ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
خيري منصور الدستور 29-3-2011 من خصائص الثورات أنها ضد التنميط، ولا
تقبل النسخ الآلي عن بعضها، فهي اجتراح
لأمن جديد، لكن عالمنا العربي المولع
بالتنميط في كل شيء لم تسلم الثورات من
نهجه الموروث، والشعارات التي كانت
أكثر تداولاً في الحراك الشعبي العربي
منذ يناير تصلح لدراسة نفسية
واجتماعية للكشف عن المسكوت عنه
والمكبوت والمكظوم غيظاً في اللاوعي
الجمعي، وقد يبادر الى مثل هذه
الدراسات كالعادة باحثون غربيون، لأن
الباحث العربي منشغل بشجون أخرى. استوقفني مؤخرا شعاران ترددا في طرابلس
ودمشق، هما «الله.. معمر.. ليبيا وبس»،
كما شهدت المظاهرات الموالية للنظام،
و»الله.. سورية.. بشار»، كما تردد في
مظاهرات دمشق الموالية ايضا. والقراءة النفسية والاجتماعية اضافة الى
السياسية لهذين الشعارين تضع أمامنا
فارقاً جوهرياً الترتيب، ففي ليبيا
الرئيس قبل الوطن، وفي سورية الوطن قبل
الرئيس، ولهذا الامر دلالاته العديدة
المعقدة، فحين يوضع الرئيس أو الزعيم
بعد الله وقبل الوطن، فالامر بحاجة الى
فحص، رغم ان كلمة «بس» بالعامية في
البلدين هي القاسم المشترك بين
الشعارين، ومعنى كلمة بس هذه.. هو ليذهب
الآخرون الى الجحيم أو ليأت من بعدنا
الطوفان. وما كنت لأتنبه الى هذه الظاهرة التي تبدو
لدى الكثيرين من هواة الاختزال
والتنميط عابرة لولا دراسة معمقة
كتبها الروائي كونديرا قبل أعوام حول
النشيد الوطني في معظم دول العالم،
ووجد أن النشيد يتعاظم ويمتلىء
بالمزاعم كلما كانت الدولة أكثر ضعفاً
وأقل شأنا بالمعايير الدولية، وكأن
المسألة تعويضية، فمن يثرثرون كثيراً
عما يملكون يدفعوننا الى الشك في جدية
ممتلكاتهم سواء كانت مادية أو معنوية. ولا أفهم كيف يردد شعب ما شعارات تقدم
الزعيم على بلاده الا اذا كان المقصود
هو المفاضلة بين الاثنين، واذا كان لا
بد من التضحية بأحدهما فلتكن بالبلاد
والعباد فداء للزعيم! وجذور هذه
الظاهرة تعود الى عقود ماضية خاض فيها
العرب حروبا انتهت بهزائم يصعب الشفاء
من جراحها النفسية وما أفرزته من احباط. ففي تلك الحروب سمعنا من يقول بأن ما جرى
ليس هزيمة بل هو انتصار لسبب واحد فقط
هو ان الاعداء كانوا يستهدفون الزعيم
وفشلوا في ذلك. تلك كانت البذرة الاولى، ثم وجدت من
يتعهدها ويسقيها بالحبر المغشوش كي
يتنامى وتصبح على ما هي عليه الآن،
الزعماء اولا ثم الاوطان، ولولا الخوف
وليس الخجل لما تردد البعض في تقديم
الزعيم على هذه الاقانيم الثلاثة. قلناها مراراً، ولن نخشى من التكرار، ان
الثورات الحقيقية لا تستهدف اشخاصاً
أو حتى سلطات بقدر ما تستهدف منظمة من
المفاهيم التي فندت صلاحيتها، وحين
يسقط الرؤساء وتبقى المفاهيم
والحاضنات ذاتها فان تكرارهم يصبح
مؤكدا وربما بصورة أشد ضراوة وقسوة،
فكل شيء في العالم يخضع للتطوير
والاضافة، بدءا من ادوات التعذيب حتى
أنماط الحكم الشمولي والديكتاتوريات
العمياء. لم يردد العرب قبل هذه الشعارات جملة أو
قولا أكثر مما رددوا «حسبي الله ونعم
الوكيل»، رددتها أرامل العراق وفلسطين
ولبنان ورددها من هضمت حقوقهم في عز
الظهيرة السوداء، لأنها كانت التعبير
الاعلى عن الاحساس بفقدان الحول
والقوة.. لكن ما يتردد الآن في الساحات
يحتاج الى فحص، كي نعرف كم هو المنسوب
الحقيقي للتغيير في عالم عربي أدمن
القطعنة والتنميط!. =================== نيروز غانم ساتيك - حمزة مصطفى
المصطفى باحثان في المركز العربي
للأبحاث ودراسة السياسات - الدوحة 2011-03-29 الوطن السورية لم يكن محمد بو عزيزي يدري أنه عندما أحرق
نفسه، سيكون بمثابة الشرارة الأولى
للتغيير في العديد من الدول العربية.
ولم يتوقع معظم المراقبين سرعة انتقال
المطالب الشعبية من تونس بهذا الشكل
إلى الدول العربية الأخرى، والتي توجت
بسقوط النظام الأكثر فساداً من بين
الأنظمة العربية «نظام مبارك». كما لا
يمكن حصر أسباب هذه الثورات بتردي
الأوضاع الاقتصادية للشعوب العربية.
يدلل على ذلك بسهولة من الثورات في
الدول البترولية كالبحرين وليبيا
وعمان، ومن الشعارات التي رفعها
الثوار أثناء تظاهراتهم المطالبة
بالحرية والديمقراطية. لكننا نستطيع
أن نجزم بأن العامل الحقيقي الذي يقف
وراء هذه الثورات الممتدة على كامل
أرجاء الوطن العربي، أن المجتمعات
العربية قد أصبحت أكثر تطوراً من
أنظمتها السياسية، بحيث أصبحت قاصرة
ببنيتها الحالية عن تحقيق مطالب
شعوبها، لا بل تحولت إلى عائق في تطور
البنية الاجتماعية والسياسية
والاقتصادية للدول العربية. رغم أن الأنظمة العربية تشترك في الكثير
من القواسم فيما بينها، لكن لكل منها
خصوصيات معينة تميز كل نظام عن آخر.
فالتظاهرات في المغرب تنادي
بالإصلاحات السياسية، على حين ينادي
المتظاهرون في العراق بمحاربة الفساد،
على حين المطلوب في الثورة الليبية
إقامة نظام بديل من فوضى القذافي، وفي
مصر وتونس ما زالت المطالب مستمرة
بإسقاط النظام برمته. يلاحظ أن سورية من الدول العربية القليلة
التي لم تشهد تظاهرات احتجاجية تطالب
بتغيير النظام السياسي القائم أو
إحداث تغيير جذري. إنما تبلورت مطالب
تنادي بالإصلاح والإسراع به ومكافحة
الفساد وغيرها من المظاهر التي يمكن
تلمسها. والسؤال الذي يطرح نفسه ما
الخصوصية التي يتمتع بها النظام
السياسي في سورية عن غيره من الأنظمة
العربية. وما موقع سورية في الثورات
العربية؟ النظام السياسي في سورية بين المشروعية والشرعية هناك فرق جوهري بين مفهومي المشروعية
والشرعية، وكثيراً ما يحدث خلط بين
هذين المفهومين، واستخدام خاطئ في غير
محله لكل من المصطلحين. المشروعية مفهوم قانوني، وتعني أن يصل
النظام السياسي إلى السلطة وفق
الآليات الدستورية التي ينظمها
الدستور المعمول به في كل دولة. وعليه
فإن كل الأنظمة العربية هي أنظمة
مشروعة، لأنها وصلت بطريقة أو بأخرى
إلى السلطة عن طريق القواعد الدستورية
الخاصة في بلدها. أما الشرعية، فهي مفهوم سياسي، وتتضمن
شرط المشروعية، أي بأن يصل النظام
السياسي إلى السلطة وفق الآليات
الدستورية التي ينظمها الدستور. لكن
شرط أن يستند هذا النظام في حكمه إلى
القبول الشعبي لسياسات ذلك النظام،
ويستمر بذلك مستمداً شرعيته من الشعب.
وعليه فإن أغلب الأنظمة العربية هي
أنظمة مشروعة. كما أن اكتساب النظام
للشرعية يقاس من خلال مؤشرات عديدة
أبرزها المشاركة السياسية والقدرة على
التأثير كماً ونوعاً في عملية صنع
القرار السياسي والتي تنحصر في الدول
العربية عامة بأيدي نخبة سلطوية قليلة. بيد أنه وعند قراءة الحالة السورية فإن
تعقيدات كثيرة تواجه المهتمين
بالأنظمة السياسية المقارنة، على
اعتبار أن النظام في سورية يحظى بقبول
شعبي يصل إلى «حد الإجماع» على رأس
الهرم ممثلاً بالرئيس بشار الأسد وهو
ما يضفي على هذا النظام صفة « النظام
الشرعي»، ولكن عند قياس الحالة
السورية وفق مؤشرات «الشرعية» التي تم
ذكرها سابقاً يجدون أن النظام يقترب من
«المشروعية» أكثر منه إلى «الشرعية». على مستوى الفهم الجمعي والرأي العام لم
يُصر إلى التمييز بين كلتا الحالتين
فيما مضى، لكن وبعد الثورات العربية
أضحت هذه المفاهيم ضرورية في توصيف
النظام السياسي للوقوف على الواقع
الجديد المتولد عن الثورات العربية
ورغبة الشعوب العربية قاطبة في إحداث
التغيير وفق الخصوصيات التي تتناسب
وتلائم مجتمعاتها وطبيعة حياتها
السياسية والعامة. من هنا لا بد من تعريف واضح للمصطلحات
باعتبارها البوصلة التي يمكن أن تقود
إلى قراءة علمية للخصوصية السورية في
موجة التغيير التي تعم الوطن العربي من
أقصاه إلى أقصاه. إن الغوص في البنية البيروقراطية–
المؤسساتية للنظام السياسي في سورية
واستقراءها بشكل دقيق يقودنا إلى
استنباط ما يلي: • إن ما يضفي على النظام السياسي في سورية
صفة «الشرعية» هو رأس الهرم وليست
مؤسسات النظام كلها، ففي سورية نجد أن
رأس الهرم يحظى بتأييد وقبول شعبي شبه
مطلق لأسباب عديدة أبرزها أنه يعكس
تطلعات ورغبات المجتمع السوري في
التعاطي خارجياً ويصل هذا التأييد إلى
حد التماهي بين رأس الهرم في النظام
السياسي والقاعدة الشعبية، وخاصة فيما
يتعلق بالموقف من الصراع العربي
الإسرائيلي، والموقف من المقاومة،
والقضايا العربية. يترافق هذا التماهي
مع نزوع في الفهم الشعبي بأن أولويات
الإصلاح السياسي والاقتصادي
والاجتماعي كانت ولاتزال حاضرة في
أولويات الرئيس بشار الأسد، وأن طريق
الإصلاح في سورية في إطار تعبيده للمضي
قدماً في هذا الاتجاه. رغم التأخير
الذي يعزى إلى توافر ظروف موضوعية
وخارجية أسهمت في تعليقه لمدة محدودة. • وجود حكومة «مشروعة» لكنها ليست شرعية،
فهي عجزت عن حل مشاكل المواطنين
الاقتصادية والاجتماعية، غاب عنها
التخطيط وسادت فيها الارتجالية وبدأت
بعملية انتقال اقتصادي غير مدروس كرس
تجمع رؤوس الأموال في أيدي طبقة صغيرة،
ما عمق التفاوت الطبقي إثر مظاهر تلاشي
الطبقة الوسطى وازدياد معدلات الفقر
وضعف العملية التنموية بواقعها وليس
بمظهرها. ما كرس العديد من الأمراض
الاجتماعية التي يمكن ملاحظتها بعين
الواقع والتقارير الحكومية. خلال السنوات السابقة، ظهر التباين بين
أداء الحكومة وطموحات الشارع زاد من
هذا الواقع غياب البعد الرقابي للسلطة
التشريعية ممثلة بمجلس الشعب والمجالس
المحلية، إلى درجة جعلت الرأي العام
بأغلبيته يرى أن السلطة التشريعية
تراجعت عن مهامها التي أناطها الدستور
والتي توجب تقويم الخلل الذي يمكن أن
تحدثه إستراتيجيات الحكومة
الاقتصادية والاجتماعية. حيث لم نر ذلك
بشكل واضح ماخلا إرهاصات لم تصل إلى
المستوى المطلوب. لذلك ساد تفكير جمعي
سوري أن السلطة التنفيذية هي من تهيمن
على السلطة التشريعية وليس العكس. الواقع السابق، أنتج حالة غير مسبوقة في
الأنظمة السياسية في المنطقة. وهي وجود
نظام سياسي يستقي شرعيته الشعبية من
رأس الهرم. على حين تستنزف مؤسسات
النظام السياسي الإنجازات التي تتحقق
ما يجعل رأس الهرم بحاجة دائماً إلى
مزيد من الإنجازات وخاصة في السياسة
الخارجية ليغطي على هذا القصور الذي
تستنزفه الحكومة. لا يخفى على المستويات العليا في النظام
السياسي هذه الحقيقة التي تم التغاضي
عنها أمام مسؤوليات جسام ومخاطر هددت
المصلحة القومية فيما سبق. لكن بعد أن
تمكنت سورية من الخروج من الأزمات التي
ألمت بها منتصرة أضحت أمام واجبات
سريعة لا يمكن تأجيلها وخاصة في ظل
الظروف الموضوعية التي تعصف بالعالم
العربي من أقصاه إلى أقصاه لإنتاج واقع
عربي جديد يقوم على أسس ديمقراطية تعزز
المشاركة السياسية. برهنت الشعوب العربية على أن مستوى الوعي
السياسي الذي تتمتع به يفوق نخبها،
لذلك كان لها التغيير الذي طلبت. ولا
يمكن فصل سورية رغم خصوصيتها عن هذا
التوجه العام التي تطالب به الشعوب
العربية، وأثبتت التجارب أنه لا يمكن
مواجهة المطالب بإنتاج قمع مشروع أو
بتجاهله. وعلى اعتبار أن المطالب جاءت
كجزء من الثقافة والوعي السياسي
بتعزيز الحريات والإصلاح ولم تطالب
بتغييرات جذرية تستهدف النظام كله.
بالتالي يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها
أنه لا يوجد بون شاسع بين النظام
السياسي والمطالب الشعبية. لكن يجب
التوقف عند نقطة مهمة جداً أن التعاطي
مع المطالب أصبح في الشارع وليس عند
النخب ودائماً تكون حركة الشارع أسرع
من الحركة التراكمية التي تحدثها
النخب السياسية والثقافية لذلك لا بد
من الاستجابة بشكل سريع لهذه المطالب
من قبل أركان مؤثرة في النظام السياسي،
باعتبار أن البيروقراطية المؤسساتية
عاجزة عن التجاوب معها. ==================== ما وراء الأخبار.. كانوا
على خط التخريب دمشق صحيفة تشرين الصفحة الأولى الثلاثاد 29 آذار 2011 عز الدين درويش تشرين نعرف، ويعرف من يعرفنا، أن مواقف سورية
ونهجها المقاوم تزعج الغرب، وإسرائيل
والولايات المتحدة بالذات، وأن هذه
المواقف تشكل عقبة حقيقية أمام مخططات
يعوّل الغرب كثيراً عليها في فرض ما
يسميه تسويات وواقعاً جديداً في
المنطقة يرضي إسرائيل، ويضع العرب في
حال من اللا فعل والركود والقبول بما
يعرض عليهم. وسورية، كما يقول أعداء العرب ويشهد
أصدقاؤهم، تنسف هذه المعادلات الغربية
الإسرائيلية، وتعمم معادلات مضادة
في المنطقة، تقوم على قواعد شعبية
مقاومة وممانعة ومستعدة لتقديم
متطلبات مواجهة العدوانية
الإسرائيلية بكل أشكالها. وقد حققت هذه المعادلات السورية المضادة
إنجازات واضحة عبر المقاومات الوطنية
في لبنان وفلسطين والعراق، وعبر
التحول الكبير في المزاج الشعبي
العربي نحو الالتفاف حول المقاومة،
لكونها الخيار الأنجع في هذه المرحلة
الصعبة من تاريخ العرب، في غياب
التضامن العربي الفعّال. ومن يتابع عناوين العقد الماضي على الأقل
في المنطقة يمكنه أن يلاحظ بوضوح شديد
أن الإنجازات التي حققتها المقاومات
العربية ارتدّت ضغوطاً سياسية
واقتصادية وأمنية غربية على سورية
تحديداً، والهدف هو ثنيها عن مواقفها،
وإضعافها، تمهيداً لمرحلة لا يكون
فيها للمقاومة أي وجود. على هذه القاعدة يمكن فهم حملات الترويج
والتزوير والتضخيم والتلفيق التي
رافقت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها
بعض المدن السورية تحت عناوين إصلاحية
ومعيشية. وعلى الرغم من أن السلطات السورية لم تقدم
حتى الآن بشكل رسمي كل ما توافر لديها
من أدلة دامغة حول تورط جهات خارجية في
استغلال أجواء الاحتجاجات والنفاذ
منها لتهديد الأمن الوطني، فهناك من
المطلعين من يؤكد أن أموالاً هائلة
ضخت، وأن كميات كبيرة من الأسلحة هربت
إلى سورية، وأن أشخاصاً وجماعات من ذوي
الخبرات التخريبية كانوا على خط
الاحتجاجات السورية، وستكشف الأيام
القليلة القادمة كم كان الوضع خطيراً،
وكم كانت القيادة السورية حكيمة في
تعاملها مع هذا الوضع الاستثنائي. لذلك وغيره الكثير يمكن تأكيد أن سورية
مستهدفة، وأنهم أرادوا استغلال
الاحتجاجات الشعبية للانتقام من مواقف
سورية. ===================== تاريخ النشر: الثلاثاء 29 مارس
2011 د.طيب تيزيني الاتحاد في 8 فبراير 2011، نشرت صحيفة "الاتحاد"
مقالي تحت عنوان "العالم العربي
والحاجة إلى التغيير"، وكان بمثابة
محاولة لرصد أهم المسائل التي تدخل في
خانة (الإصلاح الوطني الديمقراطي).
وكنت منذ سنين غير قليلة تمتد إلى
عشرين، ألمِّحُ إلى ضرورة إنجاز هذه
المهمة اليوم وليس غداً. وقد عنيتُ
بذلك أن إنجاز هذه الأخيرة ذو ضرورة
وجودية قصوى، بحيث يتماهى ذلك بأهمية
بقاء العالم العربي واستمراره
تاريخياً. بالرغم من نجاح الثورتين (الانتفاضيتين
العظيمتين) في تونس ومصر وفتحهما
مبادرة عظمى للتغيير العربي، فإن
دولاً عربية أخرى (مثل ليبيا وسوريا)
ترفضان الاقرار بضرورة التغيير الجذري
وبالانخراط فيه. وفي الحقيقة، من المؤسف والمستغرب أن
يكون الأمر على النحو الأخير، وإذا
حاول الباحث ضبط الأسباب الكامنة وراء
ذلك الموقف، يجد أمامه حزمة منها،
يتصدرها القول التالي: إن "عصابات
مسلحة" هي التي تكمن وراء ذلك. أما
مصدر هذه الأخيرة فيتمثل في "العدو
الخارجي"، الذي لا يروق له أن ينعم
هذا البلد العربي أو ذاك بالاستقرار
والأمان والازدهار. وحين يتحدث المرء عن أن أحد البلدان
العربية على هذا النحو، فإنه يرى أن
العدو الخارجي المذكور يتحدد إما
بإسرائيل وإما بالولايات المتحدة وإما
بهذين كليهما معاً. وقد جرى تسويق هذا
الخطاب، من دون أي حدّ من التدقيق في
بنيته المنطقية والأيديولوجية
السياسية. فمن الناحية الأولى يمكن
القول بأن شعباً يعيش في ظل نظام أمني
استخباراتي لا يمكن أن ينعم بتلك النعم
الثلاث، مستقراً وآمناً ومزدهراً.
لهذا يصح القول به فقط من باب المفارقة
والخطأ. أما من الناحية الثانية -الأيديولوجية
السياسية، فالقول المذكور خاطئ وزائف
سياسياً علمياً، إذ نعتقد أن إسرائيل -العدو
الأكبر للعرب- تسعى إلى الوقوف في وجه
من يعمل على إفقارهم وإذلالهم
والاستبداد بهم، إنما هو اعتقاد خاطئ.
فعلى سبيل العكس من ذلك، ما تمَّت
عملية التأسيس لإسرائيل في فلسطين
العربية، إلا لتكون -بكيفية غالبة-
عثرة كبيرة في وجه التحرر والتقدم
العربي، أو -بتعبير أدق وأكثر شمولاً-
لتكون عائقاً بالاعتبار المعرفي
التأسيسي (الإبيستيمولوجي) للمشروع
العربي في النهضة والتنوير والتحديث
الشامل. ولعلنا نضيف إلى ذلك، أن من يدقق في
المسألة تاريخياً، خصوصاً مع هزيمة 1967
أمام إسرائيل، سيهتم بالواقعة
التاريخية "الضخمة"، التي تمثلت
في شعار ما بعد الهزيمة المذكورة، وهو
التالي: لا صوت يعلو على صوت المعركة!
فبمقتضى هذا الشعار، كان يتعين على
البلدان العربية المحدَّدة بمصطلح "بلدان
الطوق" أن تُنهي هذا العدو أولاً،
لتتفرغ بعد ذلك للبناء الداخلي. ولكن
الذي ترتب على هذا وذاك هو تعملق العدو
عسكرياً واقتصادياً وثقافياً...إلخ.
ولكن من طرف أول، وتقزُّم دواخل الدول
العربية عموماً، ومن ضمنها خصوصاً
دواخل بلدان الطوق تلك المذكورة من طرف
آخر. هذه المداخلة قد تضع بعض النقاط
على الحروف، التي تهمنا هنا: إن
المماطلة في الدخول الحقيقي والعميق
ضمن مشروع فعلي في الإصلاح الوطني
الديمقراطي، إنما تمثل حالة خطيرة تمس
هذا البلد العربي أو ذاك، ونضيف إلى
ذلك، أن النظر إلى ذلك المشروع على نحو
مُجتزأ وملفَّق، سيكون خطوة إلى
الوراء. فثمة حُزم حاسمة من عناصر
الإصلاح المذكور، تمثل الإصلاح
السياسي والآخر الاقتصادي والقضائي
والثقافي وغير ذلك. ولعلنا نكثف الأمر
بعدة ملفات إصلاحية تبرز في مقدمتها
التالية: إلغاء مفعول قانون الطوارئ
والأحكام العرفية، والإفراج كلياً عن
السجناء السياسيين، وإنتاج قانون
أحزاب ديمقراطي وعصري، وتفكيك الدولة
الأمنية، وحل مشكلة العمل والتعليم
وقانون التداول السلمي للسلطة وما
ينجم عن ذلك من حرية التعبير. ==================== ديفيد بوسكو أستاذ مساعد في مدرسة الخدمة
العامة بالجامعة الأميركية واشنطن دي
سي تاريخ النشر: الثلاثاء 29 مارس
2011 الاتحاد منذ ما يزيد على أسبوع، أدى اجتماع حاسم
عقد في الأمم المتحدة إلى إطلاق عملية
تدخل مسلح في ليبيا. وعقب صدور القرار،
ناشد الأمين العام للأمم المتحدة،
جميع أعضاء المنظمة تقديم الدعم
للإجراء الدولي الخاص بالتدخل في ذلك
البلد. لكن يحضرنا هنا سؤالان هما: ما
مدى أهمية ختم التصديق الذي تمنحه
المنظمة الأممية للقيام بمثل هذه
العملية؟ وهل المنظمة قادرة، بعد أن
ساعدت على إطلاق الضربات الجوية ضد
قوات الزعيم الليبي معمر القذافي، على
إيجاد مخرج من الأزمة الليبية؟ للإجابة على هذين السؤالين وغيرهما قد
يفيد هنا إلقاء نظرة على الأوهام
الخمسة التالية المتعلقة بالمنظمة
الأممية: الوهم الأول: قرار الأمم المتحدة يجعل
الحرب مشروعه: بداية، يجب توضيح أن
هناك فارقاً بين الشرعية والمشروعية.
فالقانون الصادر من الأمم المتحدة
بحماية المدنيين في ليبيا، وفرض منطقة
حظر طيران يجعل الحرب شرعية لأنها تتم
بناء على قانون صادر من المنظمة، ولكنه
قد لا يجعلها بالضرورة مشروعة. يرجع
السبب في ذلك لحقيقة أن العديد من
المراقبين، يؤمنون بأن مجلس الأمن
بنظام عضويته العتيق الموضوع في فترة
ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة
بالإضافة لحق" الفيتو" الذي تتمتع
به القوى العظمى، وما يدور في كواليس
المجلس من مفاوضات، بات غير مشروع.
الدليل على ذلك، أنه فيما يتعلق
بالقرار الأخير، قامت خمس دول هي
روسيا، والصين، والهند، والبرازيل،
وألمانيا، وهي دول يشكل سكانها 40 في
المئة من التعداد الإجمالي لسكان
المعمورة، بالامتناع عن التصويت على
القرار المذكور، وهو ما يلقي ظلالاً
كثيفة من الشك عن مشروعية القرار وعن
مدى عمق الدعم الدولي للمهمة. الوهم الثاني: إن إدارة جورج بوش كانت
تكره الأمم المتحدة، في حين أن إدارة
أوباما تحبها: ليس بالضبط. صحيح أن قيام
بوش بشن حرب العراق من دون الحصول على
تفويض من المنظمة الدولية قد أكسبه
شهرة مستمرة بأنه رئيس يكن نفوراً تجاه
المنظمة.. وصحيح أيضاً أن جون بولتون
الذي مثله كسفير لدى الأمم المتحدة
خلال الفترة من 2005 2006 قد قال ذات مرة"
ليس هناك شيء اسمه الأمم المتحدة"،
إلا أن ذلك لا يغطي سجل فترة بوش
بأكمله، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار
أن نطاق عمليات حفظ السلام قد اتسع
بشكل جذري خلال فترة ولايته الثانية.
على العكس من ذلك نجد أن العامين
الأوليين من ولاية أوباما، كانا من
الفترات التي شهدت أداءً من قبل المجلس
كان هو الأبطأ في التاريخ الحديث. علاوة على ذلك فإنه وفيما يتعلق بعلاقة
بوش وأوباما بالمجلس بصدد الملفات
الكبرى مثل العراق، وأفغانستان،
وكوريا الشمالية، وإيران، ليس هناك
فرق كبير. الوهم الثالث: روسيا والصين يعارضان
التدخل الدولي دائما. ليس صحيحا.. ذلك
لأن الحقيقة هي أن هذين البلدين قد
أذعنا لكافة أنواع التدخل المصدّق
عليها من قبل الأمم المتحدة خلال
العشرين عاماً الماضية بما في ذلك
التدخل في شمال العراق، والصومال،
وهايتي، والسودان والآن ليبيا، كما
وافقا على تحويل الجرائم المُدعى
ارتكابها بواسطة السلطات السودانية،
والليبية إلى المحكمة الجنائية
الدولية، وهي محكمة لا ينتميان إليها،
ولم يدعماها بشكل فاعل. هناك دول تعارض هاتان الدولتان، أي قرار
يتعلق بها -حتى بشكل غير مباشر،
بالتدخل فيها مثل تايوان بالنسبة
للصين، أو جمهوريات الاتحاد السوفييتي
السابق بالنسبة لروسيا. بخلاف هاتين المنطقتين، فإن الدولتين
كانتا تخضعان في النهاية لقرارات
التدخل في الدول المختلفة خصوصاً، إذا
ضغطت الولايات المتحدة والدول الغربية
بقوة في هذا الاتجاه.. فهما يستخدمان ما
يتمتعان به من حق ممارسة "الفيتو"
في التحكم في المناقشات وفي مسار
المداولات التي تتم في المجلس بخصوص
التدخل في بعض المناطق فقط، أما القول
بأنهما يعارضان التدخل على طول الخط
فهو قول زائف. الوهم الرابع: الأمم المتحدة منظمة تغلغل
فيها الفساد للدرجة التي فقدت معه
فعاليتها: في الآونة الأخيرة وصفت"
إيلينا روس لهتينين" رئيسة لجنة
العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ
الأميركي الأمم المتحدة بأنها منظمة"مفلسة"،
وطالبت بمنع الأموال الأميركية عنها،
ما لم تقم بمعالجة ما تعاني منه من"
غش" و"فاقد" و"إساءة
لاستغلال الأموال". وعندما يناقش
النقاد في الولايات المتحدة فضائح
المنظمة الأممية فإنهم غالباً ما
يبدؤون، بل وينتهون، بفضيحة برنامج
النفط مقابل الغذاء، الذي استمر خلال
السنوات 1999 2003، ومكن صدام حسين من
تسريب مليارات الدولارات من عائدات
النفط التي كانت مخصصة لتقديم
المساعدات الإنسانية للشعب العراقي. على الرغم من ذلك فإن ما يمكن قوله حول هذه
النقطة إن الأمم المتحدة تعاني من بعض
مظاهر عدم الكفاءة والفعالية، كما
تعاني من مشكلات. بيد أن ذلك عادة ما
يكون نتيجة للإهمال وعدم الانتباه
وليس نتيجة لفساد الموظفين الأمميين..
فالفساد ليس هو العامل الوحيد المؤدي
لعدم كفاءتها الوهم الخامس: إن قوات حفظ السلام التابعة
للأمم المتحدة سوف تساعد على تحقيق
الاستقرار في ليبيا. مع تطورات الوضع في ليبيا، سوف تصبح
الحاجة إلى وجود قوة دولية لإرساء
الاستقرار في هذا البلد خلال مروره
بفترة انتقالية، ملحة، وسوف يصبح
تأسيس مهمة لحفظ السلام تابعة للمنظمة
الأممية أمراً مغرياً. ولكن جنود حفظ السلام، قد لا يكونون هم
الإجابة. فرجال الخوذات الزرقاء
المشهورة يصبحون فعالين عندما يقومون
بالفصل بين قوات عسكرية منظمة
ومنضبطة، وهو ما لا ينطبق على الوضع في
ليبيا. ففي البيئات التي تسود فيها أوضاع سائلة
كما هو الحال في ليبيا حالياً، فإن
قوات حفظ السلام غالباً ما تفقد
اتجاهها. وهناك نقطة أخرى تتعلق بهذا
الأمر وهي أن جنود حفظ السلام الذين
يتم نشرهم في مثل تلك البيئات غالباً
ما يأتون من قوات عسكرية تابعة لدول
نامية، وعادة ما تفتقر قوات حفظ السلام
إلى المعدات، والتدريب، والتنسيق وهي
عناصر لازمة لتنفيذ عمليات إيقاف
القتال وتثبيت الاستقرار التي تتسم
عادة بالصعوبة والتعقيد. ففي رواندا
والبوسنة على سبيل المثال، كانت هناك
قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة،
ومع ذلك لم تنجح في إيقاف المذابح،
لأنها كانت تفتقر إلى الأموال
والموارد والتفويض اللازم والمحدد
لإيقافها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن
بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس" ==================== الأصابع الخارجية في
الأحداث العربية! تاريخ النشر: الثلاثاء 29 مارس
2011 احمد يوسف احمد مع اتساع نطاق التطورات التي يمر بها
الوطن العربي في الآونة الحالية
وامتدادها إلى عديد من البلدان
العربية، بدأت فكرة تتردد لدى البعض
بأن هذه التطورات لا يمكن أن تكون
فعلاً ذاتياً من قبل الشعوب العربية،
وإنما لابد أن تكون وراءها أصابع
تحركها قوى خارجية صاحبة مصلحة فيما
يحدث. ذكَّر أصحاب هذه الفكرة بمشروع
الشرق الأوسط الجديد الذي فشل تحقيقه
عن طريق تبني النظم العربية الحاكمة أو
العدوان الخارجي كما في حرب إسرائيل
على لبنان2006، والتي صرحت وزيرة
الخارجية الأميركية آنذاك بأنها جزء
من عملية بناء الشرق الأوسط المنشود.
لم يبق إذن –كما يذهب أنصار هذه الفكرة-
إلا محاولة تحقيقه من خلال تطورات
داخلية تضع البلدان العربية على أول
طريق هذا المشروع. يعزز هذه الفكرة
التدخل اللفظي أولاً بصدد ما يجري من
محاولات للتغيير وصولاً إلى التدخل
المسلح كما في الحالة الليبية مؤخراً.
بل إن البعض وصل به الأمر إلى الربط بين
الأساليب الاتصالية الحديثة التي
استخدمها مفجرو التطورات الثورية
العربية من الشباب، وما تردد من أن
بعضهم قد تلقى تدريبات على هذه
الأساليب في الولايات المتحدة وبين
أحداث التظاهر والاحتجاجات التي
استخدمت فيها هذه الأساليب على نطاق
واسع. ولا ننسى أن هذه الفكرة أصلاً هي
التفسير الرسمي من قبل النظم الحاكمة
في البلدان العربية التي شهدت هذه
الأحداث، فالأصابع الخارجية فيها
ظاهرة وصولاً إلى حد التآمر وفقاً لتلك
النظم. كنت قد كتبت في هذه الصفحة منذ وقعت أحداث
الثورة التونسية أحذر من تبني "نظرية
الدومينو" بشأنها، بمعنى انتشار
الثورة في كافة البلدان العربية على
التوالي، مذكراً بأن نبوءة كارل ماركس
بشأن انتشار الثورة الاشتراكية لم
تتحقق، دون أن أنفي أنها يمكن أن تحدث
في بعض الحالات كما تم بالنسبة للنظم
الاشتراكية السابقة في شرق أوروبا
إبان الزلزال السوفييتي في النصف
الثاني من ثمانينيات القرن الماضي،
وربما تكون تلك التطورات معززة للفكرة
التي بدأنا بها باعتبار أن الدور
الخارجي فيها كان أكثر من واضح، لكنني
انتهيت إلى أن العبرة في انتشار الثورة
بالعوامل الداخلية التي يحدد مدى
نضجها للتغيير عملية الانتشار هذه من
عدمها. ولم تكن مصادفة أن محاولات
التغيير هذه تركزت على البلدان التي
طال فيها بقاء الحكام، وبرزت مشاريع
توريث السلطة لأبنائهم أو أقاربهم،
لكنني يجب أن أعترف أن عدد البلدان
التي امتدت إليها تلك المحاولات قد زاد
عن توقعاتي، وإن بقي في إطار هذه
التوقعات إذا اكتفينا بالحالات التي
تبنت مطالب جذرية لتغيير النظام. ولنعد الآن إلى التعليق على فكرة "الأصابع
الخارجية" في التطورات العربية، ثمة
ملاحظات عديدة في هذا الصدد نكتفي من
بينها بالثلاث التالية. أولى هذه
الملاحظات أن التصريحات الأميركية
والأوروبية تحديداً بخصوص تلك
التطورات تميزت بتذبذب ملحوظ، وكان
واضحاً أنها لا تنبع من رؤية متكاملة
تدل على أن أصحابها هم المدبرون لهذه
الأحداث، ففي البداية كانت الدعوة إلى
"التسوية السياسية" للمطالب،
وعندما اشتد ساعد الاحتجاجات بدأ
تأييدها، وتباينت درجة التأييد مع قوة
التطورات وضعفها، بل إن ثمة تراجعاً قد
حدث في بعض الأحيان عن مواقف بعينها،
وعندما أصبح واضحاً أن الثورة قد حققت
نجاحاً، أو هي بسبيلها إلى ذلك بما لا
يدع مجالاً لشك أيدتها تلك التصريحات
بحسم، وهذا هو السبب المعلن لرفض ممثلي
شباب الثورة المصرية الالتقاء بهيلاري
كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية
عندما زارت مصر مؤخراً، وذهبت إلى
ميدان التحرير الذي شهد التطورات
الأساسية المتعلقة بهذه الثورة لأغراض
الإعلام وإكساب السياسة الأميركية
نوعاً من الصدقية والشرعية، وهو ما
يعني أن التحليل السابق ليس مسألة
نظرية، وإنما هو حقيقة شعر بها من
شاركوا في التطورات الأخيرة. أما الملاحظة الثانية فتشير إلى غياب
المصلحة الأميركية تحديداً في أن تشهد
بلدان بعينها تطورات ثورية جذرية،
وإذا كانت العلاقات الأميركية-المصرية
في ظل النظام السابق قد خدمت المصالح
الأميركية عامة والإسرائيلية خاصة
بتبني سياسة من شأنها توطيد عملية
التسوية السلمية الفارغة من أي مضمون،
فإنه من الممكن القول بأن سياسة النظام
السابق كانت تختلف أحياناً مع السياسة
الأميركية في قضايا جوهرية أخرى، لكن
السؤال يبقى: ما هي المصلحة الأميركية
في سقوط النظام اليمني الذي لم يترك
شيئاً يرتبط بالتنسيق مع الإدارة
الأميركية ضد ما يسمى بالإرهاب إلا
وفعله، بما في ذلك السماح بعمليات
عسكرية محددة داخل اليمن ضد ما يقال
إنها عناصر إرهابية؟ وما هي المصلحة
الأميركية في أن تشهد البحرين ما تشهده
من تطورات تسبب استقطاباً قد يمتد
خارجها ويفتح الباب لمسارات أخرى؟ بل
ما هي المصلحة الأميركية حتى بالنسبة
لإسقاط النظام الليبي نفسه الذي تخلى
في مواجهة الغرب عن كل سياساته
السابقة، فأنهى برنامجه النووي، ودفع
تعويضات لوكيربي وغيرها، وأقام شبكة
من العلاقات الاقتصادية تحقق بما لا شك
فيه مصالح القوى الكبرى بصفة عامة؟ في الملاحظة الثالثة يجب أن يكون واضحاً
أن ما يحدث من تطورات في عديد من أقطار
الوطن العربي لن يؤدي إلى ظهور شرق
أوسط جديد على الطريقة الأميركية،
لكنه بالعكس سوف يؤدي إلى بزوغ نظم
ديمقراطية في بعض هذه الأقطار على
الأقل من شأنها أن تجعله أكثر ندية في
مواجهة السياسة الأميركية باعتبار أنه
صار يكتسب شرعيته من شعوبه وليس من
حكام يحتاجون الدعم الأميركي في قضايا
أساسية، كما أن من شأن هذه النظم أن
تحسن الصورة العربية في الخارج، وقد
كانت حتى الآن صورة شوهاء تعتمد
إسرائيل عليها في تمرير سياساتها تجاه
العرب، ناهيك عن أن هذه النظم سوف تكون
الخطوة الأولى في عملية إعادة بناء
القوة العربية، وهو تطور من الطبيعي أن
تقلق إسرائيل منه التي تعتمد على الضعف
العربي المزمن في عملية انتشارها
السرطاني في الأراضي العربية المحتلة،
وفرض هيمنتها في المنطقة بصفة عامة. والخلاصة أن التطورات العربية الراهنة
تحدث في منطقة مصالح حيوية هائلة
للولايات المتحدة والقوى الأوروبية
الكبرى بصفة عامة، ولذلك فمن الطبيعي
أن تهتم كافة هذه القوى اهتماماً
أصيلاً بما يحدث أو تحاول توجيهه
لمصلحتها بعد أن أخفقت في التنبؤ به،
ووضع نهاية سريعة له تقوم على فكرة "التسوية"
بين مطالب المحتجين ومواقف النظم، لكن
ملابسات تدخلها كانت من الوضوح بمكان
بحيث أثبتت أنها ليست الفاعل الأصيل
فيما يجري، وقد سبقت الإشارة إلى "شباب
التحرير" من المصريين الذين أدركوا
هذا المعنى، ورفضوا لقاء وزيرة
الخارجية الأميركية التي ذهبت إلى
ميدان التحرير لأغراض العلاقات العامة
وكسب الشرعية للسياسة الأميركية. أقول
هذا حتى لا يبدو أن تضحيات الذين فقدوا
أرواحهم أو خاطروا بها من أجل قضية
يؤمنون بها قد ذهبت سدى لحساب "صناعة"
خارجية مفتعلة، وأقوله أيضاً امتداداً
للمنطق الذي بدأت به حديثي في هذا
الصدد في أعقاب أحداث الثورة التونسية
حتى لا يتصور أحد أن حلم التغيير لا
ينتظر كي يصبح حقيقة سوى أن تتذكره قوى
خارجية ما بوزن الولايات المتحدة أو
غيرها. ===================== آخر تحديث:الثلاثاء ,29/03/2011 أسامة عبد الرحمن الخليج ربما كان الانطباع الغالب، أن الشباب
العربي، منشغل بالبحث عن احتياجاته
الشخصية، ومحاولة تلبية تطلعاته
الفردية، وأنه لا اهتمام لديه بالشأن
العام، لا ريب أنه يبحث عن الفرص التي
تحقق له مستقبله التعليمي، ومستقبله
الوظيفي . ولعل البطالة، مثلت معضلة كبيرة لدى
الشباب العربي، خصوصاً أن رقعتها
اتسعت، ومساحتها الزمنية كبرت، وهي
بطبيعتها تطبق على كل المنافذ لمستقبل
وظيفي ومعيشي واعد، والبطالة، خصوصاً
بالنسبة للشباب في القاعدة المجتمعية
العريضة التي تواجه الفقر، وشظف
العيش، تضيف فقراً إلى فقر، في وقت كان
فيه التطلع لدى هذا المستوى المجتمعي
من الشباب نحو فرص أفضل لتحسين الوضع
المعيشي لهم ولعائلاتهم . ربما اختلف الوضع نسبياً من قطر عربي إلى
آخر، ولعله في الأقطار الغنية، ربما
زاد تطلع الشباب في ظل أمثلة الترف
السريع، اللهث وراء مثل هذا الترف مع
أنه حتى في الأقطار غير الغنية، والتي
اتبعت سياسة الانفتاح الاقتصادي،
وخصخصة القطاع العام وبرزت فيها أمثلة
للترف السريع قد يكون تطلع بعض الشباب
إلى مثل هذا الترف حاضراً، بل إنه يمكن
القول إن النموذج الأمريكي الذي
تصوِّره بعض وسائل الإعلام وكأنه يمثل
مجتمع الفرص الواعدة للصعود بسرعة إلى
الترف المالي والترف المادي، شحذ لدى
بعض الشباب العربي ثقافة النموذج
الأمريكي ذي الفرص الواعدة والسريعة
نحو موانئ الترف . ولعل التحديات الكبيرة التي تواجه الشاب
العربي، تجعل المساحة بين تطلعاته
وواقعه كبيرة، ومشكلاتها مريرة، فهو
لا يكاد يجد الفرص الوظيفية التي تحقق
له الحد الأدنى من متطلباته المعيشية
في ظل البطالة التي تضرب أطنابها في
الساحة العربية، وهو يواجه الفقر الذي
يمثل واقعاً مناقضاً لتطلعاته حتى لو
كانت بمنأى عن النموذج الأمريكي، ولا
شك أن هذا الوضع يسبِّب إحباطاً كبيراً
لدى الفئة العمرية الشابة التي تمثل
الشريحة الأكبر في المجتمع العربي،
وهي الشريحة التي يفترض أن تكون عدة
المستقبل . لعل الإحباط الذي تولد لدى قطاع عريض من
الشباب العربي كان عاملاً من بين عوامل
عديدة في استثارة كوامن شعوره بالظلم،
وسعيه إلى رفع هذا الظلم، خصوصاً أنه
قد تكون أمامه أمثلة في الأقطار
الغنية، وحتى الفقيرة . ففي ظل الفساد
أمثلة لقلة تنعم بالترف الفاحش،
وتمارس البذخ الفاحش، وهذا الشعور
بالإحباط يتراكم لدى الشباب العربي
ويتجاوز حدوده الفردية إلى الشعور
الجماعي الذي يغذي بعضه بعضاً، وتجيء
وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي عبر
الإنترنت، فتوطد الترابط والتلاقي
الجماعي، ومحاولة البحث عن الوسائل
الكفيلة بالخروج من المأزق، أو الخلاص
من المعضلة، أو التغلب على التحديات . هذا الشعور الجماعي لدى الشباب العربي
تجاوز المطالب المعيشية وإطارها
الاقتصادي والاجتماعي، إلى مطالب
سياسية، حين تبين الشباب العربي أن
البعد السياسي هو المتحكم في باقي
الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية وغيرها، وأنه ما لم يطرأ
تغيير في هذا البعد، فإنه قد يستعصي
التغيير في الأبعاد الأخرى بصورة
أساسية . ولذلك فإن هذا الشعور
بالإحباط، وفي إطاره الجماعي يتلمَّس
كل السبل التي تحقق التغيير في البعد
السياسي . وقد تجاوز هذا الشعور
الجماعي بالإحباط والظلم والحيف ساحة
الإنترنت إلى الشارع في تظاهرات
سلمية، وهي قاسية الوطأة على النظام
السياسي الذي يعارضها، ولكنه مع ما
يملكه من قبضة أمنية قوية، قد لا
يستطيع إلغاء حضورها . والقضية في مجملها أن البعد السياسي في
التنمية هو البعد الذي يتحكم في مفاصل
التنمية، ويتحكم في الأبعاد الأخرى
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
وغيرها، وأن النظام الرسمي العربي
الذي رفع شعار التنمية منذ مدة طويلة،
لم يحقق الحد الأدنى من التنمية
الحقيقية، وكان البعد السياسي السبب
الأكبر في ذلك غياب الديمقراطية
ومنظومتها من الحريات والحقوق وسيادة
القانون واستقلال القضاء، وحضور المثل
الأحادي، وشخصنة القرار التي تفرز
مناخاً لا تتحقق فيه المساءلة
والشفافية، وتغيب المعايير
الموضوعية، وتتراكم السلبيات، وعثرات
المسار التنموي المغلوط . ولو كان البعد السياسي، حاضراً بمثله
الديمقراطي الحقيقي، لأمكن تفعيل
الأبعاد الأخرى، الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، بصورة أفضل
لتعطي الشباب، وتعطي المجتمع بأسره،
فرص العيش الحر الكريم في ظل ديمقراطية
حقيقية . ===================== آخر تحديث:الثلاثاء ,29/03/2011 محمد السعيد ادريس الخليج على الرغم من كل المعيقات والتحديات التي
تعرقل فرص كل من العراق ولبنان
للانخراط في الحالة الثورية العربية
الراهنة الطامحة إلى العدالة والحرية
والسيادة الوطنية فإن قوى وطنية عديدة
في العراق ولبنان كانت حريصة على أن
تكون شريكة في هذه الحالة العربية
الفريدة، وأن تحاول وتسعى لتخليق
ثورتها من ركام معاناتها خصوصاً بعد أن
وصلت رياح الثورة إلى جوارها المباشر
في سوريا والأردن وبعد أن أصبح اليمن
وليبيا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق
الانتصار وإسقاط نظاميهما الفاسدين . لكن تبقى لكل من العراق ولبنان خصوصياته
وتحدياته وفرصه للوصول إلى الهدف
المبتغى، وتبقى أيضاً لكل منهما
إبداعاته الخاصة لتأسيس ائتلاف وطني
من بين ركام تحديات سياسية وعسكرية
وأجنبية غير مسبوقة . الإبداع اللبناني أخذ يفرض نفسه بعد أن
وصل الشباب إلى تلمس حركة الأزمة
الاجتماعية - السياسية في لبنان وهي:
النظام الطائفي، أو الطائفية
السياسية، ونجحوا في صياغة وبلورة
شعارهم الثوري التاريخي المفعم
بالخصوصية اللبنانية وهو: “الشعب يريد
إسقاط النظام الطائفي” بعد أن أدرك
هذا الجيل الجديد من الشباب اللبناني
أن الصراع في لبنان ينشأ عادة من
معادلة سياسية رئيسية هي عدم قدرة أي
أكثرية على تجاوز أي أقلية بسبب قيود
الطائفية السياسية التي أخذت تفرض
تسويات حلول وسط دمرت لبنان وأعاقت
تقدمه ونهوضه، وهم بإدراكهم لهذه
الحقيقة وإعلان تحديهم لها أثبتوا
أنهم معنيون بشأن وطنهم ومستقبله،
وأثبتوا أيضاً أن مقولة “اللبناني
المستلب الجاهل الذي لا يعرف ما يريده”
هي مقولة خاطئة، طالما أنه استطاع أن
يتجاوز سلبيته ويعرف ما يريد . فقد انطلقت طلائع الثورة من شباب لبنان
ومن كل الطوائف والتيارات السياسية
قبل خمسة أسابيع ومازالت متواصلة
للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي،
ونجحت في تنظيم ثلاث تظاهرات، ورفعت
فيها شعار “الشعب يريد” ما يعني حصر
هذا التحرك بالشعب اللبناني وأبنائه
وليس السياسيين والقيادات الحزبية
التي هي ذاتها واجهات طائفية للنظام
الذي ينادون بإسقاطه . شباب التظاهرات كان واعياً بحقائق الواقع
السياسي - الاجتماعي المأساوية لذلك
حرصوا على تأكيد أن مطالبهم واضحة وأن
التحرك “شبابي لبناني محايد بامتياز،
وأن لا أحد يمكن أن يصادره”، وحرصوا
أيضاً على رفض مشاركة أي حزبيين ينتمون
إلى جهات سياسية تحكم باسم أحزابها
تلك، وكانوا أكثر حرصاً في تأكيد ماذا
يريدون في خطوة اعتبرها بعضهم تفوقاً
على أقرانهم من شباب الثورة في تونس
ومصر الذين أسقطوا، في رأيهم، النظام
الحاكم من دون أن يعلنوا برنامجاً
سياسياً واضحاً للحكم، فقد حدد “الثوار
الجدد” في لبنان مشروعاً سياسياً يبدأ
من إسقاط النظام، ويصل إلى دولة
علمانية مدنية (لا دينية - لا طائفية)
تحكمها الكفاءات، ويتساوى فيها
المواطنون بالحقوق والواجبات، ووضع
نهاية لظاهرة توريث المناصب والزعامات
على أسس طائفية، والتأكيد أن دعوة
إسقاط النظام السياسي الطائفي القائم
تعني الآن وبوضوح شديد إسقاط مجلس
النواب الطائفي، والدين العام
والسرقات، ومحاسبة المسؤولين عنها،
وإقرار حق الانتخاب بالنسبة إلى من هم
في سن الثامنة عشرة، وإقرار قانون
انتخابي يمثل الشعب، ووقف التحريض
الطائفي والمذهبي، وتربية الأجيال على
المواطنة والإنسانية . قد يعتبر البعض أن هذه المطالب ونجاح هذه
الثورة “حلم بعيد المنال”، وأن
الوصول إلى مرحلة تكوين الائتلاف
الوطني الجامع القادر على إسقاط
النظام وتجاوز حالة الانقسام الراهنة
بين تياري 14 آذار و8 آذار يبدو مستحيل
في ظل الصراع الراهن حول المقاومة
وسلاحها، وحول المحكمة الدولية، وفي
ظل اختراقات النظامين الدولي
والإقليمي . لكن من قال إن الثورة مستحيلة؟ إن ما يحدث
الآن في لبنان هو عمليات جراحية في عمق
الوعي السياسي والوطني كي يفيق
الإنسان في لبنان ويثور لتفكيك قيوده
وينطلق نحو تحقيق مستقبله . ===================== الفوضى الهدامة.. ومشروع
تفتيت الوطن العربي شؤون سياسية الثلاثاء 29-3-2011م د. صياح عزام الثورة بات من الواضح أن ماجرى و يجري في الوطن
العربي والذي يصفه البعض بأنه زلزال
سياسي عالي المقاييس لا يمكن فصله عن
مخطط أميركي- وصهيوني- أوروبي غربي
استهدف اختراق المنطقة العربية
والإسلامية برمتها، وذلك كله بدءاً من احتلال العراق، مروراً
بانفصال جنوب السودان عن شماله بنسبة
تزيد عن 95٪ من أصوات أبناء الجنوب
وانتهاءً بما حصل في تونس ومصر وليبيا
واليمن والبحرين ولبنان والسعودية
والصومال وفلسطين / الانقسام بين
السلطة وحركة حماس /وسورية. والآن، على أي شيء تعتمد هذه الخطة؟ تعتمد على استغلال مجموعة من السلبيات
داخل الدول العربية وفي مقدمتها مصر،
تتمثل في انتشار الفساد داخل بعض
الأنظمة العربية وانعدام العدالة
الاجتماعية في توزيع الثروة، وارتفاع
معدلات الفقر بشكل مخيف، وانتشار
البطالة وزيادة الأمية وغير ذلك. ومن الواضح أن هذا المخطط ليس جديداً، بل
هو موجود وقديم ويقال إن الكونغرس
الأميركي وافق عليه في جلسة سرية في
العام/1983/وبعدها تم وضعه في أجندات
السياسة الأميركية للتنفيذ في الوقت
المناسب، إلى أن عاد الحديث عنه خلال
السنوات العشر الماضية. ويعرف هذا
المخطط بخطة« برنارد لويس» لتفكيك
العالم الإسلامي. « برنارد لويس»من هو؟ وبالمناسبة من هو « برنارد لويس» صاحب
فكرة هذا المخطط الرامي إلى تفكيك
العالم الإسلامي ومنه وطننا العربي؟ « برنارد لويس» هذا ولد لندن عام 1916، وهو
مستشرق بريطاني الأصل يهودي الديانة،
صهيوني الانتماء والهوى، أميركي
الجنسية، تخرج من جامعة لندن عام /1936/
وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ
للدراسات الشرقية الأفريقية، ودرس
جيداً تاريخ الإسلام،وله أكثر من
عشرين كتاباً ومؤلفاً عن الشرق
الأوسط، لدرجة اعتبره البعض مرجعاً
فيه.ومن بين هذه الكتب والمؤلفات :
العرب في التاريخ، والصدام بين
الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط
الحديث، وأزمة الإسلام، وحرب مندسة
وإرهاب غير مقدس. وقد اعتبرت صحيفة«وول ستريت جورنال» أن «برنارد
لويس» هو المسؤول الأول عن توفير
الكثير من الذخيرة الإيديولوجية
لإدارة /بوش/ في مسائل وقضايا الشرق
الأوسط وما يسمى بالحرب على الإرهاب
وعلى رغم أن/ تعبير أو مصطلح صدام
الحضارات/ يرتبط نظرياً بالمفكر
المحافظ«صموئيل هنتيغتون» فإن / لويس/
هو أول من استخدمه في مقال كتبه عام 1990
بعنوان« جذور الغضب الإسلامي» قال فيه:«
هذا ليس أقل من صراع بين الحضارات،
ربما تكون غير منطقية، لكنها بالتأكيد
رد فعل تاريخي منافس قديم لتراثنا
اليهودي والمسيحي وحاضرنا العلماني
والتوسع العالمي لكليهما». غني عن البيان أن / برنارد لويس/ هذا انتقد
محاولات الحل السلمي للصراع العربي
والصهيوني وانتقد الانسحاب
الإسرائيلي من جنوب لبنان، واصفاً
إياه بأنه عمل متسرع ولا مبرر له
معتبراً أن إسرائيل تمثل الخطوط
الأمامية للحضارة الغربية، وأنها تقف
أمام /الحقد الإسلامي/ الزاحف نحو
الغرب الأميركي ، ولذلك - حسب قوله-
فإنه يترتب على الأمم الغربية أن تقف
في وجه هذا الخطر دون تلكؤ أو قصور،
ولاداعي لاعتبارات الرأي العام
العالمي، وعندما انعقد مؤتمر« أنابولس»
للسلام عام 2007 كتب في صحيفة« وول ستريت»
معتبراً أن المؤتمر هو مجرد تكتيك
موقوت غايته تعزيز التحالف ضد الحظر
الإيراني ، وتسهيل تفكيك الدول
العربية والإسلامية، ودفع الأتراك
والأكراد والعرب والفلسطينيين
والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً كما
فعلت أميركا مع الهنود الحمر من قبل». بنود المشروع: هذا ويقضي مشروع / برنارد لويس/ - كما
أوردته العديد من المواقع الالكترونية-
بتفكيك مصر إلى أربع دول وهي: دولة في
سيناء وشرق الدلتا، ودولة مسيحية
عاصمتها الاسكندرية من جنوب بني سويف
حتى جنوب أسيوط وتمتد غرباً إلى
الفيوم، والثالثة نوبية متكاملة مع
أراضي السودان الشماليةوعاصمتها
أسوان، والدولة الرابعة دولة مصر
الإسلامية وعاصمتها القاهرة ويراد لها
أن تكون تحت النفوذ الإسرائيلي. أما في السودان فستقام /4/ دول: دولة
النوبة، دويلة الشمال السوداني
الإسلامي، دويلة الجنوب السوداني
المسيحي، ودولة دارفور التي تستمر
المؤامرات لفصلها، خاصة أنها غنية
باليورانيوم والذهب والبترول. أما ليبيا والجزائر والمغرب فتفكك لإقامة
ثلاث دول: دولة البربر، ودولة
البوليساريو، والثالثة ما تبقى من
المغرب والجزائر وتونس وليبيا. وفي شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج
تقام- حسب المخطط ثلاث دول فقط هي: دولة الإحساء وتضم الكويت والإمارات وقطر
وعمان والبحرين، ودولة نجد ودولة
الحجاز السنية أيضاً. أما العراق فيفكك على أسس عرقية لتقوم فيه
ثلاث دول: في الشمال والشمال الشرقي
حول الموصل «كردستان» هذا وهناك مخطط جهنمي لتقسيم إيران
وأفغانستان وباكستان إلى عشرة كيانات
عرقية ضعيفة هي/ كردستان وأذربيجان
وتركستان وعربستان وإيرانستان ما بقي
من إيران بعد التقسيم وباكستان ما بقي
منها بعد التقسيم وكشمير. وبالنسبة إلى
تركيا يرى لويس أن ينتزع جزء منها ويضم
إلى الدولة الكردية المزمع إقامتها في
العراق. أما بالنسبة للأردن وفلسطين واليمن ،
فيرى المخطط وجوب تصفية الأردن ونقل
السلطة للفلسطينيين وبالتالي لاتبقى
هناك مشكلة اسمها فلسطين، في حين يرى
المخطط إزالة كيان اليمن القائم
حالياً بشطريه الشمالي والجنوبي
واعتبار مجمل الأراضي اليمنية جزءاً
من دولة الحجاز. ==================== [الكتاب: الدور الأميركي في
سياسة تركيا حيال الاتحاد الأوروبي (1993
2010). [ الكاتب: محمد ياسين خضير
الغريري. [ الناشر: مركز دراسات الوحدة
العربية بيروت 2010. المستقبل - الثلاثاء 29 آذار 2011 العدد 3953 - رأي و فكر - صفحة 19 مراجعة: عفيف رزق يرى المؤرخون أن التحول نحو أوروبا، الذي
تسير في سياقه تركيا الآن، كان قد بدأ
عملياً مع مصطفى كمال أتاتورك مطلع
عشرينات القرن الماضي عندما استطاع
هذا الأخير إنشاء الجمهورية التركية
عام 1923، فتبنى رسمياً الحضارة
الأوروبية نهجاً رسمياً للدولة، وأنهى
ازدواجية السلطة، وقدم السلطان
العثماني الى المحاكمة بتهمة الخيانة
لتعامله مع الحلفاء، وألغى الخلافة
ووزارة الشريعة والأوقاف، وعمل على
إزالة الحروف العربية من اللغة
التركية واستبدلها بالأحرف
اللاتينية، وألغى عطلة يوم الجمعة
وجعل العطلة نهار الأحد، ومنع ارتداء
الزي الشعبي وألزم الناس بإرتداء الزي
الأوروبي... هذه التغييرات الجذرية كان
وراءها "أزمة الهوية" التي كان
يُعاني منها أتاتورك، كما يقول
الكاتب، الذي يُضيف، بأن هذا كان
معجباً بشكل غير محدود بالحضارة
الأوروبية وينقل عنه القول التالي: "إن
الحضارة التي يُنشئها الجيل التركي
الجديد هي حضارة أوروبا، مضموناً
وشكلاً(...). إن جميع أمم العالم مضطرة
الى الأخذ بالحضارة الأوروبية لكي
تؤمن لنفسها الحياة والاعتبار..".
الى جانب هذه التغييرات الجذرية التي
أحدثها أتاتورك في المجتمع التركي وفي
طبيعة وشكل السلطة السياسية، استطاع
أن يحقق انتصارات عسكرية باهرة ويوقع
مع الحلفاء على "معاهدة لوزان" في
24-8-1923، التي أرغمت هؤلاء على الاعتراف
لتركيا بالسيادة التامة على جميع
أراضيها. يرى الكاتب أن الخط الذي سار
عليه أتاتورك، في التقرب من أوروبا،
استمر على أيدي خلفائه الذين تولوا
السلطة بعده؛ والدليل البارز على ذلك
انضمام تركيا لمعظم المؤسسات
والمنظمات الأوروبية الغربية بعد
الحرب العالمية الثانية كمنظمة
التعاون الاقتصادي الأوروبي التي
انضمت اليها تركيا عام 1948، والمجلس
الأوروبي عام 1949، ومنظمة حلف شمال
الأطلسي عام 1951، ووقعوا على "اتفاقية
أنقرة" عام 1963 والتي عُرفت ب"اتفاقية
الشراكة " وتضمنت حق تركيا مشاركة
دول السوق الأوروبية المشتركة التي
كانت قد أنشئت عام 1957، وهدفت الدول
الأوروبية من إدخال تركيا "المتخلفة
اقتصادياً وسياسياً" الى هذه السوق
مقابل حراستها للجناح الشرقي لحلف
شمال الأطلسي، في حين هدفت تركيا من
الانضمام الى تقليص الفجوة بين
الاقتصاد التركي واقتصادات بلدان
السوق المشتركة للوصول الى الهدف
الاستراتيجي النهائي وهو الانضمام،
كعضو كامل العضوية، الى السوق
الأوروبية المشتركة. بدأت متاعب تركيا
مع الأوروبيين تظهر الى العلن؛ ففي
نيسان من العام 1987 تقدمت أنقرة بطلب
الانضمام كعضو كامل العضوية في
الجماعة الأوروبية. بعد عامين أصدرت
اللجنة الوزارية المختصة لهذه الجماعة
تقريراً جاء فيه: إن بدء أي مفاوضات مع
تركيا بشأن هذا الطلب لا يمكن أن يتم
قبل عام 1993. تجدر الإشارة الى أنه
وبناءً على معاهدة ماسترخت التي تم
التوقيع عليها عام 1992، تم إنشاء
الاتحاد الأوروبي عام 1993. أصبحت تركيا
أمام معطيات جديدة: مؤسسة جديدة لها
معايير خاصة بها وقوانين ترعى مهامها؛
ومعاهدة جديدة أيضاً لم تشارك في
إنشائها ولا التوقيع عليها!. كان على
أنقرة أن تعمل على جبهتين، داخلية
بتبني معايير الشفافية في التعامل مع
المواطنين، وتحديث قوانين وأنظمة
أجهزتها التنفيذية لتقترب مما هو سائد
في بلدان الاتحاد؛ وجبهة خارجية تعتمد
على حلفائها وخصوصاً الولايات المتحدة
الأميركية حيث كانت العلاقات بين
الطرفين، التركي والأميركي، تمر
بمرحلة من التعاون المثمر والتشاور
المتبادل. شكل، موقع تركيا الجغرافي،
العامل الرئيسي وراء اهتمام الولايات
المتحدة بها؛ فهذا الموقع أتاح
للولايات المتحدة ساحة مواجهة مهمة مع
الاتحاد السوفياتي، وفي مرحلة لاحقة
مع الثورة الإيرانية وغزو أفغانستان
من قبل السوفيات، تطورات أفقدت
الولايات المتحدة كثيراً من قواعدها
المتقدمة هناك، مع توفر إمكانية إنشاء
وتطوير قواعد جديدة؛ رمت الإدارة
الأميركية بثقلها الى جانب تركيا في
الحملة للانضمام الى الاتحاد
الأوروبي، ففي تموز من عام 1991 ولدى
زيارة الى أنقرة قال الرئيس الأميركي
الأسبق جورج بوش الاب ".. لا ينبغي أن
تُثار الشكوك حول استحقاق دخولها (أي
تركيا) الاتحاد الأوروبي"... "يمكنها
أن تعتمد على التأييد القوي للولايات
المتحدة في هذا الشأن"؛ وفي إحدى
الندوات المتخصصة قال مدير مكتب
مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة
"على أوروبا إعادة النظر بموقفها
إزاء تركيا وتسهيل انضمامها الى
المجموعة الأوروبية". وفي كانون
الأول عام 2004 أكد وزير خارجية الولايات
المتحدة كولن باول في القمة الأوروبية:
"أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي
وحليف أساسي... وهي قوة ايجابية من أجل
الرخاء والديموقراطية... إن تركيا
مرتبطة بأوروبا". لقد أثمرت هذه
الضغوط والتحركات ونجحت الجهود في دفع
الاتحاد الأوروبي للموافقة على قبول
تركيا كعضو مرشح وذلك في قمة هلسنكي
عام 1999، وبدأت مرحلة جديدة بين تركيا
والاتحاد الأوروبي وأخذت اللجان
المختصة من الطرفين بدراسة ملفات
الانضمام ومن المنتظر أن تستمر
المرحلة الجديدة عدة سنوات، تجدر
الإشارة الى أن حزب العدالة والتنمية
تولى السلطة في أنقرة منذ منتصف عام 2002
وما زال في السلطة حتى الآن، ويصف
المراقبون هذا الحزب بأنه حزب
براغماتي ذو جذور إسلامية ليست متطرفة
بل مؤيدة لعملية الانضمام الى الاتحاد
الأوروبي، وقد جاء في ديباجة أول
برنامج خاض على أساسه، هذا الحزب،
الانتخابات إن تركيا "ترتبط بأوروبا
بعلاقات أسسها تاريخية وثقافية(...)،
كما أن تركيا سوف تنجز وعودها للاتحاد
الأوروبي الخاصة بانضمامها الى
الاتحاد بالسرعة الممكنة...". وهكذا
اجتمعت عوامل عديدة، من بينها الدعم
الأميركي، تُنبئ جميعها بأن انضمام
تركيا الى الاتحاد الأوروبي أصبح
مسألة وقت ليس إلا... ==================== نهلة الشهال النهار 29-3-2011 يحضر الاعتبار الاسرائيلي بقوة في خلفية
المشهد الجاري في سوريا. ليس المقصود
التدبير الاسرائيلي للأحداث، بل نتائج
هذه الاخيرة على توازن القوى في
المنطقة، الذي يشكل الموقف من اسرائيل
واحداً من أعصابه، إن لم يكن عصبه
الرئيس. وهذه النتائج مباشرة، تمس في
طريقها معطيات أخرى لا تقل أهمية عن
تلك العائدة لإسرائيل، منها ما يخص
وضعية إيران في المنطقة العربية،
ومنها ما يخص العراق. وبهذا المعنى،
فسوريا مفصل استراتيجي لا يمكن
التشكيك في أهميته. ولكن: هذا لا يلغي
ذاك! أي لا يكفي أن تكون السلطة السورية
تناهض إسرائيل، وترفض أن تعقد معها «تسويات»
من النوع المشين، المتسبب بتعزيز منطق
الاستسلام لها، حتى تفترض انها تمتلك
تفويضاً من شعبها بكل ما عدا ذلك. لا
يمكن لمناهضة إسرائيل أن تبرر مثلاً
تأبيد حالة الطوارئ، وما يستتبع ذلك من
ممارسات ونتائج تبدأ بالاعتقال
التعسفي والمحاكمات الصورية وإشاعة
آليات للعلاقات الاجتماعية تستند الى
الخوف وإلى ضرورة اللجوء الى الوشاية
والوساطة والتزلف لتدبر الحياة في ظل
الاعتباط، وكذلك تستند الى سحق روح
المبادرة ثم كل مبادرة مهما كانت، عدا
التساهل حيال أشكال خطيرة من الفساد
الذي يتوسل السلطة في اشتغاله. وهذا
عالم ما يشكل البنية العامة للقمع
بمعناه الواسع والمديد، فكيف حين يضاف
إليه القمع المباشر المتسبب بقتلى
وجرحى، كما يحدث الآن. كما لا يحل الموقف السياسي السوري من
اسرائيل محل كل الحاجات الاخرى، ومنها
تلك الاقتصادية، المتعلقة بمعيشة
الناس وبازدهار المجتمع. لقد ترسخت على
مر السنين بنية هجينة، تمزج مناحي
اشتراكية مشوهة (لأنها لم تعد تهتدي
بأي منطق عام متماسك، فتبدو أقرب الى
حطام من الماضي الذي كان هو نفسه
اعتباطياً ومضطرباً)، تمزجها
بليبرالية متخلعة تُمنح، ليس وفق منطق
عام متماسك هو الآخر، بل ارضاء لفئات
معينة، وتلويحاً بمغانم يمكن أن تحفز
تلك الفئات، فيما هي تتسبب برمي فئات
أخرى واسعة من الشعب السوري في البؤس. ولا يمكن تصور أن التسويات المتعاقبة بين
السلطة والمجتمع أو بعض اجزائه، تقوم
مقام العقد الاجتماعي الصريح. حتى
التسويات الكبرى لا يمكنها ذلك! نذكر
التسوية التي عقدت مع بازار دمشق في
مطلع الثمانينيات إنهاءً لمواجهات
غاية في الدموية، وقبلها التسوية
الاصلية في مطلع السبعينيات، التي
أطاحت نسخة غريبة من حزب البعث حكمت
البلد، وبعدهما التسوية التي اتجه
إليها الرئيس الحالي مستنداً الى
بدايات «انفتاح» كان قد أُعلن عنه مطلع
التسعينيات، فجاء هو يوسِّع دائرته
ويعصرنه، مرفقاً إياه بحزمة من
الوعود، لعله جرى تطبيق شق رقيق منها.
ذلك أن منطق التسويات يحمل في طياته
بذور أزمته، لا سيما حين يُمارَس بغاية
الالتفاف على مآزق فعلية، وابتغاء
الحفاظ على السلطة، فيصبح كتلة لزجة
تقرن القمع بالفساد، بالاستيعاب ببعض
الاصلاح، بنسب تتفاوت حسب الظروف. ولا شك أن الوضع في العراق ساعد دمشق
كثيراً على الامساك بأطراف الخيوط
كلها. فقد كانت الفوضى الرهيبة التي
عمّتَ بلاد الرافدين رادعاً لكل
مغامرة باتجاه مساءلة القائم. ولا شك
أن المسلك الغربي في العراق قد مثل حجة
رادعة أخرى بوجه قوى لعلها كانت تحلم
بمثله لسوريا، فانكفأت وانزوت، وسط
نبذ عام لها. إذ لم يمثل الإجرام
العسكري الغربي وتحديداً الاميركي
المتفلت من كل حدود نموذجاً يثير
الرغبة في تكراره. وطبعت الوجدان العام
في المنطقة وفي العالم ما عُرف عن
الفلوجة والنجف وأبو غريب، وعن اغتصاب
الفتيات ثم قتلهن، واغتيال الصحافيين،
ثم عادت «ويكيليكس» فأثبتت بالوثائق
سيادة عقلية الاوغاد لدى السادة
المتحضرين. وكذلك انكشف حجم المشاركة
الغربية الهائلة في نهب العراق،
والتخطيط لإضعافه المديد عبر تسييد
آليات سياسية منحرفة. وانتهى الامر الى
سطوع الفشل الذريع في إثبات، أي جدارة
على أي صعيد مهما كان بسيطاً. استبطن
هذه الصورة المريعة القادة الغربيون
انفسهم، بدلالة ارتباكهم في مسلكهم
الليبي الراهن، وخشيتهم من منزلقات
التورط التي بدأت تلوح أمامهم. وهو ما
يؤكد أن كل تدخل من هذا القبيل هو فخ
حقيقي، قد يتم استصغار شأنه في بداية
الطريق، ولكنه سريعا ما ينطبق على من
يقترب منه ويبتلعه. ولا يمكن اعتبار أن ما يجري في سوريا من
احتجاجات غريب عن الانتفاضات التي جرت
وتجري وستجري في أرجاء العالم العربي.
فهذا الاخير قد أعلن أنه وصل الى حد
الإشباع. ولا يمكن تعيير الغرب بأنه
يكيل بمكيالين، والانكفاء الى هذه
الممارسة بعينها، وفق أهواء أو حتى
اعتبارات شتى، حتى لو كانت تتعلق
بمسألة مركزية تماماً، هي الصراع مع
اسرائيل. بل، فعلى من يحرص على ابقاء
هذا الصراع حياً، وعلى قيادته الى
نهايته السعيدة، أن يكون فوق الشوائب،
أو أن يتخفف من بعضها على الاقل! وإن لم
يفعل، فثمة أسباب فعلية للشك في قدرته
أو في رغبته أصلاً في خوض ذلك الصراع
والخروج منه منتصراً. فالفساد مثلاً لا
يوفر بنية مقاتلة بل وحتى قادرة على
الصمود. وقد سارت الانظمة العربية طويلاً في منهج
تفكيك الاشياء وعزلها عن بعضها ثم
حسابها بالمفرد وفق جردة تضع الناقص
هنا والزائد هناك، وتأمل بنتيجة
متوازنة. وهذا غير مجد أبداً. ولا بد من
مقاربة المواقف بكليتها وبتفاعل
عناصرها في ما بينها. قد تسنح ظروف تتيح
التفلت من هذا التطلب، ولكن التعرف الى
اللحظات التاريخية يتم حين يفرض تقاطع
كل المعطيات معاً نفسه على الواقع. فهل
تدرك دمشق اليوم أن الامر ليس انتقاء
وخيارات بل ضرورات، وتتخذ قراراً
بتجنب تكرار المألوف والمطروق من قمع
وتغطية وتبرير، وترتقي الى اللحظة؟ لا يوجد ما يحول دون ذلك، لا سيما أن
السلطة القائمة في سوريا لديها ما تعتد
به، وهذه لم تكن حال مصر مبارك ولا تونس
بن علي ولا ليبيا القذافي. بل ليس من
المبالغة القول إنها تكاد تكون حالة
فريدة. والسؤال هو كيف ستوظف امتيازها
ذاك! ==================== راجح الخوري النهار 29-3-2011 قبل أيام كشف روبرت غيتس "عورة السياسة"
الاميركية في الشرق الاوسط. كان غارقا
في فيض من التقارير المنهمرة عليه من
اليمن، حيث ترتفع المخاوف من انقلاب
وحروب قبلية وأهلية. وكذلك من ليبيا
حيث ارتفع الجدال الغربي حول العمليات
العسكرية، ومن تونس التي لم تستقر، ومن
مصر التي تتلمس طريق التغيير بصعوبة،
ومن سوريا التي واجهت احتجاجات عنيفة. امام كل هذا، قال وزير الدفاع الاميركي
لصحيفة "واشنطن بوست": "كيفما
نظرت في الشرق الاوسط يمكنك ان ترى
التحولات. هذه الفضائح التكتونية التي
ظلت خامدة ما يقرب من 60 عاما اخذت في
التحرك تباعاً". طبعا هذا الكلام لا يشكل اكتشافا.
الاكتشاف المفاجئ وربما المثير تمثل
في امرين وردا في كلام غيتس: اولا: قوله ان اميركا ليست متأكدة او
بالاحرى واثقة الى اين يمكن ان يؤدي
التغيير في بلدان المنطقة: "ان
النتائج ليست معروفة سلفا. وليس
بالضرورة ان تكون النهايات سعيدة في
جميع الاحوال. وعمليا نحن في نفق مظلم
ولا احد يعلم ماذا ستكون النتائج"! طبعا نحن لا ندري ماذا سيقول الرئيس باراك
اوباما، ونحن نكتب هذه الاسطر قبل
ساعات من خطابه المنتظر، الذي سيهدئ
فيه مخاوف الجمهوريين
والديموقراطيين، عندما سيؤكد ان
اميركا لن تنزلق، الى حرب في بلد
اسلامي ثالث، والمقصود هنا ليبيا بعد
العراق وافغانستان. ❑ ❑ ❑ ولكن من الضروري الانتباه الى ان العالم
ينتظر من اميركا دورا يتسم اكثر
بالفاعلية والايجابية حيال تطورات
وأحداث لا تمس الاستقرار وتهدد الامن
في مناطق تحتاج الى التطوير بعينها،
كالبحرين مثلا، والى التغيير كاليمن،
ولكن من دون ان يتحول التطوير الى نسف
النظام في المنامة واعلان "الجمهورية
الاسلامية" بتشجيع ايران للمعارضة
الشيعية، التي ترفع مطالب محقة لم
تتوان السلطة عن السعي لاستجابتها عبر
الحوار كما هو معروف، لكن طهران اصرت
على النفخ في "شرارة البحرين" عبر
دعوة قسم من المعارضة الى المطالبة
بتغيير النظام. وكل ذلك في محاذاة
السعودية وخزان النفط الخليجي، الذي
قد ينسف الاستقرار العالمي اذا حدثت
اضطرابات سعودية – ايرانية لا سمح
الله! هذا امر يفترض ان لا يغيب عن واشنطن، التي
دأبت على تكرار القول ان امنها القومي
يرتبط بالهدوء في تلك المنطقة، وهو ما
يفرض عليها منطقيا على الاقل، ان تضع
جهودها الى جانب الوساطتين السعودية
والكويتية لإيجاد تسوية في البحرين
تحفظ الاستقرار والامن، وتضع الاساس
لعقد اجتماعي وطني بين السلطة
والاكثرية الشيعية التي تتمسك
بوطنيتها البحرينية وبمطالبها ايضا،
في حين تذهب اقلية منها الى مماشاة
التشدد الايراني، في وقت يتم سحق
المعارضة في ايران كما هو معروف. في اي حال، اذا كانت اميركا في نفق مظلم
ولا تعرف فعلا ماذا ستكون النتائج،
وهذا امر لا يصدقه الا البسطاء، فإن
عليها على الاقل ان تتحرك وتسعى كي لا
تتحول نتائج التغيير الذي تقرع طبوله
بحماسة منذ وصول اوباما الى البيت
الابيض، وقوعا في الفوضى والحروب
الاهلية والصراعات القبلية، التي قد
تستمر نصف قرن آخر من الزمن، فيكون
مسار التغيير الى الوراء، اي من حكم
الديكتاتوريات الى حكم الفوضى، او
بالاحرى الى الصوملة. ❑ ❑ ❑ ثانيا: لعل المفاجأة هنا. اي ان غيتس لم
يتردد في الاعتراف بوجود "اختلافات
عرقية ومذهبية وقبلية قُمعت في
المنطقة لمدة اعوام" – لنلاحظ الوضع
في اليمن تحديدا –، ولكن غيتس يقول:
"ان اميركا تشجع على الديموقراطية،
ولكن هل يمكن اي نظام ديموقراطي ان
يجمع مكونات هذه الدول وسط هذه
الوقائع؟". ثم تأتي قمة المفاجأة عندما يقول صراحة:
"نعم هناك خطر يتمثل في ان الخريطة
السياسية للشرق الاوسط ربما تبدأ هي
ايضا بالتغير؟". هكذا بالحرف، وبما يعني صراحة ان خريطة
المنطقة السياسية المعروفة قد تشهد في
ظل سياق التغيير الذي قد يتحول صراعات
قبلية ومذهبية ليس في اليمن وحده،
دخولا في مرحلة من التقسيم واعادة رسم
الخرائط. وهذه مسألة في غاية الخطورة
وخصوصا بسبب ما سيرافقها من حروب وقتل
وتهجير وصراع على الثروات والحدود،
اضافة طبعا الى التنافس في التدخلات
الدولية. ولأن التقسيم وإعادة رسم الخرائط يمثلان
كثيرا من السكاكين وكثيرا من الدماء
والمآسي، من حق المرء ان ينظر بكثير من
الذهول وربما الازدراء، الى السياسة
الاميركية المتذبذبة والمتناقضة
والتي بدت لوهلة كأنها لا تعي خطورة
اشعال النار في نفط الخليج من خلال
انتقاد هيلاري كلينتون تدخل قوات "درع
الجزيرة" لحفظ الامن في البحرين،
حيث بدأت الآن طلائع حوار لحل أزمة هذه
المملكة الحساسة، تشارك فيه الكويت
والسعودية بتشجيع ضمني من كل دول مجلس
التعاون الخليجي. ❑ ❑ ❑ اما قضية اليمن، التي يتداخل فيها
الانقسام القبلي بالتناقض المذهبي
وتضاف اليهما التحديات المتزايدة لعمل
تنظيم "القاعدة"، وكذلك قدرة
طهران على اعادة تحريك الحوثيين في حرب
جديدة، فانها الآن موضع عناية على مدار
الساعة، اولا من الرياض التي شكلت غرفة
طوارئ لمتابعة هذه التطورات. وثانيا من
واشنطن عبر سفيرها في صنعاء جيرالد
فايرستاين، وكذلك بريطانيا صاحبة
الخبرة العريقة هناك، وكل ذلك بهدف ان
يأتي التغيير اخيرا من دون ان يدفع
بالبلاد نحو الانقسام والحروب الاهلية
والقبلية. ومهما يكن من امر، تبدو المنطقة في منتصف
الطريق بين تغيير ضروري ومعقول وفوضى
تقود الى الحروب واعادة رسم الخرائط. =================== صمت نصر الله.. السور
الواقي للرئيس السوري صحف عبرية 2011-03-28 القدس العربي صوت واحد يختفي فجأة في جلبة المظاهرات في
سورية: صوت الامين العام لحزب الله،
حسن نصر الله. الرجل الذي شجع الشعب العربي على الثورة
ضد زعمائه الفاسدين وتمنى له النجاح،
الذي فرح جدا عندما انصرف عدوه حسني
مبارك الزعيم الذي تجرأ على اعتقال
نشطاء حزب الله من منصبه، أو عندما
بدأت المظاهرات ضد القذافي المشبوه
الرئيسي في اختفاء الامام موسى الصدر
في ليبيا في العام 1978 طالب باسقاطه،
يقضي على نفسه بالصمت عندما يبدأ
اللهيب بالوصول الى قصر بشار الاسد.
فنصر الله، الذي نجح في إحداث ثورة
سياسية داخل لبنان، من شأنه ان يجد
نفسه دون سيد سياسي وربما ايضا في داخل
قطيعة جغرافية عن ايران. على نحو مفعم بالمفارقة، فان الخطر
المحدق بحزب الله من سقوط الاسد هو
ايضا السور الواقي للرئيس السوري.
عندما أوضحت هيلاري كلينتون أمس بأن
الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريا في
سورية، فانها عللت ذلك بغياب اجماع
دولي لذلك، ولكن لواشنطن، مثلما
لاسرائيل، لتركيا ولايران، توجد اسباب
ممتازة للرغبة في استمرار حكم الاسد.
الاسد، الذي اقترب في السنة الاخيرة من
الولايات المتحدة وحظي بعد ست سنوات
بسفير امريكي في دمشق، يعتبر صمام أمان
ضد عملية عنيفة يقوم بها حزب الله ضد
اسرائيل أو ضد السيطرة المادية على
لبنان كاستمرار لسيطرته السياسية عليه. كما ان الاسد كشف النقاب عن خلافات بينه
وبين ايران بعد الزيارة المثيرة
للخلاف التي قام بها احمدي نجاد الى
لبنان وكذا في مسألة مستقبل العراق.
سقوط نظام الاسد من شأنه ان يفتح على
مصراعيه أمام ايران الطريق الى لبنان
حين لن يضطر هذا بعد ذلك الى مراعاة
موقف سورية. تركيا، التي تلعب دور الوسيط المتصالح،
قلقة بقدر لا يقل. فسقوط الاسد من شأنه
ان يسرق أوراقها اذا ما حل مكان الاسد
نظام غير معروف، كفيل بأن يرى في تركيا
حليفا غير مناسب بسبب علاقاتها مع
الاسد أو نظاما يسمح لايران بتوسيع
نفوذها في لبنان. في كل نهاية اسبوع
يجري رئيس وزراء تركيا ووزير خارجيته
محادثات مع الاسد ويقترحان عليه
الشروع في سلسلة اصلاحات، ولكن تركيا
رأت ايضا ما صار عليه مصير زعماء آخرين
حاولوا اقتراح اصلاحات بدلا من تغيير
حقيقي. كل هذا يقلق واشنطن، التي في هذه المرحلة
يبدو انها لا تشارك حزب الله تخوفه
وتفترض بأن السيناريو الواقعي لن يكون
القطيعة بين حزب الله وايران، بل العكس.
وعليه، فانها مستعدة لان تخاطر
باستمرار زعامة الاسد مقابل ان يتنازل
عن بعض من مطالب المتظاهرين أو على
الأقل ينجح في إسكات المتظاهرين بعنف 'معقول'. في هذه الاثناء يُجرب الاسد الصيغة التي
استخدمها بن علي في تونس، مبارك في
مصر، وصالح في اليمن دون نجاح: كسب
الوقت من خلال إقالة الحكومة المتوقعة
غدا، والوعد باصلاحات جوهرها تجميلي.
الغاء المكانة العليا لحزب البعث أو
الغاء نظام الطوارىء الذي ساد في
الدولة منذ عام 1963، لا ينفيان قدرة
النخبة السلطوية التي يسيطر عليها
أبناء العائلة والمقربون على مواصلة
الاحتفاظ بالمقدرات الاقتصادية
والعسكرية للدولة. في سورية يتذكرون جيدا ايضا 'ربيع دمشق'
القصير الذي أعلن عنه الاسد فور تعيينه
في العام 2000. عندها سمح للصالونات
الثقافية بالنشوء واجراء مداولات حول
جوهر الديمقراطية بل والتقى بخصوم
سياسيين. ولكن في غضون اسابيع عديدة
انتهى الانفتاح ونشطاء حقوق الانسان
اعتُقلوا وسُجنوا. وفي نفس الوقت يحاول الاسد ايضا ان يُعيد
الى حاله 'نظام الخوف' الذي فرضه أبوه
في العام 1982 والذي تحت رعايته يتمتع
بشار منذ 11 سنة بالهدوء. وهو يطلق النار ويقتل المدنيين، يعتقل
المئات، ويحاول الاقناع بأن الحديث
يدور عن 'قوى اجنبية' تحاول اسقاط نظامه.
وبالأساس، فانه يعتمد على الجيش، الذي
خلافا لمصر، من شأنه ان يخسر كل
الامتيازات التي لديه كجزء من ولائه
للحاكم. ==================== لن تكون سورية مملكة
للخوف بعد اليوم الطاهر إبراهيم 2011-03-28 القدس العربي ربما يخطر ببال
الرئيس السوري بشار الأسد وهو يسمع
بأذنيه هتاف المتظاهرين في مدينة درعا:
(خائن يللي يقتل شعبه) أن يتساءل، كيف
يتجرأ هؤلاء أن يصفوه بالخيانة؟ مع أن
هؤلاء الشباب يعلمون أن من كان يهتف
بهذا الشعار في عهد والده الرئيس حافظ
الأسد كان يساق لمحاكمة ميدانية بموجب
القانون 49 لعام 1980، فيحكم عليه
بالإعدام وينفذ فورا. قد لا يعلم الرئيس السوري أن هؤلاء الشباب
وصل بهم الأمر إلى حد أنهم ما عادوا
يفكرون بنوع الحكم الذي سيصدر عليهم،
لأن الحياة أصبحت عندهم تساوي الموت،
وهم يرون خمسا وعشرين جثة من جثث
إخوانهم ملقاة في شوارع درعا يوم
الأربعاء 23 آذار/مارس، وقد سقطت مضرجة
بدمائها بسلاح أجهزة عناصر الأمن
السوري. عندما تحدث الرئيس السوري، إلى 'وول ستريت
جورنال' في شباط/ فبراير المنصرم قال: (سورية
بعيدة عن أن يحصل فيها ما حصل في تونس
وفي مصر). لكن ربما لم يخطر ببال الرئيس
السوري أن الجواب سوف يأتيه من أصغر
مركز محافظة في سورية، وهي مدينة درعا،
وأنها ستثبت له أن حساباته كانت خاطئة. بل نحن نقول له: 'كان غيرك أشطر' أيها
الرئيس. فشاه إيران الذي كان يزعم أنه 'شاهنشاه'
أي ملك الملوك، ويعتمد على حماية أجهزة
'السافاك' التي كانت فيها فرقة تسمى 'الخالدون'
تأكل رأس الأفعى. مع ذلك فقد انتهى به
الأمر أن كل دول العالم رفضت قبوله
لاجئا سياسيا، بعد أن أطاحت به
الجماهير قبل وصول الخميني إلى طهران
عام 1979. أما نيكولاي تشاوشيسكو فقد خرج مئات
الآلاف من الرومانيين يحتفلون بضيفه
هاشمي رفسنجاني في شوارع العاصمة
بوخارست. ولم تكد عجلات طائرة رفسنجاني
تقلع من مطار بوخارست عائدا إلى إيران،
حتى هبت تلك المئات من الألوف بمظاهرات
مليونية صاخبة -في نفس الشوارع التي
احتفلت فيها باستقبال رفسنجاني -
مطالبة بالحرية بعد أن هدم جدار برلين
قبل شهرين. فاعتقل تشاوشيسكو وحوكم
وأعدم أواخر 1989. أما الإطاحة بالرئيس التونسي زين
العابدين بن علي والرئيس المصري حسني
مبارك، فما زالت حية جياشة في النفوس
تلهب عواطف الشعب السوري الذي صمم على
ألا يكون أقل حرصا من أشقائه في تونس
وفي مصر على حريته وكرامته التي
أهدرتها أجهزة أمن النظام السوري، 'ومن
حسب نفسه بسوية أشقائه فما ظلم'. فمنذ أن ورث الرئيس بشار الأسد السلطة عن
أبيه حافظ الأسد، حرصت المعارضة
السورية على أن تتغاضى عن أسلوب
التوريث الخاطئ، آملة بأن يغير الرئيس
بشار أسلوب الحكم بعد ثلاثة عقود عجاف
من حكم الرئيس حافظ الأسد، ، بل حاولت
مخاطبة الرئيس السوري بعقلانية
ومناصحة، مطالبة إياه بأن يقود قطار
الإصلاح بنفسه. لكن الرئيس الذي بدأ
عهده بالوعود في خطاب القسم بأن يستمع
للآخر، تناسى وعوده تلك، وتصرف وكأنه
يرفض أي مشاركة شعبية في الحكم. كان آخر الناصحين للرئيس السوري صديقه
رئيس الوزراء التركي رجب طيّب اردوغان
في تصريح له لصحيفة 'حريت' التركية يوم
22 آذار/مارس الجاري، حيث قال: (إن رياح
التغيير تهب في كل مكان. وخلال زيارتي
الأخيرة لسورية تحدثت مع الأسد، وذكرت
له أن عملية مماثلة قد تتطور في بلده،
وأن هناك تهديداً لنهج طائفي. والآن
نرى أن الوضع يحصل). ربما شجع الرئيس بشار على التمادي في رفضه
الإصلاح، أن الشعب السوري سكت عندما
قامت الوحدات الخاصة وسرايا دفاع رفعت
الأسد بتدمير أحياء كاملة من حماة عام
1982، وقتل أكثر من عشرين ألفا من أهلها،
بحسب رواية روبرت فيسك مراسل صحيفة 'التايمز'
اللندنية في لبنان في ذلك الوقت - حين
أُتيحت له فرصة زيارة حماة إبان
المجزرة. ما حذر منه أردوغان وقع الآن في ساحات
مدينة درعا وحول الجامع العمري. لقد
كان الثمن الذي دفعته درعا حتى مساء
يوم الأربعاء 23 آذار/مارس الجاري هو
سقوط 36 شهيدا من أبنائها على مدى سبعة
أيام، استشهد منهم في يوم الأربعاء فقط
خمسة وعشرون، بحسب الرواية التي
أوردتها رويترز. في يوم الجمعة 18 آذار/مارس الجاري كسر
حاجز الخوف في نفوس مواطني درعا وفي
نفوس السوريين في كل سورية، عندما
استشهد ستة مواطنين من درعا. لذلك
وجدنا المواطنين من البلدات المجاورة (جاسم
ونوى وطفس والقنيطرة) يتوافدون لنصرة
أهل درعا لا يخافون من أفراد أجهزة
الأمن المدججين بآلات القتل، الذين
كانوا يوجهون الرصاص الحي إلى رؤوس
المتظاهرين، كما أظهرت الصور التي
التقطتها أجهزة الموبايل، وانتشرت في
كل دول العالم. لا نزعم أن صمود أهل درعا والشهداء الذين
سقطوا فيها سوف يجعل النظام في سورية
يعيد حساباته، فيعلن عن برنامج إصلاح
حقيقي، فهذا الأمر لم يكن واردا في
أجندة الرئيس بشار الأسد ولا في أجندة
أبيه من قبل، وقد لقنه قائمة نصائح في
التعامل مع السوريين قبل موته. لكن السوريين يدركون أن سكوتهم عما حصل في
مدينة درعا هو الموت بعينه. لأن النظام
لو نجح في كسر شوكة درعا من دون أن
تبادر باقي المحافظات لمؤازرتها
والثورة على الاستبداد، فإن انتقام
النظام من الشعب السوري سيكون فظيعا. نحن لسنا دعاة فوضى ودعاة قتل للمواطنين
بسلاح السلطة، لكنه كان واضحا أن
النظام أراد ضرب درعا ضربة موجعة تجعل
باقي المدن تعد للعشرة بحسب حسابات
النظام - قبل أن تثور على الحكم.
السوريون وفي ردهم على النظام، أسقطوا
الخوف من حسابهم، لأن الخوف ما عاد
يجدي، فقرروا المضي في مشوارهم مع
النظام حتى التغيير. المراقبون العارفون بأسلوب النظام
يؤكدون أن نجاح النظام القمعي بإسكات
مدينة درعا وما جاورها من المدن
السورية الأخرى، سيجعل النظام ينكل
بالمدن السورية واحدة بعد الأخرى.
والشعب السوري يعرف ذلك معرفة أكيدة،
ويعرف أنه ليس أمامه إلا الصمود في وجه
النظام وتصعيد الموقف حتى تمتلئ
الشوارع بالمتظاهرين، وعندها سيجد
النظام نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما،
إما المجازر وقتل الآلاف أو أن ينسحب
من الحكم. عندما يطالب الشعب النظام بإجراء إصلاحات
عاجلة ومجزية في سورية، فلا يعني ذلك
أننا نتوقع منه أن يفعل ذلك، لكن 'معذرة
إلى ربكم ولعلهم يتقون'. لو فرضنا جدلا
أن النظام فعل ذلك، فإن هذا ما يريده
الشعب السوري، وكفى الله المؤمنين شر
الفتنة. أما إذا أصر النظام على ركوب رأسه والذهاب
في مشروعه القمعي الاستبدادي إلى آخر
الشوط، فالفرصة الآن مواتية للسوريين
في أن ينفذوا ما عاشوا من أجل تحقيقه
خلال خمسة عقود، خصوصا أن دول العالم
تحت ضغط جماعات حقوق الإنسان- لن تسكت
عن أي انتهاك وجرائم بحق الشعوب. يبقى أن نقول انه لن ينفع الرئيس بشار
الأسد أن يلعب ورقة الطائفية كما فعل
أبوه من قبل. فلن يستطيع الزعم بأنها
ثورة سنية ضد العلويين، فلقد أدرك
السوريون بمن فيهم العلويون أن النظام
الحالي ليس حكما بعثيا ولا حكما علويا،
بل هو حكم 'عائلي' بامتياز، تستفيد منه
ثلاث أسر معروفة حتى بأسماء أفرادها.
وإذا كان الرئيس حافظ الأسد استطاع أن
يشتري ذمم بعض الضباط من الطائفة
العلوية في سبعينات وثمانينات القرن
العشرين، فقد كان ذلك عقد انتفاع، ما
لبث الرئيس بشار أن ألغى عقد الانتفاع
هذا، بعد أن وضع سقفا عمريا للضباط،
بحيث يعتبر الضابط مسرحا حكما إذا بلغ
الستين من عمره. ' كاتب سوري ===================== المعارضة الجديدة للنظم
العربية! ميشيل كيلو 2011-03-28 القدس العربي دأب ممثلو النظم
العربية على إنكار وجود معارضة لديهم.
كان هؤلاء يردون، حين يسألون عن
المعارضة في بلدانهم: ليس عندنا
معارضة، فإن أقروا بوجود شيء منها،
قالوا باستهجان: أنتم تقصدون ما يسمى
المعارضة! كان منطق هؤلاء يقول: إذا كان المواطنون
لا يبدون أي تذمر حيالنا، ولا يعرفون
أية سياسات غير سياستنا، ويؤمنون أنه
لا يأتينا الباطل من أمامنا أو خلفنا
أو من بين أيدينا، فكيف يمكن أن يكون
عندنا معارضة، ومن غير المغرض أو
الموتور يعتقد بوجود معارضة في
بلداننا؟ وقد شرع بعض المعارضين يقولون في السنوات
الأخيرة: نحن لا نعارض كل ما يصدر عن
السلطة، وإنما نعارض الخطأ وحده، أي ما
نعتقد أنه خطأ، مع أنه قد لا يكون كذلك.
نحن نعارض مواقف ولا نعارض السلطة التي
تتخذها: نحن معارضة جزئية، موضعية
ومحدودة. وكانت حالة الصمت الشامل تزيد
من تفاخر السلطة بخلو بلدانها من
معارضة، ويأس المعارضة من مغادرة
أوضاعها وتطوير قدراتها. في هذه الأثناء، قالت مراكز القرار في
العالم: الاستقرار والهدوء شرط الحرية
والازدهار. وراقبت النظم بإعجاب وسعدت
لأن صوتها وحده كان يسمع في البلدان
العربية، وإرادتها بمفردها تهيمن
وتسيطر على شعوبها، ولم لا وهي تمارس
باقتدار سياسات اليد القوية، التي تعد
معيار النجاح في مواجهة التطرف
الإسلامي، وشرط حماية العالم المتقدم. بقوة السلطة الكاسحة، وضعف المعارضة إلى
حد الانتفاء، وتأييد العالم الخارجي،
بدا الشعب العربي كمن دخل في حقبة بيات
شتوي لن يفيق منها في مدى منظور. أما
الرقابة الآنية، التي تمارسها النظم
عليه، وترصد حركاته وسكناته بفضل
منظومة قواعد وإجراءات كاملة، تتيح
لها اختراقه ووضع أذنها على قلبه ويدها
على نبضه، والتقاط أي جديد يطرأ على
حاله وأية بادرة صحو تصدر عنه، فتأكد
أنها تضمن موته السياسي المديد. لم يكن
لدى أحد إجابة على سؤال قليلا ما طرح،
هو: كيف يمكن أن يحرك أو يتحرك مجتمع
فقد روحه واستكان لموته وخوفه، تحصن في
اللامبالاة وعدم الاكتراث حتى بوجوده،
ووصل إلى درجة من التشوه جعلت أمهات
آلاف المعتقلين والمفقودين في بلدان
عربية عديدة لا يطالبن بفلذات
أكبادهن، رغم مرور عقود على اختفائهم. كان من أصابهم مس من جنون فظلوا مؤمنين
بالحرية والإنسان والمواطنة والقانون
والعدالة والمساواة ... الخ، يشعرون
بالغربة عن هذا الواقع، وبأنهم لا
يعنون الكثير بالنسبة إلى من يدافعون
عنهم. لكنهم كانوا يواسون أنفسهم
بحقيقة بدت لهم جلية هي أن التغيير لم
يعد ممكنا، وأن ما يستطيعون فعله وصل
إلى حدوده القصوى، وأن الآتي قد يرد
لهم بعض الاعتبار، بعد غيابهم على
الأرجح. لم يكن هناك ما يشير إلى تخلق تيارات
عميقة تحت سطح الواقع العربي بوسعها
نسفه وإطاحة النظم القائمة، بل إن
المظاهرات المتفرقة التي تواصلت لفترة
غير قصيرة في مصر، كانت تبعث بدورها
اليأس في قلوب محبي شعبهم ومجتمعهم:
بمحدودية أعداد من يشاركون فيها
وعجزها عن إحداث أية نقلة تذكر في
علاقة المجتمع بالسلطة، حتى أنهم
اعتقدوا بعد الانتخابات التي أدت إلى
انفراد حزب مبارك بجميع مقاعد مجلس
النواب أن مقاومة المتظاهرين
المثابرين قد انهارت، وأن النظام بلغ
بر الأمان. وأيد هذا التقدير ما سمعه
هؤلاء من أصدقاء مصريين من قادة ومؤسسي
المعارضة، قالوا قبل الثورة بأيام
قليلة بلغة لا تحتمل اللبس أنه لا أمل
يلوح في أفق مصر القريب، وكذلك فعل من
زاروا تونس قبل انتفاضتها بعشرة أيام،
وأكدوا بعد عودتهم منها أن أكثر ما لفت
نظرهم هو موت الشعب هناك، وفقدانه
الإحساس بأي شيء! بدورها، شاركت النظم معارضتها في نظرتها
إلى الشعب، فكل مياهه ساكنة راكدة، بل
آسنة ولا جديد فيها: الآن أو خلال أي
مدى منظور. ولعلنا ما زلنا نتذكر تعليق
حسني مبارك الساخر على البرلمان
الشعبي، الذي أعلن عن تشكيله بعد
الانتخابات، فقد قال باختصار خلال
خطاب طويل حافل بالطمأنينة والثقة
بالنفس: 'سيبوهم يتسلوا'. بينما اقتلع
نظامه بؤر المعارضة من بعض وسائل
الإعلام دون صعوبة، وقال حبيب
العادلي، وزير داخليته ، قبل يوم من
ثورة 25 كانون الثاني/يناير في لقاء مع
ضباطه: ستنزل آلاف قليلة هنا، وآلاف
قليلة هناك، وستتوزع على أربعة أو خمسة
ميادين. دعوهم يتجمعون، ثم طوقوهم
وسدوا في وجوههم منافذ الهرب وأغرقوهم
في بحر من الغازات المسيلة للدموع
والرصاص حتى لا يبقى بينهم من يرغب في
التظاهر بعد ذاك، فنكون قد انتهينا،
منهم ومن مشاكلهم! لم ينزل بضعة آلاف هنا، وبضعة آلاف هناك،
بل نزل ستمائة ألف شاب وشابة، انضم
إليهم بعد ساعات قليلة ملايين
المصريين في جميع المدن الكبيرة
والمتوسطة والصغيرة. نزل قسما الشعب، الشاب الحديث والعامي
العادي، مطالبين بإسقاط النظام، فأين
كان الوزير وجهاز الأمن الذي يرصد
ويتحرى ويضع أذنه على قلب المجتمع ويده
على نبضه، ويعرف كل شاردة وواردة فيه؟.
وأين كان قبل ذلك زين العابدين بن علي،
ضابط المخابرات الذي استولى على
الرئاسة وأدار تونس كما يدار معتقل
كبير، ورصد وتحرى وراقب واستخدم أذنه
ويده طيلة ثلاثة وعشرين عاما، لم يغمض
له جفن خلالها عن سلطته ومال الشعب؟ لم تكن هناك معارضة بالمعنى الشائع: أي
معارضة حزب أو بقايا حزب، نخبة أو بقيا
نخبة، في مواجهة سلطة حاكمة هو بديلها.
صحيح أنه كان هناك أحزاب أو بقايا أو
كسور أحزاب معارضة، لكنها لم تكن قادرة
على خوض مواجهة بأي معنى يومي وفعلي
للكلمة، لذلك انكفأت على نفسها تحاول
الحفاظ على العدد القليل من أعضائها
المهددين والمرصودين، بانتظار معجزة
تبدل علاقات القوة القائمة، وانخرطت
في حرب كلامية ضد الأمر القائم تسد
بواسطتها انعدام نشاطها العملي بين
الناس، بينما غاب عن السلطة أن
المعارضة الحزبية ليست بالضرورة كل
أنواع المعارضة، وأنها نشأت في شرط
تاريخي محدد انقسم المجتمع فيه إلى
طبقات عبرت عنها تنظيمات سياسية دافعت
عن مصالحها ضمن شبكة مصالح اجتماعية
متعارضة. لم تدرك السلطة معنى أن تكون
هي في طرف وأغلبيته مجتمعها الساحقة في
طرف مقابل، وأن تنمو جسدية مجتمعها
الحديثة خارج قميصها السياسي الضيق
والمتقادم. ولم تر فرص نمو وعي مغاير من
خارج منظومات الأيديولوجيات
المعروفة، ليس من السهل تقييده أو
القضاء عليه أو منعه من التحول إلى وعي
تفاعلي / تكاملي يغطي أكثر فأكثر
المجتمع بأسره أو قطاعات متعاظمة
الاتساع منه، لا تمتلك السلطة السائدة
أدوات مواجهته، ويعجز ما تمارسه من
سياسات خاطئة وتملكه من أدوات قمعية عن
مواجهته أو تقويضه. صحيح أن المعارضة
لم تعد في ظل النظم أحزابا بمعنى
الكلمة، وأن المعارضة الحزبية تسير
نحو طور من الضمور يقوضها، إلا أنه
تتخلق بالمقابل معارضة من نمط مغاير،
جديد، هو معارضة مجتمعية مباشرة
حاملها مجتمع تتخطى مصالحه المشتركة
انقسام مكوناته الجزئية، يعبر عن نفسه
من خلال تكوينات واسعة، مجتمعية
الطابع ومتنوعة، لكنها تتابع هدفا
واحدا هو: تحريره من اختلال توازنه
السياسي والاجتماعي بتحريره من
الطغيان والتفاوت الذي ينتجه الفساد؛
تكوينات هي بالضرورة أوسع من أي حزب،
ومختلفة بنيويا عن أي حزب، لا تسير
وراء طليعة تمثل الوعي هي منظمة صغيرة
نسبيا تحظى بتأييد جمهور واسع يمثل
العفوية، فالاستبداد هو الذي يتكفل
هنا بنقل الوعي بضرورة وحتمية الخلاص
منه إلى الشعب، وهو يفعل ذلك بصورة
آنية: في كل فعل من أفعاله وقول من
أقواله. أليس هو الذي يحتقر المواطن
إلى الحد الذي يجعله يرى في الخلاص منه
مسألة كرامة شخصية؟ وهو الذي يهينه إلى
الدرجة التي تحول أي شكل من العلاقة
معه إلى عدوان عليه يصير التعايش معه
أصعب فأصعب؟. وهو الذي يوحد في النهاية
وعي المواطنين وعواطفهم وأنماط سلوكهم
وردود أفعالهم؟ ربما كان هذا يفسر
ظاهرة حيرت كثيرين من الذين تابعوا
ثورات تونس ومصر وليبيا، هي أن حملتها
كانوا على قدر من الوعي الموحد
والمتطور مكنهم من الإفصاح عن أفكارهم
ومطالبهم ومواقفهم وكأنهم تخرجوا من
مدارس سياسية عليا، ومارسوا العمل
العام منذ ولادتهم!. لم تر النظام ما تنتجه يداها: نقيضها
القاتل، رغم أنها كانت ترصد حقا بكل
دقة ما يدور في المجتمع. لقد رأت أشجارا
(معارضين منفردين) ولم تر الغابة (الشعب
المعارض): القوة التي تستطيع التخلص
منها وإطاحتها. هذا هو مكر التاريخ،
الذي يخسر دوما من يوهم نفسه أنه لم يعد
يشتغل، بمجرد أن تراقبه أجهزته وتكتم
أنفاس حملته ومن يراهنون عليه، بل ومن
يدأبون على تفعّيله من حين لآخر!. هل تعلم الحكام العرب الدرس؟. يقول ماركس
إن طبقة أو فئة أو حكومة تفقد دورها
عندما تعجز عن فهم الواقع. لم يفهم
الذين سقطوا الواقع، فعجزوا عن
الاحتفاظ بكراسيهم. هل يفهم من بقي من
حكامنا في كرسيه الواقع، فينجو بجلده
وموقعه، أم يتوهم أنه يستطيع ملاعبة
تاريخ ماكر ينتظر حملته، وهم ملايين
العرب في كل بلد، إيماءة منه، كتلك
التي قام بها في تونس محمد البوعزيزي،
فأشعلت الوطن العربي من أقصاه إلى
أدناه؟ ===================== عبد الباري عطوان 2011-03-28 القدس العربي لا نعرف الاسباب
الحقيقية التي دفعت الدكتورة بثينة
شعبان، المستشارة السياسية
والاعلامية للرئيس السوري بشار الاسد،
لاتهام الفلسطينيين بالوقوف خلف
الاحتجاجات العنيفة التي وقعت قبل
يومين في مدينة اللاذقية على الساحل
الشمالي واسفرت عن سقوط 12 شخصا وعشرات
الجرحى، اثر اشتباكات بين هؤلاء ورجال
الامن، ولكن ما نعرفه حق المعرفة ان
مثل هذا الاسلوب، اي البحث عن كبش فداء
'غير محلي' لتحميله المسؤولية غير مجد
علاوة على كونه يعطي دائما نتائج عكسية
تماما. الفلسطينيون ضيوف عند اشقائهم السوريين،
ويصعب التفرقة بينهم وبين مضيفيهم من
حيث الملامح او العادات والتقاليد فهم
ابناء الساحل السوري الجنوبي، ولا
يرون انهم اغراب في بلد وفر لهم سبل
العيش الكريم، وساواهم باشقائهم في
العمل والسكن والتجنيد بل وحتى في
المعاناة. ما نريد قوله انه لا توجد هناك اي مظلمة
لدى الفلسطينيين تجاه مضيفيهم، وان
وجدت فهي محدودة للغاية، فالسياسات
القمعية الامنية التي تمارسها اجهزة
النظام لا تفرق بين فلسطيني وسوري، بل
ربما تقسو على السوري ابن البلد اكثر
من ضيفه الشقيق، لان الاخير لا يخطط
لقلب نظام الحكم، وليست لديه اي نوازع
طائفية، والخطيئة الاكبر التي يمكن ان
يرتكبها تتلخص في اتهامه بالانتماء
الى 'زمرة عرفات'، خاصة في ظل الخلاف
الذي كان محتدما بين زعيم حركة 'فتح'
الراحل ياسر عرفات وزعيم الحركة
التصحيحية الراحل حافظ الاسد. مشكلة الدكتورة بثينة شعبان ونظام الحكم
الذي تنطق باسمه هي مع السوريين وليس
مع الفلسطينيين، فالجموع التي انتفضت
في مدينة درعا الجنوبية، حيث انطلقت
الشرارة الاولى اثر اعتقال قوات الامن
مجموعة من الاطفال كتبوا على حائط
شعارات تطالب باسقاط النظام، لم يكن
بينها فلسطيني واحد، لانه على حد علمنا
لا يوجد اي مخيم للاجئين فيها، او حتى
بالقرب منها. السوريون يطالبون بانهاء حالة الطوارئ
المستمرة منذ عام 1963، والتعددية
الحزبية، واحترام حقوق الانسان،
والانتخابات الديمقراطية، والقضاء
المستقل، والشفافية والقضاء على
الفساد واقتلاعه من جذوره، والعدالة
الاجتماعية، وحرية التعبير، اما
الفلسطينيون سواء كانوا ضيوفا في
سورية او غيرها، فيريدون العودة الى
ديارهم، وتحرير ارضهم المغتصبة، وان
كانوا يتضامنون في الوقت نفسه، ولكن
بقلوبهم مع اشقائهم السوريين ومطالبهم
العادلة. الدكتورة شعبان اعترفت في مؤتمرها
الصحافي الاخير بأن مطالب المحتجين 'مشروعة'
وقالت ان القيادة تدرس تنفيذها
بالكامل في المستقبل القريب، وتحدثت
عن قوانين جديدة تطلق الحريات
والتعددية الحزبية، وتنظيم الاعلام،
فلماذا اذن هذه القسوة، والافراط في
استخدام القوة في تفريق المحتجين في
اللاذقية بالصورة التي شاهدناها،
والضحايا الذين سقطوا بسبب ذلك؟ ' ' ' كنا نتمنى لو ان الدكتورة شعبان، وهي التي
تنتمي الى حزب قومي، ومتزوجة من عربي
غير سوري، لم تنزلق الى المنزلق
العنصري الذي انزلقت اليه، عندما جعلت
فلسطينيين ربما يعدون على اصابع اليد
الواحدة، اذا كانوا شاركوا فعلا في
الاحتجاجات، كبش فداء، وحملتهم
المسؤولية في تهرب واضح من الاسباب
الحقيقية والمشروعة لهذه الاحتجاجات. نشعر بالاسف ان ينحو مسؤولون في النظام
السوري القومي منحى بعض الدول العربية
التي لجأت الى الاسلوب العنصري
التمييزي نفسه، عندما اضطهدت
الفلسطينيين المقيمين على ارضها
وحاولت ان تلصق بهم، او تستخدمهم،
كورقة لتبرير بعض خطاياها، او
سياساتها الداخلية الفاشلة. العقيد الليبي معمر القذافي الذي يترنح
على كرسي عرشه المتهالك بفعل ضربات
الثوار الليبيين وحلفائهم في حلف
الناتو قام بطرد آلاف الفلسطينيين
الابرياء عنوة الى العراء قرب الحدود
المصرية، ودون اي ذنب ارتكبوه املا في
لفت انظار العالم الى الحصار الخانق
الذي فرضه المجتمع الدولي على بلاده
بسبب جريمة تفجير طائرة ركاب امريكية
فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية، فلم تؤد
هذه الخطوة الاستفزازية الى إنهاء
الحصار او التسريع بانهائه، وانما إلى
كراهية الكثيرين لهذا الزعيم 'الثائر'
امين القومية العربية المزور. حبيب العادلي وزير الداخلية المصري
السابق كان الاكثر وضاعةً عندما ارسل
رجال مخابراته لتفجير كنيسة القديسين
في الاسكندرية ليل رأس السنة
الميلادية بطريقة دموية بشعة، مما ادى
الى مقتل اكثر من عشرين شخصاً من
الأشقاء المسيحيين الابرياء، ثم اوعز
لمستشاريه باتهام الفلسطينيين من
انصار جيش الاسلام المقرب من تنظيم 'القاعدة'
بالوقوف خلف التفجير. امبراطورية
القمع التي اسسها اللواء العادلي على
مدى عشرين عاماً انهارت مثل بيت
العنكبوت امام قبضات ثوار ميدان
التحرير، وانتهى زعيمها خلف القضبان
بتهمة الفساد، ونهب المال العام،
وجرائم اخرى ما زالت قيد التحقيق. لا نتمنى للسيدة بثينة، او اي من
مسؤوليها، مثل هذه النهاية، فسورية
عزيزة علينا، وكذلك امنها واستقرارها،
ولكننا نريدها فوق كل الطوائف،
والتفرقة العنصرية بين الأشقاء، لان
من اسباب التفاف الكثيرين حولها،
والتغاضي عن الكثير من اخطائها، هو
رفعها شعار القومية، وفتحها أبوابها
امام جميع العرب دون أي استثناء،
واحتضانها ودعمها لفصائل المقاومة
الفلسطينية واللبنانية، وتمسكها
بالثوابت الوطنية الفلسطينية خاصة
باعتبارها ثوابت سورية. ' ' ' ما نريد التنبيه اليه، او التحذير منه، ان
مثل هذه الاتهامات ادت الى استهداف
اللاجئين الفلسطينيين في العراق
بطريقة وحشية، دفعت الكثيرين منهم
للجوء الى الصحراء هرباً بأرواحهم
وأطفالهم من عمليات القتل الطائفي،
وانتهى الأمر بالكثيرين منهم في ثلوج
ايسلندا او غابات البرازيل لأن ابواب
الأشقاء العرب اغلقت، بل احكم الاغلاق
في وجوههم. سورية مستهدفة، ونقولها للمرة المليون،
مستهدفة من امريكا، ومستهدفة من
اسرائيل، بل ومستهدفة من بعض الدول
العربية ايضاً، ونقطة ضعفها الرئيسية
تكمن في وضعها الداخلي، وبالتحديد
طريقة معاملة النظام لشريحة من
مواطنيه تطالب بالحريات، والحد الأدنى
من الكرامة البشرية، ومن المؤسف ان
معاملة اجهزة الأمن السورية لهؤلاء لا
يتصورها عقل، وهناك آلاف القصص التي
يشيب لها ريش الغراب في هذا المضمار. نطالب السيدة بثينة بالتراجع عن هذه
السقطة، واذا لم تتراجع وهذا متوقع من
اناس تعودوا على أساليب المكابرة
والغطرسة، فاننا نأمل ان لا تكررها،
خاصة في هذه المرحلة الحرجة، التي بدأت
تتخلص فيها الشعوب من رهبة الخوف،
وتطالب بحقوقها كاملة دون نقصان،
واخيراً فإن اكرام الضيف هو من أصول
التقاليد والاخلاق العربية، والشعب
السوري الكريم هو من اعرق الشعوب
العربية في هذا الميدان، ان لم يكن
اعرقها على الاطلاق، والفلسطينيون،
وانا واحد منهم نقول ذلك على رؤوس
الاشهاد. سورية تحتاج الى الكثير من التعقل،
والخطوات المحسوبة بعناية، بعيداً عن
ردات الفعل المنفعلة، وما كان يصلح في
الماضي من ممارسات لم يعد مقبولاً
حالياً، فانتفاضة درعا تجبّ كل ما
قبلها، وتحتم حدوث تغيير جذري على
الصعد كافة، سواء على صعيد السياسات او
منفذيها في آن. ==================== الثلاثاء, 29 مارس 2011 حسان حيدر الحياة يشكل اضطرار الحكم في سورية إلى الحديث عن
قرب إلغاء حالة الطوارئ المعمول بها
منذ 48 عاماً واعتماد إصلاحات اخرى،
إقراراً مباشراً بسقوط النظرية
القائلة بأن السياسة الخارجية تستطيع
توفير الاستقرار الداخلي، والتي أكدها
الرئيس بشار الأسد في مقابلته الأخيرة
مع صحيفة «وول ستريت جورنال» في مطلع
الشهر الماضي، حين اعتبر ان بلاده
بمنأى عما حدث ويحدث في تونس ومصر،
بسبب التجانس في المعتقدات بين الحكم
والشعب السوري، في ما خص دعم المقاومة
اللبنانية والفلسطينية والتصدي
لإسرائيل والحذر من الولايات المتحدة. فقد شكَّلت العلاقة بالخارج، سلباً أو
إيجاباً، منذ وصول حزب «البعث» إلى
السلطة قبل نحو خمسة عقود، صورةَ الحكم
في سورية وطريقة تقديمه لنفسه،
وارتبطت بدوره الإقليمي شرعيتُه
وتبريراتُ مواقفه من قضايا الداخل
السياسية والاقتصادية والاجتماعية،
الى درجة ان هذا الداخل لم يعد موجوداً
إلا من خلال التعاطي مع الخارج. ولهذا
كان «طبيعياً» أن يوجِّه المسؤولون
السوريون الاتهامات لأطراف خارجية
بالوقوف وراء التحركات المطلبية
الشعبية والتظاهرات التي عمت مدناً
عدة، وأن يربطوا بينها وبين استهداف
دور سورية الإقليمي، بإشارتهم الى
تورط جهات أجنبية في المواجهات التي
حصلت في درعا واللاذقية ودمشق وبعض
المناطق ذات الكثافة الكردية. ومع أن النظرية نجحت طويلاً في إخفاء
التناقضات الداخلية واستُخدمت ذريعة
لرفض الإصلاحات وحجب الحريات عن
السوريين، إلا أنه كان يفترض بالقيادة
السورية ان تتنبه أيضاً إلى أن العلاقة
بالخارج مسلك ذو اتجاهين، وأنه لا بد
للتغير في معطيات أيٍّ منهما ان ينعكس
على الآخر، وأن نجاح الثورة في مصر
وتونس وسواهما سيفتح بالتأكيد عيون
السوريين على وضعهم ويشجعهم على
اللحاق بركبها. لكن حتى لو ناقشنا الأوراق الخارجية،
التي تَعتبر دمشقُ أنها تؤمِّن
استقرارَها، نجد أنها تآكلت مع الوقت
وأضحت، على العكس، أعباء تكبِّلها.
ولنأخذ مثلا العلاقة مع «حزب الله»
وحركة «حماس» في إطار «محور الممانعة»،
فخلال عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد،
كانت العلاقة مع إيران و «حزب الله»
تخضع لتوازن دقيق يأخذ في حسابه
المصالح السورية والحساسيات العربية،
أما اليوم، فقد صارت إيران هي الطرف
الأقوى في هذه العلاقة، وتحول الحزب
اللبناني - عملياً - شريكاً لسورية،
التي انحسر نفوذها لديه. واحتمال ان
يكون الحزب مستعداً لمحاولة إغاثة
شريكه السوري أمرٌ يخضع لحسابات معقدة
تُحسم في طهران الصامتة وحدها، ليس
أقلها حفظ «خط الرجعة» في حال تغيرت
سورية وتبدلت موازين القوى في لبنان،
خصوصاً في ظل التعبئة الطائفية التي
وصلت الى مستوى غير مسبوق. أما بالنسبة الى «حماس»، المصرية الهوى
أصلاً، فدمشق لم تكن سوى بديل من
القاهرة الممتنعة عليها، لكن التغيير
في مصر أعاد خلط الأوراق. ومن الواضح ان
غزة باتت اليوم أكثر استعداداً للحديث
عن المصالحة مع السلطة في رام الله،
وأكثر رغبة في الحصول على اعتراف دولي
بها، ليست دمشق بالتأكيد بوابته. وتمر العلاقة مع تركيا، التي لعبت دوراً
كبيراً في إخراج دمشق من عزلتها، في
أزمة صامتة، بسبب ما تعتبره أنقرة
أخطاء السياسة السورية في لبنان، ومن
أدلّتها إجبار طائرتين إيرانيتين
متوجهتين إلى دمشق على الهبوط في
الاراضي التركية لتفتيشهما، بحثاً عن
أسلحة قيل إنه عثر عليها في إحداهما،
والتصريحات المتوالية للمسؤولين
الاتراك التي تحض الاسد على تلبية
مطالب شعبه. اما في شأن العلاقة الصعبة مع الغرب
عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً،
فقد فهمت دمشق خطأ الإشارات القادمة من
واشنطن عن الرغبة في إعادة الانخراط
معها، ذلك أن إدارة أوباما، التي ادركت
خسارة ورقة العراق لمصلحة ايران بسبب
سوء تقدير وأداء ادارة بوش، رغبت في
الانفتاح على سورية لتشجيعها على
تشكيل حاجز أمام التواصل المباشر بين
العراق وكل من لبنان والفلسطينيين، أي
ضبط تسليح «حزب الله» وليس خرق التوازن
على جبهة جنوب لبنان عبر إمداده
بصواريخ بعيدة المدى، على حد الاتهام
الأميركي. وحتى لو نجح الاسد في احتواء موجة
الاحتجاجات الحالية بطرق مختلفة، فمن
المؤكد ان الوضع في بلاده لا يمكن ان
يعود الى سابق عهده، وسيكون مضطراً الى
مواجهة متطلبات الداخل السوري بعدما
استنفد «الخارج» دوره. ==================== غسان الامام الشرق الاوسط 29-3-2011 كان أبي محبا للريف. أمضى شبابه وجانبا من
كهولته مزارعا. وكانت آخر تجاربه
الريفية غير الرابحة أرضا في «عصم»
القرية التي تستلقي في حضن سهل حوران
الذي يلتهب اليوم غضبا. ونارا. ودماء. وكنت أرافق أبي إلى حوران مضطرا. فقد كنت
طفلا. كانت رمادية السهل الواسع توحي
لي بالحزن. بالسأم. فأنا ابن المدينة
بصخبها. بحيويتها. واليوم، في منفاي
البعيد، نادرا ما أزور الريف الفرنسي (لا
كامبانيو). فهو يحاكي رمادية ريف حوران. لكن مشهد القرية كان مسليا. كان الفلاحون
أشبه بالهنود الحمر، في فيلم (كاوبوي)
مثير لخيال طفولتي: الوجوه صارمة.
الشفاه مطبقة. مزمومة. اللحى قصيرة. رقع
موزعة بعناية على صفحة الوجه الصلد.
العباءة العربية فضفاضة. العقال رائع.
ما زلت أعتبر العقال والعباءة أجمل
أزياء الدنيا. الحوارنة فرسان. شجعان متقشفون. في
نفوسهم، كبرياء تخفي فقرهم. الحورانية
حاسرة الوجه. الرأس ملتفع بقبة قماشية
مزركشة بألوان الثوب الطويل الملون.
الجمال الريفي آسر ببياضه المشرب
بخمرية اللون الحنطي. كان الأهل يأتون
بالصبية إلى دمشق. يشترون لها حذاء
أحمر ثقيلا خاصا بالحوارنة، من سوق
مسقوف ضيق لصيق بجدار المسجد الأموي. لم تكن الصبية تشعر باكتمال أنوثتها، إلا
إذا طرقت أرض دمشق بمسامير حذاء يثير
ضجة حذاء عسكري. تعود به إلى قريتها.
تحتذيه وهي ترتل أهازيج تقليدية، فيما
الحصان يدور بلوحها الخشبي فوق محصول
القمح، ليفصل حبة القمح عن قشرتها، في
موسم الحصاد. هكذا، عرفت حوران. قطعا، هذه المشاهد
الفولكلورية الريفية اختفت منذ زمن
بعيد. يكاد العقال والعباءة يغيبان.
لبس الجيل الجديد البنطال. غادر الشباب
قرى السهل الحزين. رحلوا إلى دمشق طلبا
للعلم وللعمل. أو غامروا بعبور الحدود
والجبال إلى لبنان، كعمال بناء. في
الحرب الأهلية، مات المئات من العمال
الحوارنة الذين فاجأتهم حواجز
المتقاتلين، في زواريب بيروت التي لا
يعرف منحنياتها غير المقيمين بها. حوران تاريخ مجيد، له رجال. وشهداء. تاريخ
أنصع إشراقا من رمادية السهل الحزين. ذات يوم، عبر محمد الشاب الأمين السهل،
بتجارة السيدة خديجة. على بساط السهل،
التحم العرب المسلمون بجيش بيزنطة
الإمبراطوري. قاتل المسيحيون الغساسنة
(سكان السهل) مع أشقائهم المسلمين
الإمبراطورية التي كانوا يحمون ثغورها
الصحراوية. في السهل الأمين، ما زال الانتماء القومي
يتقدم الانتماء الديني. منذ 1400 سنة،
تتعايش القرى المسيحية والمسلمة، في
إخاء وسلام، من حوران السورية شمالا،
إلى معان الأردنية جنوبا. العباءة
واحدة. العقال لا يميز بين المسيحي في
الكنيسة، عن المسلم في المسجد. في التاريخ الحديث، كان سهل حوران مدخلا
لقوات الثورة العربية التي حررت سورية
(1916) من خمسة قرون تركية. ينسى الذين
يهرقون الدماء في درعا والصنمين،
اليوم، أن الحوارنة كانوا أول
السوريين الذين ثاروا على الاستعمار. شهر قائد الغزو الجنرال غورو سيفه أمام
ضريح صلاح الدين بدمشق صائحا: «ها قد
عدنا يا صلاح الدين». ثم خرج مزهوا، إلى
سهل حوران، في أول جولة سورية له (1920).
كمن له الثوار الحوارنة. فقد الجنرال
يده التي شهرت سيفه. وكاد يفقد حياته.
كان الرصاص غزيرا. فتك الحوارنة
بوزرائه العملاء في الحكومة المدنية
التي شكلها. بالطبع، كان هناك ثأر.
وانتقام. وشهداء. تماما، كما هناك
اليوم، انتقام. وشهداء! في الاستقلال والانفصال عن الشام، كانت
العشيرة الأردنية أفضل حظا من شقيقتها
العشيرة الحورانية عبر الحدود. باتت
العشيرة الأردنية عمادا شعبيا يستند
إليه النظام الهاشمي. نالت نصيبها من
الرعاية والسلطة، ممثلة بقوة في
مؤسساته العسكرية. والأمنية.
والتنفيذية (الحكومة). والتشريعية (مجلسي
النواب والأعيان). في سورية، كرم جمال
عبد الناصر العشيرة الحورانية. سحب
ضباطها الكبار من الجيش. وزرهم حفظا
لكرامتهم كوحدويين متحمسين، واتقاء
لشغبهم كضباط مسيسين. الحوارنة، على فقرهم. وجفاء طبعهم. وشدة
بأسهم، قوم أذكياء. مناورون. استخدموا
حذرهم وتحفظهم، في التعامل مع نظامي
صلاح جديد وحافظ الأسد. الحوارنة عشائر
وأسر سنية شديدة المحافظة، في السياسة
والدين. زار الأسد الأب حوران في مطلع
حكمه. استقبل بحفاوة شعبية، نكاية
وابتهاجا بالتخلص من عهد مظلم فرضه
سلفه وخصمه صلاح جديد. عندما ألغى الأسد السياسة، اعترضت سنة
حماه على «علمانية» دستوره الجديد،
وتنصيب ضابط علوي رئيسا (لدولة
غالبيتها سنية). لم تشارك سنة حوران سنة
حماه. لم تعتصم. لم تتمرد. لم تشارك
الإخوان المسلمين عندما شنوا حرب
الاغتيالات الطائفية، ضد الأطر
الإدارية العلوية. من هنا، كافأ نظام الأسد الأب الحوارنة،
على بقائهم على الحياد. ثم اجتذبهم.
أغراهم. فصاروا ضباطا كبارا. وحراسا،
بل و«جلادين» في مؤسسته الأمنية
والقمعية، في سورية ولبنان. ارتقى
الحوارنة في السلطة والحزب الحاكم. تم
توزير فاروق الشرع (ابن الأسرة الدينية
الحورانية) وزيرا للخارجية. ثم نائبا
لرئيس الجمهورية. ترأس المهندس محمود
الزعبي الحكومة سنوات عدة في
التسعينات. وها هو الدبلوماسي
الحوراني اللامع فيصل المقداد، ينتظر
تقاعد وليد المعلم، ليحل محله وزيرا
للخارجية. في عصر الأسد الابن، غامت العلاقة الودية
بين النظام والحوارنة. انتحر محمود
الزعبي بعدما سحب منه منصب رئيس
الحكومة. قيل إنه نحر. قيل إنه اعترض
على التوريث. اختصرت المؤسسة الأمنية
المخيفة مراسم تشييعه شعبيا وإعلاميا.
سحب منصب الخارجية من نده فاروق الشرع.
رفع إلى الأعلى نائبا للرئيس. غير أنه
بات أقل ظهورا ونفوذا، منذ أن عين ضابط
أمن كبير مساعدا له، وربما رقيبا عليه. في الانسحاب السوري من لبنان، إثر اغتيال
رفيق الحريري (2005)، فقد العميد (الحوراني)
رستم غزالة منصبه الأمني ونفوذه
السياسي. إلى الآن، لم ينتحر أو ينحر.
كما حدث لرئيسه السابق اللواء غازي
كنعان الذي حكم لبنان، قبله، سنين
طويلة، من مخفر مجدل عنجر على الحدود
بين البلدين. «ليالي الأنس في فيينا»! رفع العميد غزالة
إلى رتبة لواء. لكن تم إيفاده مكرها مع
شلة من ضباطه الأمنيين إلى العاصمة
النمساوية سرا وخفية، ليتولى محققو
محكمة الحريري الدولية التحقيق معهم.
ذهب غزالة متهما. عاد شاهدا (ما شافش
حاجة). لحسن حظه، حل «غزلان» حزب الله
محله في دائرة الاتهام بتصفية الحريري.
لكن الرئيس بشار يهدد الغزالة رستم من
حين إلى آخر، مرددا بأنه سيحاكم بتهمة
«الخيانة العظمى» كل سوري يثبت تورطه
في جريمة الاغتيال. إلى الآن. لا الشرع. لا المقداد. لا
الغزالة، استقالوا. أو أقيلوا. أو
انتحروا. أو نحروا. صمتوا عن سفك الدماء.
لكن حوران الشهيدة حققت نصرا سياسيا
كبيرا. انتزعت للسوريين بدمائها وعودا
بالإصلاح. هل بشار قادر على تحقيق
الوعود؟ أم ينساها، كما نسي الأب، يوما
في عام 1980، وعودا بالديمقراطية
لنقابات الصيادلة. المحامين.
المهندسين. الأطباء؟ لنلتقط الأنفاس.
ولنحاول البحث عن جواب في الثلاثاء
المقبل، وليس بعد ثلاثين سنة. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |