ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 05/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

ورطة حماس في سورية

ياسر أبو هلالة

03/04/2011

الغد الاردنية

يمكن طرح سؤال كبير: هل يمكن لقيادة حماس أن تنتقل إلى القاهرة؟ هذا السؤال لم يكن مطروحا من قبل. بعد سقوط مبارك يمكن طرحه. فبيان حماس عن الأوضاع في سورية، يشي بعبء الاستضافة. فالأصل أن حماس لا تتدخل في الشؤون الداخلية العربية. وهي امتداد عضوي وفكري لجماعة الإخوان المسلمين المعارض الأساسي لنظام البعث. وقانون 49 الذي ينص على إعدام كل من انتمى لجماعة الإخوان المسلمين ما يزال فاعلا، ويمكن تطبيقه على قيادة حماس. البيان لا يقول شيئا مهما، وتمنى الخير لسورية. لكن من حق المعارضين لحماس أن يعتبروه وقوفا إلى جانب النظام.

وقفت حماس مع الثورات العربية. وكانت أسعد الناس بسقوط نظام مبارك وبن علي. في سورية لا يتوقع لها أن تتخذ نفس الموقف. فسورية داعم حقيقي للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ودفع النظام كلفة عالية لذلك. وهو مصنف ضمن الدول الراعية للإرهاب ليس لأنه قمع المعارضة في الداخل، بل لأنه يدعم المقاومة. وتستطيع سورية أن تبيع المقاومات أو تساوم عليها، لكنها ظلت ملتزمة بموقفها التاريخي في الصراع العربي-الإسرائيلي. وبما أن الدول ليست جمعيات خيرية، فإن سورية تحاول الاستفادة من موقفها الممانع في مواجهة الاحتجاجات، أو الثورة، سواء في علاقتها مع حماس أم تركيا أم قطر. كان موقف رجب طيب أردوغان لا يقل حرجا عن موقف خالد مشعل عندما تحدث عن اتصاله بالرئيس السوري، فذلك الموقف مختلف كثيرا عن موقفه من الثورة في مصر. وهذا الحرج ينطبق على قطر أيضا. وامتد الحرج إلى المعارضة الأردنية التي تغاضت عما يحدث في سورية، دعما لممانعتها.

يخطئ النظام السوري عندما يعتقد أن حماس تستطيع أن تدعمه في مواجهة شعبه. على العكس، بإمكانه أن يستثمر علاقاته في حماس وتركيا وقطر من أجل تفكيك لغم الطائفية. فعلى رغم أجواء الاحتقان المذهبي التي عبرت عنها اتصالات تتهم عناصر إيرانية ومن حزب الله بقمع المتظاهرين، إلا أن أحدا لم يتهم حماس أو تركيا.

أجواء الشحن المذهبي مفهومة، حتى في إيران اتهمت المعارضة حزب الله بقمعها، وهذه لعبة سخيفة تستدر دعم اللوبي الصهيوني. لدى

حزب الله ما يشغله عسكريا وأمنيا وسياسيا. حماس حركة سنية، وهي امتداد عضوي لجماعة الإخوان المسلمين التي قاتلت النظام وقاتلها. وهي تحظى بثقة الطرفين وقادرة على فتح قنوات حوار على مستوى رسمي وشعبي.

إن معاداة إسرائيل لا تعطي ضوءا أخضر لأحد لقمع الناس، سواء كان عبدالناصر أم حماس أم صدام حسين أم إيران أم بشار الأسد. الناس التي تعارض النظام، وهو يعرف جيدا، أكثر منه جذرية في عداء الصهيونية. وهم مستعدون للمصالحة مع النظام في ظل الديمقراطية واستمرار المواجهة مع العدو الصهيوني. لذا هتفوا وهم يحملون قتلاهم في درعا "يا ماهر يا جبان.. ودي جيشك للجولان".

في مصر تبين بعد الثورة أن الموقف من إسرائيل تغير من تحالف إلى جفاء. ولم نسمع كلاما إيجابيا فقط عن غزة، وإنما عن إيران. ولذا على حماس أن تفكر جديا بالرحيل إلى القاهرة إن وصلت الضغوط عليها إلى درجة أن تكون في مواجهة الشعب السوري. المؤكد أنها لن تكون.

=====================

عمّان السياسية حين تنسى سفارة دمشق!

ماهر أبو طير

الدستور

4-4-2011

سكت كثيرون لدينا،على ما يجري في سوريا،ولم نسمع بياناً يندد بقتل الناس، ولم نرَ تحشيداً أمام سفارة دمشق في عمان للتنديد بقمع الشعب السوري، مقارنة بسفارات اخرى.

قدرّنا كثيراً رؤية الآلاف من شعبنا أمام السفارة المصرية في عمان، بعد سقوط الرئيس المصري محمد حسني مبارك،وقد رأينا قبل ذلك مئات ذهبوا الى السفارة التونسية في عمان.

الشعب العربي واحد،والدم واحد، غير ان السياسة ليست واحدة. اذا كانت قوى سياسية محترمة كجماعة الاخوان المسلمين على صلة ايجابية بدمشق لاعتبارات كثيرة، فأن هذه الصلة يجب ألاّ تمنع التنديد بقتل الناس وجرحهم في سوريا.

مشكلة الذهنية العربية انها لا تقبل التنوع، فاما تريدك مع جماعة الاخوان المسلمين، في كل شيء، واما انت خصمها وعدوها، وهذا ليس منطقياً، لان محاسبة المواقف تتم على أساس كل موقف،دون ارضية مسبقة،بتأييدهم او معاداتهم،كحزمة متكاملة.

ليسمح لي الاخوة والاصدقاء الاعزاء في الحركة الإسلامية، بسؤال حول سر سكوتهم على ماجرى في سوريا،مقارنة بمواقفهم الاخرى ضد أنظمة سياسية ذبحت أناس وسجنتهم وجرحتهم. أليس الدم العربي والمسلم واحداً؟!.

لا يفيد التذكير بموقف دمشق الرسمي قبل عقود تجاه الاخوان المسلمين في حماة والمدن السورية الاخرى،حتى لاتبدو القصة تحريضاً سمجاً، لكنها تثير السؤال من جهة اخرى،حول دم الناس،وحول آلاف الإسلاميين السوريين الممنوعين من دخول سوريا.

للاخوان المسلمين في الأردن مواقف عظيمة في قضايا كثيرة، غير انه لا يجوز «الجهر» في حالة بالغضب،والسكوت على حالة اخرى،لان الرأي العام يرقب «الحدة» في الكلام في حالات، و»التهدئة» في حالات اخرى.

دعم دمشق للمقاومة لا يعطيها الحق بالرد على الشعب السوري بالرصاص الحي،وبقتل المئات، واعتقال المئات، لاننا في هذه الحالة نقول للشعب السوري ان دمشق الرسمية تدعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية،وبما انها كذلك سنسكت على ذبح السوريين!!.

هذا غير اخلاقي ابداً.لان الشعب السوري يراقب مواقف الجميع،وإذ كنا لا نحرض على الفوضى في سوريا العزيزة ولا على اسقاط النظام،ونؤيد الانفتاح والاصلاحات،ونتفهم موقع سوريا الحرج،الا ان كل هذا لايعفينا من موقف اخلاقي لصالح أهلنا في سوريا.

القوى السياسية النشطة لدنيا من جماعة الاخوان المسلمين وبقية الحراكات اليسارية،اغلبها سكت أمام محنة الشعب السوري،وهذا يثبت ان المواقف السياسية قابلة للتبدل وفقاً للمصالح والعلاقات والحسابات.

لانريدهم ان يهتفوا بسقوط النظام السوري، لكننا كنا نتمنى لو سمعنا صوتاً عالياً يتجرأ ويدافع عن حرمة الدم السوري، كذات الاستفزاز أمام دم المصريين والليبيين والتوانسة واليمنيين.

رحم الله الآلاف من شهداء سوريا،من حماة،الى درعا،ومابينهما،وهدى الله الصامتين!!.

===============================

سورية شعبا ونظاما في طليعة الثورة العربية الجديدة؟

مطاع صفدي

2011-04-03

القدس العربي

 يسألني أصدقاء إن كنت سأصدّق أن نظام سورية سوف يُصلِح نفسه بنفسه. والواقع أنني لا أملك جواباً حاسماً. لن أقول مرة واحدة ان إرادة التغيير مازالت غائبة كلّياً من أوساط مراكز القوى. لكن الاختلاف حول وسائل التغيير وحدوده، قد أصاب مؤسسات السلطة بالجمود والتخثر.

مازلتُ مقتنعاً أن الرئيس بشار جاء إلى السلطة قبل أحد عشر عاماً، على أكتاف عاصفة من آمال الإصلاح. لكن سنوات الحكم المتوالية عَلَّمته حقائق متناقضة؛ فمن ناحية تضاعفت خبرته بأعطال الدولة والحزب والمجتمع. إلا أنه في الوقت عينه زوَّدته هذه الخبرة عينها بمشاعر ملتبسة، منها ذلك الإحساس باللاجدوى المسبقة من أية محاولات فوقية لن تتناول إلا مناحي معينة من الجسد العليل، لكنها دون القدرة على الإطاحة بالأعطال الكبرى.

أهل النظام في الشام هم الأدرى بأحواله. أحاديثهم فيما بينهم تتناول الأعراض والأسباب، لكن دون اقتراح الحلول. الأسد نفسه هو أول المنتقدين. وقد يشاركه في ذلك أركان النظام. فأين هي العلّة حقاً. هذا السؤال انتُظر أجوبته طويلاً وعبثاً، حتى انفجر الشارع الشعبي. ما يعني أن النظام عاجز عن إصلاح نفسه وحده، لابد له من شراكة تأتيه من خارجه كلّياً. لعلّها هي أخيراً شراكة المجتمع المحكوم. وهنا يصبح السؤال بالغاً صعوبته الواقعية، إذ كيف يمكن لِقِمَّة الهرم أن تتفاعل مع قاعدته. كيف تتغير علاقة السيد/العبد، إلى علاقة السادة فيما بينهم جميعاً. إلى أيِّ حدّ سوف تَقْبل مراكز القوى بهذه الشراكة، وأية صيغة ستتخذها علاقات القوى الجديدة.

بعيداً عن المصطلحات والتسميات (المدنية) المحفوظة والمتداولة إعلامياً وشعبياً، من سلالة الديمقراطية ومشتقاتها في الحرية والعدالة والشفافية في الأخلاق والسياسة..إلخ، فإن انفجار الأزمة في سورية اليوم له شكل واحد، هو تنازع القوى المتناقضة ما وراء مختلف الشعارات والمواقف والتأويلات. ولعلّ صراع مراكز القوى في بنيان النظام لن يقلَّ احتداماً صامتاً حتى الآن، عن صراع السلطة والمعارضة. فما يوحّد قِمَمَ السلطة في هذه المرحلة هو شدَّة التحدي غير المسبوق الذي يواجهها. ومع ذلك فإن ردود فعلها قد تبقى قيْد الكتمان إلى وقتٍ ما، لكنها في واقع الأمر سوف تغدو عواملَ تفْرقةٍ ما بين أقطابها الرئيسية. فالفلسفة التي قام على أساسها نظام الحكم السوري منذ نشأته الأولى من رحم الانقلابات العسكرية اللاغية لبعضها، بَعْد سقوط تجربة الوحدة الأولى خاصةً، أوائلُ ستينيات القرن الماضي، هذه الفلسفة اعتمدت مبدأ الحكم الأُحادي القوي، الجامع لمختلف خيوط السلطتين العسكرية والمدنية، ضمن قبضة حديدية، لا تقبل نقاشاً أو حواراً أو معارضة، من الأقربين أو الأبعدين. كان لهذه الفلسفة غطاءٌ سياسي خارجي أثبت نجاعته (سلطوياً) طيلة عقود، ومازال مستمراً بين عهديْ الأسديْن، الأب والإبن. نسيجُ هذا الغطاء لُحْمةٌ وطنية قطرية صامدة، مطعّمة بشعارات قومية فضفاضة. هنالك حدود دُنيا لسياسة إقليمية ودولية لا تهبط دون استقلالية الرأي الوطني المؤالف ما بين مصلحة أهل الحكم وتأويلات ظرفية لمبدأ السيادة (السورية)؛ كما أن هذه الحدود لا تتصاعد إلى مستوى ثوريات ذلك العصر المفعم بأعنف الاستقطابات الدولية، وانعكاساتها اليومية على مجمل الخارطة العربية.

لم تكن مسألة الزعامة الشخصانية مطروحة إبان الحرب الباردة، لا غربياً ولا شرقياً. فكان أمراً مقبولاً أن تتزعم الأيديولوجياتِ المتصارعةَ رموزٌ نضالية مُتَنَفّذة، بحيث يمتزج الشخص كلّياً مع مبادئ (ثورته) وإنجازاتها العملية. وهي في الدرجة الأولى إنجازات لمواقف سياسية.. أو ثورية مقننة غالباً. ولقد سيطر محور الصراع العربي الإسرائيلي على أوليات كل أيديولوجيا عربية آنذاك، كما على أنظمتها وزعمائها. ولم تكن سورية أبداً قادرة، وفي أي ظرف سلطوي أو سياسي مرَّت به المنطقة. على مبارحة دورها المركزي من محورية هذا الصراع؛ ما يمكن قوله أن مجتمعات المشرق كانت مُعَسْكَرة بإرادتها واختيارها. كما كان أمراً طبيعياً أن تُقاد بحزب (ثوري)، وأن يكون رئيس الدولة قائداً عسكرياً قبل كل شيء. لكننا لا نقول، متسرعين، أن هذه الهيكلية قد عفا عليها الزمن كلياً الآن. ليس هذا، لكون الوضع الدولي قد تجاوز انقسامه الأيديولوجي الحاد بين الرأسمالية والإشتراكية، وأن العالم العربي قد تناسى تناقضه الدهري مع الصهيونية. فالمايحدث الواقعي هو أن عَسْكَرة المجتمع قد فقدت تسويفها بالثورة ومنطقها وضروراتها الحقانية والنضالية. أمست عَسْكَرةُ المجتمع بدون غطاء الثورة، ما أن دُفعت المنطقةُ إلى مستنقعات الحلول السلمية الزائفة مع العدو؛ فالعسكريات الحزبية والمجتمعية والسلطوية أمست عاطلة عن العمل، محرومة من مهماتها العمومية. بعدَها، ليس غريباً أن يستيقظ المجتمع المدني من تحت ركام الإنتظارات اللامجدية لتحقق الإنتصارات المطلقة، مطالباً باسترداد حقوقه الذاتية، تلك الحقوق التي لم يتنازل عنها تحت طائلة الحق المطلق للثورة، بل كأنه قَبِلَ بتأجيلها مرحلياً ريثما تنال (الأمة) استقلالها التاريخي التام؟

ما تعلن عنه هذه اليقظةُ العارمة يتلخّص في مبدأ الاعتراف بالحاجة الأخلاقية لمجتمعات الأمة في استرداد مشروعية وجودها الإنساني قبل أية مشروعية أخرى، حتى وإن اتصفت بالثورية أو المدنية، فلعلّ العطب الأصلي الذي اشتكت منه ثوريات القرن العشرين هو افتقادها للوازع الإنساني، في أفكارها المؤدلجة قبل أن تتجسد في إنجازاتها وانعطافاتها الدرامية الحاسمة، والمُحْبطَة في معظمها. ولقد كان تعلّم الغربُ من فظائع ثورياته، درساً مركزياً، شكّل امتيازه الأهم حضارياً، تعلم كيف يترجم ثقافة الأَنْسَنَة المجردة إلى شرعة المواطنة الموثَّقَة بمبادئ حقوق الفرد، كأصول واقعية لمدنية الجماعة البشرية.

شبابنا العربي الثائر اليوم استلهم شعار (الكرامة) تلقائياً، إنها عنوان إنسانه المفقود والمقموع، والممنوع من تفتح حرياته على أية إمكانية نهضوية لائقة بمطامحه الأولية، وليست تلك البعيدة المنال. ذلك أن الاستبداد وصنوه الفساد، مَحَقَ كلُّ منهما على طريقته، وجودَ الأربعمائة مليون من البشر، على مستوى أمم الشرق الكبرى الأخرى، وذلك في سعيها إلى احتلال مكانها ودورها في إبداع الحضارة المعاصرة. وسورية كانت من رُوَّاد هذه الحضارة (الشرقية)، لذاتها ولأمتها، منذ ان تسلّمت من المستعمر الغربي مفاتيح استقلالها. كان استقلالها ذاك مفهوماً كمدخل إلى الاستقلال القومي الشامل. كان أراد وطنُها الصغير المتحرر، أن يكون مثالاً ونموذجاً لتحرر الوطن العربي الأكبر؛ لكن سورية، تلك الرائدة الباعثة على أنبل مطامح الحرية العادية لأبسط الناس في بيتها الآمن، وفي بيت الأمة الأعظم، عانت وكابدت من تقلبات الصراع على القمم، خلال ستين عاماً، ما أفْقَدَها ذخيرتَها الغنية، من كنوز حريتها الذاتية. فليس لأية فئة، مهما تميَّزت افتراضاً، بعبقرية قيادية، القدرة وحدَها على اختزال شعبها. حتى عندما تفوز هذه القيادة ببعض إنجازات نوعية، هي من صدف الجغرافية الشامية، ومن حصائل تاريخها الإقليمي والاجتماعي، فإنها لا يمكنها أن تُبقي طويلاً على أدوار كيانٍ منفتحٍ خارجياً، وفارغٍ أو مُفَرَّغٍ من إمكانيات شعبه داخلياً.

سورية لا تنتهي من خوض معاركها المصيرية اليوم أو غداً. بل إن الصراع الأخطر والأدهى هو ما ينتظرها، في هذه اللحظة التاريخية حقاً من عودة الروح إلى الجثة العربية الهامدة. سورية لن تكون من ضحايا الثورة الجديدة، الباحثة عن روادها القدامى. سورية/الثورة العربية منذ عشرات العقود، لن تكون في مؤخرة الركب. لن تكون شوارعها مسارح لحصائل الانقسامات الأهلوية الدفينة تحت رماد القمع طيلة العهود السابقة. مكان سورية هو في مقدمة الطليعة الصاعدة، وليس في قاطرتها الأخيرة المتهرئة.

ليست مهمة النظام الحاكم الدفاع عن نواقصه وعيوبه التي يعرفها أركانُه قبل سواهم؛ تحدّيه الحقيقي الحاسم اليوم ألا يكون مختاراً بين الإصلاح أو الثورة، أو الفوضى العمياء، بل ألاّ يكون أمامه إلا طريق الحرية، له ولشعبه في وقت واحد. سورية شعباً ونظاماً، عائدة إلى صدارة الطليعة للثورة العربية الجديدة.. وإلا واجهت المجهول الأخطر.

أقول للرئيس الشاب بشار، (وكنت انتخبته قبل أحد عشر عاماً، زائراً لأول مرة سفارة سورية في باريس مع رفاق من معارضي المنفى الفرنسي)، أقول له: ما زلتَ في بداية الطريق، كحالك يوم رئاستك الأول. مع مضاعفة الأعباء الكبرى التي تنتظرك، أقول لك: لستَ مُطالباً بإعادة تصالحك مع شعب سورية، فهو لا يزال معترفاً بصدقيتك، لكنه يطالبك بأن تنزل إلى شوارعه وتتحالف مع جماهيره، لتكون قائداً جديداً لثورة الكرامة الإنسانية ضد أعداء سورية في الداخل هذه المرة، وليس في الخارج وحدها، فلقد أثبتَّ أنك كُدْتَ تملأ دور القائد السياسي للشام الكبرى خلال معارك أقطارها المحيطة، طيلةَ مواقع العقد السابق من هذا القرن. ليس لك اليوم إلاّ أن تغتني برصيدك القومي في مكافحة أعطال القطر بدءاً من قمته وجوارها. تحالفك مع مواطني سورية وليس مع رعاياها، يطلق رهان التاريخ العربي على استعادة عصر الثورة العربية الشاملة، بوحدة جماهيرها الشابة. ومن المحيط إلى الخليج دائماً؟

' مفكر عربي مقيم في باريس

===============================

سمير قصير، شهيدنا

صبحي حديدي

2011-04-03

القدس العربي

 أستأذن شهداء الإنتفاضة السورية في اقتراح ضمّ شهيد لم يسقط على ثرى درعا أو الصنمين أو اللاذقية، ولا في أيّ من مدن وبلدات وقرى سورية الثائرة اليوم، بل خرّ صريع مفارز الإغتيال في بيروت؛ وأعني المؤرخ والكاتب والصحافي اللبناني سمير قصير (1960 2005)؛ الذي، في كلّ حال، ينتمي إلى سورية من جهة والدته السيدة ليلى دميان، ابنة طرطوس.

وأعيد التشديد، هنا، على يقيني الشخصي بأنّ استهداف قصير بُني أيضاً وإلى جانب أسباب لبنانية شتى على ربطه الصائب، والشجاع تماماً، بين استعادة الديمقراطية اللبنانية وتطويرها، واستعادة الديمقراطية التي عرفتها سورية في مراحل عديدة على امتداد تاريخها الحديث، قبل وقوع البلاد أسيرة استبداد حزب البعث سنة 1963. المطلوب، إذاً، لم يكن ذلك اللبناني، الديمقراطي، اليساري إجمالاً، الناقد للنظام الأمني، إسوة بالأنظمة الطائفية والإقطاعية والعائلية، الداعي إلى قطيعة صريحة مع الماضي المريض الفاسد المتهالك، فحسب؛ بل، أيضاً، ذلك اللبناني الذي بات يرى الصلة بين شعبين واستقلالين وديمقراطيتين: في لبنان، وفي سورية. ومن نافل القول انّ النيل من مدير سابق للأمن العام في لبنان، لجهة فساده وموبقاته وفضائحه، لم يكن سوى تقليب للصفحات الأولى من كتاب سوف تفضي صفحاته التالية إلى فساد وموبقات وفضائح ضابط الأمن السوري السابق... سواء بسواء!

وفي آخر تعليقاته على الأوضاع السورية، وهو مقال نُشر بعنوان 'الخطأ بعد الخطأ'، كتب الراحل: 'الصحافيون الأجانب المخضرمون الذين يتدافعون إلى دمشق مع اقتراب موعد مؤتمر حزب البعث، سيجدون بالتأكيد أن الكثير تغيّر في سورية بالقياس مع عهد حافظ الأسد، وخصوصاً لجهة حرّية التعبير. لكنّ المقارنة لم تعد وسيلة مقبولة لتقويم السياسة السورية بعد نحو خمسة أعوام على اعتلاء بشار الأسد سدّة الرئاسة بالتوريث. فمن يتابع أنباء سورية بشكل متواصل لا يمكن أن يعنيه، بعد مرور كلّ هذه الأعوام، أنّ عدد المعتقلين السياسيين أدنى بكثير مما كان قبل عقد من الزمن. وما يعنيه في منتصف سنة 2005 هو أنّ هذا العدد عاد إلى التزايد. وما يعنيه أيضاً، في منتصف سنة 2005، هو أنّ القيّمين الحاليين على الحكم لا يزالون يرفضون فتح باب الحوار الوطني مع معارضيهم، والمصالحة مع مجتمعهم'.

وفي فقرة لاحقة، كتب قصير: 'كنّا اعتقدنا أنّ الحكم السوري استخلص العبر مما جرى له في لبنان، جراء أخطائه المتراكمة، وأنه سوف يخرج من الهزيمة التي تلقاها بعزم على انتهاج سياسة توفّر عليه هزيمة أكبر، فيبادر إلى تغيير جذري في أدائه يحول دون وقوع مواجهة مع شعبه تكمل ما عاناه في المواجهة مع الشعب اللبناني. وكان تحديد موعد انعقاد مؤتمر حزب البعث قد أوحى أنّ الإصلاح الذي ما برح النظام يتكلم عنه سوف تكون له أخيراً بداية. ولكن عبثاً. فما تفيده الإعتقالات الأخيرة هو أنّ الإصلاح عند أهل البعث لا يعني القبول بالرأي المعارض. والتحولات الإقليمية الهائلة، من العراق إلى لبنان، لا تدفعهم سوى إلى التهويل من الخطر الأمريكي، من دون التفكير لحظة بالوسائل الأنجع لدرء هذا الخطر'.

واختتم الراحل بالحديث عن سلسلة التراخيص التي قررت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم أنها لم تعد بحاجة إلى موافقة أمنية مسبقة (وبينها، مثلاً، افتتاح صالونات الحلاقة، ومحلات النوفوتيه، ومحلات العصرونية، وأفران الصفيحة والمعجّنات)، فقال: 'فعلاً، تغيّر الكثير في سورية العهد 'الجديد'. فإذا كانت حرية الصفيحة والنوفوتيه تطلبت خمسة أعوام، فكم سيتطلب إلغاء الموافقة الأمنية المسبقة على صنع السياسة؟'... ألا يبدو، في ضوء خطاب بشار الأسد مؤخراً، وسيرة الإصلاحات، ومقترحات المؤتمر القطري العاشر... أنّ قصير يتحدّث اليوم، سنة 2011، وليس قبل ستّ سنوات؟

في مقال سابق بعنوان 'حين تغامر سورية... بالديموقراطية'، كتب قصير:'كان لافتاً أن تمرّ الذكرى الثالثة لرحيل حافظ الأسد من دون كبير ضجة في سورية وفي لبنان معاً. حتى وارثه في رئاسة الجمهورية العربية السورية وفي القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي نسي الإشارة الى هذه الذكرى في المقابلة الطويلة التي بثتها قناة 'العربية'، مع العلم أن ذكرى موت الأب هي أيضاً ذكرى بداية عهد الابن. ولم يعرف المشاهد إذا كان مردّ هذا السكوت بقاء طيف حافظ الأسد مهيمناً، أم ابتعاده عن واقع السياسة السورية'. كان كلام أخفّ وطأة من هذا، وأقلّ شجاعة وعمقاً، قد أودى بحياة الصحافي اللبناني سليم اللوزي، صاحب مجلة 'الحوادث'، مطلع العام 1980.

وأجدني، استطراداً، أستذكر تعبيراً طريفاً، وسليماً تماماً، كان قصير قد نحته خصيصاً لوصف طبيعة الشراكة بين النظام الأمني اللبناني، وسيّده النظام الأمني السوري: 'اللبنانية السورية للتلازم والعلاقات المميزة، شركة غير محدودة اللا مسؤولية'! وكما لم يتوفّر لديّ سبب واحد يجعلني أنزّه ضابط أمن لبنانياً، سابقاً أو راهناً، من دم سمير قصير؛ لم يتوفّر لديّ بالمقدار ذاته، وعلى وتيرة فهم الأشغال التي توجب أن تنخرط فيها تلك الشراكة الأمنية اللبنانية السورية، سبب واحد يجعلني أنزّه ضابط أمن سورياً، سابقاً أو راهناً، من دم الشهيد؛ شهيدنا.

===============================

اوباما من ليبيا الى سورية

صحف عبرية

2011-04-03

القدس العربي

 ثمة شك كبير في أن تكون الخطبة التي ألقاها الرئيس اوباما في الاسبوع الماضي، ورسم بها الخطوط الهيكلية للاستراتيجية الامريكية في ليبيا، تستحق تعريف 'مبدأ'، لأنه بخلاف الصبغة الواضحة والراسخة والتي لا لبس فيها لمبادئ رئاسية سابقة (مبدأ ترومان وآيزنهاور ونيكسون وبوش الابن، مثلا)، فإن الحديث هنا عن طائفة ضعيفة مليئة بالتحفظات من اتجاهات العمل وخطوطه.

وبرغم الظروف القسرية، تثور رسالتان مركزيتان ذاتا صلة وعلاقة بطوائف اخرى ايضا. المبدأ الاول هو مبدأ التقليص. فالرئيس الذي التزم أمام مجلس النواب ان يعتمد 'على قوة ليّنة' وأن يعمل على ابتعاد سريع قدر المستطاع عن ميادين القتال في العراق وأفغانستان، سيؤيد تدخلا امريكيا بريا في حالات يكون فيها تهديد محسوس مباشر لأمن الولايات المتحدة القومي فقط.

وفي حالات اخرى، وهذا هو المبدأ الثاني في نظرية البيت الابيض، سيكون النشاط العسكري (البحري أو الجوي) للقوات الامريكية جزءا لا ينفصل عن قوة متعددة الأطراف (مثل حلف شمال الاطلسي) ويجري تثبيته بصورة دبلوماسية أو استراتيجية واسعة. مرت ايام التدخل العسكري المباشر من جانب واحد الذي ميز عصر الحرب الباردة وعصر الرئيس بوش الابن.

أحل اوباما محل ذلك التحالفات الواسعة ويتم التعبير عن هذا الامر في السياق الليبي إذ يجري النشاط العملياتي (المتضائل) للجهاز الامريكي الآن تحت قيادة بريطانيا وفرنسا ورعاية حلف شمال الاطلسي ومباركة الجامعة العربية (المتحفظة).

فيما يتعلق بأهداف العمل، لم يترك اوباما هامش غموض عندما عرّف المجموعة الانسانية والاخلالات الواضحة والمكثفة لحقوق الانسان من قبل القذافي (التي كانت مع عدم التدخل الخارجي قد تتصاعد بحسب قوله الى درجة مذبحة شعب) بأنها مركزة نسيج العناصر التي تُسوغ عملية مشتركة.

وهكذا فعلاوة على ظل الرئيس بوش الابن المثقِل (ظل التدخل البري من جانب واحد)، الذي يريد اوباما الابتعاد عنه، فانه يطمح الى إبعاد نفسه عن الظل القاتم لتركة اخرى وهي التنحي إزاء قتل شعب جرى في رواندا في فترة ولاية كلينتون للرئاسة. إن الرئيس الحالي برغم انه لم يشمل في حدود التدخل ذي الجذور الانسانية سوى اوضاع متطرفة لاعمال قتل جماعية من قبل سلطة قمعية، قد انحرف عن شكل السلوك السلبي لكلينتون إزاء القتل الجماعي في رواندا (مثل رده في البوسنة حيث بدأ نشاطه ايضا في اطار حلف شمال الاطلسي بتأخر كبير).

النتيجة المباشرة لهذا النظام (المركبة من الحاجة الى تأييد دولي واسع ووجود سبب انساني ثقيل الوزن للتدخل) أن واشنطن لم تُغير سلوكها حتى الآن برغم اخلال منهجي لحقوق الانسان في البحرين وسورية واليمن، واكتفت بتوصية حكامها بالسلوك بضبط للنفس وتقديم اجراءات اصلاح فيها.

لا شك في أن هذا الرد في الحد الأدنى قد عبر تعبيرا صادقا في سياق البحرين واليمن على الأقل، عن حقيقة ان الحديث عن كنوز استراتيجية مهمة بالنسبة للادارة. لكن اذا تجاوزنا هذا المعيار المزدوج الذي يتعلق فيه الاهتمام بحقوق الانسان بمقدار هذا الاخلال بالحقوق وبمقدار التأييد الدولي للتدخل فان خطبة اوباما تنطوي على رسالة قد تبلغ الينا. الحديث عن تأكيد التزامه العمل في المجال السياسي وفي الصعيد الاستراتيجي ايضا في أطر متعددة الأطراف مشتركة، تمنح كل اجراء غلاف موافقة وشرعية.

إن ما يُشتق من هذا قد يجري التعبير عنه في ايلول (سبتمبر) القريب في شأن الدولة الفلسطينية، فالبيت الابيض سيحجم عن اتخاذ خطوة اعتراضية على اعلان انشاء دولة فلسطينية تتمتع بتأييد دولي واسع. قد يفضل اوباما في الحقيقة ان يجلس على الجدار ويُمكّن جهات اخرى (كالجامعة العربية) من قيادة هذه المبادرة في طريقها الى مجلس الامن، لكن يصعب ان نفترض ان يستعمل حق النقض لها. إن معارضته المبدئية لكل خطوة موسومة بسمة التدخل من جانب واحد كما كانت الحال عند سلفه بوش، قد تصل الى محيطنا في المستقبل القريب ايضا. هذا الشيء يقتضي تفكيرا واستعدادا مسبقين.

===============================

وشكرا للكاتب على هذا المقال..

والتخوفات التي يعرضها مشروعة..

وجدلية الصراع بين الحق والباطل قاعدة مشتركة بين الإسلام والماركسية.

أتعجبون؟!

الجمود هو الموت وهو الأكثر إثارة للخوف..

لذلك في قواعد الفقه الإسلامي الماء الجاري لا يحمل الخبث..

التجدد تطهير البديل العراقي والبديل المصري والتونسي والسوري قد يأتي بفارق بالدرجة..

ولكن حين تفعل الجدلية فعلها حين لايصادر حاكم قانون التاريخ سننتقل من طور إلى طور..

سننتقل حسب عقائد التقمص إلى مسلاخ أفضل ولن نرتد إلى اسفل سافلين

زهير سالم

في ضوء اللحظة السورية

أدونيس

الحوار المتمدن - العدد: 3324

2011 / 4 / 2

- 1 -

اليوم، ينكشف الواقع العربي، عِبْر سورية، على وجههِ الأكثر صحّةً ودقةً. فحيث يكون التاريخ أشدّ كثافة وتعقيداً، تكون تحولاته أكثر إضاءة وكشفاً. وسورية مُلتقى الروافد البشرية والحضارية، منذ أكثر من خمسة آلاف سنة. وهي، إذاً، ملتقى الإبداعات والتخطيات، بقدر ما هي مُلتقى الهشاشات والمخاطر، الانطلاقات والكوابح. تكفي الإشارة هنا إلى أن هذه البلاد هي المكانُ الذي تمّ فيه التأسيس لحضارة الإنسان، كونياً: الأبجدية، الدولاب، افتتاح البحار، القانون، الوحدانيات الثلاث، تمثيلاً لا حصراً.

وهي إلى ذلك «واسِطة العِقد» العربي.

- 2 -

كان لكل مرحلة في تاريخ هذه «الواسطة»، وهذا «العِقْد»، حصادُها - المتألّق، حيناً، والمريرُ، غالباً.

وها هو حصادُها في بدايات القرن الحادي والعشرين: منذ أكثرَ من نِصْفِ قرن، يتمّ التفرّق العربي باسم التجمع، والانشقاق باسم الوحدة، والسُّبَات باسم اليقظة، والجهل باسم العلم، وهباءُ العدّة والعدَد، والتخلّف باسم التقدّم.

 

هل يكتشف، اليومَ، أهلُ اليسار والثورة الذين حكموا البلدان العربية ويحكمونها، منذ أكثر من نصف قرن، أنهم لم يتركوا وراءهم، على أرض الحياة، أرض العمل والفكر، إلا التفككَ والتراجُعَ والانهيار، وإلاّ المرارةَ والعذاب؟

 

هل سيعترفون أنّهم لم يبرعوا في شيء، طولَ هذه الفترة، كما بَرعوا في الاستئثار، والاحتكار، والاتجار، والانحدار؟

 

أَنّهم أقاموا سلطة ولم يبنوا مجتمعاً، أَنّهم حوّلوا بلدانهم الى فضاءٍ من الشعارات والرايات، دون أي مضمونٍ ثقافيّ أو إنساني، أَنّهم دَمّروا بعضهم بعضاً، فيما كانوا يدمّرون مواطنيهم - تخويناً، وسجناً، تشريداً وقتلاً، أَنّهم لم يضعوا أساساً عميقاً واحداً لبناءِ مجتمعٍ جديد، أو وطنٍ جديد، أو إنسانٍ جديد، أو عقلية جديدة، أو ثقافة جدية، أو حتى مدرسة نموذجية واحدة، أو جامعة نموذجية واحدة - وأضرب صفحاً عن المعامل والمصانع والمشروعات الاقتصادية العامة، أَنّهم رَذَلُوا جميع القضايا التي يمكن أن تُمهّد للتخلّص من القبيلة، والعشيرة، والطائفة، باستقلالٍ سيّدٍ عن الخارج، ورَفْضٍ نيّرٍ وخَلاّقٍ لجميع أشكال التبعيّة، أَنّهم، في هذا كلّه، كانت شهواتهم السلطوية التسلّطية تزدادُ تكالُباً وتوحّشاً، وكان طغيانهم يزداد توسّعاً وفتكاً، وكانت حقوق الإنسان وحرياته تزداد غياباً وضياعاً.

- 3 -

هكذا، يبدو الأفق العربي، اليوم، كمثل بيتٍ يسكنه عاشقان: التمرد والحرية.

التمرّد على السلطة الفاسدة ومؤسساتِها، تخلّصاً من مخازيها.

والحرية، تخلّصاً من القيود التي تشلّ الحياة والفكر.

وكان الإنجاز، حتى الآن، مُهمّاً وحيوياً. وهو آخذٌ في الاتساع لكي يشمل المناطق العربية الباقية، بعد تونس ومصر.

- 4 -

غير أن لدى العرب تجربةً في العراق أثبتت أن مجرّد الخلاص مما هو قائمٌ: من الأحكام العرفية المهينة، وثقافاتها الرقابية الأمنية الأكثر إهانة، ومن السلطة الفاسدة ومؤسساتها وأصحابها، ليس كافياً.

لا يتمّ تغيير المجتمع بمجرّد تغيير حُكّامه. قد ينجح هذا التغيير في إحلال حُكّامٍ أقلّ تعفّناً، أو أكثر ذكاءً. لكنه لا يحلّ المشكلات الأساسية التي تُنتج الفساد والتخلّف. إذاً، لا بُد في تغيير المجتمع من الذهاب إلى ما هو أبعد من تغيير الحكّام، وأعني تغيير الأسس الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية.

فهل في هذا الأفق الذي نشير إليه، ما يشير الى هذا التغيير الذي يتخطى السطح الى العمق، والشكل الى الجوهر؟ تلك هي المسألة.

 

دوُنَ ذلك، ستتحول المشروعات السياسية في البلدان العربية، من مشروعات لبناء المجتمع والدولة، الى مشروعات تُستعاد فيها القبائل وانتماءاتها، والمذاهبُ الدينية وتناقضاتُها.

وفي العراق ما يُضيء. وفيه كذلك ما يُجيب، ويؤكّد.

- 5 -

في هذا الإطار، تقول لنا الأحداث الجارية في العالم العربي، بدءاً من الحدث التونسي، أشياء كثيرة، اقتصر هنا على الوقوف عند أمرين:

الأول هو ضرورة القطيعة الكاملة، نظراً وممارسة، مع منطق الحِلف الظاهر الفعّال بين الدين والسياسة، (وبينهما المال)، الثاني هو ضرورة التوكيد، جهراً، على بناء المجتمع العربي المدني، والدولة المدنية.

وهي، إذاً، أحداثٌ تقول لنا، على مستوى آخر: كلّ «معارضة» أو كلّ «ثورة» لا تَجْهر بضرورة قيام الدولة المدنية، والمجتمع المدني، والثقافة المدنية، لن تكون إلا شكلاً آخر لما «تعارضه» أو «تثور» عليه، ولن تكون إلا استمراراً في «مستنقع الفساد» - لكن، بشكلٍ آخر من «السِّباحة»، قد يكون أقلَّ قُبحاً من الأشكال التي سبقته.

وآنذاك، يحق لنا أن نسأل: ماذا يجدي، مثلاً، على المستوى الإنساني الكيانيّ، التغيير في مصر، إذا بقيَ وضعُ الأقباط فيها، كما كان سابقاً: «مواطنين» يقومون بجميع الواجباتِ كمثل غيرهم، لكن ليست لهم جميع الحقوق التي يتمتّع بها غيرُهم؟

ويمكن أن نعطي أمثلةً أخرى متنوّعة في البلدان العربية الأخرى.

هكذا، يجب أن يتم تغيير الأنظمة الراهنة في ترابطٍ عضوي مع التغيير، مدنياً، على نحو جذريّ وشامل. دون ذلك نخاطر في ألاّ يكونَ تغيير الأنظمة إلاّ نوعاً من التغيير «المَسْرَحيّ» - الشَّكليّ.

- 6 -

يَخْطرُ لي هنا سُؤال قد يكون سابقاً لأوانه: ماذا نفعل إن كان في هذه الأحداثِ ما يُنْبِئ بالعمل على التأسيس لهيمنة ما يُطلق عليه الفكر السياسي العربي الراهن اسم «الإسلام المعتدل»؟ وماذا يعني «الاعتدال» داخلَ الإسلام ذاته؟ وماذا يعني خارجه - في العلاقة مع الآخر الذي ينتمي الى أقلياتٍ مذهبيةٍ أو إتنيّة أو غير مسلمة داخل المجتمعات الإسلامية؟

ما تكون، وفقاً لهذا «الاعتدال» حقوق هذا الآخر، وحرياته، الثقافية والاجتماعية والمعتقدية - تديّناً، أو لا تديّناً؟ وكيف؟ وهل سيواجهُ أنواع «الإقصاء» و«التهميش»، و«التكفير»، و«الدونية»، كما عُرِفت، في بعض مراحِل تاريخنا، القديم والحديث؟

- 7 -

كلاّ، لن تكونَ الشمس في المجتمع العربي، جديدة بالضرورة كل يوم - إلاّ بشرطٍ واحد: تأسيس المجتمع المدنيّ، والدولة المدنيّة، والحياة الإنسانية المدنية، فيما وراء الانتماءات كلها - الدينية والإتنية واللغوية.

 

شرارات

- 1 -

الخبز مقابل الخضوع: سياسة الطغاة من كل نوع.

- 2 -

- «لماذا تبحث عن الخبز؟ جسدي بين يديكَ، يا حبّي»: شطران من أغنية امرأةٍ عاشقة.

- 3 -

كيف يمكن أن يكون سعيداً في عالمٍ غائبٍ، شخصٌ يعيش شقياً في العالم الحاضر؟

- 4 -

هاتي مِذْراتكِ، أيتها الريح، وردّي التحيةَ لحقول الحرية.

- 5 -

نقطة عِطْرٍ تُفْلِت الآن من يد الأرض العربية، وتصعد لكي تنزلَ على عُنق السماء.

- 6 -

تَردّدتِ الشمس، اليوم، خلافاً للعادة، في رسم وجهها على غلاف الأفق.

- 7 -

لم يكن الحلاّج يرى إلا بعين الحب، لهذا كان يرى العالَم كلّه ضوءاً.

ولم يكن المعرّي يرى إلا بعين الحياة، لهذا لم يكن يرى إلا الموت.

- 8 -

إن كان هناك جوابٌ عن سؤالٍ تطرحه، فعليكَ أن تُعيدَ النظر في هذا السؤال.

لا جواب لأيّ سؤالٍ كيانيّ.

- 9 -

لستَ أنتَ من يبتعد عن الحياة. الحياة هي التي تبتعد عنكَ.

- 10 -

ربما ليس العدَمُ إلاّ ثقباً كبيراً في ثوب الحياة. غير أنه ثقبٌ لا يُرْتَقُ.

- 11 -

صحيحٌ، لكلّ يومٍ سُمّهُ.

لكن، صحيحٌ أيضاً أنه يمكن أن تكون كلّ دقيقةٍ فيه تِرْياقاً.

- 12 -

أَدِرْ ظهركَ للسماء، واترك لصدرها أن يَتّكئ على كتفيك.

- 13 -

لا أحبّ الكتاب الذي يقدّم نفسه الى القارئ كأنه النعيم. أحبّ، على العكس، الكتاب - الجحيم.

- 14 -

يمكن كلّ عضوٍ في جسمي أن يكونَ خَبّازاً إلا قلبي: لا يقدر أن يكونَ إلا بحّاراً.

- 15 -

كيف نستطيعُ أن نفهمَ العالم، ونحن لا نرى منه إلا يديه وقدميه؟ أَرِنا وجهكَ، أيها الهارب.

- 16 -

«لا أعرفُ إن كان لي نورٌ»، تقول الشمس.

- 17 -

الأزياء حجبٌ على وجه الواقع.

- 18 -

لماذا تبدو الكتابة العربية، اليوم، كأنّها نوعٌ من الطاعة لما تراه العين؟

أن نكتب هو، بالنسبة إليّ، على النقيض تماماً: أن نَعْصَى ما تراه العين.

- 19 -

الموت هو الكلمة الأخيرة في سِفْر الكون. غير أنّه سِفْرٌ - سفَرٌ لا نهاية له.

إذا ماتَ الموت انتهت الحياة.

==========================

الرقص مع الثورات

المستقبل - الاثنين 4 نيسان 2011

العدد 3959 - رأي و فكر - صفحة 19

غازي دحمان

من نافلة القول، أن الأنظمة العربية غادرت، مرغمة، حالة الهناء التي عاشتها سنوات طويلة، بفضل آليات القمع المرعبة التي سلطتها على رقاب شعوبها، وهاهي اليوم تقف عبر طابور، تنتظر نمط الغضبة الشعبية التي ستطالها، وطبيعة المصير الذي ينتظرها.

ولم يكن المشهد العربي الذي يتخلق، في هذه اللحظة التاريخية، وليد صدفة، على ما تقول الكثير من الكتابات التي تحاول فهم الحدث وتفسيره، بل هو نتاج تراكمات صنعتها سياسات الانظمة التسلطية عبر عقود من القمع والفساد والإستهتار، سياسات كان من نتيجتها إنتاج الشرط التاريخي اللازم لإنضاج الثورة إيصالها إلى مرحلة اللاعودة، وكأنها تطبيق للمقولة الأرسطية الشهيرة (الأنظمة تحمل بذرة فنائها بداخلها).

وعلى مدار عقود مضت، إعتقد جهابذة أمن سلطات القمع العربية ومرشدوها، أن حكم المجتمعات يستوي عبر تطبيق وصفة بسيطة، ركناها الاساسيان : إستخدام العنف المفرط إزاء أي ظاهرة سياسية او حادثة أمنية وذلك بهدف ترسيخ الخوف، ليس عند من شاهد أو سمع، بل لجعل (الخوف المفرط) يترسخ حتى في الجينات وينتقل عبر الوراثة من السلف إلى الخلف .

أما الركن الثاني فيقوم على منع ظهور أو تشكل كيانات سياسية، أو مجتمع مدني، ولو لغايات سلمية وخدمية أحياناً، لاعتقاد نظم التسلط أن كل ما في مجال الدولة (المزرعة) يدخل ضمن إختصاصها الحصري، ولا يجوزمنازعتها فيه، وان مجرد التفكير بهذا الشأن يدخل في خانة المروق والخيانة العظمى التي تستوجب إعلان الحرب، دون التقيد بقوانينها!

عند ذلك، نامت السلطات العربية نومتها الطويلة. الامور مبرمجة على قائمة محرمات طويلة، ومجرد الإقتراب منها سيؤدي إلى اشتعال الضوء الاحمر بشكل اوتوماتيكي، حينها سيذهب الحراس لالتقاط الفريسة التي ستكون مكشوفة تماماً تحت ضوء الأنوار الكاشفة، وهكذا فالطريق إلى المستقبل، أو الطريق الآخر، كانت مرصودة، لن يمرالمستقبل من هنا، إسمه موجود على كل البوابات، وصورته أيضاً عممت لدى كل من يهمه الامر .

لكن مشكلة الانظمة العربية، او أزمتها، تمثلت في اعتقادها وإيمانها بأنها الطرف الوحيد في الساحة، وأن الطرف الأخر بات طرفاً إفتراضياً، او هكذا حوّلته إجراءاتها، لا فاعلية حقيقية له، مجرد من إمكانيات القوة، مكشوف في حركاته وسكناته، وعليه بات يستحق صفة الإفتراضية وبجدارة، وبما للإفتراضية من لزومية رقمية يسهل نقلها من اليمين إلى الشمال لتصبح صفراً فارغاً لا قيمة له حتى ولو تكرر ملايين المرات .

ولعل هذه البيئة، المتّسمة بالتهميش والإستعلاء والمغالاة في تقدير قوة الذات، والتي ستستولد ظاهرة ممارسة الفجور بأقصى درجاته، ستتحول بدورها إلى قابلة حقيقية لإنتاج ثورات الشعوب، التي تساوت عندها الحياة مع الموت على ما تدلل حادثة التونسي محمد البوعزيزي .

اليوم وبعد أن أصبحت الثورات سمة الواقع العربي، وبعد ان أنجزت الثورة في بلدان، وراحت تتحضر في بلدان أخرى، لا تملك أنظمة التسلط سوى تأدية رقصتها الأخيرة، لكن هذه المرة على إيقاع الثورات، مما يعني أنها ستكون رقصة نشاز، لكنها ممتعة لمشاهديها، رغم تكلفة حضورها الباهظة، لأنها الرقصة الأخيرة.الرقص مع الثورات.

===============================

من قرر قتل السوريين؟

علي الرز

الرأي العام

4-4-2011

عام 1995، قال المفوض السامي السوري في لبنان غازي كنعان إن القرار صدر بالتمديد للرئيس الياس الهراوي في رئاسة الجمهورية. وعندما سأله الرئيس عمر كرامي هل هذا القرار قراره أم قرار الرئيس حافظ الأسد؟ رد عليه بكلمات قاسية أنهاها بعبارة «ليس في سورية إلا قرار واحد».

تغيرت الأيام، وحل ابن درعا رستم غزالة مفوضا ساميا سوريا للبنان خلفا لكنعان الذي صار وزيرا للداخلية ثم انتحر بثلاث رصاصات في خضم التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قبل ذلك أعطى الرئيس بشار الأسد حديثا صحافيا جاء فيه ما معناه انه إذا كان أحد الضباط السوريين متورطا في جريمة قتل الحريري فهو يعتبر خائنا ويجب أن يحاسب، لكنه أعلن بعد ذلك موقفا جدد فيه البراءة المطلقة لسورية استنادا إلى نظرية «مركزية القرار» وخوفا من احتمال أن يفهم البعض تصريحه السابق بمثابة «فتح الباب» للتدرج الهرمي في المتابعة وتحديد المسؤوليات. وتشاء التطورات أن يوفد الأسد غزالة نفسه قبل أيام إلى درعا ليعزي باسمه بشهدائها ويقول إن الرئيس «يعتبر درعا مسقط رأسه وسيحاسب الذين قتلوا المدنيين».

تغيرت الأيام أكثر، واضطرت المستشارة الرئاسية الدكتورة بثينة شعبان للتأكيد مرتين في يومين أن الرئيس بشار لم يعط أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. لغة جديدة لم تعرفها سورية من قبل تمهد في حال تطورت الأمور أكثر لمحاسبة من «تجرأ» وأخذ قرارا مصيريا من وزن إطلاق النار على مدنيين أبرياء... ومن تجرأ لابد أن تكون له مكانة الجرأة والقدرة في نظام لا تسقط شعرة من رأس مسؤول فيه إلا بإذن المسؤول الأكبر منه. مرتان في يومين أوحيتا أن قرارات الإصلاح تتخذ في مكان، وأن قرارات إطلاق النار وقمع المتظاهرين تتخذ في مكان آخر. مرتان ربما اعتبرتهما المعارضة السورية «تكتيكا» لإيجاد هامش مناورة للسلطة لكن حتى هذا «التكتيك» لا بد أن تكون له أثمان سواء على مستوى مواقف الحكم أو تحركات الشارع.

وانعكس التخبط في اتخاذ القرار على الإعلام الرسمي السوري الذي لا يوازيه في «الحرفنة» إلا الإعلام الليبي الرسمي. مرة تكون العصابة المسلحة بين المتظاهرين ومرة بين الأمنيين. مرة يسقط القتلى برصاص الأمن ومرة يسقط الأمن برصاص المتظاهرين. مرة القناصة هم من رجال الأمن ومرة من المواطنين. العالم كله يشهد تحركات في مختلف المدن والمحافظات، ومسؤولون سوريون يعترفون بسقوط قتلى وبخروج عشرات آلاف المشيعين وبحرق المتظاهرين مراكز حزبية وأمنية لكن وزير الإعلام السوري محسن بلال ينفرد ب «سكوب» ويؤكد أن كل المدن والمحافظات «يسودها هدوء تام»... أما بقية الصحف والتلفزيونات «المستقلة مع النظام» فالضرب فيها حرام.

ويبدو أن القطاعات الفنية والثقافية والفكرية السورية التي اعتمدت ال «مرايا»

لإيجاد ما أسمته «بقعة ضوء» تنتظر أيضا معرفة من اتخذ قرار إطلاق النار على المدنيين قبل الحديث عن تحركات الشارع السوري. لم يخرج ممثل أو فنان أو مخرج إلى الناس شاهرا رأيه، إيجابا أو سلبا، خوفا من اتهامه بمشاركة الناس مطالبهم أو خوفا من الناس لاحقا إن شارك السلطة منطقها راهنا.

وفي انتظار ترجمة وعد النظام باعتماد الشفافية والإعلان عمن اتخذ القرار بقتل المتظاهرين، يتمنى السوريون أن تنهار مملكة الرعب وتزحف بقعة الضوء المدنية على مختلف قطاعات النظام كي تصبح إدارات العسكر والأمن تحت قرارات السلطة السياسية وليس العكس.

===============================

الحفاظ على التحالف الدولي

المصدر: صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية

التاريخ: 04 أبريل 2011

البيان

تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها والثوار الليبيون، أن يروا الرئيس الليبي معمر القذافي خارج السلطة، ويؤيدون العمل العسكري الذي أقره مجلس الأمن لمنعه من ارتكاب مذابح ضد المدنيين الأبرياء.

ولكن كما برهن مؤتمر دولي عقده هؤلاء الحلفاء في لندن، مؤخراً، فسوف يعملون جاهدين من أجل الحفاظ على وحدة هذا الهدف، والطريق أمامهم طويل لتجسيد استراتيجية طويلة الأمد إزاء ليبيا.

لقد كان اجتماع لندن، الذي جمع زعماء ثمانٍ وأربعين دولة والمنظمة الدولية، محاولة مثمرة لتكثيف الضغط على العقيد القذافي وزيادة عزلته الدبلوماسية، لكن النتائج كانت محدودة.

أنشأ اجتماع لندن مجموعة اتصال لتنسيق الجهود السياسية حيال مستقبل ليبيا، وأعلن دعمه لعرض من قطر لبيع النفط الذي تنتجه المناطق التي يسيطر عليها الثوار في ليبيا، لسداد تكلفة الاحتياجات الإنسانية، كما قرر الاجتماع أيضاً مواصلة الضغط من أجل رحيل العقيد القذافي عن السلطة. لكنه أعلن أنه لا توجد خطوات مهمة جديدة لمساعدة الثوار، وليست هناك رؤية أوسع نطاقاً لمساعدتهم على إقامة حكومة بديلة، سواء في الوقت الحالي أو بمجرد رحيل القذافي.

كانت الولايات المتحدة وشركاؤها على حق في أن يعلنوا بوضوح أن خيار المنفى، رغم أن قواتهم تهاجم أهدافاً ليبية، لا يزال مطروحاً إذا أوقف القذافي إراقة الدماء، وهو الاحتمال الذي يبحثه مبعوث من الأمم المتحدة إلى ليبيا. ومع ذلك، ليس هناك ما يشير بجدية إلى إمكانية تنازل هذا الزعيم الذي ينتقل من خطأ إلى آخر.

وعلى الرغم من أن الغارات الجوية التي تشنها قوات الحلفاء، ساعدت الثوّار على استعادة قوة الدفع في ميدان المعركة، فقد تمكنت القوات الموالية للقذافي مؤخراً، من إيقاف اندفاع الثوار في اتجاه الغرب وبدأت هجوماً مضاداً.

يتعين على الحلفاء تسليح الثوار إذا لزم الأمر، حيث أعلنت كل من الولايات المتحدة وفرنسا أن هذا يعد أمراً ممكناً. إننا نتفهم رغبتهم في معرفة المزيد عن الثوار، وهي المجموعة التي تتسم بالتباين وعدم التنظيم، وأنها غير معروفة إلى حد كبير، وذلك قبل اتخاذ هذا القرار.

قبيل انعقاد مؤتمر لندن، أصدر المجلس الوطني المؤقت للثوار بياناً من ثماني نقاط بشأن مخططه للمستقبل، بما في ذلك إقامة نظام ديمقراطي دستوري، يضمن إجراء انتخابات وحقوق الإنسان، وهذا أمر مشجع. لكن هناك الكثير الذي يحتاج العالم إلى معرفته بشأن من الذين يمثلهم المجلس الانتقالي، ومدى اتساع نطاق تبني هذه المبادئ.

لقد تعهد أيضاً رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، خلال الأيام الماضية، بأن يبادر المجتمع الدولي في الوقت المناسب من أجل «إصلاح الضرر الذي سببه القذافي». سوف تكون هذه المهمة عسيرة.

لقد أخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها على عاتقهم عبئاً كبيراً وأهدافاً سامية، ولديهم الكثير لتفسيره بشأن ما يهدفون إليه، وكيف سيتم تنفيذه.

===============================

أهمية التنسيق بين الثورات العربية

آخر تحديث:الاثنين ,04/04/2011

كلوفيس مقصود

الخليج

ما أصبح بديهياً أن النظام القائم في الوطن العربي فقد مناعته بعد أن سقطت شرعية وجوده . صحيح أن أنظمة لاتزال قائمة، إلا أنها أصبحت مرشحة للعطب، ما يفسر لجوءها إلى ممارسة سلطاتها بشراسة أشد، كما هو حاصل حالياً في ليبيا المنتفضة، بتباين ملحوظ في اليمن، وعلى نطاق لايزال أقل كلفة في الأردن وأخيراً في سوريا . لذا يمكن الاستنتاج بأن الانتفاضات المتناسبة جماهيرية تستوجب تنسيقاً في ما بينها، لتستقوي ببعضها من جهة، وأن ترسم من خلال التنسيق المقترح استراتيجية تأخذ بالاعتبار تنوع الظروف في مختلف الأقطار، وألا تبقى الانتفاضات القائمة تتصرف وكأن لا علاقة للواحدة بالأخرى، رغم أن أدلة تتكاثر يومياً أن هناك علاقة جدلية قائمة، ما يجب أن يؤول إلى علاقة قومية تزرع بذور البديل المطلوب للنظام العربي البديل .

هذا بالطبع لن يكون سهلاً، بل في المرحلة الانتقالية الحالية نجد أن التعقيدات تزداد حدة في بعض الدول المنتفضة، بحيث لا توجد مؤسسات للدولة في اليمن كما في مصر وتونس، وتقريباً تنعدم هذه المؤسسات في ليبيا، حيث لا مساءلة ولا إمكانية للمحاسبة، لذا فإدارة التعقيدات التي استولدتها التجارب المختلفة والمتناقضة أحياناً تستوجب وعياً بأن مصيرها واحد مهما حاولت بعض النجاحات المنجزة البقاء في منأى عن المحيط العربي الأشمل . هذا الاستنتاج هو الإجابة المطلوبة عن الأسئلة المتداولة في ما يختص بعروبة الثورة القائمة . من هنا نستطيع استيعاب الأهمية القصوى لما هو حاصل في ليبيا، حيث كانت إدانة العقيد القذافي للانتفاضتين الناجحتين في كل من تونس ومصر تعبيراً عن تصميم بقاء ليبيا بمنأى عنهما، ما يفسر تصميمه على اللجوء إلى كل وسيلة إجهاض لإرادة الشعب بالتخلص من ظلم وظلامية محكمة بمصائر شعب ليبيا . يستتبع الإحاطة بأن على تونس ومصر أن تشكلا فكي كماشة لإجهاض نظام القذافي الجائر، بما يعيد لثوار ليبيا، ليس مجرد المزيد من الثقة بالقدرة العربية لتسريع انتصارهم، وبالتالي عودة التواصل الذي بدوره يعيد التواصل بين المشرق العربي ومغربه، ومن ثم إعادة الصدقية لتعريف ما هو حاصل “بالثورة العربية”، كما وصفتها صحيفة “الإيكونوميست” هذا الأسبوع، حيث إن تأرجح الثوار في ليبيا بين التقدم من الشرق إلى الغرب، ومن ثم بالاتجاه العكسي، كما حصل في الأسبوع الماضي، يوضح أن حماس التصميم، كما وضوح الالتزام، يعرض الثورة للانتكاسة أمام سلطة لاتزال متفوقة في التدريب والعتاد، ما دفع مجلس الأمن الدولي إلى تبني القرارين 1970 و1973 بموجب الفصل السابع الذي وفر “الحظر الجوي” والإجراءات الأخرى لحماية المدنيين، وهذا إجراء يؤخذ بموجب الحاجة تنفيذاً لمبدأ “مسؤولية الحماية” . ولا مفر من الإقرار بأن الإجراءات العسكرية التي اتخذت أدت إلى تجنيب سكان بنغازي مجزرة محتدمة عندما اقتربت دبابات القذافي إلى جوار بنغازي، المدينة الثانية في ليبيا .

صحيح أن ما قام به طيران دول غربية أوجد العديد من الشكوك في نوايا الغرب تجاه الحرص على حياة الليبيين، وخاصة الولايات المتحدة، وصحيح أيضاً أن هذه الشكوك لها خلفياتها من حيث ما قامت به إدارة الرئيس بوش بعد غزو العراق، وجرائم ارتكبت في سجن أبوغريب والفلوجة وغيرهما، كما في انطباع سائد عن الأضرار التي ألحقها الموقف المتميز بشكل كامل الذي يمثل خرقاً للقانون الدولي المتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكان آخرها اللجوء إلى ممارسة حق النقض لقرار أيدته باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن .

أجل، هذه الخلفيات زرعت بذور الشك في دوافع الغرب بأن يجعل حلف الأطلسي (الناتو) المسؤول عن تنفيذ الإجراءات التي انطوت عليها بنود القرار الأممي في هذا الضوء .

إلا أن تعليقاً مطلوباً على القلق من نوايا الناتو، وخصوصاً نوايا الولايات المتحدة ينطوي على الوقائع التالية:

 أولاً: لم تكن هناك معارضة من الثورة في ليبيا بل بالعكس كانت هناك ظروف قاهرة استوجبت المطالبة بالتدخل، بل الإسراع في التدخل وهذا ينطبق على الأوضاع في الأيام الأخيرة .

 ثانياً: كما أن سابقة رواندا حيث رفض مجلس الأمن طلب قائد قوات السلام الكندي إرسال قوى إضافية ما أدى إلى مجزرة أودت بحياة أكثر من 800 ألف، سرّع في صياغة وتبني مسؤولية حماية الآمنين .

 ثالثاً: لم يكن هناك من رغبة أمريكية بالمشاركة إلا في المرحلة الأولى كون ورطتها في أفغانستان وغزوها غير الشرعي، تحول دون الرغبة في قيادة العملية العسكرية والاكتفاء بدور مساعد والإصرار على توفر مشاركة عربية، وإن رمزية، ولكن في الوقت نفسه لا تستطيع إدارة أوباما أن تتخلى عما تؤكد الالتزام به من قيم متعلقة بحقوق الإنسان وإصرار على ألا تتعرض كرامته لأي إذلال . وصحيح أيضاً أن سؤالاً ينشأ، لماذا ازدواجية المعايير وخرق حقوق الإنسان الفلسطيني، وإبقاء “إسرائيل” منفلتة من أي عقاب يرسخ الشك؟ لذا يبقى القلق قائماً برغم الجهود الحثيثة لأوباما لطمأنة وصدقية التزامه القيم التي يعلنها من دون كلل .

يستنتج أن هذا التشابك لا التناقض كما يعتقد البعض بين التفوق العسكري لقوات القذافي على الثوار، والآخذ أخيراً بالتصحيح يفرض على ما تم إنجازه في كل من تونس ومصر مسؤولية الإسهام بشكل مباشر في إعانة ثوار ليبيا سياسياً ودبلوماسيا بما يؤدي إلى تصويب ثورة ليبيا وبالتالي يرسخ مناعة ما أنجز وهو ليس بقليل في كل من تونس ومصر .

لعل احتضان انتفاضتي تونس ومصر لانتفاضة ليبيا يؤكد تلقائية وحدة المصير وعروبة الانتماء، بما يسهّل تسريع نقلة نوعية تصحح من خلالها البوصلة مسيرتها، وتبرهن للحكام على أن ما سمي ب “الشارع العربي” ربما كان في غفوة كما كان يعتقد، وثبت أنه لم يكن مطلقاً في غفلة .

الأهم أن الثورة العربية تصنع تاريخ أمتها ولم يعد جائزاً أن تبقى انقساماتها مدخلاً للغير كي يقوم بما اعتاد القيام به وفق هذا المنطلق، فتتمكن الثورة العربية من خلال رسم سياسات مستقبلها أن تكون مؤهلة لصناعة تاريخها .

===============================

الثورة المصرية... وتحولات الشرق الأوسط

جاسوانت سينج

شغل في الهند سابقاً مناصب وزير المالية والخارجية والدفاع

تاريخ النشر: الإثنين 04 أبريل 2011

الاتحاد

على مدى ثمانية عشر يوماً، وأثناء موجات المد والجذر العديدة التي تخللت الاحتجاجات، لم يكن لأحد أن يتصور على الإطلاق أن نهاية الثورة المصرية قد تأتي على هذا النحو المفاجئ، وفي إعلان مقتضب لم يدم أكثر من نصف دقيقة: "الرئيس حسني مبارك تخلى عن منصبه...". بهذا الإعلان الذي انفجرت الحناجر على إثره مطلقة صيحات النصر إلى عنان السماء، انتهت حقبة من الزمن.

في الأيام والأسابيع المقبلة، قد تحمل لنا الأحداث في القاهرة بعض أنباء غير مبهجة، ولكن لا ينبغي لنا أبداً أن ننسى أن مصر خطت خطوة عملاقة، والتي كانت في واقع الأمر خطوة عملاقة خطاها كل العرب. إن مصر هي قلب وعقل العالم العربي ومركزه العصبي، لقد أنجبت الاشتراكية الإسلامية، ومناهضة الاستعمار، والوحدة العربية، والآن التأكيد الديمقراطي على إرادة الشعب. واليوم اتضح كذب وزيف الأحاديث الخبيثة حول عدم رغبة العرب في تبني الديمقراطية.

إن مصر، في كلمات الشاعر البنغالي العظيم رابندرانات طاغور: "هي الأرض حيث ترتفع الرؤوس (الآن) عالياً، وحيث تتحرر العقول (الآن) من الخوف...". لا شك أن عواقب الثورة سوف تكون واسعة النطاق. فالآن تهتز الأرض العربية القديمة تحت أقدام الأنظمة الاستبدادية التي بدت لعقود من الزمان وكأنها راسخة لا تتزعزع، والتي أدركت أخيراً أن قبضتها الحديدية على السلطة بدأت تفلت؛ وبدأ التغيير يغزو محيطهم الساكن الجامد. والآن لن تظل معاهدات الأمس، وخاصة تلك المبرمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، قادرة على بث نفس النوع من الثقة القديمة بوصفها أدوات لسياسة الدولة.

إن ذكرى هذه الأيام الثمانية عشر حافلة بالأحداث إلى الحد الذي يجعل من الصعب للغاية الفصل بين حدث وآخر، أو بين مرحلة والمرحلة التالية لها: بين المواقف المحركة للمشاعر، والمواقف الغريبة، والمواقف غير الواقعية، والمواقف الدرامية. ولكن الرغبة الشديدة في التغيير ظلت تشكل الخيط الذي توحد الجميع حوله، والسمة التي ظلت ثابتة على الدوام - التغيير الفوري الحقيقي الملموس، وليس الوعود أو السراب البعيد المنال.

تُرى هل ينتقل هذا التوق الشديد إلى خارج بلاد النيل، كما انتقل من تونس إلى القاهرة؟ إن هذا السؤال يقض مضجع أنظمة سلطوية عربية أخرى. وليس على الصعيد العربي فقط، بل إن السياسة الخارجية على الصعيد العالمي يجري الآن تنقيحها وإعادة كتابتها على عجل - وبقدر ما من الارتباك. ولهذا السبب تأرجحت السياسة الأميركية على نحو محرج ومحير بين تعليق وزيرة الخارجية الأميركية قالت فيه: "لا تستعجلوا خطوات التغيير وإلا فإن الحركة المؤيدة للديمقراطية قد تُختَطَف"، والنداء الحاسم الذي أطلقه أوباما والذي دعا إلى "التغيير الآن".

كان الشاعر التونسي العظيم أبو القاسم الشابي قد صور في كلمات مؤثرة روح الملحمة المصرية: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر". وهذا من حيث الجوهر هو ما قام به شباب مصر. إن اللغة التي يستخدمها هؤلاء الشباب معاصرة؛ والأدوات التي استخدموها للتغيير هي وسائل الإعلام الإلكترونية الحديثة. إنهم الآن - ونحن معهم - بعيدون كل البعد عن العالم الذي عرفه وفهمه مبارك، أو حتى العالم الذي عرفه وفهمه الزعيم العظيم الراحل جمال عبد الناصر.

والآن تواجه الثورة المصرية المهمة العصيبة التي تواجه كل الثورات الناجحة، وهي المهمة المتمثلة في تحديد وجهة المستقبل. وكما حدث عندما تفككت الإمبراطورية العثمانية عام 1922، أو كما حدث عندما أطاح عبد الناصر بنظام الملك فاروق عام 1952، فإن التحول الحالي أيضاً لابد وأن يتخذ صيغة واضحة. والكيفية التي سوف تظهر في المستقبل ستحدد ما إذا كانت نهاية نظام مبارك تمثل بداية عملية تحول سياسي عميق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وهذا هو الاحتمال الذي يهز الحكومات من واشنطن إلى بكين. والأمر لا يرتبط باستقرار العمل بقناة السويس واستقرار صادرات النفط التي أصبحت موضع شك الآن؛ بل إن عقوداً من الثوابت الاستراتيجية بات من الواجب الآن إعادة النظر فيها.

ولنتأمل هنا حالة إسرائيل، التي راقبت الأحداث في القاهرة بدرجة من القلق لم يسبق لها مثيل منذ عام 1979، عندما أطاح الخميني بشاه إيران، وهو الكابوس الاستراتيجي الذي كلف إسرائيل والولايات المتحدة أوثق حليف لهما في المنطقة، وهو الحليف الذي سرعان ما تحول إلى عدو عنيد.

لقد خاضت إسرائيل آخر حربين - ضد "حزب الله" في لبنان عام 2006، ثم ضد "حماس" في غزة في عام 2008 - ضد جماعات ترعاها وتكفلها وتدربها إيران. ومن الواضح أن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية سوف تصبح محل إهمال الآن بينما تركز إسرائيل على التطورات في مصر. ولا شك أن إسرائيل تتساءل الآن، وفي المقام الأول، ما إذا كانت معاهدة السلام مع مصر ستظل قائمة، وإذا لم تظل قائمة فكيف ينبغي لها أن تدير عملية إعادة الهيكلة الضخمة اللازمة لتعديل موقفها الدفاعي.

ولكن مصير إسرائيل ليس الأمر الوحيد الذي يهز أركان السياسة الأميركية الآن بشكل خاص. فقد كانت مصر بمثابة حجر الزاوية للعمل الأميركي الموازن في الشرق الأوسط -والعالم الإسلامي - طيلة ثلاثة عقود من الزمان. والواقع أن معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عملت على إبقاء مصر على الحياد على نحو مريح، الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بتكريس مواردها الاستراتيجية لتحقيق مصالحها في أماكن أخرى من العالم. وبدورها عملت مصر، المدعومة بمساعدات ضخمة من الولايات المتحدة، على تأمين المنطقة من حريق أضخم، ولو أن نيران النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ظلت مستعرة. وهنا يكمن جوهر المعضلة بالنسبة للولايات المتحدة: فهي تريد لأجهزة الدولة الأساسية أن تبقى، حتى لا تسقط مقاليد السلطة بين أيدي الجهة الخطأ. وهذا يفرض على الولايات المتحدة أن تبدو بمظهر الجهة المنحازة للمطالبة الشعبية بالتغيير، وتتجنب في الوقت نفسه ظهورها بمظهر المشجع للجمود السياسي.

ولكن هناك من الأسباب الوجيهة ما يدفعنا إلى الاطمئنان إلى ردود فعل أوباما. فقد وصف رحيل مبارك بأنه استعراض "لقوة الكرامة الإنسانية"، ثم أضاف: "لقد تكلم شعب مصر، فسُمِع صوته، ولن تعود مصر إلى ما كانت عليه أبداً".

ولكن لا شيء يقوله أوباما، أو أي شخص آخر، قد يجيب على التساؤل الذي يشغل الآن اهتمام كبار المسؤولين الأميركيين: هل تؤدي سيادة الشعب في مصر حتماً إلى معاداة الولايات المتحدة؟

ينشر بترتيب مع خدمة "بروجيكت سينديكيت"

===============================

حزب الله حاضر إقليمياً إلى جانب دوره على الساحة اللبنانية

حسان القطب

الجمعة 1 نيسان 2011

المصدر: موقع بيروت أوبزرفر

عقب موافقة حزب الله على القرار الدولي رقم 1701، والذي نظم وجود القوات الدولية إلى جانب الجيش اللبناني في الجنوب اللبناني، شعر حزب الله بالراحة والاطمئنان إذ أصبح بينه وبين خط الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة ما مجموعة 13500، جندي من القوات الدولية المتعددة الجنسيات، تفصل بين عناصره وبين الجيش الإسرائيلي وأي انتهاك إسرائيلي بري للحدود اللبنانية لمواجهة حزب الله، سيضعها في مواجهة المجتمع الدولي إلي يضمن بموجب القرار 1701، الاستقرار والهدوء على الجبهة الساخنة وإعادة التنمية في قرى وبلدات الجنوب اللبناني التي دمرها عدوان تموز/يوليو من عام 2006، فانتقل عمل وجهد حزب الله إلى الداخل اللبناني، فعشنا مرحلة حصار السراي الحكومي في أواخر عام 2006، أي عقب الحرب المدمرة بأشهر قليلة، ثم عانينا من أحداث 25 كانون الثاني/يناير من عام 2007، التي شلت لبنان واقتصاد لبنان لأيام وأسابيع، ثم حصل الانقسام الخطير عندما هاجمت ميليشيا حزب الله بيروت والجبل في أيار/مايو من عام 2008، وما تبعها من أحداث متفرقة ومتنوعة.. كلها تصب في خانة الأحداث الأمني الخطيرة والمواقف السياسية الداخلية التي تؤكد الانقسام الداخلي بين مكونات المجتمع اللبناني ومدى عمقه نتيجة واقف حزب الله ونبيه بري وبعض القوى المتحالفة والمرتبطة بهم وبمشروعهم..

قد يكون مبرراً لدى الجميع أن يكون هناك صراع على السلطة في الداخل اللبناني وقد يتفهم أي مراقب سياسي كما أي مواطن عادي أن الخلاف على السلطة أو في النهج السياسي هو أمر مشروع ومقبول ويبقى تحت سقف العمل العام الذي تتباين حوله الرؤية والمواقف والمسارات والتوجهات... ولكن توالت المؤشرات والدلائل على أن هناك شيئاً ما يفوق حجم ودور وقدرة الشعب اللبناني على تحمله وبالتحديد قدرة الطائفة الشيعية التي يفرض حزب اله ونبيه بري نفسيهما ناطقين وحيدين باسمها، بل وفي رسم علاقاتها ودورها في لبنان والخارج... الإشارة الأولى المقلقة كانت في اليمن عندما تحدث نصرالله مدافعاً عن الحوثيين ودورهم وطموحهم خلال الصراع المسلح الذي دار بينهم وبين السلطة اليمنية والذي كاد يتهدد بتفجير صراع طائفي ومذهبي يمتد لكافة المنطقة وتوالت الإشاعات والروايات والاتهامات عن دور حزب الله وعلاقته بالحوثيين، ولو سلمنا جدلاً بعدم وجود دور لحزب اله في اليمن فإن حرص نصرالله على الحوثيين ومناشدته للرئيس اليمني لوقف الحرب تؤشر على وجود علاقة ما بين الفريقين تحت سقف الرعاية الإيرانية.. ووقعت أحداث طهران الدموية ومارست السلطة الإيرانية أقسى أنواع الشدة والحزم والبطش لقمع المتظاهرين المطالبين بالحرية والعدالة فلم يتحدث نصرالله مطالباً السلطة الإيرانية أو رئيس إيران ومرشدها بضرورة الحوار مع المعارضة أو ناقشة مطالبها كما لم يحذر من استخدام القوة المفرطة في مواجهة المواطنين الإيرانيين.. ولكن الإشارة الخطيرة كانت حين نشرت مواقع وصحف متعددة ومتنوعة صوراً وبعض التفاصيل التي تتحدث عن مشاركة عناصر ن حزب الله في لبنان في قمع تظاهرات طهران وسواها من المدن الإيرانية.. ولم يتكلف حزب الله عناء الرد أو النفي أو التوضيح.. وجاءت أحداث البحرين الأخيرة لتظهر مدى ترابط القوى والمشاريع والأدوار والتوجهات والهداف..؟؟ فقد نشرت الصحافة البحرينية والخليجية العديد من التصريحات والاعترافات التي تفيد بتورط حزب الله في أحداث البحرين إلى جانب مجموعة مذهبية معينة، وكانت كلمة نصرالله المؤيدة لهذا الفريق خير دليل على مدى الترابط والالتزام بين الفريقين وتشابك المصالح والأدوار.. ؟؟ لم يحذر نصرالله من فتنة طائفية ولم ير في الصراع السياسي في البحرين أي بعد ديني أو مذهبي بل على العكس رأى فيه مطالب شعبية ومحقة وضرورية واعتبر عدم تنفيذها فيه شيء من تلك الأفكار..ووصفت إذاعة النور الناطقة باسم حزب الله..( أمّا البحرين فقد كشفت هَلَعَ النظام ورُعْبَهُ رغمَ سلميّةِ التظاهراتِ المطالبةِ بإصلاحات سياسيةٍ، ما حَدَا بالسلطاتِ العسكرية إلى ممارسةِ عمليات قتل غير مسبوقة أوقعت في إحصاءات غير نهائية أكثرَ من ثمانيةِ شهداء عدَا عن مئات الجرحى وعشرات المفقودين) وساهم إعلام حزب الله في تغطية الأحداث في البحرين بشكل يومي ومباشر ولا يزال..مما انعكس سلباً على العلاقات بين لبنان ودولة البحرين وعلى الجالية اللبنانية العاملة في البحرين..؟؟ في حين أن موقف حزب الله من أحداث سوريا الأخيرة كان متجاهلاً للمظاهرات ولم يتقدم بالتعازي من ذوي الشهداء، ولم يستنكر أو يدين جرائم القتل المروعة بحق المدنيين العزل من المتظاهرين المطالبين بحقوقهم، حتى الأسد الابن نفسه لم يذكر الشهداء بخير، بل وصفهم بالضحايا.... وتكاثرت الأقاويل حول تورط مجموعات من حزب الله في عمليات القمع في سوريا على طريقة ما جرى في طهران وذكرت ذلك أكثر من محطة إعلامية، وإن لم يجر التأكد من صحة أو دقة تلك الأخبار المتواترة والمنشورة، ولكن الملاحظ أن حزب ومرة أخرى لم يقم بالنفي أو بالرد على هذه الأقاويل.. وبدل التركيز على أسباب المظاهرات ومطالب الشعب السوري وسبب معاناته والإشارة إلى طلباته ومطالبه، كان تركيز إعلام حزب الله وملحقاته وأتباعه على الإشارة إلى أن سلاحاً انتقل من طرابلس إلى سوريا، مع ما تحمله هذه الأقاويل من خطورة زرعٍٍ للفتنة وتأجيجٍ للخلافات الداخلية، والقول أن فريقاً لبنانياً أو قوى لبنانية وخارجية تساعد وتساند المظاهرات السورية.. فيه تلميح إلى تدخل عملاء ومرتزقة في الشأن السوري، كما ينزع الصفة الوطنية عن جماهير الشعب العربي السوري الذي خرج مطالباً بظروف معيشية أفضل..والمؤسف القول أن الشهداء في سوريا هم ضحايا وقتلى، ولكن في البحرين هم شهداء.. إنها إشارة في غاية التحريض والدس والتفريق..ولا يمكن تجاهلها أو المرور عليها مرور الكرام..لما تحمله من معاني وتلميحات وخلفيات..؟؟؟ ولو قارنا ما قالته إذاعة النور حول ما يجري في البحرين مع التصريحات التي نشرها إعلام حزب الله لوجدنا الفرق الواسع في التغطية الإعلامية التي تؤكد عدم موضوعية هذا الفريق ولا حتى صدق توجهاته..فقد نشر موقع الانتقاد التابع لحزب الله حول ما يجري في سوريا ما يلي:(بعد المسيرات المليونية التي خرجت اليوم الثلاثاء في سوريا دعما للنظام وللرئيس السوري بشار الأسد، "انكفأت" في لبنان بعض القوى السياسية التي كانت تراهن على ضعف النظام وتورطت في أعمال تخريبية خلال الأحداث التي جرت في كل من درعا واللاذقية)..وقد رأى نبيه بري: ( أن الرئيس السوري بشار الأسد "يقود الحركة التصحيحية الثانية بعد الحركة التصحيحية الأولى التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد"، لافتاً إلى أن في الأولى، وضع الرئيس الراحل الأسس لسوريا المنيعة حصن وبوصلة العرب، ومسطرة قياس الموقف السياسي من قضايا الأمة، وفي الثانية يضع الرئيس بشار أسس سوريا الحديثة، سوريا حضن الحرية والمشاركة والديمقراطية المصنوعة وطنياً، ودولة الحقوق المدنية، ودائماً قلعة المقاومة والممانعة". وأضاف "الآن تزداد ثقتنا بالاستقرار في سوريا، وهو الأمر الذي يزيد ثقتنا بأنفسنا وبموقفنا الثابت المعلن أن استقرار سوريا ضرورة وحاجة عربية ولبنانية على وجه الخصوص").. إذا كان هذا موقف حزب الله ونبيه بري مما يجري في سوريا، فلماذا كل هذه الضجة حول ما جرى في مصر وتونس؟؟؟ وحول ما جرى في البحرين..؟؟ ولا يزال يجري اليوم في ليبيا واليمن..؟؟؟ فالمقياس واحد والمشكلة واحدة.. إذا أردنا أن نكون واقعيين ومنطقيين..!! اللهم إلا إذا كانت الأهداف المشتركة لدولة إيران وحزب الله وبري تتطابق في دولة البحرين، وتتقاطع في باقي الدول، ولكنها في حقيقة الأمر تخشى التغيير الذي يطرق اليوم أبواب سوريا بقوة.. لذا نرى أن حزب الله قلق على النظام السوري لما يشكله له من ممر وباب خلفي يؤمن له الدعم والرعاية عبر الراعي الإيراني..لذا فهو يخشى أن يقع التغيير في أية لحظه، وبالرغم من قلق هذا الفريق على نظام سوريا، إلا أن عينه وعواطفه لا تزال مع حلفائه في مملكة البحرين وهذا ما تحدثنا به وسائل إعلامه كل لحظه...

بناءً على ما ورد يمكننا القول أن حزب الله متمسك بالقرار الدولي 1701، لما يؤمنه له من هدوء واستقرار في الجنوب اللبناني، يسمح له بنهش مواقع في السلطة اللبنانية أو على الأقل تعطيلها، والإمساك بالسلطة السياسية في لبنان عبر تغيير الحكومة على طريقته، فحزب الله اليوم لا يسعى للحرب مع إسرائيل على الإطلاق لأن دوره الحالي كما نلحظ هو إقليمي يتجاوز الساحة اللبنانية، وهذا الدور الذي تقوده إيران يستند إلى التزام حزب الله العقائدي بمفهوم ولاية الفقيه، الذي تقوده دولة إيران، وحضوره الشعبي الكبير ضمن الطائفة الشيعية في لبنان، وقدرته العسكرية الرادعة، التي يجب أن تبقى متنامية وحاضرة لحماية دورها في لبنان وما قد يطلب منها خارج لبنان...

========================

التصعيد في فلسطين والثورات العربية

هشام منور

2011-04-04

الوطن السورية

على الرغم من الطابع الاجتماعي والاقتصادي للثورات التي اجتاحت العالم العربي، والتي أفضت إلى إسقاط نظامي الحكم في تونس ومصر، إلا أن رافعة العرب والمسلمين وقضيتهم المركزية (فلسطين) لم تكن غائبة عن وجدان المنتفضين وعقولهم في الميادين العامة، فكانت محاسبة الأنظمة على سياساتها الخارجية وبالذات على علاقتها بالكيان الإسرائيلي، وصمتها الفاضح على ممارساته بحق الشعب الفلسطيني، إحدى النقاط المهمة التي تجمعت على قائمة المطالب الشعبية.

الكيان الإسرائيلي المرتعد من تتابع سقوط الأنظمة الحليفة، سعى إلى جسّ نبض الشارع العربي المنشغل بثوراته، فشنّ عدواناً جديداً على غزة، أسفر عن استشهاد ثمانية فلسطينيين، بينهم ثلاثة أطفال في قصف مدفعي وجوي، استهدف حيي الشجاعية والزيتون. فجاءه الردّ الفلسطيني هذه المرة سريعاً وغير متوقع، في مدينة القدس، وهو الأول منذ عام ألفين وخمسة، فأسفر انفجار عبوة ناسفة قرب محطة الحافلات الرئيسية بالقدس الغربية، إلى إصابة أربعة وعشرين إسرائيلياً، أربعة منهم حالتهم خطرة.

وبينما كانت الحكومة الإسرائيلية تستعد للقيام بعدوان عسكري رداً على عملية القدس، تفاجأت بردّ فعل رسمي من حليف ما عاد كذلك، على لسان وزير الخارجية المصري، نبيل العربي، فدعا البيان: «إسرائيل إلى ضبط النفس، وحذرها من الاندفاع إلى عملية عسكرية في غزة». ليخفف من حدة لهجته مع تأكيده أن مصر ترفض وتدين العنف بحق المدنيين.

لم تخف المؤسسة الإسرائيلية قلقها من انتصار الثورات في دول عربية واستمرارها في دول عربية أخرى، ومرد الهلع الإسرائيلي حضور القضية الفلسطينية بقوة في شعارات شباب الثورات العربية، واللافت أن انتصار الثورة المصرية كان هاجسا قوياً يلاحق المؤسسة الإسرائيلية وقادة إسرائيل العسكريين والسياسيين والإستراتيجيين على حد سواء، نظراً لما تمثله مصر من وزن سياسي وبشري كبير في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

فقد كان لمعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية بالغ الأثر في استقرار الوضع الأمني والاقتصادي في إسرائيل، حيث شهدت تطورات كبيرة في الجانب العسكري، كما تراجعت الاقتطاعات لموازنة الحرب من نحو 35% قبل عام 1978 إلى أقل من 15% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن ذلك شهدت أرقام الهجرة اليهودية تحسناً كبيراً في ظل الاستقرار الأمني الصهيوني.

الموقف المصري الأخير دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى تبني خطاب تهدئة فرضته المتغيرات الجديدة، فأعلن خلال لقائه رؤساء بلديات إسرائيلية متاخمة لغزة، أن «إسرائيل» لا تريد تصعيد الأوضاع الأمنية في القطاع، إلا أنها مصممة على استخدام كل القوة اللازمة للدفاع عن الإسرائيليين، على حين دعا رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، شاؤول موفاز، للعودة إلى سياسة القتل المستهدف، في ظل تراجع خيارات القيام بعمل عسكري موسع.

إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني كمطلب شعبي وشبابي فلسطيني سيعيد الاعتبار بشكل جلي إلى الثوابت الفلسطينية، وفي المقدمة منها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، واعتبار القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية، فضلاً عن اعتبار المستوطنات الجاثمة في الأرض الفلسطينية معالم احتلالية تجب إزالتها.

فهل دخلت قضية فلسطين مرحلة جديدة مع انتصار الثورات في عدد من البلدان العربية؟ وكيف ستنعكس المعطيات الجديدة على مفردات القضية الأهم للشارع العربي والإسلامي؟ وهل ستتمكن الثورات العربية من دعم القضية الفلسطينية والعمل على إعادة توحيد الصف الفلسطيني وإعادة الألق إلى القضية الفلسطينية؟ أسئلة كثيرة وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عنها.

===============================

هل حان دور سورية على لائحة الانتفاضات؟

الإيكونومست

4-4-2011

يعتبر معظم مراقبي الوضع السوري أن الأسد الابن ليس بقساوة أبيه، لكنه محاط بعدد كبير من رجال الأمن أنفسهم الذين رافقوا والده. في الأسابيع الأخيرة، اعتُقل مئة ناشط سياسي على الأقل، وتقدّر بعض جمعيات حقوق الإنسان العدد بأكثر من 300 معتقل.

خلال الأشهر الأخيرة، بينما كانت الأنظمة الاستبدادية العربية تتخبط وتنهار أحياناً، كان الرئيس بشار الأسد يتربع على عرشه في العاصمة دمشق، وقد بدا أنه محصّن جيداً ضد الانتفاضات الحاصلة في أماكن أخرى. لكن لم يعد الوضع كذلك. منذ 18 مارس، أصبحت مدينة درعا التي تضم حوالي 100 ألف نسمة، على مساحة 100 كلم جنوباً، ساحة مشتعلة للاشتباكات. فقد قُتل 12 مدنياً على الأقل، منهم ستة ضحايا خارج المسجد العمري في 23 مارس، وأشارت التقارير إلى أن ثلاثة آخرين تعرضوا لإطلاق النار في وقت لاحق من ذلك اليوم. نتيجةً لذلك، عمت الاحتجاجات في مدن سورية أخرى، منها حمص، وبانياس، ودير الزور، وحتى في دمشق نفسها، ولو بنسبة ضيئلة. ويبدو أن النظام، بعد أيام عدة من التردد، سيلجأ إلى قمع تلك التحركات. وها قد بدأت تفوح رائحة الفتنة في الأجواء السورية الآن.

تم تطويق درعا بقوات عسكرية حضرت من بقية مناطق سورية. أُقفل مركز المدينة وقُطعت الاتصالات والكهرباء عنها، وبصعوبة تتسرب المعلومات عما يحدث في داخلها. تتذكر جماعات حقوق الإنسان بغضب أحداث سحق حافظ الأسد لثورة 'الإخوان المسلمين' ضده في مدينة حماة، عام 1982، وقد أسفرت حينها عن مقتل 20 ألف شخص تقريباً. يعتبر معظم مراقبي الوضع السوري أن الأسد الابن ليس بقساوة أبيه، لكنه محاط بعدد كبير من رجال الأمن أنفسهم الذين رافقوا والده. في الأسابيع الأخيرة، اعتُقل مئة ناشط سياسي على الأقل، وتقدّر بعض جمعيات حقوق الإنسان العدد بأكثر من 300 معتقل.

اندلعت أعمال العنف في درعا القريبة من الحدود مع الأردن، بعد أن سُجن بعض المراهقين بسبب كتابتهم عبارات على الجدران تندد بالنظام المحلي والفساد. نظّم الناس في مدن أخرى مسيرات في 'يوم الكرامة' نفسه، لكن استمرت الاضطرابات في درعا. تحيط بهذه المدينة منطقة زراعية فقيرة تسكنها قبائل سنية محافظة. بعد إطلاق النار على أربعة شبان في ذلك اليوم الأول، انطلقت حلقة مفرغة من المآتم والاحتجاجات، مع مطالبة القبائل بالانتقام.

لبّى الأسد أحد مطالب المحتجين، فطرد حاكم المحافظة. غير أن ردة فعل حكومته الباردة أدت إلى تعزيز عزيمة المحتجين، مع أنهم توقفوا الآن عن الدعوة إلى رحيل الرئيس نفسه. لقد أنكرت السلطات مسؤوليتها عن عمليات القتل، وألقت اللوم على مجموعة من المشاغبين المنتمين إلى المتطرفين الفلسطينيين والمسلمين والعصابات المجرمة.

تبدو الأوساط الحاكمة المحيطة بالأسد منقسمة ما بين معسكر يدافع عن عمليات قمع الاحتجاجات وآخر يقترح الإصلاح. قبل حملة الاعتقالات الأخيرة بحق الناشطين، أعلن الموقع الإلكتروني الحكومي إصدار عفو عام على المعتقلين السياسيين، لكن سرعان ما سقط القرار طبعاً ومُحي هذا الإعلان عن الموقع سريعاً. على صعيد آخر، خُفّضت مدة الخدمة العسكرية، التي يكرهها الشباب السوري، من 21 إلى 18 شهراً. وقد قوبلت أهم المطالب بالرفض الشديد، مثل إنهاء حالة الطوارئ التي تسمح للدولة باعتقال أي شخص يتخطى الحدود التي رسمها النظام.

تشير عمليات إطلاق النار في درعا إلى أن الحكومة انحازت إلى خيار قمع الاحتجاجات. لكن قد تكون لهذه الخطوة نتائج عكسية. يمكن أن نسمع صيحات تدعو إلى صون الكرامة في أنحاء البلاد. حتى أن بعض الهتافات التي طبعت الاحتجاجات دعت إلى الثورة. حتى الآن، امتنعت الأقلية الكردية في الشمال الشرقي عن المشاركة الواسعة في التحركات الاحتجاجية، مع أنها كانت تميل دوماً إلى تأييد المعارضة، لكنها قد تعود وتنضم إلى التظاهرات في حال انتشرت الاحتجاجات على نطاق أوسع.

يبدو أن المخاوف من نشوء صراع طائفي تلوح في الأفق السوري. يتركز نفوذ الأسد بين أعضاء طائفته العلوية، وهي أقلية متفرعة عن الطائفة الشيعية وتصل نسبتها إلى 6 في المئة من السوريين تقريباً. بدأت قناة 'الجزيرة'، التي ساهمت في تحريك الاحتجاجات في بلدان أخرى، تبث أخباراً عن الاضطرابات الحاصلة في درعا. قد يؤدي ذلك إلى منح الاحتجاجات زخماً أقوى في أنحاء البلاد.

ستتم الدعوة إلى احتجاجات إضافية مستقبلاً، في حال لم تتجاوب الحشود معها، فقد يتنفس النظام الصعداء مجدداً. لكن إذا نزل المحتجون إلى الشوارع بأعداد غفيرة وقررت قوى الأمن فتح النار عليهم، فقد تخرج الأمور عن السيطرة. وحتى نظام الأسد الصامد قد يبدأ بالتصدع.

===============================

السجون في دمشق لا تكفي

علي الظفيري

2011-04-03

العرب القطرية

لا شيء يحدث في سوريا، ليس سوى قرابة مائة شهيد سوري حتى الآن!، ويد النظام طويلة هناك وتصل للجميع، الخبرات التي تراكمت لدى الأجهزة الأمنية الكثيرة والمتشابكة وجدت مسرحا مفتوحا هذه المرة وبدأ العرض الكبير، سيارات الدولة وأخرى تابعة لها في الخفاء تمشط الشوارع وتشيع القتل، ثمة من يقول في دمشق: سياطي أقسى وأشرس من السابقين، وستخرس الألسنة وتوقف زحف الأجساد كما لم يفعل أحد من قبل، وهذا غير صحيح على الإطلاق!.

لا يختلف اثنان على شراسة النظام الأمني في دمشق، التاريخ الطويل والعريق لأجهزة المخابرات السورية في إدارة الشأن الداخلي معروف لدى الجميع، كل شيء في هذه البلاد منذ أربعين عاما يمر عبر بوابة الأمن، السياسة والاقتصاد والفن والثقافة وحياة الناس العادية مكتوبة في لوح الأمن المحفوظ، يمكن لضابط مخابرات صغير أن يعمل في كل مهنة في هذه الدنيا، كل مهنة بلا استثناء، فالخبرات التي يكتسبها في عمله لا تتوفر لأحد غيره، يعرف الضابط هيثم المالح وبرهان غليون وبسام كوسا وعارف دليلة وهيثم مناع وميشال كيلو ورياض سيف وعبدالمجيد منجونة وفايز سارة وأكرم البني، كما يعرف الصحفيين مثل عامر مطر وأصحابه، ويمكنه أن يدلك على كل رجال الأعمال في البلد ودخلهم اليومي، إضافة للملاهي الليلية والراقصات اللاتي يعملن فيها وأوقات العمل، تقتات المخابرات على حياة الناس وخوفهم ورزقهم، وتشاركهم حتى أنفاسهم، ومن هنا كانت صدمتها الكبيرة فيما رأت، وأيضا قسوتها المتوحشة في مواجهته.

هل ما سبق هو فقط ما يمكن اعتماده في توصيف النظام السوري؟ قطعاً لا، فهناك وجه آخر لا يمكن تجاهله أبدا، واجهت سوريا أكبر تحدٍ يمكن لنظام عربي أن يواجهه في الأعوام الماضية، هجمة المحافظين الجدد على المنطقة كانت غير مسبوقة، وتمت محاصرة النظام السوري في أعز ما يملك، العمق العربي ولبنان، وقفت دول الاعتدال العربية في وجه السوريين إضافة للضغط الأميركي الكبير والتلويح الدائم بإسقاط النظام أسوة بما حدث للبعث في العراق، استخدمت كل الأوراق المشروعة وغير المشروعة في ضرب الخاصرة اللبنانية لسوريا، كانت المنطقة برمتها أمام مشروع تفتيت وإعادة تمزيق آخر، وحدها سوريا راهنت على الخيار الصعب، أمعنت في تحالفها الإيراني حتى النهاية، واحتمت بالمقاومتين الفلسطينية واللبنانية كخيار دفاعي لا هجومي، وقدمت ما يجب أن تقدم للأميركيين في ملف مكافحة الإرهاب، خاضت الأمة حربين كبيرتين في هذه الفترة وكانت سوريا في الموقع الصحيح، بغض النظر عن البراغماتية التي استدعت تلك المواقف وواكبتها، وعن حروب الوكالة التي عززت من أوراق النظام، فمن خاض الحرب كان قد فعلها لأسبابه الخاصة، وكانت سوريا في موقف الداعم والمؤيد، وهو موقف لن ينساه المرء أبدا.

السياسة الخارجية السورية هي الرابح الوحيد في المنطقة قياسا على كل ما جرى، لبنان والعراق والتحالف مع إيران وتركيا، كان كل شيء يصب في صالح النظام السوري حتى قبل وفاة محمد البوعزيزي وانطلاقة ربيع الثورات العربية، أول الخاسرين أولئك الذين رهنوا أوطانهم للمشاريع الأجنبية في تونس ومصر، بعدهم جاء دور القذافي وعلي صالح، الثنائي الذي استوعب درس الرئيس الراحل صدام حسين جيدا، وقدما كل ما يلزم وما لا يلزم أيضا للبقاء في منصبيهما، بعدها جاء دور دمشق، والنجاحات السورية على صعيد الإدارة الخارجية للبلد لم تشفع له، فأنت تدافع عن المقاومة وترفع شعاراتها على حساب مواطنيك، تقف ضد الاحتلال وتحتل بلدك بشكل سافر، تحرم الناس من حريتهم وتسلب قوتهم وتخيفهم وتستولي على ثرواتهم وتدير حياتهم بشكل صعب وفظ جدا يجعل الشعب في حالة أكثر مأساوية من تلك التي ترزح تحت نير الاحتلال، وذلك كله بحجة الحفاظ على وحدة البلد ومواجهة المشاريع الخارجية!.

قبل عقد من الزمان تجاوز السوريون –برضاهم وبغير رضاهم– مشهد التوريث الأول والاستثنائي في العالم العربي، وانطلقت وعود الإصلاح والانفتاح والتغيير، مضت السنوات العشر ولم يتغير شيء، بل زاد الفساد والتحالفات المشبوهة بين الأمن ورجال الأعمال والسياسيين المقربين للرئيس وأصبحت تلك سمة رئيسية للنظام الجديد، ثم يأتي الرئيس السوري ليسخر من رياح التغيير ويقلل من قدرات الشباب السوري ويمد يده في الصندوق ليخرج بالاتهامات ذاتها كما فعل مبارك وزين العابدين يوما: الأيادي الخارجية والفتنة والمندسين!. ثم يتحدث عن جدول الإصلاح غير المتسرع والسنوات العشر القادمة!، من أخبره أنه يملك هذا الوقت، لا يعلم الرئيس أن الفرصة لا تسنح إلا مرة واحدة!.

============================

سورية... أي ممانعة ومؤامرة؟!

الهدهد

4-4-2011

كلما تحدثتُ مع أحد من الأصدقاء السوريين، وجدته محبطاً يصب جام غضبه على الخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد. كانت الملاحظات والانتقادات كثيرة على الخطاب، لكن غالبيتها ترتكز على اعتماده على شعارات قديمة، ولغة فضفاضة، ومحاولته تجاوز مطالب المحتجين الباحثين عن الحقوق والحرية والكرامة. لقد حمل خطاب الأسد كبرياءً وسخرية لا داعي لها، وألبس المطالب الشعبية عباءة «المؤامرة» التي تطارد الشعب السوري منذ خمسين عاماً، كأن الشعب مكتوب على جبين كل شخص فيه «الحقوق ممنوعة» طالما هناك «مؤامرة». فبدلاً من البدء في تنفيذ الإصلاحات، ورفع حال الطوارئ، لا تزال الوعود «عرقوباً» يستخدمه النظام، بعيداً عن الشفافية والعدالة الاجتماعية.

لقد أصيب الشعب السوري بإحباط، بعد انتظاره لأيام خطاباً جاء ممانعاً وفضفاضاً، خصوصاً أن مستشارة الرئيس بثينة شعبان ألمحت في تصريحات صحافية إلى توجه البلاد نحو إلغاء قانون الطوارئ، والسماح بالتعددية الحزبية، وإطلاق الحريات الإعلامية، وهي جزء من مطالب المحتجين التي لن يتراجعوا عنها، بل ستزيد.

لقد توقّع الشعب أن يكون خطاب رئيسه بمثابة إعلان عن تدشين مرحلة جديدة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ الحقوق بالقانون لا تكرار لغة المقاومة والمؤامرة. لم يتغيّر خطاب الأسد عن سابقاته، فقد عزف على أوتار المقاومة التي تستضيفها بلاده، ونظرية المؤامرة الخارجية من دول قريبة وبعيدة، لتفجير فتنة طائفية عبر أذيالها في الداخل، بما يعني شرعنة منطق «المندسين» التي يستخدمها، واستخدمها قبله الحكام «المحشورون» أو «المزنوقون»!

لا أعرف لماذا لا يكل ولا يمل مثل هؤلاء الرؤساء من تعليق أخطاء حكوماتهم على شماعة المؤامرة؟ ولم أفهم بعد ما علاقة الإصلاحات الداخلية التي تطالب بها الشعوب بالمواقف من القضايا السياسية الموجهة للخارج؟ هناك حجج عفا عليها الزمن، وأكل عليها الدهر وشرب، فالدول العربية أنظمتها تحت الضغط الداخلي قبل الخارجي، ومواقف الدول الغربية والقوى الأجنبية ليست جديدة على الأنظمة الحاكمة في المنطقة. ليعلم الأسد أن «تسونامي» التغيير الذي يجتاح المنطقة لن يتجاوز بلاده بسهولة يتمناها، عبر تسويق مبررات وجود المقاومة، ونظرية المؤامرة والضغوط الخارجية، طالما ظل يرفض إجراء إصلاحات حقيقية، ولا يستمع للمطالب الشعبية ويتجاوب معها، وسيسمع هدير الجماهير وهي تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام».

لفت الأكاديمي السوري عامر العظم في مقالة عنوانها «14 سبباً تدعو لإسقاط نظام بشار الأسد» إلى أن «نظاماً لا يشعر بالخجل من استمرار أرضه المحتلة، ويتشدق بالمقاومة الحنجورية والتوازن الاستراتيجي لأربعين عاماً، نظام لا يستحق الاستمرار. ولا يمكن إعطاء مسكن لشخص مصاب بالسرطان كعلاج...، تابعنا الخطاب الذي أكد لكل صاحب بصيرة، أنه لا يمكن إصلاح النظام. فلا يتوقّع أحد أن بشار الأسد سيقبل إصلاحاً يطاوله، ويمنع التفرد بالسلطة والثروة. لم يوفق الأسد في خطابه، ولغة التهديد والوعيد والقبضات الأمنية لن تحمي أي نظام من الشباب الثائر، والدرس لا يزال حياً في مصر وتونس وليبيا».

يعلم كثيرون أن سجون النظام السوري ممتلئة بمعتقلي الرأي والحرية، وحقوق الأكراد السوريين مهدرة، وحقوق المواطنة غائبة، والبطالة متفشية، وأجهزة القمع لها يد طائلة، والرئيس السوري يتجاهل كل ذلك، ويراهن على المقاومة ومواجهة المؤامرة، كأنه يريد أن يترك الشعب السوري حقوقه، ويضحّي من أجل حقوق الآخرين.

أعتقد أن كلمة الرئيس السوري تقدم مبررات لتأجيج الاحتجاجات، وزيادة التوتر، وإجبار الشعب على الخروج للشارع، وزيادة سقف المطالب. يجب أن يتذكر الأسد أن لغة التهديد والوعيد، وتوزيع التهم على الشعب «مندسين» و«متآمرين»، و»عملاء» لم تمنع الشعب التونسي من الخروج للشارع، كما لم توقف الشعب المصري من الاستمرار في مطالبه المشروعة، ولن تمنع الشعب السوري من أن يتحوّل جميعه إلى «مندسين» يخرجون إلى الشوارع من المنازل والأزقة والمساجد والمدارس والجامعات، مطالبين بحقوقهم وتطلعاتهم وحريتهم، وهو ما بدأ بالفعل، من خلال الحملة التي انطلقت على الموقع الاجتماعي «فيسبوك»، الذي يدعو السوريين للخروج في «جمعة - الشهداء»، فهل سيعلن النظام السوري الحرب ضد شعبه؟

===============================

حال مصر... بعد الثورة

الإثنين, 04 أبريل 2011

محمد صلاح

الحياة

يسأل كثيرون عن أحوال مصر بعد الثورة، وهم يرون انفلاتاً أمنياً ما زال يضرب شوارع البلاد وأحياءها ومدنها ومؤسساتها، وتظاهرات فئوية تعطل مصالح الناس وتوقفاً في عجلة الإنتاج، وبقاء رموز من نظام سقط رأسه وتداعى جسده بينما ترفض خلاياه أن تترك مواقعها، وتباطؤاً في اتخاذ قرارات ضرورية وإن صدرت فإنها عادة تصدر متأخرة بعدما يكون القطار فاتها وانتقل إلى محطة أخرى، ورئيس حكومة جلس على مقعده بفعل الثورة ومن قلب ميدانها من دون أن يحقق طموحات الذين حملوه على أعناقهم واعتبروه واحداً منهم.

يشاهد الناس إعلاماً رسمياً مثيراً للجدل يتأرجح ما بين رفض الثورة من أساسها تلميحاً من دون تصريح، وبين محاولة ركوبها من الأشخاص أنفسهم الذين كانوا اتهموا الثوار بأنهم عملاء ومدسوسون وأدوات لجهات خارجية.

انزعج بعض الذين أطلقوا الثورة وضحوا من أجلها ومعهم مصريون آخرون ومحبون لمصر في الخارج من غياب برنامج للثورة يحدد أسلوب الحكم في المرحلة المقبلة ما أفرز سيولة سياسية جعلت أي شخص أو أي جهة أو جماعة ترغب في فعل شيء، مهما كان، يمكن أن تفعله من دون ضابط أو رابط، حتى لو لم يكن له علاقة بالسياسة أو يدخل ضمن عجائب الأمور، ومن أدوار رجال دين صاروا يتحدثون في السياسية أكثر من الدين ويتكلمون عن الحكم أكثر من مبادئ الإسلام أو المسيحية، فتصدروا المشهد السياسي من دون السياسيين، ومن غياب الرؤى بين قوى أخرى في المجتمع سعت إلى الشيوخ أو القساوسة للفوز بفتوى أو تصريح يصب في مصلحة هذه الجهات أو تلك.

يستمر الانزعاج أيضاً ليشمل ظواهر اعتبروا أن الثورة أفرزتها: ظهور السلفيين وحضورهم في الشارع والإعلام بعد المساجد والزوايا، وتحولهم من الكمون إلى البحث عن دور سياسي بعباءة الإسلام أو فرض الأمر بالمعروف بالقوة أو النهي عن المنكر بالعنف. ويتساءلون عن إخوان مسلمين نالوا الشرعية بعد سنوات الحظر وطبيعة خططهم للمستقبل وحضورهم الطاغي على المشهد السياسي وتأثيرهم في الشارع ومدى قبولهم بالآخر.

يرصد بعضهم مشاهد متناقضة: جمهور نادي يقتحم الملعب قبل نهاية مباراة في كرة القدم ليعتدي ويدمر و «يبلطج» من دون أي سبب سوى مزيد من الانفلات والتخويف، وبرامج على التلفزيون الرسمي ما زالت تروج للخوف وتستدعي الماضي وتلمح إلى «نعمة» الاستقرار الذي كان! وأعداد من البلطجية يظهرون في كل محفل ومكان ليفسدوا فرحة أو يبطلوا إنجازاً، واعتداء على الدكتور محمد البرادعي أثناء الاستفتاء، وإفساد لندوة عمرو موسى في ساقية الصاوي وعراك في احتفال في نقابة الصحافيين! يتساءلون هل تلك هي نتائج الثورة... أو كل ثورة؟ أم أنها الثورة المضادة؟

المؤكد أن جريمة الانسحاب الأمني يوم 28 كانون الثاني (يناير) الماضي خلفت تداعيات خطيرة وكانت سبباً في كثير من السلبيات التي عاشها ويعيشها المواطن المصري بعد الثورة، ولو لم تقع الجريمة وانتصرت الثورة أثناء وجود الشرطة في أماكنها ورجال الأمن في مواقعهم وفي ظل تأمين كامل للبلاد وحفاظ على مقدراتها بدءاً من المرور في الشوارع ونهاية بحراسة المنشآت العامة لما انتشر البلطجية أو تفشت البلطجة، ولما بدت الشرطة الآن عاجزة عن استعادة هيبتها أو مواجهة كل انفلات.

والمؤكد أيضاً أن الحزب الوطني الذي كان حاكماً تسرطن في البلاد بطولها وعرضها وربط بين مصالح أعداد كبيرة من المصريين وبين بقائه في السلطة، وحين سقط الحزب ضاعت أو هددت هذه المصالح ولم يعد أمام أصحابها إلا مقاومة كل إصلاح ومواجهة كل استقرار، والمؤكد ثانياً أن هدوء الأوضاع وعودة عجلة الإنتاج الى الدوران ستمكن سلطات الدولة بكل فروعها من ملاحقة كل من فسد وتوقيف كل من يسعى الى إجهاض الثورة. والمؤكد كذلك أن الجيش حمى الثورة وأيدها ورفض وأدها لكن الجيش لم يكن مهيئاً للحكم أو الاضطلاع بالسياسة وكانت دباباته ومدرعاته مستعدة للدخول في حرب في الصحراء وليس السير على الأسفلت والبقاء في الشوارع والميادين ما يفسر ما يعتبره البعض بطئاً أو تأخراً، والمؤكد أن الخطاب السياسي للإخوان المسلمين مطمئن، كما أن تحركاتهم في المسرح السياسي تركز على المشاركة وليس الإقصاء، كما أن الإخوان دفعوا الثمن مقدماً وعلى مدى سنوات طويلة. وحين أتيحت الحرية للجميع ظهر السلفيون وظهرت أخطاء بعضهم، واستغلهم بقايا النظام ليرعبوا بهم الناس ويظهرونهم وكأنهم الإفراز الوحيد للثورة... والمؤكد أخيراً أن عجلة الزمن لن تعود إلى الوراء وأن مصر تتجه الى مستقبل أفضل من ماضيها القريب وأن المصريين غيروا وجه التاريخ وضحوا أثناء الثورة... وبعدها أيضاً.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ