ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 21/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

مذبحتا "تدمر" في سوريا.. و"ابوسليم" في ليبيا.. خيانة عُظمى

بقلم الدكتور فتحي الفاضلي

fathifadhli@yahoo.com

المصدر : موقع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا

ان الذين يدعون محاربة الإرهاب.. حاربوا كل شيء.. إلا الإرهاب

جميع الدلائل تشير الى ان مذبحتي "تدمر" في سوريا، و"ابو سليم" في ليبيا، جرائم مقصودة، مع سبق الاصرار والترصد، وانهما نتاج لعقلية دموية إرهابية مريضة واحدة. وان النظامين، الليبي والسوري، كانا ينتظران حجة ما، لتنفيذ المجزرتين. وان التشابه الرهيب بين القضيتين، في جميع جوانبهما، يدل على ان هاتين المجزرتين، قد تم تنفيذهما عبر خطوات مدروسة، وبرنامج معد مسبقا.

فقد صدر الحكم بالاعدام، على سجناء معتقل "ابو سليم"، قبل المجزرة بسنوات، اي منذ ان طلب معمر القذافي، من المؤتمرات الشعبية، اصدار قانون "الزندقة"، على اعتبار ان الحركات الاسلامية، ضرب من الزندقة، التي تهدد الاسلام والامة العربية معا. بل اضاف قائلا في نفس الخطاب: "ان من يعتنقها، يجب أن يُستباح دمَه". ليس ذلك فحسب، بل واضاف: ان على الليبيين ان ينسوا ابناءهم داخل معتقلات النظام، لانهم كمن اصيب بمرض الايدز، او السرطان، فيجب، بناء على ذلك، سحقهم.

ان هذا التصريح في حد ذاته، يعتبر حكما مسبقا بالاعدام، ونية مبيتة لقتل المعتقلين عمدا، واشارة من معمر، الى الاجهزة الامنية والجهات المعنية بالتنفيذ، في الوقت المناسب.

كما صدر حكم الاعدام في سوريا، على سجناء معتقل "تدمر"، منذ صدور قانون "التطهير الوطني"، والذي يدل هو الاخر، على نية القتل العمد، وينص على ملاحقة وتطهير "كل منحرف عن المسار، ممن يعتنق مباديء هدامة تمس الفكر القومي".

وكان قد اُعلن عن قانون "التطهير الوطني"، عبر خطاب القاه رفعت الاسد (قائد سرايا الدفاع الوطني السوري)، والتي تُعرف ب "سرايا الدفاع عن الثورة والوطن"، والتي نفذت مجزرة "تدمر"، كما سيأتي لاحقا. وقد اقترح رفعت الاسد، حسب مشروع التطهير، انشاء معسكرات تدريبية، بغرض تخضير الصحراء، ويدعي الى هذه المعسكرات، كل من تحكم عليه "المحاكم الشعبية" بالتطير.

والمحاكم الشعبية، هي المحاكم التي تمتلك سلطة القانون (اي قانون التطهير الوطني). وبدلا من "الزندقة"، استخدم النظام السوري، في ذلك الوقت، مصطلح "الهرطقة"، كصفة تطلق على الحركات الاسلامية، والفكر الاسلامي، بصفة عامة.

 

اما الاسباب المعلنة والمباشرة، للمذبحتين،، فيفترض ان السجناء في المعتقلين، او اتباعهم، قد قاموا بممارسات، ادت الى استباحة دمائهم، وتصفيتهم تصفية جسدية.

فالسبب المعلن لمذبحة "تدمر" هو محاولة "الاخوان المسلمين" اغتيال "حافظ الاسد". بينما السبب المعلن لمجزرة "ابوسليم"، هوتمرد مجموعة من نزلاء المعتقل، بسبب الظروف المعيشية العامة داخل السجن.

وحتى لو صح، ان الاخوان المسلمين، حاولوا اغتيال "حافظ الاسد"، فما ذنب الالاف الذين قُتلوا غدرا وصبرا، بسبب هذه المحاولة، وهم مصفدين في الاغلال، على بعد 250 كيلومترا من العاصمة "دمشق"، داخل المعتقل، محاطين بالحرس المدجج بالسلاح. ليس ذلك فحسب، بل لم يسمع، اغلب الذين قتلوا، بالمحاولة المزعومة اصلا.

وحتى لو صح، ان مجموعة من سجناء "ابوسليم"، تمردوا احتجاجا على سوء المعاملة، والتي كانت فعلا، معاملة لا ترضاها حتى الخنازير، من التعذيب اليومي، الى الاهمال الصحي المتعمد، الى الامور المعيشية، الى فقدان ابسط الحقوق التي يتمتع بها حتى الحيوانات - اذا صح ان مجموعة من السجناء- قاموا فعلا بالتمرد، بسبب تلك المعاملة، فما ذنب الالاف، الذين قُتلوا في معتقل "ابوسليم"، غدرا وصبرا، وهم لم يشاركوا في التمرد، ولم يوافقوا عليه، بل ولم يسمعوا به اصلا. ليس ذلك فحسب، بل حتى المجموعة التي تمردت، تراجعت عن تمردها، وقبلت بالمفاوضات السلمية. فلماذا القتل اذا.

كما جرى تنفيذ المجزرتين، في نفس الشهر من السنة، بل وفي نفس الايام من ذلك الشهر تقريبا، فقد جرت مذبحة تدمر، في 27 يونيو 1980م، وجرت مذبحة ابوسليم في 28 و 29 يونيو 1996م، ولا اظن ان هذا التوقيت اعتباطيا، وربما له علاقة بفترة الصيف، وخلو المدارس والمعاهد والجامعات من الطلبة، مما يقلل نسبيا من ردود الفعل تجاه هذه المجازر، في حالة تسرب اخبارهما.

ومن المعلوم ان شهر يونيو (حزيران)، هو ذكرى انتصار اسرائيل في حرب الايام الستة (حرب 5 يونيو 1967م) واحتلال الجولان، والتهديد باحتلال دمشق، فالمواطن العربي، يتوقع في مثل هذا الشهر من كل عام، ان يقوم النظام السوري القومي، يعاونهم معمر(امين القومية العربية)، بتحرير القدس والجولان، ولكن، بدلا من ذلك، يصر النظامان، في هذه الذكرى "المأساة"، على سحق الانسان العربي المسلم المدني الاعزل، غدرا وخيانة ونذالة.

ليس فقط التوقيت، بل حتى وسيلة تنفيذ المجزرتين، تشير الى مدرسة ارهابية واحدة، فقد اُمر المعتقلون، بالتجمع في الساحات، وامام العنابر، وبين القواطع، ثم فتحت عليهم النار، وقتلوا بدم بارد، غدرا.

فقد تلقت "سرايا الدفاع" السورية، امراً بتصفية سجناء "تدمر"، تصفية جسدية. فتوجهت، اثر هذا الامر، قوة من السرايا المذكورة، وطوقت السجن، واستلم قادة الحملة التاريخية، مفاتيح المعتقل، وزودوا بمرشدين، يعرفون مداخل، ومخارج، وغرف، وردهات السجن، بدقة متناهية. ثم اُمر المعتقلون، بالوقوف امام عنابرهم، مغمضي العيون، وهم ينظرون الى السماء. وعندما نفذ المعتقلون هذه الاوامر، فتحت عليهم سرايا الدفاع النار، مستخدمين الرشاشات، والقنابل اليدوية، وقاذفات اللهب. ثم انطلقت، نفس القوة، الى عنابر اخرى، وقتلت بقية المعتقلين داخلها.

وفي معتقل "ابوسليم"، طلب حراس السجن، من السجناء، الخروج إلى الساحات، الني تفصل بين قواطع السجن، ففتحت عليهم القوات النار، مستخدمة بنادق الكلاشنكوف، ورشاشات الاغراض العامة، وقتلتهم جميعا.

ليس ذلك فحسب، بل اخذ القتلة، عقب المذبحتين، يركلون جثث الضحايا، للتأكد من موتهم، فاذا شعروا، ان الحياة مازالت تدب في احدهم، اطلقوا عليه النار فورا.

واختلفت الروايات عن عدد الضحايا، فاشارت، منظمة مراقبة حقوق الانسان، الى سقوط 1181 ضحية في تدمر، بينما يقدر عدد ضحايا ابوسليم ب 1200 شهيد. وتؤكد مصادر اخرى، عديدة، ان عدد ضحايا المذبحتين، يفوق ذلك بكثير جدا.

وعقب الانتهاء من المجازر "الثورية"، في البلدين الثوريين، دُفن ضحايا ابوسليم في مقابر جماعية، داخل السجن، اولاً، ثم اخرجوا بقايا الجثث لاحقا، ودفنوها في مكان مجهول. واقيمت قاعدة خرسانية، على جزء من الجثث التي تعسر نقلها خارج السجن. كما تم دفن ضحايا تدمر، في مقابر جماعية، في منطقة قريبة من "تدمر"، ثم نقل رفاة الشهداء الى منطقة اخرى، بعد تسرب المعلومات عن مكان الدفن.

وحتى التخطيط والاشراف، على العمليتين، تولاهما، نخبة من اعمدة النظامين. فقد اشرف "رفعت الاسد" (اخو رئيس الدولة)، على مذبحة تدمر، تعاونه طائفة من اعمدة النظام السوري، في ذلك الوقت. بينما اشرف العقيد "عبد الله السنوسي"، عديل معمر، على مذبحة ابوسليم، تعاونه طائفة من اعمدة النظام الليبي، من بينهم، كما جاء في اغلب المصادر: خيري خالد، التهامي خالد، فرج أبوغالية، عبدالله منصور، موسى كوسة، وناصر المبروك (وزير العدل! سابقاً). بالاضافة الى مجموعة من الحراس، والمشرفين على شؤون السجن اثناء المذبحة، منهم خليفة المقطوف، وثابت الاصيبعي، ومصطفى الحيران، والمرغني الحيران، وفرج العجيلي، وفرج الزائدي، ومحمد الريح، وعطية النائلي، وعبدالقادر التاورغي، ورئيس عرفاء عامر، ورئيس عرفاء ابوعجيلة، والجندي القرضاوي.

 

كما يتبع كل من معتقل "ابو سليم" ومعتقل "تدمر"، ادارة عسكرية امنية مشتركة (الى حد ما)، وذلك لمنع الجهات القضائية المدنية، من التدخل في ادارة السجن، او في قضايا المعتقلين، او في اسباب اعتقالهم، او موتهم تحت التعذيب، او بسبب ظروفهم المعيشية العامة، او المطالبة بحقوقهم في المحاكمة والدفاع.

فسجن ابوسليم، يتبع اداريا، جهاز الأمن الداخلي، بل ويقع داخل معسكر للشرطة العسكرية.

كما يتبع، سجن تدمر، في بعض جوانبه، ادارة الشرطة العسكرية، ويتبع المخابرات العسكرية، فيما يخص السجناء السياسيين. وتقوم قوة من الوحدات الخاصة، بحراسة السجن. كما ان تواجد المعتقلين، في نطاق المعسكرات، يشير الى نية مبيتة، من النظامين، الى تواجد قوات مسلحة، قريبة وجاهزة للتدخل، والقمع، وتنفيذ ما تيسر من المخططات الثورية القومية الوطنية، عندما تحين ساعة الصفر.

كما كانت الاغلبية العظمى، من ضحايا المذبحتين من جميع شرائح المجتمع. فمنهم الطالب، والمهندس، والطبيب، والمحامي، والعامل، والفلاح، والقاضي، والكاتب، والمثقف، والمدرس، والعالم، والشيخ، والمفتي، والكهل، والمراءة، والرجل، والشاب، والموظف، والاعزب، ورب العائلة، وغيرهم من شرائح وفئات المجتمع.

وحاول النظامان، اخفاء هذه الجرائم، والتكتم عليهما، بما في ذلك، بالطبع، عدد الضحايا، واسمائهم، واسباب المجزرة. ولكن أخبار المذبحتين تسربت، عن طرق اخرى غير رسمية. فقد تم الكشف عن تفاصيل مذبحة تدمر، عندما اعتقل النظام الاردني، اعضاء من سرايا الدفاع، شاركوا في المذبحة، وقد قبض عليهم الامن الاردني، عندما توجهوا الى الاردن، لاغتيال "مضر بدران"، رئيس وزراء الاردن في ذلك الوقت.

ولم ينجح النظامين، في اخفاء اثار جرائمهم، داخل المعتقلات بالكامل، بالرغم من محاولات التنظيف. فقد اخبر شهود عيان، في تدمر وابوسليم، عن وجود بقايا من جثث الموتى، وبعض الدماء، على الارض، والجدران، وفي الردهات، والعنابر، بالاضافة الى اثار طلقات الرصاص على جدران السجون.

كما جرت، قبل المذبحتين، ترتيبات وتحركات وتنقلات عديدة، تنبيء بالاعداد، لامر ما. فقد تم في تدمر، الفصل بين المعتقلين الاسلاميين وغيرهم، من ذوي الاتجاهات الاخرى، قبل المذبحة باسبوعين، كما صدرت الاوامر، بنقل المعتقلين الاسلاميين، من فروع التحقيق المختلفة، الى سجن تدمر. وحدث نفس الشيء في ابوسليم، فقد جرت قبل المجزرة بقليل، عمليات نقل للسجناء، من والى المعتقل، بصورة مريبة، تدل على ان النظام، قد جمع في سجن ابوسليم المركزي (الذي تمت فيه المذبحة) كل من اراد التخلص منهم.

وحتى مطالب الناس، في البلدين، تشابهت بشكل محزن. فالناس في ليبيا وفي سوريا يطالبون تقريبا بنفس المطالب، مما يدل على بديهية هذه المطالب من جهة، ومما يدل على انها حقوق اساسية من جهة اخرى، يشترك فيها البشر جميعا.

الناس في ليبيا وسوريا، مازالوا، حتى يومنا هذا، يطالبون بالكشف عن القصة الكاملة، لهذه المجازر، وعن ملابساتها، والاعلان عن عدد الضحايا، واماكن دفنهم، وتسليم جثثهم لعائلاتهم، ودفن الرفاة كما يليق بالمسلمين، من احترام وتقدير لحقوق الموتى، والشهداء، ومحاكمة المسئولين عن الجريمتين، ومن ضمنهم اللجان الثورية، ولجان القبض، والتحقيق، ومكتب اتصال اللجان الثورية، وطاقم وادارة السجن اثناء المذابح، والكشف عن اسماء الذين امروا بتنفيذ المجزرتين، ومارسوا التعذيب داخل السجن، والذين كتبوا التقارير ضد الضحايا، قبل اعتقالهم، وظروف الاعتقال، والتحقيق مع لجان التحقيق التابعة للنظامين، الذين قاموا بتزوير التحقيق.

كما ان هناك اصوات تنادي بالاستعانة بالمحاكم الدولية، ولجان حقوق الانسان، وهيئة الامم، ومحكمة العدل الدولية، ومطالبة هذه الهيئات، واللجان بالتدخل، للتحقيق كطرف محايد، بل وباتخاذ اجراءات قانونية دولية ضد النظامين.

ان هذا التشابه، في جميع جوانب القضيتين، يدل، مرة اخرى، على مخطط مسبق واحد معد ومدروس. ويدل هذا التشابه، مرة اخرى، على نية القتل العمد، مع سبق الاصرار والترصد.

وهكذا..

يخيم علينا الحزن، كلما تذكرنا، ان الذين قاموا بهاتين المجزرتين البشريتين، والذين عذبوا شبابنا، واذاقوهم الويلات، ثم قتلوهم غدرا وخيانة وصبرا، لا زالوا احرارا، لم يحاكموا، ولم يقتص منهم، ولم يدفعوا ثمن جرائمهم، بل ما زالوا احرارا، يتمتعون بالحياة والشمس والهواء، وربما مازالوا، يتمتعون مع اطفالم واهلهم وذويهم، بالاعياد والمناسبات والافراح، وقد تلطخت ايديهم بدماء اولادنا، بينما قتل الحزن حتى الاحياء منا، حسرة على فلذات اكبادنا.

عزاؤنا.. انهم.. باذن الله شهداء.. وعزاؤنا اننا لن نتنازل.. ما حيينا.. عن قطرة دم واحدة.. فهؤلاء الضحايا.. ملك للوطن.. وملك للامة.. العربية.. والاسلامية.. وقتلهم.. بهذه الصورة.. وما تحمله.. من غدر وبشاعة ونذالة.. يعتبر.. بجميع المقاييس.. خيانة عُظمى للوطن والانسان والقيم. ولابد من ملاحقة الخونة.

المراجع:

1. كتاب مذبحة سجن ابوسليم / التضامن لحقوق الانسان http://lhrs.ch/books/

2. موقع التضامن لحقوق الانسان http://lhrs.ch/

3. تدمر.. شاهد ومشهود (1980-1991م)/ محمد سليم حماد/ الزهراء للاعلام العربي.

4. تدمر.. المجزرة المستمرة/ دار النذير- 10/ الطبعة الثالثة/ مزيدة ومنقحة.

5. ملف مذبحة ابوسليم موقع ليبيا المستقبل على.

========================

الديمقراطية في سورية على طريقة سعد الحريري

كتب الشيخ يوسف غوش – بيروت

الوطن السورية

20-3-2011

هناك أسئلة مشروعة مطروحة على المواطن العربي ترتبط الإجابة عنها بالموقف من إسرائيل ومن المشاريع الأميركية في بلادنا، فلماذا يبرر السياسيون اللبنانيون الوطنيون دعمهم للثورات العربية ثم يرفضون أي تحركات شعبية معارضة للنظام في سورية؟

ولماذا يحرص سعد الحريري وموظفوه في الإعلام على دعم أنظمة عربية قتلت مواطنيها مثل البحرين والسعودية ومصر حسني مبارك، ولماذا في الوقت عينه يزعم سعد حبه للثورة ولكن في سورية لا في السعودية ولا في البحرين ولا في مصر؟

ولماذا يمول سعد الحريري - كوسيط للأميركيين- ويدعم إعلامياً ولوجستياً قادة فاسدين هاربين من سورية، ولماذا يمول الحريري ومن معه – بأوامر أميركية- أرباب الفكر التكفيري في سورية الحالمين كما حلم الزرقاوي في العراق بالفتنة الطائفية؟

وعلى الطرف اللبناني المقابل.. لماذا يبارك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله انتصار الثورات في مصر وتونس ولا يبارك إعلامه بل يرفض ويخون كل من يدعو إلى ثورة شعبية في سورية؟

وكيف تحتفل حركة الإخوان المسلمين في فلسطين ممثلة بحركة حماس بانتصار الثورة المصرية وإعلامها وشخصياتها وترفض أي مس بالاستقرار وبالنظام في سورية ولو بكلمة أو بانتقاد؟

ولماذا يعتبر تكفيريون قتلوا المدنيين في سورية باسم المسلمين في الثمانينيات بأن النظام السوري يستحق الثورة عليه على حين تصر حركة الإخوان المسلمين في مصر وهي الحركة الأم على تسمية الرئيس السوري بحامي المقاومة الإسلامية والعربية؟

الرافضون لتحركات تعادي النظام في سورية ينطلقون من فكرة تحاول أن تؤكد الشك بأن الأميركي والإسرائيلي لا يستسلم لثورة هنا ولا يركن إلى هزيمة هناك، بل هو يحاول دوما اختراق ضعفه في منطقتنا بالفتنة، وهو يحاول استبدال هزيمته في مصر بهزيمة لمحور المقاومة سورية.

مرحلة ما بعد الثورة في مصر تبدو لافتة للناظر إلى مكوناتها، فهل من منطق في لجوء الثوار الليبيين إلى السلاح بعد إسقاطهم نصف البلاد بالهتاف ومحاصرتهم بالتحركات السلمية للقذافي في مربعه الأخير في قلعته وسط طرابلس؟ وهل كان ذاك قرار الثوار المستقل؟أم قرار القائد العسكري المنشق صاحب المكالمة الهاتفية الشهيرة مع سفير أميركا في ليبيا؟

وهل من منطق لبروز سلفية مصرية تقتل المسيحيين وتهدم كنيستهم وتخوض معهم اشتباكات مسلحة؟

المخططون الأميركيون يحاولون في هذه المرحلة الحافلة بالتطورات أن يتمثلوا قول هارون الرشيد للغيم محرفاً:

«اذهبي أيتها الثورات حيث تشائين، فإن خراجك قادم إلينا»

وعلى الثائرين العرب أن يعملوا بجدية ومثابرة على مقاومة لذة الاستسلام للنصر السهل فما يتلو الانتصار أصعب وأشد مرارة ويحتاج لنضال معقد وصولا إلى بناء أنظمة ما بعد الثورة ومروراً بإصلاح يحتاج لثورة لإصلاحه وتنظيمه وترتيب أوضاعه.

وفي عودة لبعض أدوات الأميركيين في منطقتنا، نسأل عن سخافة حزب تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري في تبني الدعوات الثورية أو التخريبية – في سورية!!

ذاك الحزب الداعي إلى التغيير الديمقراطي في سورية وطبعاً في إيران وفي فنزويلا إن أمكن، يمثل ترؤس سعد الحريري له قمة العهر الديمقراطي، وهو الذي حصل على الزعامة بسبب الوراثة عن أبيه غصباً عن أخيه الأكبر بهاء نتيجة لدعم الأميركيين لسعد لا لبهاء.

سعد هذا وخلافاً لشائعات تمتعه بأي مؤهلات وطنية أو ولاء للبنان أو للسعودية، فإن وراثته لأبيه وخيانته لأخيه حصلت لأنه ليس أهلا للزعامة فلا يحتاج الأميركي في لبنان لزعيم لبث الفتنة، ولابتداع الأسباب الغرائزية المؤدية إلى المجازر الطائفية يحتاج الأميركي لسفيه يدار من سفهاء أكثر إجراماً منه بقليل.

ولا يغرنكم في سعد هذا مؤهلاته في الخطابة وبلاغته في العربية الفصحى، فإن للرجل قدرات في مجال واحد هو الاختلاس وسرقة الأموال العامة والاستيلاء على أموال مشاريع يؤتمن عليها فينسبها لنفسه دون أن يقوم بما يجعله يستحق جزءا منها، وفضائح شركاته في السعودية شاهدة عليه إن لم تكن فضائحه في لبنان كافية للأعمى لكي يبصر ولا يغرنكم في سعد مظهره العصري، فتاريخه يضم ألبوم صور «دموياً وغير مشرف» لا تخرج عنه صور شهداء كان شريكاً بقتلهم بالرضى وبالسياسة وبالتآمر في حرب إسرائيل على لبنان 2006، وجرائمه بالتحريض يحتويها ألبوم صور ضحايا حزبه من العمال السوريين الذين قتلهم أنصاره في بيروت وفي عكار وفي طرابلس وفي إقليم الخروب وفي صيدا لقرينة جرمية هي حملهم للجنسية السورية، على الرغم من أن أغلبية الضحايا هم في الميزان الطائفي اللبناني من مذهب يزعم الحريري أنه وأنصاره ينتمون إليه.

ما الذي يملكه سعد الحريري من تاريخ أو مؤهلات تجعله مصدر وحي وتمويل لحملات التحريض على الاحتجاجات الشعبية في سورية؟هل لسعد الحريري هذا تاريخ قومي مشرف يجعله أهلاً لتقرير الأنسب لسورية وشعبها.

للشعب السوري قبل النظام عداء جذري مع المشروع الصهيوني والأميركي، وللشعب السوري قبل النظام علاقة تعاطف وأهداف مقدسة مشتركة مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية فهل مواقف سعد من إسرائيل وأميركا مماثلة ومتطابقة مع توجهات ومواقف الشعب السوري؟

الشعب السوري قبل نظامه وقف مع المقاومة اللبنانية وهو (سعد) خانها (المقاومة في لبنان) ودعا لمحاسبة القائمين عليها أثناء تصديها لغزو إسرائيل في صيف 2006، أما الشعب السوري فقاسمها رغيف الخبز واحتضن أطفال وأمهات المقاومين وأغاثهم.وسعد هذا يتآمر علنا على المقاومة الفلسطينية وهو في حرب غزة خجل حتى من دعوة أنصاره لاستنكار المجازر الصهيونية هناك، في حين الشعب السوري خرج بالملايين متظاهراً لدعم المقاومة في غزة وفي عموم فلسطين.

الشعب السوري شعب حي، وهو قادر على أن ينجز ما يريد من تطوير في بلاده بقدراته وبشخصياته وهو لا يحتاج إلى فرد من قطيع كبار الفاسدين في العالم العربي من أمثال سعد الحريري وصهر بن علي وأبناء مبارك وأحمد عز وسيف القذافي الذين يتفوق سعد الحريري وأبوه عليهم جميعاً في الفساد وفي أساليب سرقة الأموال العامة وفي الاستيلاء على الأراضي التي تخص الدولة والشعب اللبناني فلا فاسد حياً أم ميتاً على هذا الكوكب سرق مدينة بأكملها ثم طمر بحرها ليحصل على مساحة تعادل مساحات ما استولى عليه من وسط بيروت برشوة النواب (استولى وتملك مدينة لبنانية بمرسوم من مجلس نواب مرتش تحصل على المدينة الثانية مجاناً).

حزب المستقبل يدعم الديمقراطية في سورية ويمول الدعوات إلى التظاهر من أجلها؟

يا للوقاحة ويا لسخرية الزمن...

رئيس حزب الحريري المسمى تيار المستقبل، هو سعد الحريري، وأمين عام الحزب هو ابن عمته أحمد الحريري، وشقيق الأخير «نادر» مستشار سعد الحريري الخاص في حزب المستقبل وفي رئاسة الحكومة، وممثلة حزب تيار المستقبل في البرلمان عن صيدا هي عمة العشيرة وعمة سعد الحريري النائب «بهية الحريري» ومحاسب الحريري السابق هو رئيس كتلته البرلمانية ومدير عام شركة من شركاته نائب في الكتلة ورفيقه في لعبة الأتاري نائب آخر في كتلته، ويقال إن مدلكه الخاص ومقلم أظافر قدميه «درويش» سيترشح عن بيروت في الانتخابات المقبلة، فهل هذه هي الديمقراطية التي يدعون الشعب السوري إلى مثلها؟

حزب المستقبل هذا الذي يعمل أجيرا عند الأميركيين منضو تحت سقف تجمع دولي هو «الاتحاد الدولي للأحزاب الليبرالية» الذي يضم أيضاً حزب بيتنا إسرائيل وحزب كاديما. وقد غاب الحزبان الإسرائيليان عن اجتماع بيروت التزاماً بأحكام المقاطعة العربية وقد عقد هذا الاتحاد أحد مؤتمراته العام قبل الماضي في فندق البريستول في العاصمة اللبنانية بدعوة من أحمد الحريري، فهل زمالة زعماء كاديما وبيتنا إسرائيل في المؤتمرات العالمية هو ما يحلم به الشعب السوري؟

=========================

حوار مع الناشطة السورية سهير الأتاسي حول مظاهرات دمشق:

"بداية بداية لكسر حاجز الخوف في مملكة الصمت"

هبة الله إسماعيل

مراجعة: أحمد حسو

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011

القنطرة

20-3-2011

تظاهر سوريون في العاصمة دمشق، كما حاول آخرون الخروج إلى الشوارع في مدينتي حلب ودرعا، مطالبين بإحداث تغيرات سياسية في البلاد. الناشطة والمعارضة السورية سهير الأتاسي ترى في هذه التحركات بداية لكسر حاجز الخوف لدى السوريين في "مملكة الصمت والخوف".

مظاهرة دمشق بداية لكسر حاجز الخوف في "مملكة الصمت"

"الشعب السوري ما بينذل "و"الله، سوريا، حرية، وبس"، كانت هذه بعضا من الهتافات التي استخدمها سوريون تظاهروا في سوق الحميدية العريق بالعاصمة دمشق، كذلك حاول آخرون النزول إلى الشارع في بعض المدن السورية الأخرى كحلب ودرعا، حسب معلومات من ناشطين سوريين نشروها على موقع فيسبوك. وكانت مظاهرة دمشق قد ضمت ما بين 150إلى 200 شخص، بحسب ما أفادته الناشطة والمعارضة السورية سهير الأتاسي في حديث خاص مع موقع دويتشه فيله. وكما جرت العادة في الدول العربية الأخرى، كان لموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك دورا محوريا فقد دشنت صفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد" حملة تدعو للتظاهر.

وقد وصل حجم المشاركين في هذه الحملة، التي دعت إلى تظاهرات الخامس عشر من آذار، إلى أكثر من 40 ألف مشارك. وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام أشرطة فيديو بثت على الفيسبوك، ويبدو أن المتظاهرين التقطوها ووضعوها على هذا الموقع. وقد أمكن سماع صوت الشخص، الذي كان على الأرجح أنه يلتقط الصور، وهو يقول "بتاريخ 15 (مارس) آذار هذه أول انتفاضة صريحة ضد النظام السوري. علوية وسنية ومن كل أطياف سوريا بدنا نوقع ها لنظام".

مملكة الصمت" تخرج عن صمتها

"مظاهرة اليوم تعتبر الشرارة الأولى لبداية الخروج عن الصمت للمطالبة بحرية الرأي خاصة وأن المتظاهرين بعد هتافاتهم أظهروا أنهم مواطنون وليس رعايا"

وتوضح الناشطة السورية سهير الأتاسي أن التظاهرة في دمشق اعتمدت على عنصر المفاجأة، حيث بدأت في منتصف سوق الحميدية وتم تفريقها بالقوة واعتقال أربعة شباب. وتعبر المعارضة السورية عن تفاؤلها من بداية خروج السوريين إلى الشوارع حيث توصف سوريا بأنها "مملكة الصمت والخوف". وترى أن الشارع السوري، الذي راقب هذه المظاهرة، مازال يشعر بالذهول من وقوع هذا الحدث آملة في أن يفهم ويتعود على أنه يحق له المطالبة بحقوقه بنزوله إلى الشارع والتظاهر بطريقة سلمية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن هذه أول تظاهرة تقام حول الأوضاع الداخلية للبلاد.

وتعاني سوريا منذ حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد من استخدام السلطة للوسائل القمعية للحد من حرية الرأي، حيث تسري في البلاد قوانين الطوارئ والأحكام العرفية واعتقال الناشطين السياسيين. وقد فرضت حالة الطوارىء في سوريا بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في الثامن من آذار/ مارس 1963. وتشير المعارضة السورية إلى أن التظاهرات والاعتصامات، التي وقعت تأييدا لثورتي مصر وليبيا، استخدمت فيها الحكومة السورية الأساليب القمعية مثل الضرب والشتم والاعتقالات وتم إرسال "البلطجية" إلى المعتصمين لتهديدهم. وأوضحت أتاسي أن اختيار وسط سوق الحميدية للتظاهر جاء لأنها منطقة تعج بالسائحين.

انطلاق الشرارة الأولى

قد تم تداول عدة أشرطة فيديو أحدها من القاهرة حيث يظهر في الشريط سوريون يتظاهرون أمام سفارتهم وسط العاصمة المصرية مطالبين ب"إنهاء النظام القمعي والفساد في البلاد". كما انتشر شريط فيديو آخر تظهر فيه تظاهرة للسوريين في جزيرة قبرص تزامنا مع المظاهرة التي وقت وسط العاصمة دمشق. كما تشير بعض المعلومات غير المؤكدة إلى أن متظاهرين في مدن سورية أخرى مثل حلب ودرعا حاولوا التظاهر إلا أنه تم قمع هذه المحاولات.

وترى المعارضة السورية سهير الأتاسي أن مظاهرة اليوم تعتبر الشرارة الأولى لبداية الخروج عن الصمت للمطالبة بحرية الرأي خاصة وأن المتظاهرين بعد هتافاتهم أظهروا أنهم مواطنون وليس رعايا، على حد تعبير الناشطة السورية متخليين عن فكرة "سوريا الأسد". وأوضحت الناشطة السورية إلى أن هذه التظاهرة التي شهدتها دمشق انطلقت عبر مبادرة شبابية دون معرفة من يقف وراء هذه التظاهرة مشيرة في الوقت ذاته إلى أن المتظاهرين كانوا من شتى الطوائف للقضاء على فزاعة "الطائفية" التي يستخدمها النظام السوري. كما أن موقف سوريا من انتفاضة ليبيا يعتبر القشة التي قطمت ظهر البعير.

وجاءت هذه المظاهرة في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية السوري وليد المعلم اليوم، أثناء مؤتمر صحافي مع نظيرته الاسبانية ترينيداد خيمينث في دمشق، عن وجود برنامج إصلاحي في سوريا متحدثا عن "خطوات نحو الإصلاح السياسي سنشهدها هذا العام". وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد تحدث في وقت سابق، في مقابلة أجرتها معه صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، عن وجود "برنامج يبدأ بإصلاح قانون انتخابات الإدارة المحلية ثم مجلس الشعب وهكذا".

=========================

متطلبات الأمن والاستقرار الوطني

حمادة فراعنة

الايام

20-3-2011

لم تعد هناك حدود للأمن، ولم تعد خطوط الطول أو العرض لهذا البلد العربي أو ذاك مغلقة على الرياح أو الشمس أو الثورة والتغيير، فالعامل الوحيد الذي يجعل العربية السعودية أو تونس أو قطر والبحرين وسلطنة عمان أو مصر تتأخر عن بعضها البعض، هو عامل الوقت، فإذا كانت تونس ومصر بالأمس، واليوم ليبيا والبحرين واليمن، فغداً ستكون لدى العربية السعودية وسورية والسودان، فإذا كانت دوافع التغيير في تونس ومصر وليبيا هي عوامل اقتصادية وسياسية، فهذا لا يعني أن العامل الاقتصادي المستقر سيحمي بلدان الخليج الثرية من التمرد والعصيان والثورة، فإذا كانت شعوب الخليج العربي "شبعانة" من الخبز وبعضها يتمتع بالرفاهية فهي "جوعانة" للكرامة وللتعددية وللديمقراطية وبعضها يُعاني من التمييز ويضطهد الشيعة، وكأن التشيع أو الشيعة مسبة أو كأن التشيع يتعارض مع المواطنة أو أن المطلوب من المواطن أن يكون سنياً حتى يكون موالياً ومخلصاً لمواطنته، فالتمييز في البلدان العربية، صفة ملازمة للأنظمة الحاكمة سواء أكانت ملكية أم جمهورية، فهناك اضطهاد للأمازيغ في الجزائر والمغرب، وهناك اضطهاد للأفارقة في السودان والصومال وجيبوتي، وهناك اضطهاد للشيعة في العربية السعودية والبحرين وهناك اضطهاد للأكراد في سورية كما كان في العراق، وهناك اضطهاد للمسيحيين في مصر والعراق، وهكذا نجد أن لدينا سمة غالبة للتمييز والاضطهاد الديني والقومي في عالمنا العربي، وهي أحد عوامل ومحركات الثورة والاحتجاج، والخليج العربي ليس بعيداً عن هذه المظاهر بل هو نموذج متخلف يعبر عنها، كما أن غياب الديمقراطية والتعددية وصناديق الاقتراع هي السمة الأبرز لأنظمة الأسرة الواحدة المتحكمة لدى النظم الخليجية مثلها مثل الأسر الحاكمة أو العشائر المتحكمة لدى "الجمهوريات الملكية " كما هو الحال في ليبيا واليمن وسورية .

بلدان الخليج العربي الستة، من المجموعة العربية الثانية التي تحتاج للحماية الأمنية والعسكرية الأميركية والأوروبية، وبالتالي فهي ستسمع وتستجيب للنصائح الأميركية الأوروبية، حتى لا أقول إنها ستنفذ التعليمات الأميركية الأوروبية، مثلها مثل مجموعة البلدان العربية الأولى التي تحتاج للمساعدات المالية الأميركية والأوروبية، وهي مساعدات ذات طابع مدني وعسكري، تقدمها الولايات المتحدة وأوروبا لكل بلدان المجموعة العربية الأولى وهي موريتانيا والمغرب وتونس ومصر وجيبوتي والأردن وفلسطين ولبنان واليمن، وبالتالي فهي تسمع وتستجيب للنصائح الأميركية الأوروبية، بشكل أو بآخر.

مجموعة البلدان الخليجية الستة لأنها تحتاج للحماية الأميركية الأوروبية، لن تكون معزولة عن سير الأحداث وسيناريو التطورات كما حصل في تونس ومصر، التي استمع رئيساها زين العابدين بن علي وحسني مبارك، للنصائح الأميركية الأوروبية واستجابا لمطالب الشارع التونسي والمصري، وبذلك تكامل المطلب الداخلي الشعبي مع تأييد ونصائح العامل الدولي (الأميركي الأوروبي) للوصول إلى الهدف المتمثل بانتخابات رئاسية من الشعب وتداول سلطة وفق صناديق الاقتراع مع برلمانات منتخبة من قبل الناس.

والأنظمة الملكية، وفي طليعتها النظام الخليجي يجب أن تصل إلى الهدف، لقيام أنظمة ملكية فيها، تقودها حكومات برلمانية على أساس الأغلبية النيابية وأحزاب متنوعة تقوم على مبدأ التعددية، وفق المطالب الشعبية وقيم العصر والقرار الدولي، ولا هروب من هذه الاستحقاقات، ومن يقف ضدها سيتلاشى وكأنه لم يكن، مثله مثل شاه إيران وامبراطور الحبشة، سابقاً، وزين العابدين بن علي وحسني مبارك لاحقاً.

لقد بات المشهد المستقبلي للنظام العربي واضحاً في أهدافه وتطلعاته، متمثلاً بجمهوريات ذات رؤساء منتخبين، وملكيات ذات حكومات برلمانية، والزحف، لن يستثني أحداً من استحقاقات التغيير، ومتطلبات الحياة والعيش الكريم على أساس المساواة وتكافؤ الفرص، لشروط التعامل مع نظام القرن الواحد والعشرين.

من يستدرك، ويسبق الحدث ويعمل على الاستجابة مع استحقاقات الحياة وشروط القرن الواحد والعشرين، ويلب تطلعات شعبه ويستمع للنصائح الأميركية الأوروبية ينج بنفسه من الثورة والاحتجاجات، ويحمي شعبه من الأذى وبلده من الهلاك والخراب، ولا يكرر تجربة ليبيا الدموية، لأن قائدها "العظيم الملهم" معمر القذافي لم يتجاوب لا مع الاحتجاجات الشعبية ولا مع متطلبات المرحلة ولا مع القرار الدولي ولا مع النصائح الأميركية الأوروبية، ولذلك سقط في الخيار الدموي ولن يخرج منه سالماً.

العالم لم يعد مغلقاً، والاتصالات والتقنية فتحت بوابات التأثير المتبادل بين الشعوب وقيمها ولم تعد الحدود هي أقفال الحماية ومفاتيح الأمن، فالأمن الاقتصادي والاجتماعي والوظيفي هي مفاتيح الحماية والاستقرار والأمن الوطني، للنظام وللشعب على السواء، لدى البلدان الملكية والجمهورية في العالم العربي.

=========================

إسرائيل تحارب الشعب الليبي!

حلمي الاسمر

 الدستور

20-3-2011

إسرائيل تحارب الشعب الليبي ، بت على قناعة أكيدة بهذه الحقيقة ، المؤشرات كثيرة ، هناك تغير محوري في لغة الخطاب الرسمي المراوغ ، وتقدم عسكري لافت على الأرض ، ومؤشرات على وجود أسلحة نوعية جديدة ، الأنباء تحدثت قبل فترة عن زيارة خاطفة لسيف الأحلام ابن السفاح معمر لإسرائيل ، ويبدو أن الزيارة أثمرت ، كما نشرت أكثر من وسيلة إعلام إسرائيلية تقارير عن قرار إسرائيلي رفيع المستوى بدعم القذافي ونظامه بكل ثمن ، وبين هذا وذاك يتحرك أمراء الحرب اليهود ، الذين يجوبون افريقيا لتجنيد المرتزقة وشحنهم إلى طرابلس،.

خبراء موت إسرائيليون يعتاشون من دم الشعب العربي ، بدأت هذه "الحياة" منذ مائة عام ، في فلسطين ، وتحولت إسرائيل مع مرور الزمن ، إلى مختبر لصناعة الموت والتآمر ، في محاولة لوقف تقدم الشعوب العربية وازدهارها ، حينما يصيح عربي غبي أنه لا شأن له بفلسطين وإسرائيل ، أصاب بالشفقة على هذا المسكين ، فلو تركهم ما تركوه ، يقولون أحيانا ، من هم على شاكلة هذا ، ما لنا والفلسطينيين ، يصطفلوا مع اليهود ، وربما يذهب إلى ابعد من هذا ، فيدعو الله أن يحرقهم ، وينصر شارون عليهم ، ايام كان هناك شارون ، وهو لا يعلم أن إسرائيل ستظل تقاتل حتى آخر قطرة دم عربية،.

حينما اشتعلت ثورات العرب المعاصرة ، بدأ خبراء الاستراتيجيا الإسرائيليون بعد الأيام أو الأشهر أو السنوات لهزيمة إسرائيل ، وإلا ما شأنهم بما يحصل بليبيا؟ حبا بالمال مثلا؟ ممكن ، ولكن الأهم وقف تقدم هذه الثورات ، بأي ثمن ، ولو عن طريق إشاعة الفتن ، وإشعال الحرائق الصغير ، بدا هذا أكثر فأكثر عبر إشعال الفتنة الطائفية على هامش أحداث البحرين ، والبعض يستمرئون أن يكونوا جزءا من هذه الفتنة ، سواء عن جهل أو خبث أو حماس غبي ، أو تعصب ذميم،.

إسرائيل هي رأس الشيطان ، وأساس البلاء ، وأي التفاتة ولو للحظة عن هذه الحقيقة ، عمل مدمر ، إسرائيل لا تستهدف الفلسطينيين فحسب ، وفلسطين أصلا ليست للفلسطينيين فقط ، والعرب الذين يحاولون أن يتبرأوا من هذه القضية ، يحسبون أنهم في منأى عن رأس الشيطان ، الأردن وفلسطين الآن هما القلعة التي تصد كيد يهود عن العرب ، وهما الجدار الذي يشاغل العدو ، ودعمهما ليس منة ولا فضلا ، بل هو دفاع عن ذات الأمة ، وتركهما في الساحة وحدهما لمواجهة هذا العدو خيانة للأمة،

=========================

ما وراء الأخبار.. تساؤلات عربية

دمشق

صحيفة تشرين

رأي تشرين

الأحد 20 آذار 2011

عزالدين الدرويش

تساؤلات كثيرة تبرز إلى الواجهة على خلفية ما يحدث على امتداد الساحة العربية من تحركات، وانتفاضات شعبية، وردات فعل، وتدخلات خارجية غربية تبدو واضحة في خبثها وانتهازيتها في الكثير من الأحيان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالدول العربية النفطية.

الشارع العربي يتحرك بكل الوسائل للتعبير عن إرادته، ولفرض رؤيته في السياسة والإدارة والعمل العربي المشترك، وفي تعريف المصطلحات الوطنية والقومية، كل ذلك صحيح ومعروف، ولكن يبدو أن هذا الحراك الشعبي يسيّر أحياناً بعكس الإرادة الجماهيرية، وبعكس الضرورات الوطنية الآنية على أقل تقدير، ما ينتج حالات من عدم الاستقرار والفوضى الهدامة التي سمتها الولايات المتحدة في سياق حديثها عن الشرق الأوسط الجديد الفوضى غير الهدامة. ‏

وقد أنتج هذا التحرك الشعبي ثورات حقيقية في مصر وتونس عندما اكتسب صفة الشمولية والوضوح في الرؤية والمواقف، وعندما وجد الأسباب الملحة التي تشرّع هذه الثورات، وتعطيها الأسباب المناسبة للنجاح والاستمرارية، ولكن التعميم يبدو من غير الواقعي أبداً، فالأسباب التي تنطبق على هذا البلد العربي لا تنطبق إطلاقاً على ذاك، والضرورات الوطنية تفرض ذاتها عندما يكون الحديث عن بلد عربي مستهدف أساساً إسرائيلياً وأميركياً بسبب مواقفه الوطنية والقومية المشرّفة، وتمسكه بنهج مقاومة العدوانية الصهيونية. ‏

وهذا يعني أن تعميم نماذج ثورتي مصر وتونس قد يكون من الأخطاء الفادحة إذا ما أخذت في الحسبان حقيقة أن النظامين اللذين كانا حاكمين في هذين البلدين حليفان أساسيان لإسرائيل، وشريكان مباشران للولايات المتحدة في المنطقة. ‏

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فالإرادة الشعبية في هذا البلد قد تختلف عنها في بلد آخر، وهنا يكون دور الخارج واضحاً في توجهه نحو الانتقام، خاصة عندما يكون البلد المستهدف له مواقفه المشهودة في الدفاع عن القضايا العربية، وفي دعم نهج المقاومة الوطنية لاستعادة الأراضي المحتلة والحقوق المغتصبة. ‏

===========================

ديمقراطية إيطاليا والسياسة الأميركية إزاء مصر

جيم روسابيب

السفير الأميركي الأسبق لدى رومانيا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"

تاريخ النشر: الأحد 20 مارس 2011

الاتحاد

السابع عشر من مارس لا يوافق ذكرى عيد القديس "سانت باتريك" فحسب، وإنما يأتي هذا العام في الذكرى المئة وخمسين لتأسيس إيطاليا الحديثة، وهي ذكرى قد لا ينتبه إليها الكثير من الأميركيين. لكن هذه الذكرى جديرة بالاهتمام في الحقيقة.

وأقول لهؤلاء الذين لا يصدقون أن مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط يمكن أن تتحول إلى ديمقراطيات مزدهرة، إن عليهم أن يأخذوا نفَساً عميقاً، ويفكروا جيداً في تاريخ إيطاليا.

حتى منتصف القرن التاسع عشر، لم تكن إيطاليا قد أصبحت بعد دولة -أمة حيث كان الإيطاليون مقسمين بين النمسا ومملكة البربون في نابولي والفاتيكان ومجموعة من الدول -المدن.

لكن الديمقراطية الإيطالية في القرن التاسع عشر، لم تكن بالديمقراطية الجيدة. فلم تكن هناك شخصيات مثل توماس جيفرسون، أو جورج واشنطن -الآباء المؤسسون العظام للولايات المتحدة الأميركية- في المدن الإيطالية مثل روما ونابولي... تماماً كما أنهم لا يوجدون في مدن كالقاهرة، والإسكندرية اليوم.

لكن كانت هناك تعددية سياسية، ومتطرفون دينيون، واشتراكيون، ومشروعات تجارية كبيرة، وفوضويون، وعسكريون، ومزارعون، ومثقفون.

كان هؤلاء جميعاً موجودين في المدن الإيطالية في ذلك الوقت، تماماً مثلما أنهم موجودون اليوم في مصر.

وخلال السنوات الأولى من عمر إيطاليا الحديثة كانت أسهم العسكريين في صعود، وهو ما مكنهم من السعي لزيادة المستعمرات الإيطالية في الخارج -مثل ليبيا- وتوسيع حدود الدولة الإيطالية. وتغير هذا الوضع خلال العقدين الأوليين من القرن العشرين، حيث سيطر الفاشيون ذوو القمصان السوداء بزعامة موسوليني على الأوضاع.

وكان العهد الفاشي في إيطاليا في فترة ما بين الحربين العالميتين، فصلاً كلاسيكياً في التاريخ المتعرج لبناء ديمقراطيات مستقرة. فخلال هذا العهد نهض موسوليني من إخفاقات الديمقراطية الضعيفة، وحقق صعوداً لافتاً قبل أن ينتهي به الحال مشنوقاً عام 1945 على أيدي شعبه حين كانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها.

وبعد الحرب العالمية الثانية، وبمعاونة فعالة من جانب الأميركيين، تمكنت إيطاليا من إعادة وضع ديمقراطيتها على المسار السليم، لكنها -رغم ذلك- لم تكن جيدة بالقدر المأمول.

فانتخابات 1946، جاءت إلى الحكم بحكومة ائتلافيه، بين الديمقراطيين المسيحيين المدعومين من قبل الفاتيكان، والشيوعيين المدعومين من السوفييت والاشتراكيين. وتحت ضغط من الأميركيين تم طرد الشيوعيين والاشتراكيين من الحكومة في منتصف عام 1947، وأصبحت انتخابات العام التالي نقطة فاصلة يتقرر بعدها ما إذا كانت إيطاليا ستظل متحالفة مع الغرب، أم أن الشيوعيين سيكسبون الانتخابات ويحصلون على الفرصة لإقامة نظام حكم دكتاتوري.

ويمكن القول إن خوف أميركا من معادلة "رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة" في إيطاليا في ذلك الشتاء من عام 1948، يعادل خوفها من وجود الشيء ذاته في مصر في شتاء عامنا هذا.

كان رد الولايات المتحدة على هذه الحالة، هو إطلاق يد "سي. آي. ايه" والديمقراطيين المسيحيين، والأحزاب الأخرى المناوئة للشيوعيين ومساعدتهم على الفوز في الانتخابات. وسواء أكان هذا التدخل حاسماً أم لا، فالشيء المؤكد هو أن نتيجة تلك الانتخابات كانت حاسمة حيث حصل الديمقراطيون المسيحيون على 48 في المئة من الأصوات (نتيجة لم يحققوها قبل ذلك ولا بعده) في حين لم ينل تحالف الشيوعيين والاشتراكيين سوى 31 في المئة من الأصوات.

وخلال العقود الأربعة التالية، سيطر الديمقراطيون المسيحيون، أصدقاء أميركا، على السلطة، وإن كانوا قد اعتادوا تغيير رؤساء الوزراء كل عام تقريباً. وحتى سقوط الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، كانت الأولوية الأولى لأميركا في إيطاليا هي إبعاد اليسار عن الحكومة الإيطالية، وهو ما نجحت فيه.

ومع ذلك نمت الديمقراطية الإيطالية وعاشت من خلال الانتخابات الحقيقية، والقضاء المستقل، وحرية الرأي، كما نما اقتصادها ليصبح في وقت من الأوقات رابع أكبر اقتصاد في العالم، وازدهرت فنونها، وقدمت مخرجين سينمائيين عظاماً مثل فيليني، وازدهرت صناعاتها وقدمت ماركات سيارات مشهورة مثل "فيراري"، كما قدمت ماركات ملابس ذات شهرة عالمية مثل "فيرساتشي". وتحولت إيطاليا في نهاية المطاف لتصبح ركيزة أساسية من ركائز الناتو والاتحاد الأوروبي.

والسؤال هنا هو: ما الذي يعنيه كل ذلك لسياسة الولايات المتحدة تجاه مصر وغيرها من الدول في الشرق الأوسط؟

إنه يعني استغلال الفرصة المتاحة أمام العرب لبناء ديمقراطيات مستقرة، ومساعدتهم على تحقيق ذلك، مع إدراك أنه ستكون هناك خطوات للأمام وأخرى للخلف، وتقديم الدعم المادي، وتخفيف عبء الديون على تلك الدول، والاستفادة من الفرص التجارية معها، وتقديم الضمانات الأمنية الكافية لها، مع الربط بين كل ذلك وبين التزام تلك الدول بتعزيز المؤسسات الديمقراطيات.

لا يعني هذا أن أميركا سوف تتدخل في الانتخابات المصرية، كما تدخلت في انتخابات إيطاليا عام 1948، لأن الولايات المتحدة بعد مضي ما يزيد عن شهر على التخلي عن مساعدتها لمبارك، لا تمتلك من المصداقية في مصر ما كانت تمتلكه في إيطاليا عام 1948 بعد أن نجحت في تحريرها من الحكم النازي.

ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تكون إيجابية ومبادرة، بطرق تتناسب مع الظروف الخاصة في المنطقة.

لقد كانت القيادة الأميركية، بالتعاون مع حلفائها، مهمة للغاية لعملية تحول إيطاليا إلى دولة ديمقراطية حديثة ومستقرة... وهذه القيادة قادرة الآن على مساعدة مصر على أن تصبح نفس الشيء.

=========================

التدخل العسكري ضد القذافي

ليونيد ألكسندروفتش

التاريخ: 20 مارس 2011

البيان

يرى الكثيرون أنه حان الوقت لرحيل العقيد الليبي معمر القذافى، وتسليم مقاليد السلطة في بلاده لقوى المعارضة، خاصة أن الصراع السياسي في هذه البلاد تحول بالفعل إلى حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس. ولم يعد يكترث الزعيم الليبي بأرواح وحياة المدنيين من أبناء شعبه، لأنه يعتبرهم جرذاناً أو ما شابه. ولم يخجل هذا القائد «الثوري» من وصف شعبه الذي سانده على مدار أكثر من أربعين عاماً بأقذع الصفات والشتائم. وأطلق القذافي طائراته الحربية لتقتل هؤلاء المدنيين، أو لتجبرهم على حمل السلاح للدفاع عن حياتهم وعن أسرهم التي أصبحت أهدافاً لقصف قوات العقيد الليبي.

وإذا اتفقنا على أن كفاح الشعب الليبي وحربه ضد هذا النظام المتمادي في الإضرار ببلده وشعبه هي في حد ذاتها ظاهرة نبيلة تستحق كل الدعم والمساندة، ومن أجل إخراج ليبيا من ظلمات التخلف والقمع والدكتاتورية. لكننا ندرك أن ميزان القوى العسكرية على الأرض مازال مختلاً ولصالح هذا النظام الذي يعيث قتلاً وتدميراً، وبلا رحمة، بل نلاحظ الآن شهوة الانتقام تبدو واضحة.

لعل هذا الوضع هو ما زاد تعقيد الأمور، وخلافاً لثورة مصر التي رفض الجيش فيها إراقة دماء المدنيين، وقرر أن يسلك سبيلاً آخر، ضارباً بعرض الحائط بالولاءات الشخصية. فإن قطاعاً كبيراً من القوات الليبية يرتبط بالنظام وقائده عبر ولاءات قبلية ومصالح مادية وأطماع شخصية، ما دفع هذا القطاع لشن حرب دامية ضد جماهير المعارضين المدنيين.

 ولكن الأثر القبلي في المعارك الدائرة بين شرق وغرب ليبيا يبدو انه متعثر ومحدود التأثير فيما يخص توازنات المعارك، إذ رغم إعلان العديد من القبائل عن مساندتها لثورة الليبيين، إلا أن بعض المجموعات العسكرية مازالت تمتثل لأوامر العقيد القذافي بقصف المدنيين.

وهو ما يدفع للاعتقاد بأن محتوى هذا التحرك الشعبي الواسع يتجه نحو رؤية أكثر تطوراً من الأساليب التقليدية في الصراعات القبلية، كما أن تقدم قوات النظام وانسحاب قوات المعارضة واستعادة قوات النظام السيطرة على العديد من المناطق أربك المجتمع الدولي بشكل واضح.

وكان له تأثير على النقاشات في مجلس الأمن الدولي، وحتى على الموقف الأميركي نفسه الذي بات واضحاً أنه يتأرجح صعوداً وهبوطاً، وهذه مشكلة سببها الرئيسي ربط القرارات والمواقف بتطور الأحداث، وعلى ما يبدو أن واشنطن والأوروبيين لا يريدون تكرار أخطاء ارتكبوها من قبل مع الثورتين التونسية والمصرية ويدفعون ثمنها الآن، وقد لاحظنا الاستقبالات الفاترة والسلبية لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في كل من مصر وتونس، أيضاً هنا لابد من القول ان اختصار الأزمة الليبية في الملف النفطي نوع من التسطيح السياسي لأزمات شعوب المنطقة.

ويبدو واضحاً أن تغييرات جذرية في السياسات الخارجية الليبية أو سياسة استثمار الطاقة في ليبيا غير مطروح على أجندة كل من طرفي الصراع في ميدان القتال الداخلي، فلا أحد هناك يفكر في النفط، وإنما جوهر الخلاف والصراع يدور حول طرف يتشبث بالحكم وطرف آخر يريد الانتقال بالمجتمع الليبي إلى مرحلة أكثر حضارية وتطور تفسح المجال أمام الديمقراطية وحرية المواطن.

وفى هذا يبقى قرار حسم هذا الصراع الدامي الذي تراق فيه دماء المدنيين العزل عبر تدخل عسكري خارجي دقيقاً للغاية، ولقد فشلت بالفعل فرنسا في إقناع دول مجموعة الثماني «ا8» باستخدام قدراتها العسكرية لحسم الأزمة الليبية. رغم أن العديد من المنظمات الدولية تتحدث عن سقوط آلاف الضحايا في مواجهات بين المعارضين والقوات الحكومية. بينما لم تتردد دول مجموعة الثماني «ا8» في تشديد العقوبات المفروضة على الزعيم الليبي معمر القذافي ونظامه وأفراد أسرته، ولكن هناك فارق كبير بين قرار بتوجيه ضربة عسكرية، وقرارات بفرض عقوبات على نظام حكم قضى أكثر من نصف عمره في ظل عقوبات وحصارات.

إلا أنه يجب الاعتراف أيضاً بأن التدخل العسكري ليس مضمون النتائج والعواقب، حيث ان النظام الليبي لديه من القوات والعتاد والإمدادات الخارجية ما يعوق تحقيق نجاحات كبيرة من وراء التدخل العسكري الذي لن يضمن تقليص حجم الضحايا في ظل عدم معرفة القوات الأجنبية بطبيعة المجتمع والأرض، كما انه سيفتح باباً آخر لشبهة التدخل الاستعماري الذي يمكن أن يعطي شعبية داخلية وخارجية لنظام القذافي ويؤدى لانقلاب قطاعات واسعة من السكان نحو مقاومة هذا التدخل، وخاصة المحايدين الذين أثروا لسكينة في منازلهم، باعتباره اعتداءً على السيادة ومحاولة استعمارية للهيمنة على مقدرات ليبيا وثرواتها.

وحتى محاولة فرض حظر جوى تحمل مخاطر معقدة، إذ انها تتطلب ضرب الدفاعات الجوية الليبية، والتي تمتلك نحو 200 صاروخ أرض جو، ما قد يؤدي لتدمير مناطق بسكانها، كما أن هذه الضربات الجوية ستضفي على حرب القذافي طابعاً وطنياً باعتباره سيظهر كضحية لقوى خارجية وعدوان أجنبي، بينما سيظهر المعارضون وكأنهم عملاء وخونة للوطن.

بعد مأساة العراق وأفغانستان نجد العديد من الدول لا تريد الانزلاق في مستنقع التدخل في صراع وخلاف داخلي لأي بلد، لأن هذا الأسلوب يمكن أن يتم تعميمه واستخدامه، بما يؤثر على المجتمع الدولي ككل، وإذا كان بوش قد لجأ إلى ذريعة أسلحة الدمار الشامل الوهمية لشن حرب ضد العراق، أسفرت عن خسائر مدمرة فإن الذرائع للتدخل العسكري في ليبيا ضعيفة وغير مقنعة حتى الآن.

على المجتمع الدولي أن ينتظر ولا يتسرع في حسم القرارات، وأية خسائر على الأرض الآن هي أرحم بكثير من الخسائر التي ستترتب على التدخل العسكري.

=========================

العالم ودروس كارثة اليابان

المصدر: صحيفة «إندبندنت» البريطانية

التاريخ: 20 مارس 2011

البيان

وسط المشاهد المروعة التي تبثها شاشات التلفزيون عن كارثة شمال اليابان، يبدو من البشاعة التعامل مع جانب واحد فقط من هذه الكارثة أو استخلاص أي استنتاجات، حيث حلت الكارثة منذ وقت قصير للغاية وكان الدمار شاملاً. غير أن الكارثة طرحت بالفعل وبشكل من الإلحاح الجديد سؤالاً بدا أنه يتراجع من دائرة الاهتمامات على الصعيد العالمي في السنوات الأخيرة، وهو: إلى أي مدى تصل درجة الأمان، حقا، في الطاقة النووية؟

لقد كانت اليابان، نظرا لتاريخها، محقة كل الحق في أن تكون من بين البلدان الأكثر حذرا في تطوير وتسخير الطاقة النووية. ودعت جغرافيتها إلى مضاعفة الاحتياطات التي يمكن اتخاذها في أي مكان آخر، أو زيادتها إلى ثلاثة أضعاف. وحتى الأسبوع الماضي، بدت التدابير الأمنية أكثر من كافية. وكان لدى اليابان سجل في السلامة، وسمعة من حيث دمج السلامة في التصميم، وهي المسألة التي كانت لا يعلى عليها. كان ينظر إلى الانضباط الوطني الشهير والمرونة التي تحلى بها اليابانيون باعتبارهما رصيداً مضافاً، في حال حدوث أي شيء غير مرغوب فيه.

حتى الآن، كان من الممكن ذكر تجربة اليابان من أجل دحض المخاوف بشأن سلامة المفاعلات النووية. فقد كان هناك دائما شيء خاص بشأن الحوادث النووية السابقة التي من شأنه، كما كان مفترضاً، ألا يجعلها تتكرر في اليابان. فقد كان أسوأ حادث نووي كارثي في أميركا، في منطقة «ثري مايل ايلاند»، نتيجة لعطل ميكانيكي تسبب في ارتفاع حرارة قلب المفاعل.

وتبع ذلك إصدار ضوابط جديدة وتغييرات في التصميم. سوف تحل الذكرى الخامسة والعشرون على اكثر الحوادث تدميراً في تاريخ المفاعلات النووية في تشرنوبل في أوكرانيا في غضون شهر، والذي عكس أوجه القصور في التصميم، بل والإهمال في البنية التحتية وعدم الانضباط العام الذي شهدته السنوات الأخيرة من الاتحاد السوفييتي السابق. وبالنسبة للطاقة النووية في اليابان، كما كان مقبولاً على نطاق واسع، فقد اتسمت بمستوى مختلف تماما من الموثوقية.

يجب فتح الباب أمام النقاش بالنسبة لجميع الافتراضات حول سلامة الطاقة النووية. ربما سيتضح أن الجهات التنظيمية المعنية في اليابان كان يتعين عليها بذل المزيد من أجل ضمان سلامة المفاعلات النووية في فوكوشيما. يسلط البعض بالفعل الضوء على انتقادات كانت قد ترددت من قبل في اليابان في هذا الصدد، تزعم بوجود مبادلات بين السلامة والتكلفة.

من الممكن أيضا أن تدابير السلامة واسعة النطاق كان من شأنها تقليص فرصة تسرب الاشعاع. وبدا المسؤولون، أخيراً، على ثقة من أن انهيار قلبي مفاعلين نويين تم احتواؤه، إن لم تكن قد تمت الحيلولة دون حدوثه. حتى أفضل سيناريو، رغم ذلك، لن يكفي لتبديد الشكوك حول الطاقة النووية التي أزعجت الكثيرين لفترة طويلة. ولو أننا سلمنا بأن الكارثة كانت طبيعية تفوق نطاق أي شيء يمكن تصوره، حتى بالنسبة للجيولوجيا الهشة لليابان، فلا تزال التداعيات وخيمة.

فإذا لم يستطع اليابانيون، مع كل هذه الموانع المفهومة إزاء أي شيء نووي وكل تقنيتهم الرائدة عالمياً، بناء المفاعلات غير المعرضة للكوارث، فمن يستطيع ذلك؟ لقد ترددت أصداء هذا السؤال الكبير على الفور بشكل محدود داخل بريطانيا.

وفي ظل التزام الائتلاف الحكومي في بريطانيا إزاء برنامج جديد للطاقة النووية، وهي سياسة وقع عليها على مضض الديمقراطيون الأحرار المناهضون للأسلحة النووية، أعلن وزير الطاقة البريطاني «كريس هون»، أنه كلّف كبير مفتشي الطاقة النووية في بريطانيا بإعداد تقرير عن «تداعيات الموقف في اليابان والدروس التي يمكن استخلاصها».

========================

من تونس ومصر إلى ليبيا واليمن

محنة الثورات الشعبية في البلدان العربية

المستقبل - الاحد 20 آذار 2011

العدد 3945 - نوافذ - صفحة 9

ماجد كيالي

من تونس انطلقت مسيرة الثورات الشعبية لتغيير النظم السياسية في البلدان العربية، لكن الثورة الشعبية في مصر، هي التي أكدت بأن عملية التغيير في تونس لم تكن مجرد حالة استثنائية، وأن حال الاستبداد والتخلف والفساد في البلدان العربية، والمقيمة منذ أكثر من نصف قرن، لم تعد مقبولة.

أما التطورات الحاصلة في كل من ليبيا واليمن والبحرين (وغيرهم) فأكدت أن الطريق نحو التغيير السياسي ليست واحدة، ولا ميسّرة، إذ لايمكن استنساخ تجربة من أخرى، وثمة عوامل عديدة تتحكم بهذا الأمر، في كل بلد، من مثل: درجة تطور البني الاجتماعية، ومستوى تماسكها، ودرجة تمأسس أجهزة الدولة، ومدى استقلاليتها عن النظام السلطوي القائم، وعمق التدخّلات الخارجية فيه.

هكذا شهدنا في تونس ومصر ثورتين شعبيتين، من الطراز الهادئ والسلمي والجذري والعميق. وهاتان الثورتان لم تتوقفا عند حد إسقاط النظام القائم، والقطع مع أنظمة الاستبداد والفساد (وهذا يشكل ثورة بحد ذاته)، فقط، إذ هي شملت، أيضا، إعادة صوغ الدستور، وإطلاق الحريات، كحرية الإعلام والتظاهر وحق تشكيل الأحزاب، كما شملت تغيير الإدراكات الشعبية، باتجاه تكريس ثقافة تتأسس على المواطنة، واحترام حرية الرأي، والتسامح مع المختلف، والقبول بالتعددية والتنوع، والإرتقاء بالسلوكيات والقيم الفردية.

لكن مسارات التغيير السياسي في كل من اليمن والبحرين وليبيا قطعت مع المسار الذي شقته ثورتا تونس ومصر. ففي اليمن مازال الباب مفتوحا على مصراعيه أمام احتمالات عديدة، لا يمكن التكهن بها، وهي تتوقف على طريقة تعاطي النظام مع الحراك الثوري للشعب اليمني، وطول نفَس الحركة الشعبية، واستعدادها لتقديم التضحيات، لترسيخ ذاتها، وفرض أجندتها. أما في البحرين، حيث وعد ملكها بإجراء إصلاحات دستورية مهمة، للتخيف من الاحتقان الشعبي فيها، فإن الأمور باتت تسير في اتجاه آخر مع دخول قوات عسكرية ("درع الجزيرة") إلى هذه الجزيرة، في تطور لافت، يحمل في طياته رسائل داخلية وخارجية متعددة؛ ضمنها محاولة وضع حد للمداخلات الإيرانية في المنطقة.

مع كل ما تقدم فإن ما يحصل في اليمن والبحرين يؤكد أن ثمة نوعاً من التوازن بين الفاعلين السياسيين (السلطة ومؤيديها من جهة، والقوى الشعبية المطالبة بالإصلاح والتغيير من جهة أخرى)، كما ثمة نوع من التوافق، أو التواطؤ الضمني، على شكل المغالبة. فالسلطة في اليمن والبحرين مع استخدامها للعنف بدرجة محسوبة، وحذرة، تحاول الإيحاء باستعدادها للقيام بإصلاحات سياسية مهمة، وبالمقابل تحاول القوى الشعبية المعارضة المحافظة على وتيرة ضغطها، بالطرق السلمية الهادئة والمضبوطة، حتى لا تُستدرج لمربع المواجهات المسلحة، التي قد تضرّ بها (مهما كانت النتيجة)؛ مايحتسب لصالحها.

هكذا فإن عملية التحول الديمقراطي في البلدان العربية، بالطرق السلمية والهادئة، باتت تواجه محنة كبيرة في ليبيا، من نواح عدة، أهمها:

أولاً، إن النظام في هذا البلد، الذي ظل، طوال أربعة عقود من الزمن، لا يبالي بشعبه، ولا بمحيطه، تحلّل من أية مسؤولية وطنية أو أخلاقية، في محاولته الحفاظ على ذاته، بذهابه السريع نحو الصراع المسلح والمدمر، لحسم الأمر. والنتيجة أن النظام استطاع استدراج، وتوريط، القوى الشعبية الثائرة عليه، بالصراع المسلح، أي بالخروج من ميادين المدن إلى ساحات المعارك، وهو أمر لاشك سينعكس سلبا على أصالة التحول الديمقراطي في هذا البلد، وإشاعة ثقافة العنف فيه.

ثانياً، إن الصراع المسلح في ليبيا سيؤدي حتما إلى نوع من التدخلات الدولية في هذا البلد، التي يصعب تحمّل تداعياتها أو مخاطرها فيما بعد، على مستوى ليبيا وشمالي أفريقيا. والمعنى من ذلك أن نظام القذافي يدمر ذاته، ويدمر ليبيا، مرتين، مرة بتلويث ثورتها، بالصراع حتى آخر نقطة دم ("من بيت لبيت ودار لدار ومن شارع لشارع ومن زنقة لزنقة")، ومرة ثانية عبر تهديد سيادة ليبيا، على أراضيها، بمحاولاته تقويض حق شعب ليبيا بتقرير مصيره، من خلال استدراج التدخلات الخارجية في هذا البلد.

ثالثاً، إن تشظي الواقع القبلي في ليبيا ينعكس سلبا على مسارات الثورة الشعبية فيها، فقد تعمد العقيد إبقاء شعب ليبيا عند حدود التوزيعات القبلية، ماقبل الوطنية، أي انه حال دون قيام الشعب. وما فاقم من هذا الوضع حؤول نظام القذافي دون قيام الدولة، أيضا، أي دولة المؤسسات والقانون، وهذان الأمران سهلا للنظام في ليبيا تصديه للثورة الشعبية، وهما اللذان يضعفان من الطابع الشعبي لهذه الثورة.

لكن إذا خرجنا من الوضع المأساوي الحاصل في ليبيا، فسنجد أن ثمة جوانب أخرى لمحنة التحول الديمقراطي في البلدان العربية، تتجلى بنقص مفهوم المواطنة في البلدان العربية، مع وجود عصبيات ماقبل وطنية، أي عصبيات طائفية ومذهبية واثنية وقبلية، لاسيما مع وجود استطالات إقليمية لبعض هذه العصبيات. وقد شهدنا في ميدان التجربة بأن هذا المركّب يعوّق، وربما يعطّل، من عملية التحول الديمقراطي في بعض البلدان (خذ مثلا واقع العراق ولبنان والبحرين).

فوق ذلك فإن واقع الاحتلال في فلسطين والعراق لايتيح المجال لبناء ديمقراطية نموذجية فيهما، رغم كل الادعاءات بشأن ذلك. هكذا شهدنا أن حكومة المالكي لم تتحمل مجرد بعض المظاهرات المعارضة، والمطالبة بإصلاح المؤسسات واستئصال الفساد، وأن المالكي نفسه تكشّف عن مشروع ديكتاتور، يمنع المظاهرات، ويواجه مطالبات الإصلاح بالقوة العسكرية. والأمر في فلسطين لا يختلف عن ذلك البتة فالسلطة هناك تقيد المظاهرات، التي لاتتناسب مع هواها وسياساتها (في الضفة وغزة أي عند فتح وحماس)، بل إنها لا تتورع عن استخدام القوة لقمع المعارضين وإسكاتهم.

لقد أكدت الثورات الشعبية العربية بأن عصر التحولات الديمقراطية في البلدان العربية قد بدأ، أما بالنسبة لتحقق هذه التحولات فيبدو أن شوطاً كبيراً، ينبغي قطعه في هذا الاتجاه. ولعل ذلك بديهي في منطقة خطت متأخرة نحو الحداثة الاجتماعية والثقافية والسياسية، وفي منطقة تعيش على بحر كبير من النفط، وتتصارع عليها قوى دولية وإقليمية؛ من أميركا وأوروبا إلى إسرائيل وإيران وتركيا.

=========================

الثورات العربية وفلسطين

فؤاد حسين

الرأي الاردنية

20-3-2011

كانت فلسطين، طوال زمن الإنقلابات العربية التي طبعت الحياة السياسية في اواسط القرن الماضي، هي المشجب الذي تعلق عليها الأنظمة العربية أسباب دكتاتورياتها، وللمفارقة أيضا كانت فلسطين تتصدر البيان الأول لكل الإنقلابات العسكرية، ليحصل المنقلبون على شرعية لإنقلابهم، وبقيت فلسطين كذلك وإن بأشكال مختلفة، هي طريق المشروعية لأي حكم عربي؛ عسكري أم أسري. لكن فلسطين قلّ ما نجد لها ذكرا أو حضورا في ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين، حتى عند الفلسطينيين أنفسهم، فكل تظاهرات العرب ، تستنسخ الشعار نفسه: «الشعب يريد» ويكاد يكون ما يريده الشعب في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن واحد؛ إسقاط النظام، وفي فلسطين إسقاط الإنقسام، حسنا ها هي الأنظمة سقطت في دولتين، والبقية تخوض حروبها، لكن ماذا بعد، أين فلسطين من كل هذا الحراك، وكل هذه الهزات العنيفة؟ سألت هذا السؤال لأحد قادة ثورة الشباب في مصر تربطني به صداقه، فقال ان تحرير فلسطين يحتاج الى أحرار، وبعد أن يتحرر العرب من عبوديتهم يستطيعون حينها تقديم شيء لفلسطين. رغم وجاهة هذا الكلام، لكن العرب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لم يكونوا ينعمون بأنظمة حكم ديمقراطية حين كانوا يضعون تحرير فلسطين في مقدمة مطالبهم. والفلسطينيون أيضا كانوا يعيشون في غالبيتهم في الأقطار العربية التي كانت شعوبها تعاني من دكتاتورية أنظمتها، ومع ذلك كان حلم تحرير فلسطين والعودة همهم الأول. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل تغيرت أولويات العرب والفلسطينيين معهم، أم أن العاطفة الثورية تراجعت لحساب العقل المنظم.

بعيدا عن أسباب غياب فلسطين عن هتافات الشارع العربي، لكن ما يقلق أن إسرائيل تستثمر إنشغال العرب شعوبا وأنظمة بالشأن الداخلي، وعدم إحتلال فلسطين أولوية في الشارع العربي. لتوغل نهبا بالأرض الفلسطينية لتوسع مستوطناتها، وتماديا في تهويد الأقصى لطمس آخر معلم يربط المسلمين والعرب بفلسطين، لأن العرب شعوبا وأنظمة غافلون، أو في أحسن تقدير لديهم ما يشغلهم من مشكلات داخلية عن فلسطين، وهنا مكمن الخطورة، إذا طال زمن الإنشغال بالتفاصيل الداخلية، سيجد العرب أنفسهم أمام واقع جديد أكثر تعقيدا مما كان عليه.

الفلسطينيون أيضا، خاصة أهل الضفة والقطاع، يحتل الإنقسام الفلسطيني الداخلي الحيز الأكبر من إهتماماتهم، وأصبح العنوان الرئيس لحراكهم: إسقاط الإنقسام، ومع أحقية هذا المطلب كونه يقود حتما الى المطلب الأول الأزلي المتمثل في العودة والتحرير، لكن من وجهة نظر أخرى كان ممكنا أن يكون رفع شعار التحرير والعودة أكثر جذرية وهو يقود مباشرة الى إنهاء الإنقسام حين يتوحد الهدف والشعار. مع إدراك الجميع أن الفلسطينيين ضاقوا ذرعا بالإنقسام الذي أتاح ويتيح للإحتلال الإسرائيلي التمدد الإستيطاني والبطش بالشعب العربي بصمت لا يحظى بأدنى درجات الإهتمام الإعلامي فكل أضواء الإعلام مسلطة خارج فلسطين، ودول الغرب والى جانبها إسرائيل تستثمر ذلك لتغذيته وإطالة عمر الثورات العربية ووضع العراقيل الكبيرة في طريقا لمنعها من الوصول الى أهدافها بسلاسة وسرعة، لتتفرغ إسرائيل لإستكمال مخططاتها لنستفيق يوما ويكون كل ما كنا نفاوض عليه، أو كل ما كنا نسعى لتحقيقة قد أصبح شيئا آخر لا يمكن إعادته الى سيرته الأولى بسهولة ويسر، مما يعيد الجميع الى المربع الأول لنبدأ رحلة الحلم والتحرير من جديد.

مسيرة العودة المتوقع أن تنطلق من كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني في الشتات والداخل، والمخطط لها أن تتجه نحو حدود فلسطين التاريخية في ذكرى النكبة في الخامس عشر من أيار، يعول عليها الكثير إذا ما تمت وكتب لها النجاح، فقد تكون الخطوة الأكثر أهمية لإعادة إحياء القضية الفلسطينية ووضعها مجددا على رأس أولويات العرب والمسلمين.

===========================

كل هذا القتل.. الوفير !

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

20-3-2011

انها مواسم الحصاد..

فالشعوب «رؤوس» قد حان قطافها, فلم يعد أمام بعض الأنظمة غير القتل, بعد أن سقطت رزمة «العقوبات» التي وسمت عهود الاستبداد الطويل, الذي حلّ بنا في ظل الدولة «الوطنية» بعد أن رحل الاستعمار بهذه «الطريقة» أو تلك, بتلك الكيفية أو تلك, بذلك التواطؤ أو ذاك.. وخصوصاً بعد أن ترك الأمور في عهدة «أيتامه», الذين قاموا بالواجب على نحو اثار الدهشة والاعجاب لدى سادتهم, الذين ظنوا - وكل ظنهم اثم بالطبع - أن «الرطانة» الوطنية الكثيفة المحمولة على عداء «لفظي» سافر للاستعمار, وعلى تمجيد العروبة والوحدة والديمقراطية والكرامة, ستجد طريقها الى التنفيذ وأنهم (المستعمِرون) سيجدون صعوبة في التكيّف مع الأنظمة الوطنية التي تقدمت المشهد العربي.

وجدت معظم الأنظمة الوطنية (كما ينبغي التأكيد والتذكير) شعاراً لكل مرحلة من المراحل التي مرت بها طوال خمسة عقود (تزيد قليلاً أو تنقص), كي تبرر الطغمة الحاكمة (لم تكن قد تحولت بعد الى طغمة) تنكّرها للعهود التي قطعتها, والوعود التي بذلتها لبناء الدولة الوطنية, القوية والعادلة غير المرتهنة للاجنبي والمعتمدة برامج وخططاً طموحة للتنمية والاكتفاء الذاتي (…) والتوزيع العادل للثروة, وتكريس مبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون, وخصوصاً تداول السلطة على نحو سلمي وفق صيغة «غير مستوردة» (هل تذكرون هذا المصطلح الذي راج طويلا؟) من الديمقراطية..

بدأوا… بمقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة», وكل الموارد والجهود والطاقات مكرّسة لتحرير فلسطين واقتلاع هذا الكيان المسخ الدخيل والسرطاني, وغيرها من الصفات والتسميات التي خلعوها عليه وانتهوا الى ان الشعوب التي «ربّوها» على ايديهم (اقرأ ايدي اجهزتهم وجلاوزتهم وثقافة الاستبداد التي نشروها في المجتمعات, التي جوّفوها بأكثر من وسيلة وطريقة ومقاربة), غير ناضجة للديمقراطية وانهم سيدرسون (...) كيف يجدون الديمقراطية المناسبة لهذه الشعوب, التي باتوا بعد سنوات طويلة ومديدة من الاستبداد والحكم المطلق والفساد والنهب, يبدون مزيداً من الازدراء والاستخفاف بها, بعد أن ظنّوا أنهم بأساليبهم القمعية التي باتت معروفة على نطاق واسع ولم يعد بمقدورهم اخفاءها, قد دجّنوا شعوبهم وما عليهم سوى المضي قدماً في برامجهم وممارساتهم الاجرامية, دون خشية من حساب أو مراجعة أو مساءلة أو حتى انتقاد..

لم تَعْدَم أجهزتهم وكل ما بنوه من مؤسسات وكتائب وفصائل وقوات وهيئات, أي وسيلة لقمع الجماهير واسكات صوتها, بدأت بتقديم «الجَزَرْ» وكانت العصا جاهزة وظاهرة وملوّح بها على الدوام, فمن خاف أو جَبُنَ أو استكان أو آثر الصمت أو قطع الى الضفة الاخرى بحماسة ومزايدة وقبل قناعة (...), حظي بالدعم, ما ظهر منه وما بطن, وتنعّم بالاعطيات والمناصب والنفوذ والتلميع, ومن بدا كأنه «غبي بالوراثة» لا يفهم المعادلات ولا يحفظ الامثلة الشعبية التي ابرزها «.. بوسها وادعي عليها بالكسر».. ذهب الى حقل التجارب سجناً وتنكيلاً وترويعاً وتجويعاً (على طريقة جوّع كلبك.. يتبعك) وبطالة, وربما دُفع الى مربع الجنون بعد «وجبات» لا تنتهي من التعذيب والايهام بالغرق والصعق بالكهرباء والخصي, ما يخلّف الاعاقات ويقود الى الجنون.

فَرَضَ القمع «هيبته» وحضوره, كما ظنوا واعتقدوا, او على نحو ادق كما قرأوا في تقارير الاجهزة ودراساتها «الساذجة والسطحية» كما ينبغي القول, فاستخلاصاتها مستندة بالطبع الى قراءات مشتركة مع وكالات واجهزة وعسس الاصدقاء, الذين لا يبخلون بالنصيحة والدعم المادي والمعنوي والتبرعات التي تتجاوز التمويل والتدريب والابتعاث الى المعاهد والكليات المتخصصة في الايذاء الى توفير الدعم اللوجستي وكل ابتكارات واختراعات وصناعات القمع, والتنكيل بدءاً من الغاز المسيل للدموع الذي تطور الى غاز يفتك بالاعضاء ويسبب تلف الدماغ ويشلّ الجهاز التنفسي ويضع «البصر» في مرمى الفقدان.

« الخوف والصمت» إذاً هما اللذان «رانا» على معظم الساحات العربية التي ابتليت بانظمة مستبدة, يكاد معظم حكامها تجاوزوا العقدين من السنين في مناصبهم، وتحولت دولهم في عهودهم «السعيدة بالطبع» الى دول فاشلة, ترتفع فيها نسب البطالة وتختفي عندها الطبقة الوسطى وتنزلق الى ادنى درجات الفقر, ناهيك عن ارتفاع المديونية وتواضع الانتاج وانعدام التنافسية وهبوط مستويات التعليم وانهيار الخدمات والبنى التحتية، فيما يبدو «الازدهار» ساطعاً وشاخصاً في الاجهزة والكتائب الأمنية وفي اجهزة الاعلام التي تصدح صباح مساء بانجازات الزعيم والهامه السياسي وابداعه الفكري..

كسرت الشعوب حاجز الخوف, فارتبكت آلة القمع واستبد بها القلق, فغدت أمام خيار وحيد: اما السقوط المدوي السريع والذهاب الى المنافي والنسيان, دون أن يذرف أحد دمعة أسف عليهم. أوالسقوط الدموي, الذي يأتي ولو متأخراً عبر ترسانة القتل التي صرفوا كل وقتهم و»مالهم» على بنائها ورعايتها..

تبدأ مواسم القتل «مبكراً» في الحقول العربية يسيل الدم, تتغول الانظمة يصيبها الهوَس, والجنون, بعد أن بات فقدان السلطة, مؤكداً فتلغ كثيراً وطويلاً وعميقاً في دمائنا, لكنها تعجز عن لجم اندفاع الشعوب وعطشها للحرية والانعتاق, وقرارها, غير القابل للاستئناف, بارسال عصابات القتل والفساد الى مزبلة التاريخ..

انها مسألة وقت ليس إلا..

فبشّر الصابرين..

=========================

ثورة في البحرين..!! ومؤامرة في دمشق وطهران..

حسان القطب - بيروت اوبزرفر

الجمعة 18 آذار 2011

المصدر: موقع بيروت أوبزرفر

المشهد عينه الذي نراه في المنامة عاصمة البحرين، عشناه ونعيشه في شوارع طهران وأصفهان ومشهد وزاهدان والأهواز..ويتكرر اليوم في شوارع دمشق..مظاهرات شعبية تطالب بالحرية والعدالة وتطوير الواقع الاقتصادي والاجتماعي.. وتنشيط الحياة السياسية بالسماح للقوى المختلفة والمتنوعة بإقامة وإنشاء أحزاب حرة من كل تبعية للسلطة تمارس العمل السياسي ضمن توجهاتها وخدمةً لمفاهيمها.. وتتنافس فيما بينها للوصول إلى رأس هرم السلطة لخدمة شعبها وبلادها سواء كان النظام ملكياً بالفعل... كالنظام البحريني.. أو جمهورياً ملكياً كالنظام السوري.. حيث تمتزج المفاهيم الجمهورية بالروح الملكية والحالة العائلية في سلطة الشعب والحزب..أو نظام جمهوري ديني... كالنظام الإيراني .. حيث تندمج مؤسسات الجمهورية في نظرية ولاية الفقيه الحديثة العهد في المذهب الشيعي، لتقع السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية الإيرانية وسائر المؤسسات الدستورية المفترضة تحت سلطة الولي الفقيه الذي يدير السلطة والبلاد إدارة كاملة دون تفصيل ذلك دستورياً أو تقنين صلاحياته.. أو بالأحرى الولي الفقيه يحكم بسلطة مطلقة ويحاسب كافة قيادات السلطة في البلاد دون أن يحاسبه احد..باعتباره سلطة عليا..

في البحرين مظاهرات غلب عليها وعلى جمهورها الطابع الشيعي، واختصرت مطالبها برفع شعارات دينية والمطالبة بحصة أوفر في السلطة. أي بتكريس مفهوم تقاسم السلطة وفق أسس تؤدي إلى تعزيز الروح المذهبية في مؤسسات الدولة. وهذا ما نعاني منه نحن في لبنان منذ عقود. واليوم حين يطالعنا نبيه بري وحزب الله وتابعيهم بالمطالبة بإلغاء الطائفية السياسية من مؤسسات الدولة باعتبارها علة العلل، ومصدر الفوضى والقلق والحروب الداخلية والتباينات السياسية... نرى بالأمس حزب الله وجموع نبيه بري تتظاهر وبحماسة للمطالبة بإقامة توازن طائفي في بلاد البحرين، وأصبح ملك البحرين طاغية وظالم.. وسوى ذلك..من عبارات ومصطلحات..وكان من المفترض نصيحة البحرينيين من قبل بري وحزب الله برفض الانخراط في مشاريع طائفية ومذهبية حرصاً على وحدة البلاد، وحتى لا تصاب البحرين بما أصاب لبنان. واستكملت دولة إيران هذه الهجمة، أو بالأحرى تم فضح هذا المشروع، حين طلب الرئيس الإيراني من القادة البحرينيين تلبية المطالب «المشروعة» للمعارضة التي يشكل الشيعة غالبيتها. وقال: «من أصل 700 ألف نسمة يحتج 600 ألف ويطالبون بالتغيير. يجب احترام الشعب وإجراء إصلاحات. فكروا في مستقبلكم».

وأضاف احد الصحافيين المقربين من حزب الله وبري قائلاً.. (لذلك تحذر جهات شيعية مواكبة من تطور الوضع الأمني في البحرين وانعكاسه على لبنان في ظل المناخ الانقسامي بين السنة والشيعة). صورة المشهد البحريني والأوصاف التي تطلق على التحركات الشعبية فيه، تتناقض تماماً مع الاتهامات التي تطلق على التحركات الشعبية المناهضة للسلطة الحاكمة في طهران ومطالبها فهي وبحسب الجهات عينها (غير مشروعة) ومؤامرة تستهدف نظام الجمهورية الإيرانية، والإعدامات التي تنفذ بالعشرات في مدن عدة مختلفة من دولة إيران بحق الأقليات الدينية والمعارضين السياسيين ضرورية لضبط الوضع الأمني، وعمليات القمع الوحشية المتواصلة بحق المواطنين الإيرانيين فهي مبررة ومشروعة في إيران ولدى حزب الله وبري وأتباعهم...ويمكن مراجعة أحوال الأقليات عبر هذا الموقع على هذا الرابط...

وهي غير مبررة على الإطلاق على حد قول احمدي نجاد وحزب الله وبري وسواهم في البحرين وبعض المراجع الدينية، ولا يمكن أن نغفل الإشارة إلى أن وسائل إعلام هذه الجهات المرتبطة بهذا المشروع تتجاهل كلياً المظاهرات الشعبية في العاصمة السورية وحملات الاعتقال التي تطال الناشطين السوريين المطالبين بنفس المطالب التي يتقدم بها المتظاهرون في البحرين وطهران... ولكن القراءة مختلفة لدى هذا الفريق.. والتعاطي السياسي متباين ومتقلب لدى هذه القوى السياسية.. الكيل بمكيالين ليس صفة إسرائيلية أو أميركية خاصة.. بل أصبحت من ضمن صلب مفاهيم حزب الله ونبيه بري والنظامين السوري والإيراني... فكيف نصدق وقد رفعت شعارات طائفية ومذهبية في مظاهرة الأمس أمام مبنى (الأسكوا) التابع للأمم المتحدة، بأن بري وحزب الله يريدان حقاً إلغاء الطائفية السياسية من الحياة السياسية اللبنانية، وهما يؤيدان معارضة بحرينية تقدم نفسها على أنها تمثل طائفة ومذهب..؟؟ وفي الوقت عينه يتجاهلون مطالب محقة للشعب السوري يقمعها النظام بقوة وحدة..؟؟ ولا بأس من الإضاءة على بعض المواد الدستورية الإيرانية لنرى التمييز داخل إيران بحق الأقليات والتناقض بين الممارسة الداخلية لنظام إيران وعناوين السياسة الخارجية التي تتبعها إيران...بحق الشعوب الأخرى...

 (المادة( 12) من الدستور الإيراني المعدل عام 1989م والمترجم إلى العربية بواسطة المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق، حيث تقول المادة أعلاه (" أن المذهب الجعفري الأثني عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير"). إذا كان هذا نص المادة 12 من الدستور الإيراني غير القابل للتغيير.. فكيف هي حال الأقليات الإسلامية وغير الإسلامية في إيران..؟؟ وأما المادة (115) والتي تتعلق برئيس الجمهورية فقد جاء في الفقرة الأولى منها ما يلي: (أن يكون رئيس الجمهورية إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية، أي أن يكون من أبوين إيرانيين: وهذا يعني أن الفارسي فقط يحق له أن يصبح رئيسا للجمهورية حيث بات عرفا أن الإيراني هو الفارسي والدستور الإيراني يؤكد ذلك في مادته ( 15) عندما نص على أن تكون اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية.. بالرغم من أن العنصر أو العرق الفارسي في إيران لا يتجاوز ما نسبته 49% من عدد السكان الإيرانيين.. والمادة (121) التي تحدد طريقة أداء رئيس الجمهورية لليمين الدستوري توجب عليه القول التالي: (أقسم بالله وفي حضرة القرآن الكريم أن أكون حاميا للمذهب الرسمي للبلاد)... إذاً المذهب الرسمي يتجاوز كافة الأديان والمذاهب..

هذه عينة بسيطة من مواد الدستور الإيراني التي تشير إلى تناقض الدستور الإيراني مع السياسات الإيرانية المتبعة أو بالأحرى تفضح حقيقية أهدافها، حيث تضطهد الأقليات العرقية والدينية في إيران من أكراد، وعرب وبلوش، وتركمان، وسواهم.. وأهل سنة، وزرداشتيين، ومسيحيين، وغيرهم بحجة أنهم أقليات... ثم تقوم دولة إيران باستغلال الأقليات الشيعية في العالم العربي والإسلامي فتحرضهم على مجتمعاتهم وشعوبهم وأهلهم وأنظمتهم، تحت العناوين والمطالب عينها التي تحرمها وتحجبها عن مواطنيها بحجة تحسين ظروفهم وتحصيل حقوقهم..سعياً لإشعال نار الفتنة في مجتمعاتنا وتقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية خدمةً للمشروع التقسيمي الذي يستهدف ثروات وخيرات منطقة الشرق الأوسط وإعادة إنتاج شرق أوسط جديد، ولكن على أسس دينية وطائفية تعيش الصراع التاريخي الذي يستنهضه البعض من سباته كل يوم وكل مناسبة، للوصول بنا إلى هذه المرحلة السيئة من تاريخ وطننا ومجتمعاتنا وامتنا..فإذا كانت الحركة الشعبية محقة في البحرين.. كما يقول هؤلاء فهذا يعني أن التحركات الشعبية في دمشق وطهران محقة أيضا ومشروعة.. والانتفاضات المتعددة في الدول العربية والإسلامية التي نعيش تفاصيلها هذه الأيام، إذا ما تم التعامل معها بهذه الروحية وهذه المنهجية فمصيرها أن تفشل، والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية وتعزيز الحريات والديمقراطية في مجتمعاتنا ستتلاشى أمام تغليب عناوين الصراع الديني التاريخي على المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...والشعارات والعناوين المرفوعة والرايات التي يتم التلويح بها لا تخفي هذه الحقيقة ولا هذا الواقع..

====================

إيران وموقفها من الثورات العربية

الأحد, 20 مارس 2011

خالد الدخيل *

الحياة

تتخذ إيران من الثورات الشعبية التي تعصف بالعالم العربي موقفاً لافتاً في مفارقته لطبيعة النظام السياسي الإيراني، سواء لجهة تركيبته أو مرتكزاته الفكرية، ولسياساته الداخلية. يتمثل هذا الموقف الإيراني المعلن بالدعم المعلن وغير المحدود للثورات العربية، ولحق الشعوب في التظاهر لتحقيق مطالبها في العدل والمساواة، والمشاركة السياسية. يتكرر هذا الموقف على لسان أبرز قيادات إيران السياسية، من المرشد الأعلى، مروراً برئيس الجمهورية، نزولاً إلى وزيري الخارجية والدفاع، ورئيس البرلمان، فضلاً عن القيادات السياسية والدينية لمختلف مؤسسات الدولة. واللافت في هذا الموقف ليس فقط انتهازيته السياسية الفاقعة، من حيث أنه يأتي في اللحظة نفسها التي تقمع فيها الحكومة الإيرانية حق المعارضة الإيرانية في التظاهر تعبيراً عن موقفها من النظام، وإنما في مغالطته الجريئة لطبيعة الثورات الشعبية العربية، وتناقضها الكامل مع طبيعة الثورة الإيرانية التي جاءت بالنظام السياسي الحالي في طهران. وقد تبدت هذه المغالطة الجريئة في ما قاله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، من أن الثورات العربية تستلهم نموذج الثورة الإيرانية، وبالتالي فهي استمرار لها. فات المرشد هنا حقيقة بسيطة، وهي أن الثورة الإيرانية كانت بالفعل ثورة شعبية، لكنها انتهت إلى قيادة دينية تمثلت في الراحل، آية الله الخميني، ثم إلى نظام سياسي ديني تهيمن عليه طبقة رجال الدين، وعلى رأسها المرشد نفسه. بعبارة أخرى، اتخذت الثورة الإيرانية منحى مفارقاً عندما انتهت إلى دولة دينية تستند في أصلها وفصلها إلى نظرية دينية قديمة، هي نظرية «ولاية الفقيه». والدولة الدينية بحكم طبيعتها تنتهي بالضرورة إلى أن تكون دولة طائفية، وهو ما تحقق فعلاً في الجمهورية الإسلامية. ولتبين ذلك يكفي تسجيل بعض الملاحظات المستمدة من دستور هذه الدولة، وما تقوله عن الطبيعية السياسية لهذه الدولة، ثم مقارنة ذلك مع المواقف السياسية المعلنة للجمهورية الإسلامية من الثورات العربية.

أول الملاحظات يتعلق بحقيقة أن مصطلح «جمهورية» الذي يمثل أحد مفردات اسم الدولة لا يستقيم أبداً مع ما آلت إليه هذه الدولة. فمصطلح الجمهورية لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن يكون الشعب، أو جمهور الشعب، هو المصدر الوحيد لسلطات الدولة، وأن تتاح لهذا الشعب حرية اختيار نظامه السياسي، ومن يمثله في هذا النظام. لكن دستور الجمهورية الإسلامية ينص بدلاً من ذلك في مادته الثانية على أن أحد القواعد التي يقوم عليها نظامها السياسي هو «الإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساسي في ديمومة الثورة». والإمامة هنا تشير إلى نظرية الإمامة الشيعية التي ترى أن رئاسة الدولة محصورة حكماً بتوجيه إلهي في الإمام، أو علي بن أبي طالب، ومن ثم في أحفاده الإثني عشر من بعده حتى قيام الساعة. أي أن النظام السياسي، وقيادته، أمر محسوم مسبقاً، وقبل الثورة الإيرانية بقرون، وأنه ليس أمام الشعب بحكم إيمانه وإخلاصه لدينه إلا القبول بذلك، وإلإذعان له. من ناحية ثانية يؤكد الدستور الإيراني على قاعدة أخرى، وهي «رفض أي نوع من الظلم والتسلط، والخضوع والاستسلام لهما.» وهذه قاعدة تتناقض تماماً مع القاعدة السابقة، وما تقتضيه من سيطرة الطبقة الدينية، واستئثارها بالحكم. والأرجح أن هذا التناقض هو الذي يمنح حكومة الرئيس أحمدي نجاد مساحة دينية تعطيه الحق في قمع حركة الإصلاح، وحرمانها من حق التظاهر من ناحية، ودعم الحق ذاته بالنسبة للشعوب العربية، من ناحية ثانية.

يذهب الدستور الإيراني أبعد من ذلك عندما ينص في مادته الخامسة على أن ولاية الأمر والأمة «في غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه - في جمهورية إيران الإسلامية - تكون للفقيه العادل التقي، العارف بالعصر الشجاع، المدير، والمدبر، الذي تعرفه أكثرية الجماهير وتتقبل قيادته...». وهذا يعني حصر قيادة الدولة في الطبقة الدينية من فقهاء المذهب الشيعي، وأن كل إيراني لا ينتمي إلى هذه الطبقة، فهو لا يملك الحق في التطلع إلى أن يكون في منصب هذه القيادة. وهو ما يتناقض تماماً مع صفة الجمهورية التي تتخذها الدولة الإيرانية صفة لنفسها. وإلا كيف يمكن المواءمة بين أن تكون الدولة «جمهورية»، وهي في الوقت نفسه دولة «الإمام أو الولي الفقيه»؟ أما الصفة الإسلامية للدولة الإيرانية فهي مستمدة من طبيعتها المذهبية. وكما أشرت، بما أن هذه الدولة هي دولة دينية فهي بالضرورة دولة طائفية. وهذا ما يؤكده الدستور مرة أخرى عندما ينص في المادة 12 على أن «الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثنا عشري. وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد ..» لاحظ هنا النص ليس فقط على مذهبية الدولة، وإنما على أن هذه الصفة أبدية غير قابلة للتغيير، مهما تغير المجتمع الإيراني، وتعددت اتجاهاته أو خياراته الفكرية أو السياسية. بعبارة أخرى، هناك قسر للشعب الإيراني، الشيعي منهم وغير الشيعي، على قبول هذه الصفة «الإسلامية» للدولة وفقاً لما تراه الطبقة الدينية الحاكمة، والتعايش معها تحت كل الظروف. ولعله من الواضح هنا أن الطبقة الدينية تستخدم النص الديني لتأبيد سيطرتها على السلطة السياسية عبر العصور، بغض النظر عن مصلحة الشعب، وعن مواقفه وتفضيلاته وخياراته السياسية، وما قد يطرأ على ذلك من تغيرات. وهذا تناقض آخر مع صفة الجمهورية، وهو تناقض طبيعي تفرضه السمة الدينية لدولة موجودة في العصر الحديث.

والنتيجة الطبيعية لهذه الصفة المذهبية للدولة أنها تؤدي إلى مأسسة الطائفية، ومنحها أساساً دستورياً تكتمل به الطبيعة الدينية لهذه الدولة. فالمادة 72 من الدستور تحظر على مجلس الشورى الوطني سن «قوانين مغايرة لقواعد وأحكام المذهب الرسمي للدولة، أو الدستور»، ما يشير إلى نوع من المساواة القانونية، حسب هذه المادة، بين قواعد الدستور الذي جاء مع الثورة، وقواعد المذهب التي تبلورت قبل الثورة بمئات السنين. لكن الصفة الطائفية للدولة تتضح بأجلى صورها في الشروط التي يحددها الدستور في من يحق له الترشح لرئاسة الجمهورية. حيث تنص المادة 115 على ضرورة أن يتوفر في المرشح لهذا المنصب، من بين شروط أخرى مثل الأصل الإيراني، شرط أن يكون «مؤمناً بمبادئ الجمهورية الإسلامية، والمذهب الرسمي للدولة.» ومن حيث أن المنصب الأول في قيادة الدولة هو المرشد، الذي هو بالضرورة محصور في فقهاء المذهب، وأن رئيس الجمهورية هو المنصب الثاني، يصبح هذان المنصبان حقاً حصرياً لفئة واحدة من فئات الشعب الإيراني، وهي الطائفة الشيعية. أي أنه لا يحق لأي إيراني لا ينتمي إلى مذهب الدولة (غير شيعي إثنا عشري) أن يترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. وهذا يحرم الأكراد، والسنة، والمسيحيين، واليهود، وغيرهم من فئات الشعب حق الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، فضلاً عن أن منصب المرشد حق حصري لفقهاء مذهب الدولة. والغريب في هذا النص الدستوري أن الطائفة الشيعية تمثل أغلبية الشعب، ومن ثم فالأرجح بناء على ذلك أنه لن يفوز في الانتخابات الرئاسية إلا من ينتمي إلى أبناء هذه الطائفة. ومع ذلك لجأ النظام السياسي إلى هذا الشرط، وهو لجوء يوحي بأن المشرع كان حريصاً على تأبيد الأساس الطائفي للدولة، وفقاً للمادة 12 المشار إليها أعلاه. وهذه صفة طائفية بغيضة تفقد المواقف السياسية للنظام الإيراني أدنى درجات المصداقية، خاصة أمام الشعوب العربية، التي تنتمي في أغلبيتها إلى المذهب السني. وهي صفة عندما تتقاطع مع التوجه المذهبي، فإنها تؤدي بالتالي إلى تأجيج الصراعات والاصطفافات الطائفية في المنطقة.

تضع هذه الطبيعة الطائفية للجمهورية الإسلامية ما يقال عن الذكاء السياسي الإيراني وما يتسم به من مهارة، ودقة التوقيت، وطول النفس، وهي سمات مأخوذة كما يقال من ثقافة صناعة السجاد الفارسي، تحت مجهر فكري وسياسي يصعب مراوغته طويلاً. فرغم أن موجة الثورات العربية تنبئ بدخول العالم العربي مرحلة تاريخية جديدة، تقوم على قيم الديموقراطية، والدولة المدنية، وحرية الشعوب، إلا أن إيران أكثر من غيرها في هذه الأيام تصر على ممارسة اللعبة السياسية القديمة ذاتها، واتخاذ المواقف ذاتها التي كانت سائدة قبل الثورة، وأعني بذلك اتخاذ الموقف ونقيضه، وممارسة لعبة التكاذب السياسي مع جمهورها. الطبيعة الطائفية للدولة الإيرانية تؤكد أن ما تناصره هذه الدولة ليس حق الشعوب في الحرية والديموقراطية، وإنما حق إيران في ممارسة انتهازية سياسية في ظروف سياسية مرتبكة فرضتها بدايات الموجة الثورية العربية. وإلا فهذه الطبيعة الطائفية تضع إيران على النقيض تماماً مع طبيعة الثورات العربية، وتوجهاتها المستقبلية. ورغم ذلك تصر طهران على أنها تستطيع بمثل هذه الممارسة الاستمرار في ما تعتقد أنه توسيع لدورها ونفوذها في المنطقة. هل تستطيع تحقيق ذلك؟

=========================

ثورة الاتصالات تغزو المجتمع العربي!

الأحد, 20 مارس 2011

السيد يسين *

الحياة

ثلاث ثورات عالمية أثرت في الحضارة الإنسانية تأثيراً بالغ العمق أدى إلى تطوير الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في مختلف أنحاء العالم.

أول هذه الثورات وربما أهمها قاطبة هي الثورة الصناعية التي ظهرت في القرن الثامن عشر، وامتدت مجالاتها إلى القرن التاسع عشر. وقد تمثلت هذه الثورة في تغيرات جوهرية في مجالات الزراعة والصناعة والتعدين والنقل والتكنولوجيا. وقد بدأت هذه الثورة في إنكلترا ثم سرعان ما امتدت إلى أوروبا وأميركا الشمالية وبسطت بعد ذلك رواقها على العالم بأكمله.

لقد أدت هذه الثورة إلى إنشاء المصانع التي أصبحت قادرة بخطوط إنتاجها الهائلة على سد الحاجات الأساسية لملايين البشر، كما أن اختراع الآلات البخارية أدى إلى انقلاب في المواصلات بعد إنشاء السكك الحديدية، التي جعلت عملية انتقال البشر ونقل البضائع عملية سهلة وميسورة.

باختصار أدت هذه الثورة الصناعية إلى انقلاب كامل في حياة البشر. غير أن العالم العربي فاتته هذه الثورة، فلم يشارك في صنع أحداثها، ولم يستطع الاستفادة من إنجازاتها إلا في مرحلة تاريخية متأخرة، مما جعل عملية تحديث المجتمع العربي بطيئة وغير منتجة.

أما الثورة الثانية فهي الثورة التكنولوجية. ويجمل بعض العلماء سمات هذه الثورة في عدة خصائص، فهي أولاً تعتمد على العلم الحديث الذي أصبح قوة إنتاجية مباشرة، وهي تعطي الأولوية لوسائل الإنتاج الممكننة تماماً وتلك التي تدور ذاتياً (الأوتوموشن) والتي تنزع إلى أن تصبح مؤسسات مستقلة بذاتها. وهذه الثورة تسهم في اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، كما أنها تشترك في عمليات العثور على مواد جديدة، وتنظيم إدارة الإنتاج الصناعي على هدي أسس جديدة، وأدت إلى أن يتطور العلم والآليات بمعدلات قياسية مما غيّر من دور الإنسان – بحسبانه القوة الإنتاجية الرئيسية - تغيراً كيفياً.

ولم يستطع العالم العربي أن يلحق هذه الثورة أيضاً لأسباب متعددة، ربما كان أهمها أن أغلب بلاده خضعت لفترات طويلة للاستعمار الأجنبي الذي أراد أن يستنزف الثروات العربية في مجال المواد الخام أساساً كالقطن في مصر، والنفط الذي ظهر بعد ذلك في بعض البلاد العربية.

ثم جاءت الثورة الثالثة الحاسمة والتي غيرت في بداية الألفية الثالثة من الحياة الإنسانية تغيرات جوهرية، وهي ثورة الاتصالات التي استطاعت أن تغزو المجتمع العربي التقليدي الجامد الذي تسيطر على أقطاره النظم السياسية السلطوية.

ويشهد على ذلك ظهور شبكة الإنترنت بما أتاحته من وسائل مستحدثة للاتصال الإنساني، مثل المدونات و «الفايسبوك» الذي أصبح الأداة الرئيسة لاشتعال الثورة التونسية، ثم الثورة المصرية في 25 يناير 2011.

والإنترنت هي أحدث منجزات ثورة التكنولوجيا والاتصالات في العالم اليوم. وقد استطاعت باعتبارها شبكة عالمية أن تربط بين شبكات الكومبيوتر، وأن تضم في رحابها الناس الذين يستخدمونها، والذين خلقوا في الواقع مجتمعاً كونياً Global، يقوم أساساً على الاتصال.

ويمكن القول إن الإنترنت أحدثت ثورة في مجال الاتصالات الإنسانية. فللمرة الأولى يمكن لأي إنسان في أي بلد في العالم أن يتصل بأشخاص ينتمون إلى ثقافات متعددة، ولا تقف أمامه عقبة الحدود الجغرافية، أو اختلاف الزمن، أو اختلاف الثقافة وتعدد اللغات. يتم ذلك من خلال وسائط شتى، أهمها البريد الإلكتروني، والذي من خلاله تتم مناقشات كونية شتى حول مواضيع متعددة، وكذلك حلقات النقاش التي يشارك فيها آلاف الأشخاص، والتي تدور حول موضوعات لا حدود لها، وذلك بالإضافة إلى المدونات و «الفايسبوك» و «التويتر».

وهناك إجماع بين الباحثين على أن الإنترنت يمثل بداية ثورة اتصالية ومعرفية، لا نستطيع تحديد آثارها على المجتمع الإنساني بدقة في الوقت الراهن. ومع ذلك هناك بحوث ودراسات ترى أن الإنترنت سيؤثر على طبيعة المعرفة الإنسانية ذاتها. ومن بين النتائج البارزة المتوقعة، أن سعة المعارف الإنسانية، وإمكانية الإطلاع عليها، ومن مختلف المصادر والزوايا، ستؤدي بالتدريج إلى القضاء على التخصصات العلمية الجزئية، وستوسع من نظرة الباحثين، وستجعلهم يدورون في مدارات أوسع بكثير من نطاق الدوائر الضيقة التي يعيشون فيها، مما سيجعلهم أكثر موسوعية في تناول الظواهر، مما يؤدي إلى خلق ثقافة إنسانية من نوع جديد، لا تتسم بالتجزؤ الملحوظ في الثقافة السائدة. وهذا التطور سيسمح للإنسان بأن تكون رؤيته للعالم أكثر شمولاً مما هو موجود اليوم.

وهناك مشكلات وتحديات تطرحها شبكة الإنترنت على دول الشمال من ناحية ودول الجنوب من ناحية أخرى، غير أن السؤال المهم الذي تدور حوله مقالتنا هو: ما تأثير الإنترنت على المجتمع العربي باعتبار أنه له خصوصية محددة داخل دول الجنوب؟

لعل أول ما تنبغي الإشارة إليه أن المجتمع العربي وبقية المجتمعات في مختلف الأقطار العربية، والتي تجمع بينها وحدة اللغة والتراث والتعرض لنفس التحديات السياسية والثقافية، هي مجتمعات تقليدية، إذا قارناها بالمجتمعات الغربية المتقدمة، ذلك أن المجتمعات الغربية أنجزت حداثتها منذ قرون، وعبرت الثورة الصناعية واجتازتها، ودخلت إلى عصر الثورة العلمية والتكنولوجية. بل إن الحديث اليوم يدور عن بداية عصر ما بعد الصناعة، والدخول في خضم ما يطلق عليه مجتمع المعلومات العالمي، في حين أن المجتمع العربي ما زال منذ قرن على الأقل يحاول تحقيق الحداثة على النسق الغربي، وهو – وفقاً لرأي كثير من المفكرين العرب – قد فشل في إنجاز حداثته السياسية والثقافية والاجتماعية على السواء.

ويبدو الفشل في تحقيق الحداثة السياسية في أن النظم التقليدية والمحافظة من جانب، والنظم الاستبدادية من جانب آخر، هي التي تسيطر على الفضاء السياسي العربي. فالمجتمع العربي المعاصر لم يعثر بعد على الصيغة الديموقراطية المناسبة التي تجعل الشعوب تعبر عن مصالحها وآرائها واتجاهاتها بحرية. وتسيطر على الساحة في الواقع نخب سياسية حاكمة هي خليط من قوى تقليدية ومحافظة، أو قوى حديثة، وإن كانت لا تؤمن إيماناً عميقاً بالديموقراطية والتعددية السياسية، وهي لذلك تمارس الاستبداد السياسي بطرق ووسائل مباشرة أو غير مباشرة. وحتى في البلاد العربية التي تمارس التعددية السياسية فهي غالباً تعددية سياسية مقيدة، ومن هنا يمكن القول أن هناك فجوة كبيرة بين الحاكمين والمحكومين في المجتمع العربي المعاصر.

والعولمة السياسية ترفع شعارات الديموقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان. وبالتالي فالنظم السياسية العربية المستبدة معرضة لأن تفقد شرعيتها في ظل هذه المعايير الكونية، بل وقد تتعرض لجزاءات يطبقها المجتمع الدولي، الذي زادت قدرته على التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ومن هنا يتكرر السؤال: ما هي أشكال التفاعلات بين الإنترنت والمجتمع العربي المعاصر؟ لقد حاولنا من قبل أن نجيب على هذا السؤال في كتاب لنا بعنوان «الزمن العربي والمستقبل العالمي» صدر في القاهرة عام 1998، وقررنا أن أول ما نلاحظه أن استخدام الشبكة سيظل مقصوراً في الأجل المتوسط على نخبة عربية قليلة العدد من الباحثين والصحافيين ورجال الأعمال ممن لديهم القدرة المالية على تحمل تكاليف استخدام الشبكة، والقدرة اللغوية من ناحية الإطلاع باللغة الإنكليزية.

والواقع أن هذا الاتجاه – للأسف الشديد – سيكرس الانفصام الملحوظ في المجتمع العربي بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير. فحتى في ظل ثقافة الكتاب ووسائل الإعلام الراهنة، هناك فجوة واسعة للغاية بين النخبة المثقفة والجماهير العربية نتيجة شيوع الأمية، والتي لا تقل عن ستين في المئة في المجتمع العربي. وهكذا يمكن القول أننا نشهد من جانب حلقة ضيقة من المثقفين يكادون أن يتخاطبوا مع أنفسهم، وفي الوقت نفسه دائرة واسعة من الأميين لا يقرأون ولا يكتبون، يخضعون فقط لعمليات تزييف الوعي التي تمارسها وسائل الإعلام الحكومية. ومن هنا فالعقل الشعبي العربي يتشكل بعيداً عن تأثير النخبة المثقفة، والتي عجزت – لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية – عن أن تمد جسورها إلى الجماهير.

وفي ضوء ذلك يمكن أن نخلص إلى نتيجة مهمة، هي أن الواقع الثقافي والمعرفي لشبكة الإنترنت سيكون محدوداً للغاية في الأجل المتوسط، نتيجة أن نخبة محدودة العدد هي التي ستكون قادرة على التعامل مع الشبكة.

هذه كانت إجابتنا على السؤال عام 1998 وثبت من واقع الثورة التونسية والمصرية أنها كانت إجابة خاطئة! فقد استطاع جيل الشباب التونسي وجيل الشباب المصري على وجه الخصوص استخدام «الفايسبوك» لتفجير الثورة ضد الاستبداد السلطوي وفتح الآفاق أمام الديموقراطية.

* كاتب مصري

=========================

هل هي الشرارة السورية؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-3-2011

خرجت المظاهرات بعد صلاة الجمعة في عدة مدن سورية: دمشق وحمص، وبانياس، وفي جنوب سورية على الحدود مع الأردن في درعا، ونتج عن تلك المظاهرات قتلى وجرحى واعتقالات، فهل نحن أمام الشرارة السورية؟

بكل تأكيد ان سورية ليست بمعزل عمَّا يحدث بمنطقتنا من مظاهرات وانتفاضات، وبالطبع فإن سورية ليست مثل غيرها من الدول العربية؛ حيث قلنا مرارا وتكرارا: إن تونس غير مصر، والبحرين غير تلك الدول، حيث الدوافع الطائفية، واليمن أيضا غير.. فصنعاء شديدة التعقيد، بل هي قنبلة موقوتة، خصوصا مع عناد الرئيس اليمني، وتبقى ليبيا حيث المشهد المفتوح لكل أنواع الترويع. وكما أسلفنا فإن سورية ليست بمعزل عما يحدث بمنطقتنا، بل إن دمشق ظلت دائما تهرب إلى الأمام، وتستخدم كل الأعذار والحيل لتأجيل ساعة المواجهة مع الحقيقة، وهي الحقيقة الداخلية مع الشعب، وقبل الحقيقة الخارجية، التي قد تكون أخف وطأة، خصوصا مع الهدوء على الحدود الإسرائيلية، الذي فاق الهدوء على الحدود المصرية - الإسرائيلية طوال سنوات نظام مبارك.

مشكلات سورية تشبه كثيرا مشكلات الدول التي تهرب إلى الأمام، وتعتقد أن عجلة الساعة لا تدور، وأن الحيل ستنجح دائما، والتاريخ، الحديث طبعا، يذكرنا دائما بأن الشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن هناك حقائق لا بد من التعامل معها، فهناك لحظة استحقاق لا مفر منها، ولا يمكن إغفال الحقائق بالتذاكي ومحاضرة الشعوب، على طريقة مقالات السيدة بثينة شعبان، التي كأنها تكتب من سويسرا، فأفضل وسيلة للتعامل مع الحقائق هي مواجهتها. صحيح أن سورية ليست مثل باقي الدول العربية المضطربة، لكنها أشد وضوحا في دوافع التظلم والتذمر، وهي أكثر الأمثلة الصارخة على انعدام التوازن في لعبة الأقلية والأكثرية التي تستهوي المجتمع الدولي هذه الأيام، وبعض وسائل الإعلام، وكذلك بعض وكالات الأنباء، التي لم تلقِ بثقلها إلى الآن في قضية مظاهرات سورية مثلما فعلت بالبحرين مثلا، إما لأسباب المنع، وإما لانعدام توافر الدوافع والخلفية الطائفية، للأسف، كما رأينا بالبحرين، خصوصا من قبل بعض المصورين، وكثير من المصادر المنحازة.

وعليه فإذا كانت هذه هي الشرارة السورية، فإن وضع سورية سيكون صعبا جدا، خصوصا بعد قرار مجلس الأمن ضد ليبيا، وتوافر مزاج دولي للعبة الأقلية والأكثرية، وانعدام الثقة الدولية بالنهج السوري، نتاج مشوار ليس بالهين من السياسات السورية الخاطئة، ومع عداء دمشق التاريخي مع الإخوان المسلمين، وفوق هذا وذاك الوضع الداخلي المتأزم، سياسيا واقتصاديا، وكما قلنا من قبل فإن ورطة الجمهوريات العربية كبيرة؛ لذا فإن القادم ليس بالهين؛ فالتجارب تقول إن استمرار تحدي المواطنين لأنظمتهم القمعية، مثل تونس، ومع توافر نقمة داخلية، عادة ما يؤدي لانفجار.

وعليه فتجب مراقبة ما يحدث في سورية جيدا، ولا بد من مراقبة القلق والتوتر لدى كل من إيران وحزب الله، وملاحظة مدى تطرفهما، وانعدام مصداقيتهما.. فهل يدينان، مثلا، استخدام العنف ضد السوريين العزل، ويدعمان حقهم بالتظاهر السلمي، كما فعلا في البحرين؟ أظن أن القارئ يعرف الإجابة!

========================

دخول المنطقة الرمادية

جابر حبيب جابر

الشرق الاوسط

20-3-2011

التردد الدولي تجاه ما يجب عمله في ليبيا يعكس دخول الاحتجاجات الشعبية في شرك المنطقة الرمادية. لم تعد الصورة مشابهة لما كانت عليه أثناء الاحتجاجات التونسية والمصرية؛ حيث بالنسبة للكثيرين، الإعلام والمراقبين والسياسيين والناس العاديين، كان بالإمكان التمييز بين الأبيض والأسود واتخاذ موقف تجاه الصراع لأنه بدا منقسما إلى معسكر يشمل الشعب المطالب بحقوقه وحريته، ومعسكر مقابل يشمل نظاما ديكتاتوريا ونخبة فاسدة. لكن وكما قلنا منذ البداية إن عملية التغيير لن تكون بالسهولة نفسها في كل مكان من العالم العربي، وإن الصورة لن تكون بالوضوح ذاته، لا سيما عندما يحصل الاحتجاج في مجتمعات منقسمة، تضعف فيها الهوية الوطنية، ولا يبدو المجتمع المدني متجانسا وقويا. وفي بعض الأحيان يبدو أن مطلب تغيير النظام بات ينطوي ضمنيا على تقسيم البلد، كما هو الحال في ليبيا.

ضبابية الصورة جسدتها أيضا الجامعة العربية في دعوتها لفرض منطقة حظر جوي وفي رفضها للتدخل الأجنبي في الوقت نفسه، وكأن الحظر الجوي لا يعني تدخلا أجنبيا. الشيء نفسه ينسحب على الجدل الصحافي والفكري؛ حيث هنالك فريق المشككين بالنوايا الغربية يعيش حيرة بين تنديده بالتدخل الغربي وتنديده بالصمت الغربي في الوقت نفسه. فكيف وصلنا إلى هذه النقطة حيث شيء من براءة الأيام الأولى والأماكن الأولى للحركة الاحتجاجية قد بات مفقودا؟

أستطيع القول: إنه مع ليبيا والبحرين، وإلى حد ما اليمن، نشهد حركة احتجاجية يقف فيها جزء من الشعب ضد النظام وجزء آخر معه. إننا بتنا نفتقد هنا ذلك الكيان الرومانسي الجذاب الذي رأيناه في تونس ومصر، الذي نسميه «الشعب»، فحتى بلطجية نظام مصر السابق لم يكونوا بالقوة والتأثير اللذين يجعلاننا نستشعر انقساما وطنيا حادا يصل إلى مستوى التناوش بالأسلحة الثقيلة كما هو الحال في ليبيا.

إن تونس ومصر قدمتا نموذجين لدول قطعت شوطا مهما نحو بناء مجتمع مدني حي، ويعود ذلك، إلى حد ما، إلى أن الأنظمة السابقة، على الرغم من علاتها كلها، كانت قد طورت مستوى التعليم، وسمحت بقدر ولو محدود من الانفتاح المعلوماتي على الأقل، لكن الأهم من ذلك هو أن تلك الأنظمة، ولأسبابها الخاصة، لم تكن قادرة على التصرف برعونة ولا عقلانية نظام القذافي. فالنظامان المصري والتونسي كانا يحصلان على مواردهما ومكانتهما الدولية من علاقتهما الجيدة بالغرب، سواء أكانت العلاقة مع الحكومات والمنظمات المالية الدولية، وهي علاقة وفرت لهما دعما ماليا سخيا، أم كانت علاقات بالمجتمعات المدنية والغربية عبر السياحة تحديدا، التي وفرت مصدرا آخر للدخل. وهذا النوع من العلاقات فرض على النظامين شكلا معينا في سلوكهما السياسي والالتزام بإبقاء القمع ضمن حدود معينة، وبعيدا عن عدسة الكاميرا بشكل خاص. وحالما بات النظامان عاجزين عن ممارسة الحكم بقمع محدود، وبغرف مغلقة، ضعفت قدرتهما على الوجود عبر ضمان علاقة جيدة مع الغرب؛ لأن الأخير حساس تجاه الكاميرا، فهي تجسد المشكلة أمام مواطنيه وتجعل حكوماته محرجة أمام الاستنكار الداخلي للتعاون مع الأنظمة الديكتاتورية التي لا تريدها الشعوب.

ليس جديدا أن غالبية المواطنين في مصر وتونس كانوا ضد نظاميهما، ولكن حيث لم تكن هنالك استطلاعات صادقة للرأي العام، وحيث كانت الانتخابات تزور بصفاقة، بدا أن بالإمكان التغاضي عمَّا يحصل، ولكن حالما خرج الناس بهذه الكثافة إلى الشوارع مطالبين بالتغيير وبدأت الكاميرات تنقل الحدث بالكثافة ذاتها، تغيرت الصورة ولم يعد أحد قادرا على قبول استمرار النظام أو على الأقل دعمه علنا؛ فقواعد اللعبة قد تغيرت بعد أن كانت قائمة على مبدأ: اقمع بصمت. لم يعد الصمت ممكنا في زمن باتت الثورة تنقل فيه تلفزيونيا وبشكل مباشر، وباتت وسائل الإعلام تقلب مواقع «فيس بوك» و«تويتر» لتنقب عن أخبار الثوار، الصمت لم يعد ممكنا، وكان على النظام أن يختار بين قمع علني سيجعله أمام فضيحة دولية وأمام احتمالات المحاكمة من دون أن يضمن النتائج، وبين التنازل أمام قوة الضغط الجماهيري والإعلامي.

في ليبيا لدينا نظام مختلف بتركيبته؛ فاقتصاده لا يقوم على شراء الدعم الغربي، بل على بيع النفط إلى الغرب، أي أن الاعتمادية معكوسة، وبالتالي فإن سعيه للحصول على رضا الحكومات الغربية والرأي العام الغربي ليس أولوية حياتية له بل قضية تجميلية. كما أنه حجب الصورة عن وسائل الإعلام وبالتالي منع حصول عملية نقل «الثورة» بشكل حي كما حصل في مصر وما تؤدي إليه من تحريض بقية الجالسين في بيوتهم على الخروج، وهذا المنع مرتبط أيضا بشعور النظام أن امتلاكه النفط يحرره من أي التزامات سياسية أو أخلاقية ومن أي مساءلة خارجية.

لكن في العمق من ذلك، إننا هنا بصدد أنظمة سهلت عليها موارد النفط تقسيم المجتمع؛ فالنظام الليبي واحد من أنظمة عربية كثيرة عاشت واعتاشت على الانقسامات الاجتماعية وعلى بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها، لا سيما الأمنية منها، من خلال تقريب أجزاء من المجتمع بل ومن خارج المجتمع ومنحهم المكافآت والمنافع، على حساب أجزاء أخرى. تلك الانقسامات ذات الجذر القبلي تحولت تدريجيا إلى انقسامات راسخة بسبب تسييسها ولأنها بهذا التسييس قسمت الشعب إلى جزء مهمش ومعزول ومحروم من تلك الامتيازات، وجزء مقرب ومستفيد؛ لذلك فإن زخم الثورة توقف عند الجزء الأخير، فالمستفيدون حتى لو لم يكونوا مهتمين ببقاء النظام فإنهم خائفون من الذي سيحدث بعد رحيله. إننا هنا بصدد اختلاف آخر؛ حيث الهوية الوطنية ليست بقوة نظيرتها في مصر وتونس، وحيث النظام يعيش ويستمر من خلال مواصلة تمزيق تلك الهوية...

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ