ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 31/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

هل يكفي قانون جديد لإصلاح الإعلام السوري؟

الرأي العام الكويتية

30-3-2011

لطالما كان الإعلام السوري الرسمي، محط انتقاد شديد على المستويين المحلي والخارجي، بل إن البيئة التي تتحكم بآليات العمل الإعلامي كانت أيضا محط انتقاد من العاملين في هذا المجال، وهي حسب هؤلاء، السبب، وراء أداء الإعلام الرسمي غير المرضي.

هذا المرض العضال المستشري، كان مشخصا منذ سنوات طويلة. وفي لقاء له مع قناة «الجزيرة» في بداية عهدة أي قبل نحو 10 سنوات، سأل المراسل غسان بن جدو، الرئيس بشار الأسد عن رأيه في الإعلام السوري الذي يوصف ب «الخشبي»، فكان أن قال الأسد إن هذا «وصف غير دقيق لأن هناك نوعا من الليونة في الخشب، أما الوصف الأدق أن نقول ان الإعلام السوري متحجر».

وخلال سنوات مرت عجافا على سورية وسلطتها منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق ومن ثم اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، ظل الإعلام السوري على حاله، يعيش هبات وحالات فردية لا تعبر بالتأكيد عن تطور في هذا الإعلام وبيئته التي تتحكم به.

وأشد الانتقادات وجهت لآليات عمل الإعلام خلال الشهر الجاري مع خروج تظاهرات تطالب باصلاحيات معيشية بداية لتتعداها إلى مطالب سياسية وعلى رأسها تعليق قانون الطوارئ وإنهاء احتكار حزب «البعث» الحاكم على السلطة دستوريا، وإصدار قانون للأحزاب وآخر عصري للإعلام.

وما كان لافتا في هذا الإعلام، أنه تعامل مع الأحداث وفق المثل القائل: «لا أسمع لا أرى لا أتحدث»، مكتفيا بالتزام الخطاب السياسي الرسمي واستخدام عبارات أثبتت التجربة الحية في تونس ومصر، أنها مؤذية أكثر من أنها مفيدة للسلطة، وأنها تؤجج الحقد لاستهزائها بعقول الناس عند محاولتها تغطية نصف الكأس الملآن.

وعل مشكلة المشاكل في الإعلام السوري أنه وعند القضايا الحساسة يلتزم بخطاب موجه مركزي تصدره جهات لا علاقة لها بآليات العمل الإعلامي، وتتدخل هذه الجهات على مستوى صياغة الخبر وبث الصورة وفق معادلة بسيطة تقوم على مبدأ الثقة المفقودة بالإعلاميين مهنيا وسياسيا.

وأدت هذه الآلية إلى تشويه حتى المعلومات الدقيقة والصحيحة التي تخدم السلطة لكن طريقة تقديمها جعلها موضع سخرية وتندر.

وفي أحداث التظاهرات الأخيرة التي شهدتها بعض المدن خصوصا درعا واللاذقية، ورغم خطورتها على استمرار السلطة بمؤسساتها الحالية، غاب الإعلام المحلي على مستوى الصورة، واكتفت المصادر الرسمية بالترويج لمعلومات كان مطلوب من الناس أن يصدقوها رغم سيل الأخبار الجارف على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت الموثق بالصورة سواء منها الدقيق أو المفبرك.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فرغم قناعة جانب كبير من السوريين داخل البلاد بعدم دقة كل ما تبثه الفضائيات، ظلت السلطات المختصة تعمل وفق مبدأ النقيض للشفافية وتمنع اقتراب الصحافيين المحليين منهم والمراسلين والأجانب من أماكن التظاهرات حتى تشكلت قناعة لدى الناس أن هناك شيء مخفي يجري لا تريد السلطة لأحد أن يصوره.

وحتى عند العثور على صيد ثمين لتأكيد «المؤامرة ومشروع الفتنة الخارجي» يقدم بطريقة ينقلب فيها السحر على الساحر إذا صح التعبير، وأفضل مثال على ذلك، رواية المصري حامل الجنسية الأميركية محمد رضوان، الذي اعتقلته السلطات السورية بتهمة أنه يقوم بتوزيع صور التظاهرات في الخارج، الأمر الذي دفع إلى الاستهزاء من مثل هذه الرواية، فما المانع من أن يصور أي كان أحداثا ثم يقوم حتى ببيعها، فهذا هو توصيف المصورين الصحافيين عامة.

لكن خطورة رضوان هذا، كشفه بعض من الشباب السوري على مواقع التواصل الاجتماعي (http://www.youtube.com/watch?v=ODzX0EjPMW0) عبر توزيع تقرير مصور لتلفزيون «صوت أميركا» عن دور رضوان في الثورة المصرية على اعتبار أنه كان يدير غرفة عمليات تشرف على تحريك الثورة.

يبقى أداء الإعلام والقوانين التي تتحكم بعمله والبيئة السياسية التي تحركه، أحد أبرز مطالب الإصلاح في سورية، فهل يؤدي صدور قانون جديد للإعلام يتم الحديث عنه منذ أكثر من 6 سنوات هو المخرج، أم أن المشكلة ليست في القوانين وحدها وإنما فيمن يتحكم بهذه القوانين؟

====================

بعد أن أقال الحكومة العتيدة.. ماذا سيقدم الأسد اليوم لشعبه ؟

دمشق - : 30/3/2011

القتاة

يتساءل جميع السوريين عن ماذا سيقدم الرئيس السوري بشار الأسد لشعبه اليوم الأربعاء في خطاب الإصلاح المنتظر منذ عدة سنوات.

والمثير للدهشة أن الأنظمة العربية منذ بدأ شرارة الثورة من تونس تتكرَّر نفس الأخطاء، ففي البداية يحدث إفراط في استخدام القوَّة وبطش بالمتظاهرين، ثم تجري محاولة للتهدئة عبر رشاوى ماليَّة واقتصاديَّة، مع استمرار البطش وإلصاق تُهَم العمالة بالمتظاهرين، إلى أن ينفرط العقد، ويتحوَّل الغضب إلى ثورة، ويتنقل المتظاهرون من المطالبة بالإصلاح إلى رفع راية (إسقاط النظام).

أما في سورية، فإن الرئيس بشار الأسد على ما يبدو خانته (الحكمة والكياسة)، اللتان عُرف بهما من خلال الخطب المطوَّلة التي يلقيها أمام القمم العربيَّة، فطوال أسبوع مضى لم يهتمّ بمنح شعبه بضع دقائق لتهدئته ومواساة أهالي درعا في شهدائهم، وإنما اكتفى ببيانات وتصريحات يعلنها المسئولون، وعندما (تكرَّم سيادة الرئيس) على شعبه بعدة إصلاحات موعودة وليست ملموسة، تولَّت مستشارته الإعلان عنها، وكأن هناك ما هو أهمّ كي ينشغل به الرئيس في تلك اللحظات الحرجة، أو أنه ما زال يؤمن بالنظرية السلطويَّة العتيقة التي تنصح الطغاة بعدم تقديم أي تنازلات لشعوبهم الغاضبة كي لا تمسّ هيبتهم، وتتعود شعوبهم على الغضب ورفع الصوت.

الحكمة لم تخنْ بشار فقط في التعامل مع المظاهرات، بل أيضًا في توقّع حدوثها، فقبل أيامٍ قليلة سألته صحيفة أميركية عن احتمال انتقال عدوى الثورة إلى سورية، كانت إجابته -طبعًا- بالنفي، لكن تبريره كان متهافتًا، حيث رأى أن ثورة مصر ترجع لكون نظامها كان يُقيم علاقات مع إسرائيل، وهو ما لا تفعله سورية.. وهكذا اختصر (بشار) أسباب الثورة المصريَّة في زاوية ضيقة للغاية، ترتبط بالسياسة الخارجيَّة، متجاهلا كمًّا ضخمًا من المشكلات الداخليَّة، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وهنا تكمن مشكلة النظام السوري، فهو يعتقد أن الإنجاز على الصعيد الخارجي، إن كان هناك إنجاز أصلا، يكفي ويفيض كي تصمت الشعوب عن الفساد والقمع والفقر، وهو ما أشار إليه بشار -بشكلٍ غير مباشر- في الشق الثاني من إجابته عندما اعتبر أن الشعب السوري غير مؤهل للديمقراطيَّة، وأن أمامه وقتًا طويلا لذلك، ملمحًا إلى إصلاحات موعودة مثل إجراء انتخابات محليَّة وإصدار قانون للإعلام وآخر للأحزاب السياسيَّة، وهي نفس الوعود إلى أعلنتها بثينة شعبان.

ويفترض أن يتحدث الأسد في خطابه عن الظروف التي شهدتها البلاد، ويوضح خطة عمله الإصلاحي للمرحلة المقبلة، ونظرته لما جرى من أحداث في عدة مدن ومنها درعا الجنوبية.

كما يتوقع أن تكون من مهام الحكومة الجديدة البدء بتنفيذ الإصلاحات التي أعلنت عنها القيادة السورية، لتهدئة الاحتجاجات المنطلقة من درعا. إذ سبق أن أعلنت السلطات أنها اتخذت قرار إلغاء قانون الطوارئ القائم منذ 1963، ووعدت بإجراءات لمكافحة الفساد.

* * * الأقلية حينما تحكم * * *

ويمثلُ حزب البعث في سورية الأقلية العلويَّة، إلا أنه يمتلك الحكم لشعب من الأغلبيَّة السنيَّة، ويشتهر الحزب باستخدام أعنف الوسائل لتكريس حكمِه الممتد منذ عام 1970م بقيادة الأسد الأب.

ورغم كل وسائل القهر والتعذيب والمنع وكبت الحريات، إلا أن الثورات العربيَّة وصلت بالفعل إلى دمشق، وإن بدأت من مدينة درعا أقصى الجنوب، إلا أنها سرعان ما اتَّجهت صوب العاصمة ومنها إلى بقية المدن السوريَّة لتشتعل مع ازدياد عدد الشهداء في درعا، وتنتقل من المطالبة بتعديل دستوري فقط إلى المطالبة بإسقاط النظام ذاته، كثورتي تونس ومصر اللتين بدأتا بمطالب للإصلاح وانتهتا بإسقاط نظامي الحكم.

وسيرًا على خطى العقيد معمر القذافي في ليبيا، تتجه البوصلة إلى بشار الأسد لأن يحذو حذوه لوأْد المسيرات التي تطالب برحيله، باستخدام القوَّة المفرطة، فيما يتوقع محللون أن تشهد سورية ما شهدته تونس ومصر، ويرحل نظام بشار لتعود دمشق إلى الحضن العربي بعدما ارتمت لسنوات وسنوات في حضن إيران.

وبدأت التظاهرات والدعوات الاحتجاجيَّة بتنظيم من المنشقين السوريين في الخارج في وقتٍ مبكرٍ في شهر إبريل، لكنها تبدَّدت ولم يُكتب لها النجاح آنذاك، إلا أن جولة جديدة من التظاهرات والاحتجاجات بدأت في الخامس عشر من مارس الحالي، وذلك عندما قام مجموعة من المحتجين بالتجمع في سوق الحميدية الشهير، حيث أخذوا يهتفون (الله، سورية والحرية –كفاية)، متلاعبين بشعار حزب البعث الحاكم (الله، سورية وبشار –كفاية).

وفي اليوم التالي تجمع أقارب وأصدقاء النشطاء السياسيين السوريين المعتقلين في السجون السوريَّة أمام مبنى وزارة الداخليَّة للمطالبة بإطلاق سراحهم، في حين نزل رجال الأعمال في منطقة الحريقة الواقعة في المدينة القديمة إلى الشوارع ليشتكوا من وحشيَّة الشرطة.

وشهدت مدن بانياس الحولة في الشمال الغربي وحمص في الغرب بالإضافة إلى مدينة دير الزور في الشرق احتجاجات واسعة تلت تلك التظاهرات.

ومسكت مدينة درعا (جنوبًا) بِرَايَة المظاهرات، وأشعل المتظاهرون النيران في مقرّ حزب البعث، وردَّت قوات الأمن بمنتهى القسوة، وذكرت وسائل الإعلام أن الجثث ترامت في الشوارع وبلغ عدد القتلى المئات، ووسط ذلك أراد المتظاهرون الاحتماء بمسجد العمري بالمدينة إلا أن قوات الأمن اقتحمته ولم تراعِ حرمة بيتٍ من بيوت الله، وأسقطت قتلى بالعشرات في بحر دماء بدأ وربما لن ينتهي إلا بسقوط نظام البعث وحكم عائلة الأسد.

ومع ازدياد القهر تجاه المتظاهرين، تدخَّل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأعرب عن دعمه للثورة الشعبيَّة هناك، معتبرًا أن (قطار الثورات وصل إلى محطتها).

وانتقد القرضاوي بشدة الاعتداء على (حرمة بيوت الله) في هجوم القوات السوريَّة على المسجد العمري في درعا، وأكَّد أن ذلك تم بتحريض من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري، بشار الأسد، قائلًا: إن الأخير أسير لديها.

وندَّد القرضاوي بالخطوات التي تتخذها السلطات السوريَّة حاليًا، والتي قال: إنها (محاولة للتقليل من الجريمة) عبر إقالة محافظ درعا وتساءل: (هل هذا يكفي؟).

* * * إطلاق نار في درعا * * *

من جانب آخر، أطلقت القوات السورية النار في الهواء لتفريق احتجاج مؤيد للديمقراطية في مدينة درعا الجنوبية حيث يريد الاصلاحيون الإطاحة بحكم عائلة الأسد المستمر منذ 41 عاما.

وقتل أكثر من 60 شخصا حتى الآن في الحملة التي تشنها السلطات في المدينة الواقعة على الحدود الأردنية. وقال شهود عيان من سكان من المدينة إن قناصة قوات الأمن تنتشر فوق أسطح البنايات، حسبما نقلت وكالة رويترز.

ولم يعلق الأسد علانية على الاحتجاجات التي امتدت إلى مدينة اللاذقية الساحلية وإلى مدينة حماة وسط سورية.

وتدفقت حشود على الميدان الرئيسي في درعا وهم يرددون هتافات تطالب بالحرية وترفض قانون الطوارئ.

وقال سكان إن قوات الأمن أطلقت النيران في الهواء لعدة دقائق لكن المتظاهرين عادوا بعد توقف إطلاق النيران. ولم يتضح على الفور ما إذا كانت قد وقعت إصابات أو خسائر في الأرواح.

وتعليقا على الأحداث المتطورة في سورية، قال دينيس مكوندو نائب مستشار الأمن القومي الأميركي إن الولايات المتحدة تنتظر من الحكومة السورية احترام حقوق السوريين في الاحتجاج بصورة سلمية.

واعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن الأحداث في سورية تبعث على (القلق العميق) لكنها استبعدت تدخلا على غرار ما يحدث في ليبيا.

* * * الأسد يقيل حكومة العطري (العتيدة) * * *

إلى ذلك، وافق الرئيس الأسد على استقالة الحكومة التي قدمها رئيس الوزراء محمود ناجي عطري أمس الثلاثاء.

يأتي ذلك بعد أسبوعين من اندلاع موجة من الاحتجاجات في أكثر من مدينة، كان أشدها في مدينة درعا.

يذكر أن عطري شكل حكومته عام 2003، وأجرى تعديلا عليها عام 2009.

وكانت قد خرجت أمس مسيرات في العاصمة السورية دمشق ومدن كبيرة أخرى مظاهرات شارك فيها الآلاف تأييدا للرئيس بشار الأسد الذي واجه أقوى أزمة محلية منذ تولى منصب الرئاسة في سورية خلفا لوالده الذي توفي عام 2000.

وتوجهت مسيرات العاصمة إلى وسطها حيث ردد المشاركون فيها شعار (الشعب يريد بشار الأسد).

وقد شهدت سورية أعمال احتجاج منذ منتصف شهر مارس/ آذار تطالب بالحريات والإصلاحات السياسية، مما وضع الرئيس السوري تحت ضغوط غير مسبوقة.

في هذه الأثناء قالت قناة الإخبارية شبه الرسمية إن الرئيس الأسد سيلقي كلمة اليوم أمام مجلس الشعب.

وقال أحد المشاركين في المظاهرة لوكالة فرانس برس (نحن هنا لإحباط المؤامرة التي تستهدف الوحدة السورية).

وكانت السلطات السورية قد وعدت بإلغاء حالة الطوارئ، ولكن محللين يقولون انه من المبكر التكهن بماهية الخطوات العملية التي ستتخذها السلطات.

* * * دعوة للتظاهر في جمعة الشهداء * * *

إلى ذلك، وجهت فيه مجموعة (الثورة السورية) على موقع ال (فيسبوك)، إلى إقامة (اعتصام ومبيت) في يوم (جمعة الشهداء) في جميع المحافظات السورية، من أجل دعم المطالب بالحرية. ودعت هذه الصفحة على موقع التواصل الاجتماعي، السوريين يوم الجمعة القادم الذي سموه (جمعة الشهداء) للخروج (في جميع المحافظات من جميع المساجد إلى كبرى الساحات للاعتصام والمبيت حتى تحقيق كل المطالب).

ودعت تعليقات على هذه الدعوة (الشعب الثائر إلى الاستعداد) في (جمعة الشهداء وفاء لدماء شهدائنا في درعا واللاذقية). وأضاف أحدهم (نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت).

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية، نقلا عن ناشط حقوقي، إن نحو 300 شخص تظاهروا في وسط درعا، أمس، دون تسجيل حوادث أو اصطدامات.

من جانبه، قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن مواطنين من (جميع شرائح المجتمع تدفقوا منذ الصباح إلى الساحات الكبيرة والشوارع الممتدة لها معبرين عن الوفاء لوطنهم ورفض محاولات بث الفتنة التي تستهدف نموذج العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد).

وقال أحد المتظاهرين لوكالة الصحافة الفرنسية: (إننا هنا لتأييد الرئيس السوري عصب البلاد)، بينما قالت سيدة (إنني أشارك لأبرهن للعالم على أننا متمسكون بالوحدة الوطنية).

ورفع آلاف المشاركين بالإضافة إلى صور الرئيس والإعلام السورية لافتات كتب عليها (استقرار سورية مصلحة وطنية وقومية) و(سورية وطن للجميع) و(لا للفساد نعم لمشروع الإصلاح) و(الله معك الشعب معك).

وحمل المشاركون الذي اعتلى بعضهم الأشجار وأعمدة الكهرباء، صورا للرئيس السوري والأعلام السورية، كما حمل أحدهم صورة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله (تأييدا للمشروع المقاوم). وقال يوسف الخشة، وهو موظف في القطاع الخاص (31 عاما)، لوكالة الصحافة الفرنسية: (أتينا لنشارك ونؤكد تأييدنا للإصلاحات التي يقوم بها الأسد ونريد أن نقول للغرب ألا يتدخلوا في شؤوننا لأن السوريين يد واحدة وشعب واحد وسننتصر على كل المخططات).

====================

التوازن الإستراتيجي والممانعة

الاربعاء, 30 مارس 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

كُتب الكثير عن «الصراع على سورية»، خصوصاً منذ استقلالها، الذي تكرَّس بالجلاء الفرنسي عن أراضيها في منتصف أربعينات القرن الماضي. وربطت غالبيةُ ما كُتب بين هذا الصراع وبين مرحلة الاضطراب الداخلي والانقلابات.

ولعل من أبرز أهداف «الحركة التصحيحية» التي قام بها الرئيس الراحل حافظ الاسد في 1970، هو فك الارتباط بين هذا الصراع والوضع الداخلي، اي تحويل سورية من ملعب للقوى الخارجية الدولية والإقليمية، الى لاعب على المستوى الاقليمي بأقل تقدير. وبدا من تبرير هذه الحركة، بنقد الجنوح المتطرف للرفاق في حزب البعث (أو ما أُطلق عليه مجموعة شباط) وعزلهم لسورية عن محيطها، أنها اولى خطوات استعادة علاقة طبيعية مع المحيط، عبر إعادة ما يسمى التضامن العربي والابتعاد عن المحاور، أي إيجاد توازن في العلاقات الإقليمية لسورية. وكذلك استعادة علاقات دولية متوازنة، مع قطبيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، مع انفتاح على أوروبا.

وعندما كان يجري الحديث عن توازن إستراتيجي، فإنه لم يكن يقتصر على ميزان القوى العسكري مع إسرائيل فحسب، وإنما انطوى أيضاً على علاقات سياسية متوازنة في المنطقة وبين الشرق والغرب. وحتى في ذروة «جبهة الصمود والتصدي»، حافَظَ الرئيس الراحل على علاقة جيدة مع معسكر السلام. وهو قَطَع العلاقات مع مصر أنور السادات بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، وأعادها بقرار من القمة العربية، وليس بقرار أحادي. وحتى عندما أيد الرئيس الراحل الحرب على العراق، بعد غزو الكويت، ودخل الحرب، فعل ذلك في إطار قرار عربي ودولي، وليس كمعركة بين نظامين خصمين.

أي أن سورية اعتَبرت حينذاك، في ظل خروج مصر من النزاع والاختلال الكبير في ميزان القوى العسكري، أن دورها الإقليمي وحمايتها من أي تفرد إسرائيلي يكمن في علاقاتها العربية المستقرة، خصوصاً مع السعودية والخليج، وفي البقاء ضمن الإجماع العربي.

وأردفت هذه السياسة، خصوصاً بعد فك الاشتباك في الجولان، بتوازن في علاقتها الدولية. واعتبرت ان استمرار هذا التوازن هو الحماية لها من اي غلبة تفرض عليها.

لكن هذا التوازن الذي حفظ الاستقرار السوري بدأ يهتز مع انهيار الاتحاد السوفياتي، إحدى ركيزتي التوازن الإستراتيجي. ومن تعبيرات الغضب السوري إزاء سياسة ميخائيل غورباتشيف (الغلاسنوست والبيريسترويكا، والتي ساهمت في تقويض المنظومة الشرقية)، الحملة التي شنّها الإعلام الرسمي السوري على الزعيم السوفياتي الى حد استخدام التعبير الستاليني في وصفه ب «التحريفي»، أي أن دمشق ادركت مبكراً الخطورةَ الكامنة في انهيار الاتحاد السوفياتي على سياستها في التوازن الإستراتيجي، وفي ارتدادات الغلبة القطبية، اي أحادية الولايات المتحدة، على دورها كلاعب في المنطقة، فعادت إلى الاستفادة من ورقة المقاومة في لبنان ضد الغزو الاسرائيلي في 1982، لتعيد فرض دورها، سواء في معادلة الصراع او المعادلة الإقليمية.

لكن هذه الورقة، التي باتت ركيزة السياسة السورية في ما أصبح يُعرف لاحقاً بالممانعة، قضت بتحول كبير في العلاقات الإقليمية لسورية، فمِن تطابق مع إجماع وتضامن عربيين، تحولت دمشق الى قطب في محور مع ايران على حساب علاقاتها العربية.

التوازن الإستراتيجي، بالمعنى الذي ورد سابقاً، يستجيب مع المشاعر القومية العربية التقليدية لدى شرائح واسعة من الشعب السوري. لكن الانتقال الى محور مع ايران لم يلقَ استجابة مماثلة، بل بات يُنظر اليه على انه خروج من الهم العربي. وهذا ما يفسر بعض هتافات أطلقت خلال الحركة الاحتجاجية الاخيرة. وبحسب تفسيرات رسمية، اعتُبرت هذه الهتافات مشروع فتنة طائفية واضطراب، لكنها تبقى تفسيرات تبريرية ما لم تلتقط المعنى الذي يستنتجه الشعب السوري من سياسة الممانعة.

====================

الثورة العربية.. مؤامرة على "نظرية المؤامرة"!

هاني حبيب

الايام الفلسطينية

30-3-2011

نجحت الأنظمة العربية، على مدار العقود الماضية في إقناع شعوبها من أن القضية الفلسطينية، تقف عائقاً أمام تقدمها وتخلّف اقتصادها وبطالة عمالها وموظفيها وفقرها وتراجعها، كانت دائماً هناك "اقتصادات حرب" وكل شيء من أجل المعركة، وقوانين طوارئ لمواجهة أعمال التجسس والتخريب، استعداداً للمعركة الفاصلة مع الاحتلال الإسرائيلي، لقد سوّقت هذه الأنظمة أشرف قضية قومية لصالح استبدادها واستقرار سطوتها وسيطرتها على شعوبها تحت شعارات وطنية وقومية استغلت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لصالح المزيد من الإفقار والتخلّف، وحتى بعد أن قامت إسرائيل باحتلال أراضِ عربية، لم تتورّع هذه الأنظمة عن الاستمرار في ذات الشعارات، من دون أن تعيد تقييم أدائها وتجربتها، ولم تنفكّ تستخدم ذات الشعارات والسياسات رغم تراجع اقتناع الشعوب العربية بها.

ولعلّ هذه الموجة الواسعة من الحراك الشعبي العربي الممتد على طول وعرض الخارطة يعود في أحد أسبابه إلى شكل من أشكال "الثأر" من طول فترة الخداع التي استمرت طوال عقود طويلة، بررت فيها الأنظمة استبدادها، بشعاراتها القومية لنصرة شعب فلسطين وطرد الاحتلال الإسرائيلي، فالثورة العربية التي نشهدها هذه الأيام، هي ثورة ضد من صادر العقل العربي، وثورة ضد أنظمة الخداع والتضليل، وهي تعبير عن صحوة العقل العربي بعد أن استلبته أنظمة الاستبداد طوال عقود طويلة من الظلم والقهر والتخلّف، ثورة تجاوزت الاصلاح إلى التغيير، ومن النظام الشمولي إلى الديمقراطية، ثورة للاطاحة بكل الأسباب التي كانت وراء استقرار أنظمة الحكم المستبدة، هي ثورة بدأت، ولم تنته بعد، إلاّ أن مقدماتها تشير بوضوح إلى أن ما قبل اندلاعها، هو بالتأكيد غير ما بعدها، وما يمكن أن نشهده من تاثيرات سلبية جانبية، ما هي إلاّ عوارض تصاحب كافة الثورات المنتصرة، وهي بدورها، تستغل ضد الثورة من قبل أنظمة الحكم في محاولة للبقاء والاستمرار، وتضخّمها في محاولة منها للتأثير على انتفاضة الشعب وثورته.

وإذ تدرك أنظمة الاستبداد العربي، أن المتاجرة بالقضية القومية، قضية فلسطين، والتلطّي وراءها لتبرير قمعها واستبدادها، لم تعد صالحة بعد صحوة العقل العربي، فإنها لجأت إلى إنعاش "نظرية المؤامرة" في مواجهة "نظرية الثورة" فبالنسبة لهذه الأنظمة، فقد نجحت في تدجين شعوبها حتى باتت هذه الشعوب لا تقوى على الوقوف في وجهها، إنها شعوب استبد بها القهر والتخلّف حتى باتت معصومة عن الثورة، وما تشهده الساحات العربية الآن، ما هو إلاّ ترجمة لمؤامرة كبرى صاغتها وكالات الاستخبارات الأجنبية، ومن دون شك أن إسرائيل تقف من خلفها وخطّطت لها، وبالتالي، فإن نتائج هذا الحراك، تصبّ في خانة المصالح الأجنبية والإسرائيلية تحديداً، وقد تعترف هذه الأنظمة، بأن هناك مجالات لتقصيرها، غير أن معالجة ذلك، يتطلب الاصلاح والإبقاء على الأنظمة، وليس الثورة ضدها، لأن ذلك يخدم العدو ليس إلاّ!

وسائل إعلام هذه الأنظمة، سارعت إلى تلفيق وثائق و"معلومات" تشير إلى أن أصابع أجنبية، أميركية وإسرائيلية تحديداً، وراء هذا الانفجار الشعبي العربي، فما حدث كان مدبراً، وهناك غرف عمليات تنسق فيما بينها في العواصم الغربية، لتنفيذ خطط التآمر على الأنظمة التي صمدت في وجه المصالح الأجنبية(!) وكل ذلك، لترجمة المقولات السابقة حول "الشرق الأوسط الجديد" و"الفوضى الخلاّقة" مستغلة بعض التقصيرات في بضعة مجالات، لإشعال نار الفتنة والتمرد، وتطلع بعض القيادات المعارضة إلى الحكم.

هذه النظرية، تفترض أن الشعوب لا تصحو من غفلتها، وأن عقوداً من القمع والإفقار والتخلّف، كفيلة باستلاب هذه الشعوب حتى قيام الساعة، وأن خداعها المستمر طوال تلك الحقبات من الزمن كافية لتدجين المحكومين، وأن قوى القمع البوليسي والسجون والمعتقلات والإبادة، كلها عناصر تتوفر لديها لكبح أي إمكانية لنهوض الشعب من غفوته، وإذا ما حاول هذا الشعب استنهاض قواه، هناك نظريات جاهزة، ومن أهمها نظرية المؤامرة، حيث يصبح الشعب متهماً بالتواطؤ مع العدو، وفي أفضل الأحوال، هو متهم بالاندفاع وراء خطط الأجانب وخدمة مصالحهم، الأمر الذي يبرر للسلطات البوليسية استخدام كل أدوات القمع والقتل ضد هؤلاء الثوار المتمردين، وقد رأينا ذلك يحدث في كل الثورات التي نجحت والثورات التي مآلها إلى النجاح، في مشرق الخارطة العربية ومغربها.

وقد يصل الأمر، في ظل نظرية المؤامرة، اتهام إخوة عرب بالتآمر، وليس فقط اتهام قوى ودول خارجية وأجنبية، فالنظام العربي الموحد في القمع، ممزق في السياسات والمصالح، ما يتيح كيل الاتهامات هنا وهناك، ورأينا كيف تم الزجّ باللاجئين الفلسطينيين في سورية قبل أيام، في أعمال الثورة السورية، وكأن الشعب السوري الشقيق، لا يمتلك طاقة الثورة إلا بتحفيز من آخرين، وهم الفلسطينيون في هذا السياق.

نظرية المؤامرة، هي دليل على تخلّف العقل الذي يتبناها، ليس فقط كونها الطريقة الأسهل لتبرير التصرفات والسلوك، والتخلي عن المنطق والعقل، ولكن لأنها تستوجب مصادرة أدوات التفكير والتوثيق وافتراض غباء وجهل الشعوب بما يجري في بلادهم، كما أنها تشير بطريق غير مباشر، وكأن هذه الأنظمة لم تكن صنيعة، أو على الأقل خادمة لمخططات الأجانب، وما وقوف بعض القوى الدولية لمساندة هذه الثورة أو تلك، إلاّ لأن هذه الأنظمة قد استنفدت قدرتها على التجاوب مع متطلبات الشروط الجديدة في عصر العولمة.

وباعتقادي أن إحدى أهم نتائج الحراك الثوري العربي، عدا نضج العقل وتمرده على مفاهيم الخضوع والاستلاب، أن نظرية المؤامرة، لم تعد تقنع أحداً، وان استمرار الترويج لها من قبل الأنظمة، يعود إلى خوائها وانتهاء صلاحيتها.

====================

الافتتاحية.. أبعد من المطالب الشعبية

دمشق

صحيفة تشرين

كلمة رئيس التحرير

الأربعاء 30 آذار 2011

سميرة المسالمة

ما شهدته المحافظات السورية يوم أمس، لم يكن مجرد تعبير سياسي عن واقع الحال الراهن، بل تجاوز ذلك ليشكل مدخلاً لفهم المرحلة الجديدة في بناء سورية المعاصرة القادرة على مواجهة التحديات، من خلال مشروعها الوطني الإصلاحي الذي لا تتوقف مضامينه عند حدود المطالب الشعبية بل تتجاوزها إلى حدود وآفاق أوسع، وهي المضامين التي حددها الرئيس بشار الأسد قبل سنوات، وتشكل بمجملها المدى الأكبر والأفق الأرحب لعملية الإصلاح الشامل..

لقد شكلت المطالب الشعبية تعبيراً صريحاً عن أهمية إحداث نقلات نوعية في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للبلاد، ورغم أن هذه المطالب قد تضمنت بنوداً تتعلق بإنهاء العمل بقانون الطوارئ، وإصدار قوانين للأحزاب والإعلام، وهيئات لمحاربة الفساد، وربما أنا أنظر إلى قانون الجمعيات الأهلية على أنه الأهم من بينها، إلا أنه لا بد من القول: إن الأجندة الوطنية للمشروع الإصلاحي التي تضمنت هذه المطالب منذ سنوات لا تزال تتضمن ما هو أكثر عمقاً وحاجة في السياقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحتى في قضايا تتعلق بالحياة اليومية ومعاملات الناس بعضهم مع بعضهم الآخر ومع الجهات الحكومية. ‏

وفي مجمل الأحوال فإن واجبات الحكومات في كل العالم هي تأمين الخدمات اللازمة لعموم المواطنين، والوقوف عند احتياجاتهم ومطالبهم، وتأمين المناخات اللازمة لتحقيقها، والتأكد في كل وقت من أن برامجها الحكومية والتنموية تأخذ طريقها إلى التنفيذ المتكامل بعيداً عن الخطأ والفساد، وما يمكن أن تنتجه العلاقات المختلفة بين الأفراد والمؤسسات من مفاسد أو أخطاء محسوبة أو غير محسوبة.. ‏

ومع استقالة الحكومة والتوجه نحو تكليف حكومة جديدة تتحمل أعباء المرحلة القادمة واستحقاقاتها يمكن القول: إن إعمال المعايير الصارمة في هذه الخيارات الجديدة لجميع المناصب الحكومية يجب أن يكون على أساس من الكفاءة والنزاهة والقدرة على اتخاذ القرار وتنفيذه، ومتابعة انعكاساته على واقع الحياة السورية بكل تفاصيلها، ذلك أن ثقة الناس ودعمهم للحكومة مشروطان بقبولهم الجمعي وشراكتهم لها في تفاصيل بناء الدولة المعاصرة، وتجاوز الأخطاء، وصياغة واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي ملائم. ‏

وبمطلق الأحوال، فإن الشارع السوري والرأي العام يعتقدان بشكل جامع أن الأوان قد آن لانطلاقة جديدة، وأن الرئيس بشار الأسد يشكل الضمانة الوطنية لمستقبل سورية.‏

====================

الحرية... ليست ببندقية أميركية

إيان بوروما

أستاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان بكلية "بارد"

تاريخ النشر: الأربعاء 30 مارس 2011

الاتحاد

لقد تعرض أوباما لانتقادات كثيرة فيما يتصل بالطريقة التي تعامل بها مع التغيرات الثورية في العالم العربي. والواقع أنه لم يتعامل معها كثيراً، أو على الأقل ليس علناً. وهذه بالتحديد مشكلة محاربي المقاعد الوثيرة الذين يراقبون الأحداث وهي تتكشف وتتضح أبعادها على أجهزة الكمبيوتر وشاشات التلفاز في واشنطن ونيويورك. فهم يريدون من أوباما تكثيف جهوده في هذا الصدد. فبدلاً من اتخاذ نهج حذر، وترك مهمة الصياح والمطالبات للمتظاهرين في تونس ومصر وليبيا واليمن وأماكن أخرى، يريدون من أوباما التحدث بلهجة صارمة، أو الأفضل من ذلك أن يرسل القوات الجوية الأميركية لتفجير المقاتلات النفاثة والطائرات العمودية الحربية التابعة للقذافي وإخراجها من المعادلة. كما يريدون منه أن يطالب هؤلاء الطغاة بالرحيل الآن، وإلا..!

وإلا ماذا على وجه التحديد؟ لا شك أن الحكومة الأميركية دلّلت العديد من الطغاة على مدى نصف القرن الماضي. وأثناء الحرب الباردة، استفاد الحكام المستبدون من السخاء الأميركي طالما كانوا مناهضين للشيوعية. فكان الدكتاتوريون في الشرق الأوسط يُمطَرون بالأموال والأسلحة إذا امتنعوا عن مهاجمة إسرائيل وأبقوا الإسلاميين تحت السيطرة. وفي الحالتين، ظلت هذه العلاقات الحميمة قائمة ومُصانة لفترة طويلة للغاية. وفي البلدان العربية لم تساعد هذه العلاقات إلا في تأجيج التطرف الإسلامي.

ورغم ذلك، فقد تستفيد بعض الدول من علاقة نظمها بالولايات المتحدة للبدء في الانتقال نحو أشكال أكثر ديمقراطية من الحكم. ففي ثمانينيات القرن العشرين، تمكنت كوريا الجنوبية والفلبين وتايوان من التخلص من طغاتها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذه البلدان كانت تعتمد كلياً على أسلحة وأموال الولايات المتحدة. وبينما كانت الحرب الباردة تقترب من نهايتها، لم تعد معاداة الشيوعية تضمن الحماية الأميركية. لذا فعندما ثار الكوريون والفليبينيون واتايوانيون على حكامهم، كانت الولايات المتحدة، ولو أنها تأخرت في ذلك، في موقف يسمح لها بمطالبة حلفائها العسكريين هناك بالتراجع. وربما حدث شيء من هذا القبيل في مصر ولو بشكل حذر ومتكتم.

لكن من المؤسف أن مثل هذا النوع من الضغوط لا يمكن أن ينجح في الصين عندما يطالب شعبها بما فازت به شعوب آسيوية أخرى. فكل من الحزب الشيوعي الصيني وجيش التحرير الشعبي قادر على البقاء من دون رعاية الولايات المتحدة. ويصدق القول نفسه على نظم أخرى في الشرق الأوسط لا تعتمد على الدعم الأميركي، الاقتصادي والعسكري. وإذا رحل القذافي في نهاية الأمر فلن يكون رحيله راجعاً إلى اعتماد جيشه على الولايات المتحدة.

لكن هناك مشكلة أخرى في اضطلاع الولايات المتحدة بدور قيادي في الثورات السياسية في الشرق الأوسط. فبعض الأشخاص الذين يتهمون أوباما اليوم باتخاذ موقف "لين"، كانوا من أشد المروجين للحرب في العراق. وآنذاك، تصور هؤلاء أن حالة "الصدمة والرعب" التي ستحدثها القوات الأميركية لن تؤدي فقط إلى الإطاحة بالدكتاتور العراقي (وهو ما حدث بالفعل)، بل تصوروا أيضاً أن الغزو تحت قيادة الولايات المتحدة سوف يستقبل بالحفاوة والترحيب الكبيرين من جانب العراقيين الذين تحرروا، والذين سيفرحون بعصر جديد من الديمقراطية في الشرق الأوسط.

وكانت الثقة في الولايات المتحدة باعتبارها قوة خيرة، من أهم ضحايا هذا المشروع الوحشي، بعيداً عن نحو مائة ألف من العراقيين لاقوا حتفهم فضلاً عن الملايين الذين تحولوا إلى لاجئين. والواقع أن عملية "حرية العراق"، ناهيك عن عملية "الحرية الدائمة" في أفغانستان، أضفت على الجهود الأميركية الرامية إلى تعزيز الديمقراطية صبغة رهيبة. فالناس يريدون الحرية، لكن ليس عندما تأتي من فوهة بندقية أميركية.

حتى وقتنا هذا، كان الخطاب المناهض للولايات المتحدة خافتاً بشكل ملحوظ في الانتفاضات التي تجتاح الشرق الأوسط. والواقع أن الطريقة الهزلية التي حاول بها بعض المستبدين تشويه سمعة كافة أشكال المعارضة بوصفها نتاجاً لجهود عملاء أجانب، تلعب دوراً مفهوماً في هذا الصمت. لكن الحذر العام الذي توخاه أوباما لعب كذلك دوراً مماثلاً. لقد استهزأ الصقور في الولايات المتحدة بخطاب المصالحة الذي ألقاه أوباما من القاهرة في الرابع من يونيو 2009، كما كان اقتصاده في الصخب والتهديد والوعيد سبباً في منح معارضي الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط الحيز الكافي للتمرد من دون أن يتلوثوا بأي شكل من أشكال التدخل الأجنبي. فالأمر يعود إليهم، وهذا ما ينبغي أن يكون.

لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لابد أن تتخذ موقفاً سلبياً في كل الأحوال. والواقع أنها لم تكن سلبية دوماً. فالنفوذ الأميركي كان يستغل حيثما كان ذلك وارداً، كما هي الحال بالنسبة للمؤسسة العسكرية في مصر. وقد أوضح أوباما دعمه للتطلعات الديمقراطية، رغم الهلع الذي أصاب بعض الحلفاء، مثل إسرائيل، نتيجةً لتصريحاته. لكن كما أظهر التاريخ الحديث فإن الإطاحة بالرجال الأقوياء ليس أكثر من بداية لعملية التحول الديمقراطي.

إن بناء المؤسسات التي لا تضمن الحريات السياسية فحسب، بل وأيضاً حماية الأقليات وتوفير الظروف الليبرالية الأخرى، أمر صعب حتى في البلدان التي كانت مثل هذه المؤسسات عاملة فيها ذات يوم، كما هي الحال في بلدان أوروبا الوسطى في مرحلة ما بعد الشيوعية. ولسوف يكون الأمر أكثر صعوبة في البلدان التي لم تشهد قيام مثل هذه المؤسسات من قبل، أو حيث يظل الاقتصاد إلى حد كبير بين أيدي القوات المسلحة. إن التدخل المسلح الأنجلو أميركي، وخاصة إن لم تقره الأمم المتحدة، من شأنه أن يضعف من موقف الليبراليين والديمقراطيين الذين يحتاجون إلى أي قدر من المصداقية يمكنهم الحصول عليه.

لا شك أن بعض المتظاهرين يودون لو كان أوباما أكثر تشدداً في دعمه لأهدافهم. بل إن البعض ينادون بمساعدات أميركية أكثر نشاطاً. وقد يكون بوسع القوى الغربية بذل جهود أعظم لتخفيف المعاناة، عبر تقديم المساعدة للاجئين مثلاً، أو استخدام أحدث التكنولوجيات للإبقاء على خطوط المعلومات مفتوحة. لكن الصقور الأميركيين يريدون ما أعرب أغلب قادة المعارضة في ليبيا عن رفضهم له بشكل واضح. فهم يريدون من الولايات المتحدة إظهار زعامتها، وهو آخر ما يحتاج إليه الديمقراطيون العرب الطامحون حالياً.

لقد أخضعت الشعوب العربية لحكم الغرب أو لحكم مستبدين يدعمهم الغرب لفترة طويلة. والآن تريد هذه الشعوب أن تجد طريقها إلى الحرية بنفسها. ويبدو أن أوباما يفهم هذه الحقيقة. ولهذا السبب كان على صواب في موقفه.

ينشر بترتيب مع خدمة "بروجيكت سينديكيت"

====================

ميركل: هزيمة سياسية

هنري تشو - لندن

تاريخ النشر: الأربعاء 30 مارس 2011

الاتحاد

يوم السبت الماضي، تلقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ضربة قوية عندما أزال الناخبون حزبها من السلطة في انتخابات على صعيد الولايات، وهذا مشهد لا يبشر بالخير ربما بالنسبة لزعامتها على الصعيد الوطني. فقد حكم حزب ميركل، "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، ولاية بادن فورتمبورج الغنية الواقعة جنوب غرب البلاد منذ قرابة 60 عاماً؛ ولكن الغضب على خلفية السياسة التي تتبعها حكومتها بخصوص الطاقة النووية، إضافة إلى الحملة غير الناجحة التي خاضها الحزب محليا، دفعت الناخبين إلى حرمان المحافظين من العدد الكافي من المقاعد لتشكيل ائتلاف حاكم آخر في برلمان الولاية، وذلك حسب عملية فرز أولية للأصوات، جرت مساء الأحد الماضي.

وبالمقابل، حصل حزب "الخضر" على ما يكفي من الأصوات ليتولى، لأول مرة في تاريخه، تسيير شؤون ولاية ألمانية. فعلى الرغم من أن "الخضر" حصلوا على عدد أصغر من الأصوات مقارنة مع "الديمقراطيين المسيحيين"، فإن أداء الحزب المدافع عن البيئة كان الأفضل ضمن الأحزاب التي تميل إلى "اليسار"، وهو المرشح لترؤس الحكومة الجديدة. وفي هذا السياق، قال "وينفرايد كريتشمان"، زعيم "الخضر" في الولاية، لأعضاء في الحزب في مدينة شتوتجارت، عاصمة ولاية بادن فورتمبورج: "لقد نجحنا في الحصول على ما يرقى إلى نصر انتخابي تاريخي".

حاكم الولاية المنتهية ولايته "ستيفان مابوس"، الذي يقول عنه المنتقدون إنه أدار حملة تفتقر إلى التركيز وارتكب أخطاء وهفوات، اعترف بالهزيمة.

ولكن الأمر كان صعباً بشكل خاص لأنه قبل بضعة أسابيع فقط، كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لديه فرصة متكافئة مع بقية الأحزاب للحفاظ على السلطة. والجدير بالذكر هنا أن شريك "الديمقراطيين المسيحيين" في الائتلاف الحاكم، وهم "الديمقراطيون الأحرار" المؤيدون للشركات، عانوا بدورهم من انخفاض مثير للقلق في الأصوات في انتخابات الأحد الماضي.

وتمثل هذه النتيجة تحذيراً قويا لميركل، ولاسيما أن حكومتها في برلين مكونة من تشكيلة الأحزاب نفسها على غرار الائتلاف الذي هُزم في شتوتجارت، علماً بأن شعبية كل من "الديمقراطيين المسيحيين" و"الديمقراطيين الأحرار"، قد تراجعت في استطلاعات الرأي خلال الأشهر القليلة الماضية نتيجة لخطوات غير موفقة أقدمت عليها الحكومة إضافة إلى سلسلة من الفضائح.

غير أن الجزء الأكبر من الغضب في ولاية بادن ويرتمبرج تركز على الطاقة النووية. ذلك أن أغلبية من الناخبين الألمان يعارضون الطاقة الذرية، معارضة ازدادت وتقوت منذ الزلزال القوي الذي ضرب اليابان في الحادي عشر من مارس والتسونامي الجارف الذي أعقبه، والذي تسبب في تدمير عدد من المفاعلات النووية.

وعلاوة على ذلك، فقد شكل عشرات الآلاف من المحتجين خلال وقت سابق من هذا الشهر سلسلة بشرية حول واحدة من عدد من المحطات النووية في ولاية بادن فورتمبورج. وقال هؤلاء المحتجون في بيان صدر عنهم "إن أكثر من 120 ألف معارض للطاقة النووية يتظاهرون ضد استمرار عمل المحطات الذرية"، مطالبين الحكومة بتصحيح سياستها في مجال الطاقة النووية.

هذا وقد أعلنت المستشارة ميركل أن ألمانيا ستقوم بإعادة بحث ودراسة محطاتها للطاقة النووية؛ كما قررت تعليق العمليات في بعض منها، في ما مثل تحولاً جذرياً مقارنة مع العام الماضي، عندما أثارت ميركل غضب العديد من مواطنيها بإعلانها اعتزام حكومتها تمديد عمر بعض المحطات النووية في ألمانيا بمتوسط 12 عاماً.

والجدير بالذكر أن الناخبين أعادوا، في انتخابات ثانية على صعيد الولايات الألمانية، بولاية رينلاند- بالاتينات هذه المرة، "الديمقراطيين الاجتماعيين" إلى السلطة، وإن كان حزب الخضر قد حقق مكاسب أيضاً.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي إنترناشيونال»

====================

ليبيا وغلطة الشاطر

آخر تحديث:الأربعاء ,30/03/2011

ميشيل كيلو

الخليج

عندما خرج معمر القذافي مدافعاً عن زين العابدين بن علي وموبخاً الشعب التونسي، بحجة أنه لن يجد مثيلاً لرئيسه المطرود، وأنه كان عليه انتخابه رئيساً مدى الحياة، على حد قول بطل النظام الجماهيري، الذي ظل ينصح الجماهير بالثورة من أجل إعلان الجماهيرية، وحين خرجت بالفعل في تونس وبخها لأنها لم تنتخب رئيسها مدى الحياة .

آنذاك، ظن العرب أن العقيد الغريب الأطوار يتحدث مع التوانسة من “باب المونة”، وليس لأنه خائف من شعبه . وكانت سمعة العقيد تسبقه باعتباره واحداً من أكثر من ظهروا في تاريخ العرب القديم والحديث سلطوية وتمتعاً بحس السلطة، كما كان معلوماً أنه لم يترك أحداً من زملائه الذين شاركوه الثورة في مكانه أو منصبه، بل صفاهم أو أبعدهم واحداً بعد آخر، حتى إن بعض الأحياء منهم يبدون كأموات ويتصرفون كموتى، خوفاً من “الأخ قائد الثورة”، الذي يردد دوماً أنه ليس حاكماً يملك سلطة بل هو قائد ثورة فقط، أي مصدر كل سلطة يمكن أن توجد في بلاده، وجهة تستطيع محاسبة كل موظف في الدولة، أينما كان موقعه ومركزه، من دون أن يكون بوسع أحد حتى مجرد التفكير بمحاسبته هو .

 ومع أنه بدا واثقاً من نفسه في خطبه التي دافع فيها عن بن علي ومبارك، فإن لعبته لم تنطل على شعب ليبيا، الذي ما لبث أن انتفض ضده في كل مكان من أقصى شرق البلاد إلى أقصى غربها، لكنه، وهو الذي يعيش في عالم من الأوهام نسجه بعناية حول نفسه كفيلسوف ومنظر، رفض التجاوب مع مواطنيه، ولم ير في تمرد الشارع تعبيراً عن الإرادة الثورية، التي لا يكف عن التحدث عنها، بل اعتبره تمرد “جرذان ومقملين”، ووعد أن يزحف عليهم بالملايين لتطهير ليبيا، كما قال في خطبة يتندر عليها اليوم شباب العرب في كل مكان: “من الصحرا إلى الصحرا: شارعاً شارعاً، وبيتاً بيتاً، وداراً داراً، وزنقة زنقة، وفرداً فرداً”، فكان إعلانه بداية حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، يفترض أن واجبه الوحيد ك”أخ قائد للثورة” هو جعل بلاده تتجنبها لا أن تغرق فيها، وأن يوفر على شعبه التعرض لنتائجها المأساوية . باختصار: حول العقيد الاحتجاج الشعبي إلى حرب أهلية لردع الشعب وجعله يعود إلى بيت طاعته .

وكان أحد الإخوة الليبيين قد حلل وضع الثورة القذافية بالقول: إن الإيطاليين أبادوا نيفاً وثلاثة ملايين ليبي، وعندما قامت الثورة لم يكن هناك غير بقايا وحطام شعب، وبدل أن يعمل العقيد على لملمتها، ويركز جهده على تعليمها وتنمية عقلها، وعقلنة فكرها وسلوكها،طلع عليها بجنون الجماهيرية، لإيهامها بأنها سبقت العالم كله بطور تاريخي كامل، وأن أحداً لا يشبهها في هذه الدنيا . وقد ترجم هذا في الواقع الحي بإنكار حق أي ليبي في معارضة نظامه أو انتقاده، لأن ذلك يعني أنه يريد إعادة ليبيا إلى الوراء، إلى زمن سابق للجماهيرية، باعتبار أن أي فعل ضد النظام ينطوي، مهما كان تافهاً، على ثورة مضادة ما، عقوبتها الوحيدة الموت الأكيد . هكذا، قلب الأخ العقيد ليبيا إلى ما يشبه مستشفى مجانين . لقد جن هو وأراد للناس أن يجنوا معه، وعاقب كل من لم يجن، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بأفظع العقوبات، بينما كانت مواقفه تنقلب يومياً من النقيض إلى النقيض، حتى لم يعد أحد يعرف موقفه الحقيقي كي يراعيه أو يتحاشى الاصطدام معه، ويرد عن نفسه العقاب الجماهيري المريع .

وللعلم، فإن الأخ العقيد ركب ذات مرة جرافة وهدم بناية قال إنها سجون ليبيا، التي دأب منذ ذلك على تكرار أنه لم يعد فيها أي معتقل سياسي، ثم تبين بعد سنوات أنه قتل في تلك الفترة بالذات نيفاً وألف سجين أعزل داخل السجون، كما يقتل الذباب، وأن جثث هؤلاء لم تسلم إلى أهلهم كي يدفنوا بالطريقة التي تليق بالكائن البشري حين يلاقي وجه ربه، وإنما تم “تجييّفها”، أي رميها في الصحارى والقفار كي تأكلها الكلاب والذئاب! في مستشفى المجانين هذا، كان ممنوعاً كل ما لا يستسيغه العقيد أو يقره، ومن كان يزور طرابلس، كان يباغت بتأخرها وتخلفها، حتى إن كتاباً عرباً كثيرين وصفوها “بالمقبرة”، فهي لا ترسم ولا تغني ولا تصنع أفلاماً ولا مسرحاً ولا ترقص ولا تضحك، بل تقرأ الكتاب الأخضر وتهوبر للثورة، دون أن يكون لها أية مشاركة في خياراتها وقراراتها، مهما كانت تافهة وصغيرة .

 مهما يكن من أمر، فإن الأخ العقيد، الذي كان يريد لنفسه أن يكون العدو الأول للغرب في العالم كله، عقد معه صفقات تنضوي تحت بند التفريط الشديد، يتصل بعضها بالنفط، وبعضها الآخر بمحاربة الإرهاب، وآخرها بالهجرة غير الشرعية إلى غرب أوروبا، وبعلاقاته مع العرب وبالدور الفظيع الذي لعبه ودوخهم، حتى لم يعد أحد يعلم إن كان العقيد عربياً أم إفريقياً أم ليبيا أو مواطناً كونياً، كما كان يحب أن يصف نفسه من حين لآخر، ودوخنا جميعنا في صفاته: هل هو ملك ملوك إفريقيا أم إمام المسلمين أم عميد السلك الدبلوماسي العالمي أم البدوي في الصحراء أم منظر العصر الآتي، وأين الجماهيرية من الملكية والإمامة؟ ولعله ليس سراً أن سياساته القومية قامت على “شرشحة” العرب و”بهدلة” فكرة الوحدة العربية من أساسها، وعلى وضع هؤلاء بعضهم في مواجهة بعض، بدل إقامة مشتركات تقربهم شعوباً ودولاً من بعضهم وأهدافهم .

 ما علينا: نشبت الثورة، فارتكب العقيد غلطة عمره، لأنه لم يفهم المتغيرات التي عرفتها المنطقة وشعوبها من جهة، والمواقف العالمية من جهة أخرى . هكذا اندفع للقضاء على خصومه الداخليين معتمداً على ميزان قوى عسكري راجح بوضوح لمصلحته، غافلاً عن أن الصراع لن يحسم بواسطته، بل سيحسمه ميزان قوى جديد، خارجي/دولي مضاد له، هو الذي سيهزمه وإن انتصر على شعبه، وهكذا كان، فبعد أن دخلت قواته بنغازي، وقال ابنه سيف الإسلام إن الأمر حسم والتمرد انتهى، سحقه ميزان القوى الدولي، وها هي طرابلس في الغرب على وشك السقوط خلال الأيام المقبلة، بدل عاصمة الثورة في الشرق، وها هو يهلك والثورة تنجو وتعد نفسها لتسلم السلطة وإقامة الدولة المدنية والديمقراطية المنشودة .

إنها غلطة الشاطر بحق نفسه، سببها غرق الأخ العقيد في ذاتيته وتجاهل الواقع واحتقاره، وتوهمه أنه يستطيع بالعسكر والأمن ملاعبة العالم والضحك عليه وردعه والبقاء في السلطة رغماً عنه . إنها غلطة مزدوجة: في الداخل والخارج، تجلت في الداخل برفضه أي مطلب خاص بشعبه، وحديثه عن قادمين من الخارج أطلقوا الثورة ضده، ينتمون جميعهم إلى تنظيم القاعدة، فلا بد أن يساعده الغرب عليهم . بينما تجلت في الخارج في وهم زين له أن فزاعة القاعدة ما تزال فاعلة، وأنه سيتمكن من تخويف الغرب بواسطتها، وكسبه في النهاية ضد شعبه، من دون أن يلاحظ ما وقع من تحوّل في مواقف العالم وجعله يتخذ قراراً بإنهاء نظامه، لأنه هو الذي ينتج التطرف الإسلامي، وزواله شرط إضعافه .

لكن الشاطر عندما يكون رئيس دولة لا يحق له أن يغلط، لأن غلطته تكون نهائية وتكلفه نظامه وزعامته، خاصة إن كانت مزدوجة . وها هو القذافي يتخبط يائساً محاولاً إنقاذ رأسه قبل نظامه، مع فرص تتناقص يومياً، حتى يمكن القول إن الرجل الغريب ونظامه الأغرب يعيشان أواخر أيامهما، رغم ما تبديه قطاعات العسكر هنا وهناك من مقاومة أخيرة ويائسة . وللعلم، فإن القذافي، بما هو متاح لبلاده من ثروات هائلة وأموال طائلة، كان يستطيع بحد أدنى من الحكمة كسب ود شعبه والعرب والعالم، بدل ترك وطنه في حالة من الرثاثة تذكرني شخصياً بمدن وقرى سوريا قبل نصف قرن! لو كان القذافي قلل بعض الشيء أوهامه، وزاد قليلاً واقعيته، لكان يجلس الآن على شاطيء بحر طرابلس الجميل، مستمتعاً برغد العيش في وطن مزدهر .

 منع العقل الاستبدادي الرجل من رؤية واقع بلاده، فحكم على نفسه بالموت، البطيء أول الأمر ثم المتسارع، الذي نعيش نهايته في أيامنا . ترى، هل يتعلم قذاذفة الدول العربية الجدد في ما بقي من مستشفيات مجانين معاني مأساة وتجربة رجل كان ربما أشطر منهم، لكنه لم ينج، لاعتقاده أن أمنه يحميه، وأن من يقهر شعبه يستطيع قهر العالم، وأن شعبه لن يتحرك لأنه خائف، بينما كان الخوف هو الذي حرك في الواقع من تحركوا من العرب . لقد ضيع القذافي نفسه، وسيضيع أشباهه من العرب أنفسهم، ولن ينجو أي منهم، في زمن لم تترك عقليتهم لهم فيه غير التمسك بسياسات وخيارات فات زمانها، هي مقتلهم الأكيد، والوشيك!

===================

الشرق الأوسط والابتعاد عن السلام

المصدر: صحيفة «إندبندنت» البريطانية

التاريخ: 30 مارس 2011

البيان

ينصب الاهتمام في الوقت الراهن بشكل يمكن فهمه، على جوانب أخرى في منطقة الشرق الأوسط. لكن الانفجار الذي وقع مؤخراً، بالقرب من محطة الحافلات المركزية في القدس، بمثابة تنبيه إلى أن الصراع في المنطقة الأكثر امتداداً من الناحية الزمنية واستعصاء على الحل، بات أكثر بعداّ عن الحل من أي وقت مضى.

لقد أذهل هذا الحادث، الذي يعد الأول من نوعه في المدينة منذ سبع سنوات، الإسرائيليين. ووسط تصاعد القتال في جميع أنحاء قطاع غزة، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بتنفيذ هجمات بالقرب من مدينة غزة، ردا على الصواريخ التي أطلقها مسلحون فلسطينيون على جنوب إسرائيل.

وحتى قبل اندلاع هذا العنف الأخير، كانت عملية السلام قد وصلت إلى طريق مسدود. وبعيدا عن دفع حكومة بنيامين نتنياهو لتكثيف البحث عن تسوية مع الفلسطينيين، أدت الاضطرابات في مصر إلى جعل هذه الحكومة أشد تصلباً وتعنتاً. بالتأكيد سوف تعزز حالة الاضطرابات الداخلية المتزايدة في سوريا هذه الغرائز، في الوقت الذي سوف يوفر الهجوم على الحافلة دعماً جديداً لحجة نتنياهو، بأن المحادثات الجادة لا يمكن أن تتم قبل وضع حد للعنف من قبل المتطرفين الفلسطينيين.

تركز إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على الأزمات التي تجتاح المنطقة العربية، فيما تتجه احتمالات إحراز التقدم نحو التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني، من الأبعد إلى اللاوجود. سوف يستجيب البعض بضجر، قائلين ماذا إذن؟ ربما خاض الجانبان الصراع لأكثر من ستة عقود من الزمن، بل إنه قد مضى حتى الآن 40 عاماً تقريباً منذ نشوب آخر حرب بين العرب وإسرائيل، حيث وقعت إسرائيل معاهدات سلام رسمية، وإن كانت غير مرحب بها، مع مصر والأردن.

هل يعد إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين حقا مهماً، مقارنة بالثورة الاجتماعية والسياسية التي قد تغير العالم العربي كله؟ يمكن أن تكون الحقيقة عكس ذلك. إذا جاءت إلى السلطة حكومات أكثر ديمقراطية وأكثر تمثيلا للرأي العام العربي، فسوف يزيد الضغط بالتأكيد من أجل تحقيق سلام فلسطيني عادل.

وخلافا لفترة أوسلو، فإننا اليوم في وضع مختلف، فبدلا من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي لعب بورقتي المقاومة والدبلوماسية في الوقت نفسه، فإن لدينا سلطة فلسطينية قوية في الضفة الغربية تستثمر في بناء الأمة وتعد الأيام حتى سبتمبر المقبل، عندما تعلن الأمم المتحدة قبول الفلسطينيين باعتبار أن لهم دولة فلسطينية ذات سيادة. وآخر شيء يحتاجونه هو مثل هذا الهجوم، الأمر الذي سيثير تساؤل العالم مرة أخرى حول ما إذا كان الفلسطينيون قادرين على تنسيق تحركاتهم.

أما غزة فهي مسألة مختلفة، وإذا حرمت من خيار إرسال انتحاريين إلى إسرائيل، فإنها تقصف جنوب إسرائيل الآن بصواريخ القسام. مرة أخرى، فإننا هنا إزاء حالة مختلفة عن ذي قبل. وبإعلانها مسؤوليتها عن قطاع غزة، فقد نأت حركة حماس بنفسها عما يوصف بأنه سمة للإرهابي، أي المراوغة. لكن الناس في إسرائيل لم يخدعوا أنفسهم بأن العنف قد انتهى. إنه خفي عن الأنظار، يختبئ بين المدنيين، ويظهر تماماً في الوقت الذي لا يمكن توقع حدوثه. المفاجأة ليست في الهجوم بحد ذاته، بل في توقيته، لماذا الآن؟ من الخطأ إلقاء اللوم على الهجمات في عدم إحراز تقدم في عملية السلام، ويتمنى الجميع أن تنطلق المفاوضات التي منيت بالفشل، لكن المفارقة تكمن في أن العنف دائما ما يزدهر خلال انعقاد قمم السلام. ولعلنا لا ننسى عندما أطلق اسحق رابين وشيمون بيريز عملية السلام في أوسلو، عملت جماعات متطرفة بكل جهدها على عرقلتها.

====================

مآلات الثورات ليست كالبدايات

عمر العمر

التاريخ: 30 مارس 2011

البيان

على قدر ما بدأت الثورات العربية مفجرة للفرح، على قدر ما تثير فصولها الأخيرة الحزن أو على الأقل القلق. نعم النهوض الشعبي مثير للغبطة والأمل في جسد الأمة المترهل بالخمول عقوداً عديدة. إذا المباغتة والتلقائية تشكلان مصدري دهشة فان الإصرار العارم على الإطاحة بالنظام هو جوهر الافتنان.

صحيح لعبت ثورة التكنولوجيا والمعلومات دوراً حيوياً لا يمكن انكاره في الاستنفار والاستقطاب الجماهيري. مع ذلك فإن تضخيم هذا الدور على حساب الوعي الجماهيري بحتمية تغيير واقع بئيس يجافي المنطق وينسجم مع رؤى الأنظمة المستبدة تجاه شعوبها.

في العام 1848 اجتاحت ثورة مماثلة أوروبا من صقلية إلى باريس فبرلين ثم فيينا إلى بودابست في غضون أسابيع في غياب شبكة الهاتف، دع عنك الشبكة العنكبوتية. كذلك لم تنتشر الثورة في شرق أوروبا في نهاية ثمانينات القرن الأخير عبر التكنولوجيا. الثورات تندلع اثر أحداث دراماتيكية على غرار حادث التونسي البوعزيزي الذي قدم نفسه قربانا لثورة الياسمين أو احتجاز صبية درعا حيث اشتعل الشام. غير ان مثل هذه الأحداث تأتي على ركام من الاحباطات الشعبية الناجم عن الاستبداد والفساد والتضخم الاقتصادي وتطلعات الشعوب في غد أفضل. القيادات المتحصنة بالجدران الأمنية أخذتها العزة بالاثم والإسراف في تهميش الشعوب على نحو لم تراود الثورات خيالاتها. لهذا عندما احتشدت الجماهير في الساحات العامة لم يستبن القادة حقيقة ما يجري.

كلهم استعادوا تجربة لويس السادس عشر عندما سأل عما. اذا كان في باريس في العام 1789 مظاهرة؟ عندئذ كان كاتم أسراره لوروشفوكو لياتكور أكثر مصداقية ووفاء من أقرب معاوني القيادات المعاصرة إذ كاشفه بالحقيقة قائلاً إنها الثورة.

عوضاً عن رؤية شاملة للمشهد ونافذة فيه استغرقت القيادات في الانكفاء وراء الحصانات الأمنية. هكذا تسمع القاهرة ليست تونس. اليمن ليس مصر. بينما تسري روح الصورة عبر الحدود تتبادل العواصم العبارة ذاتها.

القيادات الثورية نفسها تعجز أحياناً عن التنبؤ باندلاع الثورات. لينين لم يكن يتوقع حدوث الثورة عندما أطاح الجياع بنيكولا الثاني في العام 1917. حين يحدث ما يسمى في أدبيات رفاق لينين بنضوج الظروف الموضوعية يصعب سحق الثورة. الضحايا والخسائر تعتمد على شهوة التوغل في الدم من قبل الرئيس أو غالباً رجاله. نجاح الثورات الشعبية يتطلب وجود زعامات ذات كاريزما ملهمة. ذلك كان حال لينين في روسيا. عبدالناصر في مصر. والخميني في إيران ومانديلا في جنوب افريقيا بغض النظر عن مواقعنا من هؤلاء. غياب مثل هذه الرموز يلقي ظلال الغموض على ثورة الياسمين في تونس ومخاوف الثورة المضادة في مصر. وبالشكوك على مصير الثورة في ليبيا والخوف إزاء ما تؤول إليه الأمور في اليمن.

ربما يرى التونسيون والمصريون في الإطاحة بالنظام القديم انجازاً يستوجب الاحتفاء وكل ما يأتي بعده هو الأفضل بغض النظر عن ماهيته. كلا الشعبين محق في ما يرى لكن ما يستأهل التقدير حقاً هو أسلوب الإطاحة بالنظامين.

المآلات الأخيرة للثورات ليست بهية كالمنطلقات. الثورة في تونس كما في مصر اتخذت من الثكنة العسكرية ملاذاً آمناً. اذا اسند الشباب الثائر ظهورهم إلى رئاسة الأركان إبان عجلة الإطاحة بالنظام الفاسد، فلا توجد ضمانات على استعداد الجنرالات للمضي مع الشباب إلى غايات أحلامهم. الحديث عن الثورة المضادة يعلو ويتصاعد في تونس ومصر. الانقضاض على مسيرة التقدم لم يعد احتمالاً هشاً. اختطاف الثورة من قبل مقامر من داخل الثكنة العسكرية أو حتى معسكر الثورة بات تهديداً مرجحاً. مصير الثوار الليبيين لايزال في مرمى نار كتائب القذافي. المشهد الليبي المحموم بتبادل القصف العشوائي والجثث والآليات المتفحمة لا يحرض على التفاؤل. القلق يخيم فوق اليمن خوفاً من ان يفضي الانقسام الحاد بين النظام والمعارضة إلى انزلاق الوطن بأسره إلى هاوية التشرذم. هكذا تبدو المآلات غير مثيرة للفرح كالبدايات الجماهيرية الناهضة. ربما نحتاج لثورات من أجل انقاذ الثورات.

====================

التحولات في المنطقة وأثرها على الكيان الصهيوني

منوعات

الاثنين 28-3-2011م

خلف علي المفتاح

الثورة

مهما ستكون عليه الأمور مستقبلاً من تداعيات لما جرى ويجري في بعض الأقطار العربية من انتفاضات وثورات، فالخاسر الأكبر سيكون حتماً إسرائيل التي عاشت فترة استرخاء في أكثر من جبهة عربية ما مكنها من التمادي في الاعتداء على الحقوق العربية والفلسطينية تحديداً،

ومحاولاتها الدائمة لاستهداف القوى المقاومة لها في أكثر من ساحة، ولعل الضربة القوية التي تلقاها الكيان ضمن حساباته الاستراتيجية تمثلت في سقوط النظام المصري الذي كان يطلق عليه بنيامين اليعازر الكنز الاستراتيجي لإسرائيل في إشارة منه إلى ما جناه الكيان الصهيوني من علاقته الاستراتيجية مع نظام حسني مبارك، حيث انخفضت موازنة وزارة الحرب الإسرائيلية نتيجة ذلك إلى ما دون الثلث ما وفر لها فرص بناء المزيد من المستوطنات والالتفات إلى الداخل الإسرائيلي لتقوية بنيته التحتية ومؤامراته على الفلسطينيين وقوى المقاومة على الساحة العربية، وهنا من المفيد أن نتذكر أنه خلال العقود الثلاثة التي مرت بعد توقيع معاهدة الصلح بين الكيان الصهيوني والنظام المصري استطاع العدو القيام بمجموعة اعتداءات على العرب، منها تدمير المفاعل النووي العراقي صيف عام 1981 وشن حرب غادرة على لبنان بعد سنة من ذلك مكنه من اجتياحه ودخول عاصمته بيروت إضافة لقمع الانتفاضتين عامي 1987 و 2000 وعدواني تموز عام 2006 على المقاومة في لبنان وغزة عام 2008.‏

ما تقدم يوضح حجم المكاسب الاستراتيجية التي حققها الكيان الصهيوني بتحييده لمصر في إطار معادلة الصراع العربي الصهيوني، وهذا يعني بالمقابل الموضوعي أن أي تحول في السياسة المصرية تجاه العدو سيشكل تغييراً استراتيجياً في قواعد اللعبة في المنطقة لا تصب في مصلحة العدو ولعل ما أطلقه بعض قادة العدو من تصريحات وما تحدثت به الصحف الإسرائيلية وأبدته من خوف وهواجس تحكم الشارع الإسرائيلي مؤشرات حقيقية على ذلك، وهنا من المفيد التذكير بما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تعقيباً على ما جرى في مصر حيث لامت إسرائيل على عدم استثمارها للمناخ الذي كان سائداً في المنطقة قبل الانتفاضة المصرية وتوقيعها لمعاهدات سلام مع أطراف الصراع، وهذا يعكس قراءة ضمنية لمستقبل غير جيد للكيان في إطار التحولات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة العربية.‏

إن قراءة متعمقة لما شهدته المنطقة خلال قرنين ماضيين يشير بوضوح إلى أن ما يجري في مصر يؤثر بنيوياً على المنطقة بالكامل، فالمشروع النهضوي العربي الذي كانت انطلاقته من مصر في عهد محمد علي باشا امتد إلى أرجاء المنطقة وتم التعبير عنه ثقافياً وفكرياً في أكثر من مكان على امتداد الساحة العربية، وفي منتصف القرن الماضي كان المد القومي في أحسن حالاته بالتناغم بين البعث والحركة الناصرية التي جسدها عبد الناصر بثقل الزعامة، هذا في الجانب الإيجابي، أما في الجانب السلبي فلمصر تأثيرها أيضاً فبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الحكومة المصرية والعدو الصهيوني امتدت العدوى لتشمل الفلسطينيين والأردن ولولا ممانعة دمشق لاجتاحت حماها المنطقة بالكامل وادخلتها في خنادق اليأس.‏

إذاً دروس التاريخ تنبئ بأن ما يجري في قاهرة المعز له ارتدادته على امتداد الساحة العربية ولاسيما إذا كان منسجماً مع نبض الشارع العربي والمصري ومستلهماً المعاني القومية والكرامة الوطنية، وهذا باعتقادي حال ما جرى في مصر، فثورة الشباب لا تقتصر أو تختصر أجندتها في قضايا مطلبية داخلية فقط، وإنما ترتبط بمعان وطنية وقومية في صميم الضمير الجمعي للشعب المصري، وهنا يبرز الكيان الصهيوني بسجله الدموي ونمطيته العدائية بكامل صورته أمام الرأي العام الذي لن يرضى بأقل من عودة مصر إلى ساحة المواجهة المباشرة معه والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة ليكون العضد والسند له في مواجهته مع قتلته وجلاديه الصهاينة وأعوانهم، ورب قائل يقول إن هذا الموقف المتوقع يدخل في دائرة الأمل أو المعول عليه في نظر الشارع العربي استقراء لما حدث وتداعياته المحتملة على مشهد الصراع في المنطقة، ولكن وجهة النظر المتفائلة تلك تتقاطع مع مصلحة حقيقية لمصر التي أفقدتها السياسات الممالئة للعدو الصهيوني نفوذها وحضورها القويين على الساحتين العربية والدولية ما انعكس سلباً على مجمل الأوضاع فيها.‏

وفي قراءة البعد الاستراتيجي لما جرى يبدو العدو الصهيوني الخاسر الأكبر أيضاً، فإسرائيل التي سوقت نفسها أوروبياً وأميركياً على أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، ستجد نفسها أمام واقع جديد يحيط بها في أكثر من اتجاه لحمته وسداه ديمقراطيات وليدة طالما حذرت مراكز الدراسات الاستراتيجية من ظهورها وخطرها على ذلك الكيان لأنها ستنتج بنى سياسية معادية بطبيعتها لإسرائيل التي هي في نظر الشارع العربي التجسيد العملي للمحتل والغاصب والمعتدي الذي تجب مواجهته ومقارعته بل وإزالته وهذا ما يقلق العدو ويقض مضاجعه، وسيفرض عليه إعادة النظر بمجمل سياساته واستراتيجياته تجاه العرب والفلسطينيين وعملية السلام عموماً.‏

إن المنطقة العربية أمام مشهد جديد تحكمه قواعد لعبة لم تكن قائمة من قبل وهي بالتأكيد لا تصب في مصلحة العدو، وهنا يبرز السؤال التالي ترى هل يستطيع القادة العرب استثمار اللحظة التاريخية والانتقال في معادلة الصراع من حالة الانفعال إلى حالة الفعل، خاصة أن نهج المقاومة للمشروع الأميركي الصهيوني استطاع تسجيل العديد من النقاط الإيجابية خلال السنوات الخمس الماضية على الصعيدين العسكري والسياسي، وكان بالتأكيد ملهماً لما جرى في الساحة العربية من انتفاضات كرامة رافضة للسياسات الداخلية والخارجية لأنظمة فاسدة فقدت صلاحيتها وأصبحت في نفايات السياسة؟‏

ثم هل سيقرأ العرب ما جرى قراءة إيجابية تمكنهم من استثمارها سياسياً أو حضارياً في مواجهتهم التاريخية مع الغرب, آخذين في الاعتبار أن صورة نمطية جديدة بدأت تتشكل في المتخيل الجمعي الأوروبي عنهم ولمصلحتهم؟ أسئلة مشروعة نطرحها على الساسة والمثقفين العرب لنرى شكل الاستجابة المطلوبة, وهو ما ستجيب عنه الأيام القادمة.‏

====================

سورية في مرمى الاستهداف الخارجي

شؤون سياسية

الأربعاء 30-3-2011م

د.إبراهيم زعير

الثورة

مسكين جيفري فيلتمان، ماذا سيقول لمسؤوليه في البيت الأبيض وأصدقائه في تل أبيب، وهو يلعق مرارة الهزيمة في تحقيق ماوعد به هؤلاء المسؤولين،

الذين عولوا عليه كثيراً في اختراق الداخل السوري، وأخذه من الداخل بعد فشله هو وأسياده وأعوانهم هنا وهناك من أخذ سورية من الخارج، وبعد افتضاح الدور الحقيقي للمحكمة الدولية الحقيقي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وماذا سيفعل حيال تصديق أصدقائه بأنه يكفي لإسقاط النظام في سورية لاأكثر من 2 مليار دولار وثلاثة أشهر من الاضطرابات الداخلية ومحاولة الاستغلال الأمثل لاحتياجات الشعب السوري الاقتصادية والسياسية، أنا على قناعة راسخة أن فيلتمان وأدواته التنفيذية للاضرابات أصيب بصدمة السرعة الفائقة التي تميزت بها القيادة السورية وحكمة الرئيس بشار الأسد في الاستجابة لمطالب الشعب المحقة والعادلة اجتماعياً ومعيشياً وسياسياً، فتلبية هذه المطالب وهي بالمناسبة كانت دائماً على جدول أعمال القيادة السورية والرئيس بشار الأسد شخصياً وهذا بالذات مادفع فيلتمان ومن ورائه للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته رغم قناعته أن فشل المرحلة الأولى أسست شعبياً واجتماعياً وسياسياً لفشل مشروعه التآمري بشكل كامل فبدأت أدواته بالتخريب العلني وتوجيه رصاصاتهم الحاقدة على الأبرياء المدنيين العزل في العديد من المدن والبلدات السورية فسقط الشهداء الذين فوتوا على المتآمرين النجاح في اشعال الفتنة الطائفية التي تعتبر في قاموس هؤلاء الأداة المثلى لنجاح مايبيتونه لسورية العربية وهنا وقع فيلتمان بخطأ آخر لا يقل مرارة عن الخطأ الأول وهو جهالته بتاريخ سورية وأصالة شعبها وفسيفسائها الديني والقومي الذي فشل المتآمرون عليها طوال مئات السنين من تحويله إلى عامل اضطراب وحروب مذهبية مكان العيش المشترك الرائع لأبناء الوطن السوري الواحد الذي كان دائماً عصياً على الاختراق من الخارج والداخل، مسكين فيلتمان وهو يبدو بصورة الغبي الأخرق الذي فشل في تنفيذ المهمة مضيعاً هو وأصحابه من داخل المنطقة ومن يقبع في الخارج المليارات من الدولارات التي صرفت هدراً على إسقاط شعب ووطن جعل فيلتمان يقتنع إنه أذكى منه بكثير وماذا سيقول لأسياده الصهاينة بعد أن فوضوه بأن يجعل سورية تدفع ثمن دعمها للمقاومة الوطنية اللبنانية ثمناً غالياً يساوي هزيمة إسرائيل في تلك المجابهة الرائعة عام ٢0٠6 وقبلها عام ٢0٠0 ودعم سورية لأبناء غزة الصامدين الذين ستذكر أجيالهم جلالة وعظمة وقوف الشعب السوري وقيادته إلى جانبهم في أشد المحن التي تعرضوا لها. لقد خاب ظن هؤلاء العملاء الصغار بأنه يمكن التأثير على موقف سورية الوطني الصامد والدعم الدائم للقضية الفلسطينية العادلة ودعم الشعوب العربية وجميع شعوب الأرض في نضالها التحرري وأزعج هؤلاء الصغار الموتورين كيف يمكن لسورية أن تبدي حكمة وحرصاً على الوطن الليبي وشعبه الشقيق الذي يتعرض اليوم لأخطر غزوة أطلسية قد تحوله إلى مستعمرة جديدة على غرار العراق الشقيق.‏

الشعب السوري الذي أدرك حجم المؤامرة على وطنه الغالي سورية سرعان مارد كيدهم إلى نحرهم وستخرج سورية أقوى وأكثر صلابة من هذه المحنة العابرة كما خرجت دائماً منتصرة وسر انتصارها يكمن في وحدة شعبها الوطنية والتفاف جماهيرها حول سياسة الصمود والمقاومة التي يعبر عنها السيد الرئيس بشار الأسد والسياسة التي تتبناها الجماهير لا تقهر!!.‏

====================

إسرائيل ونظرتها إلى أحداث المنطقة

المستقبل - الاربعاء 30 آذار 2011

العدد 3954 - رأي و فكر - صفحة 19

عبد الزهرة الركابي

من المؤكد أن الدولة الصهيونية بعد الأحداث الأخيرة في المنطقة، تعيش في الوقت الحاضر تحت ضغط هاجس الخوف من الانعكاسات السلبية التي ستطالها على المديين المتوسط والبعيد، على اعتبار أن الوقت الحاضر، سيكون مرحلة مراجعة وإصلاح والتفات إلى الشؤون الداخلية بالنسبة لسياسات المنطقة، وهو ما يعني أن إسرائيل لن تتأثر بهذه الانعكاسات مرحلياً. بيد أن خشيتها العورقة، ستدخل حيز المواجهة الفعلية بعد انقضاء عملية المراجعة والاصلاح من قبل السياسات التي تسلمت المسؤولية في أعقاب هذه الأحداث.

والدولة الصهيونية في نظرتها إلى هذه الأحداث، تظل تنتظر الدعم والمشورة من حليفتها ومناصرتها أميركا في هذا الشأن، بيد أن الأخيرة بدت مرتبكة وغير واضحة في اتخاذ الموقف الحاسم حيال هذه الثورة أو تلك، حتى أن السفير الأميركي السابق في أفغانستان والعراق زلماي خليل زادة قال في مقال له خصيصاً، استقر رأي أوباما على استخدام استراتيجية تقوم على التعامل مع كل دولة من دول الشرق الأوسط على حدة في ما يتعلق بما يجري فيها من ثورات وانتفاضات، بدلاً من أن تكون له سياسة اقليمية جامعة للتعامل مع أجندة الحرية والديمقراطية في تلك الدول، وهذا النهج غير كاف لمواجهة التحديات واستغلال الفرص التي يمكن أن تنتج عن الاضطراب السياسي السائد حالياً في المنطقة.

ومن هذا، يمكن للمراقبين والمحللين بناء الخطوط الاستشرافية التي يمكن من خلالها الإطلال على النتائج التي ستتمخض عن هذه الأحداث حيال اسرائيل وهي نتائج ستكون سلبية في الغالب وعلى الصعد الأمنية (والعسكرية) والاقتصادية، وربما ان نتائج الثورة المصرية هي التي ستقضّ مضجع الدولة الصهيونية وأميركا على حد سواء، مع أن نتائج الثورات الأخرى ستعزز هذه الانعكاسات السلبية، وهو أمر بدا مقلقاً في الأوساط الاسرائيلية التي تحاول في هذا الوقت بلورة الصورة التشاؤمية المستقبلية لما ستواجهه اسرائيل.

لقد أعربت الأوساط الاعلامية في الدولة الصهيونية عن خشيتها على معاهدة (كامب ديفيد) التي تعد كنزاً حقيقياً لإسرائيل حسب وصف القناة العاشرة، التي أكدت وجود مخاوف حقيقية على المعاهدة من جراء سقوط النظام المصري. وفي تعليقها هذا، وجهت القناة التلفازية الإسرائيلية انتقادات شديدة لجهاز الموساد، وذلك لفشله في التنبؤ بالثورة في مصر. في حين قال السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر تسفي مازل في هذا السياق، ان اسرائيل بعد سقوط النظام المصري، ستكون في أزمة استراتيجية، وان الوضع بات كارثياً، كوننا لن نجد في مصر الآن من يمكنه أن يتولى السلطة بصورة براغماتية وهادئة مثل الرئيس السابق.

وعليه، فإن المشهد على مختلف الصعد والجوانب بالنسبة للدولة الصهيونية أمام نتائج الثورة المصرية، سيتحدد في ضوء احتمالات عدة ومنها: أولاً، ان المعطيات الراجحة في الجانب الاقتصادي تشير إلى أن توقف إمداد الغاز المصري سيكلف الدولية الصهيونية ما قيمته مليون ونصف مليون دولار يومياً، وأيضاً في هذا الجانب هناك أكلاف أخرى ستنتج عن وقف عشرات مصانع النسيج الإسرائيلية المقامة في مصر.

ويبدو أن الدولة الصهيونية تنبهت بوقت مبكر لهذه الاحتمالات، وعمدت إلى تسريع عمليات البحث عن الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط بما في ذلك المنطقة التي تقع في المياه اللبنانية الاقليمية، حتى أنها عقدت اتفاقية مع قبرص لهذا الغرض، مستغلة الوضع السياسي السائد على الساحة الداخلية اللبنانية.

وثانياً، ان أي نظام مصري جديد لن يكون مواكباً في سياسته لسياسة النظام السابق حيال اسرائيل، وبما أن الجانب الأمني والعسكري مرتبط بالجانب السياسي، فإن الدولة الصهيونية لن تكون مطمئنة للجبهة الجنوبية مستقبلاً، خصوصاً وان مصر دولة اقليمية كبيرة، ستخلق واقعاً ضاغطاً في محور الصراع العربي الاسرائيلي، اذا ما تبنت سياسة واضحة في التصدي للسياسة الاسرائيلية العدوانية وممارساتها الوحشية حيال الفلسطينيين، حيث ان المعطيات القادمة، تشير إلى أن مصر لن تكون خارج نطاق هذا الصراع مثلما كانت في حقبة النظام المصري السابق، وهي التي تملك جيشاً كبيراً يعتبر أحد أقوى الجيوش في المنطقة، لما يمتلكه من ترسانة ضخمة من الأسلحة المتطورة.

إذن، الأحداث الأخيرة في المنطقة، لا بد لها أن تؤدي إلى انعكاسات سلبية على الدولة الصهيونية مثلما أسلفنا؛ وبهذه التطورات القادمة، لن يكون بوسع إسرائيل التمتع بالفترة الذهبية التي كانت عليها خلال علاقاتها مع النظام المصري السابق. ولهذا لا نستغرب اذا ما قامت بالتركيز على الجبهة الجنوبية وإعادة قواعدها العسكرية إلى الحدود مع مصر، في وقت بتنا نسمع دعوات اسرائيلية تطالب باتخاذ خطوات فورية تتمثل بعودة السيطرة على محور فيلادلفيا عند الحدود المصرية وغزة، وتسريع اقامة السياج على طول الحدود مع مصر.

====================

اللبنانيون وانتفاضة الشعب السوري

عبد الوهاب بدرخان

النهار

30-3-2011

هل يمكن أن يخطئ أحد في ما يمكن أن يكون موقف اللبنانيين مما جرى ويجري في سوريا؟ لا أظن، ولا أعني هنا حلفاء النظام السوري في لبنان، إذ يكفي ان يكون هؤلاء، كحلفائه داخل سوريا، لا يُبالون بانتفاضة الشعب من أجل الحرية والكرامة، ولا يهتمون إلا بمصالحهم مع النظام وبما يستطيعه تمكيناً لهم، لكن استغلالاً لهم أيضاً.

كان اللبنانيون القلائل، الذين تجرأوا على كشف المظالم التي يتعرض لها اشقاؤهم السوريون، تعرضوا للتصفية أو الاضطهاد والترهيب. كذلك لاقى السوريون القلائل الذين وقعوا على "اعلان دمشق" أنواعاً شتى من الاعتقال والقهر والنبذ، لمجرد أنهم جهروا مع أشقائهم اللبنانيين لمفهوم سام للأخوة والتواؤم مغاير للمفهوم الذي تبناه النظام.

حصل أن مثقفين من البلدين تلاوموا على صمت بعضهم إزاء بعض في شأن معاناة صارت مشتركة أيام عهد الوصاية السورية على لبنان. وحصل ان مثقفين من البلدين حاولوا كسر الصمت فدفعوا الثمن غالياً. لم يكونوا يواجهون سطوة هذا النظام، هنا وهناك فحسب، وإنما واجهوا حالة عربية عامة ثم حالة ايرانية خاصة تدعمه. وفيما يتساقط الآن الجانب العربي في هذه الحالة، فإن جانبها الايراني يحاول ان يتذاكى بادعاء ان الثورات العربية تستلهمه، متناسياً أنه لم يبق فيه شيء لإلهام أحد.

يولد اللبناني وهو يعرف ان بلده صغير وتعددي ومثقل بتاريخ من الانقسامات، ولذا فهو يتطبع بالمسالمة وعدم التدخل في شؤون الآخرين. لكن انفتاح البلد والتعايش الحتمي بين فئاته ومناخ الحرية الذي انغرز في جيناته تجعله تلقائياً صاحب موقف ضدّ الظلم والعنف. وثمة عبارة موفقة للبطريرك الماروني الجديد بشارة الراعي في احتفال توليته جاء فيها أن "في احتكار فئة للوطن احتقاراً لنا جميعاً". فالعلاقة السببية بين هذين الاحتكار والاحتقار تختصر جوهر الثورات العربية الراهنة، لأن من يحتكر السلطة ويعمل على تأبيد نفسه فيها لا بدّ أن يقع في مفاسدها فينتهي الى احتقار كل شعبه.

بلغ تدخل النظام السوري في لبنان، أفراداً وجماعات، دولة ومؤسسات، دستوراً وقوانين، ما لم يترك مجالاً لتدخل اللبنانيين في سوريا، على افتراض انهم رغبوا في ذلك يوماً، ولم يرغبوا أملاً في أن يفهم هذا النظام أن تدخلاته ما هي إلا أخطاء يمكن أن تمرّ بعض الوقت، ولا يمكن أن تمرّ كل الوقت. ولا يعني عدم تدخل اللبنانيين أنهم لم يدركوا طبيعة هذا النظام، أو أن لا موقف ولا رأي لهم في ممارساته، بل أنهم رفضوا ويرفضون أن يتولى مسؤولون لبنانيون، خصوصاً في المنظومة الأمنية، إضفاء ملامح وتقاليد استبدادية تشرّبوها من تبعيتهم له، في ادارة مؤسساتهم. وبديهي أن الاشتباك السياسي الناشب في لبنان الآن ناتج في كثير من جوانبه عن الصراع بين الراغبين في استنساخ ذلك الاستبداد وبين رافضيه لأنه لم يكن ولن يكون من طبيعة البلد.

لا يريد اللبناني لأي سوري، لأي عربي، إلا ما يريده لنفسه من تحرر وكرامة وعيش كريم، ولوطنه من استقرار وازدهار وسلم أهلي. فبلدان العرب وشعوبها تتوق جميعاً الى الحكم الرشيد، وسيادة العدل، واقتصاد حيوي لا تنهبه وحوش الفساد، وفرص عمل وتأهيل، وتعليم متفاعل مع العصر، وخدمات سوية. أي نظام يطمح لأن يكون دولة لا بد ان يحترم هذه الهواجس، وإذا اقتصر طموحه على ان يكون سلطة فلا بدّ أن يتوقع غضب الشعب ولن يستطيع تأجيله الى ما لانهاية.

كان المتوقع ان يلتقط النظام السوري مغزى الانذارين التونسي والمصري، ثم الليبي واليمني، وأن يبادر الى العمل. لكنه اهتم على الأرجح بفحص الماكينة الأمنية، ولما وجد أنها على ما يرام لم يشأ أن يذهب أبعد. أخطأ في تجاهل ان الشعب يمكن ان يفاجئه، وكذلك في تقدير مدى مناعة شعبيته، كما في قراءة صمت الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات. أهمل نصائح الصديق التركي، ولعله لم يوفق في تحليل ظروف تنحي حسني مبارك وفرار زين العابدين بن علي والصمود الموقت لعلي عبد الله صالح، لكنه لا يُعذر في مراهنته الضمنية على بقاء معمر القذافي واحتمالات انتصاره على شعبه. لم يكن سراً أن النظام يستطيع اطلاق الرصاص على المواطنين، لكن التحدي كان ألا يفعل، لا أن يفعل. إذ ان القتل الذي يسبق مباشرة الاعلان عن اصلاحات مهمة وجذرية لا يلبث ان يقتل النيات الطيبة حتى لو كانت صحيحة، بل أن القتل يجعلها متأخرة وغير كافية ويثير كل الشكوك. فكيف يصدّق الشعب الذي رزح نحو خمسين عاماً تحت احكام الطوارئ، وكل ما رافقها من تشوّهات نفسية وثقافية واجتماعية، أنها يمكن أن تُشطب بجرّة قلم، فالطوارئ غدت منظومة حكم وحفرت "ثقافتها" عميقاً في البشر والحجر ولا تعتبر ملغاة إلا بإزالة منظومة القوانين التي كرّستها، وبإلغاء الاجهزة التي استمدت منها سبب وجودها، وبإعادة تأهيل كل شخص عمل فيها، وأخيراً باستبعاد كل من يعرف بارتكاباته المشينة في اطارها.

رغم بعض الهتافات النابعة من غضب أو ألم أو فجيعة، فهم العالم أن احتجاجات سوريا ليست في صدد إسقاط النظام وتغييره، ولا هو في صدد الاعداد للرحيل. لكن الشعب استيقظ، وفي ذلك مصلحة لسوريا، بل أيضاً مصلحة للنظام ليعيد النظر عميقاً في تجربته وفي علاقته مع الشعب، لا ليكمل أو يستأنف السياسات ذاتها بعد مرور العاصفة. فأنصاف الحلول أو انصاف الاصلاحات ستنكشف بسرعة. كانت الوصاية على لبنان أكبر انجاز حققه النظام لنفسه لكنها كشفت كل عيوبه داخل سوريا نفسها. ولا شكّ أن انتفاضة الشعب فرصة لاعادة نظر شاملة في مسيرته، وخصوصاً للعودة الى الاهتمام بالداخل بدل تجميع الأوراق الاقليمية والعبث بها. ثمّة حاجة الى حوار وطني حقيقي في سوريا، والى إعادة تشكيل النظام ليصبح دولة للجميع بدل الاهتمام بتشكيل الحكومة في لبنان أو في العراق وفلسطين.

====================

سوريا تنتظر رفع «الطوارىء»

«ا ف ب»

التاريخ : 30-03-2011

الدستور

30-3-2011

تنتظر سوريا إعلان القرار الموعود برفع حالة الطوارىء المفروضة في البلاد منذ خمسين عاما لكن هذه الخطوة لن يكون لها سوى معنى رمزيا اذا لم ترافقها اصلاحات مهمة اخرى، كما يرى محللون. وقال فيصل عيتاني نائب رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجموعة «تحليل حصري» (اكسكلوسيف اناليسيس) التي يقع مقرها في لندن ان «رفع حالة الطوارىء هو بادرة رمزية في افضل الاحوال». واضاف «حتى وان تم تطبيق ذلك، فانه لن يعالج المسألة الاساسية وهي المستوى العالي من السلطة الاقتصادية والسياسية المتواجدة في ايدي نخبة سياسية محصورة». واضاف «الشيء الوحيد الذي يمكن ان يعالج المشكلة في الوضع الراهن سيكون اصلاحات كبرى حول كيفية توزيع السلطة». وتخضع سوريا لقانون الطوارىء منذ العام 1963 حين تولى حزب البعث الحكم. وينتظر ان يتوجه الرئيس السوري بكلمة الى الشعب في الايام المقبلة. وعلى الرغم من قرار رفع حالة الطوارىء، قال محللون ان سوريا بحاجة لاصلاحات اكبر لتحسين صورتها وتهدئة المعارضة في المناطق الفقيرة.

وقال نديم حوري الباحث البارز في منظمة «هيومن رايتس ووتش» انه «لكي يترك رفع حالة الطوارىء اثرا فعليا، سيكون على الرئيس الأسد ان يلغي العمل بمحكمة امن الدولة ومؤسسات اخرى انشئت في السنوات الثلاثين الماضية من اجل احكام قبضة النظام».

واضاف «فيما سيعتبر ذلك خطوة ايجابية الى الامام، فانه يجب اعتماد الكثير من الاصلاحات الاخرى لتأمين للسوريين الحرية التي يستحقونها».

وتابع ان احدى الخطوات المهمة قد تكون انشاء هيئة مستقلة للاشراف على وكالات الامن السورية الكثيرة وسن قوانين تتوافق مع معايير حقوق الانسان العالمية، كما قال حوري. وكانت المستشارة الرئاسية بثينة شعبان كشفت في حديث الاحد في دمشق ان قرار الغاء قانون الطوارىء قد اتخذ.

وكان قانون الطوارىء وضع في كانون الاول 1962 وبدأ العمل به بعيد وصول حزب البعث الى السلطة في اذار1963. ويفرض هذا القانون قيودا على حرية الاجتماع ويتيح اعتقال الاشخاص المشتبه بهم او الذين يهددون الامن. كما يتيح قانون الطوارىء مراقبة الاتصالات وفرض رقابة مسبقة على وسائل الاعلام.وفي خطوة تهدئة اعلنت الاسبوع الماضي قالت السلطات ان محادثات جارية لاعتماد قوانين جديدة حول الاعلام والترخيص لاحزاب سياسية. لكن محللين يرون انه من المبكر جدا القول ما سيعنيه هذا الامر بالنسبة لحرية الصحافة في هذه الدولة الشرق اوسطية المهمة. وقال عيتاني ان «حالة الطوارىء تؤمن فقط غطاء شرعيا لشيء يجري تنفيذه بالقوة». وقال حوري ان «الخطوات الواجب اتخاذها من اجل اصلاح فعلي تشمل على سبيل المثال اقامة لجنة انتخابية مستقلة لتسجيل احزاب سياسية جديدة».واكد المحللون ضرورة معالجة صلب الموضوع لتهدئة الاوضاع. وقال عيتاني ان «حوالى ثمانين بالمئة من الشعب يشعر بانه محروم وهم الشريحة الاكثر تاثرا بالمشاكل الاجتماعية-الاقتصادية».

واضاف ان «سيكون على حزب البعث ان ينفتح على تقاسم السلطة ومن غير الواضح ما اذا كان راغبا بذلك».

====================

الارتباك الأميركي في ليبيا

سمير الحجاوي

الرأي الاردنية

30-3-2011

تبدو السياسة الأميركية مرتبكة ومترددة حيال ليبيا، الأمر الذي انعكس على مجمل التصريحات السياسية لأقطاب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وزعماء المعارضة بل إن هذا الارتباك تجلى في عدد من تصريحات الجنرالات الأميركيين.

ففي الوقت الذي اعتبر فيه اوباما تدخل بلاده في ليبيا يصب في «المصلحة القومية» الأميركية بوصفها «مصلحة إنسانية وعملية جدا أيضا»، ذهب إلى أن ما يجري في ليبيا قد يكون له أثار وخيمة في المنطقة بأسرها».

الرئيس الأميركي بدا حملته الدبلوماسية بتوجيه إنذار نهائي للعقيد معمر القذافي وتحذيره من مواجهة عواقب إذا لم يلتزم بمطالب الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار ووقف الهجمات ضد المدنيين، مؤكدا أن هذه «الشروط ليست محل تفاوض»، واعتبر أن «القيادة الأميركية ضرورية» للعمليات في ليبيا.

لكن اوباما سرعان ما واجه تشكيكا من قبل منتقديه الذين وجهوا له نقدا شديدا لتحركاته عبر عنها جون بينر رئيس مجلس النواب الأميركي الذي دعاه إلى «شرح أهداف المهمة الأميركية في ليبيا والكيفية التي تعتزم إدارته تحقيقها»، وبعد ذلك بأيام غير اوباما رأيه وقال إن « بلاده ستسلم العمليات لتحالف دولي» وأعلن عن «خفض كبير» في طلعات الطائرات الأميركية فوق ليبيا. وواكب ذلك تصريحات عدة أسدلت حالة من الضبابية على الموقف الأميركي، فقد شكك الأميرال مايك مولن رئيس الأركان الأميركي بنتائج التدخل الأميركي وقال» إن النتيجة النهائية للتحرك العسكري في ليبيا غير مؤكدة إلى حد بعيد، ومن الممكن أن ينتهي الوضع إلى حالة جمود مع العقيد القذافي»، وأكد قائد القيادة الأميركية في أفريقيا إن قوات التحالف «لا تسعى لتدمير الجيش الليبي بصورة تامة وان مهاجمة الزعيم الليبي ليست جزءا من مهمته، وان هدف عمليات القوات الأميركية لا تهدف «لتوفير دعم جوي لقوات المعارضة التي تقاتل القذافي».

على الجانب الآخر انتقد السناتور الأميركي جو ماكين تأخر أوباما باتخاذ قرار بشأن ليبيا، لكنه أعرب عن ثقته «بان إخراج القذافي من السلطة هي مسألة وقت»، وهو التصريح الذي سارع رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الأميرال مايكل مولن إلى الرد عليه بقوله «إن الضربات الجوية ضد ليبيا لا تهدف إلى «إزاحة القذافي من الحكم»، ووافقه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بقوله إن «الليبيين بحاجة إلى تحديد مصير القذافي بأنفسهم»، وذهب ابعد من ذلك حين بشر بتخلي الولايات المتحدة عن قيادة العمليات في ليبيا وان الجيش الأميركي سيكتفي بدور الإسناد والدعم.

هذا السرد الطويل للمواقف الأميركية يبين مدى الارتباك الأميركي، فالإدارة الأميركية التي أعلنت في البداية عن قيادة العمليات سرعان ما تراجعت، وطرحت نقل القيادة لحلف شمال الأطلسي، لكن مشكلة هذا الطرح انه يواجه اختلافات في وجهات نظر أعضاء الحلف على من سيقود الحملة العسكرية على ليبيا بعد الولايات المتحدة، وهو ما دفع المسؤولين الأميركيين إلى اقتراح» أن يتولى الحلف إدارة العمليات دون أن يكون مسؤولا رسميا عن القيادة» وهذا طرح غريب جدا، إذ كيف يمكن تنفيذ حملة عسكرية كبيرة دون قيادة واضحة».

الارتباك الأميركي يمكن إرجاعه إلى احد أمرين، الأول هو أن واشنطن متورطة في حربين كبيرتين مكلفتين في العراق وأفغانستان، ولا تريد أن تخوض غمار حرب ثالثة، فجيشها منهك، واقتصادها لا يتحمل تمويل حرب ثالثة.

أما السبب الثاني فهو أن الولايات المتحدة تعتبر ليبيا حديقة خلفية لأوروبا واحد أهم مراكز مصالحها الحيوية وبالتالي يجب على أوروبا أن تقاتل دفاعا عن مصالحها باستخدام جيوشها وليس باستخدام الجيش الأميركي. وفي الحصيلة النهائية سيدفع الليبيون ثمن هذا الارتباك والاختلاف من دمائهم وثرواتهم ومستقبل بلدهم، فالدول الكبرى تتحرك بغريزة مصالحها ولو على حساب دماء كل الليبيين

====================

سورية: التهريج بالدم

حسام الدين محمد

2011-03-29

القدس العربي

 بعد افلام الرعب الليبية على طريقة سيف الاسلام القذافي، التي هددت بأنهار من الدم، جاءتنا د. بثينة شعبان (المستشارة الاعلامية والسياسية للرئيس السوري) من بلد الدراما السورية الراقية بعرض متهافت قلّ نظيره، ورغم عجلته الواضحة المقصود منها ايقاف حركة الشارع بسرعة، من خلال رش سكر على الموت الذي ظلل سماء منطقة حوران فانه لم يستبعد، في معناه الحقيقي، الحل الدموي اياه.

لم تصف شعبان المتظاهرين بالجرذان وعناصر القاعدة (تكفلت بذلك جهات اعلامية/مخابراتية اخرى، اتهمتهم بالانتماء لتنظيمين مقربين من القاعدة: جند الشام وفتح الاسلام، قبل ان ينفتح قوس الاتهامات ليضم 'مندسين' من مصر والاردن وفلسطين!) لكنها من جهة أخرى قالت ان 'هناك أدلة على وجود تمويل خارجي واياد خارجية'، وهذا يعني بالمقاييس السورية المعتادة أحكاما مجانية بالاعدام.

وحين ذكرت ان قيادة حزب البعث (ولا نفهم لماذا تم استخدام اسم حزب البعث في هذا الموضوع، وهو جزء من قضية الحريات واقصاء الآخرين التي تعاني منها سورية) قررت تشكيل 'لجنة للاتصال بالمواطنين في درعا' فقد قالت من ناحية اخرى ان تحقيقات تجري حاليا و'سيتم الكشف عن نتائجها ومحاسبة المسؤولين'، ولا نعلم ان كان المقصود بكلمة المسؤولين امثالها من المسؤولين، ام انهم الأشباح و'العصابات المسلحة' و'المندسون' الذين تمت نسبة القتل اليهم، وكان ضحاياهم كما يبدو من قوات الأمن والشرطة فحسب.

بعد حمام الدم الذي شهدته درعا وقراها (وما زالت تشهده حتى وقت كتابة هذه السطور)، تبدو سلسلة الوعود الجميلة التي اطلقتها المستشارة (مع التهديدات المبطنة التي تحملها) مثل قطعة جبن موضوعة في مصيدة للفئران، وهو ما يعيدنا، مجددا للأسف، الى تخيل سيناريو مرعب لما يجري في سورية.

ذكرت المستشارة ايضا الحجة الأبدية (التي صارت سوطا للتعذيب من كثرة ما اسيء استخدامها): سورية مستهدفة.

ولا نظن ان المستشارة تقصد بسورية الا القيادة السورية التي تنطق باسمها، ولا تقصد بالتأكيد الشعب السوري، بل ان هذه الحجة استخدمت دائما 'لسد بوز' اي مطالب شعبية، باعتبارها، اي المطالب، تصبّ في 'استهداف سورية'.

بعد البيان الصحافي للمستشارة، ومن دون طلب منها للجمهور بأن 'يرقصوا ويغنوا' انطلقت مسيرات محميّة بسيارات الأمن تشبه عراضات مسلسل باب الحارة، في قلب مدينة درعا، حسبما قال التلفزيون الرسمي السوري، في استهتار فظيع بحرمة الدم المسفوك في جامعها العمري وشوارعها وقراها.

امتدّت هذه العراضات الى دمشق وباقي المحافظات، والتي تألفت، كما ذكر شهود عيان، من موظفين تم اجبارهم على الخروج في هذه المسيرات، او من 'الشبّيحة'، الذين يتجولون بسياراتهم فاتحين العنان لزماميرها (والبعض منهم كانوا مسلحين) في شكل من اشكال الارهاب والتخويف لمن يجرؤ على النزول الى الشارع.

التصريحات والوعود لا تدلّ ابدا على قراءة منطقية للقيادة السورية لما يجري في سورية وفي العالم العربي ككل، فوقت تقديمها وطريقة تقديمها، كما طريقة الاحتفاء الهمجي بها، كلها أرسلت الاشارات الخاطئة الى الشعب السوري، فعاد للانتفاض مجددا، فاتحا قوس الأزمة السورية على مصاريعها.

الأهم في ما ذكرته شعبان كان قولها ان الرئيس السوري امر بعدم اطلاق الرصاص على المحتجين، وكان ان سقط في اليوم التالي عدد كبير من القتلى والجرحى، ليس في درعا وقراها وحدها، بل في محافظات سورية اخرى عديدة، وهو ما أسقط مصداقية شعبان تماما، فقد جعلت الرئيس كاذبا او أن اوامره لا يتم تنفيذها.

كل ما تقوله بثينة شعبان بدا تهريجا مفتعلا لكنه تهريج مرعب مخطوط بالدم.

====================

اذا سقطت الديكتاتورية سنشتاق للاسد

اسرائيل اليوم 29/3/2011

صحف عبرية

2011-03-29

القدس العربي

 في محاولته للوصول الى اتفاق مع سورية، تبنى ايهود باراك بكونه رئيسا للوزراء شعارا كرره: 'الاسد زعيم شجاع وحكيم، مصمم سورية الحديثة'. ولما كان باراك ليس الوحيد الذي حاول ادارة مفاوضات مع الاسد (الأب والابن) هكذا تصرف رؤساء الوزراء قبله وبعده فيطرح السؤال مرة اخرى هل الطاغية شريك؟.

دارج ان السلام يصنع مع الأعداء، ونحن لا نختار جيراننا، وبالفعل، اسرائيل ليست قوة عظمى عالمية، وليس من مهمتها ان تكون الشرطي في الشرق الاوسط. التطلع إلى السلام الذي يفعم قلوبنا يبرر ايضا السلام مع ديكتاتوريين طغاة. ولكن الدولة التي تتعرض للتهديد مثل اسرائيل ملزمة بأن تكون يقظة حتى تجاه الرجل الذي توقع معه.

الكليشيه حول الاتفاق مع سورية يعتقد بأن ثمن السلام محدد: الانسحاب من كل الجولان حتى خطوط 4/6/1967، حتى بحيرة طبرية. والسؤال الحقيقي الذي علينا ان نسأله لأنفسنا اذا كان بوسع اسرائيل ان تسمح لنفسها بأن تسلم الديكتاتور السوري اراضي حيوية لأمنها، مثل الجولان، جبل الشيخ وشاطىء بحيرة طبرية؟ هل يوجد مبرر لأن تتخلى اسرائيل عن ارض سيادية للدولة وتقتلع قطاعا استيطانيا مزدهرا ومتطورا، كي تُسلمه الى طاغية، قاتل لشعبه؟. عند فحصنا لهذه المسألة، علينا ان نأخذ بالحسبان اربعة جوانب. الجانب الاول استقرار السلطة. حكم الاسد هو حكم أقلية صغيرة جدا، أقل من عُشر السكان السوريين، تفرض نفسها بالحراب، بالارهاب، بالطغيان الفظيع، على 90 في المئة من الجمهور السوري. الجمهور السوري يكره ويمقت الحكم المفروض عليه. ومع ان حكم الارهاب ينجح في ان يفرض نفسه على الشعب السوري منذ أكثر من اربعين سنة، فانه آجلا أم عاجلا سيسقط. كل اتفاق مع الحكم غير الشرعي هذا لن يكون بالضرورة اتفاقا شرعيا في نظر الشعب، ومشكوك ان يحترمه الحكم الجديد.

الجانب الثاني هو مصداقية الحكم السوري. في هذا الشأن، أقترح الانصات كل مساء لشروحات مستشارة الرئيس، الدكتورة بثينة شعبان، لنفهم مع أي عصابة كاذبة نتعامل. فهل كنا سنشتري سيارة مستعملة من هؤلاء الاشخاص؟.

الجانب الثالث هو الوحشية عديمة الجماح للحكم السوري. هل يوجد منطق في ترك سكان كريات شمونة، صفد وطبرية وسكان الجليل والسهول لمصيرهم أمام النية الطيبة والمدافع لمن لا يتردد في ذبح أبناء شعبه؟.

الجانب الرابع هو محور الشر. فهل لا يزال أحد يؤمن بأن الاتفاق مع اسرائيل سيدفع الاسد الى خرق تحالفه الوثيق مع ايران؟ يُخيل لي أن هذا سؤال بياني لا يحتاج الى اجابة.

وماذا سيحصل اذا سقطت ديكتاتورية الاسد؟ في مثل هذه الحالة الاحتمالات كثيرة. ومن غير المستبعد ان نشتاق للاسد لاحقا. ومع ذلك، لا ينبغي استبعاد امكانية الحكم الديمقراطي والمحب للسلام. حجر الرحى سيكون الاستعداد للسلام الحقيقي.

يتعين عليّ أن أشير الى أني من سكان هضبة الجولان وتأييدي لاستمرار السيادة والاستيطان الاسرائيلي على الجولان لا ينبع من طبيعة النظام السوري بل من اعتبارات صهيونية واستراتيجية. ولكن الأحداث الجارية في سورية تدل على السخافة التي في الانسحاب من الجولان في كل الاحوال.

====================

خياران لا ثالث لهما امام الرئيس الاسد

خضير بوقايلة

2011-03-29

القدس العربي

 يتداول الشارع العربي كثيرا من التعليقات الساخرة والهادفة في آن واحد منذ بزوغ فجر الثورة العربية الكاسحة، منها أن الرئيس الذي يواجه غضب الشارع أمامه ثلاث خطب يلقيها على شعبه قبل أن يسقط وفيها يعترف طبعا بمطالب الشباب ويعد بالإصغاء إليها وتحقيقها ويذكر بمسيرة الإصلاح التي بدأت، وبين هذا وذاك يسارع إلى تعديل وزاري أو إسقاط الحكومة. مر أسبوعان تقريبا على اندلاع شرارة ثورة التغيير في قلعة القومية العربية سورية وكانت خلالها أصوات المعارضة تتعالى منتقدة الرئيس بشار الأسد على صمته وتقديم مستشارته للحديث بدلا عنه، فقلت لعله تطير بحكاية خطب الرؤساء فقرر أن يصوم عن الكلام مهما حصل حتى لا يهدم عرشه بلسانه، لكنه استسلم أخيرا ورأى أن يخرج إلى العلن متحديا أو متناسيا هذا الفأل العربي السيئ.

طبعا لا أحد ينتظر أن يعلن الأسد في خطابه المقرر اليوم تنحيه عن الحكم أو يحدد تاريخا قريبا لانتخابات رئاسية مبكرة أو على الأقل أن يضع منصبه بين أيدي السوريين في استفتاء شعبي. فاروق الشرع نائب الرئيس استبق الخطاب وقال إن سيادة الرئيس سيقول كلاما مطمئنا ويعلن عن قرارات تسعد الشعب السوري، علينا أن ننتظر ما يقوله الرئيس ثم نرى كم من الشعب السوري بالضبط سعد لكلامه. لم يكن أحد يتوقع أن يعلن الرئيس التونسي الهارب بن علي عن إقالة البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة وعن إصلاحات دستورية عميقة ولم يكن أحد ينتظر منه أن يقول قبل ثلاث سنوات من انتهاء فترته إنه لن يترشح لفترة لاحقة مع أن الدستور المغتصب عدة مرات صار يجيز له ذلك حتى الممات، ولم يكن أي مواطن مصري يتوقع أن يقبل الرئيس المخلوع مبارك بتعيين نائب له ويفوض له بعد ذلك كامل صلاحياته ويعلن أنه لم يكن (ينتوي) الترشح لفترة أخرى، تماما مثلما فعل الرئيس اليمني الغارق عندما قال إنه لن يتمدد في الحكم لفترة أخرى ولن يورّث عرشه لابنه وسيحول البلد من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، كلام لو خرج من أفواه هؤلاء الطغاة قبل أن تنتفض شعوبهم لانحنت لهم رؤوس شعوبهم تقديرا واحتراما رغم ما ارتكبوه من فظائع ومظالم في حق الناس، لكنهم أكدوا للعالم أنهم من سلالة فرعون الذي رفض الاعتراف بربه وبرب موسى إلا عندما أدركه الغرق، أي بعد فوات الأوان. القرارات الهامة قد تصبح تنازلات في فترة من الفترات لكنها لن تصبح ذات قيمة عندما تتحول إلى مساومات لا هدف من ورائها إلا الاستمرار في الحكم.

قد يكون الرئيس بشار الأسد ضحية مستشاريه الذين ورثهم من عهد والده وسهروا على تنفيذ وصية توريثه الحكم، فهؤلاء لا يختلفون كثيرا عن طينة بن علي ومبارك والقذافي وصالح ونصائحهم إزاء انتفاضة الشعب لن تكون شيئا آخر عن ضرورة الإسراع بالقمع الوحشي حتى تنطفئ (نار الفتنة) في مهدها، هذا هو رد فعل أصحاب الفكر الديكتاتوري ولو كانوا يرون مع طلوع شمس كل يوم أن ذلك لم يعد فعالا. لا أدري إن كان بشار الأسد مؤمنا في قرارة نفسه أنه سيستمر في الحكم حتى يتوفاه الله، لكني لا أستبعد ذلك بعد الذي رأيناه في رد فعل النظام لمواجهة شباب درعا والمحافظات والمدن السورية الأخرى.

وما (المسيرات المليونية) التي انطلقت أمس في دمشق وباقي أرجاء سورية تحت شعار (الوفاء للوطن والتأكيد على الوحدة الوطنية والحفاظ على الأمن والاستقرار ودعم برنامج الإصلاح الشامل الذي يقوده السيد الرئيس بشار الأسد) إلا مؤشر على أن منحى الأحداث في سورية لن يكون مختلفا عن التطورات التي عرفتها تونس ومصر واليمن وليبيا، بل حتى الذين أوعزوا بإخراج هذه الجماهير المغلوبة على أمرها إنما يريدون فرض خط سير محدد للحراك الشعبي في سورية والغريب أنهم أخرجوا الناس قبل أن يلقي سيادة الرئيس خطابه وكأنهم يقولون للناس لا تهتموا لما سيقوله رئيسكم فهو لن يحمل أي جديد يسعدكم.

عندما أخبرني صديق سوري أن الجماهير تحتشد في دمشق للخروج في مظاهرات تأييد للسيد الرئيس وضعت يدي على قلبي خشية تحول أزقة الشام إلى وديان دم وتساءلت من هذا المجرم الذي قرر إخراج الناس إلى الشارع وهو يعرف تماما أن البلد صار يعج بالمندسين والإرهابيين ورجال الموساد الذين لا يتورعون عن قتل الأبرياء في الشوارع؟ ألم يستمع محركو هذه الجماهير المليونية إلى السيدة بثينة شعبان وإلى سماحة المفتي ووزير الشؤون الدينية وإلى نقيب الصحافيين وغيرهم من خيرة رجال ونساء السلطة وهم يؤكدون أن الذين قتلوا شباب درعا وغيرهم من الشباب المنتفض في المدن الأخرى إنما هم مندسون وإرهابيون قدموا من الخارج لتنفيذ مخططات أعداء سورية؟

ألم يشاهد منظمو المسيرات المليونية ذلك الشاب المصري وهو يعترف بخشبة لسانه أنه كان يعمل لحساب جهات خارجية؟ أم لعلهم تلقوا ضمانات أكيدة من هؤلاء المندسين وعناصر الموساد أنهم لن يستهدفوا أية مسيرة تساند سيادة الرئيس وإصلاحاته؟ أم لعل أجهزة الأمن أكدت لهم أنها تمكنت من السيطرة على جميع هذه العناصر المندسة وأن البلد صار آمنا؟

وهنا صار حقا على أبناء درعا ودعاة الحرية والتغيير في داخل سورية أن يعودوا للخروج إلى الشوارع التي صارت آمنة وخالية من قناصة الموساد. اخرجوا واهتفوا بما شئتم ولن يصطادكم أحد بعد الآن. بثينة شعبان والمفتي وغيرهم وعدوا أن تظهر نتائج التحقيقات في جرائم العناصر المندسة والموساد في ساعات قليلة أو في القريب العاجل، لكننا لم نر شيئا من هذا إلا ذلك الشاب المصري العميل الذي كان يتحرك على ظهر براق ليقتل الناس هنا وهناك في وقت واحد.

بشار الأسد أصغر من بن علي ومبارك وصالح والقذافي بسنوات عديدة قد تصل إلى نصف أعمارهم لكنه مع ذلك يصر على أن يفعل مثلهم ويفكر بعقولهم وكأنه لا يعلم أن أمل بقائه على قيد الحياة يمتد إلى ثلاثين سنة على الأقل بينما هم يبدون على بعد أمتار قليلة من قبورهم. كان يحلو للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن يردد في أشهر فترة حكمه الأولى أنه لا يطمح لتحقيق أي شيء وهو في السلطة لأنه يعتقد أن مستقبله تركه وراء ظهره أي أن مجده صنع قبل عقود، لا يمكن أن يكون هذا ما يعتقده الرئيس الأسد لأنه من جيل غير جيل الحكام العاجزين المحيطين بنا، ولذا كان لا بد عليه أن يفهم قبل فوات الأوان أن معطيات القرن الواحد والعشرين تختلف تماما عن ما كنا نعرفه في عالمنا العربي قبل ذلك. على الأسد أن يدرك أنه لن يبقى ذلك الرئيس الخالد في كرسيه ولن يعود بإمكانه توريث أحد من أبنائه بل لن يضمن إن سلم من الانتفاضة الحالية أن يبقى في الحكم سنة أخرى على أقصى تقدير. ماذا عليه أن يفعل إذن إذا أراد أن لا يلقى نفس مصير نظرائه الذين دخلوا مزبلة التاريخ؟ عليه أن يؤمن إيمانا صادقا أن عهد التغيير دق باب سورية وسيدخله طوعا أو كرها وأنه لا ينفع أمامه صمود ولا تصد ولا تحد. عليه أن يدرك تماما أن الشعب السوري قد خنع وذل بما فيه الكفاية وأن شبح الخوف قد غادر عقولهم إلى الأبد وأنهم مصممون على أن يعيشوا حياة كريمة شريفة حرة أو يموتوا دونها. لن يبقى شهداء الحرية في درعا ودمشق واللاذقي وغيرها على هامش الذاكرة ولن تستطيع أية آلة قمع أن تسكت الألسنة عن ذكرهم مثلما كان الحال مع ضحايا حماة، الوقت تغير وسنة الله ماضية لا مبدل لها ولا قاهر. أمام الرئيس بشار الأسد اختياران لا ثالث لهما، أن يسجل سابقة في الحكم العربي الحديث ويعيد للشعب كرامته وحقه في اختيار من يحكمه بكل حرية وشفافية أو أن يعيش ما بقي له من حياة خائفا مرعوبا تطارده كوابيس الانتفاضة والثورة الشعبية. تذكر الآن أنك في زهرة شبابك ولا ترتكب أخطاء نظرائك فتضيع مستقبلك ومستقبل أفراد عائلتك الصغيرة من أجل منصب لم ينصبك فيه الله ولم يفوضك فيه شعبك. القرارات التي عليك أن تتخذها يجب أن تكون في قمة الجرأة والشجاعة، لن أمليها عليك أنا ولكن أنصحك أن لا تدع أمثال الشرع ولا المعلم ولا شعبان يملونها عليك. الأخبار تقول إنك ستلقي خطابك أمام البرلمان، هل هذه خطوة حكيمة واختيار سليم للمكان أم علينا أن نبدأ العد التنازلي لخطاباتك؟

====================

لماذا مزق اهل حوران صورة سيد المقاومة مع سيد القمع؟

رافي حداد

القدس العربي

30-3-2011

خطب السيد حسن نصر الله، فقال حازما جازما من دون لبس، إن الشعوب أرادت الحياة فاستجاب لها القدر. واتهم الأنظمة بانها بدلا من ان تبادر إلى حوار صادق وإجراء إصلاحات حقيقية وجدية، بدون مناورات ونفاق، بادرت إلى القمع والقتل والاتهام والاضطهاد والإهانة والإذلال، وكالت للثوار الشتائم وقيل انهم فئران وجرذان ومتعاطو حبوب هلوسة وطائفيون، واتهموا بالعمالة للقاعدة او أمريكا، وهذا عقد الأمور وعطل إمكانية الحوار، وبالتالي رفع من سقف مطالبات وتوقعات الشعوب.

وتابع السيد حسن تضامنه الصريح مع المستضعفين والتائهين والموجوعين في انحاء بلاد العرب، وخص اليمن والبحرين بقوله: دماؤكم وجراحكم ستهزم الظالمين والطواغيت، وتجبرهم على الاعتراف بحقوقكم المشروعة، ثم قفز السيد إلى ليبيا وجمرها متجاهلا بشكل تام ما يحصل في سورية.

لا نريد إحراج السيد حسن، وهو يعرف حوران جيدا، ويوما من الأيام قدّم لابن درعا وحوران رستم غزالة بندقية الشرف، التي ظفرها المقاومون من ضابط (إسرائيلي) غاشم.

فما كان من أهل حوران إلا ان مزقوا صورة للسيد حسن، بالحقيقة مزقوا صورة واحدة لا غير، وللدقة فصلوا تلك المصافحة بين سيد المقاومة وسيد القمع رستم غزالة. مزقوا تلك الصورة التي لا تليق بك يا سيد المقاومة، فدم أبنائهم الحار كان يسيل في الساحات وعيونهم مشرعة على كلام ك، وإذ بالخذلان حليفهم.

كانوا يقولون نعم للحرية، ولا للخ وف.. لا لفساد رامي مخلوف بالذات، وكل الفساد الآخر بالعام. قالوا ان الشعب لم يعد يريد أن ينذل تحت أي مسمى. كلها شعارات سلمية ليس بها خطر واحد على أي نظ ام، أو الرئيس الوطني، بل على العكس تعطيه الفرصة ليباشر فورا باستغلال الثق ة والأمل الذي داعب السوريين يوما بان التغيير ممكن، وإن الاصلاح السوري سيكون أنموذجا يحتذى، فسال دم عشرات الجرحى وخمسة قتلى.

هؤلاء هم أهلك وناسك يصرخون في وجه الظلم والقمع، حضنوا المقاومة وحموها بكل طوائفهم ومشاربهم وانتمائتهم. باسم المقاومة قبلوا أن تتحول حياتهم لبونات مازوت، وتشرد شبابهم في أنحاء الأرض بحثا عن لقمة رزق وصونا للمقاومة. تحملوا خلطات التجريب الاقتصادي والحريات المقننة والقوانين المفصلة على مقاس ثلة من رجال المال والأعمال والمنافذ. النفق الذي بدأ يدخل به المشهد السوري المطمئن، بالتأكيد يقلق السيد حسن قبل السلطة. ولكن حين يتكلم الدم السوري البريء مستصرخا، بأي ذنب سكبت، يصبح الصمت أقرب للخيانة.. انهم أهل سورية، إذا استكثرت على دمهم الطاهر في درعا كلمة عزاء علنا، نرجو ان تكون فعلتها سرا. وإنهم المعتقلون الوطنيون يتهمون بأشنع الصفات والألقاب وتسحل كراماتهم بالشوارع، فإذا كان هؤلاء هم عملاء مأجورين، يعني إنه يوما ما يمكن أن نصدق إنك عميل ومأجور 'حاشاك'.

نرجو أن تكون قد همست ولو من باب المحبة لمن يتحاور مع كل قوى العالم من الأعداء الالداء والسفلة التي اتسع لهم قلب سورية الكبير وضاق على أبناء شعبه. نرجوك ونتوسطك أن تخبره إن الدم السوري ليس رخيصا وان السوري لا يستحق هذا الظلم وهذا الحيف وهذه العنجهية. وإن قمع السوريين هو الخطر على المقاومة. إن زج أحرار سورية بالمعتقلات باسم إضعاف الشعور القومي وبث الوهن في جسد الوطن، هو الذي سيضعف روح المقاومة. فيا سيد المقاومة، لأن سورية المفعمة بالحرية هي سورية المقاومة حتما. ننتظرك في خطابك القادم ان تقول ما يستحقه الشعب السوري فعلا.

' كاتب من سورية

====================

تركيا لن تكتفي بالنصائح لإخراج سورية من أزمتها؟

الشرق الاوسط

سمير صالحة

30-3-2011

لا حاجة للتذكير مرة أخرى بتفاصيل التقارب التركي - السوري وإيجاز المراحل التي قطعها البلدان على طريق التعاون والانفتاح وتأطير العلاقات لتتحول إلى نموذج إقليمي يثير الغبطة والغيرة في الوقت نفسه. من النادر جدا أن نشاهد حالة مماثلة في منطقتنا، يتحول فيها خصمان لدودان بنيا كل سياساتهما على العداوة والاستنفار للانقضاض ولسنوات طويلة، إلى شريكين استراتيجيين يرفعان معا الحواجز والعوائق وحقول الألغام التي زرعاها لعقود على حدودهما الشاسعة المشتركة.

شبكة العلاقات الواسعة والتحالفات الإقليمية التي بنتها سورية في السنوات الأخيرة مع حركة حماس وحزب الله وإيران تحديدا، حظيت بشكل أو بآخر بمباركة وقبول ودعم تركي لا مجال للتشكيك فيه. استعداد دمشق مثلا للجلوس والتحاور المباشر مع تل أبيب وتغيير سياسة النظام السوري حيال الغرب، من الخطوات والمشاريع التي لعبت فيها حكومة العدالة والتنمية الدور الرئيسي، ولا أحد ينكر أو يخفي ذلك. دمشق رأت في أنقرة نافذتها على العالم الغربي وفرصتها الأهم في الخروج من عزلتها الدولية، وأنقرة كانت دائما تلعب الأوراق السورية، بوابتها على الشرق، في مسائل عربية وإقليمية حساسة.

حكومة العدالة والتنمية التي كانت صارمة مع النظامين المصري والتونسي، والتي واجهت تهمة «ازدواجية المعايير» في الموضوع الليبي، بدأت منذ الآن تعاني من ارتفاع أصوات المعارضة الداخلية التي انتقدت انفتاحها الواسع على سورية في السنوات الأخيرة، الذي قد ينعكس سلبا على سياساتها ومصالحها الإقليمية إذا ما تدهور الوضع السوري أكثر فأكثر.

أنقرة تعرف تماما أن أي زلزال سياسي تعيشه سورية في المرحلة المقبلة ستكون هي في مقدمة المتضررين من ارتداداته وآثاره السلبية. فسورية التي لا يمكن إنكار دورها في الصعود التركي العربي والإقليمي لا يمكن تركها وسط السحب والغيوم الدكناء التي ستتوعد تركيا بالأمطار والسيول الجارفة.

عاصفة قوية تهدد سورية التي لا بد أن تنال تركيا حصتها منها، هي الدافع الأهم الذي حرك أنقرة للمسارعة في وضع قائمة طويلة من الأولويات الواجب التعامل معها بجدية من قبل النظام السوري إذا ما كان راغبا فعلا في تجاوز هذه المحنة بأقل الخسائر والأضرار.

بيان الخارجية التركي الأخير المتعلق بأعمال العنف في المدن السورية والتمسك بالخطوات العاجلة لتحقيق الوعود المقدمة حول الإصلاح والتغيير السياسي والدستوري والاجتماعي والاقتصادي «وفي مقدمتها: الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون الطوارئ، وتوسيع رقعة الحريات الإعلامية، وتبني الكثير من مطالب المعارضة، سيكون ترجمة فورية لتماسك سورية الداخلي وسيعزز من موقعها ودورها الإقليمي»، يعني أيضا رغبة تركية في تجنب أي انعكاسات سلبية تهدد الداخل التركي.

اهتزاز النظام في سورية سيعني تضعضع البنية التحتية في أكثر من مدينة تركية، خصوصا القريب منها إلى المناطق الحدودية، وهذا ما تعرفه أنقرة جيدا بعد تجربة شمال العراق التي لا يعرف أحد أين وكيف ستحسم. والقيادة التركية لن تكتفي بأي أحاديث عن مأجورين ومحرضين وخونة ومؤامرات خارجية تستهدف سورية ودورها. فقرار التقارب التركي - السوري الواسع على هذا النحو بات يتركهما أمام وحدة القدر والمصير وضرورة التنسيق المشترك في التعامل مع الأزمة السورية لقطع الطريق على مخططات إضعافهما معا. ويكفي هنا الإصغاء إلى تحذيرات وزيرة الخارجية الأميركية، كلينتون، التي تحدثنا عن بدائل لا يمكن إسقاطها في الموضوع السوري «في حال أدان المجتمع الدولي ما يجري في سورية وقرر مجلس الأمن التحرك، فعندها يمكن التفكير بتدخل عسكري» لندرك حقيقة الرغبة الأميركية بعدم تفويت فرصة تدويل الأزمة السورية أيضا بكل ما تملك من قوة، ولندرك جدية أنقرة في دعم إخراج سورية من محنتها بأسرع ما يمكن وبأقل الخسائر والأضرار.

تركيا لن تكتفي بالنصائح والاعتدال والإصغاء إلى صوت الشارع السوري لإنقاذ الموقف رغم أصوات بعض الخبثاء في صفوف المعارضة التركية الذين بدأوا منذ الآن يحذرون القيادة السورية من الأخذ بما تقوله حكومة العدالة والتنمية لأنها إذا ما أقدمت على الخطوات الإصلاحية التي تدعو إليها حكومة أردوغان فإن النظام لن يصمد طويلا، والبعض الآخر الذي يردد أن إلغاء التأشيرات بين البلدين سيعطي نتائجه الأولية عندما يتحرك الآلاف من السوريين باتجاه الحدود التركية إذا ما تأزم الموقف أكثر فأكثر داخل سورية.

====================

الأسد بين المظاهرات والعزلة

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

30-3-2011

حين اندلعت أحداث حماة (فبراير 1982)، وجدت القيادة الثورية في إيران نفسها أمام امتحان عسير، حيث كان يجب عليها أن تختار ما بين حزب البعث (العلماني) الحاكم، أو الانتصار لثورة الإخوان المسلمين المسلحة الذين يقتربون كثيرا من فكر وأيديولوجيا الملالي الراديكاليين. لقد كان نظام الأسد والإخوان المسلمين من أوائل من اعترف بالثورة الإيرانية، حيث قدمت سورية دعما لوجستيا لإيران في الحربين العراقية واللبنانية، وطرحت نفسها سفيرا للمصالح الإيرانية بالذات مع الاتحاد السوفياتي والدول العربية. أما «الإخوان» فقد اعتبروا الثورة الإسلامية في إيران دليلا على تعطش المنطقة للنموذج الإسلامي للحكم، وراهن عدد من دعاة «الإخوان» على تحول الثورة الإيرانية إلى أداة دعم واستقواء في وجه الأنظمة العربية القائمة حينها. بيد أن مرحلة التوافق والانسجام بين «الإخوان» والنظام الإيراني انتهت حين أعلن علي أكبر ولاياتي - وزير الخارجية السابق - عشية أحداث حماة أن إيران تقف إلى صف الرئيس حافظ الأسد معتبرة إخوان سورية «عملاء أميركا والصهيونية». منذ ذلك الحين وقفت طهران إلى جانب الرئيس الأسد في أكثر الظروف صعوبة، وحتى عندما كان يحتدم التنافس بين أتباع الطرفين في لبنان فإن طهران كانت تراعي على الدوام خصوصية العلاقة مع سورية.

اليوم، يواجه النظام السوري تحديا كبيرا لمشروعيته في هيئة مظاهرات شعبية عارمة في عدد من المدن السورية، ولعل السؤال الذي يشغل المراقبين يتعلق بمستقبل المحور السوري - الإيراني الذي ظل قائما منذ 1979، وهل بوسعه الاستمرار في حال تغير النظام؟

ما يحدث في سورية هو تحد حقيقي لمشروعية الرئيس بشار الأسد وحزب البعث السوري، وسيعتمد بقاء النظام على قدرته على احتواء السخط الشعبي، ولكن من المؤكد أن استمرار المظاهرات العنيفة وانتقالها إلى العاصمة دمشق من شأنه أن يعزز من إمكانية رحيل الرئيس أو تغيير النظام. في الوقت الراهن تحاول السلطات السورية الاستعانة بمزيج من القوة الأمنية على الأرض، وتقديم إصلاحات (تنازلات) غير مسبوقة بغية التخفيف من اتساع رقعة العصيان المدني، وهي قد شددت في أكثر من مناسبة على الطابع «الطائفي» للمظاهرات، وهذا صحيح. حزب البعث السوري كان ولا يزال يضم نسبة كبيرة من الطائفة السنية، وقياداته تضم في صفوفها كثيرا من المنتمين لطوائف مختلفة، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن التعددية الطائفية داخل الحزب قد مالت في العقدين الأخيرين باتجاه الطائفة العلوية تماما مثلما حدث في حزب البعث العراقي الذي أصبح سنيا بامتياز منتصف الثمانينات. كانت هناك أسباب موضوعية لهذا التغير لعل أهمها تكرار محاولات الانقلاب من قبل ضباط سنة إما بتحريض من بعث العراق خلال السبعينات، أو نتيجة للشرخ الطائفي بين السنة والعلويين الذي أحدثته انتفاضة حماة المسحلة.

لقد كان النظام السوري الذي تجاوز عمره أربعة عقود قادرا على تجاوز عدد من التحديات، مثل حرب 1973، وحتى محاولات الانشقاق بين رموز نظامه كما حدث في 1984، 1991، 1999. بيد أن مشروعية النظام في الداخل كانت دائما محل تساؤل، وقد لجأ النظام إلى الحزم الشديد في إدارة شؤونه الداخلية، وتفتيت أي محاولات لبناء أحزاب سياسية، أو ظهور آراء خارج مظلة السلطة، ولكن سلاح النظام كان ولا يزال هو في استخدامه لورقة «الممانعة» ضد السلام، واستغلال المجموعات الفلسطينية واللبنانية في التأثير على الرأي العام العربي، ويمكن القول إن سورية تمكنت من رسم صورة «عروبية» قومية، وفرض احترام كبير للرئيس حافظ الأسد في المنطقة كشخصية سياسية قوية ومؤثرة. ولهذا يجادل بعض الخبراء بأن سورية لم تكن لتستطيع التضحية بمواقفها الخارجية وتوقيع اتفاقية السلام دون التفريط بمشروعيتها الإقليمية.

تمتعت سورية بالمشاركة في المحور الثلاثي (السعودية، مصر، سورية) منذ منتصف التسعينات، وساهم هذا الدور في تعزيز موقع سورية، وانفتاحها اقتصاديا على الاستثمارات الخليجية، ولكن مع مجيء الرئيس بشار بدأت سورية متذبذبة في مواقفها، وقد كان للحرب على العراق في 2003 دور كبير في اتجاه سورية نحو التشدد والتعنت في مواقفها الإقليمية. أحس النظام السوري بأنه هو المستهدف بالضغوط الأميركية، ولهذا بدأ حربا استخباراتية لزعزعة الاستقرار في العراق، واغتيل الرئيس الحريري في ظل الوصاية السورية على لبنان، ومع صعود المحافظين والحرس الثوري في إيران تحول الأسد إلى طرف استراتيجي في المخطط الإيراني، وتحولت سورية بمرور الوقت من ند وشريك لإيران إلى مجرد شريك أصغر يتساوى في قيمته مع حركة مسلحة مثل حزب الله. حاولت بعض الدول العربية فرض عزلة على سورية بغية دفعها نحو تخفيف ارتباطها بمشروع محمود أحمدي نجاد، وقد قدمت لسورية في 2007، و2008، و2009، و2010 مبادرات كثيرة لمحاولة حضها على تغيير مواقفها المتشددة والمتصلبة، ولكن دون جدوى. فقد كان الرئيس بشار يسارع لقبول المبادرات، ولكن دون أن يقدم في المقابل أي شيء إلا بعد التوافق مع إيران مما دفع الكثيرين للاعتقاد بأن النظام لا يملك غير إلقاء المحاضرات المطولة للزوار، وأن الحل موجود في طهران لا دمشق.

في بداية الانتفاضات الأخيرة سارع الرئيس بشار الأسد إلى إجراء حوار مع صحيفة «وول ستريت جورنال» (31 يناير) قدم فيه كلامه المكرر عن أسلوب الحكم منتقدا - بأسلوب يشوبه الاستشفاء - الرئيسين التونسي والمصري بوصفهما لم يستجيبا لرغبة الشعب في «المقاومة»، قائلا إن سورية حصينة ضد ما حدث لأن النظام لم يفرط في المقاومة في وجه إسرائيل كما فعل الآخرون، ولكن بعد مرور ستة أسابيع أصبح الأسد يواجه ذات المصير، وهو ما يعني أن «المقاومة» ليست حصانة ضد مطالب التغيير. حاليا، يحاول النظام السوري الطلب من بعض الدول العربية مساندته، وهي ذات الدول التي وصفها الأسد في خطاب سابق «بأنصاف الرجال». وفي حين بادر الأميركيون والأوروبيون وبعض الدول الخليجية إلى مواجهة القذافي بسرعة، فإنها لا تمارس ذات الحماس في انتقاد تعاطي السلطات السورية مع المتظاهرين وأحداث الشغب، حيث قالت هيلاري كلينتون إن الولايات المتحدة لا تنوي التدخل العسكري، وإن «سورية غير ليبيا»، بل وذهبت للحد الذي وصفت فيه الأسد بالقائد «الإصلاحي».

حتما هناك خلل - وانتقائية - في التعامل مع الأزمات التي تعصف بدول المنطقة، فحتى نظام القذافي خلال العقد الأخير كان يوصف بأنه يتجه نحو الإصلاح، ولكن رأينا النتيجة واضحة في إصرار النظام على البقاء تماما كما كان الحال عليه في حماة 1982. يبدو أن الولايات المتحدة وإيران - وربما إسرائيل - لأول مرة متفقون جميعا على ضرورة بقاء النظام السوري، وأن سقوط النظام قد يعصف بمصالح الجميع، ف «الشيطان الذي تعرفه خير من الشيطان الذي لا تعرفه».

يروي باتريك سيل في كتابه «الأسد: الصراع من أجل الشرق الأوسط» (1988) أن الرئيس حافظ أصيب في نهاية الثمانينات بحالة كآبة، وبدا أنه لا يخرج من مكتبه المحصن أبدا، ولا يتعاطى مع جنرالاته ووزرائه إلا عبر الهاتف. أحيانا كان يستدعي السفراء الأجانب في منتصف الليل ليحدثهم عن تاريخ سورية حتى ساعات الصباح الباكر، ويطلب من حراسه إعداد أكواب الشاي. في ذلك الوقت خطفت مجموعة إيرانية مسلحة ضابط استخبارات سوريا في طهران، انزعج الأسد من الحادثة لارتباط المجموعة بحزب الله في لبنان، ولهذا هدد طهران بقطع العلاقات ما لم يتم تسليم الضابط في ظرف 48 ساعة، وهو ما كان. استفاد الرئيس حافظ من الدرس، ولهذا اتجه نحو الانفتاح على بعض الدول العربية وتقليص الاعتماد على طهران، ودعم اتفاقية الطائف رغم التحفظ الإيراني وعدم مشاركة حزب الله، بل وتقاربت دمشق مع إدارة الرئيس بيل كلينتون حتى خشي الإيرانيون في 1998 أن الأسد على وشك التضحية بالعلاقات معهم.

اليوم، تعاني العلاقات السورية - الإيرانية اختبارا كبيرا، ولكن من المؤكد أننا سنشهد تحولات كبيرة.

=========================

قوات التحالف الإعلامي السوري تفتك بشعبها

محمد منصور

2011-03-29

القدس العربي

الإعلام السوري لا يحترم جمهوره ولا يحترم قضايا ناسه، ولذلك فالمسؤولون السوريون لا يحترمونه، بل يعاملونه كتابع ومستخدم... بالأمس وضعت قناة الإخبارية السورية خبرا عاجلا نقلا عن وكالة (إ.ف.ب) هو إعلان رفع قانون الطوارئ.

الفضائية التي أنشئت بأموال السوريين وقال لنا مديرها د. فؤاد شربجي انها (مستقلة يمولها المجتمع السوري) حرمها المسؤولون السوريون (بمن فيهم بثينة شعبان التي تربطها صداقة شخصية مع مدير القناة) من الانفراد بأهم خبر سياسي وحقوقي صدر في سورية منذ أكثر من أربعة عقود، الا وهو رفع العمل بقانون الطوارئ، الذي نشرته الإخبارية نقلاً عن وكالة أجنبية!

ليس هذا فقط، فتسريب الخبر الذي لم يوضع قيد التنفيذ بعد، لوكالة الأنباء الفرنسية، يعبر حقيقة عن تعالي السلطات السورية على مواطنيها، وكأنها تقول ان الخبر موجه للخارج وليس إلى الداخل، ولذلك لم تنفرد به (وسائل إعلامه) مع أن بثينة ردت بعنف أثناء حديثها مع قناة بي بي سي على مفوضية حقوق الإنسان، التي انتقدت في وقت سابق التناقض بين الأقوال والأفعال في حديثها عن الإصلاحات، ثم ضرب المحتجين وقتلهم واعتقالهم، وقالت إننا لا نعمل لدى مفوضية حقوق الإنسان..

لا أريد العودة للحديث عن هذا القرار الملتبس الذي تم اتخاذه، لكن السيدة شعبان قالت (إنها لا تعرف متى يفعّل) فهذا أمر مفهوم بالنسبة لغالبية الشعب السوري، الذين عاشوا على الوعود والتسويفات الإصلاحية منذ عقد ونيف، لكنني أريد أن أعود للحديث عن هذا الإعلام السوري الذي يدق بغبائه أسافين في نعش الاستقرار والنهوض من الازمة... مستخدماً كل الحجج والذرائع التي استخدمها نظيره المصري بلا أي تعديل، وأدت إلى سقوطه وسقوط النظام الذي كان يدافع عنه، شر سقطة!

حين يظهر وزير الإعلام السوري محسن بلال ليقول إنه لا شيء يجري، وان الهدوء يسود سورية، وانهم قبضوا فقط على بعض الإرهابيين والمخربين، فيما الناس ترى على المحطات الأخرى صوراً تقلع العين للمظاهرات والاحتجاجات في درعا ودمشق واللاذقية وحمص وحماه ودوما والمعضمية، فإنه لن يقول للشعب السوري بأكمله وبصريح العبارة: (أنا أكذب عليكم... فلا تصدقوني ولا تثقوا بإعلامي بعد ذلك) وحين تظهر بثينة شعبان لتقول على قناة (بي بي سي) إن هؤلاء مجموعات صغيرة جداً يظهرون في مدن كثيرة فيما الصور تكذبها، وتسحب منها أي رصيد للمصداقية يمكن الوثوق به، فإنها تقول للشعب السوري أيضاً نفس الكلام!

وحين يتهم التلفزيون السوري في سيناريو مكرر اعتاد عليه السوريون ردحاً طويلاً، عناصر خارجية مندسة، ويظهر اعترافات شاب مصري كل تهمته، حسب التلفزيون السوري، أنه (تلقى أموالا لقاء التقاط صور) فإن السوريين الذين يعيشون عصر الفيسبوك واليوتيوب وكاميرات الهواتف النقالة وكاميرات الديجتال، سيضحكون ملء أشداقهم من هذا الغباء الإعلامي الذي لا يصدق... فمواقع اليوتيوب باتت تحوي أطناناً من مقاطع الفيديو، التي يصورها مواطنون سوريون، ولا تحتاج لدس عميل مصري بهذه الطريقة الساذجة ودفع (مئة جنيه مصري) عن كل صورة!

الإعلام السوري يتعامل مع السوريين على أنهم مجموعة من الأغبياء والمعاقين الذين يصدقون أتفه السيناريوهات، والذين يعيشون تحت الأرض في ملاجئ ليس فيها فضائيات ولا انترنت ولا فيسبوك، ويرون شاشة التلفزيون السوري من خلال هوائي محلي من عصر الانفرادات الحصرية للتلفزيون اليتيم!

لقد اعتاد وزير الإعلام السوري أن يتحدث بنفس الصلف والعنهجية والإنكار الاستعلائي، الذي ظل يمارسه طيلة سنوات توليه الوزارة، من دون أن يقول له أحد من العقلاء والحكماء الذين يدعون الناس إلى التعقل والحكمة الآن: (عيب عليك... استح... كفى) واعتاد أن يخرج شهادات الوطنية والتخوين من جيبه المملوء بالعار المهني... من دون أن يقول له أحد قبل أن تخوّن الآخرين أصلح هذا الإعلام المنهار الذي تقوده منذ سنوات إلى قعر الهاوية!

لا نريد الآن أن نفتح سجل وزير الإعلام الحافل بقرارات المنع والمصادرة وإيقاف البرامج، وتعطيل المحطات، ومنع توزيع أعداد بعض الصحف الخاصة، وهواتف الاستعداء الأمني على الصحافيين والتنكيل بهم... فهذه محفوظة في سجله، والصحافيون الذين يوثقون هذا كله، لن ينسوا ولن يسامحوا ولن يغفروا أنه حول حياتهم إلى جحيم وعشقهم لمهنتهم إلى محنة... لكننا نريد أن نتأمل هذا الأداء الإعلامي المهين للشعب السوري، والمسيء للنظام القائم في واحدة من أصعب اللحظات التي تمر بها سورية... لقد جعل السيد الوزير من الإعلام، الذي يمثل صوت بلدي، سخرية القاصي والداني... وهو يضيف إلى تلك السخرية الآن، حالة التخريب التي يمارسها هذا الإعلام الكاذب والمزور، الذي يعطي صورة سوداء عن النظام الذي يمثله معه كل أسف!

في درعا هتف الناس ضد الإعلام السوري ورفعوا لافتات تندد به كما، نقلت صور إحدى المحطات... لقد تحول إعلام الكذب والسيناريوهات الغبية والاعترافات المصورة كاريكاتورياً، إلى رمز من رموز الكراهية، وإلى سلاح من أسلحة الاستفزاز، في الوقت الذي تتحدث بعض الأصوات عن تهدئة الخواطر واحتواء التوتر... وقد جر السيد الوزير ومعه الكتيبة الأمنية التي لا ترى في الإعلام سوى حالة ولاء أعمى وهتاف يلغي العقل والمنطق، القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية المسماة (خاصة) إلى نفس الدرك، فجعلوا منها قوات تحالف تنكل بالحقيقة وتستفز المشاعر... وقد اتصل بي أحد العاملين في قناة (الدنيا) السورية وهو يبكي ويقول إنه يشعر بالألم أن لقمة العيش تضطره أن يستمر في العمل في هذه القناة، التي وصفها أوصافا أربأ عن ذكرها، وهو يرى من داخل المطبخ كيف تزوّر الأخبار وتفبرك الاتصالات، وتقلب الحقائق... ثم يتهمون الآخرين بذلك، وهم يعلمون بينهم وبين أنفسهم أن التهم مردودة إلى نحورهم!

الخاسر الأكبر من هذا الإعلام الكاذب هو الوطن الذي يمر بهذه اللحظات العصيبة... ثم النظام الذي سكت عن حال الإعلام وعن بقاء وزيره متفرعناً كل هذا السنوات، وهو يصم أذنيه عما يكتب عنه من انتقادات مرة، ويستدعي من يقع تحت طائلة يديه إلى فروع الأمن ليجبرهم على كتابات تعهدات قسرية بالصمت وبلع الغصة والألم، من أجل أن ينعم السيد الوزير ومحظيوه بالمنصب والجاه والمكتسبات، فيما يشقى الإعلام بمزيد من الفشل المهني والعجز عن إيصال أية رسائل عادلة أو محقة إلى شعبه... لقد خسر الناس في وقت أحوج ما يكونون فيه إلى إعلام وطني صادق، خسروا صوتهم وصورتهم وألمهم، وصاروا مشردين بين المحطات يبحثون عن تأكيد الخبر أو نفيه من هنا وهناك، ويستجدون (الجزيرة) أو (العربية) أن تقف معهم كي تبدد سحب الكذب والتزوير التي تملأ سماء إعلام الوطن... فهل سأكون خائناً وعميلاً ومدسوساً إذا تجرأت على كتابة هذا الكلام، في هذه اللحظات التي ما عاد مقبولاً فيها السكوت على ما وصلنا إليه؟!

د. جورج جبور: الفرضية البريئة!

خلال مشاركته في برنامج (أجندة مفتوحة) على قناة (بي بي سي) عبر هيثم مناع عن ألمه من أن يدافع د. جورج جبور عن قتل شبان أكبرهم في سن أحفاده، وهو الذي كان مرشحاً لرئاسة مفوضية حقوق الإنسان، حين قال هل الذين قتلوا في الصنمين بعد هجومهم على مقر الجيش الشعبي كانوا يحملون حجارة ام يطلقون النار؟! إذا كانوا يطلقون النار على الجنود... فهل على من يحمل سلاحاً في الطرف الآخر ألا يطلق النار وينتظر حتى يموت؟!

سؤال يلقيه الدكتور جبور ببرود أكاديمي رصين، معتمداً على فرضية مدروسة، فهو لا يؤكد ان المتظاهرين مسلحون ولا ينفي... لكن هذه الفرضية (البريئة) تسمح له بأن يجد منفذاٌ للتشكيك، ولوضع الضحية والجلاد في مقام واحد... ما هذه اللعبة المكشوفة التي لا تنطلي حتى على ضمير د. جبور نفسه؟ ما هذه المراوغة التي تليق بشخص يظهر بالصوت والصورة من استوديو التبادل الإخباري في التلفزيون السوري، حيث يخلع الداخلون إلى هذا المبنى مصداقيتهم وولاءهم الأخلاقي لدم الشهداء عند مفزرة الأمن التي تحرس هذه المؤسسة الإعلامية... على من يضحك الدكتور جورج جبور، في هذه اللحظات التي يعيش فيها الشعب السوري ملحمة الحرية والحق والعدالة، بعد سنوات من الإذلال وامتهان الكرامة والفساد، الذي نأسف عميق الأسف، أن محاربته طيلة سنوات مجرد حبر على ورق؟! هل الأمر مجرد وجهة نظر؟! هل ستكون هذه هي وجهة نظر الدكتور جبور لو أن أحد أولاده أو أحفاده قتل على يد أجهزة الأمن وهو يخرج في تظاهرة سلمية (مندسة) للمطالبة بالحرية!

نعم... أضم صوتي إلى صوتك يا هيثم مناع الذي يشعر بالألم من أن يكون د. جبور، هو نفسه المرشح لرئاسة مفوضية حقوق الإنسان، لكن الألم لا يكفيني هنا... فأنا أشعر بالعار من أن يكون دم السوريين رخيصاً عند رجل كان عضوا في مجلس الشعب... الشعب الذي لم يحصد من أعضاء المجلس المؤتمن على مصالحه... سوى مثل هذه المكافآت من قبل ومن بعد!

ناقد فني من سورية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ