ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 12/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

لماذا يسجد بعض الشباب العرب لحكامهم؟

محسن الندوي - المغرب

2011-04-10

القدس العربي

 السجود لا يكون إلا لله وحده':يعد السجود لله وحده، من أشرف أنواع العبادات وأعلاها درجة عند الله، يقول الله تعالى:(وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).

ان الله تعالى لم يأمر الصحابة بالسجود للنبي علماً بأن فضل النبي على أصحابه وأمته كبير، ومع ذلك لم يشرع لنا الله سبحانه وتعالى توقيراً للنبي وتعظيماً له أن نسجد له، بل جعل السجود عبادة خاصة به سبحانه وتعالى، ولذلك اتفقت الأمة على أن السجود لغير الله في شريعتنا كفر وشرك، وأنه لا يسجد لغير الله على وجه من الوجوه عبادة أو تكريماً وتعظيماً، ولا يقدح كذلك في أن السجود لغير الله كفر وشرك، أن معاذاً لما سجد للرسول لم يكفره رسول الله، وذلك لأنه سجد مجتهداً متأولاً ظاناً أن رسول الله أحق بالتعظيم سجوداً من البطارقة الذين تسجد لهم النصارى، فبين له الرسول الحق وأنه لا يسجد إلا لله.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أجمع المسلمون على أن السجود لغير الله محرم.

وسياق هذا التقديم عن السجود هو ما ظهرت أخيرا من صورة على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك اثارت مشاعر المسلمين، حيث تظهر ثلاث شباب يسجدون لصورة الرئيس بشار الأسد وسط الأجواء غير المستقرة التي تمر بها سورية محاولة إسقاط النظام .

والغريب أن بعض المؤيدين رفعوا شعارات مستفزة جدا للشعب السوري والعربي والإسلامي، تقول 'مطرح ما بتدوس راح نركع ونبوس'

هل يستحق هذا الحاكم أصلا السجود؟ !!

إن عموم الشعب العربي السوري المسلم ساخط على النظام في سورية، نظرا للظروف المعيشية السيئة التي يعيشها منذ سنوات، وترى صحيفة 'اندبندنت' اللندنية في افتتاحيتها التي عنونتها ب'هل تكون دمشق الدومينو القادم؟'.

وهذا وقد عبرت المعارضة السورية عن خيبتها من خطاب الرئيس الأسد الأخير ووصفته بأنه خطاب مخيب للآمال، الذي لم يعلن فيه رفع حالة الطوارئ المعمول به منذ عام 1963 كما لم يعلن عن اي برنامج زمني لسلسلة إجراءات الإصلاح وتوعدت المعارضة بالنزول بقوة للشارع لإحداث 'تسونامي التغيير'.

وبهذا الشأن قال عبد الرزاق عيد إن 'موضوع الفتنة صار بالنسبة لنا مدعاة للسخرية والتهكم، فلا أحد في سورية يصدق هذه الأكاذيب، فحتى الإعلام الإسرائيلي يعلن صراحة الآن أن إسرائيل بحاجة إلى نظام بشار الأسد، إذ أن هذا النظام برهن لهم أنه أفضل من الأنظمة الأخرى الصديقة لإسرائيل في المنطقة، إذ عمل على تأمين جبهة الجولان على مدى أربعين عاما، فهي الجبهة الوحيدة التي لم تسمع فيها رصاصة واحدة طوال هذه المدة'. من جانبه قال الناشط السوري هيثم المالح البالغ من العمر ثمانين عاما 'إننا دائما تحت ضغط الخارج. هناك إسرائيل والغرب والقوى الأجنبية. ونسمع هذه القصة منذ عهد والده'.

وأخيرا، لا يجب الركوع ولا السجود أبدا للعبد أيا كان حاكما ملكا أو أميرا أو رئيسا ..، فهذا الحاكم نفسه سيفنى ويزول ويغطى بالتراب مثل عباد الله، وسيحاسب بين يدي ربه، وربما يقذف في نار جهنم إن كان ظالما وفاسدا ولم يقم شرع الله، فالسجود إذن، لا يكون إلا لله تعالى وحده .

=====================

أضعف الإيمان - هل يحق لنا أن نسأل؟

الإثنين, 11 أبريل 2011

داود الشريان

الحياة

التحرك الشعبي في اليمن وسورية لن يسلك الطريق التونسي. الرئيس علي عبدالله صالح رفض المبادرات، وهو استبدل صراع القبائل بالسياسة. وفي سورية يتعامل النظام حتى الآن مع التحركات الشعبية بقبضة أمنية شديدة لا تدع مجالاً للحوار، ويتجاهل تحقيق مطالب الإصلاح، ويتمسك بطول الأمل. الأحداث في البلدين تسير نحو الأسوأ. والدول العربية، بعضها منشغل بوضعه الداخلي والآخر لا يملك سوى النصيحة، أما دول الغرب، فيبدو أنها تتصرف على طريقة: لم نأمر بها ولم تسؤنا.

حتى الآن لا أحد يريد أن يسأل. ثمة خجل من الأسئلة، وإن شئت خوف. هل نحن أمام ثورات، أم حروب ستفضي الى الفوضى وتقسيم الدول؟ حجم الغضب من أنظمة استبدت على مدى عقود وأهملت التنمية والحقوق البسيطة للناس، لم يعد يسمح بطرح أسئلة. على الجميع الانخراط في هذه الثورات، وقلع الأنظمة بأي شكل. من دون أي سؤال عن تأثير ما يجري في مصير المنطقة. هل من المفروض على شعب عاش أربعة عقود تحت حكم قمعي وفاسد ومستبد وفاشل، أن يعيش عقوداً مماثلة من القتل والتشريد والدمار من أجل إزالة هذا النظام. هل طرح سؤال من هذا النوع يعد تسويغاً للاستبداد، ومحاولة للدفاع عن الأوضاع القائمة تحت شعارات الاستقرار وحماية الناس والأوطان؟ هل يبرّر الغضب كل هذا الاندفاع غير المحسوب؟ هل نسأل ونفهم أم نمضي في هذه الموجة وننتظر المجهول؟

طرح الأسئلة لا يعني حماية الفساد والاستبداد، لكن تركها من أجل مجاملة الثورة والثوار والغاضبين هو نهج غير ديموقراطي في احسن الأحوال، وتجاهل لنتائج مروعة في اسوئها. لا بد من تحرك على نحو ما. من الصعب التعامل مع ما يجري في بعض الدول العربية باعتباره شأناً داخلياً. لم يبق هناك شأن داخلي. صرنا جميعاً في شارع واحد. لهذا، فإن المبادرة الخليجية في اليمن أحد الأمثلة على التحرك المطلوب. لكن هذا التحرك يجب أن ينطلق اليوم من الجامعة العربية. ومثلما تحلّت الجامعة بالجرأة وتدخلت في شؤون ليبيا ومنحت « الناتو» رخصة لقصف المدن الليبية، عليها أن تتحرك تجاه ما يجري في بقية الدول العربية قبل فوات الفرصة. عليها أن تتدخل في شؤون الأنظمة قبل أن تزول الدول.

=====================

الفتنة والثورة

الإثنين, 11 أبريل 2011

بشار إبراهيم

الحياة

من حق قناة «الدنيا»، أو من واجبها، الإلتزام بالرؤية السورية الرسمية، في ما يخصّ الأحداث الدامية التي تشهدها سورية. وبما أن الرئيس السوري في كلمته أمام مجلس الشعب، أكَّد بوضوح على وجود «فتنة»، اختلطت عمداً مع عنصري «الإصلاح»، و«الحاجات اليومية»، واعتبر أن مواجهة الفتنة «واجب وطني وأخلاقي وشرعي»، فمن المنطقي أن تتجه وسائل الإعلام السورية لترجمة هذا الكلام سياسة ومنهجاً تلتزمه في أدائها.

ولكن ما هو ليس من حق قناة «الدنيا»، أبداً، أن تعمم مقولة «الفتنة»، على مشارق الأرض العربية، ومغاربها، مُوجِّهة أصابع الاتهام إلى الثورات الباهرة، التي شهدتها تونس ومصر وليبيا، واضعة إياها كلها ضمن خانة «الفتنة» ذاتها، وتحت عنوانها العريض، وفي سياقاتها.

مع تصاعد الأحداث في سورية، عمدت قناة «الدنيا»، إلى بث «برومو» غرافيكي، يتحدث عن «الفتنة» باعتبارها سلسلة من العمليات المتتالية، والمتنقلة من بلد عربي إلى آخر. فالعملية بحسب ال«برومو» تمَّت، في كل من تونس ومصر، وهي قيد الإنجاز، في كل من ليبيا واليمن. لينتهي «البرومو» إلى سورية، حيث حدث خطأ، أوقف العملية، وحطَّم «الفتنة»!..

وعلى رغم أن الذكاء خان مُنجز هذا البرومو، على الأقل باعتماده العلم الوطني، لكل بلد، قاعدة أو خلفية للعملية، فإن مما لا يمكن المرور عليه، ببساطة، هو الاتهام الخطير لثورة شباب تونس، وثورة 25 يناير، ونضالات الثوار في ليبيا، واعتبارها كلها أدوات فتنة، الفتنة التي ستتحطم على صخرة سورية!

يمكن للمرء أن يصدق حقيقة أن سورية مستهدفة بالفتنة، لأسباب تتعلق بمواقفها الوطنية والقومية، أو لاحتضانها المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس، الجهاد)، أو دعمها اللامحدود ل«حزب الله»، أو بسبب تحالفها العميق مع إيران.. ولكن كيف للمرء أن يصدق استهداف نظامي بن علي، وحسني مبارك، بالفتنة ذاتها، لا سيما إذا استذكرنا تحليل التلفزيون السوري الرسمي، الذي اعتبر، حينها، أن سقوط نظام بن علي كان بسبب ممالأته الغرب، كما اعتبر أن سقوط نظام مبارك، ما هو إلا سقوط لنظام «كامب ديفيد».

عبر هذا البرومو تنلقب قناة «الدنيا» على التلفزيون السوري الرسمي، وتقدم تحليلاً مغايراً، عنوانه الفتنة الجوّالة من بلد عربي إلى آخر. وهو الأمر ذاته الذي قام به التلفزيون السوري الرسمي، إذ يبدو أنه انقلب على تحليله السابق، وذهب نحو زجّ كل الثورات الشعبية العربية، التي حصلت خلال الأشهر الماضية، في خانة «الفتنة» الجوّالة ذاتها.

فعلى الشاشة السورية الرسمية، سيظهر مدير مركز التدريب التلفزيوني والإذاعي، وهو معاون سابق لوزير الإعلام السوري، ليثير أسئلة مُشكِّكة بهذه الثورات. أسئلة، مثل: من كان يُطعم المعتصمين في ميدان التحرير؟ ومن الذي يطبع الأعلام للثوار في ليبيا؟ أسئلة لا تنطوي إلا على اتهام خطير للآخرين، ولا تفيد الشأن السوري بشيء، في مواجهته للفتنة.

لا تواجه «الفتنة» بالخلط... بل بالكشف.

=====================

ما يشبه الكتاب المفتوح إلى الرئيس السوري بشار الأسد

طلال سلمان

السفير

11-4-2011

ليس ما تشهده سوريا، هذه الأيام، من اضطراب سياسي يغلب على معالجته الطابع الأمني بنتائجه المأساوية، شأناً داخلياً لا يخص إلا شعبها ونظامها، بل هو شأن عربي عام يستولد القلق، ويكاد يكون  بالنسبة إلينا في لبنان  شأناً داخلياً لبنانياً يؤثر فينا، بالسلب والإيجاب، بقدر تأثيره في سوريا وعليها وربما أكثر لاعتبارات عديدة يختلط فيها السياسي بالأمني والاجتماعي بالاقتصادي، اختلاط الماضي والحاضر في العلاقات العائلية والمصالح المشتركة وحدود الدولتين.

وبرغم أن آراء اللبنانيين في النظام القائم في دمشق ليست موحدة، وربما ليست متقاربة، إذ إن بعضهم يراه قلعة للصمود ومصدراً للعون وبعضهم الآخر يراه طرفاً في النزاعات الداخلية ينصر الفريق القائل بمرجعيته على الفريق الداعي إلى مخاصمته، لكن ذلك لا يؤثر في حقيقة أن التجارب قد أثبتت، دائماً، أن ارتجاجه يكاد يكون بمثابة زلزال في المنطقة وإن ظل لبنان المسرح الطبيعي لأخطر تداعياته، حتى وإن أفاد منها بعض المتعيشين على نكبات الشعوب العربية الأخرى والذين سرعان ما يثبت أنهم كانوا في طليعة المستفيدين من إنعامات ذلك النظام.

ومؤكد أن ثبات هذا النظام الذي حكم سوريا منذ عام 1970 وحتى اليوم، وعبر رئيسين هما الأب  المؤسس الراحل حافظ الأسد ثم نجله الدكتور بشار الأسد، قد وفر استقراراً كان مفتقداً في سوريا، مما مكّنه من أن ينتزع دوراً مؤثراً في شؤون المنطقة عموماً، باعتباره «حارس البوابة الشرقية» كما كان يحلو لأنصاره أن يصفوه، في حين رأى فيه منافسوه في أنظمة أخرى تحكم دولاً أكبر من سوريا وأغنى منها بما لا يقاس «تجاوزاً» وانتزاعاً لما كانوا يرونه من «حقوقهم»... ثم سلموا بذلك الواقع الذي أقرته الدول الكبرى بالقيادة الأميركية وسلمت به انطلاقاً من أهمية الاستقرار في منطقة قابلة للاشتعال دائماً بالثورة أو بالنفط، كما بالعجز عن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي تجاوز حدود الأرض الفلسطينية إلى الإرادة العربية جميعاً.

مؤكد أيضاً أن هذا النظام قد أضاف إلى رصيده بمشاركته مع مصر في حرب تشرين  أكتوبر (1973) التي كانت الوحيدة بقرار عربي، بغض النظر عن نتائجها الميدانية التي فرضها قرار آخر لم يكن عربياً وإن صادق عليه من كان يملك حق التوقيع في مصر.

تمكن الإشارة إلى محطات كثيرة على طريق التفويض الدولي لسوريا بالشأن اللبناني على امتداد مرحلة الوجود الفلسطيني المسلح (من أواخر الستينيات وحتى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982)، ثم عبر الحرب الأهلية التي جددها اتفاق 17 أيار 1983، عبوراً باتفاق الطائف الذي جدد هذا التفويض وقننه، (أيلول 1989)، وبإسقاط «التمرد العسكري» الذي قاده العماد ميشال عون (تشرين الأول 1990)، والذي انتهى بإطلاق يد النظام السوري في إعادة صياغة الحكم في لبنان، تقديراً لمشاركته في «تحرير الكويت» بإخراج قوات صدام حسين منها (آذار 1991).

فقط بعد الاحتلال الأميركي للعراق (نيسان 2003)، تمت إعادة النظر بذلك التفويض، خصوصاً أن القيادة السورية الجديدة ممثلة بالرئيس بشار الأسد، اتخذت موقفاً اعتراضياً حاداً موجبه البديهي  فضلاً عن المبدئي  التخوف من أن يتمدد هذا الاحتلال في اتجاه دمشق... وهكذا تم تحويل لبنان من رصيد إضافي للقيادة السورية إلى عبء عليها، فكان الرد بالتمديد للرئيس إميل لحود على القرار الدولي 1559، ثم توسعت دائرة الاشتباك السياسي حتى جاءت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بكل ملابساتها، وكان لا بد من خروج الجيش السوري من لبنان بطريقة لم تكن تليق بتضحياته فيه، قبل مشاعر الأخوة وبعدها.

على أن حقائق التاريخ والجغرافيا، مع الإفادة من دروس التجربة المرة، قد أعادت إلى الدور السوري في لبنان وبأسرع من التوقع الكثير من الاعتبار عبر ثبوت ضرورته.

[ [ [

لم تكن هذه الاستعادة السريعة لمراحل الدور السوري في لبنان ضرورية إلا لتوكيد المؤكد من الترابط والتداخل والتأثير المتبادل لأوضاع كل من البلدين التوأمين على الآخر، خصوصاً أن تركيبتهما البشرية متداخلة فضلاً عن تشابهها، في غناها بتنوع «الأقليات» فيهما، وإن تميزت سوريا بتعدد «العناصر» داخل هويتها العربية، فضلاً عن الأديان والطوائف والمذاهب والشيع.

من هنا هذا القلق العام في لبنان على سوريا ونظامها يواجه  متأخراً  مطالب بالإصلاح، السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي، كان سبق له أن تعهد به باعتباره ضرورة لحكمه الذي «يتمنى أن يقدر معه على إعادة صياغة النظام الذي أصابه اليباس لكي يصبح جديراً بالانتماء إلى العصر».

ولقد فوجئ اللبنانيون  كما السوريون بالتأكيد  باستخدام الرصاص في مواجهة مطلب الإصلاح، وباستعادة تقاليد عتيقة وغير مقنعة في تبرير بائس لاضطرار قوات النظام إلى السلاح، كما في اتهام «المندسين» في صفوف المتظاهرين، وفي استخدام صور شاحبة ولا صدقية لها لأشباح اتهمها الأمن بافتعال الشغب والتسبب في المأساة الجديدة.

لم يكن بين مطالب المتظاهرين إسقاط النظام، بل إصلاحه، وهو ما كان تعب الرئيس بشار الأسد من الدعوة إليه، متعهداً بالقضاء على الفساد والفاسدين (المعروفين بالاسم) والذين أساءوا إليه وشوّهوا صورة حكمه.

ولم يستهدف المتظاهرون، الذين كان القمع يزيد من أعدادهم يوماً بعد يوم، الحكم، بل كانوا يتوجهون إليه مطالبين بحرية العمل السياسي، وحرية القول والنشر، وحرية الحركة، بعيداً عن قيود قانون الطوارئ، وبعيداً عن جمود الحزب الواحد الذي كشفت الأحداث أنه لم يعد ومنذ زمن بعيد المصدر الشرعي للقرار، ولا هو استطاع الحفاظ على الحد الأدنى من القدرة على إقناع الجماهير فضلاً عن الصلة الحميمة بها.

كان المتظاهرون يطالبون بما تعهد به الرئيس بشار الأسد نفسه، وفي أكثر من لقاء مع نخبهم إضافة إلى بعض لقاءاته مع زوار أجانب فضلاً عن بعض تصريحاته الصحافية.

وكانت «جماهير الشعب في سوريا»، كما يصر الإعلام الرسمي على التوصيف، تريد من الرئيس أن ينحاز إليهم ضد نظامه «الذي يستعصي على الإصلاح»، كما نقل عنه في أكثر من مناسبة، مؤكدين أنهم سيدعمونه ضد أية «مقاومة من الداخل».

وحتى بعد المذبحة الأولى في درعا، والتي لم يكن لها  باعتراف النظام نفسه  ما يبررها، ويبرر بالتالي ما رافقها من «أعمال شغب» في مدن وجهات سورية أخرى، ظل الشعب على ثقته «بالسيد الرئيس»، ينتظر منه الوفاء بما التزم به من إلغاء قانون الطوارئ وسائر الإجراءات الزجرية التي طالما أقدمت عليها جهات غير محددة المسؤولية.

لكن خطاب الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب جاء مخيباً للآمال، بل إنه جاء دون ما وعدت به الناطقة الرسمية باسم الرئيس في بيانها الأول.

وقد أدى التأخير إلى تجدد المواجهات في العديد من المدن، وكان الشهيد الأكبر في كل ذلك: الثقة في الرغبة أو القدرة على إنجاز التعهد بالإصلاح، وبالسرعة اللازمة لوقف التفاقم في الأزمة التي غدت الآن في الشارع وتحتاج إلى جهد خرافي لرفعها منه.

[ [ [

على أن الوضع ما زال قابلاً للمعالجة بكثير من العقل وكثير من الإيمان بحق الشعب في أن يُسمع صوته، وهو الذي طالما ضحى برغد العيش وبحقه في التقدم، من أجل حماية الدور الكبير لوطنه، ووفر الدعم العظيم لرئيسه وهو يتقدم على أقرانه من القادة العرب في المكانة والقدرة على التأثير ليس في محيطه القريب فحسب، وكذلك على مستوى الإقليم جميعاً... مع الإشارة إلى أن هذا الدور كان ثقيل الكلفة على حركة الإنتاج في الداخل.

إن أنظمة عديدة في الوطن العربي تهاوت أو هي تتهاوى الآن لأنها أضاعت الطريق إلى الغد، وحاولت أن تحبس شعوبها في الماضي.

وكان الأمل وما زال في أن الرئيس بشار الأسد أكثر وعياً بحقائق العصر، وأكثر إيماناً بحق شعبه في الحرية والتقدم ليؤدي دوره في بناء وطنه، بعد التخلص من المعوقات والبيروقراطية وهواجس أجهزة الأمن التي تشتبه في مواطنيها، بداية، ثم تتمهل في تبرئتهم والتسليم بوطنيتهم، (حتى مع وعيها بأن السوريين قد أثبتوا عبر محنة وجود جيشهم في لبنان، ثم عبر المهانة التي لحقته عند خروجه منه، أنهم يتمتعون بحس بالكرامة الوطنية ولا أرفع سرعان ما عبروا عنه بالتفافهم حول قيادتهم وحول جيشهم الذي كان يستحق وداعاً أكرم ووفاء أعمق من اللبنانيين).

إننا، ومن أجل سلامة لبنان ووحدته إضافة إلى حرصنا على سوريا ومكانتها ودورها المميز في منطقتنا، نتوجه إلى الرئيس السوري بشار الأسد أن يوقف هذا التدهور في مسار الأحداث، وأن ينجز تعهده بمباشرة الإصلاح، فوراً، وإقرار الخطوات الحاسمة لمساره قبل أن تسبقها التطورات الدموية التي يمكن أن يستخدمها أصحاب العقل الأمني كمبرر لتعطيل المسيرة في اتجاه الغد، حتى لو كان الثمن سجن البلاد ونظامها في الأمس الذي آن له أن ينتهي.

والكلمة ما تزال للرئيس الشاب، لكن الوقت كالسيف.

=====================

«حماس» وسورية والعلاّمة القرضاوي

شعبان عبدالرحمن

الإثنين, 11 نيسان 2011 04:42 

السبيل

اندلاع الثورة الشعبية في سورية فتح الحديث عن العديد من المواقف التي يمكن أن توصف بالشائكة أو المتشابكة؛ ولذلك فهي تحتاج إلى فكّ تشابكها وإزالة الغموض العالق بها، وأقصد بذلك ظنّ البعض أن حركة «حماس» قد وُضعت في حرج من إعلان موقف واضح من تلك الأحداث، وغالى البعض بأن المطلوب من «حماس» تأييد انتفاضة الشعب السوري ضد حكومته، بينما يرى البعض الآخر أن المفروض على «حماس» تأييد ذلك النظام الذي استضافها، ووفّر لها الحماية اللازمة، وقدّم لها الدعم بلا حدود، حتى تمكّنت قيادة المقاومة بالمهارة والكفاءة العالية التي يتابعها العالم. وزاد من تعقيد الموقف، كلمة الحق التي صدع بها العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي انتصاراً لحقوق المسحوقين والمظلومين في سورية، وابتهاله إلى الله أن ينصر الشعب السوري ضمن ابتهالاته في خطب الجمعة بأن ينصر الله الشعبين الليبي واليمني، ثم قيام بعض المواقع ببث تصريحات نارية لخالد مشعل ضد الشيخ القرضاوي.

ومن يتأمل تلك الصورة بكل عناصرها المتناقضة يجد أنها تحتاج إلى إعادة ترتيب حتى تبدو واضحة جلية، خاصة أن مواقف جميع الأطراف محسومة سلفاً قبل تلك الانتفاضة الشعبية وبعدها، فهي من ثوابت العمل والمعتقد والمنطلق، ومن هنا أتوقف أمام ما يلي: أولاً: لم ينكر أحد على النظام السوري استضافته لحركة «حماس» وبقية قوى المقاومة الفلسطينية، وتوفير الحماية والدعم لها يوم عزّ النصير في العالم العربي.. يوم طاردها وحاصرها معظم الأنظمة العربية، وقدمت لها الدعم بلا حدود يوم قدّم الآخرون الدعم والمساندة للعدو ليقضي عليها، بل وقيام نظام الرئيس المصري السابق بحصارها ومحاولة قتلها جوعاً وعطشاً، وتوفير الدعم والغطاء للكيان الصهيوني لمحاولة إبادتها في غزة. موقف لن ينساه التاريخ لسورية، لكننا لم نسمع أو نعلم أن المطلوب من «حماس» أن تقدّم مقابل ذلك تأييداً مطلقاً لسياسات النظام الداخلية أو الخارجية، أزعم أنني قريب من الملف الفلسطيني بشكل مكثّف، وأعلم أن «حماس» لم تعطِ أحداً ممن قدّموا -ويقدمون- الدعم لها وبالذات سورية أو إيران تأييداً على بياض لمواقفهم، ولم تسمح لنفسها بالتدخل في الشؤون الداخلية لأي طرف داعم، ولم تسمح في الوقت نفسه لأحد بتوجيه شؤونها الداخلية، أو التأثير على مواقفها الخارجية، أو الاقتراب من بنائها الفكري. وفيما يتعلق بالأحداث الأخيرة، فقد كان موقف «حماس» واضحاً في بيانها الصادر بهذا الخصوص 2 /4/2011م، والذي اعترف لسورية قيادة وشعباً بوقفتها مع مقاومة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، واحتضانها لقوى المقاومة، وخاصة «حماس»، ومساندتها في أحلك الظروف وأصعبها، وصمودها أمام كل الضغوط من أجل التمسك بدعم نهج الممانعة والمقاومة في المنطقة. ثم أكد البيان اعتبار «حماس» ما يجري في سورية أمرا داخليا يخص الإخوة في سورية -وفق البيان- الذي قال: «إلا أننا في حركة «حماس»، وانطلاقاً من مبادئنا التي تحترم إرادة الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها، فإننا نأمل بتجاوز الظرف الراهن بما يحقق تطلعات وأماني الشعب السوري، وبما يحفظ استقرار سورية وتماسكها الداخلي، ويعزز دورها في صف المواجهة والممانعة».

ذلك هو موقف «حماس» الواضح بلا غموض، لكن البعض انتهز الفرصة وحاول إحراج «حماس» بدسّ تصريحات نارية منسوبة للسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة ضد العلامة القرضاوي؛ بسبب موقفه المؤيد للشعب السوري، مقروناً بمديح مفرط من مشعل للنظام السوري لا يقل عن قصائد المدح التي تغنّى بها رجال ونساء مجلس الشعب السوري خلال خطاب الرئيس «بشار الأسد» بمجلس الشعب.. ومرة أخرى، لم تجد حركة «حماس» ولا خالد مشغل أي حرج في نفي تلك التصريحات المنسوبة إليه عن الشيخ القرضاوي ذماً وقدحاً، وعن النظام السوري مديحاً ونفاقاً. فأصدر المكتب الإعلامي للحركة نفياً قاطعاً لتلك التصريحات، مؤكداً أن شيئاً من ذلك لم يصدر عن مشعل.. إنها الفرصة الكبرى للصائدين في الماء العكر؛ لإحداث فتنة بين «حماس» والنظام السوري من جهة، وإفساد العلاقة مع الشيخ القرضاوي من جانب آخر، لكن الله سيخيّب سعيهم.

وغني عن البيان هنا فإن خصوم «حماس» أطلقوا خلال السنوات الماضية حملة تشويه للحركة، حملت كل مفردات التخوين، وبيع المواقف لصالح إيران وسورية، والذين أطلقوا تلك الحملة هي الأنظمة العربية التي رفضت مساعدة «حماس»، وعملت بالتعاون مع العدو الصهيوني على بذل كل الجهود لإبادة تلك الحركة.. وحرب غزة الأخيرة وحصار غزة الدائر حتى اليوم خير شاهد، لكن الله أفشل سعيهم ومخططاتهم، وأزال ملك بعضهم، بينما تدق ساعة الحساب للآخرين، ولم تجد «حماس» يومها سوى إيران وسورية للوقوف إلى جانبها ضد الهجمة.. فهل تُلام «حماس» على أنها سعت لإنقاذ نفسها وقضيتها، أم نلوم الذين تحالفوا مع الصهاينة والأمريكان لاجتثاثها من الأرض، وتسليم مفاتيح القضية الفلسطينية للصهاينة؟! واليوم، يحاولون وضع «حماس» في مواجهة مع الشيخ القرضاوي صاحب الصولات والجولات في نصرة القضية الفلسطينية؛ لإفقاد القضية أحد أكبر المنابر التي تجاهد من أجلها بالكلمة والحركة والجهد منقطع النظير، ووضع الشيخ في الوقت نفسه في مواجهة مع النظام السوري؛ ليكون في خندق الأعداء، والحقيقة أن فضيلة الشيخ القرضاوي لم يقل إلا كلمة حق، رأى -وهو علاّمة الأمة- أن التخلف عن قولها يضعه في حساب أمام الله سبحانه وتعالى.. قال ما يعتبره حقاً وصدقاً، مؤدياً بذلك واجب العالِم العامل الذي لا يخشى في الله لومة لائم، وصدع بكلمة الحق ولو كان مراً ولو كلّفه حياته.. هكذا قال وهو يعلن موقفه من مجازر «القذافي» الدموية في ليبيا.

وحياة الشيخ القرضاوي المليئة بالمعاناة والمطاردة والسجن والعيش خارج بلده مصر كانت كلها بسبب التزامه بقافلة كلمة الحق عند سلطان جائر.. وأعتقد أن الشيخ لو كان في دمشق عند تفجر هذه المظاهرات لما تأخر حتى يغادرها؛ ليقول كلمة الحق -من قلب دمشق- في نصرة شعب مظلوم ومقهور.. وهكذا قالها القرضاوي في مواجهة «مبارك» و«بن علي» و«صالح» و«القذافي»، ولن يتخلف عن قولها -كعهد الأمة مع الشيخ- مع أي مواقف مشابهة.

مرة أخرى، إن موقف سورية من المقاومة لا يماري فيه أحد، ولكن ذلك لا يعدّ جواز مرور للتنكيل بالشعب السوري وللانتهاكات الواسعة لحقوقه على يد نظام «البعث» الذي أذاق الشعب على مدى أكثر من أربعين عاماً الويلات والكبت وانتهاك حقوق الإنسان، وما جرى للإخوان المسلمين وقوى المعارضة –وما زال يجري- خير مثال، كما أن ما يجري اليوم لكل صاحب رأي مثال أوضح. لقد أسس نظام «البعث» السوري -مثل بقية النظم الدكتاتورية في العالم العربي- معادلة معكوسة ومغلوطة، وهي أن الدكتاتورية والكبت وانتهاك حقوق الإنسان هي قرين التصدي للعدو ومواجهته، وكأن لسان حاله يقول: «حتى تواجه العدو بقوة؛ فلابد أن تضرب على صدور شعبك بقوة أكثر، وتمسك بتلابيبه حتى يكون طيِّعاً ليِّناً».. وتلك لغة الاستعباد وقيادة العبيد، ولو قادت سورية مقاومتها وتصديها للعدو بشعب حرّ أبي يعبّر عن رأيه بكل حرية، ويتمتع بكل حقوقه؛ لكانت مقاومتها أقوى وتصديها للعدو أكثر متانة ومنعة. لكن.. هكذا عودنا الطغاة.. إذا اتخذوا المعركة مع العدو تكئة ليلغوا من قاموسهم أي إصلاحات داخلية اقتصادية أو سياسية، وساسوا بلادهم بالقهر والجبروت والإفقار وتضخيم الأزمات.. لأنه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» -كما كان يردد عبدالناصر في مصر- ناسين أن البداية الصحيحة تبدأ من البناء الداخلي المتين في كل المجالات، فقد واجهت الأمة التتار والصليبيين في أعتى المعارك المعروفة في التاريخ، وانتصرت عليهما بعد بناء داخلي متين، تمتع فيه الشعب المصري بالحرية والعدالة والإنصاف من حكامه، وذلك هو الطريق لمقاومة العدو ولبناء النهضة.

=====================

الافتتاحية.. سورية التي نعرفها

دمشق

صحيفة تشرين

كلمة رئيس التحرير

الإثنين 11 نيسان 2011

منير الوادي

واهم مَن يعتقد أن الحرية أهم من الأمان، أو أكثر أولوية منه..

الأمن والأمان ظلا سمة ملازمة لسورية طوال عقود، استطاعت من خلالهما التأسيس لثوابت عيشها المشترك، وبناء وحدتها الوطنية، وإنضاج مواقفها القومية العروبية، والتصدي لجميع المشروعات الاستعمارية التي تستهدف أمتنا العربية، ووحدة المصير المشترك.. ‏

بالأمن والأمان تحقق الاستقرار الداخلي، وتواصلت حركة البناء وفق معطيات واضحة تشهدها جميع المدن والأرياف، من بناء المدارس والمشافي وتطوير الزراعة للمحافظة على أمننا الغذائي، إلى المزيد من مشروعات البنية التحتية التي تحتاج إلى جهود الجميع لاستكمالها.. ‏

كل هذا، وغيره الكثير، كان بعرق ومال وجهد السوريين جميعهم، ولا يمكن لسوري بنى أن يهدم أو يخرب ما بناه، فكيف نسمح للآخرين أن يهدموا ما بنيناه، وما وصلنا إليه؟.. ‏

من حق المواطن المطالبة بحريته إذا شعر أنها غير متوافرة، لكن لا يحق له المطالبة بها من خلال تهديد وترويع المواطنين الآمنين.. ‏

كيف تتحقق الحرية ونعيش أحراراً بغياب الأمن والاستقرار؟ ‏

إذا شعر عشرة مواطنين أو مئة ألف أنهم يريدون الحصول على حق ما، يرون أنه غير متحقق لديهم، فما ذنب الملايين لتتهدد سلامتهم؟. ‏

حق المواطن على الدولة أولاً أن يشعر بالأمان، وأن يمارس حياته العامة والخاصة دون خوف أو توتر، وألا تكون حرية الآخرين على حساب حريته.. ‏

سورية التي نعرفها يتجول فيها الرجال والنساء حتى ساعة متأخرة من الليل، وأطفالنا يقضون ساعات من نهارهم يلعبون ويمرحون، وكل صاحب حرفة ومهنة ومزارع يأمن على ماله ورزقه.. ‏

وفيها تنطلق العائلات كل يوم جمعة في أيام الربيع وغيره لقضاء نهار في أحضان الطبيعة الخلابة التي منحها الله لبلدنا.. ‏

اليوم تراجعت بعض هذه المعطيات الأمنية، وحتى المصلون المؤمنون الذين كانت تزخر بهم مساجدنا يوم الجمعة لعبادة الله تراجعت أعدادهم، فهل هذه هي الحرية التي يريدها البعض؟ ‏

من حق المواطن على الدولة أن يشعر بالأمان، ومن واجب الدولة توفيره إذا تبين أن هناك من يهدده ويتجاوز القانون عمداً، لأن حرية الفرد تنتهي عندما تهدد حرية الآخرين.. ‏

وزارة الداخلية بدأت إجراءاتها لحماية المدنيين العزل وأكدت في بيانها: (لم يعد هناك مجال للتهاون أو التسامح لتطبيق القانون والحفاظ على أمن الوطن والمواطن وحماية النظام العام تحت ذريعة التظاهر الذي ما زلنا نعتبره حالة صحية، ولكننا لن نسمح بالخلط المتعمد بين التظاهر السلمي وبين التخريب وزرع الفتنة وزعزعة الوحدة الوطنية الراسخة...). ‏

ولأنها حياتنا وحريتنا ووحدتنا واستقرارنا، تحتاج سورية إلى جهود جميع أبنائها، وليس رجال الأمن فقط، للوقوف ضد من يسعى للتخريب، وهو ما ننتظره من كل أب وأم عاشا في نعمة الأمان، أن يمنعا ابنهما من التهور، وهدم ممتلكاتنا العامة التي هي ملك الشعب كله.. ‏

سورية ورثناها قوية منيعة مستقرة حرة، وواجب علينا وحق لأولادنا أن تظل كذلك، بل أفضل..‏

=====================

عن أي إعلام محايد يتحدثون؟!

غسان يوسف

البعث

11-4-2011

أعلنت شبكة «فيس بوك» أنها أغلقت صفحة فلسطينية تدعو إلى انتفاضة ثالثة، استقطبت حوالي نصف مليون شخص بعدما اتصلت إسرائيل بإدارة فيس بوك، مدعية أن مضمونها يدعو «إلى قتل إسرائيليين ويهود».

السؤال الذي يطرح نفسه فوراً: ماذا لو كان المطلب عربياً، هل كانت إدارة الفيس بوك ستستجيب؟ ولماذا لم تستجب لطلب سورية وتصحح معلوماتها عن الجولان بأنه أرض سورية، زاعمة أنه أرض إسرائيلية؟ ما يطرح أسئلة كبيرة عن تمسك الغرب بجعل هذا الموقع مفتوحاً في الدول العربية، رغم إصرارها على تشويه الحقائق والخضوع لطلبات الكيان الصهيوني!.

أما في مجال الإعلام الفضائي، فأريد أن أتوقف هنا عند القنوات الإخبارية التي تسارع لنقل أي خبر دون التأكد من صحته إذا كان فيه ما يروق سياساتها!.

الغريب في أمر هذه القنوات أنها تحاول أن تقلد الغرب دون الوعي إلى أن هدف الغرب في منطقتنا العربية هو تفتيت هذه الأمة، وخلق واقع جديد يخفف الضغط على الكيان الصهيوني، وهذا واقع، وقد وافق عليه الكونغرس الأمريكي بشكل سري في عام 1983 في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وأعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش، ونفذ قسماً منه عندما احتل كلاً من أفغانستان والعراق، فيما اعتبرت وزيرة خارجيته كونداليزا رايس العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 بأنه ولادة لشرق أوسط جديد.

وفي العودة إلى دور بعض هذه القنوات الفضائية، فقد جندت هذه القنوات إمكانياتها وبشكل كامل ضد العرب، أنظمة وحكومات وشعوباً، في حين نسيت أو تجاهلت ما يحدث في فلسطين، فاسحة في المجال لآلة القتل الصهيوني بما تريد دون حسيب أو رقيب!.

إن قناة مثل ال BBC التي أقامت ورشات عدة مع التلفزيون السوري، وكانت تصر خلالها على أنها تتبع المصداقية في الخبر، وتؤكد الحيادية والموضوعية في أخبارها وتقاريرها اعتمدت عندما اندلعت الأحداث المؤسفة في درعا، على من اسمتهم شهود العيان غير المعروفين، والصور الممنتجة والمفبركة لتقع في خطأ إعلامي كبير، ولتكشف للجميع أنها تتبع سياسة غير متوازنة! لتكون مثل قناة فرانس24، وإذاعة مونت كارلو اللتين غيرتا من سياستهما تجاه ليبيا بعد الحملة التي قادها ساركوزي ضد هذا البلد!.

والكل يتذكر أن BBC امتنعت عن بث نداء لجنة الطوارىء لمواجهة الكوارث أثناء عدوان غزة، على الرغم من أن النداء كان موجهاً من عدد من المنظمات غير الحكومية منها الصليب الأحمر البريطاني، زاعمة أنها تخشى أن يضر بصورتها «المحايدة»!!.

وهنا يتوجب التذكير بأن هذه المحطة حصلت على جائزة الملكة اليزابيث لدورها الأساسي في هدم منظومة الدول الشيوعية.. إذاً لا توجد حيادية ولا موضوعية، وإنما هدف مسيّس تعمل من أجله!.

وهنا يصح القول بأن لا إعلام محايداً، لكن المؤسف أن يستخدم العرب هذا السلاح ضد بعضهم.

=====================

أميركا... والثورات العربية!

تاريخ النشر: الإثنين 11 أبريل 2011

الاتحاد

عوامل عديدة لعبت وتلعب أدواراً في دعم واحتضان وتوجيه الثورات العربية في أكثر من دولة عربية كدور الشباب والثورة المعلوماتية. وبالرغم أن هذه الثورات لم تصل بعد إلى خواتيمها وتحقق مرادها خاصة لأن الثورات بخواتيمها، فإن هناك أملاً حقيقياً في التغيير بما أطلقت عليه النسخة العربية من الصدمة والترويع، والتي هي غير الصدمة والترويع الأميركية بتغيير الأنظمة بالدبابات، أو بالتغيير الثوري والعنف على طريق تنظيم "القاعدة".

ولكن ماذا عن دور الولايات المتحدة، وهو دور لطالما مثّل الصوت المرتفع ومطالباته بالإصلاحات والديمقراطية والحريات والذي ضغط على الحكام وحذرهم وتوعدهم وآخرهم بوش الابن وسعيه المحموم والمثالي إلى دمقرطة المنطقة. دفعه سذاجة الطرح بأن الديمقراطيات تمثل أنظمة مستقرة لا تنجب الإرهابيين ولا تعتدي على جيرانها وتتحالف مع الأنظمة العلمانية، وبالتالي تكون حليفاً للغرب الذي يريد حماية مصالحه. ولكن سرعان ما تخلى بوش الابن عن ذلك التنظير الساذج بعد فوز القوى الإسلامية في أكثر من دولة ومجتمع، وعاد الأميركيون ليطرحوا مطالب لا تتجاوز الخطب الإنشائية وذر الرماد في العيون عن طريق المبادرات والدعوات والأمنيات.

وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس قد فضحت في لحظة اعتراف نادرة التناقض الأميركي عندما أعلنت أثناء محاضرتها بالجامعة الأميركية في القاهرة وبوضوح: "على مدى 60 عاماً قامت الولايات المتحدة بمقايضة الديمقراطية والحريات بالأمن والاستقرار، ولم نحقق أياً منهما."

إذن هو فشل مزدوج. وكل مطالبات واشنطن من الحكام وللشعوب لم تكن جادة أو واقعية بل، كانت شعارات. لذلك لم يكن مقنعاً تحذيرات وزيرة الخارجية في إدارة أوباما هيلاري كلينتون. مع اندلاع الثورات العربية في يناير الماضي في منتدى المستقبل في الدوحة من التأخر في إدخال الإصلاحات"لأن شعوب المنطقة سئمت المؤسسات الفاسدة والسياسات الراكدة."وأكدت"هناك دول قليلة في المنطقة لديها خطط للتعامل مع الرؤية المستقبلية. وفي أماكن كثيرة في المنطقة تغرق الأسس في الرمال. وآخرون سيملأون الفراغ إذا ما فشل القادة في إعطاء رؤية إيجابية للشباب وسبل حقيقية للمشاركة لأن العناصر المتطرفة والمجموعات الإرهابية والجهات الأخرى التي تتغذى على الفقر واليأس موجودة على الأرض وتتنافس على النفوذ. لذلك فإنها لحظة دقيقة واختبار للقيادة لنا جميعا."كما طالبت بمحاربة الفساد لأنه يصعب على المستثمرين الخارجيين الاستثمار في المنطقة.

بهذه الخلفية، لم يكن مستغرباً التردد وعدم الحسم الأميركي في الاستجابة للمطالب الشعبية والثورات العربية.

وضمن هذا الإطار، فإن إدارة أوباما لم تطالب برحيل بن علي، وتأخرت حتى انحازت للشعب في مصر بعد أن قالت قبيل اندلاع الثورة بأيام أن نظام مبارك مستقر وآمن، ثم تقدمت المطالب الأميركية بمطالبات الإصلاح مع تصاعد الثورة إلى المطالبة في الأيام الأخيرة بتعيين نائب للرئيس (عمر سليمان) ثم بالضغط في آخر يوم من أيام مبارك لنقل السلطة للمؤسسة العسكرية التي بقيت على الحياد.

أما في الحالة الليبية، والتي لا تشكل أهمية استراتيجية، بالنسبة للولايات المتحدة، فقد تعلمت من درسي تونس ومصر وانحازت مبكراً للشعب، ولكنها ترددت في قيادة العمليات العسكرية ما لم يتشكل تحالف عربي- دولي، بالتعاون مع الليبيين وجامعة الدول العربية وحلفاء واشنطن الأوروبيين، ويُصدر قراراً من مجلس الأمن يطالب ويعطي شرعية بالتدخل الذي سلمت قيادته لحلف شمال الأطلسي.

أما في الحالة اليمنية، فالتردد سيد الموقف، ويبدو أن سببه المخاوف من تشظي اليمن، وأثر ذلك على نشاط تنظيم "القاعدة". ولذلك ثمة تقارير، مفادها أن الولايات المتحدة وأوروبا طالبوا دول مجلس التعاون الخليجي بدعم ومساعدة اليمن، وحتى بعض التقارير تقول بأن أميركا طلبت من دول المجلس بضم اليمن.

وخلال الآونة الأخيرة، لم تغير واشنطن من موقفها من الرئيس اليمني وتطالبه بالرحيل، كما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، إلا مؤخراً بالرغم من المجازر والتجاوزات التي يرتكبها نظامه.

وفي الحالة السورية حتى اليوم لا يوجد أي موقف واضح لواشنطن التي عينت سفيراً في دمشق بالرغم من معارضة الكونجرس، ولا يتعدى الموقف الأميركي سوى انتقاد العنف ضد المدنيين. وكانت كلينتون قد أوضحت أن التدخل العسكري الدولي والعربي في ليبيا ليس معياراً سيعمم أو سيتكرر في حالات أخرى.

وفي المجمل، نستطيع أن نرى نهجاً أميركياً واضحاً يقدم المصالح والاستقرار والأمن أولاً على الحريات والديمقراطية والمشاركة السياسية والمساءلة، وذلك يبقى كما كان شعارات ومطالب لا تعني الكثير.

لقد آن الأوان للولايات المتحدة في ظل التغيرات الكبيرة ووعي الجماهير والشباب خاصة المثقف والمطلع والمتابع أن يقنع واشنطن بتغيير سياستها، التي لم يتثبت نجاحها. حتى لا يأتي وزير خارجية آخر بعد عقود من اليوم ليكرر على أولادنا بأن الولايات المتحدة قايضت الديمقراطية والحريات مقابل الأمن والاستقرار خلال الستين عاماً الماضية، وأننا فشلنا في تحقيق أي منهما! فهل هناك استيعاب للدرس؟!

=====================

ثقافة التخوين والتخويف

تاريخ النشر: الإثنين 11 أبريل 2011

الاتحاد

منذ أن اجتاح مد التغيير الثوري العالم العربي، والمواطن العربي يراقب، وينتظر خبراً عاجلاً. مظاهرات ووقوع قتلى وجرحى، وشباب يقف عاري الصدر أمام الدبابات والمدرعات. إنه مشهد فاجأ في الحقيقة كثيرين فيما ظل استيعاب الأمر عصياً على العديد من مكونات الشعب العربي حتى النخب المثقفة والأكاديميين وفي مجالسنا، وإعلامنا صرنا نستمع لحوارات مشككة بالمستقبل بسوداوية غريبة في الطرح حتى خرج أحدهم بنظرية المؤامرة الصهيونية لقلب الأنظمة العربية. والغريب أن نظرية المؤامرة تلك صادفت هوى في نفوس الكثيرين فراحوا يتداولونها في المنتديات الإلكترونية والمدونات وفي المواقع الاجتماعية كالفيسبوك وتويتر. وخلاصة الأمر إبقاء الأمور على ماهي عليه، فتلك الثورات الشبابية مدعومة من قوى خارجية وتخدم أجندات خارجية. والمظاهرات والشباب العربي ماهو إلا عرائس على المسرح تحركها أيادٍ أجنبية... إنها نظرية المؤامرة بفصول جديدة.

في أطوار الاستبداد السياسي المستمر، ينمو وينتشر أسلوب التخوين كخلية سرطانية نشطة، ويتناقله العامة، فتصدر الإدانات الشعبية والأحكام التعسفية بالآخر فهو خائن، عميل، مرتبط بالخارج، هادماً للأوطان، لم ولن يسعى بسلوكه للبناء فهو المختلف وسط القطيع، وهو المقصي من المجتمع، وهو المنبوذ، فالخيانة فعل لا تهاون عنده ومن ثم الإقصاء.

ومع تشبع المجتمع بثقافة تخوين المختلف رأياً، يتكفل تلقائياً بردع أي فرد يغرد خارج السرب السياسي، حتى قبل أن تتكفل الأجهزة القانونية وغير القانونية بإسكات الطيور المعارضة.

بطبيعة الحال، وعلى مدى سنوات، يتعرض الجمهور العربي لعملية مستمرة من الاستلاب والتخدير وغسل الدماغ. والتكتيم، يعتاد الأفراد الخضوع حتى يصبح فعلاً فطرياً ، فيتعطل الدماغ الناقد عندما يتم احتكار المعرفة ومصادرة حرية الرأي، وتتصحر الحياة الثقافية، وتغلب روح التشاؤم واليأس، وتقتل الروح النقدية، ويصبح الامتثال ثقافة، وتصبح المواطنة مرهونة بالالتحاق بالقطيع، ويصبح التخوين والتخويف وجهان لعملة واحدة تتداولها الحكومات بين شعوبها.

الخوف شعور بدائي استوطن المجتمعات العربية، وتغلغل في مفاصل مواطنيها، فكان أول مفردة داستها الجموع في مظاهراتها، وكان التحرر من الخوف أول فعل عربي أسس لمفردات ثورات شعبية.

لقد صمتت تلك الشعوب طويلاً، وفرضت عليها ثقافة الخوف، فالرأي الآخر هو فتنة خروج على الجماعة بدعة وضلالة، إنها ثقافة الخوف التي جعلت من شعوب بمكوناتها الاجتماعية العرقية والثقافية صورة واحدة يرسمها النظام الحاكم، وتعيد صياغتها مؤسسات المجتمع التسلطي. شعوب قدرية تفضل السلامة الفردية على اكتشاف مفردات الحرية، شعوب يخدرها الأمان والاستقرار السياسي المخادع عن الفعل وعن التفكير في الفعل.

وتأسيساً على ما سبق، فإنه لا قيمة للثورات العربية أو للتغيير السياسي مالم يرافقه تحديث للفكر، وتحرير للإنسان من تركة الخوف الثقيلة. لا ننتظر حدوث معجزة تنقل الشعوب العربية من استبداد ثقافة الحاكم الواحد والحزب الواحد والرأي الأوحد، وليس من المأمول على المدى القريب أن تنتشل التعديلات الدستورية أو تغيير السلطة السياسية شعوب تلك الدول أو الدول السائرة في ركبها من حضيض الاستبداد السياسي، فطريق الديمقراطية مازال طويلاً ولم ولن يكن معبداً. فقد تغلغل الاستبداد السياسي في مفاصل المجتمعات، التي تحتاج لأكثر من ثورة حتى تزول حالة الخدر السياسي بها، ويعاد تعريف المواطنة السياسية لديها كفعل إيجابي وتنتهي القطيعة السياسية بين الدول والمجتمعات.

=====================

الزمن العربي الشاب

الاثنين ,11/04/2011

محمود الريماوي

الخليج

موجة التغييرات في العالم العربي التي حملت نعوتاً مثل “التسونامي السياسي” و”الربيع العربي”، أظهرت الى السطح شريحة الشباب كفاعل اجتماعي وسياسي، يتقدم في الحضور والتأثير على غيره من الفاعلين . لقد تبدلت صورة هذه الشريحة التي ظلت تقترن إما بالتطرف، أو الاندفاع للاستهلاك واللهو، أو الانغماس في الأنشطة الرياضية من دون سواها . لقد ثبت في ضوء موجة التغييرات أن تلك الشريحة كانت مغيبة ومهمشة، وأنها كانت منذورة لما تقدم ذكره، ومدفوعة اليه دفعاً بحكم ظروف موضوعية، تتعلق بانسداد الآفاق أمام صلاح الأحوال العامة والفردية . فإن لم يذهب هؤلاء الى تلك المذاهب، فقد كانت البطالة وما ينجم عنها من تداعيات تتربص بهم وتجرفهم نحوها .

لقد فاخرت بلدان ومجتمعات عدة بأنها مجتمعات شابة، وأن العنصر الشاب يمثل في الحد الأدنى أزيد من نصف عدد السكان، وجرت مغازلة تلك الفئة بتسميتها “وارثة للمستقبل”، وأن القادة الجدد في سائر الميادين سوف ينبثقون من صفوفها، وأن الطريق معبد وسالك أمامهم لبلوغ طموحاتهم المشروعة، وما عليهم سوى التكيف مع الأوضاع السائدة، والاعتصام بالصبر وانتظار الفرج الذي لا بد أن يأتي من حيث يدرون أو لا يحتسبون .

 لقد تبين بعدئذ أن هذه الوعود هي مجرد وعود في الهواء، وأن قصور برامج التنمية والاحتكار السياسي والتغول على المال العام واستمراء الاستبداد، كل ذلك يلحق أفدح الضرر بالدولة والمجتمع بسائر شرائحه ومكوناته، وفي القلب منها المكون الشاب وشريحة الشباب، فكان ما كان من انفجارات شعبية تولى الشبان بغير تنظيم حزبي أو مؤسسي قيادتها، ودفعت كوكبة من هؤلاء في غير بلد عربي ثمناً باهظاً في الأرواح من أجل انعتاق الوطن وحرية المجتمع .

في غمرة هذه التطورات المتوالية فصولاً، التي جعلت من زمننا الراهن زمناً عربياً شاباً، تثور التساؤلات حول مدى انفتاح الآفاق بعد التغييرات أمام تمكين شريحة الشباب من نيل فرصهم المشروعة . في بلد كبير كمصر على سبيل المثال تنطلق التساؤلات ما إذا كان يسع نظاماً جديداً أن يضع حلولاً ومعالجات اقتصادية تشمل المجتمع بأسره، وتنعكس على الخصوص على الشرائح الشابة؟ الشبان في المحروسة لم ينتظروا إجابات مطمئنة إذ حافظوا على زخم تحركاتهم، حيث تتوالى الأنباء عن سعي مجموعات منهم لتشكيل أحزاب وجماعات سياسية . معلوم أن سائر الأحزاب المصرية يقودها كهول أو شيوخ، وهي ملاحظة لا تعني ضرورة إقصاء الفئات المتقدمة في العمر عن الحياة العامة، إذ إن غاية الملاحظة التأشير الى اقصاءٍ آخر كانت ضحيته الفئات الشابة التي لم تتولّ أية مواقع متقدمة في الأحزاب والنقابات والمجالس المحلية وسوى ذلك من أجسام تمثيلية . الذي حدث أن الكهول الذين التحقوا بالعمل العام وهم في ريعان الشباب، لم يفسحوا مجالاً يذكر للأجيال الشابة، ولذلك بدت الأحزاب المستقلة والمعارضة في موقع المتفاجىء والمأخوذ بالتطورات الجارية في ميدان التحرير وسط القاهرة .

من الاستنتاجات الدالة أن الأجيال الجديدة التي انضوت في منظمات المجتمع المدني وفي مجموعات ثقافية وإعلامية، هي التي هجست بالتغيير وهي التي تحملت عبئه، وهي التي نالت شرف العمل على انبلاج فجر وطني جديد . والآن فإن أية برامج للتنمية بما فيها التنمية السياسية، سوف تكون قاصرة إن لم تنجح في تمكين الشباب من نيل فرص العمل والإسكان والتعليم والتطبيب وسوى ذلك . يتطلب ذلك بداهة الإفساح في المجال أمام ظهور قيادات شابة في السلطة النتنفيذية ( الحكومة) كما في الأجسام التمثيلية المنتخبة، إذ إن هذا المستوى من الشراكة والمشاركة من شأنه تسهيل التوصل الى حلول ومعالجات واقعية والحد من غربة الشبان عن واقعهم، ومغادرتهم موقع المراقبين الساخطين، الى موقع الشراكة وصنع القرار، وهو ما كان يسمى في الأدبيات الرسمية ب “ضخ دماء جديدة” في المواقع القيادية .

ما ينطبق على مصر ينسحب على غيرها من دول ومجتمعات، خاصة مع القناعة بأنه ليست هناك حلول سحرية جاهزة، غير أن هناك بالتأكيد إمكانات متاحة يتعين استثمارها، فالفساد الذي بدد المال العام، والفرص السانحة لاستعادة الأموال الطائلة المنهوبة، تتيح وضع برامج تنموية طموحة وسد عجز الميزانيات العامة، وشمول سائر الشرائح المغيبة والمناطق المهمشة بعوائد النمو الاقتصادي، التي كانت تستفيد منها فئات ضئيلة على حساب الأغلبية .

لقد كان يقال وعن حق على الدوام إن العديد من دولنا ومجتمعاتنا العربية، تفتقر الى برامج وطنية طموحة وملهمة تكون موضع إجماع وتطلق الطاقات الحبيسة، وتحدد المسار كما هو الحال مثلاً في برامج التحديث والتصنيع التي اعتمدتها دول جنوب وجنوب شرق آسيا، وكذلك دولة جارة آسيوية أوروبية هي تركيا . مثل هذه البرامج الوطنية الكبيرة التي تبشر بتحولات، هي ما ينقص بعض دولنا في المشرق والمغرب العربي التي تبدو سياساتها كما لو أنها تدار يوماً بيوم . وهنا يكمن سر الإحباط العام وحالة التشكك السائدة حتى في بعض الإنجازات الفعلية التي تتحقق، وذلك بسبب عدم ربط هذه المنجزات بخطط بعيدة المدى، ولغياب بيئة سياسية صالحة ينتفي فيها الاستبداد والفساد ولا تحظى فيها فئات بعينها بأكبر المغانم والامتيازات .

=====================

الالتزام ووحدة الثوار

الاثنين ,11/04/2011

كلوفيس مقصود

الخليج

أصبح مسلماً به أن دوافع الانتفاضات المتتالية في العديد من أقطار الدول العربية متشابهة ومستوى نجاحها متفاوت . هذا الوضع يشكل تحدياً لقيادات وطلائع هذه الثورات من خلال الحوار الصريح والنقد الذاتي، إضافة إلى الاحتفال بالإنجازات حتى تستقيم مناعة مسيرة النهضة بحيث يرتبط إنجاز ما لا نريد بإيناع خميرة ما نريد .

إن هذا التوجه هو مخزون ما تنطوي عليه الانتفاضات المتباينة في تجاربها وإن كانت التجارب الناجحة أدت إلى عدوى الإلهام لتمكين الشعوب من اختراق حواجز الظلم وطبائع الاستبداد، وقد حان الوقت إلى أن تستقوي الشعوب المنتفضة بعضها ببعض، وأن تكون الثورات التي أنجزت مستعدة إلى مساعدة الانتفاضات التي لا تزال متعثرة كليبيا واليمن . فمثلما عدوى الانتفاضات تحققت بنسب متفاوتة، كذلك الأمر إذا لم يسرع النجاح الثوري بتصويب مسارات التعثر قد تصبح هناك إمكانية بأن عدوى الإخفاق قد تصبح كعدوى الاستقواء المتبادل . من هنا تتأكد حقيقة راسخة أهملت عندما تشرذم النظام العربي، إن الوحدة المتوخّاة تنبثق من رسوخ الثوابت الكامنة في الوجدان العربي والتي عند استكمال رؤاها تجعل المناعة التي تمكّن الأمة أن تتكيف مع المتغيرات والمستجدات الحاصلة عالمياً وعربياً .

لذا بغية الإسهام في ترجيح “الربيع العربي” على “الخريف العربي” علينا جميعا أن نخرج من حالة الإلهام والانشراح بما أنجز إلى حالة الالتزام بما يجب أن يكون . من هنا يكون لزاماً أن تدرك الطلائع الشبابية من جهة والمستنيرة من الأجيال الأخرى مسؤوليتها المباشرة باستيعاب التعقيدات القائمة والتعامل معها بموضوعية تتسم بصبر الثوار حيث لا محاولة للمزايدة أو المناقصة في حواراتهم، ومن ثم في إدارتهم للتعقيدات واستيعاب تداعياتها والحيلولة دون أن تخترق حصانة الثورة ووحدة الثوار . بعض الأمثلة على هذا هو الالتباس القائم في فهم ما هو حاصل في ليبيا بمعنى أن ثورة التغيير المطلوب إنجازها بإلحاح نظراً للطبيعة اللاعقلانية للنظام القائم وشراسة ممارساته وعدم التزامه بضوابط موضوعية إنسانية، استعانت بمجلس الأمن الذي استصدر قرارات تلبي المبدأ القانوني الدولي الموصوف “مسؤولية الحماية” للمدنيين . قد يكون تكليف “الناتو” بما عرف عن هذه المؤسسة في الماضي من تحيز وعدم الالتزام بكثير من قوانين دولية وفي أيام الحرب الباردة خدمة لمصالح الغرب . أجل كل هذا من شأنه أن يستولد قلقاً عند الكثير من الثوار العرب ولكن هذا القلق يجب أن يعالج بضغوط على أن تبقى هلية العمل العسكري الذي تقوم به عرضة للمساءلة والمراقبة من قبل من مكنها القيام بمسؤولية حماية المدنيين . الذي حصل أن توازن القوى العسكرية بين طاقات النظام الليبي وإمكانات الثوار كان مفقوداً إلى حد كبير، ما جعل الحاجة الملحة لتأمين حماية المدنيين بشكل سريع اجتناباً لمجازر محتملة وتمهيداً لتعديل في التوازن المطلوب الذي يوفر الامتثال الذي قد يسرع في تنفيذ بنود قراري مجلس الأمن 1970 و1973 . وعندما يتمكن ثوار ليبيا من استكمال إنجازهم وتأمين وحدة ليبيا عندئذ تكون الحلقة المفقودة بين ثورتي تونس ومصر قد استكملت إلى حد كبير في منطقة المغرب العربي الكبير . إذن أعتقد أن علينا أن نتفهم دوافع القلق، ولكن يجب ألا يتحول هذا القلق إلى حالة مشروعة في مثل هذه الظروف وهو قد يكون إحدى نتائج التعقيدات والاستثناء المرشح للتصحيح والاستيعاب .

في الأسبوع الأخير حصل بعد مظاهرات الملايين من الشعب اليمني المطالبين بترحيل النظام القائم وبدايات انهياره من الداخل أن أبدت الولايات المتحدة توجساتها من طبيعة البديل أكان في ليبيا أم في اليمن . ومن هنا كان الالتباس في الموقف الأمريكي من تسريع العديد من هذه الانتفاضات التي قامت لا رغبة في بقاء الأنظمة بقدر ما كان بسبب جهلها لحيوية الانتفاضات وبرامجها ومكوناتها المغيّبة عنها . يضاف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية والمالية التي تجعل الأولويات لمعالجة القضايا التي تفرزها هذه الأزمات تركز على الربط بين ما تعلنه من التزام بمبادئ الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وبين مقتضيات ما تعتبره واقعية المصالح الاستراتيجيه والاقتصادية في عديد من الدول التي توصف “بالمعتدلة أو المستقرة” . نشير إلى هذه التعقيدات مرة أخرى لأن إدارتها تتطلب الحكمة وما أشرت إليه بالصبر الثوري حتى تستطيع إدارة التعقيدات أن تعي كيفية تمرحل العقبات لإنجاز رؤاها وبرامجها الإصلاحية المتفق عليها . الأهم في هذا الشأن هو أن نبقي نصب أعيننا آثار هذا “الربيع العربي” على كيفية تعامل “إسرائيل” مع هذا الربيع، فهي كانت دوما تتوقع أن يبقى الركود العربي هو الضمان لاستكمال أهداف المشروع الصهيوني . من هنا جاء تصريح وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية لمصر نبيل العربي يلخص بأن أي عدوان ل “إسرائيل” قد تقوم به لن يكون منفلتا من العقاب . وتنطوي هذه التصريحات على بدايات الردع العربي لتمادي “إسرائيل” في استباحة حقوق الشعب الفلسطيني، وأن الالتزامات الغابنة التي كان يمارسها النظام السابق في مصر من تسهيلات في موضوع الغاز على حساب الشعب المصري وغيرها من تسهيلات لم يتسامح معها الشعب المصري . كل هذه تدل على مؤشر النضج والحكمة في إدارة التعقيدات وما تنطوي عليه من ضرورات التمرحل، بمعنى آخر أن مصر هي في طريق استعادتها كبوصلة متميزة ومرجعية موثوقة للعمل القومي العربي .

نشير إلى هذا الواقع المعقد لأن إدارته التي تتطلب كما أشرنا الصبر الثوري هي التي تحول دون الاضطرار في مرحلة لاحقة إلى إدارة الفوضى . فالانضباط في هذه المرحلة التي يتربص فيها خصوم العرب وأعداؤهم لإجهاض احتمالات النهضة العربية الواعدة تستوجب أن نوفر المناعة للحراك المطلوب، وأن يتم تفعيل إجراءات وحدوية مدروسة مثل السوق العربية المشتركة وتوفير الفرص لنقل المجتمعات العرقية والطائفية والمذهبية والقبلية من حالة التفكيك إلى حالة المواطنة . لعل هذا هو المدخل لتحصين ما هو متوفر إلى صيرورة النظام العربي البديل . يستتبع ذلك أن الدعوة للكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لا تعود مصطلحات مثالية بل برامج عملية . فالنهضة هي حصيلة جعل المثالية واقعية سائدة .

=====================

التغيير ومستقبل وسائل الإعلام

أريانا هافنغتون

التاريخ: 11 أبريل 2011

الثورة

في ضوء زوبعة التغيير التي شهدتها في منتصف الشهر الماضي، بما في ذلك انتقال «هافنغتون بوست» إلى مكاتب «أميركا أون لاين»، بدا من المناسب أن أول مؤتمر دولي أحضره مع تيم ارمسترونغ الرئيس التنفيذي ل«أميركا أون لاين»، كان بعنوان «قمة وسائل الإعلام المتغيرة»، في لندن برعاية صحيفة «غارديان» البريطانية.

يمكن أن يعتبر التغيير الآن بكل وضوح إما سلبياً أو إيجابياً، فالأمر يتوقف على مدى الارتياح الذي تشعر به حيال التغيير، وعدم القدرة على التنبؤ، والابتكار الانقطاعي. ويتفاعل بعض شركات الإعلام مع المشهد المتغير، من خلال التشبث بما هي عليه، والبعض الآخر عن طريق البناء. ونحن في المجموعة التي تشكلت حديثاً باسم «هافنغتون بوست ميديا غروب»، نتبنى بالتأكيد هذا النهج الأخير، لكن كان رائعاً أن المؤتمر ألقى الضوء على كلا النهجين.

وإلقاء نظرة على بعض الموضوعات التي جرت مناقشتها في جلسات عدة، يكشف لنا عن مزيج من القلق والإثارة في الأجواء:

- الإعلام متراجع، فكيف يمكننا أن نجعله يعمل لصالح الناشرين والمعلنين؟

- البحث أو التمويل أو أن نكون من المستقبل؟ من أين تأتي الفكرة الكبيرة المقبلة؟

- خوض التحديات الإبداعية والتجارية والتكنولوجية للعصر ما بعد الرقمي، بمعنى ما الذي ينجح وما الذي يفشل، وماذا بعد؟

- في عالم لا يحده سوى خيالك، كيف غيرت التقنيات الرقمية فهمنا للإبداع؟

في الواقع، تبين أن كل سؤال كان له الجواب نفسه، الذي كان يعتبر أيضا العطاء السريع الغالب في المؤتمر، والجواب هو أنه ليس هناك جواب واحد. ليس هناك حل سحري يضمن صحة نموذج الأعمال لأي شركة. لكن هناك على ما يبدو اتفاقاً عاماً على بعض العناصر الأساسية التي ستكون مقومات مطلوبة للنجاح في المستقبل، ألا وهي التجريب والابتكار والتعاون والانفتاح على التغيير.

ليس من المدهش أن واحداً من خطوط الانقسام الحقيقي في المؤتمر كان بشأن المواقع المدفوعة، مع إعلان صحيفة نيويورك تايمز الأميركية لتوها الخطوط العريضة لخطتها البيزنطية للاشتراكات الرقمية. وكما أظهر العديد من جلسات المؤتمر، فإن هناك ما وراء النقاش بشأن المواقع المدفوعة، حول الطريقة التي يمكن من خلالها تعريف مصطلحات معينة، مثل «صحافة» و«محتوى» و«قيمة».

 على سبيل المثال؛ كان «بول هايز»، المدير التجاري لوكالة روبرت مردوخ العالمية للأنباء، يجادل لصالح هذه المواقع المدفوعة التي جعلت الدخول على صحيفة «التايمز» اللندنية عبر أحدها مدفوعا منذ عام مضى. وقال «هايز»: «إن الشيء المثير للاهتمام هو كيف تقيم المحتوى لديك». وأضاف: «إننا نثق في نوعية الصحافة لدينا، لدرجة أنها تستحق أن تكون مدفوعة الأجر».

والافتراض الضمني هنا هو، أن من لا يضعون محتواهم ضمن هذه المواقع لا يقدرون هذا المحتوى. في الواقع، يمكن للمرء بالسهولة نفسها، وأكثر من ذلك بشكل صحيح في اعتقادي، القول، كما كنا في مجموعة «هافنغتون بوست»، إننا نثق في نوعية الصحافة لدينا لدرجة أنها تستحق أن تكون متاحة للجميع مجاناً بقدر الإمكان.

لكن الافتراضات الخاطئة التي طرحها «هايز» لا تتوقف عند هذا الحد، فقد أضاف القول: «سوف يدفع الناس من أجل الحصول على تحليل عميق ومحتوى بليغ، على خلاف محتوى معظم المدونين في مواقع المدونات. وتلك هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تستمر لتكون لديك صحافة».

من أين نبدأ؟ التأكيد على أن عالم الانترنت مقتصر على نحو ما، على المدونين ذوي العقول الضحلة والجهلاء، وأن الطباعة هي المجال الوحيد للحصول على «تحليل عميق»، وأن الصحافة الحقيقية تبدو قديمة قدم برج لندن الذي تمكنني رؤيته من خارج نافذة الفندق! في الواقع، كما أظهر المؤتمر مراراً وتكراراً، فإن أوجه التمييز بين المنصات مشوشة، وهي بصدد أن تصبح أكثر تشوشاً. ومحاولة فصل منصة عن الأخرى لن تكون وصفة للنجاح.

كل الفواصل من جميع الأنواع تتساقط، تلك التي بين الصحافيين والقراء، وبين المعلنين والمستهلكين، وبين المواطنين والناشطين. وهذا أمر طيب. الإبداع والابتكار سوف ينتجان ما يحافظ على وسائل الإعلام والمحتوى والصحافة، وليس الخطط المعقدة للمواقع المدفوعة.

على الجانب الآخر من المعادلة، قال «والان روزبريدغر»، رئيس تحرير صحيفة «غارديان»، على إحدى الصفحات الرسمية لموقع «تويتر»: «نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر تطورا في تحديد ما هي الصحافة».

في الواقع، تزداد الأمور صعوبة في ما يتعلق بالفصل بين العناصر المختلفة للصحافة في صوامع متميزة. في هذه الأيام، كما يوضح «روزبريدغر»، تعني الصحافة «نقل التقارير وانتقاءها والربط والتجميع والتحرير، والتعاون وأن تكون جزءاً من هذا العالم من المعلومات، وهو ما يجعلها حرة».

إننا بالتأكيد لن نقيم أي صفحات مدفوعة الأجر على موقع «هافنغتون بوست». نعم، جانب الأعمال في وسائل الإعلام يتسم بأنه في حالة انتقالية، وهناك الكثير من التحديات، لكن هذا هو السبب في أن الأهمية تتزايد بشأن الاستفادة من مجموعة رائعة من أدوات الابتكار التي تنمو بشكل شبه يومي.

الاستجابة الخاطئة لهذا التحول هي أن تفصل نفسك عن الإمكانات الجديدة. وكما كتب «أندرو غريل» الاستراتيجي الرقمي، على صفحته في موقع تويتر من المؤتمر: «إذا كنت تعمل في إحدى وسائل الإعلام وكنت لا تعتقد أن العمل شيق، فلابد أن تغادرها، حسبما خلصت إحدى جلسات النقاش في المؤتمر».

=====================

الثورة المضادة

خالد السرجاني

التاريخ: 11 أبريل 2011

البيان

شاع مصطلح الثورة المضادة مع نجاح الثورات العربية في إسقاط الأنظمة، وأصبحت القوى الثورية تعزو العديد من التحركات المقصودة أو غير المقصودة، إلى الانتماء إلى الثورة المضادة، وهو الأمر الذي يتطلب الإجابة عن سؤال مركزي هو؛ هل تتعرض الثورات العربية فعلا إلى ثورة مضادة؟ والإجابة على العموم هي؛ نعم، الثورات العربية تتعرض إلى ثورة مضادة، ذلك أن منطق الثورات هو أنها تتعرض إلى ثورة مضادة، فليست هناك ثورة إلا وتعرضت إلى ثورة مضادة لها.

فالثورة الفرنسية تعرضت إلى أخرى مضادة، وظلت 7 سنوات حتى استقرت أوضاعها. بل هناك من المحللين المصريين، مثل الدكتور غالي شكري على سبيل المثال وليس الحصر، من كان يعتبر أن سياسة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، هي ثورة مضادة على ثورة 23 يوليو، وأن من قام بها هم فلول نظام ما قبل الثورة الذين ظلوا بمثابة قوى مستترة داخل نظام يوليو، الذي اعتبرهم جزءا من تحالف قوى الشعب العامل.

وهم لم يكونوا كذلك. وهناك أيضا من يعتبر أن الثورة الإيرانية نجت من الثورة المضادة، بسبب عملية التطهير التي مارستها والتي راح ضحيتها عدد كبير ممن أعدموا إثر محاكمات سريعة جرت عقب نجاح الثورة، بعضهم كان من العناصر التي شاركت في الثورة فعلا، بل إن أول رئيس جمهورية إيراني عقب الثورة.

وهو الحسن بني صدر، تمت محاكمته واستطاع الهرب خارج إيران قبل تنفيذ الحكم. وهناك من القوى الثورية العربية من يطالب بتطهير أجهزة الحكم والمجتمعات، من أجل إيقاف الثورات المضادة، ولكن حكومات ما بعد الثورة العربية، في كل من مصر وتونس، لا تستطيع أن تقوم بذلك.

وهناك ثلاثة مبررات لهذا الأمر، الأول؛ أن قوى من النظام السابق لعبت دروا في إسقاطه، وهي الجيش الذي لولا انحيازه للثورة لما نجحت، وهذه القوى بطبيعتها محافظة، وليست لديها خبرة في السياسة العملية، وهو الأمر الذي يجعل حركتها وقراراتها بطيئة. وهذا المبرر يجعل البعض يقول إن النظام لم يسقط كاملا مثلما حدث في إيران، وبالتالي فإن عملية التطهير لا بد وأن تكون صعبة، إن لم تكن مستحيلة.

أما المبرر الثاني، فهو أن القوى الحاكمة في مرحلة ما بعد الثورة، من القوى الديمقراطية التي طالما خرجت ضد الأنظمة من أجل المطالبة بالديمقراطية والنزاهة والعدالة والمساواة، وهي بالتالي لا يمكن أن تؤيد أي إجراءات استثنائية يمكن أن تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، مثل المحاكمات الاستثنائية أو التحفظ على متهم من دون دليل قوي.

وهو الأمر الذي أعطى لقوى الثورة المضادة إحساسا بأن يد العدالة لن تنالها قريبا وبالتالي أحسوا بالأمان، الأمر الذي زاد من ممارسات الثورة المضادة، خاصة وأن الأنظمة تتحرك وهي تشعر بأن العالم يراقبها، ويسعى إلى معرفة مدى تمسكها بمبادئ حقوق الإنسان التي أصبحت بمثابة قيم عالمية، الأمر الذي غل يدها عن مواجهة الثورة المضادة بإجراءات سريعة واستثنائية.

أما المبرر الثالث، فهو أن القوى الحاكمة في مرحلة ما بعد نجاح الثورة، تدرك جيدا أن هناك قوى اجتماعية واقتصادية ومستفيدين من النظام السابق، تعشش في أجهزة الدولة، لكنها تدرك أيضا أن التدخل الجراحي في مواجهتها أمر قد يستفزها ويجعل ممارستها للثورة المضادة علنية، وبمثابة حائط الصد الأخير بالنسبة لها، واختارت القوى الحاكمة أسلوبا آخر هو التدرج ومحاولة تحييد قطاعات من هذه القوى الاجتماعية عبر دفعها للاطمئنان، وهو ما يمكنها من محاصرة وعزل الأجنحة الأخطر في الثورة المضادة، وهي الأقل عددا لكنها الأكثر خطورة، وهي ترى أن هذه الخطوات وحدها كفيلة بالقضاء على الثورة المضادة.

والمنطق الذي يرى أن هناك ثورة مضادة تواجه الثورات العربية منطق متماسك، ليس فقط لأن كافة الثورات تواجه مثل هذه الحالة، ولكن لأن الأنظمة التي أسقطت، ظلت في الحكم لعقود طويلة استطاعت خلالها أن تكوّن شبكة من المنتفعين القابعين في أجهزة الدولة، مثل الأجهزة الأمنية التي حصلت على مميزات عدة في ظل تحول الدولة قبل سقوط النظام إلى دولة بوليسية.

وهذه المميزات كانت على الأصعدة المالية والاجتماعية والاقتصادية، بل وشكل بعض الأنظمة فرقا أمنية تدين بالولاء للحكام فقط أو لبعض أجنحة الحكم وليس للدولة، وهو الأمر الذي جعلها تشعر بالخطر من تغيير النظام وتسعى إلى الإبقاء عليه، سواء بشخوصه أم ببنيته السياسية والاجتماعية.

وقام بعض الأنظمة بتشكيل ميلشيات خاصة من البلطجية، بهدف حماية النظام في مرحلة ما، وهو ما أحدث فوضى بعد سقوط النظام، حيث شعرت هذه الفرق بالخطر ومارست البلطجة كوسيلة للتعبير عن وجودها، وكرد فعل تلقائي على الفراغ الذي شعرت به عقب سقوط النظام.

والسؤال المرتبط بما نتحدث عنه، هو؛ هل هناك أي فرص لنجاح الثورات المضادة في مواجهة ثورات الشعوب العربية؟ والإجابة هي أنه على الرغم من أن الثورة المضادة تعبر عن قوى اجتماعية نافذة ومؤثرة، وعلى الرغم مما لديها من وعي بمصالحها، إلا أن معاناة الشعوب على مدى عقود من النظم التي سقطت، سواء في ما يتعلق بعدم توفيرها الحد الأدنى من الحياة الكريمة، أو ما شاب حكمها من فساد سياسي واقتصادي ومن استبداد وانتهاك لأبسط حقوق الإنسان، يجعل محاولات الثورة المضادة محكوما عليها بالفشل، لكنه في نفس الوقت يؤكد أن معركة الشعوب في استعادة حقوقها طويلة وتتطلب نفسا طويلا.

=====================

ماذا يريدون من سورية؟

شؤون سياسية

الاثنين 11-4-2011

د. إبراهيم زعير

الثورة

لم يقيض لجهابذة السياسة الأميركية ووكلائهم في المنطقة المكلفين بتحويل سورية إلى حجر «دومينو» يتهاوى كما تهاوت العديد من الأنظمة العربية، النجاح في مهمتهم القذرة

عن طريق زج سورية في اتون حرب طائفية أو عرقية أملاً في التخلص من هذه الصخرة الصلبة التي تكسرت عليها الرؤوس الحامية الطامعة برؤية الشرق الأوسط وقد أصبح بحيرة هادئة يجولون ويصولون بها كما يشاؤون بعد تحويل شعوبها إلى أرقاء في سوق النخاسة الأميركي الصهيوني الرجعي.‏

وربما لم يدركوا حتى الآن أن الشعب السوري ذكي وواعٍ أكثر مما كانوا يظنون ومن غير الممكن أخذه بالتهويل والتخويف والتضليل الإعلامي المبرمج بدقة على إيقاع ما يخططون له ويبيتونه لسورية منذ سنوات طويلة لاشك أن خطتهم للانقضاض على سورية كانت محكمة ولكن غباءهم يكمن في جهل طبيعة الشعب السوري وتاريخه الممتد لمئات السنين وأكثر هذا الشعب الذي لم يسمح يوماً أن تكون سورية سوى قلعة شامخة ومنارة للحرية والاستقلال الوطني والدفاع عن كل ما هو شريف وطاهر وحر في دنيا العرب.‏

وهذا ما يزعجهم ويؤرق أحلامهم ولم يتمكنوا حتى الآن أن يجيبوا على السؤال الأكثر إلحاحاً ودهشة ما هو سر قوة سورية؟ وكيف لبلد مثل سورية قادرة أن تصمد في وجه جميع العواصف العاتية القادمة من واشنطن وعواصم الكثير من الدول الأوروبية وللأسف حتى من عواصم بعض الأشقاء العرب؟ والحقيقة أن الجواب بسيط جداً ولكنهم غير قادرين على فهمه فسورية أرقت المستعمرين على مر العصور وانتصرت عليهم وسورية لم تقبل يوماً أن تبرم معاهدة أو اتفاقية مع العدو الصهيوني إلا إذا استعادت جميع الحقوق العربية المغتصبة إن كانت في فلسطين أو الجولان العربي السوري أو الجنوب اللبناني وأن السلام الذي تناضل من أجله هو سلام الشجعان الذي رسخه الرئيس الراحل حافظ الأسد أي السلام الذي يحفظ الحقوق والكرامة الوطنية وتحرير الأرض المحتلة دون نقصان حتى لشبر واحد والمسألة الأخرى أنهم لا يفهمون الوحدة الوطنية الراسخة والقوية حول النهج الوطني السوري الذي يحظى بإجماع وطني ودعم وتأييد من قبل الجماهير العربية في كل مكان ودعم قوى الحرية في العالم أجمع ولم يتوقفوا يوماً عن محاولاتهم لإلغاء مكانة سورية ودورها المفتاحي في قضايا المنطقة والقضايا الإقليمية وحتى الدولية وأخيراً اعتقدوا أن ثمار ما زرعوه من مؤامرات وخطط لإسقاط سورية قد حانت فسارع صقور البيت الأبيض وإدارته السابقة والحالية وحكام تل أبيب وأعوانهم هنا وهناك الذين شمروا قمصانهم بعد خلع معاطفهم فرحين بأن ساعة الصفر قد دقت ولابد من استغلال ما يجري داخل سورية على خلفية مطالب محقة للانقضاض على النظام لعلهم في هذه المرة يفلحون في التخلص من جبهة المقاومة السورية الذي لم يستطيعوا ولو لمرة واحدة عدم استحضار دورها عندما يتحدثون عن كل ما يتعلق بالمنطقة وفي كل مرة يشعرون بالكآبة لأن سورية تخيب آمالهم طالبوا السيد أوباما باستغلال الحدث السوري فوراً وربما اصرارهم هذا يعود لخشيتهم من افتضاح دورهم وتدخلهم الفظ في شؤون سورية الداخلية واستغلالهم الوقح لمطالب الشعب السوري المشروعة والعادلة والتي لم تكن يوماً في أولويات سياستهم إلا بقدر ما تخدم مخططاتهم التآمرية على الشعب السوري وتوجهات القيادة السورية الوطنية التحريرية وربما من المفيد التذكير بما كتبه إليوت أبرامز نائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن في صحيفة «واشنطن بوست» دعا فيه إلى إسقاط النظام السوري لأن ذلك كما يقول أبرامز يصب في مصلحة الولايات المتحدة تماماً لماذا؟ يشير كاتب المقال:« لأن سورية ممر للمقاومين في العراق ودعماً لحزب الله وحركة حماس وغيرها التي وصفها الكاتب بالمنظمات الإرهابية» واحتضانه لقادتها وعناصرها والسماح لهم بالعيش والعمل على الأراضي السورية.‏

ويتابع أبرامز: «إذا ما تغير المشهد في سورية ستدخل سورية في منظومة الدول العربية وستقطع علاقتها بحزب الله وإيران».‏

هكذا تكون إيران قد خسرت حليفاً مهماً لها وجسر عبورها إلى حزب الله هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه المستشار السابق للأمن القومي الأميركي ومن يقرأ هذا المقال وغيره الكثير من المقالات الغربية وفي بعض الصحف العربية وما تروجه بعض الفضائيات العربية المأجورة يدرك حجم المؤامرة على سورية ويدرك أن محور الضغط على سورية يتمركز حول قضية واحدة وهي خدمة إسرائيل ومصالحها الأساسية في المنطقة هذه المصالح المتعثرة بسبب سورية ومن يطلع على بعض ما يكتب حول الحدث والأحداث السورية.‏

يدرك أن من يتلطى وراء المطالب الشعبية لا يهمه أصلاً هذه المطالب ولا يهمه إطلاقاً لا الإصلاح السياسي ولا الديمقراطية والحرية التي يتشدقون بها فجل ما يهمهم استباحة سورية وإسقاطها من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وإلغاء دورها الوطني والقومي في هذه المعادلة وربما أكثر ما أزعجهم وأغضبهم استجابة القيادة السورية لمطالب الشعب المحقة وكل خطوة إيجابية تخدم مصالح الشعب السوري وقضاياه الحيوية ستشكل مسماراً آخر في نعش مؤامراتهم الدنيئة!..‏

=====================

بثينة تريدها طائفية

مها بدر الدين

الرأي العام

11-4-2011

تعتبر المستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري السوري الدكتورة بثينة شعبان نموذجاً مثالياً لقياس مستوى العاملين في بلاط النظام، والمنوط بهم مهمة تلميعه وتزيينه وبهرجته وإخفاء ما يمكن إخفاؤه من عيوب ليبدو للناظر البعيد وكأنه كامل الأوصاف، جميل المحيا، ثابت الممشى، متوازن الفكر، واثق الخطى، لكن استخدامهم المسرف للأدوات التجميلية البدائية التي تظهر القباحة أكثر قبحا، مكن الناظر القريب من معرفة العيوب الخلقية والأخلاقية التي يعاني منها النظام والذي تحاول مجموعة المزينين هذه اخفاؤها.

فالمستشارة بثينة شعبان التي أطلت على الشعب السوري في بداية الاحتجاجات لتهدئة الأوضاع المتوترة وطمأنة الشارع السوري الثائر وزف البشرى إليه بتحقيق مطالب المحتجين، قد صبت الزيت على النار بظهورها المتعجرف وتكبرها الواضح وأنفتها الزائفة التي لاحظها جميع السوريين المتابعين لمؤتمرها الصحافي الذائع الصيت ابان المظاهرات السلمية التي اندلعت في محافظة درعا واستشهد الكثير من أبنائها برصاص أجهزة الأمن السوري، فجاء وقع كلماتها ثقيلاً على قلوبهم، جارحاً لمشاعرهم، مسعراًُ للنار الشابة في أحشائهم.

لقد أطلقت حزمة من الوعود الكاذبة التي لم يتحقق منها شيء رغم تأكيدها على فورية تنفيذها، بل انها أعلنت زيادة الرواتب للموظفين السوريين بترفع ملحوظ وكأنها تمنح الشعب السوري منحة من مالها الخاص، وبدت وهي تقرأ ما كتب لها في أوراق الرئاسة وكأنها تستكثر على شعبها خطوات الإصلاح المزعوم الذي تفننت الحكومة السورية بصياغتها بطريقة زئبقية بحيث لا يمكن مسك طرف أي من خيوطها الهلامية، وهذا ليس غريباً على الحكومة السورية بمؤسساتها الإعلامية، والناطقين باسمها، والكاتبين بقلمها الذين يتقنون جيداً فن الحديث المستفز الذي لا ينتهي إلا والمستمع إليه يعاني من دوخة في الرأس، ولعية في النفس، وغصة في الحلق، وضيق في التنفس، والتمني إما أن يكون أصم أو أن يصاب المتحدث بالخرس.

فالعارف بالشأن السوري والقارئ لمقالات السيدة المستشارة وتصريحاتها هنا وهناك يدرك المدى الشاسع والواد السحيق الذي يفصل بين هموم الشعب وواقعه وأبراج الحكومة العاجية وساكنيها، فهي عندما تتحدث عن حق الشعوب العربية في الثورة على أنظمتها المستبدة وتسجل إعجابها بالثورة المصرية والتونسية، فكأنها تسقط صفة العروبة عن الشعب السوري من جهة، وتصنفه من الشعوب التي لا حق لها بالثورة لتمتعها بنظام سياسي ديموقراطي حر من جهة أخرى، وفي كلتا الحالتين تبدو السيدة شعبان أنها تعيش في كوكب آخر بعيد جداً عن هموم الشارع السوري ومتطلبات مجتمعه، وتؤكد أنها ليست سوى بوق للحكومة ومزمار للنظام كغيرها من السياسين والإعلاميين السوريين الذين باستعلائهم وتعنتهم وتهليلهم وتزميرهم وتطبيلهم للنظام، إنما يدفعونه إلى فقد مصداقيته أمام الرأي العام المحلي والعالمي وسقوطه سقوطاً حراً ومن علو شاهق.

ولم تكتف المستشارة باستفزاز الشعب السوري بل انها باتهامها الشيخ القرضاوي بإثارة الفتنة الطائفية وهو الذي لم ينطق كفراً، فإنها توحي إيحاء وتعطي إيعازاً لأيدي النظام بتحويل الاحتجاجات السورية من صورتها السلمية الشعبية الجماهيرية إلى صورة طائفية تناقض واقع الاحتجاجات التي ينضوي تحت لوائها جميع طوائف الشعب السوري ويرددون معاً شعارهم الرائع «واحد واحد... الشعب السوري واحد» وهو ما يدحض كل صبغة طائفية تريد الحكومة إصباغها بها، ويؤكد أن النظام السوري كعادته في خلط الأوراق عند الأزمات يريد أن يجد مخرجاً له من أزمته الحالية بتحويل مجرى الأحداث إلى اتجاه طائفي يصعب السيطرة عليه لو كان لها ما أرادت.

ويبدو أن الوادي السحيق الذي تكلمنا عنه، والفاصل الواسع بين النظام الفاسد وحقوق الشعب، لم يسمح له بأن يدقق النظر في سمات شعبه ليرى أنه أصبح أكثر وعياً لواقعه، وأكثر تماسكاً بأفراده، وأكثر شجاعةً في تحديه، وأكثر إصراراً على تحقيق حلمه، فالشعب السوري بجميع طوائفه وأطيافه قد تغيرت ملامحه الاجتماعية والنفسية والعقائدية، وتوحدت اليوم مطالبه المشروعة تحت راية الحرية والكرامة، وأصبحت عقيدته التي تضم أبناءه جميعاً هي عقيدة «الله وسورية وحرية... وبس».

ولا أشك بأن السيدة بثينة لو كانت تحفظ خريطة القطر العربي السوري، و تعرف جغرافية بلدها، ومطلعة على التركيبة السكانية في كل أنحائه، وبقليل من النظرة الموضوعية والحكمة السياسية والدراسة المستوفية لمناطق اندلاع الاحتجاجات الشعبية، لتأكدت أن جميع الطوائف السورية تسير باتجاه إجباري واحد نحو سورية جديدة ناهضة، تكفل لجميع أفرادها حياة كريمة مشرفة وتعيد إليهم الشعور بالأمان في بلدهم وهم الذين يعانون الغربة القسرية في وطنهم منذ زمن، ولو أنها قرأت قليلاً في كتب التاريخ السوري لعرفت أن تآخي الطوائف السورية المتعددة كان ومازال ملحمة تاريخية فريدة على مرالعصور، كما أن تاريخنا القريب الذي كان مثالاً للنشاط السياسي الحر وكثرة الانقلابات السياسية لم يسجل أي حركة أو انقلاب سياسي قام على أساس طائفي، والدليل الدامغ على انتفاء هذه النزعة الطائفية عند الشعب السوري، قيام الحكم العلوي في بلد ذي غالبية سنية لأكثر من أربعين سنة وبدعم سني كامل، ولعله من المفارقات الغريبة أن أكثر من ساند هذا الحكم ودعمه وثبت أركانه مجموعة من رجال درعا السنة الذين خدموا النظام بإخلاص شديد ابتداء بفاروق الشرع وانتهاء برستم غزالة وبينهما كثر.

وآخر القول، انه لو كان التونسيون قد هرموا للحصول على حريتهم، فالسوريون قد ملوا وانتفخوا وانفجروا من أساليب الساسة السوريين في معالجة المستجدات، فهل تكف أبواق الحكومة السورية عن الصدح، ومزامير الإعلام السوري عن التزمير، وهل يكف أمثال بثينة والشرع والشيخ البوطي عن الاستهانة بقدرات ووعي الشعب السوري الذي أصبح اليوم شجاعاً وحراً.

=====================

لماذا الحملة الإيرانية على دول مجلس التعاون؟

المستقبل - الاثنين 11 نيسان 2011

العدد 3966 - رأي و فكر - صفحة 19

خيرالله خيرالله

ما الذي لدى إيران- الجمهورية الاسلامية تصدره إلى جيرانها باستثناء استخدام المذهبية والتطرف والسلاح لإخضاع دول اخرى او إثارة القلاقل فيها او إقامة دويلات داخل الدول الاخرى. باسم "تصدير الثورة"، صارت هناك دويلة إيرانية في لبنان. وباسم "تصدير الثورة"، هناك مشروع دولة إيرانية في اليمن على حدود السعودية. وباسم "تصدير الثورة"، ثمة محاولة للاستيلاء على الدولة في البحرين استكمالا لعملية وضع اليد على جزء من العراق واستكمال عملية تطويق السعودية. سبق للعراق ان قاوم "تصدير الثورة" ايام صدّام حسين الذي خاض مع إيران حربا استمرت ثماني سنوات لم يعرف يوما انه كان يجب الاّ يخوضها. ولكن ما العمل مع نظام عائلي- تسلطي ذهب ضحية الشعارات التي رفعها ولعب، من حيث لا يدري، لعبة تصب في خدمة النظام الايراني الجديد. فعل ذلك عندما اندفعت القوات العراقية في العام 1980 اتجاه الاراضي الايرانية في وقت كان النظام الذي اقامه آية الله الخميني في حاجة ماسة إلى لمّ الايرانيين حوله عبر استثارة الشعور الوطني، اي العصبية الفارسية التي تكن احتقارا لا مثيل له لكل ما هو عربي...

قدّم صدّام حسين، بسبب غبائه السياسي المعهود، افضل خدمة للايرانيين. لم يدر يوما انه وفّر شريان الحياة للنظام الجديد في طهران الذي كان في امسّ الحاجة إلى العصبية الفارسية. كان صدّام يخطط لنهايته ونهاية نظامه بيديه بعدما عجز عن فهم لماذا "انتصر" في الحرب على ايران ومن مكّنه من تحقيق هذا "الانتصار" الذي تحقق في العام 1988. بعد ذلك، تولى بنفسه حفر القبر لنظامه عندما اقدم على مغامرته المجنونة المتمثلة في احتلال الكويت...

استهدف قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بمبادرة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ايجاد مظلة للدول الست الاعضاء في المجلس تحميها من ايران والعراق في آن. كان ذلك قبل ثلاثين عاما عندما اجتمع زعماء الدول الست في ابو ظبي واعلنوا قيام المجلس. الآن، بعد ثلاثين عاما من انشاء المجلس، يتبين كم ان الحاجة اليه كبيرة، بل ملحّة. فالمجلس استطاع ان يكون تجمعا مسالما لا يستخدم انيابه الاّ عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. الدليل على ذلك، انه يكتفي، دوريا، بتأكيد موقفه المعروف والثابت من الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى. هذه الجزر احتلت في العام 1971 في ايام الشاه وتشكل مثلا صارخا على وجود سياسة إيرانية مستمرة تقوم على التوسع وانه لم يتغيّر شيء مع انتصار "الثورة الاسلامية" في العام 1979. احتل نظام الشاه الجزر ورفض التفاوض في شأنها. لا تزال "الجمهورية الاسلامية" تتبع السياسة نفسها. لم تحد عنها قيد انملة. الفارق الاساسي بين نظام الشاه والنظام الحالي يكمن في استخدام الدين وسيلة للتوسع من جهة واثارة الغرائز داخل المجتمعات العربية من جهة اخرى.

ما فعله مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عندما تدخل في البحرين بهدف وضع حدّ للتهديد الذي تتعرض له دولة عربية عبر "التدخل الإيراني السافر" في شؤونها الداخلية، يعتبر دفاعا مشروعا عن النفس ليس الاّ. لماذا لم تعترض إيران في العام 1991 عندما تدخلت دول مجلس التعاون عسكريا إلى جانب المجتمع الدولي، على راسه الولايات المتحدة، اثر تعرّض الكويت لغزو عراقي؟ وقتذاك، عندما دعا صدّام حسين في رسالة إلى الرئيس هاشمي رفسنجاني ايران إلى الانضمام اليه في مواجهة "الشيطان الاكبر"، كان رد رفسنجاني على المبعوثين العراقيين اللذين حملا الرسالة اليه وهما طارق عزيز والمرحوم برزان التكريتي:" سنترك لكم شرف مواجهة الشيطان الاكبر في الكويت وحدكم".

حسنا، اتخذت إيران موقفا عاقلا من حرب تحرير الكويت التي ارادها الكويتيون اوّلا وغطاها المجتمع الدولي تغطية كاملة عن طريق مجلس الامن. ولكن ماذا عن الحرب الاميركية على العراق في العام 2003؟ لماذا كانت إيران الدولة الوحيدة في المنطقة التي ايدت الاجتياح الاميركي للعراق وساندته ووفرت التسهيلات التي احتاج اليها الاميركيون في غزوتهم؟ الم تكن القوات التي دخلت بغداد والمدن والمناطق العراقية الاخرى "قوات اجنبية"؟ لماذا الحملة الآن على دول مجلس التعاون بسبب موقفها الحكيم من البحرين؟

اخيرا، استفاق الخليجيون. فاتهم انه كان عليهم ان يأخذوا موقفا واضحا وموحّدا من التدخل الايراني في الشؤون الداخلية للدول العربية باكرا. فاتهم انه كانت هناك خطة إيرانية مبرمجة هدفها إنهاء الوجود العربي في لبنان. هل هناك من يتذكّر من احرق السفارتين السعودية والمغربية في بيروت منتصف الثمانينات من القرن الماضي؟

في البدء كان لبنان. لم يتخذ العرب، خصوصا اهل الخليج، موقفا واضحا من الوجود الايراني في لبنان. رضخوا له إلى حدّ كبير. من المهم، في ضوء ما تشهده البحرين، ان يكون هناك موقف خليجي موحد من الخطر الإيراني. من المهم الاّ يبقى الموقف الحاسم من هذا الخطر محصورا بالبحرين. ان الوضع في اليمن، على سبيل المثال وليس الحصر لا يقل خطورة عن الوضع في البحرين. اضافة إلى ذلك، يتبين يوميا ان لا سياسة خليجية موحدة من العراق المطلوب استيعابه عربيا بدل تركه فريسة لإيران تعبث بمجتمعه عن طريق إثارة الغرائز المذهبية. صحيح ان إيران دولة جارة وان لا مفرّ من التعاطي معها. لكن الصحيح ايضا ان للجيرة قواعدها. من اهم القواعد الاحترام المتبادل والحد الادنى من الحياء والخفر... والتواضع!

=====================

نظرة على سوريا

نايلة تويني 

النهار

11-4-2011

عندما كان غسان تويني يصف حرب لبنان بحرب الآخرين على أرضنا، كان البعض يهزأ من الوصف، وقد سمعنا هذا البعض قبل يومين يخرج ليدافع عن ايران ويبرئ ذمتها في مواجهة المتحاملين عليها. هذا شكل جديد من حرب الآخرين على أرض لبنان، بل من حروبهم المستترة والمكشوفة غالبا، وهو أمر لا يتعلق طبعا بأرض محتلة، او بقرار سياسي، او بمشروع يضمن رفاه اللبنانيين المعيشي، بل هو الصراع الاقليمي المتفجر والذي يؤخر ولادة حكومة لبنان.

وكحالنا صارت حال سوريا "الشقيقة" التي لا يمكن نظامها أن يستمر للمستقبل اذا ما بقي على تعنته في رفض الاصغاء الى ارادة الشعب ووصف الثائرين او المتمردين (لا فرق) بالمخربين. فالصراع الاقليمي المحتدم، والذي حاولت دمشق اللعب على خطوطه بعدما اعتادت ذلك ببراعة، انفجر في الداخل السوري بعدما فقدت القيادة ورقة لبنان التي امسكتها بالقبضة الحديد في زمن الوصاية. كانت دمشق تفجر كل احتقان في لبنان. اليوم تبدل الوضع. بدأت حروب الآخرين على أراضيها. لم تتهم اسرائيل، كما جرت العادة في لبنان، لأن الصحف الاسرائيلية تدافع عن نظام البعث. ولم تتهم دمشق الاسلاميين المتطرفين خوفا من صحوة سنية متجددة تعيد البلاد الى زمن الثمانينات، مع تبدل الظروف الذي لا يسمح بسحق كل تحرك، خصوصا في جوار المارد التركي السني الذي يهدد الحدود في كل لحظة.

ماذا فعلت دمشق حيال كل ذلك؟ اتهمت لبنان بتصدير السلاح اليها، واتهمت اللبنانيين بالتحريض في داخلها، وأقالت رئيسة تحرير جريدة "تشرين" لأنها تجرأت فعبرت عن رأيها، ونقل إعلامها صورا غير منطقية للمسلحين الذين يطلقون النار... حتى الساعة تعاملت دمشق مع الحدث على طريقتها المعتادة التي اعتمدتها في لبنان طوال 30 عاما والتي لم توفر لها إلا خروجها بالطريقة إياها من لبنان.

إن مواكبة المتغيرات السريعة في المنطقة العربية لا يمكن ان تتم بصنمية النظام او الانظمة العربية، بل بترك النظام اللبناني يعيش ويتطور، قبل أن يتم تبنيه خيارا للحكم وللتنوع وللتعدد. وهنا أعود الى نداء غسان تويني "اتركوا شعبي يعيش" لأن في عيشه حياة لكم.

=====================

سورية: فتنة ومؤامرة ورئيس

أحمد شاهين

القدس العربي

11-4-2011

اختصر الرئيس السوري بشار الأسد فهمه لما يجري في سورية، في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الشعب، في 30  3  2011، بالقول 'انها مؤامرة' تستهدف خلق 'فتنة' بين طوائف الشعب السوري لتفتيت التماسك السوري وتنفيذ 'المخطط الاسرائيلي'. وقال الأسد ان المتآمرين قلة وهم يريدون الفتنة، والشعب، وهو شخصيا، ومجلس الشعب الذي يخاطبه، جميعا يريدون الاصلاح. وقد رد الشعب على المتآمرين (والكلام للأسد) وخرج في تظاهرات حاشدة قبل يومين من خطاب الأسد، رافعا شعار 'الله سورية بشار وبس'. وكان المحتجون يرفعون شعار 'الله سورية حرية وبس'. ورد الأسد على شعار مؤيديه بشعار 'الله سورية وشعبي وبس' والياء لغة في شعبي ياء الملكية. وقال له أحد أعضاء مجلس الشعب 'أنت لست قائد سورية والعرب فقط بل انت قائد العالم'. وبدت السعادة عليه بعد إلقاء الخطاب، حيث لقي التصفيق والترحيب من أعضاء مجلس الشعب، الذي كان قبل أكثر من عشر سنوات قد عدل الدستور خلال اقل من ربع ساعة ليصبح سن رئيس الجمهورية 34 عاما ليتناسب مع سن بشار الأسد، في حينه، ليحق له 'دستوريا' تسلم منصب رئيس الجمهورية الذي أوصى له به أبوه 'تركة منقولة'. ولم يسأله احد من أعضاء مجلس الشعب عن سبب إطلاق النار على المتظاهرين في درعا الذين يطالبون بالاصلاح، أيضا.

وقال الأسد انه دعا إلى الاصلاح منذ تسلم الرئاسة في عام 2000، 'في خطاب القسم وتحدثت عن إصلاح.. لم يكن هذا الطرح موجوداً.. وعندما طرحته كنت اعتبر أني أعبر عن صدى لما يجول في عقل السوريين وهذا صحيح.. طرحنا الموضوع في ذلك الوقت، لكن كان بالعناوين لم تكن هناك صورة واضحة ما هو شكل الإصلاح'، ثم أضاف أن هناك مسودات قرارات لدى قيادة حزب البعث الحاكم منذ المؤتمر القطري العاشر في 2005 'ولكننا لم نناقشه'، فقد حصل جفاف في سورية وانتفاضة في فلسطين و11 ايلول/سبتمبر في أمريكا، وإطعام طفل أهم من اصدار بيان حزبي' (والكلام للأسد). لكن ذلك لم يمنع أجهزة الأمن من سجن ميشيل كيلو وهيثم المالح وفاتح جاموس وعلي العبد الله وعباس عباس، وكثيرين آخرين، وهم، أيضا، يطالبون بالاصلاح، فالحزب والسلطة مشغولان باعتقال المواطنين وليس بمناقشة مشكلاتهم.

ويقول المعارضون للسلطة في سورية ان مظاهرات التأييد للرئيس الأسد 'أخرجت بالاكراه'، وهذا مشكوك في نسبة صوابه، فلدى الرئيس السوري حزب سياسي وله أنصاره ومستفيدون من نظام إدارته، وهم يدافعون عن منافعهم ومصالحهم، وهذا من طبيعة الأشياء في هذه المنطقة من العالم الذي تشكل فيه السلطة مصدرا للثروة والوجاهة الاجتماعية. وهؤلاء المعارضون يطالبون بالاصلاح أيضا، كما يسعى السيد الرئيس إليه حسب خطابه منذ توليه الرئاسة، ولم يهتد بعد، على ما يبدو، الى ما يجب إصلاحه إلا مؤخرا بعد أن تكشفت له خيوط المؤامرة، التي ربطت بين ثلاثة عناصر 'الفتنة والإصلاح والحاجات اليومية'، فيما أطلق عليه الرئيس الأسد وصف انتشار 'صرعة الثورات' في المنطقة العربية. ويعني خروج الآلاف تأييدا للسلطة الشخصية للرئيس باسمه 'بشار وبس'، ان آليات السيطرة ما زالت فعالة، وهذه الآليات غايتها تحقيق 'الإخضاع' الذي يعتمد على ثنائية 'التجويع والتخويف'؛ فقبل أن يتوجه الرئيس الأسد بخطابه أعلن عن زيادة رواتب العاملين في الدولة بقيمة 1500 ليرة سورية، ويمكن اعتبارها 'رشوة اجتماعية' لأكبر قطاع عامل في المجتمع، وهو جهاز السلطة الاداري والأمني والانتاجي ايضا، ومن جهة أخرى كان الموت بانتظار المحتجين، ووضع الشعب بين الخيارين: الموت، أو 1500 ليرة سورية. لقد اشترى صاحب الأحلام، النبي يوسف من الفلاحين المصريين أرضهم، ثم أنفسهم لصالح الفرعون مقابل الخبز' فقالوا أحييتنا. ليتنا نجد نعمة في عيني سيدي فنكون عبيدا لفرعون (26) . ' (راجع :الكتاب المقدس، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، تكوين: الاصحاح 47، ص 81 و82).

أنا بعث وليمت أعداؤه استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في سورية في العام 1963، من خلال انقلاب عسكري قاده اللواء زياد الحريري، الذي أقنعه المقدم عبد الكريم الجندي بتحريك قوات الجبهة الى دمشق. والجندي أحد الخمسة الذين عرفوا لاحقا باسم المجلس العسكري وهم: محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد، عبد الكريم الجندي وأحمد المير. ولم يكن بين الخماسي أي ضابط سني، ولذا اختاروا من خارجهم ضباطا سنيين واجهة للحكم، فكان على التوالي الرؤساء: لؤي الأتاسي، أمين الحافظ، نور الدين الأتاسي، وأخيرا أحمد الخطيب. لكن حافظ الأسد بعد أن استتب له الأمر في 1970، تجرأ في 1971 ورشح نفسه لرئاسة سورية وحقق ذلك لنفسه عبر 'استفتاء شعبي' فترأس سورية. وحاول في 1973 أن يدستر حالته بعدم النص على دين رئيس الجمهورية في الدستور الذي طرحه للاستفتاء في آذار/ مارس 1973، حيث كان دستور 1950 المعمول به ينص في مادته الثالثة على أن 'دين رئيس الجمهورية الاسلام'، ومن غير نص كان يعني عرفا مسلما سنيا. وكون الأسد من الطائفة العلوية، يبدو أنه تخوف من أن يشكل عدم 'سنيته' عائقا أمام رئاسته، فشطب هذه المادة من الدستور؛ لكن مظاهرة شعبية محدودة العدد أثارها شيخ دين في دمشق احتجاجا على غياب هذه المادة من الدستور، اضطرت الأسد في اليوم التالي الى اعادتها بالاعلان انها سقطت سهوا، وتولى جهاز الاشاعة في الأمن السوري الترويج 'لسنية الرئيس' تارة بالقول ان أمه سنية، وتارة بالقول انه يصلي في بيته الصلوات الخمس. وفي هذا الشأن تنتقص هذه المادة من حقوق المواطنة التي تعطي لكل الناس حقوقا متساوية في الحق والواجب لجميع المواطنين في الدولة الحديثة. بمعنى أنه في بلد كسورية ليس من حق مناضل كميشيل كيلو (المسيحي) أو صلاح بدر الدين (الكردي)، أو أصلان عبد الكريم (الشركسي) أو علي البيانوني (الذي قد يحكم بالاعدام لأنه من الإخوان المسلمين) أن يكون رئيسا للجمهورية، كما لم يكن بإمكان حافظ الأسد ممارسة رئاسته للجمهورية من غير 'إشاعة سنيته'.

وينص الدستور الذي وضعه حافظ الأسد في 1973 في مادته الثامنة على أن 'حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية'. وحزب البعث حزب قومي عربي تعود جذوره الأيديولوجية الى 'العرق' كرابط قومي، بمعنى أن كل من ليس عربيا هو عدو، وهي محاكاة للثقافة القومية التي سادت في ألمانيا الهتلرية وايطاليا الفاشية في القرن العشرين. وقد تأسس حزب البعث في العام 1947، وقد سرت نكتة في الخمسينيات من القرن العشرين تقول 'ان مدينة أثينا أصلها من كلمة أتينا العربية' تعليقا على طروحات زكي الأرسوزي اللغوية؛ إذ كان البعثيون يرون أن أصل كل شيء في الحياة والكون عربي. وكان البعثيون على سبيل المثال يرون في القضية الكردية التي كانت مشتعلة في شمال العراق مشروعا شبيها بالحالة الصهيونية في فلسطين، ولذا حين قامت الوحدة العسكرية بين بعثي العراق وسورية بعد فشل الوحدة الثلاثية مع مصر في 1963، أرسل البعث السوري لواء عسكريا سوريا بقيادة العقيد فهد الشاعر لمحاربة الأكراد في شمال العراق. وبحكم هذه الثقافة المرجعية للبعث يعتبر الكردي والتركماني والشركسي والأرمني وكل الاثنيات الأخرى أعداء طبيعيين للبعث وللسلطة التي يديرها، وكان يجسد في تعامله مع غير البعثيين على أساس شعاره 'أنا بعث وليمت أعداؤه'، وقد جدد الرئيس بشار الأسد في خطابه مرة أخرى روح هذا الشعار بالقول 'والفتنة أشد من القتل كما جاء في القرآن الكريم فكل من يتورط فيها عن قصد أو من غير قصد فهو يعمل على قتل وطنه، وبالتالي لا مكان لمن يقف في الوسط'.

ومع مثل هذه الثقافة التي يتمترس خلفها حزب البعث الحاكم في سورية بزعامة آل الأسد يصبح مطلب الاصلاح تفجيرا للحزب وثقافته وسلطته. والبعث في هذا الشأن لا يختلف عن غيره من الحركات السياسية التي تعتبر العقيدة (الأيديولوجيا) هوية، فهم لا يختلفون في هذا الشأن عن الاسلاميين أو الشيوعيين أو دعاة الأخوة المسيحية، وهذا لا ينتقص من حقهم في التعبير عن أنفسهم، هم أو غيرهم، كجماعة. الاعتراض على ذلك هو في مسألة فرض عقيدة هذه الجماعة على مجموعات أخرى مختلفة عنها وتشترك معها في الحياة على أرض واحدة هي الوطن الجغرافي في دستور البلاد، الذي يفترض فيه أن يكرس ويعبر عما يجمع بين المواطنين. وبهذا المعنى يعتبر الدستور السوري الذي أقره حزب البعث بعد الحركة التصحيحية التي قام بها الجنرال حافظ الأسد 'حربا أهلية مفتوحة' بين جماعة البعث وكل ما عداها من المجموعات التي تعيش على الأراضي السورية.

على ما تقدم، يقتضي الاصلاح في بلد مثل سورية، فيه من التنوع ما لا يحصى على الصعيدين الديني والمذهبي والإثني، نسف النظام القائم على مثل هذا الدستور، من أساسه، وليس مجرد إصلاحه أو تعديله. وتشكل الدعوة الى ممارسة الحرية التي يعلنها المحتجون في سورية مدخلا الى مثل هذا التغيير الذي سيكون هدفه اقامة 'حق المواطنة' على أساس الجغرافيا، وليس على أساس العقيدة.

' كاتب سوري

=====================

الثورة في سورية مسألة مصيرية

خليل قانصو

القدس العربي

11-4-2011

حقّ للإنسان في أي بلد عربي كان، بعد انقضاء سنوات طويلة في ظل سلطة نظام لم يتبدل وانطلاقة الانتفاضات وبدء الاعتصامات ضده، أن يتساءل عن مسؤولية الحاكم الذي يرأس هذا النظام في كل ما يقع الآن من تطورات تداخلت تعبيراتها واختلفت الاتجاهات التي تنحو نحوها. فباستثناء السيد بن علي التونسي، الذي اعترف قبل ساعات من رحيله بأنه 'فهم' أخيرا ما لم يفهمه طيلة ما يقرب من خمسة وعشرين عاما، كان خلالها الرئيس والآمر الناهي، لم نسمع أن رئيس دولة عربية أقر بالاخطاء التي ارتكبها او استقال من منصبه أو وقف أمام العدالة في بلاده لينال جزاء ما اقترفت يداه. هذا إذا تجاوزنا مسألة كيفية وصول الحاكم إلى السلطة، ثم انصرافه الكلي بعد ذلك إلى استخدام أجهزة الدولة وما في خزائنها من أجل الحفاظ على موقعه. وهذا يعني ضمنيا أمرين، الأول هو سعيه الدائم للقضاء على الذين هم مثله يريدون أن يصيروا رؤساء بالطريقة التي اتبعها، أما الثاني فهو حرصه على توفير الظروف بكافة الوسائل والسبل لوأد الحراك الشعبي احتجاجا ضد توظيف الدولة وإمكانياتها في خدمته وخدمة حاشيته، على حساب المصلحة العامة.

إن أحداثا جساما وأليمة تدور في الراهن، على امتداد الساحة من المغرب إلى شواطئ الخليج العربي، لا يصعب تحديد المسؤولين عنها. فعندما يقتل خمسون مواطنا في مدينة سورية، لا تقع المسؤولية على ضابط الأمن أو على موظف وحده ، وانما تقع أيضا على السلطة التي أنتدبت إلى هذه المدينة ضابطا أمنيا أو موظفا إداريا لا يتحلى بأخلاق رفيعة، ولا يمتلك الكفاءة المطلوبة لتأدية مهامه. وهنا ينهض سؤال حول طبيعة هذا المهام من ناحية، وعن اشكالية لجوء الناس إلى العنف بما هي انعكاس لنوعية العلاقة التي تربط بين هؤلاء الناس من جهة، وبين السلطة من ناحية ثانية. وبكلام آخر، هل توجد وسائل تتيح المشاركة في إدارة الشأن العام بواسطة تبادل حر للآراء غايته انتقاء ما تجمع الأكثرية على أنه الأفضل للجمع الوطني، من دون ممارسة أية ضغوط؟

أما إذا كانت وسائل التعبير ممنوعة والاقتراح محرما، وإذا كان الناس يعانون من ضيق المعيشة، قلقين مما أصابهم من وهن يشجع العدوان عليهم، فإن مسؤولية السلطة عما لحق بهم من أذى بسبب انتفاضتهم، لا تكون موضع شك. فهذه السلطة أخطأت في اختيار ضابط الأمن أو الموظف الإداري الذي تولى معالجة الانتفاضة بعد انفجارها. واستنادا إليه، من المحتمل أن يتكرر هذا الخطأ، طالما لم تتغير السياسة والمبادئ وآليات تعيين الأشخاص في إدارات الدولة وأجهزتها، فضلا عن الاستمرار في عدم مراعاة الجدارة وحسن السيرة في التوظيف والتجنيد والتكليف. ولكن خطأها الأكبر هو في سلوكها نهجا أدخل الناس في نفق مظلم ولم يترك لهم سبيلا للخروج منه، وهو نهج تستسيغه، كما هو معروف، نظم الحكم العربية بوجه عام، لأنه يكرّس مفهومية قديمة رجعية تافهة ومتخلفة للسلطة، تتجسد بقبول فوقية الحاكم كونه 'وليا للأمر' تتوجب طاعته وخدمته والصفح عن أخطائه والتستر عن عيوبه، مادام حيا.

طبيعي أن ترتجع هذه الأخطاء مجتمعة، أمام المعنيين، الخطأ الأصلي والجوهري المتمثل في اختيار الحاكم لنفسه حاكما على الناس في بلاده من دون توكيل منهم. ما هي قرائن هذا الحاكم في مواجهة الناس إذا خرجوا لإسقاط مقولة 'ولاية الأمر' التي تثير في هذا الزمان لدى شعوب العالم الاستهزاء والنفور؟ هل يستحق شعب الملامة أو القصف بالطائرات والمدافع، لأنه انتفض وثار ضد حاكم مضى على استلامه السلطة سنوات عديدة، فازاداد الفقر وعم الجهل وتفرعن الأعداء عليه؟

لا غلو في القول ان حدثا كبيرا يدور على الساحة العربية. ومن المرجح أن الأمور مرشحة لأن تتفاعل أكثر فأكثر لمدة طويلة يصعب تقديرها. وان أحدا لا يستطيع في الحاضر التنبؤ بما سوف تسفر عنه. ولعل من الدلالات التي يمكن تبينها في هذه المرحلة، هي الدلالة على الخطر الذي يتهدد الشعوب العربية جميعها، ونظم الحكم أيضا التي تعاني هذه الشعوب من نيرها، مما يستتبع بالنتيجة خطرا على الأوطان نفسها. بمعنى آخر اننا حيال خيارين، اما أن تكنس الثورات والانتفاضات العوائق التي تحول دون البناء والتطور، فيصير العيش في الأوطان ميسورا والدفاع عنها ممكنا، واما أن تغرق كتائب أنظمة الحكم هذه الثورات في بحر من الدماء، فيهجر الناس أو يهجروا بالسلاح أو بالدولارات، قبل أن يأخذ الحكام بدورهم طريق المنفى، أو يلقوا مصيرا آخر. وفي خلاصة هذا الموضوع ينبغي أن نأخذ بالحسبان أن البلاد العربية لا تهم المستعمرين بالدرجة نفسها. أقتضب من هذا الاستطراد لأقول بأن موقع سورية على خريطة الشرق الأوسط، وما تمثله في التصدي لمقاومة التمدد الإسرائيلي وفي رفض تصفية القضية الفلسطينية يضعها في الظروف الراهنة، على رأس سلم أولويات المستعمرين. ينبني عليه أن الثورة في سورية هي أكثر الحاحا منها في أي بلد عربي آخر، وان نجاحها ضرورة مطلقة ليس للسوريين وحسب وانما لجميع العرب ايضا.

واستنادا إلى هذه الرؤية، فإن الوقت في سورية ليس لانتصار النظام على الشعب أو لانتصار الشعب على النظام، ولكنه لطي صفحة الماضي نهائيا ومن دون أبطاء، ولاتفاق الطرفين، الشعب والنظام، على البدء بإعادة بناء الدولة على دعائم ترتكز على شرعية ثورية حقيقية، في إطار سيرورة يضطلع النظام خلالها بما يقتضيه الحراك الثوري نحو الأهداف التي يصبو إلى بلوغها، وفي مقدمتها إعادة السلطات التشريعية والقضائية إلى الشعب، واخضاع السلطة التنفيذية لمراقبته ومحاسبته. ان المواطن يدافع عن وطنه بعكس السجين الذي يفكر دائما في كيفية الفرار من السجن والعبد في كيفية التحرر من العبودية.

=====================

حول اعفاء سميرة المسالمة

صبحي حديدي

2011-04-10

القدس العربي

 أصدر وزير الإعلام السوري، محسن بلال، قراراً فورياً يقضي بإعفاء السيدة سميرة المسالمة من رئاسة تحرير صحيفة 'تشرين' السورية الحكومية، وذلك للسبب التالي، الذي شرحته المسالمة بنفسها، في تصريح لموقع 'سيريانيوز': 'القرار جاء على خلفية تصريحاتي يوم أمس على قناة الجزيرة الفضائية حول أحداث درعا'، و'القرار تمّ تنفيذه مباشرة، حيث جمعتُ كافة أغراضي وأخليتُ المكتب'. ولم يفت المسالمة أن تضيف: 'أنا لا أكذب، وأبقى صادقة تحت أي ظرف'، و'مهما كان المكان الذي سأكون فيه، سأبقى أعمل بما ينسجم مع مسيرة الإصلاح وتوجهات الرئيس بشار الأسد'.

والحال أنّ قرار الإقالة الفوري لم يكن سببه امتناع المسالمة عن الكذب، أو حرصها على الصدق، كما تقول؛ بل لأنها قالت أرباع حقائق، وليس أية حقيقة تامة واحدة، من فضائية يُفترض أنها متعاطفة مع النظام، وليس لممثّلي السلطة أن يظهروا على شاشتها إلا لكي يردّدوا، كببغاءات سيئة التدريب غالباً، ما يُقال عبر وسائل إعلام النظام ذاتها. المسالمة انشقّت عن صفة الببغاء، لمرّة أولى كانت أخيرة، فتساءلت عن خرق تعليمات بشار الأسد حول عدم إطلاق النار على المتظاهرين، ومسؤولية قوّات الأمن في إلقاء القبض على أي 'طرف ثالث' إذا كان موجوداً، وتقديمه للمحاسبة لأنّ 'هذه أرواح شعبنا ولا يمكن التسامح فيها'. كذلك ألقت ظلال الشك على ما عرضته التلفزة الرسمية من مشاهد لمسلّحين يختبئون خلف الأشجار، ويُفترض أنهم أفراد 'العصابات المسلحة'، ودنت من حافة البكاء وهي تحني رأسها أمام العدسة، بعد إقرارها بأنّ أعداد القتلى كثيرة جداً...

أمّا ما بدا كثيراً جداً في ناظر وزير الإعلام (والأسد شخصياً كما يشير المنطق البسيط، لأنّ بلال ليس سوى صوت سيّده في أوّل الأمر وآخره)، فهو هذا الكمّ من أرباع الحقائق التي صدرت عن المسالمة، وذاك الكمّ (الغائب) من الدجل والنفاق والتطبيل والتزمير... المطلوب، حكماً وبالضرورة المطلقة، من شخصية تحتلّ الصفّ الأوّل في الإعلام الحكومي. تناسى بلال، كما يُنتظر منه بالفعل، أنّ المسالمة سيّدة درعاوية، وسليلة أسرة عريقة، تشير مصادر متطابقة أنّ تسعة من أبنائها استُشهدوا على أرض حوران منذ اندلاع الإنتفاضة السورية. كما فاته أن يدرك، هو المتمترس خلف أشدّ مفاهيم الإعلام تخلّفاً وعُصاباً، أنّ خلاصات أرباع الحقائق التي ساقتها المسالمة إنما تسعى إلى تلميع صورة الأسد (الآمر بعدم إطلاق النار!)، مقابل قوّات الأمن (التي تخرق الأمر!).

المثير للإنتباه، في جانب آخر من هذه الحكاية، أنّ المسالمة بدت وكأنها توشك على احتلال موقع 'وجه السَحّارة'، كما في التعبير الشعبي الذي يصف وضع أفضل الثمار على سطح الصندوق، للإيحاء  كذباً، بالطبع  أنّ الباطن شبيه بالظاهر. لقد سبق التهليل لقرار تعيينها في رئاسة تحرير صحيفة 'تشرين'، بوصفها أوّل امرأة تتولّى المنصب في تاريخ حكم حزب البعث؛ كما تلّقت دعماً دراماتيكياً من القصر الرئاسي حين اتخذ مجلس الشعب قراراً (بالإجماع!) يقضي بإقالتها من المنصب، لأنها سمحت لأحد صحافيي الجريدة بانتقاد المجلس والحكومة؛ ثمّ جرى التراجع عنه (بالإجماع، أيضاً!) بعد ساعات معدودات؛ فكانت لهذه القضية/ اللا قضية فضيلة تزويد الشعب السوري ببرهان إضافي على أنّ 'ممثّلي الشعب' هم أعضاء مجلس دُمى متحركة، في أفضل الحالات!

مثير، ثانياً، أنّ المسالمة طُرحت لمنصب وزيرة الإعلام، ليس في حكومة عادل سفر المنتظَرة (التي ما تزال عصيّة على التشكيل، وكأنّ رئيس الوزراء المكلّف أصابته غيرة من زميله اللبناني نجيب ميقاتي!)، فحسب؛ بل منذ إشاعات التعديل الوزاري التي سرت أواخر العام الماضي، أيضاً. وهذه المرّة، ولأنّ الحسّ الشعبي لا يخلو من نباهة فطرية تراكمت جرّاء أحابيل النظام وألاعيب الخداع والمخادعة، قيل إنّ إقالة المسالمة محض مناورة تكتيكية لتلميع صورتها على نحو أفضل، ولكي يرتقي أداؤها إلى ما هو مطلوب من إعلام السلطة (أو، في رواية أخرى، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إذا رُفعت حال الطوارىء وسُمح بتشكيل الأحزاب والجمعيات).

مثير، ثالثاً، أنّ المسالمة (ليس من منطلق مبادرة فردية صرفة، أغلب الظنّ، بل بعد ضوء أخضر، إذا لم يتحدّث المرء عن تكليف رسمي من أعلى مستويات القرار)، سرّبت بعض الأنباء عن 'فتح حوار' بين السلطة والمعارضة، وأنها شخصياً رعت لقاء ضمّ الدكتور طيب تيزيني، والكاتب فايز سارة، والناشر لؤي حسين. سارة وحسين سارعا إلى وضع اللقاء ذاك في نصابه الصحيح، وأنه لم يجرِ 'أي حوار بين الأصدقاء الذين كنّا معهم وبين السلطة'، وما حدث 'لم يكن أكثر من لقاء حضره أصدقاء شخصيون، وأصدقاء من أوساط السلطة ومقرّبون منها، طُرحت فيه وجهات نظر وآراء' حول ما تشهده سورية من أحداث.

أخيراً، قالت المسالمة تعليقاً على قرار إقالتها: 'حتى لو كنتُ في منزلي، فأنا سأربي أولادي على حبّ الوطن وحبّ الرئيس الأسد'.

يبقى أن تشرح لطفلها أيّ وطن تعني: وطن اعتقال الأطفال، واقتحام المساجد، والقتل العشوائي؟ أم وطن جنازات الأعمام والأخوال من آل المسالمة؟ وكيف للطفل أن يحبّ الأسد، الرأس الآمر بهذه الأهوال جمعاء، وسواها كثير؟

=====================

الشعب يريد الأمن والأمان!

الإثنين, 11 أبريل 2011

عرفان نظام الدين *

الحياة

«ذاب الثلج وبان المرج» كما يقول المثل المعروف، و «انكسر الدف وتفرَّق العُشّاق»، كما يقول المثل الآخر. أُورِدهما في هذا اليوم بالذات لأطرح مع غيري من المواطنين العاديين تساؤلات عن تطورات الأمور في ديارنا العربية العامرة بالاضطرابات والفتن والمشاكل التي ما أنزل الله بها من سلطان، وزدنا عليها أخيراً، بعد تفشّي عدوى «ثورات الشباب» وشعارات «الشعب يريد»، مشكلةً كبرى تتعلق بحياة الناس وأمنهم وأمن أطفالهم وأعراضهم وأملاكهم وأموالهم، فالزلزال الذي ضرب المنطقة وضع العرب أمام مشهدين:

الأول إصلاحي يتجه إلى البناء والتنمية ورعاية مصالح الشعب، والثاني تهديمي تخريبي يدمر البلاد ويشرّد العباد ويفتح الطريق أمام التدخلات الأجنبية وعودة الاستعمار بأشكال مختلفة.

المشهد الأول كان بطله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما التقط كرة الإصلاح بيديه وأعلن ثورة تنمية شاملة تضع مصلحة المواطنين على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم المعيشية فوق كل اعتبار، وترعى الشباب وتطلعاتهم وتأمين التعليم الحديث وفرص العمل وضمان الاستقرار والأمن والأمان من أجل غد مشرق ضمن الرؤية المستقبلية الطموحة.

والمشهد الثاني يختصر ما جرى في دول أخرى، ولاسيما ليبيا، حيث أدى العناد المتحكِّم بعقول العقيد معمر القذافي ومعارضيه على السواء، إلى تدمير البلاد وإثارة الفتن والتمهيد للتفتيت والتقسيم وإحراق ثروات الشعب، ومعها آماله وطموحاته وأمسه وحاضره وغده، وتشريع الأبواب والنوافذ أمام المؤامرات الخارجية.

وشتان بين المشهدين في إطار المشهد العام للأمة، التي تعاني شتى ضروب المشاكل والأزمات، وفي مقدمها مشكلة الفوضى الأمنية وانتشار موجة البلطجة على أنواعها وألوانها وأشكالها:

* بلطجة اللصوص والمجرمين والسفاحين والفاسدين والمفسدين.

* بلطجة الطامعين بالتسلق فوق طموحات الشباب وآمالهم والوصول إلى مطامعهم الزائلة ولو فوق جثث الأبرياء وعلى حساب المصالح الوطنية والإنسانية.

* بلطجة الفكر والرأي، التي شهدنا تسابقاً عليها في دول عربية عدة، ولا سيما في مصر، حيث نصَّب كثيرون أنفسهم حكاماً وقضاة ورجالَ أمن، يُصْدِرون أحكاماً قطعية ضد الآخرين وضد كل من يختلفون معه في الرأي، ويصمونه بالفساد وموالاة النظام السابق تارة، وبعلاقاته بالأجهزة الأمنية تارة أخرى.

* بلطجة العزل والإقصاء، المنتشرة في كل مكان، وكأننا في عهود محاكم التفتيش، التي تأمر وتَحْكُم وتعذِّب وتنفِّذ وفق تهم جاهزة، تحدِّد من هو الوطني ومن هو الخائن، ومن هو مع ثورة الشباب ومن هو ضدها، ومن هو الصديق ومن هو العدو، من دون أن يتاح للمتهمين حق الدفاع عن النفس أو الشرح والتبرير، خاصة أن أكثر الذين تعرضوا لمحاكم التفتيش والأحكام المسبقة تولَّوا مسؤوليات خلال العهود البائدة، بسبب ظروفهم أو نتيجةً لأمر واقع لا مفر منه، أو لمجرد إيجاد وظيفة، أو لغاية وطنية، وهي خدمة الوطن وتنفيذ التعليمات والأوامر ووفاء لعهد أو لقسم باحترام الدستور والدفاع عن الوطن، ولاسيما بالنسبة الى العسكريين ورجال الأمن.

ولا أدافع هنا عن أحد، ولا أبرر ممارسات أحد، بل أَعْرِض لواقع مؤسف وصلنا إليه في ظل فوضى عارمة اختلط فيها الحابل بالنابل، وضاع فيها الصالح في ركاب الطالح، بل إننا رأينا في بعض الأحيان الطالح يتصدر ويتسلل إلى جمهور الثورة ويخدعه بحركات بهلوانية انتهازية، انتقل فيها بسحر ساحر من موقف إلى موقف، ومن فريق إلى فريق، كما رأينا مَن تنطبق عليه مواصفات الصالح يتوارى ويُضطهَد ويُرمى بالتهم، من دون ان تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه وتبرئة شرفه واسمه الذي لُطِّخ بالوحل، وذلك لغايات في نفس يعقوب.

إنها سياسةُ ازدواجية المعايير، التي ابتلينا فيها منذ أمد بعيد واكتوينا بنارها مِن قِبَل السلف والخلف، وفق مبدأ «صيف وشتاء تحت سقف واحد»، والمطالبة بالشيء ونقيضه، مخالَفةً لشعار:

لا تنهَ عن خلق وتأتي مثلَه عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

فكيف نطالب بإطلاق الحريات العامة ونفرض حظراً على حرية الآخرين؟ وندعو لوقف انتهاكات حقوق الإنسان ونمعن في انتهاك حقوق الآخرين، حتى لو كانوا من العهد البائد؟ وكيف نندد بالمحاسبة والمحاكمة من دون مستند قانوني وشرعي ونحاسب ونحاكم وننفذ الأحكام الفورية من دون أن نقدِّم المستندات والإثباتات وننتظر حكم القضاء العادل؟ وكيف نتمسك بشعار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ثم نعلن ان كل المتهمين مجرمون من دون ان تتاح لهم مجرد فرصة إثبات براءتهم؟

هذه الأسئلة المبدئية تدعو الى القلق والخوف على المستقبل، وتدفعنا للتنبيه والتحذير من التمادي فيها والوقوع في شراكها، كما حصل للكثير من الثورات والتحركات الجماهيرية عبر التاريخ، وأسفر عنها السقوط في دوامة الانتقام وإثارة الأحقاد وردات الفعل العنيفة، التي استنزفت الطاقات وخرَّبت البلاد وشردت العباد. ونورد هذا التحذير مع الاعتراف بشرعية التحركات الشعبية وحسن نيات الشباب الذين قاموا بها والاقتناع بمبررات نقمتهم وثورتهم ورغبتهم بالتغيير، إضافة إلى الإقرار بمساوئ الأنظمة وفساد أركانها وتعفُّن مؤسساتها وإداراتها وأخطار غياب الديموقراطية الحقيقية والخطر على الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان ورفض المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات الحاسمة.

فكل ما جرى مبرَّر ومفهوم، لكن النتائج لم تكن على مستوى الأحداث، كما أن الممارسات التي لحقتها تثير الريبة والشكوك وتدفعنا للتساؤل عن الخطوات التالية في ظل الفوضى العارمة التي تسود الدول، وحالة الانهيار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي التي سادت المجتمعات التي جرت فيها الأحداث، ففي تجربتَيْ مصر وتونس ساد الارتباك والتردد، وطفت على السطح مؤشرات صراعات وتصفية حسابات وحالات عزل وإقصاء وقرارات اتخذت ثم جرى التراجع عنها، فيما سادت الفوضى الأمنية وعمّ الخوف لدى الكثيرين على حياتهم وأمنهم، ولاح في مصر أفق فتن، أخطرها الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين. أما تجربة ليبيا، فكانت الأكثر دموية وعنفاً، والأحداث خير معبِّر عنها من أي وصف أو تحليل. ووجدنا في تجربة اليمن حالات تسيُّب وعنف خطيرة يُخشى أن تنتهي إلى حروب أهلية وطائفية ومذهبية، وتؤدي إلى التقسيم والتفتيت والدمار. كما وجدنا في تجربة البحرين وغيرها تدميراً منهجياً للأسس التي قامت عليها، وهي الوحدة الوطنية والتنمية القائمة على مدماكَي السياحة والاستثمار المستندَيْن إلى الأمن والاستقرار.

والخطر الأكيد المتمثل في كل هذه التجارب، هو التدخل الأجنبي السافر في الشؤون الداخلية، ثم تدخلات دول غربية وإقليمية في شؤون دول عربية، وانفلات الإعلام في التحريض والإثارة والانحياز. ورغم نفي البعض لنظريات المؤامرة، فإن ما جرى وكل ما يجري، شئنا أم أبينا، هو تنفيذ لما روَّج له المحافظون الجدد في عهد بوش عن مزاعم «نشر الديموقراطية» و «الشرق الأوسط الجديد»، الذي يقوم بعد تعميم ما سمي ب «الفوضى الخلاّقة»، مع التأكيد بأن معظم الشباب الذين تحركوا وانتفضوا على الأوضاع السائدة أبرياء من دم هذا «الزنديق»، ولا علاقة لهم بهذا المخطط، ولا رابط بينهم وبين المتآمرين أو الذين تدرَّبوا على التخريب ورَكِبوا الموجة لزعزعة المجتمعات العربية.

فهناك عبارة تتكرر باستمرار، ولا سيما في مصر هذه الأيام، وهي الخوف من ثورة مضادة، ولكن الخوف الحقيقي هو على الثورة من الداخل، حتى لا تأكل أبناءها وتدمر أوطانها، كما جرى في مراحل سابقة من تاريخنا العامر بخيبات الأمل.

هذا هو الواقع الذي لا يمكن لأحد أن ينكر وجوده أو يقلل من مخاطره ويحوله مجردَ نكسة... ولهذا علينا التحذير مرة أخرى من تكرار الأخطاء والخطايا، والدعوة إلى معالجة الانتكاسات، والانطلاق نحو الوحدة والتسامح والمحبة وتكريس دعائم الاستقرار... فما سرقه الفاسدون أضعنا أضعافاً من قيمته في الفوضى، وما أهدره المفسدون فقدنا مثله في دوامة الخلافات والصراعات، ولم يبقَ أمام المواطن المغلوب على أمره سوى الصراخ والاستغاثة والدعوة إلى الكفّ عن التظاهر والتخريب ووضع حد للبلطجة والانصراف إلى العمل والإنتاج وتعويض ما فات وما خسرناه قبل الأحداث وبعدها، ووأد الفتن، وبناء دولة المؤسسات والقانون والعدالة والديموقراطية الحقيقية، تحت شعار واحد مطلوب وملحّ له الأولوية القصوى، وهو: «الشعب يريد الأمن والأمان»، وبعده تأتي الأولويات الأخرى، وإلا فالفوضى غير الخلاّقة هي التي ستسود.

* كاتب عربي

=====================

سورية.. أمام الخيارات الصعبة

اياد ابو شقرة

الشرق الاوسط

11-4-2011

«على من يحرص على حماية حريته أن يحمي حتى أعداءه من القمع.. فإن لم يفعل سيؤسس لسابقة يدفع ثمنها لاحقا»

(توماس باين)

يظهر أن تأخر الذهن السياسي العربي في استيعاب استراتيجية طهران الاختراقية، أعطى إشارات خاطئة لجهات محلية مغامرة، فتشجعت على رفع سقف مطالبها وعرض عضلاتها.

ومن ناحية ثانية، يظهر أن التردد الذي شاب تعامل المجتمع الدولي مع قمع العقيد معمر القذافي انتفاضة المدنيين الليبيين - وهو ما يختلف تماما عن أسلوب «الصدمة والرعب» Shock and Awe، الذي استخدم في غزو العراق عام 2003 - شجع بعض القيادات العربية على اعتماد «الطريقة القذافية» الدموية في التحاور مع شعبها.

هنا نحن أمام حالة مفصلية في التاريخ العربي الحديث.

من دون مبالغة، نحن الآن على مفترق طرق. وقد يكون مخاضا طويلا مؤلما، وقد يحمل رهانات مفرطة في التفاؤل... ربما لا تقوم على واقع، لكن الشيء المرجح حتى الآن هو أننا دخلنا مرحلة مختلفة كليا عما عهدناه في الماضي من شعوبنا وقادتنا ومؤسساتنا السياسية وثقافاتنا الاجتماعية.

الرئيس علي عبد الله صالح، مثلا، يبرر إصراره على البقاء في السلطة بأنه إذا كان لمعارضيه القدرة على تنظيم المظاهرات الحاشدة، فهو أيضا قادر على حشد مظاهرات مضادة. وفي هذا المسلك التقسيمي للوطن سوء فهم كارثي لدور الحكم، لا سيما الحكم الذي يتذرع صباح مساء ب«شرعيته» الانتخابية الديمقراطية.

في الدول الديمقراطية حقا، يصبح الرئيس (في النظام الرئاسي) أو رئيس الوزراء (في النظام الوزاري التنفيذي) رئيسا لجميع المواطنين، بصرف النظر عن هويته الحزبية. وبالتالي، عندما تصل الأمور إلى التحدي المفتوح لسلطته، أو إلى حد إعلان العصيان المدني... فإنه يفقد «شرعيته» المعنوية أو الأخلاقية في الحكم، لأنه ما عاد حكما بل بات طرفا في نزاع.

هنا يقود الرئيس صالح بقوة السلاح فريقا من الناس ضد فريق آخر... أسهم في دفع ثمن هذا السلاح من ضرائبه ورزق أولاده.

في حالات كحالتي اليمن أو ليبيا، تجاوز البلدان موضوع الأكثرية والأقلية، لأن الانقسام صار فئويا، وتحول سلاح الدولة... أيضا، إلى سلاح لفئة ضد أخرى. بل في حالة ليبيا، نجد أننا نعيش «السيناريو» الفظيع الذي سعت إليه، وحصلت عليه، بعض الدول الكبرى المقامرة بمصير ليبيا. فهي مرتاحة لتصوير ما يحدث من سفك للدماء على أنه «حرب أهلية»، مع أنه في الأساس - أي قبل انشقاق عناصر من القوات المسلحة والتحاقها بالثوار - مجرد قمع دموي تمارسه طغمة عائلية وعشائرية مدعومة بمرتزقة أجانب ضد شعب أعزل.

كان أمام سورية - نظريا، على الأقل - أن تختار ما بين التجربتين التونسية والمصرية غير المكتملتين فصولا، أو السير على خطى العقيد. وبديهي، اليوم، أن القيادة السورية اختارت أسلوب العقيد، بعدما ثبت لها أنه أكثر نجاعة وفعالية. ولعله أيضا، أقل إزعاجا للاعبين الإقليميين والعالميين الذين يهمها كسب رضاهم.

لقد تعاملت دمشق مع بدايات الانتفاضة السورية بأسلوبها المعتاد. فكان هناك «المندسون» و«الإعلام المتآمر». ثم تطور الأسلوب إلى استخدام «الفزاعة الطائفية» وترويجها بإلحاح، وهذا مع أن المنتفضين، في كل أنحاء سورية تقريبا، حرصوا على رفع الشعارات التوافقية والتعايشية، دينيا ومذهبيا وعرقيا، من القامشلي إلى اللاذقية، ووصولا إلى درعا.

وبالتالي، كان غريبا، لو كانت في الأمر حقا مؤامرة فئوية، أن يتجاوب معها الرئيس بشار الأسد... فيوافق على إلغاء حالة الطوارئ (!). وكان أغرب، فتح قنوات واتخاذ قرارات لم تتخذ منذ قرابة نصف القرن... ويجوز أن يقرأ الخبثاء منها محاولة للعب على تناقضات الجماهير المنتفضة، تمهيدا لشق صفوفها، مع العلم بأن هذه الجماهير، طبعا، متعددة الأطياف.

ما يحدث الآن في سورية، في ظل الكلام الرسمي التهديدي ردا على مجزرة يوم «جمعة الصمود» الماضي، التي سقط فيها عشرات القتلى ومئات الجرحى، ينم عن أن القيادة السورية حسمت خيارها بالمواجهة. وهذا، بعدما اكتشفت كسر الإنسان السوري «حاجز الخوف»... ورفضه الاقتناع بأن من طبيعة النظام تغيير نفسه.

لكن هذه القيادة تدرك جيدا أن للمواجهة ثمنا باهظا، وعليها الحذر من أن لا تفقد كل أوراق اللعبة دفعة واحدة. فهي ناورت لفترة طويلة بالورقة الإيرانية، وتعايشت لفترة أطول مع منطق الحدود الساكنة مع إسرائيل، وكانت خلال السنوات القليلة الماضية متحمسة جدا للانفتاح على واشنطن، بينما كانت تخون كل معارضيها في الداخل والخارج وتتهمهم ب«العمالة لأميركا».

وهنا، قد يكون مفيدا جدا تلمس الأسباب الكامنة وراء التأخر في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بعدما أنجزت كل من طهران ودمشق انقلابهما المسلح الزاحف على الساحة اللبنانية منذ 2006.

فثمة أسئلة جدية للغاية تطرح نفسها، ومعظمها يبدو على تماس مع وضع سورية الداخلي، ومستقبل حكمها، وسط الجو الإقليمي المتوتر الذي أنتجته «الهجمة» الإيرانية على المنطقة العربية، منها: هل هناك بالفعل «تفاوت» في الأولويات بين دمشق وطهران، يعكسه تحمس طهران للحسم والمواجهة في لبنان، مقابل تلكوء دمشق في التصعيد ضد الغالبية السنية الممثلة ب«تيار المستقبل»؟

وما سر مواصلة الصحيفة اليومية اللبنانية الأكثر تعبيرا عن مواقف حزب الله وارتباطاته الأمنية نشر وثائق «ويكيليكس»، بما تحتويه من مواقف مناوئة صراحة لحزب الله، منقولة على ألسنة أعضاء في كتلة التنمية والتحرير البرلمانية، التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، زعيم حركة أمل؟

إلى أي مدى تستطيع دمشق، أو تريد، المحافظة على هدوء الساحة اللبنانية إزاء ارتفاع حرارة الاستقطاب والخطاب الصدامي بين حزب الله ومناوئيه؟

=====================

سورية بعيدة عن الحلول

طارق الحميد

الشرق الاوسط

11-4-2011

الأمر الواضح إلى الآن أن الأوضاع في سورية لا تزال بعيدة عن الحلول الحقيقية، ولا يزال العنف هو سيد الموقف، مما يعقد الأمور، ويرشح إلى استمرار الاضطرابات والمظاهرات، فالقتل لم، ولن، يكون هو الحل لتماسك دولة، أو التعاطي مع متطلبات مواطنيها.

بث التلفزيون السوري لقطات لمن سماهم جماعات مسلحة تجوب بعض المناطق وتطلق النار على المتظاهرين والأمن، وهذا أمر لا يصدَّق على الإطلاق؛ فالكاميرا كانت تلاحق المسلحين بطريقة مسلسل «أولاد الحارة»، وحتى إحدى السيارات كانت جديدة ويبدو أن رقم لوحتها عليها، فهل يعقل أن يتحرك مسلحون في سورية بتلك الأريحية دون أن تقمعهم قوات الأمن السورية مباشرة؟ فسورية تقوم على الأمن وليس الإنجاز. كما أن الأمن لا يسمح لكاميرا صحافية بالتقاط صورة، فما بال ملثمين بأسلحة يتحركون مرتاحين أمام كاميرا ترصدهم بشكل درامي؟!

إشكالية ما يحدث في سورية، إلى الآن، أن لدى النظام مساحة كبيرة للتحرك؛ فلديه ملفات كثيرة بحاجة إلى الإصلاح، كما أن لديه مساحة للتحرك من خلال تحييد شرائح رئيسية في حال ما قرر النظام القيام بعمليات إصلاح حقيقية، إلا أن ما يبدو، إلى اللحظة، أن الإصلاحات في سورية لا تزال مجرد وعود بدراسات، وليست قرارات آنية فورية تفكك صواميل الماكينة التي بدأت تتركب لمناهضة النظام في سورية.

وهذا الأمر خطر جدا؛ فإما يقود إلى لحظة انفجار حقيقية، وإما إلى ضعف الدولة ككل؛ فالقتل لن يؤدي إلى حلول، بل سيزيد المسائل تعقيدا، وقد يؤدي إلى لحظة من عنف متبادل، وليس كما يحاول النظام تصويره الآن بأن هناك بلطجية ومسلحين، فيبدو أن هذه محاولة من قِبَل النظام لتحييد الضغط الدولي، فعندما يأتي العنف، لا قدر الله، فوقتها سيكون واضحا بلا عدسات كاميرات درامية، وستكون عواقبه وخيمة. والأمر الآخر أنه، في حال استطاع النظام قمع مواطنيه بهذا الشكل، فحينها سيكون نظاما ضعيفا خارجيا، وكثر الذين يريدون تلقفه بهذا الحال، فحينها سيكون النظام أضعف من أن يفاوض أو يقول لا، وهذا أمر خطر أيضا.

لذا، فليس من خيار أمام النظام السوري إلا الإصلاح الحقيقي ليكتب له البقاء؛ فالشعوب لا تُحكم بالقتل، وفي الحالة السورية تحديدا فإن الزمان غير الزمان، والظروف غير الظروف، ويخطئ من يقول إن سورية بمعزل عمَّا حدث في غيرها من مناطق عربية، فما يحدث بأطراف سورية يشبه، إلى حد كبير، البدايات في تونس؛ حيث كانت بالأطراف، ومع كل تشييع للقتلى يتم قتل آخرين، إلى أن حدث ما حدث، فهل ينتظر النظام السوري إلى أن ينفرط العقد؟

هذا السؤال لأن القتل والقمع لا يقدمان حلولا على الإطلاق، كما أن إغلاق كازينو أو ملهى، والسماح بالنقاب، أو الحجاب، ليس الإصلاح الحقيقي؛ فالدين لله، ولا أحد يملك منع عابد من عبادة، أو تدين.. واجب الدولة حفظ كرامة الناس، وعدم التعدي على حرياتهم، وتأمين العمل والحياة الكريمة لهم، وليس حكمهم بالنوايا والشك والترهيب، وليس السماح لهم بلبس الحجاب أو لا! ولذا فيبدو أن سورية، للأسف، لا تزال بعيدة عن الحلول إلى الآن.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ