن المركزي، مما جعل
مجرد اسمها يلقي بالرعب في قلوب قادة
تلك الاجهزة وعناصرها، كما يلقيه في
قلوب الناس الآخرين. ولم يقتصر تميز تلك الاجهزة على ما سبق،
بل زادها تميزاً تخصيصها بموازانات
ضخمة، مكنتها من تسليح وتجهيز وتدريب
عناصرها الى حدود قصوى، وصار العالم
كله او اوسع مناطقه ميداناً
لعملياتها، التي تقنعت بمهمة «امن
الدولة» فيما كان اغلبها يتعلق بمصالح
رأس النظام وبطانته ومراكز القوى وبعض
قادة تلك الاجهزة، وهكذا انشغلت هذه
الاجهزة بمتابعة حياة الناس تدخلا في
اعمالهم ونشاطاتهم اليومية، وفي ما
يقولون ويقرأون ويكتبون، وفي علاقات
بعضعهم بالبعض الآخر. ولان أعمالاً كهذه تحتاج الى اشخاص
كثيرين، فقد وظفت تلك الاجهزة كثيرا من
المخبرين، وزرعت عملاءها في كل مكان،
يرصدون الناس من حولهم ويقدمون بهم
التقارير والوشايات، التي لم تكن تخلو
من غايات ومصالح شخصية لاصحابها. وأكثر
هذه التقارير، كانت تحوز موثوقية
عالية من قبل الجهاز، حتى لو كان
كتبتها من الاميين وعديمي الخبرة
والمعرفة والضمير، وغالباً ما سببت
تلك التقارير كوارث انسانية، تجاوزت
الاستدعاءات الى عمليات التعذيب
والسجن والقتل والملاحقة والطرد من
الوظائف العامة والخاصة، والمنع من
السفر، وقد وصلت آثار تلك الممارسات
الى اقارب الضحايا من الآباء والابناء
والامهات والاخوات وغيرهم. لقد تحكمت تلك الاجهزة من خلال عملياتها
في عمل المؤسسات الحكومية وسياساتها،
وفي من يشغلون المراكز والمناصب فيها،
وماذا يفعلون، وكلها امور لم تكن تتم
من دون تأمين مصالح قادة تلك الاجهزة
وفي سياق تدعيم نفوذهم، وفي كل
الحالات، فإن تلك التدخلات تسببت بما
آلت اليه حالة الدول من خرابات سياسية
واقتصادية واجتماعية وثقافية، وضعت
تلك البلاد على حافة الانفجار
والانهيار على نحو ما حدث في تونس ومصر
وما يحدث في ليبيا ايضاً. وما حدث في تلك البلدان يفسر الغضب الشعبي
والشبابي بشكل خاص على تلك الاجهزة،
والاصرار على فكرة تصفيتها وإنهاء
وجودها في الحياة العامة والاستعاضة
عنها بأجهزة مسؤولة بالفعل عن امن
المواطن وعن حماية الدولة، وهذا ما
يفسر اعلان رئيس الحكومة التونسية
إلغاء جهاز امن الدولة وكل اشكال
الشرطة السياسية في البلاد، في اطار
اجراءات عملية تتماشى «مع قيم الثورة
ومبادئها والتزاما باحترام القانون
نصا وممارسة وتكريسا لمناخ الثقة
والشفافية في علاقة الامن بالمواطن
وحرصا على معالجة السلبيات المسجلة في
ظل النظام السابق», وهو اجراء يقارب ما
ذهب اليه المجلس الأعلى للقوات
المسلحة الحاكم في مصر، باتخاذ خطوات
لحل جهاز أمن الدولة، بالتزامن مع قرار
حبس رئيس الجهاز اللواء حسن عبد
الرحمن، وعدد من ضباطه بتهم بينها قتل
متظاهرين، وإحراق وثائق عسكرية، وكلها
مؤشرات الى نهاية الجهاز على نحو ما
صار اليه جهاز امن الدولة في تونس،
وكلاهما يؤشر الى ما يمكن ان تصير اليه
حالة الاجهزة المماثلة في البلدان
العربية، والتي لا تقل ارتكاباتها
وفضائحها عن مثيلاتها في تونس ومصر، ان
لم تكن أكثر منها. ==================== فهمي هويدي السفير 15-3-2011 نريد لمصر «الجديدة» أن تتطهر ليس فقط من
شخوص وقيم النظام السابق، ولكن أيضا من
مراراته التي مزقت الأواصر، ومن
أساطيره التي شوهت الإدراك. (1) ليس يكفي أن يستعيد المجتمع روحه المغيبة
وكرامته المهدرة وحرياته المنتهكة،
لكننا نريد للمجتمع أن يستعيد عافيته
وأن يستنهض عناصر القوة والمنعة فيه،
والخطوة الأولى في هذا الاتجاه ان
يتصالح المجتمع مع ذاته ومع تاريخه
وجغرافيته. ذلك ان بلدا كبيرا مثل مصر
لا يستطيع أن يستقر أو أن ينهض
بمسؤولياته من دون أن يجري مثل هذه
المصالحة التي سبقتنا إليها دولة أخرى
كبيرة ومهمة في المنطقة هي تركيا. ذلك
انها لم تثبت حضورها ولم تنل حظها
المشهود من التقدير والاحترام
والفاعلية، إلا بعد أن قطعت أشواطا
بعيدة في المصالحة، سواء مع ذاتها من
خلال استدعاء المجتمع وتذويب مراراته،
أو مع محيطها الاستراتيجي من خلال رفع
شعار «زيرو مشاكل»، الذي كان يعني
تسوية كل المشاكل العالقة بينها وبين
جيرانها الأقربين والأبعدين. المصالحة المنشودة يفترض أن تسبقها إرادة
مستقلة ورؤية استراتيجية واضحة تحدد
من نحن وماذا نريد. وإذا كانت معطيات
ثورة 25 يناير قد ردت للشعب المصري
اعتباره، وأعادت إليه ثقته في ذاته وفى
دوره، فإن نجاح التقدم على ذلك الطريق
يقتضى إجراء المصالحات التي أتحدث
عنها، وفي مقدمتها ما يلي: مصالحة
أساسية تصحح العلاقة بين السلطة
والمجتمع، وهو ما يتكفل به التمسك بقيم
الممارسة الديموقراطية التي تجعل
السلطة اختيار المجتمع وليس قدره. بما
يعني أنها في خدمة الناس وليس العكس.
وإذا تم ذلك على الصعيد السياسي، فإن
المصالحة هنا لا تعني فقط أن يصبح
الشعب «سيد قراره»، إذا جاز التعبير،
ولكنها تستصحب أيضا ثقة في قدرة
المجتمع على ان يضع مصيره بسواعد
ابنائه وإبداعهم، وليس بتبرعات
المانحين وهباتهم. رجال القانون الذين أعرفهم يعتبرون أن
قيمة القانون تراجعت وأهدرت في ظل
النظام السابق، بحيث ان الفيصل في
الأمور لم يعد ما إذا كان المرء صاحب حق
أو معتدى عليه، بل ما إذا كان قويا أو
ضعيفا. فإذا كان قويا فله كل ما يريد،
أما إذا كان ضعيفا فليشرب من البحر.
لذلك فإنهم يقولون إنه إذا كانت الثورة
قد اعادت إلى الشعب حلمه، فإن رد
الاعتبار للقانون في مصر يظل أحد
الأبواب التي تسهم في تحويل الحلم إلى
واقع. إلى جانب المصالحة المنشودة بين
السلطة والمجتمع، فإن مصالحة المجتمع
هي الساق الثانية التي ينبغي أن تعتمد
عليها المسيرة. لذلك فإن التفكير يظل
واجبا في ردم وتضييق الفجوة بين
الأغنياء والفقراء. وفي المصالحة بين
القوى السياسية ذاتها، خصوصا بين
الإسلاميين من جانب وبين العلمانيين
والقوميين من جانب آخر. وهي إن كانت
واجبة بين السياسيين فهي أوجب بين
المسلمين والأقباط. أدري أن العناوين التي ذكرتها تحتمل
كلاما كثيرا ونقاشا موسعا، لكنني أردت
أن أنبه إلى موضوعها، وإلى كونها مما
ينبغي أن تنشغل به النخبة، التي يفترض
أن تكف عن الاحتراب الأهلي الذي ظل
مستمرا ومستعرا خلال العقود التي مضت.
وإذا كان ذلك الاضراب محتملا أو مفهوما
حين كان المواطن مخطوفا، فإنه الآن لا
ينبغي له أن يستمر، بعد أن استعاد
المصريون وطنهم، وأصبحوا شركاء فيه
وليس مجرد ضيوف عليه. (2) هذا الذي ذكرته يمكن أن يشكل مدخلا
للمصالحة مع الذات. أما المصالحة
الأخرى المهمة فهي مع التاريخ
والجغرافيا، والأولى تتصل بهوية مصر
التي ترتكز على انتمائها العربي
والإسلامي، والثانية تتعلق بمسؤولية
مصر عن أمنها الوطني ودفاعها عن محيطها
الاستراتيجي. وللأسف فإن المسألتين
ظلتا محل لغط والتباس في ظل النظام
السابق، وصلا إلى حد المنازعة في
مقومات الهوية والمفاضلة بين مصر
والعالم العربي والتشكيك في طبيعة
التهديد الاستراتيجي، وما إذا كان
يتجسد في إسرائيل حقا، أم إن إيران
أصبحت تمثل ذلك التهديد. وهذه الخلفية
تسوغ لنا أن نقول إن الوهن والتشتت
اللذين عاشت مصر في ظلهما طوال
الثلاثين سنة الأخيرة على الأقل أحدث
خللا جسيما في الرؤية الاستراتيجية
أوصل العطب ليس فقط إلى مقومات استقرار
الوطن ومسيرته، بل أيضا إلى ثوابته
التي بها أو بدونها يقوم الوطن أو لا
يقوم. لقد آن للذين يتأففون من ذكر الانتماء
العربي لمصر وأولئك الذين ينفرون من
انتمائها الإسلامي أن يراجعوا أنفسهم،
ذلك أن هوية مصر لا ينبغي أن تخضع
للمساومة. بالتالي فلا ينبغي أن نتساءل
أو نتحفظ على مقومات هذه الهوية، وإنما
التساؤل ينبغي أن ينصب على كيفية
استثمار تلك المقومات بحيث تصبح مصدرا
للقوة والمنعة وليس عنصرا سلبيا يخصم
من رصيد الوطن ولا يضيف إليه. وإذا كانت
تركيا قد نجحت في توظيف المصالحة مع
التاريخ والجغرافيا لصالح مشروع
النهضة الذي تتقدم على طريقه الآن، فما
الذي يمنع مصر أن تتنكب الطريق ذاته،
خصوصا أن نهوضها سيعني في حقيقة الأمر
صحوة الأمة العربية كلها، بما يعيدها
إلى مجرى التاريخ الذي خرجت منه مصر
منذ انكسرت مصر وانكفأت، وتنكرت
للتاريخ والجغرافيا في فترة مظلمة من
تاريخها. (3) التصالح الذي أدعو إليه له وجه آخر، إذ
يقتضي مراجعة جادة للعديد من الأساطير
التي جرى الترويج لها في ظل العهد
السابق. ويحضرني في هذا الصدد موقف
تعرضت له خلال الأسابيع الأخيرة. فقد
استقبلت شابا جاءني لكي يجري حوارا ضمن
مشروع دراسي يعده. وكان أول سؤال وجهه
إلىَّ هو: هل تعتقد أن قطر تقف وراء
التظاهرات التي خرجت إلى ميدان
التحرير؟ فوجئت بالسؤال الذي لم
أتوقعه، ولم أنشغل بالإجابة عنه بقدر
انشغالي بمعرفة الخلفية التي جعلته
يفكر فيه ويستهل به الحوار، وحين
ناقشته في ذلك أدهشني أنني وجدته
مقتنعا بأن قطر تتآمر على مصر وأن قناة
الجزيرة أداتها في ذلك بالتالي. لم يكن تفكير الشاب استثنائيا، لأن
الانطباع الذي عبر عنه، له أنصاره في
بعض الأوساط المصرية. وكان الجديد فقط
ان ظنونه ذهبت في ذلك إلى أبعد مما
ينبغي. إذا أدركت أنه ليست هناك مشكلة من أي نوع
بين مصر وقطر، وأن المشكلة الحقيقية أن
الجهات الإعلامية والأمنية في النظام
السابق أرادت أن تعامل قناة الجزيرة
كما تعامل التلفزيون الرسمي المصري،
وأن ما كانت تبثه القناة عن مصر أقل
بكثير مما كانت تنشره الصحف المصرية
المستقلة والمعارضة، فسوف تكتشف أن
الأبواق الدعائية المصرية في دفاعها
عن النظام السابق، لم ينل بتشويه
الإدراك المصري وإحداث الوقيعة بين
الشعبين. الذي حدث مع قطر تكرر بصورة أقسى مع
الفلسطينيين الذين صورهم الإعلام
المصري الموجه باعتبارهم خطرا يهدد
أمن مصر ويسعى إلى ضرب اقتصادها، خصوصا
حين رفضت حركة حماس الوصاية المصرية
وتمسكت بالدفاع عن ثوابت القضية في
مواجهة حملة تصفيتها الجارية على قدم
وساق. وقد اشتدت تلك الحملة بعدما حاول
فلسطينيو غزة تجاوز بوابة رفح،
احتجاجا على الحصار الذي شاركت فيه مصر.
وكانت نتيجة التعبئة المضادة التي
تنافست وسائل الإعلام المصرية في
إطلاقها آنذاك ان تصور البعض ان العدو
الاستراتيجي هو فلسطينيو غزة وحركة
حماس تحديدا وليست إسرائيل. هذا المنطق المختل أدى أيضا إلى تخريب
العلاقات بين مصر وسوريا. وفي ظل ذلك
التخريب سكت الجميع على مفارقة مفجعة،
أدت إلى أن أصبح الطريق مفتوحا وممهدا
بين القاهرة وتل أبيب، في حين صار ذلك
الطريق مقطوعا بين القاهرة ودمشق. كما
ان أحدا لا يستطيع أن ينسى الأزمة
المخجلة التي ثارت مع الجزائر بسبب
مباراة لكرة القدم. وكانت نموذجا للخبل
السياسي الذي أصاب الإعلام بلوثه، حتى
أعلنتها أبواقه حربا شرسة وقبيحة
أوصلت العلاقات بين البلدين إلى
الحضيض. (4) من الأساطير التي شاعت أيضا في ظل النظام
السابق ان إيران عدوة لمصر، وأن حزب
الله يسعى إلى تخريبها وضرب اقتصادها.
والاسطورة الأولى كانت وراء القطيعة
المستمرة بين البلدين منذ قامت الثورة
الإسلامية في عام 1979، وحتى اللحظة
الراهنة. ولأنني واحد ممن تابعوا مسار
العلاقات بين القاهرة وطهران منذ
السنة الأولى للثورة، فإنني لم أجد
سببا مقنعا لا للقطيعة بين البلدين،
ولا لتصنيف إيران بأنها عدو لمصر. فهمت
أن ثمة عداء له ما يبرره بين إيران
الثورة وبين الأميركيين، وأن العداء
الأكبر قائم بينها وبين إسرائيل. لذلك
فإنه في غياب أية أسباب جوهرية
لاستمرار القطيعة والخصومة بين
القاهرة وطهران، فإن انحياز مصر إلى
موقف القطيعة لم يكن يفسر إلا بأنه يتم
بالوكالة عن الأعداء الحقيقيين. أدري أن ثمة خلافات سياسية بين البلدين،
وأن هناك ملفات عالقة بعضها عربي
والبعض الآخر أمني مصري، لكن من قال إن
العلاقات الدبلوماسية لا تقوم بين
الدول إلا في حالة الاتفاق بينها في كل
شيء. علما بأن الدول الأشد خلافا مع
إيران، مثل السعودية ودولة الإمارات،
تحتفظ بعلاقات دبلوماسية طبيعية مع
طهران. ومن المفارقات المثيرة للدهشة
في هذا الصدد ان التناقضات
الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل، التي
هي أكثر عمقاء وجذرية أمكن تجاوزها
بصورة نسبية، في حين أن التناقضات
الثانوية والفرعية بين مصر وإيران
تعذر حلها. تهديد حزب الله في لبنان لمصر اسطورة أخرى
جرى الترويج لها بعد اكتشاف دخول عناصر
من الحزب إلى مصر للبحث عن وسيلة
لمساعدة الفلسطينيين المحاصرين في غزة.
وقد جرى التهويل في هذه العملية التي
كان يمكن احتواؤها بسهولة، خصوصا أنه
لم يكن فيها أي شيء ضد مصر. وبعدما تولت
الأجهزة الأمنية نسج الأكاذيب التي
حولت العملية إلى مؤامرة، قام الإعلام
المصري بدوره في تشويه حزب الله وهجائه
بصورة مُسِفَّه ومقذعة. وانتهى الأمر
بمصر الكبيرة التي كانت لاعبا رئيسيا
في الساحة اللبنانية ان أصبحت طرفا
صغيرا فاقد الاحترام والاعتبار في
الصراع السياسي والطائفي هناك. الاسوأ
من ذلك أن اصطفافها جاء إلى جانب الطرف
المؤيد أميركيا وإسرائيليا وأوروبيا. اختم بأسطورة محور «الاعتدال» الذي قادته
مصر أو انتسبت إليه. إذ يكفى لتكذيبها
وإسقاطها أنه لم يحتف بذلك الاعتدال
المريب سوى الولايات المتحدة وإسرائيل.
بل يكفي لادانة الموقف المصري في هذا
الصدد ان رئيسها اعتبر كنزا
استراتيجيا لإسرائيل. وهي قرائن تدل
دلالة صارخة على أننا بصدد عنوان مغشوش
وضع فوق تجمع مشبوه. إذ ان ذلك التجمع
كان نموذجا لحلف جديد تورطت فيه بعض
الدول العربية لموالاة الدولتين
الراعيتين (الولايات المتحدة وإسرائيل).
الذي لا يقل خطرا عن ذلك ان الاصطفاف
إلى جانب ذلك «الاعتدال» المريب، كان
يعني مباشرة إدانة للمقاومة واستهجانا
للممانعة وازدراء للصمود، وتمهيدا
للطريق أمام الانبطاح الكامل في نهاية
المطاف. إن إزالة آثار العدوان «الوطني» على مصر
مهمة أصعب بكثير من إزالة آثار العدوان
الإسرائيلي» عليها. ==================== حالةُ الإنكار الليبية
وموازين «الخيانة المرفوعة الرأس»..!؟
راكان المجالي الدستور 15-3-2011 مطلوبّ من العالَم أن يقتنع ، بأنّ ما
يحدث في ليبيا "الجماهيرية" هو
عمليات ارهابية ، يقوم بها تنظيم "القاعدة"
العتيد ، بالاضافة الى مجموعة أخرى من
مدمني المخدرات ومتعاطي حبوب "الهلوسة"..،؟
، أو كما يوصفون في الولايات المتحدة
الأمريكية ب"كراك هيد". هذا ما
يقوله العقيد القذافي وأبناؤه ، منذ
بداية الاحتجاجات الشعبية الليبية ،
المطالبة برحيل النظام. وأنّ هؤلاء
ليسوا ليبيين ، بل عرباً وأجانبَ ،
وعلى رأسهم: المصريون والتونسيون
والفلسطينيون وغيرهم ، على حدّ تعبير
"الابن القائد" سيف الاسلام ، في
أول ظهور متلفز له ، بعد أيام من اندلاع
التظاهرات الليبية..،. لم يتنازل رأس النظام الليبي ، الخفي
والمتخفي ، وأركانه عن هذه الادعاءات
حتى اللحظة. وانما أجرى تعديلاً تقنياً
فقط ، حول ماهيّة هؤلاء المحتجين
الغرباء عن جماهيرية العقيد ، الذي "يحبّه
الشعب كله ، والمستعد للموت من أجل
حمايته"..، اذ يقوم التعديل التقني ،
والذي وجد من يسانده في أميركا
اللاتينية ، على لسان الزعيم
الفنزويلي "هوجو تشافيز" ، صديق
الزعيم القذافي ، بأن هذه الاحتجاجات
يقوم بها "جواسيس من المخابرات
المركزية الأميركية" ، من أجل
احتلال آبار النفط الليبية ، كما حدث
في العراق وفنزويلا وغيرها. ولم ينسَ
العقيد اضافة "جواسيس الموساد
الاسرائيلي" ، الى قائمة المخربين ،
الذين يعيثون ، في ليبيا الجماهيرية ،
فساداً وتخريباً. بهذا المنطق السياسي ، أو قُل الشعبوي
السياسي ، خاطب النظام الليبي ويخاطب
المحتجين ، من أبناء الشعب العربي
الليبي ، اضافة الى العرب والعالم.
وبمعنى آخر ، يُقرّ العقيد و"سيفُ
اسلامه" ، و"ساعدًه" ، و"سيفُ
عربًه" ، بأنّ هناك مجموعات تخريب
عربية وأجنبية ، تقتل وتفتك بالناس ،
ومن دون أن يعرف أحدّ منهم من أين جاء
هؤلاء. اذن ، فهؤلاء القتلة ليسوا
مرتزقة العقيد ونظامه ، الذين جلبهم من
أربع جهات الأرض ، وليسوا شُذّاذاً ،
أو "كلاباً ضالة" ، أو "جراذين"
ومسوخاً بشرية..،؟ ولكنهم يصبحون كذلك
وأكثر ، ويستحقون القتل والتطهير
والابادة ، بحسب منطق العقيد وسيوفه
العربية والاسلامية وسواعده ، حين
يدمجهم ذلك المنطق ، بكلّ محتجّْ أو
متظاهرْ ، أو غير موالْ لحُكم
جماهيريته ، تحت شعار النظام الأوحد:
"الله ، ومعمّر ، وليبيا.. وبَسّ"..،؟ هذا المنطق ، الذي يستغربه ويستهجنه الآن
العالم أجمع ، عرباً وأجانبَ ، هو من
صُلب منطق الفكرة السياسية الخفية ،
التي مكّنت عقيد الشعوب والأمم ، أن
يحكم بها ليبيا لأكثر من أربعة عقود. بل
ومنحته وهماً أنّ بامكان نظامه القيام
، من أجل حماية نفسه وديمومته ، بما لا
يستطيعه أي نظام عربي آخر ، من القمع
والفتك والابادة ، بما في ذلك امكانية
استخدامه لكلّ أنواع الأسلحة التي
بحوزته ، ومنها الأسلحة الكيماوية
والبيولوجية. وهو بالضبط ما أفصح عنه
خطابه ، بأنه "لم يستخدم القوة بعد ،
وسيستخدمها اذا دعت الحاجة" ، فهو
يقتل أعداءً جاؤوا لتدمير ليبيا ، وليس
شعبه الذي انتفض ضدّه وضدّ نظامه
وورثته ، من السيوف والسواعد..،؟ وهو ما
قصده سيفُ العقيد ، بقوله: "انّ
القذافي ليس حسني مبارك ولا زين
العابدين"..،. منطق سياسي شعبوي في الحكم يقوم على
الانكار ، أو للدقّة هو "حالة انكارْ"
شاملة: انكارّ لوجود السلطة ، وبالتالي
لوجود متسلطْ (أي هو). انكارّ لوجود
القمع ، فلا وجود لمن يقمع. انكارّ
لوجود قَتَلَة ، لأنه لا وجود لقاتلين
، فان غطّى وجودهم عين الشمس ، فهم
خارجيون غرباء ، وليسوا من أبناء
الجماهير ، التي تمارس سلطتها ، منذ أن
تنازل لها "ملك الملوك" عنها ، قبل
نحو عقدين ونصف العقد..،؟ حالةّ انكارْ
تجعل عيش المجتمع هو حالة ثورة دائمة ،
على كل شيء ، وعلى لا شيءْ في الوقت
نفسه. حالة انكار تختفي فيها السلطة ،
ويشعر الناس ، وهماً ، أنهم يحكمون
أنفسهم ، كما ردّد السفير الليبي ،
المنشقّ عن النظام ، في الصومال ، ومن
دون قصد: "أنا لم يعيّنني أحد ، أنا
صعّدتني الجماهير في المؤتمر الشعبي"
، وكما مارس المندوب الليبي ومساعده في
الأمم المتحدة ، وبعد شيءْ من التردد ،
وبدراية كاملة ، باعتبار أنهم يمثّلون
الشعب الليبي وليس نظام العقيد. حالةُ
انكارْ ، تُمكّنُ ملك الملوك ،
والجنرال الحامل لكلّ النياشين وشارات
البطولة العسكرية ، التي أنتجتها كلّ
المؤسسات العسكرية عند الأمم ، ومن دون
خوض أية معركة حقيقية ، وأمين الأمّة
العربية الأبدي ، أن يتخفّى مًن وًزرً
حمل أية سلطةْ أو قيادة أو زعامة ،
وبالتالي التحلّل من تبعات ومسؤوليات
تلك السلطة ، مع الاحتفاظ ، في الوقت
عينه ، بكلّ مقاليد وأدوات ووسائل
السلطة ومواردها ، باسم الزعامة
الأدبية والأبوّة التقليدية للجميع..،؟
ومَن لديه شكّ في ذلك ، فليشاهد
التلفزة الليبية هذه الأيام..،؟. لهذا ، ووفق حالة الانكار التاريخية
المزمنة ، الناظمة لفكرة حكم الجماهير
لنفسها ، كنظرية عالمية ثالثة ، للحكم
الأبدي الخالد ، بما يفوق الملكيات
بكلّ أنواعها ، ناهيكَ عن السلطنات
والامارات ، وغيرها من أنظمة الحكم
الشمولية ، فليس للأب القائد منصبّ ،
كي يستقيل منه ، ولو كان له منصباً ل"لَوّح
باستقالته منه في وجوههم.." ، أي
المحتجين..،؟ ولكن أوَ لم ينكر قبل قليل
، أو قُل أيام الثورة الشعبية الليبية
الأولى ، وجود محتجين ، مستبدلاً اياهم
بأجانب مخدرين وأفراد من القاعدة..؟،
لا بأس هنا من اعتبار ذلك سقطةّ أبوية
في الأداء ، المسرحي والسياسي ، في
تقمّص حالة الانكار ، لشدّة الصدمة
الانسانية ، في مواجهة انحلال الفكرة
وتحلّلها ، أو انكشافها دُفعةً واحدة. والحقُّ أن حالة الانكار هذه ليست
ابداعاً عربياً ، كما أن الجرأة
المطلوبة لنجاحها وتطبيقها ، وبالأخصّ
مواجهة الشعب وانكار رأيه ورؤيته ،
والاصطدام به ومواجهته ، في حالة
تمرّده وعصيانه ، وجدت سابقاتْ لها في
التاريخ. ف"يوليوس قيصر" ، الذي
واجه جماهير روما ، وعبر الخوف في نهر"ريبيكون"
، ليصل الى فرنسا(بلاد الغال) ، دشّن
أبرز محاولات التاريخ ، في مواجهة
القائد للشعب ومجلس شيوخه. وعلى الرغم
من توفّر عناصر كثيرة ، لنجاح محاولة
قيصر المُفارًقَةً ، من انتصاراتْ
وتوسيعْ للامبراطورية الرومانية ، قبل
نصف قرنْ من الميلاد ، فانّ حكم
التاريخ وطبائعه عاد ليُعَدًّل ما
اختلّ من موازينه ، لًيُقتلَ قيصرُ
اغتيالاً ، على يد أقرب المقرّبين اليه..،؟
فهل يتكرّر التاريخ بصيغةْ مختلفة ، في
الحالة الليبية ، ووفقاً لظروفها ،
باعتبار أنّ التاريخ لا يعيد نفسه ، أم
أن المتعجّلين ، أو قُل المتوجسّين ،
من تكشّف فضيحة شراكاتهم للسفّاح
الخبيث ، سيسارعون بأساطيلهم العسكرية
، لمنع التاريخ ومقاديره ، من تصحيح
موازينه ، بانهاء حالة الانكار
السياسي ، لنظرية الحكم الليبية
الشاذّة..؟،، أم أنّ تلك الحالة ستبقى
شامخةً ، في شذوذ انكارها وهذيانها ،
على هيئة "خيانةّ مرفوعةُ الرأس"
، على حدّ تعبير المفكّر العربي الليبي
الراحل الصادق النيهوم..؟،،. ==================== خطف الشعارات.. وخطف
الإرادة الشعبية د. محمد ناجي عمايرة الرأي الاردنية 15-3-2011 ثمة خيارات صعبة على الشعوب، كما هي على
الأنظمة السياسية الحاكمة، والقوى
السياسية الفاعلة على مستوى المجتمع
المدني ومؤسساته. ولا يستطيع كثيرون التوفيق بين الخيارات
التي تبدو - صورياً - متناقضة، ويُظن أن
الجمع بينهما من المستحيلات. في بدايات القرن الماضي، وما سبقه من عقود
كانت حركة الشعوب العربية بعد الثورة
العربية الكبرى ورحيل العثمانيين،
وخضوع الوطن العربي للانتداب
والاستعمار الأجنبي (الأوروبي) كانت
تلك الحركة توصف بأنها حركة تحرر وطني
وقومي من الاستعمار، وناضلت جميع
الشعوب العربية التي مزقت وحدتها
اتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو
وسواها، ناضلت من أجل التحرر من
الاستعمار القديم بأشكاله كلها، وكان
الخيار واضحاً والهدف واحداً، ولم تكن
هناك أهداف متناقضة أو متوازية أو
أسباب تعرقل الاجماع على هدف مقاومة
الاستعمار والوصول إلى الحكم الوطني
والاستقلال والدولة الوطنية. وفي ظل الدولة الوطنية كانت خيارات
الشعوب وأهدافها تتغير، نحو ترسيخ
الإرادة الوطنية والاستقلال، والتخلص
من الجهل والفقر والمرض وذلك بمزيد من
التعليم والخدمات الصحية والتنمية
الاقتصادية والاجتماعية. وكانت
العدالة الاجتماعية هدفاً رئيسياً
تلتقي تحته وتنتظم فيه مختلف الأهداف
الفرعية الأخرى... وكانت المطالبة
بالحريات العامة والديمقراطية وحقوق
الإنسان، تتأخر قليلاً في الأولويات
على المستوى الشعبي لتظل مطالب فئوية
أو نخبوية. وفي ظل هذه الأوضاع توافرت ظروف مواتية
وبيئة حاضنة لكثير من عوامل التسلط،
والفردية أو الحكم الفردي، أو حكم
الحزب الواحد في غياب الدساتير
والتشريعات والمواثيق التي تنظم
الحياة السياسية، وتحفظ حقوق الانسان
وتكفل له الكرامة الشخصية والوطنية
معاً. وفي هكذا احوال، كانت تنمو طبقات طفيلية
فاسدة ومفسدة، مالياً واخلاقياً، تخلت
عن القيم العامة واختارت الفائدة
والمنفعة والمصلحة الشخصية على حساب
الوطن والمجتمع والدولة. ونظراً لغياب
المؤسسات والقوانين، وشكلية الدساتير
الورقية التي لا تجد من يحفل بها، وفي
اطار مؤسسات وهياكل مفرغة من
مضامينها، وانتخابات مزورة سراً
وعلانية، وجدت فئات كثيرة فرصتها
للنهب والسرقة والاثراء غير المشروع،
كما وجدت قوى سياسية مختلفة نفسها في
مواجهة التحديات وهي لا تملك تنظيمات
متينة او استراتيجيات وخططاً للمواجهة
والتصدي للمشكلات المطروحة. وهذا كله
كان يهيئ من جديد للتدخلات الاجنبية
التي لم تعد عسكرية مباشرة، بل سياسية
واقتصادية عبر مؤسسات دولية وطروحات
عن الخصخصة واقتصاد السوق والاصلاحات
الاقتصادية التي تتبناها مؤسسات تثير
الشبهات كالبنك الدولي وصندوق النقد
الدولي، الى جانب هيئات وجمعيات غير
حكومية، اوروبية واميركية، لا يطمئن
الانسان المخلص الى نواياها واهدافها. امام هذا كله برزت الحاجة الشعبية الى
التعبير المباشر بالخروج الى الشارع
في مسيرات وتظاهرات تحمل شعارات
سلمية، وتطالب باصلاحات سياسية
واقتصادية واجتماعية شاملة، ثم لم
تلبث ان وجدت من يخطفها ويوجهها الى
اهداف اخرى، فاذا كل فرد يخرج الى
الشارع ويحمل لافتة كتب عليها: الشعب
يريد كذا ظاناً انه يستطيع-وحده-ان
يفرض رأيه الشخصي على الجميع، بالصوت
العالي، وبالوجه العابس والكف
المقبوضة! واذ ظهرت الحاجة الى الديمقراطية ملحة
واضحة، وهي حاجة لا يختلف بشأنها احد،
ظهرت الحاجة ماسة الى الامن
والاستقرار التي لا تكون بدونها تنمية
ولا ديمقراطية ولا اصلاحات، وهنا تبدو
صورة التناقض في الاهداف، خاصة وان
الاهداف الشعبية وجدت من يختطفها
ويحرفها نحو مصالحه الخاصة، في ظل
تدخلات واملاءات اجنبية باتت تقترب من
الوصاية المباشرة على الدول والشعوب
مجتمعة! وللحديث بقية.. ==================== د. وليد محمد السعدي الرأي الاردنية 15-3-2011 هل يعقل أن يتحرك المجتمع الدولي أو يحاول
أن يتحرك لوقف نزيف دماء المدنيين في
ليبيا والدول العربية لا تحرك ساكنا
إلا كلاما وتصريحات!! وهل يجوز أن يفكر حلف شمال الأطلسي «الناتو»
الغربي بفرض حظر جوي على سماء ليبيا
للحد من الفتك المتعمد بالأبرياء في
البلاد، ولا تفكر الأنظمة العربية
باستعمال قواتها الجوية لنفس الغرض!! أليس الاقربون هم أولى بالمعروف للحد من
القتل والدمار الذي حل بالبلد العربي
الغني بالثروات البترولية والفقير
بالقدرات السياسية لتجاوز المحن في
البلاد. لماذا كل هذه القوات الجوية العربية
والاستثمارات الضخمة فيها إذ لم يكن
جزء من مهامها التدخل السريع والفعال
لوقف حقن الدماء العربية؟ حتى هذه اللحظة لم تقم الدول العربية
قاطبة بأي تحرك أو تدخل للتصدي
للانتهاكات الإنسانية الخطيرة لحقوق
الإنسان في العالم العربي حتى وصلت إلى
مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد
الإنسانية أو الابادة الجماعية، ولم
يشهد التاريخ العربي لا المعاصر ولا
الماضي عن أي تحرك عربي لوقف ارتكاب
مثل هذه الجرائم الخطيرة في أي قطر
عربي. وطالما أن الدول العربية قد رأت أن اللقاء
بينهم أصبح ضروريا بعد تأزم الأوضاع في
ليبيا وربما في اليمن وغيرها من الدول
العربية المهددة بالاضطرابات
والانتفاضات الشعبية العارمة، فلماذا
لا يوضع في الحسبان التدخل العسكري
العربي لهذه الغاية، طالما أن الهدف هو
التصدي لانتهاكات خطيرة للقانون
الدولي الإنساني بشكل خاص، ومبادىء
حقوق الإنسان بشكل عام بدلا من
الاعتماد على دول أجنبية للقيام بمثل
هذا الجهد الإنساني. وطالما أن معظم الدول العربية قد أبدت
تفهما وقبولا لتحرك أجنبي لفرض حظر جوي
على ليبيا فما المانع إذا من أن تبادر
وتشارك الدول العربية بهذا الجهد
الإنساني بدلا من أن تبقى مكتوفة
الأيدي وتقف موقف المتفرج على ما يحدث
في داخل بعض الدول العربية المهددة
شعوبها بخر وقات عنيفة للقوانين
والأعراف الدولية. طبيعي أن جامعة الدول العربية في ظروفها
الحالية وقواعد اتخاذ القرارات فيها
لا تشجع على القيام بأي جهد عربي جماعي
لهذه الغايات، وهنا يكمن التحدي
الأعظم أمام العالم العربي إذ بدون
آلية عربية جماعية فعالة فلن يكون
للعالم العربي قائمة على الساحة
الدولية يهتدى به إقليميا أو دوليا. ==================== اليابان نموذج يحتذي -
المحامي محمد ابو جبارة الثلاثاء, 15 آذار 2011 05:10
السبيل تخيلوا معي لو أن الزلزال الذي ضرب
اليابان بقوة 8.9 درجة على مقياس ريختر
ضرب دولة من دول العالم الثالث أو حتى
دولة أوروبية، فما الذي سيحدث آنذاك؟
سيكون القتلى بمئات الآلاف وكذلك
الجرحى والمشردون، كما حدث في تسونامي
2004 في تايلند وجنوب شرق آسيا الذي أودى
بحياة 350.000 ألف إنسان تقريباً. لقد هالني منظر التسونامي الذي ضرب
اليابان قبل يومين، وظننت للحظة أن ما
حصل لحظات من يوم القيامة؛ إذ في ثواني
معدودة تحرك مركز الأرض (9) درجات عن
محوره وغرقت مدن وقرى بمياه البحر
وتمزقت الحياة الآمنة، وأصبح عشرات
آلاف اليابانيين في العراء رغم أنهم في
اليابان. وحينما أقول في اليابان،
فإنني أعني ما أقول. فالشعب الياباني
هو من أكثر شعوب الأرض رقياً وحضارة،
وللعلم فاليابان عبر التاريخ تعرضت
لنكبات وحروب وكوارث لم تتعرض لها أي
منطقة في العالم، ورغم ذلك استطاعت أن
تخرج أقوى مما كانت عليه قبل تلك
النكبات. والسبب إرادة هذا الشعب العظيم الذي تمسك
بالعلم والتكنولوجيا وبالديمقراطية
الحقة والحكم الرشيد. إن الدولة أي دولة حينما تصهر كل فئات
الشعب في بوتقة واحدة، ويعيش بها
الجميع متساوين في الحقوق والواجبات
وتحت مظلة القانون والمؤسسات، ويتم
تداول السلطة فيها عبر صناديق
الاقتراع بشكل سلمي وديمقراطي تستطيع
ان تجتاز بجدارة أي كوارث مهما كانت
كبيرة حين حدوثها. والعكس صحيح أيضاً
في الدول الفاشلة التى لا تحكمها
المؤسسات ولا تخضع لسيادة القانون،
ولا يشعر مواطنوها بالأمن والأمان
الاجتماعي والسياسي فإنها تكون دولة
هشة ضعيفة غير محصنة وغير قادرة على
مواجهة عاصفة ثلجية كبيرة. لنتعلم من
هذه كيف نشق طريقنا لنستخلص الدروس
والعبر من النموذج الياباني، ونتعلم
كيف تكون هذه الشعوب والدول الراقية
لكي نتمكن من السير نحو المجد. فهذه هي
اليابان لم تواجه كارثة بحجم الزلزال
المدمر فقط بل انها تواجه كوارث مخاطر
الانفجارات النووية في أكثر من مفاعل
نووي، ومع ذلك فإنها لم تدب الصوت
وإنما باشرت بهدوء توزيع اليود
والملابس الواقية ونشر الفرق الطبية
للمساعدة الفورية والجيش الذي هو جيش
الشعب لمساعدة الشعب وتضميد جراحه فهل
نستلهم الدرس الياباني؟! ==================== ميشيل كيلو 2011-03-14 القدس العربي لم يفرق عقلنا
السياسي بين الجيش والمؤسسة العسكرية.
لو انك ذكرت اسم الجيش والمؤسسة
العسكرية أمام عشرة من العرب، وسألت عن
الفارق بينهما، لأجابوك جميعهم على
الأرجح بأنك أمام الشيء ذاته، وأن لا
فارق بينهما: فالجيش مؤسسة عسكرية
والمؤسسة العسكرية جيش. لكن هذا ليس صحيحا. هناك فروق كثيرة بين
الجيش والمؤسسة العسكرية، أهمها
موقعهما من النظام السياسي وداخل
الدولة ووظائفهما، فالجيش يخضع لحكومة
شرعية تحدد دوره فيكون مسؤولا أمامها
وخاضعا لرقابتها، بما أنه يحمي وطنه
ولا يتدخل في تقرير سياساته وتحديد
خياراته، مع أنه قد يبدي رأيا خبيرا في
بعض المسائل، إذا ما طلبت الحكومة ذلك
منه. عندما نقول الجيش، فإننا نعني
جهازا رسميا يحتكر امتلاك السلاح
والعنف في الدولة التي ينتمي إليها،
يكلفه الدستور بحماية أراضيها
وسيادتها ضد أعدائها الخارجيين حصرا،
دون أن يكون طرفا في الصراعات السياسية
التي توجد داخلها، ويتم تنظيمها وحلها
بالأساليب القانونية والشرعية، التي
يضمنها القانون وتعتمدها إدارة سياسية
منتخبة قائمة على توازنات دقيقة ليس
الجيش طرفا فيها، مع أنه مكون رئيسي في
الدولة، بما في ذلك نمطها التمثيلي /
الانتخابي. الجيش للوطن، وليس لأي
تكوين جزئي من تكويناته حزبيا كان أم
رسميا. وليس له من عمل غير إعداد نفسه
للدفاع عن الوطن والشعب في إطار
إستراتيجيات سياسية ترسمها الحكومة
القائمة، يترجمها هو إلى إستراتيجية
عسكرية تحمي مصالح الدولة العليا ضد
الخارج، فإن حدث ولعب دورا داخليا، وجب
عليه ممارسته في إطار القانون ولمدة
محددة ومهام بعينها، ينجزها على
مسؤولية الحكومة التي كلفته بتنفيذها. بدورها: المؤسسة العسكرية جهاز مسلح
مختص، يحتكر السلاح والعنف، لكنه يرى
في حكم بلاده وليس في الدفاع عنها
مهمته الرئيسية، فهو يستخدم سلاحه
داخل وطنه بالدرجة الأولى، ويعتبر
الدفاع عن الوطن، وهو مهمة الجيش
الرئيسية، مسألة ثانوية وتالية
بالنسبة إلى مهمته السياسية الداخلية،
التي تلزمه باحتلال مجمل المجال
السياسي داخل بلاده، وبحصر مجمل جهده
في ممارسة السياسة والتدخل فيها، ورفض
أية توازنات داخلية تحد من سلطته،
سياسية كانت أم غير سياسية، بما أنه
يعمل دوما لبلورة موازين قوى داخلية
تخلو من أي توازن، ويرفض أي نظام
تمثيلي يتعين بإرادة غير إرادته،
ويتمسك دوما على وجه التقريب بسيطرة
حزب واحد وأيديولوجية واحدة، ويضع
الدولة تحت تصرفه، ويضيق ذرعا بكل ما
يمكن أن يفك قبضته عن السلطة والمجتمع.
بوظيفتها هذه، تمارس المؤسسة العسكرية
دورا يعين كل شيء في بلادها، هو أقرب
إلى مهام الأمن والشرطة منه إلى حماية
الوطن، يوحي بأن خصمها ليس خارجيا بل
هو داخلي، وأنها هي التي تضع
الإستراتيجية السياسية، التي يجب أن
تلزم كل من هو داخل مجال سيطرته
المطلقة. ليس الجيش والمؤسسة العسكرية متماثلين،
بل هما مؤسستان متشابهتان ظاهريا
متناقضان في الجوهر. لو نظرنا إلى
تاريخنا الحديث لوجدنا الجيش الذي
يفقد صفته بمجرد أن يصير مؤسسة عسكرية
حاكمة، والمؤسسة العسكرية الحاكمة
التي تتحول إلى جيش بمجرد أن تنظم
أمورها وترى نفسها بدلالة حماية الوطن
والدفاع عن الشعب، وتلتزم بقدر من
المهنية يبقيها خارج أية فاعلية
سياسية مستقلة أو مباشرة. وإذا كان قد
حدث شيء من التداخل بين التكوينين في
الماضي، حين انقلبت مؤسسة عسكرية
تنفرد بالحكم إلى جيش تولى الدفاع عن 'دار
الإسلام'، كما حدث مثلا في الحقبة
الأيوبية، خلال الحروب التي خاضها ضد
الفرنجة وأدت إلى إخراجهم منها، فإن
هذا الواقع تغير مع تشكل الكيانات
الوطنية الحديثة، القائمة على فصل
السلطات والتخصص، والتي لم تعتبر
الجيش سلطة وإنما وضعته خارج جميع
السلطات: التنفيذية والتشريعية
والقضائية، وأخضعته للسلطة التنفيذية
(وفي بعض البلدان للتشريعية أيضا)،
وجعلته أداة بيدها يتلقى أوامره منها
وينفذ إستراتيجية رسمتها هي، تمنعه
المهنية والتخصص وطبيعة مهامه، وكذلك
قوامه الخاص، من التدخل في الشأن
السياسي. وليس سرا أن جيشا جبارا
كالجيش الألماني نفذ إستراتيجيات
وضعتها سلطة قادها شخص كان عريفا فيه (وليس
جنرالا كبيرا) هو أدولف هتلر، وأنه حظي
بطاعة الجنرالات بمجرد أن نال أغلبية
انتخابية وصار مستشارا للرايخ
الألماني، علما بأن من نفذوا أوامره
والتزموا بخططه كانوا غير موافقين في
حالات كثيرة على ما يفعل ويخطط، لكنهم
تقيدوا بما رأى وقرر حتى النهاية
احتراما 'للشرعية الانتخابية'، التي
مثلها. واليوم، وفي لحظة الانعطاف التاريخي التي
نعيشها ونعول كثيرا عليها، نرى أنفسنا
أمام مشكلة مهمة جدا، لعب غموضها دورا
خطيرا في تاريخنا الحديث، تتعلق
بالفارق بين الجيش والمؤسسة العسكرية،
الذي يجسده وقوف جيشي تونس ومصر على
الحياد بين الثائرين والنظام الحاكم،
ورفضهما تنفيذ أوامر صدرت إليهما بقمع
الثورة، لأنهما لم يكونا، كجيشين،
طرفا في الصراعات الدائرة، ولأن
وقوفهما ضد الشعب كان ينافي مهمتهما في
الدفاع عنه باعتباره مصدر شرعية أي
سياسي أو حاكم، فإن فقد ثقة الشعب فقد
في الوقت نفسه الحق في أن يقف جيش الوطن
معه، وإلا تحول إلى مؤسسة عسكرية،
مثلما هو حال الجهاز العسكري المسلح في
ليبيا القذافي، الذي قبل أن يكون طرفا
في صراع سياسي داخلي بين حاكم فرد يرى
شرعيته في الغلبة والقسر، وبين شعب ثار
عليه، وتبنى موقف الحاكم، كأنه هو وليس
الشعب مصدر الشرعية والسيادة. بينما
غلب الجيشان التونسي والمصري طابعهما
كجيش على النزوع إلى الحكم، الكامن في
كل جيش، وتعهدا أن لا يحكما بلديهما
بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو يتدخلا
في السياسة بعد استكمال الانتقال إلى
النظام الديمقراطي وحكم القانون،
وغرقت مؤسسة ليبيا العسكرية في سياسات
معادية للشعب هناك، مصيرها الفشل
والإخفاق، تبدو كأنها لا تدرك فداحة
الثمن الذي ستدفعه في وقت غير بعيد. ثمة في جوارنا تجربة تستحق أن يتوقف المرء
عندها، هي تحول المؤسسة العسكرية
التركية إلى جيش في ظل حزب التنمية
والعدالة، الذي تولى الحكم بانتخاب
شعبي حر، ليجد مؤسسة عسكرية لديها سلطة
موازية، تراقب الحكومات المنتخبة
والحياة السياسية، وتعترض على ما لا
يروق لقيادتها بذريعة الدفاع عن تركيا
وحماية وحدتها الداخلية وأمنها القومي.
وكانت سيطرة الجيش قد اتخذت طابعا
مؤسسيا من خلال ما عرف ب' مجلس الأمن
القومي '، الذي يضم عددا كبيرا من
العسكريين وقليلا من السياسيين،
ويتولى تقرير شؤون البلاد والعباد،
ويعطي نفسه حق نقض قرارات الحكومة، قام
أكثر من مرة بإلغاء نتائج الانتخابات
متجاهلا أنها تجسد إرادة عامة هي في
الدول المتحضرة مصدر أية سلطة وشرعية.
واليوم، تغير الوضع واقتربت العلاقة
مع الحكومة المنتخبة من علاقة جيش
بحكومته، وفقدت المؤسسة العسكرية
الكثير من طابعها القديم، واقتربت من
الطابع الذي يحمله الجيش في الدولة
الحديثة، حيث تدور حياته كلها في
الثكنات وميادين التدريب، ولا يتدخل
في السياسة ويلتزم بالشرعية التمثيلية
المستندة إلى إرادة الشعب كما تعبر عن
نفسها في صناديق الاقتراع والانتخاب،
ويقننها الدستور : السيد الوحيد في
الدولة، الذي يخضع له الجميع. ذات يوم من عام 1962، وكنت طالبا في جامعة
مونستر بألمانيا (الغربية آنذاك)،
استدعي مفتش الجيش الألماني، أي كبير
جنرالاته، للشهادة أمام مجلس النواب
في مسألة بالغة الحساسية تتعلق بنشر
وثائق تخص حلف الأطلسي وتتضمن خططه
السرية للهجوم على ألمانيا الشرقية.
وقف الرجل أمام النواب، بعد أن أدى
التحية العسكرية لرئيس مجلسهم، وأخذ
يتحدث عن الوثائق من الجانب العسكري. وعندما أضاف أن نشرها يؤثر على علاقاتنا
مع بقية حلفائنا في حلف الأطلسي، قاطعه
رئيس المجلس وقال له بحزم: أنت تتجاوز
الآن صلاحياتك، لقد دعوناك كي نسمع
رأيك بصفتك خبيرا عسكريا مهنيا ولم
ندعك كسياسي. عد من فضلك إلى مقعدك. رفع
الرجل يده بالتحية العسكرية من جديد،
وعاد إلى مقعده بين الشهود. حدث هذا
أمام التلفاز وشاهده شعب ألمانيا
بأسره، دون أن تنزل الدبابات في اليوم
التالي إلى الشوارع، أو يدافع أحد عن
موقف الجنرال أو يقول إن رئيس المجلس
أهان الجيش!. من الضروري إلى أبعد الحدود أن تقف ثورة
العرب الحالية عند هذه المسألة المهمة:
تحويل المؤسسات العسكرية العربية إلى
جيوش تحمي أوطانها وتدافع عن وحدة
شعوبها ودولها، ولا تحكمها مباشرة أو
تتحكم من بعيد بمصيرها. إذا كان موقف جيشي تونس ومصر من الثورة ضد
النظام، ورفضهما الدفاع عن شخص الحاكم
ضد شعب تمرد عليه هو بشرى خير، فإن
تحويلهما إلى جيشين محترفين ومهنيين
هو شرط ضروري لنجاح الثورة الشعبية
الديمقراطية، ولتحول الدولة إلى قوة
تنمي حرية المواطن وتكفل حقوقه، بعد أن
كانت خلال فترة طويلة جدا من تاريخنا
خاضعة لمؤسسة عسكرية تحولت إلى مصدر
بؤسه واحتجاز تقدمه وحريته!. ==================== في ما يتعلق بخصوصية
الثورات العربية! الثلاثاء, 15 مارس 2011 أكرم البني * الحياة يحلو للبعض المقارنة بين موجة الثورات
التي حصلت في أوروبا الشرقية أواخر
القرن الماضي وبين الثورات التي
يشهدها العالم العربي اليوم، ربما
تيمّناً بما عرفته تلك الثورات
المخملية من سهولة ويسر في إسقاط أنظمة
الاستبداد، وربما بدافع الرغبة في
تكرار ما حصل هناك وبأن تشهد مجتمعاتنا
بالتسلسل تحولات تصل إلى قلب الخريطة
السياسية رأساً على عقب. وإذ يحدونا
الآمل بأن تنجح المنطقة العربية
برمتها في الانتقال الى الديموقراطية
بأقل مكابدة وآلام، لكن الأمر ليس
بالرغبات والنيات، فثمة خصوصية لما
يجرى هنا، يفترض أخذها في الاعتبار،
وعلى الأقل في نقطتين: الأولى، إن المتغيرات التي شهدتها أوروبا
الشرقية جاءت في أهم أسبابها بفعل تفكك
منظومة الدول الاشتراكية وانكماش ضابط
الإيقاع السوفياتي الذي أحكم قبضته
على تلك البلدان وأجهض غير ثورة فيها،
وأهمها ثورتا هنغاريا (1956)
وتشيكلوسوفاكيا (1968)، وبالتالي ما كان
لشعوب تلك البلدان أن تكسر جدار الخوف
وتندفع إلى الشارع وتنجح في تغيير
الواقع القائم لولا التغيير الموازي
الحاصل في الاتحاد السوفياتي نفسه،
وما يعنينا من هذه المقاربة هو أن تلك
التحولات الديموقراطية حظيت بفرصة
نادرة لتتقدم إلى الأمام من دون عوائق
أو خوف من ثورة مضادة تتحين الفرصة
لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولم
يكن أمام رجال العهد البائد وقد رفع
الاتحاد السوفياتي الغطاء
الأيديولوجي والسياسي عنهم، سوى
التسليم بالأمر الواقع وترك الميدان
لقوى التغيير الصاعدة. الحالة مختلفة في الثورات التي تشهدها
مجتمعاتنا، فهي نهضت بفعل عوامل
داخلية أساساً وبسبب تفاقم معاناة
الشباب الثائر في بحثه عن لقمة عيشه
وكرامته وحريته ربطاً بحالة غير
مسبوقة من الاستبداد والقهر واستشراء
الفساد أفضت الى تخريب البنى الوطنية
وامتصاص طاقاتها لحساب ثلة من أصحاب
النفوذ والامتيازات، وهذه الأخيرة
يسكنها هاجس الخوف من مصير غير محمود
في حال أزيحت عن مواقعها، ما يضع
انتفاضات الشعوب العربية في حالة
تصادم مع أنظمتها ومع ثورة مضادة لا
تعرف السكينة! وعلى رغم أن الثورتين التونسية والمصرية
انتزعتا مكاسب مهمة على صعيد الحريات
ونجحتا في إسقاط رأسَي النظام إلا
أنهما لا تزالان تقفان، وبدرجات
مختلفة، عند عتبة لمعركة شديدة
الأهمية وربما طويلة الأمد ضد قوى
مضادة تملك من الإمكانيات والعلاقات
ما يمكنها من إجهاض الحراك الثوري
وتمييع شعاراته، وبالقياس إلى التجربة
التونسية التي نجحت في تحقيق قطع أوضح
مع الماضي، تعترض التجربة المصرية
مخاطر أكبر، إذ لا يزال إيقاعها
السياسي مشتتاً وتفتقر لقيادات مجربة
وموحدة، ثم إن الجيش المصري الذي يقود
المرحلة الانتقالية هو في صلب العملية
السياسية منذ تسلم السلطة عام 1956 وواحد
من أعمدة النظام، ما يفسر سبب استمرار
البطء والتلكؤ في أدائه العام وفي
تنفيذ استحقاقات التغيير! لقد فعل شباب الثورة عين الصواب في
إصرارهم على استعراض قدرتهم على
التظاهر حين تدعوهم الحاجة والضرورة،
ونجحوا في التقدم خطوة جديدة للقطع مع
الماضي عبر إزاحة حكومة أحمد شفيق، لكن
ليس من قبيل المبالغة القول إنه لا
يزال هناك نفوذ فاعل لقوى النظام
القديم في الكثير من المؤسسات
والمراكز المهمة، وثمة أعوان ومرتزقة
لا يزالون أحراراً في حركتهم ويضمرون
شراً للثورة وللثوار، ما يتطلب الى
جانب اليقظة والحذر من أية محاولة
لتشويه الثورة أو الالتفاف على
مطالبها، الإسراع في بناء المؤسسات
الديموقراطية القادرة على محاصرة
هؤلاء الأعداء وعزلهم. النقطة الثانية، نهضت ثورات أوروبا
الشرقية في مجتمعات حسمت خيارها
الحضاري، وأنجزت نهضة ثقافية تستند
الى فلسفة التنوير والإصلاح الديني،
ما مهّد الطريق لترسيخ قواعد الحياة
الديموقراطية فيها، بينما تقوم
الثورات عندنا في مجتمعات عاجزة عن حسم
خيارها التاريخي ومضطرة لإنجاز مهمة
الإصلاح الديني، فلا ضمان لنجاح
العملية الديموقراطية وتطورها من دون
نشر ثقافة التنوير وبناء علاقة صحية
بين الدين والسياسة. بالطبع ثمة مخاوف مشروعة نمت خلال عقود
طويلة من التجربة السلبية من أن تكون
التحولات الديموقراطية في مجتمعاتنا
فاتحة لحقبة جديدة من سيطرة أصحاب
الأيديولوجية الشمولية الدينية،
بخاصة أن الكتلة الأعظم من الإسلاميين
لا تزال تحجم عن الانخراط الإيجابي في
الحضارة الحديثة، وثمة شكوك حول صدقية
مواقفها من العملية الديموقراطية بسبب
بنيتها الفكرية التأسيسية القائمة على
العصبية وعلى مشروع الدولة الدينية،
وتأتي تجاربها، في السودان وغزة
والجزائر، لتزيد الشكوك حول قدرة هذا
التيار السياسي على أن يكون
ديموقراطياً حقاً ويأخذ الديموقراطية
كغاية مجتمعية وليس مجرد وسيلة توصله
إلى الحكم وينقلب عليها بالقوة
والإرهاب. صحيح أن التيارات الإسلامية كانت أول
المستفيدين من الثورات الحاصلة، فقد
حازت الشرعية بعد إلغاء الحظر، وأطلق
سراح سجنائها، وفتحت الأبواب أمام
نشاطاتها، ومنحت فرصة ثمينة لتوظيف
الشعائر الدينية الجماعية في ميادين
الاعتصام لتوحي بأنها الأقوى شعبياً،
وصحيح ما يؤخذ على الإسلاميين في
تعاطيهم مع السلطة والرأي الآخر خضوع
معاييرهم لمفاهيم التكفير والتمذهب
الفقهي ما يجعل مستقبل بناء
الديموقراطية مهدداً، لكن الصحيح
أيضاً أنه لا يمكن القفز بقرار عن واقع
حي نعيشه، أفرز لشروط وأسباب أغلبها
طارئ، جماعات حزبية لا تزال تجد خلاصها
في هذا المستوى أو ذاك من العلاقة بين
الدين والسياسة، الأمر الذي يتطلب إلى
جانب احترام اجتهادها، الرهان على
قدرة هذه الجماعات أو بعضها على تجاوز
حالة الارتباك في حسم خيارها الحضاري
ودخول العصر الحديث، تأثراً بالمناخ
العالمي الراهن وبالحصاد المرّ لتجارب
الاستبداد الديني في غير مكان ومحلة،
وأيضاً بتجارب أمم أخرى، كتركيا
مثلاً، التي مكنها حسم موقعها الحضاري
من إنجاح مساراتها التنموية وحياتها
الديموقراطية. إن تيارات الإسلام السياسي وبصرف النظر
عن الاسم الذي ستتخذه أو الرداء الذي
ترتديه، معنية قبل الجميع بإيضاح
نفسها وإظهار التمايز بين الديني
والسياسي فيما يتعلق بالوصول إلى
السلطة وممارستها وتداولها، وتالياً
إثبات صدقيتها في بناء الدولة المدنية
الحديثة والتزامها بالمبادئ
والشعارات الديموقراطية التي رفعتها. وبالنتيجة فإن القصد ليس نثر بذور القلق
والتشاؤم، بل التنبيه الى مخاطر جدية
تعترض عملية التحول الديموقراطي في
بلداننا والتي في حال أخذت في الحسبان
ستخفف الكثير من آلام الولادة وتصنع من
ثورات ناجحة أمثلة يحتذى بها، إنه
القبول بالرهان على عقول مجتمعاتنا
وخاماتها الطيبة في بلوغ المثال
الديموقراطي بدل التعلق بنماذج
الآخرين! ==================== الثلاثاء, 15 مارس 2011 حازم صاغيّة الحياة غريبة مشكلتنا مع الغرب والسرعة التي
تفيض بها من الخلاف السياسيّ إلى
الخلاف على كلّ شيء. حين حدثت الثورة الإيرانيّة في 1979، سارعت
الأقلام والعقول، لا إلى إعلان موت «هيمنة
الغرب»، بل أيضاً إلى الإعلان عن موت
قدرته على المعرفة والفهم: فعلومه
الاجتماعيّة سريعاً ما نُصبت مشانقها
لأنّ ساحات طهران أبانت «قطيعة
معرفيّة» مع ذاك الغرب غير الفاهم. وليس غريباً أن تنطوي أزمنة التحوّل على
جرعات رؤيويّة مرشّحة لأن تنفلت من كلّ
عقال. هكذا يتقدّم العالم في لحظاته
الساخنة بوصفه شيئاً يسقط بالكامل
مقابل شيء لا يرضى بأقلّ من الاستحواذ
على السماء. أمّا التاريخ فيرتدّ إلى
موت وقيامة، أو بداية ونهاية. لكنْ حين
يكون المستهدَف بهذه الرؤيويّة هو
إيّاه، الغرب، مرّة بعد مرّة، فهذا ما
يحيلنا عيّنةً عياديّة يلزمها الطبّ
أكثر ممّا تلزمها السياسة. ذاك أنّ
الغرب ما دام لا يتكشّف إلاّ عن قصور في
الوعي وخطأ في الإدراك، فلماذا هذه
المسارعة إلى السجال معه، مرّةً بعد
مرّة، ولماذا إتعاب القلب وتجديد
اكتشاف الجهل الغربيّ للمرّة الألف،
فيما الحدث الذي فجّر الاكتشاف لا يزال
يحبو، مجهوله أكثر كثيراً من معلومه؟. أغلب الظنّ أنّ الطفل، هنا أيضاً، يُكثر
الصراخ الاحتجاجيّ كي يُسمع أباه. وهي
الأبوّة التي لا تشذّ عن الإقرار بها
أكثر الحركات راديكاليّةً وممانعة، من
«حماس» إلى «حزب الله»، حين يغدو
طموحها، وهي تنتصر أو تتوهّم ذلك، أن «تحاورها»
أميركا وأوروبا. وما يصحّ في المنظّمات
يصحّ في الأنظمة الممانعة هي الأخرى،
التي ما إن يهدأ صراخها حتّى «تتّصل
بعواصم القرار» أو توسّط معها الوسطاء. يقال هذا الكلام لأنّ شبّان تونس ومصر ما
إن نزلوا إلى الميدان حتّى راحت العلوم
والنظريّات تنهار على أيدينا عِلماً
عِلماً ونظريّةً نظريّة. أمّا «الثوّار»
القدامى، من غير التونسيّين
والمصريّين، فسارعوا إلى استشراف
الهزائم التي ستحلّ بأميركا في قريب
عاجل. ذاك أنّنا، أقلّه منذ «دحضَ»
أحدنا المكتبة الاستشراقيّة العظمى،
لا نكفّ عن تبليغ أنفسنا الرسالة
إيّاها: الغرب لا يفهمنا ولا يملك عدّة
فهمنا. وهذا ما كان حريّاً بدفعنا إلى
تطوير علوم نفهم بها أنفسنا، حتّى لا
نطالب بتسليطها على الغرب بحيث نردّ له
الصاع صاعين و... نفهمه! لكنّ هذا ما لم يحصل. وتكفي نظرة مقارنة
سريعة إلى أحوال جامعاتنا وجامعات
الغرب، وإلى وجهة التعلّم السائرة من
الجنوب إلى الشمال، كما موسم الطيّب
صالح، كي نقول إنّها لن تحصل في القريب
المنظور. والحال إنّ مهمّة كهذه لا تغدو ممكنة إلاّ
حين يُبدأ بنسيان الغرب، ولو قليلاً،
وبالإجابة عن أسئلة تخصّنا، وهناك
منها الكثير. أوليس حريّاً بنا، مثلاً،
أن نفهم لماذا تأخّرت الثورات كلّ هذا
الزمن الذي تأخّرته؟، ولماذا تحوّلت،
على ما تدلّ الاختلافات القائمة
بينها، مرايا لاختلاف مجتمعاتها؟،
ولماذا ظهرت إيديولوجيّاتنا الفاهمة
جدّاً، الاسلامويّة والعروبيّة
واليساريّة، في مظهر من لا يفهم شيئاً؟.
أوليس حريّاً بنا أن ندرك لماذا يعجز
العالم العربيّ عن التدخّل في ليبيا
بما يقطع الطريق على تدخّل غربيّ لا
نريده؟ أو أن ندرك سرّ هذا البطء الذي
تؤرّقه الحيرة: أمَوتُ الليبيّين أسوأ
أم تدخّل «الأجنبيّ»، فلا نجيب ب «نعم»
للتدخّل إلاّ حين تغدو ال «لا» فضيحة
مطنطنة؟. وفي النهاية يبقى الفعل، وهو
هنا التدخّل، مهمّة الغرب الذي لا يفهم.
أمّا نحن، فمهمّتنا «التعليق» على «الخبر»
الذي يصنعونه! ==================== اقتصاد الدول العربية
يمر بمرحلة انتقالية الشرق الاوسط 15-3-2011 ديفيد اغناتيوس بعد سطوع شمس الربيع على الدول العربية،
يأتي الظل القاتم، فمن المتوقع أن
تواجه مصر والدول الأخرى في الشرق
الأوسط التي تشهد تحولا نحو
الديمقراطية مشكلات اقتصادية خطيرة
خلال الأعوام القليلة المقبلة قد تؤدي
إلى فوضى إذا لم يتخذ العرب والدول
الغربية الصديقة موقفا حكيما. من جهة البعد الخاص بالتحول الاقتصادي،
يمكن التفكير في خطة مارشال التي أعقبت
الحرب العالمية الثانية، لكن بعد
إضافة بعض العوامل المعقدة إليها. لا
يمكن للولايات المتحدة والكثير من
حكومات الدول الأوروبية التي قد تمول
مثل هذا البرنامج تحمل تكلفته. كذلك
ليست لهذه الدول الديمقراطية الجديدة
حكومات تدير المعونات، ولن تتمكن على
الأرجح من القيام بذلك لشهور. ومن
المرجح أن يتردد العرب في قبول
المساعدة، خاصة إذا كانت ذات صلة
بالولايات المتحدة. كذلك هناك بعض دواعي القلق خلال فترة ما
بعد الثورة، فقد يكون كثير من
المبادرات التي ستلقى تأييدا شعبيا
مثل زيادة أجور كافة الفئات والدعم
الحكومي جيدة من الناحية السياسية،
لكنها ليست كذلك من الناحية
الاقتصادية. فالقطاع العام في دول مثل
مصر وتونس ضخم للغاية، لذا سيمثل أي
توسع به ضغطا، خاصة مع اتجاه الأزمة
الاقتصادية نحو الأسوأ. يقول مروان المعشر، وزير الخارجية
الأردني الأسبق نائب رئيس معهد
كارنيغي للسلام الدولي: «التحدي الذي
تواجهه مصر ودول عربية أخرى هو كيفية
الاستمرار في الإصلاح دون أن تضطلع
الدولة بالدور الأكبر في إدارة عجلة
الاقتصاد». لقد كانت أسابيع
الاحتجاجات في ميدان التحرير مدرسة
لتعليم الديمقراطية، لكنها أدت إلى
ركود اقتصادي، فالمصانع كانت متوقفة
عن العمل، وكذلك المصارف والأسواق،
وألغى السياح رحلاتهم. يقول المصرف
الدولي: إنه ليس لديه أي توقعات يمكن
الاعتماد عليها فيما يخص مصر لعدم قدرة
المسؤولين على الانتهاء من تقديراتهم. وبحسب تقديرات جورج عبيد، من معهد المال
الدولي للتأثير الاقتصادي لهذه
الاضطرابات، من المتوقع أن تبلغ نسبة
النمو في مصر خلال العام الحالي 1.5%
وينخفض النمو بنسبة 1.5% في تونس و31% في
ليبيا. ومن المتوقع أن يصل عجز
الموازنة في مصر إلى 9.8% من إجمالي
الناتج المحلي مقارنة ب7.9% عام 2010.
وسيمثل إجمالي العجز 4.5% من إجمالي
الناتج المحلي في تونس و35% في ليبيا رغم
ما حققته كل من تونس وليبيا من فائض في
الموازنة العام الماضي. كيف يمكن تجنب انهيار ما بعد التحول
الديمقراطي؟ من الضروري الخروج بخطة
متعددة الأطراف تشبه خطة مارشال، بما
يعني إطارا من القروض والمساعدات
الأخرى التي يمكنها أن تدعم الدول
العربية أثناء مرحلة التحول إلى
النظام الديمقراطي والرخاء. لا تمثل الولايات المتحدة خيارا من
الخيارات المتاحة، فنحن ليس لدينا
المال الكافي، ولن يرغب الساسة
الأميركيون في منحه لأجانب بأي حال من
الأحوال. لكن يسعدني أن أقدم إليكم
جوابا لأحجية الشرق الأوسط. المعهد
الذي أسس منذ عشرين عاما ليشرف على
عملية الانتقال إلى الديمقراطية في
أوروبا الشرقية والذي يعرف باسم
المصرف الأوروبي لإعادة الإعمار
والتنمية على استعداد للاضطلاع بهذه
المهمة الجديدة. لقد تحدثت يوم
الثلاثاء الماضي مع توماس ميرو، رئيس
المصرف الذي قال لي إن المصرف على
استعداد ليكون بمثابة مصرف «للتحول
الاقتصادي والسياسي» في مصر ودول
جوارها. إن أوروبا تتمتع بالخبرة، حيث
أشار ميرو إلى أن الأنظمة الديمقراطية
الناشئة في الدول العربية تعاني من
المشكلات نفسها التي عانت منها دول
أوروبا الشرقية مثل ضعف القطاع الخاص،
وهشاشة المشروعات الصغيرة والمتوسطة،
وضعف البنية التحتية. إن المصرف يمتلك
المال اللازم، حيث يبلغ رأسماله 17
مليار دولار، فضلا عن قدرته على جمع
الأموال من مقرضين. ويتوقع ميرو توفير
مبلغ قدره 1.4 مليار دولار لمصر خلال
السنوات القليلة المقبلة، وضعف هذا
المبلغ لدول جوارها. ويفكر ميرو بالفعل
في فتح فرع في القاهرة بحيث يرى العرب
المصرف كأنه مصرفهم. وأبدى بعض
المسؤولين في البيت الأبيض إعجابهم
بفكرة ميرو الخاصة بمساعدة الدول
الديمقراطية الناشئة في الشرق الأوسط.
ويمكن من خلال هذا النهج تجنب حرج تلقي
مساعدات من صندوق النقد الدولي، أو
قبول مساعدة ضمن حزمة من البنك الدولي،
فهي تصنف مصر ودول جوارها في الفئة
نفسها التي تضم بولندا أو بلغاريا، وهي
الدول التي انهارت أنظمتها الاقتصادية
والسياسية بسبب الحكام المستبدين.
وربما يستطيع المصرف الأوروبي أن يكون
شريكا لمصرف التنمية الأميركي الذي
يتمتع بخبرة كبيرة في عملية الانتقال
من أنظمة الحكم العسكرية. يقول الشباب
الذين تجمعوا في ميدان التحرير إنهم
يرغبون في أن يصبحوا جزءا من دول البحر
المتوسط المتحضرة ذات الاقتصاد
المزدهر والنظام السياسي الحر. سوف
تكون هذه العملية الانتقالية صعبة،
نظرا لضعف مؤسسات الدولة، لكن هناك
طرقا غير تقليدية لتحقيق الاستقرار
على طول الطريق نحو التقدم دون أن تحمل
عبارة «صنع في أميركا». * خدمة «واشنطن بوست» ==================== الشرق الاوسط روبرت صامويلسون 15-3-2011 السؤال الذي يواجه مؤرخي المستقبل بشأن
الاضطرابات في الشرق الأوسط: ما هو
الدور الذي لعبه ارتفاع أسعار المواد
الغذائية في ما آلت إليه الأوضاع؟ هناك
بعض الحقائق الأساسية منها أن دول
الشرق الأوسط تستورد 50 في المائة أو
يزيد من استهلاكها من القمح الذي يعد
الغذاء الرئيسي للكثير منها. كذلك شهدت
أسعار الحبوب ارتفاعا جنونيا في منتصف
عام 2010، حيث ارتفع سعر بوشل (نوع من
المكاييل) القمح من 8.56 دولار في فبراير
(شباط) إلى الضعف خلال الشهور الثمانية
الماضية. وعلى الرغم من الإعانات
الضخمة، فإن ارتفاع الأسعار وصل إلى
المستهلكين. ولكن هل يمكن أن يشكل ذلك
شرارة للاحتجاج؟ تقول لوري غاريت من مجلس العلاقات
الخارجية: «كانت النساء في كل من تونس
ومصر، يشكين بمرارة من ارتفاع أسعار
المواد الغذائية، ولذا كان التضخم في
أسعار المواد الغذائية عاملا، فبقدر
النفط، يمكن لنقص الإمدادات الغذائية
أن تصوغ السياسات العالمية لعقود». قد يحلو للبعض أن يطلق عليها «أزمة غذاء
طاحنة»، فالطلب العالمي المتزايد
يصطدم مع الإمدادات الشحيحة. وارتفاع
الأسعار، أو نقص الإمدادات، يمكن أن
يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الدول
الفقيرة ويؤدي إلى التدافع العالمي
على المواد الغذائية الشحيحة. وتعتبر
الزيادة في أسعار السكر الحالية هي
الثانية خلال ثلاث سنوات. ففي عام 2008
أدت الزيادات في أسعار الأرز والقمح
إلى انطلاق الاحتجاجات في ما يزيد على
العشرين دولة؛ منها مصر وهايتي
والفلبين. حينئذ والآن قامت بعض الدول
المصدرة للمواد الغذائية (الهند
وفيتنام في عام 2008 بالنسبة للأرز،
وروسيا بالنسبة للقمح) بفرض قيود على
صادراتها وزيادة الأسعار العالمية
وتحويل المخاطر إلى الدول التي تعاني
من عجز في هذه المواد الغذائية. من ناحية أخرى يؤكد تزايد الثراء العالمي
على عمق الأزمة، فقد أدى ارتفاع الدخول
في عدد من الدول إلى تغير الوجبة
الغذائية لسكانها، وتحول الأفراد من
استهلاك الحبوب بصورة مباشرة - الوجبة
والخبز - إلى استهلاكها بصورة غير
مباشرة كاللحم ومنتجات الألبان. وتشير
التوقعات إلى ارتفاع نصيب الفرد من
استهلاك اللحوم بنسبة 49 في المائة في
الصين، و79 في المائة في الهند، و22 في
المائة في البرازيل، بحسب تقديرات
معهد أبحاث السياسة الغذائية الدولي.
بالنسبة للماشية، فإن اكتساب البقرة
رطلا واحدا من اللحم يتطلب حصولها على
ثمانية أرطال من الحبوب، أما الدجاج من
رطلين إلى أربعة. ويقول جوزيف غلوبر، خبير الاقتصاد في
وزارة الزراعة: «هناك زيادة في الطلب
على الرغم من الكساد. والأمر ليس
مقصورا على الصين، فقد شهدت سبع سنوات
من العشر الماضية زيادة الاستهلاك
العالمي من القمح عن الإنتاج، وهو ما
أدى بدوره إلى تراجع المخزون العالمي
من القمح، الذي يعتبر بمثابة منطقة
واقية من العجز. ولا تزال أسواق الغذاء
العالمية عرضة لبعض المعوقات –
الفيضانات والجفاف - التي تحد من عملية
الإنتاج. وكذلك فإن تحويل حبوب الذرة
في الولايات المتحدة إلى مادة
الإيثانول يزيد الضغوط على إمدادات
الحبوب في العالم». غير أن روبرت تومسون، خبير الاقتصاد
الزراعي في مجلس شيكاغو للعلاقات
الدولية، يعتقد بأن إنتاج المواد
الغذائية قد يتضاعف بحلول عام 2050. كما
يتوقع أن يزداد عدد سكان العالم خلال
الفترة من عام 2010 وحتى عام 2050 بنسبة 38
في المائة ليرتفع من 6.9 مليار نسمة إلى
9.5 مليار، مع تركز هذه الزيادات في
الدول الفقيرة. وتشير بعض التقديرات
إلى أن ما يقرب من مليار شخص يعانون في
الوقت الراهن من سوء التغذية، إلى حد
أنهم غير قادرين على أداء الأعمال
اليدوية المتواضعة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في الوقت
الراهن هو: هل سيتمكن العالم من زيادة
إنتاج الغذاء بهذا القدر؟ يبدي خبير
البيئة الشهير ليستر براون شكوكا في
قدرة العالم على القيام بذلك، فتراجع
موارد المياه وتغير المناخ وتقوض
القشرة العلوية للتربة يحد من هذه
الإمكانيات. وكتب براون في دورية «ساينتيفيك
أميركان» محذرا من أن ندرة الغذاء
المتفشية ستؤدي إلى مزيد من الدول
الفاشلة - الدول غير القادرة على ضمان
الأمن الغذائي لشعوبها - التي أصبحت
أرضا خصبة للإرهاب العالمي والأمراض
المتوطنة. واستشهد بالقراصنة
الصوماليين كنموذج حي على ذلك. بيد أن
تومسون والخبراء الآخرين كانوا أقل
تشاؤما. فقد شهد العالم عددا من أوجه
التقدم المدهشة، كما يظهر الجدول
بالأسفل، حيث يعرض إنتاج الولايات
المتحدة من القمح والذرة مقاسا
بالبوشل لكل فدان منذ عام 1900. تشير هذه الإحصاءات إلى تضاعف إنتاج
الذرة أربعة أضعاف وإنتاج القمح خمسة
أضعاف، فعمد إلى تحسين البذور
والمخصبات الزراعية وأنظمة الري
وتطوير أنظمة الزراعة بما يعود بمكاسب
ضخمة. ويؤكد المتفائلون أن هذه الزيادات
ستتواصل، تقودها في ذلك التكنولوجيا
الحيوية، وستتضمن استخدام جينات خاصة
في البذور التي تجعل المحاصيل أكثر
مقاومة للأعشاب والأمراض والجفاف،
والتي يطلق عليها البعض «البذور
الذكية». ويقول روبرت فرالي، المشرف
على قسم التكنولوجيا في شركة «مونسانتو»،
الشركة الرائدة في إنتاج البذور: «في
غضون عشر سنوات من الآن سنتحول إلى بيع
بذور ذرة تحمل سمة بيولوجية مميزة».
ويعتقد فرالي أن إنتاج الولايات
المتحدة من الذرة والقطن وفول الصويا
ستتضاعف بحلول عام 2030. وأن الحبوب التي
دخل في إنتاجها التكنولوجيا الحيوية
تنتشر أيضا في أميركا اللاتينية
والصين والهند. السبب الآخر لهذا التفاؤل هو أن الزراعة
في بعض المناطق من العالم - جنوب
الصحراء الكبرى الأفريقية - لا تزال
متأخرة حتى الآن في مجال السياسات
المتقدمة، غير أنها تمتلك فرصا هائلة
للحاق بالركب. ويقول تومسون إن الفجوة
في محصول الذرة بين المزارعين
الأميركيين الناجحين ونظرائهم
الأفارقة قد تصل في بعض الأحيان إلى 10
مقابل 1. هذه الندرة في الغذاء العالمي واضحة إلى
حد بعيد، فحتى الآن أسهم ارتفاع
الأسعار وقصور الموارد في ثراء
المزارعين الأميركيين عبر ارتفاع حجم
الصادرات والدخل. غير أن المحاصيل
السيئة هذا العام يمكن أن تؤثر على
الأسواق المتعثرة وتتسبب في عمليات «شراء
الهلع». وما لم تحدث الطبيعة
والتكنولوجيا توازنا أفضل بين العرض
والطلب ستكون العواقب بالنسبة
للمعاناة الإنسانية والصراعات
السياسية مفزعة للغاية. * خدمة «واشنطن بوست» ==================== الشرق الاوسط 15-3-2011 يكولاس كريستوف «هذه مشكلة سهلة».. على الرغم من مشاعر
الضيق داخل واشنطن بشأن فرض حظر جوي
على ليبيا، فإن هذا هو رأي رئيس
الأركان السابق للقوات الجوية الجنرال
ميريل ماك بيك، الذي طار أكثر من 6000
ساعة، نصفها على متن طائرات مقاتلة،
وساعد في الإشراف على فرض حظر جوي داخل
العراق والبحر الأدرياتيكي. يشعر
الجنرال ماك بيك حاليا بالحيرة بسبب ما
يصفه ب«العويل والمعارضة» لفرض حظر
جوي على ليبيا. اتصلت بالجنرال ماك بيك لأعرف رأيه في
فكرة فرض حظر جوي على ليبيا، وقد كان
حادا جدا، حيث قال: «لا أتخيل أن هناك
مشكلة عسكرية أسهل من هذه، فإذا كنا لا
نستطيع أن نفرض حظرا جويا على دولة
عسكرية مثل ليبيا ليست حتى من الدرجة
الثالثة، فعلينا أن نأخذ مقدارا كبيرا
من ميزانيتنا العسكرية ونقوم بإنفاقه
على شيء آخر يمكن الاستفادة منه».
واستطرد قائلا: «مجرد تحليق عدد قليل
من الطائرات سيكون أمرا كافيا لأن تلزم
القوة الجوية الليبية الأرض، وهذا هو
المراد». وأضاف الجنرال ماك بيك أنه لن تكون هناك
حاجة إلى الإبقاء على تغطية داخل ليبيا
على مدار اليوم طوال الأسبوع، فما دامت
القوات الجوية الليبية عرفت أنه توجد
مخاطرة بالاعتراض، فسيقل الحافز
الموجود لدى طياريها ويدفعهم إلى
إلقاء القنابل، وسيميل عدد أكبر إلى
الانشقاق. وتساءل قائلا: «إذا لم يكن في مقدرونا
القيام بذلك، فماذا نستطيع القيام به؟».
وأضاف: «أعتقد أنه سيكون لذلك أثر
واقعي، وربما يغير من حساباتهم، وربما
يكون للإعلان عن ذلك فقط تأثير كبير». وإلى جانب الحظر الجوي، توجد خطوة أخرى
مهمة تتمثل في استخدام الطائرات
العسكرية الأميركية للتشويش على
التلفزيون الحكومي الليبي والدعاية
الإذاعية والاتصالات العسكرية
الليبية. وقال الجنرال ماك بيك إن هذا
التشويش سيكون «سهلا للغاية». واعترف بأن أي تدخل يتضمن مخاطر غير
معروفة، وبصراحة، فإنه من الجيد أن
يتريث الرئيس قبل اتخاذ قرار عسكري.
ولكنه أعرب عن أمله في ألا ينتظر
الرئيس أوباما طويلا. وقال وزير الدفاع روبرت غيتس إن فرض حظر
جوي سيكون «عملية كبيرة داخل دولة
كبيرة»، وسيبدأ بهجوم على أنظمة
الدفاع الجوي الليبية. لكن قال الجنرال
ماك بيك إن الحظر الجوي سيفرض داخل
ثلاث مناطق من الدولة لا يسيطر عليها
العقيد معمر القذافي. وربما يلغي ذلك
الحاجة إلى الهجوم مسبقا على أنظمة
الدفاع الجوي، بحسب ما قال. وعلى أي حال
فقد أشار إلى أن الولايات المتحدة فرضت
حظرا جويا على العراق لأكثر من عقد من
الزمان من دون أن تقوم بالتخلص من جميع
أنظمة الدفاع الجوي العراقية في ذلك
الوقت. وإذا كانت إدارة أوباما تبالغ في مخاطر
فرض حظر جوي، فإنه يبدو أنها قللت من
مخاطر الاستمرار في المنحى السلبي.
وتوجد بعض المخاطر في أن ينتهي الأمر
مثل الانتفاضات الفاشلة داخل المجر
عام 1956 وداخل تشيكوسلوفاكيا عام 1968 أو
في جنوب العراق عام 1991. ويبدو أن الاتجاه داخل ليبيا في تحول،
وتفرض قوات القذافي السيطرة على
طرابلس والكثير من غرب ليبيا. وفي
الوقت الحالي يستخدم العقيد القذافي
بصورة ممنهجة قوته الجوية من أجل كسب
أرض حتى داخل الشرق. وكما أشار المعهد الدولي للدراسات
الاستراتيجية، وهو عبارة عن مجموعة
متخصصة في تحليلات الأسلحة داخل لندن،
الأسبوع الحالي: «الميزة الكبرى لدى
القوات المؤيدة للنظام في اللحظة
الحالية هي قدرتهم على استخدام القوة
الجوية». واتتني قشعريرة بسبب محادثة مع صديق ليبي
عبر الهاتف له علاقات بالجيش، وفي آخر
مكالمة بيننا بدا وكأن مكالمتنا
مراقبة عن قرب، إذ أثنى على العقيد
القذافي. ولا أستطيع أن أقول ما إذا كان
يؤمن بما ذكر، أم أن هناك بندقية كانت
مصوبة إلى رأسه. وعلى أي حال، فإن نبرته
الجديدة مؤشر على أن الحكومة لديها
اليد العليا حاليا داخل طرابلس. أخبرني السيناتور جون كيري، رئيس لجنة
العلاقات الأجنبية، بأنه ينوي الوقوف
مع فرض حظر جوي - إلى جانب التشويش على
الاتصالات - عندما يصبح ذلك أمرا عمليا.
وقال: «آخر شيء تريده هو نقاش لمدة 20
عاما حول من جعل الشعب الليبي يخسر هذه
اللحظة». كنت معارضا قويا للحرب على العراق، لكن
يبدو الوضع مختلفا الآن، فلن نرسل أي
جنود على الأرض داخل ليبيا، وسيتم
تنفيذ الحظر الجوي بناء على طلب من
قوات التمرد الليبية وبناء على «طلب»
ست دول عربية في منطقة الخليج. وربما
تقر جامعة الدول العربية فرض حظر جوي
أيضا، وبصورة مثالية يحتمل أن تسهم مصر
وتونس بقواعد وطائرات، أو ربما تقدم
مساعدات بحث وإنقاذ. وقال لي السيناتور كيري: «لا أعتقد أنه
سيكون من المفيد لمصالحنا
الاستراتيجية على المدى الطويل، وكذا
بالنسبة إلى قيمنا، أن نقول إنه يجب
رحيل القذافي وبعد ذلك نسمح لزعيم
يعاني من جنون العظمة باستخدام مرتزقة
لقتل شعبه». وعليه يجب أن نتذكر مخاطر التقاعس، وألا
نضعف ثقتنا في أنفسنا. * خدمة «نيويورك تايمز» ==================== السباق إلى الإليزيه..
لمن تُقرع الأجراس؟! ترجمة: هيفاء علي جيرار كورتوا البعث 15-3-2011 أظهر استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه
معهد /لويس هاريس/ تقدم «مارين لوبن»،
زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف ورئيسة
الجبهة الوطنية في الجولة الأولى من
الانتخابات الرئاسية الفرنسية
المقبلة. وشغلت نتائج الاستطلاع وسائل
الإعلام لدرجة أنها بقيت محور اهتمام
الحياة السياسية الفرنسية خلال
الأسبوع المنصرم، ذلك أن طرق وكيفية
إجراء هذا الاستطلاع أوضحت ضعف موقف
الرئيس ساركوزي في المشهد السياسي
الفرنسي الحالي، إضافة إلى ضبابية
كبيرة وغموض بشأن المرشحين المحتملين
لاحتلال الإليزيه، فلم يبقَ للاستحقاق
الرئاسي سوى (14) شهراً، ومع ذلك لم يتم
حتى الآن إعلان أسماء المرشحين ولا
برامجهم. تلك الاستطلاعات التي تظهر
عادة رغبات التصويت السياسية
الافتراضية، وتقدر مستوى شعبية البعض،
إضافة إلى أنها تلخص الاتجاهات وتكشف
عن التوقعات. رئيسة الجبهة الوطنية هزت
المشهد السياسي الفرنسي منذ مطلع
العام الجاري وباتت تشكل تهديداً
جدياً خطيراً على اليمين واليسار على
حد سواء، وتدل كل المؤشرات على أنها
تتجه نحو تحقيق فوز غير مسبوق،
وباستثناء نتائج معهد سوفر (18٪) فقد
تجاوزت /ماري لوبن/ عقبة ال20٪ من
الآراء الإيجابية المؤيدة لها، حسب
استطلاعات كافة معاهد السبر. وكانت /مارين لوبن/ قد ورثت زعامة حزب
اليمين المتطرف والجبهة الوطنية عن
والدها /جان ماري لوبن/ في (16) كانون
الثاني 2011، وورثت عنه النبرة الجريئة
والجسورة، إلا أنها تختلف عنه بلغتها
وخطابها القوي ولأنها أكثر لباقة
وانضباطاً منه، فقد تمكنت /ماري لوبن/
من تفادي ارتكاب هفوات والدها حتى الآن
على الأقل. وترى /مارين لوبن/أنه من
الضروري تفادي تغذية الشكوك التي تحوم
حول الجبهة الوطنية، خصوصاً تلك
المتعلقة بمعاداة السامية، وثمة
شخصيات في الجبهة الوطنية تتهمها
بأنها وصولية، ولا عقيدة لها، لكنهم في
الوقت عينه لا ينكرون أنها أحدثت
تغييراً هاماً وجذرياً في خطاب ولغة
اليمين الفرنسي المتطرف، حيث تطمح
لإزالة سمة التطرف من معسكرها بشكل عام
والجبهة الوطنية بشكل خاص تمهيداً
لتحويلها إلى حزب شعبوي وشعبي على غرار
ما يحدث وحدث في العديد من الدول
الأوروبية. وفي إطار هذا التوجه تنادي /مارين
لوبن/ بإيجاد «مفهوم وتصور ديغولي
للسياسة» قادر على إعادة الكرامة
للشعب الفرنسي، وإقصاء موجة العقيدة
الليبرالية لصالح إنجاز ما ضد
العولمة، و«التقشف الاجتماعي» الذي
فرضه الالتزام الفرنسي بأوروبا، مع
تقديم علاجين: التحرر والخروج من منطقة اليورو كي
تستعيد فرنسا قدرتها على المناورة
الاقتصادية، والتحرر من نزعة الحمائية
المضمونة من قبل «دولة قوية».وفيما يخص
مسألة الهجرة التي تبقى محوراً هاماً،
فإن «ماري لوبن» تشدد على إدارة تهديد
التطرف بذريعة ممارسة وتطبيق «العلمانية
الجمهورية». «مارين لوبن»، ورثت سمعة «الحيوانية
السياسية» عن والدها، جراء ولعها
بالقتال بوحشية من أجل تحقيق
طموحاتها، وهذا الأمر جعلها تسلك خطاً
سياسياً واضحاً، يدفع إلى الريبة
والحذر منها، وهذا السبب الثاني في
تقدمها الحالي الذي أثبت عجز ساركوزي
عن تحمّل أعباء الرئاسة، إضافة إلى عجز
الحزب الاشتراكي عن طرح خيار يتمتع
بالمصداقية، ساركوزي نفسه ظفر في
الانتخابات الرئاسية عام 2007، عندما
بادر باتجاه ناخبي الجبهة الوطنية في
عقر دارهم: دفاع عن الهوية الوطنية،
خطاب حماسي حول الأمن والهجرة، منح
الأهمية الكبيرة للعمل والكفاءة، ما
منح الأمل لهيئة ناخبين شعبية مضطربة،
ولكن جراء عدم قدرته على طرح قوة عرض
خطة مشجعة بخصوص الأمن، وخطة اقتصادية
ترقى إلى التطلعات والآمال التي
ولّدها هو نفسه لدى الفرنسيين، يبدو
ساركوزي عازماً على مواصلة استراتيجية
عام 2007، ولكن فقط على أرضية الهوية
الوطنية والهجرة، فهو الذي شن حملة
شرسة ضد المهاجرين «الغجر»، وأشعل
فتيل جدل حاد حول مكانة الإسلام في
فرنسا، وبرر إجراء التعديل الوزاري
بأنه أحد نتائج الثورات العربية، لكن
الفرنسيين ليسوا أغبياء، ويدركون أن
الجبهة الوطنية لا تقدم حلولاً
لإصابات فرنسا الخطيرة، على الرغم من
أن ساركوزي ما زال بوسعه إطلاق حملة
كبيرة لترميم مصداقيته ومصداقية حزبه.
وبالنسبة للاشتراكيين، فلا يمكنهم
التملص من المسؤولية، بل يمكنهم أن
يطمئنوا الفرنسيين عندما يعترفون بصوت
عالٍ، أنه إذا سجلت «مارين لوبن»
نقاطاً كثيرة وفازت، فذلك بسبب أخطاء
ساركوزي بالدرجة الأولى، لكنهم إذا لم
يعلنوا برنامجهم الانتخابي قريباً
ليكون شاملاً، فإنهم سيتركون الساحة
لكافة المزايدات والغوغائيات بين
اليمين والجبهة الوطنية. جاذبية وسحر «دومينيك ستروس كان»، ومخاوف
وحذر «مارتين أوبري»، تبدو تكتيكات
ذكية، إلا أنها ليست في مستوى رهانات
وتطلعات الفرنسيين. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |