ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
د. ياسر سعد | 9/5/1432 ه المسلم الإقالة السريعة والعاجلة لسميرة
المسالمة رئيسة تحرير صحيفة تشرين
السورية بعد إدلائها بحديث طلبت فيه
على استحياء من الأجهزة الأمنية الكشف
عن الأطراف التي تقف خلف إطلاق النار
رغم أنها دافعت في المجمل عن وجهة نظر
النظام من الأحداث الدامية في درعا.
هذه الإقالة تكشف عن ضيق النظام بأية
مساءلة مهما كانت خجولة وتنسف من
الأساس إدعاءاته بالرغبة في الإصلاح.
النظام السوري في ورطة حقيقة ويواجه
تصدعات وتحديات تهدد باقتلاعه
وإزالته، ولعل تخبط النظام في تعامله
مع الأحداث وردود فعله وإدعاءاته
والتي تثير السخرية المرة، تظهر أن
سورية على مفترق وأن موعدها مع الحرية
يترسخ ويقترب. النظام أعجز من
أن يقوم بإصلاحات حقيقية، فلقد وصلت
حالة الفساد والتعفن فيه درجة متقدمة
ومزمنة لا يجدي معها دواء وينفع فيها
علاج، فالحكم في سورية لا يتحمل ولا
يقوي على الوقوف في وجه نسائم الحرية
ناهيك عن أعاصيرها. فسياساته الخارجية
والداخلية والتي تتناقض فيها الأقوال
مع الأفعال والشعارات مع الحقائق،
ستشكل حريات التعبير والشفافية
بالنسبة لها كما الأحوال الاقتصادية
والتي رهنت ثروة البلاد ومقدراتها
لحفنة من الأقرباء والمقربين، ضربات
قاصمة وقاضية. كما إن بقاء حال النظام
على ما كان عليه في ما قبل مرحلة الثورة
الشعبية ليس ممكنا ولا متاحا، فلقد
تحطم حاجز الخوف وتحدى الشباب الثائر
آلة قمع النظام الدموية بصدور عارية
عرت حقيقة النظام الدموية والبائسة
والأفاكة. خطاب بشار الأخير قدم خدمة كبيرة
لمعارضيه ووحد صفوفهم بعد أن برهن
النظام من خلاله عن عجز فاضح في
استيعاب المتغيرات والمطالب الشعبية،
واستهتار واضح بدماء المواطنين
ومعاناتهم. كما إنه كشف للعالم الصورة
البائسة لحقيقة نظامه السياسي وهو
يظهر مجلس الشعب كمجموعة من المصفقين
والمطبلين والمزمرين. هذه الصور
بالإضافة إلى الحالة الإعلامية
المثيرة للسخرية من روايات النظام
والتي تعجز عن إقناع الأطفال بها لجهة
تفككها وضعف منطقها والذي من أسبابه
ضعف الحجة واتجاه الأنظمة الدكتاتورية
إلى إلغاء حالة الإبداع –حتى في الدجل-
من أزلامها وتحويلهم إلى دمى عرائس لا
تجيد سوى الهتاف والتصفيق. فمن يستطيع
أن يصدق أن النظام السوري صاحب الأجهزة
الأمنية الكثيرة والعديدة والتي تحصي
على الناس أنفاسهم يعجز ومنذ أسابيع عن
اعتقال مندس مسلح أو حتى تصوير أحد
هولاء وهو يطلق النار؟ لقد أظهر
التلفزيون السوري فيلما مضحكا عن
ملثمين يطلقون النار، ولعل الصورة
تحمل الكثير من الغرابة فالقناصة على
غير العادة في مكان منخفض فيما
الكاميرا في وضع مرتفع، وحين سئل
رجالات النظام عن السبب وراء عدم
اعتقال الجناة عوض تصويرهم أجابوا أن
الكاميرا ثابتة، فهل للنظام السوري
كاميرات ثابتة بين الأشجار والمزارع
وكم يبلغ عددها وتعدادها؟ الروايات الرسمية الضحلة والمضحكة،
والتي بدأت بزعم أن متنكرين بزي ضباط
في بداية الأحداث مروا على مراكز
الشرطة بدرعا طالبين منهم إطلاق النار
وانتهت إلى جماعات مسلحة تطلق النار
على الشرطة والمتظاهرين، هذا الكذب
السافر والذي يفضحه عدم قيام
التلفزيون الرسمي بتصوير تلك
المجموعات لا بكاميرات ثابت ولا
متحركة وبعدم السماح لوسائل الإعلام
العربية والعالمية بتغطية الأحداث،
تفضح مزاعم النظام بالرغبة في
الإصلاح، فالكذب الفاضح وهو من شيم
الفاسدين والمفسدين نقيض الإصلاح
والشفافية. أليس عجيبا أن يأتي بعض أهل العلم أو
المنتسبين للعلم الشرعي فيشهدوا
بشهادات زور عن رغبة نظام القتل والقمع
في الإصلاح، وعن حسن استقبال الأسد لهم
والسماع لمطالبهم والاستجابة لبعضها
كإغلاق كازينو القمار، فأين كانوا
أولئك السادة وأين كانت تلك الوعود من
قبل؟ وهل تم الاستقبال والاستجابة
الهزيلة لها إلا بعد أن سالت دماء
المنتفضين؟ إن المجرب لا يجرب، ثم إن
تصرفات النظام وبطشه الدموي
بالمتظاهرين المسالمين وأكاذيب
إعلامه ووعوده السابقة جميعها تشير
إلى إن هذا النظام عصي على الإصلاح،
وأن صلاح البلاد والعباد يكون في رحليه
واستئصال شروره وجذوره ==================== ما سبب غياب وسائل
الإعلام الغربية والعربية في سورية؟ Lee Smith - Weekly Standard يدرك كل سوري أنه إذا نزل إلى الشارع، فلن
تتردد قوى الأمن في إطلاق النار عليه
عندما تسنح لها الفرصة، وأن أحداً لن
يوقفها، لاسيما النظام، كذلك، لا خوف
من تداعيات تلك الحوادث في الصحافة
الدولية... باختصار، يبدو أن وسائل
الإعلام الغربية والعربية التي غطّت
أحداث الانتفاضة المصرية غائبة عن
الأحداث في سورية. صحيح أن الانتفاضة السورية لم تتصدر
العناوين الرئيسة في الصحافة الغربية،
ولم تُعتبر الحدث الأبرز الذي يستحق
تغطية إعلامية على مدار الساعة على أهم
الشبكات الفضائية العربية مثل قناتي 'الجزيرة'
و'العربية'، ولكن الانتفاضة تتواصل
بوتيرة متسارعة، في حين تتحول
التدابير المضادة للاحتجاجات إلى
أعمال أكثر وحشية بأمرٍ من نظام الأسد. شهدت الأيام الماضية احتجاجات إضافية في
سورية، فبدأ نظام الأسد يضيق الخناق
على المحتجين، ووفقاً لبعض المصادر،
فتحت قوى الأمن النار على المحتجين في
درعا، التي كانت نقطة انطلاق الثورة،
ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً وجرح المئات. يبدو أن الأجهزة الأمنية تتبنى
استراتيجية مثيرة للاهتمام: ترك
الأسلحة في ساحات الاحتجاج على أمل أن
يفكر المحتجون باستخدامها، عندها
سيكون استعمال العنف بما يعادل مستوى
عمليات القذافي مبرراً من أجل إخماد
الانتفاضة، بحسب منطق النظام، ويشدد
أحد المواقع الإلكترونية الخاصة بدعم
الثورة السورية بقيادة عمار
عبدالحميد، أن كل ضابط جيش رفض استهداف
المدنيين تعرض لإطلاق النار على يد قوى
الأمن. كذلك، امتلأت شوارع المدن السورية الأخرى
بالمحتجين، مثل ضاحيتي حرستا ودوما في
دمشق، وحصل الأمر نفسه في مدن أكبر
حجماً مثل حمص وحماة ودير الزور، فضلاً
عن المناطق الكردية مثل قامشلي، ولا
ننسى المناطق التي تطرح أكبر خطر على
النظام، وهي المدن الساحلية المختلطة
التي يقيم فيها السنّة والعلويون مثل
اللاذقية وطرطوس. تسري شائعات كثيرة في واشنطن، مصدرها
دمشق، بشأن حجم قلق بشار الأسد، إذ
يخشى النظام أن يكون صانعو السياسة
الأميركيون يسعون إلى تغيير النظام في
سورية، لكن الأمر مشكوك في أمره حسب
تحليل ديفيد شينكر في صحيفة 'نيو
ريبابليك' (The
New Republic)،
بما أن التاريخ الحديث، منذ حقبة
السبعينيات، يشير إلى أن دمشق تجيد
التهرب من تهديدات واشنطن في نهاية
المطاف، لكن على الأقل، بدأ أوباما
يستعمل كلمات قوية لإدانة أعمال العنف
التي يمارسها النظام السوري، مع أن هذه
الكلمات لا تؤثر في بشار الأسد فعلياً. ما يثير الغرابة فعلاً هو عدم التركيز على
هذه الأحداث على الرغم من شجاعة
المتظاهرين وحجم الانتفاضة الحاصلة،
فقد نزل الناس إلى الشوارع في جميع
المدن السورية الكبرى تقريباً
باستثناء حلب، وفي نهاية المطاف، لا
يتعلق الأمر هنا بقوى الأمن المصرية
بقيادة حليف للولايات المتحدة مثل
الرئيس الأسبق حسني مبارك. يدرك كل
سوري أنه إذا نزل إلى الشارع، فلن
تتردد قوى الأمن في إطلاق النار عليه
عندما تسنح لها الفرصة، وأن أحداً لن
يوقفها، لاسيما النظام. كذلك، لا خوف
من تداعيات تلك الحوادث في الصحافة
الدولية. باختصار، يبدو أن وسائل
الإعلام الغربية والعربية التي غطّت
أحداث الانتفاضة المصرية غائبة عن
الأحداث في سورية. تصدر تقارير صحيفة 'نيويورك تايمز' من
القاهرة ونيويورك؛ وترتكز تغطية
الأحداث لصحيفة 'واشنطن بوست' في
بيروت؛ ولدى وكالة 'رويترز' مراسلون في
دمشق، ولكن النظام يتابع اعتقالهم ثم
إطلاق سراحهم، بمعنى آخر، لقد نجح نظام
الأسد في التعتيم على الأحداث
الحاصلة، حتى أصبح الإنترنت (عبر مواقع
'اليوتوب' و'الفيسبوك' و'تويتر') المصدر
الأساسي والوحيد للأنباء الصادرة
مباشرةً من سورية... لقد كانت وسائل
الإعلام الاجتماعية هي التي حفزت
المحتجين المصريين والتونسيين على
التحرك، لكن بالنسبة إلى المعارضة
السورية، فإنها المصدر الإعلامي
الأساسي لعرض ما يحصل أمام أنظار
العالم. في هذا السياق، قال حسين عبدالحسين،
صحافي عربي مركزه واشنطن: لقد خصصت القنوات الفضائية العربية وقتاً
أطول لبث أحداث سورية، أكثر مما فعلت
في الأيام السابقة، وقد غطت أخبار 'الجزيرة'
الاشتباكات الحاصلة في سورية خلال نصف
الساعة الأولى من النشرة، غير أن قناة 'الجزيرة'
التي التزمت الصمت بشأن ما يدور في
سورية على نحوٍ ملفت- ربما بسبب
العلاقة المتينة التي تجمع الأسد
بمالك القناة، الشيخ القطري حمد بن
خليفة آل ثاني- عادت لتغطي التظاهرات
السورية بشكل انتقائي. من المعروف أن قناة 'الجزيرة' بثّت
الانتفاضات السابقة بالتفصيل وجاهرت
بالدور الذي أدته في سقوط زين العابدين
بن علي وحسني مبارك، لكن من الملاحظ
أنها أقل حضوراً بكثير في سورية، بحسب
تحليل مايكل يونغ في المقالة التي
كتبها في صحيفة 'دايلي ستار' الصادرة في
بيروت: تُعتبر سورية جزءاً من 'محور المقاومة'،
وسيؤدي سقوط النظام فيها إلى إيذاء 'حزب
الله' و'حماس'، وتجدر الإشارة إلى أن
تغطية 'الجزيرة' لانتفاضة الاستقلال
التي حصلت في لبنان ضد سورية، في عام 2005،
اتسمت بالبرود نفسه. يسهل التقليل من
شأن علي عبدالله صالح ومعمر القذافي
وحسني مبارك، فقد كان كل واحد منهم،
بطريقته الخاصة، بعيداً عن المحور
العربي القومي، غير أن استهداف بشار
الأسد يعني إنكار الخط الذي اتبعته 'الجزيرة'
لتغطية الأحداث طوال سنوات والذي كان
يقضي بدعم مواقف الرئيس السوري، لكن في
الوقت عينه، سيكون رفض تغطية الأحداث
بمنزلة دعم للقيادات السياسية العربية. بالتالي، يشعر السوريون اليوم بأنهم
متروكون، وبأن نضالهم لا يحظى
بالاهتمام المعهود من قناة 'الجزيرة'
على مستوى حشد العواطف وبث الشعارات
القوية لتعبئة الشعوب. لم يستثْنِ
الخطاب العربي المتلفز الداعي إلى
الحرية سورية، ولكنه في الوقت نفسه لم
يتبنَّ القضية السورية. تفكر المحطات
العربية الآن بما يجب فعله في المرحلة
المقبلة، ولكنها لاتزال تأمل في أن
تختفي الأحداث السورية قريباً، كي
تختفي معها معالم ازدواجيتها في تغطية
الأحداث، إنه عار كبير على وسائل
الإعلام! يلوم الشباب أيضاً قناة 'العربية'، التي
تأسست في عام 2003، لأنها تسعى في الأساس
إلى منافسة أبرز خصم إعلامي لها، أي
قناة 'الجزيرة' التي اشتهرت بسبب
تهجمها المتواصل على الرياض وخصوم عرب
آخرين مثل القاهرة. بالتالي، من المبرر أن نضع قناتَي 'الجزيرة'
و'العربية' في الخانة نفسها، لأن
المملكة العربية السعودية وقطر
تتشاركان الرغبة في منع سقوط النظام
السوري، خوفاً من انتشار الفوضى،
ويسود منطق التفكير هذا في أغلبية دول
الخليج حيث عمد القادة إلى الاتصال
بالأسد أخيراً للتعبير عن دعمهم له. صحيح أن السعوديين تصادموا سابقاً مع
سورية، منذ أن اشتبهوا في تورطها في
اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق
رفيق الحريري، لكنهم لا يريدون سقوط
الأسد، فهم يخشون أن تصل موجة
الانتفاضات العربية إلى بلدانهم،
وتُعتبر سورية مكاناً مناسباً لكبح
تلك الموجة، لكن في المقابل، لم تُبْدِ
صحيفة 'الشرق الأوسط' السعودية، مركزها
لندن، أي ليونة في انتقاداتها لدمشق. ربما تعود هذه المواقف إلى واقع أن الجميع
يدركون أن الفيديوهات تشكل وسيلة أقوى
بكثير من الصحافة المطبوعة، لكن من
السهل أيضاً أن نبالغ في تقدير قوة
قناة 'الجزيرة'، ولاسيما إذا ما قورنت
بخطب يوم الجمعة، ففي الأسبوع الماضي،
سمعتُ شائعات في بيروت مفادها أن
السعوديين أعطوا تعليماتهم للشيوخ
والأئمة السنّة في أنحاء سورية من أجل
تهدئة الأوضاع وسحب الناس من الشوارع،
لكن على ما يبدو، تبددت تلك الأمنيات
بفعل رياح الانتفاضة السورية. ================= الاربعاء, 13 أبريل 2011 طلال آل الشيخ كنت دائماً أتساءل عن سبب حرص الجهات
المسؤولة عن البروتوكولات الرئاسية في
الدول العربية، بأن يسبق لقب «فخامة»
اسم الرؤساء العرب؟ حتى البيانات
الصحافية الرسمية التي تصدر عن مكاتب
الرؤساء والجهات المسؤولة في الدول
العربية، تحرص على أن يسبق لقب «فخامة»
اسم الرئيس، من دون أن توضح أي جهة
كيفية حصول الرئيس المعني على هذا
اللقب، أو حتى الإفصاح عن الجهة التي
منحته اللقب. أخيراً بعد تفجر حركة الاحتجاجات الشعبية
في بعض البلدان العربية فهمت المغزى
والمعنى، واتضح أهمية هذا اللقب
وأسبابه. وأوضحت مجريات الأحداث التي
تدور في بعض الدول العربية بأن الرؤساء
العرب يستحقون لقب «الفخامة» والعظمة،
فهم وحكوماتهم الوحيدون في العالم
الذين لا يتقدمون باستقالاتهم في حال
حدوث أخطاء كبيرة، ولو تسببت هذه
الأخطاء في مقتل المئات من المواطنين،
ناهيك عن الأخطاء الصغيرة، مثلما يحدث
في الدول الأوروبية والغربية، إذ
يتقدم فيها المسؤولون والرؤساء
باستقالاتهم لمجرد اكتشاف استغلالهم
لسلطتهم في تسجيل أحد أبنائهم في مدرسة
هو لا يستحقها. ما أعظم الرؤساء العرب!
يأتون إلى الحكم عبر جثث العشرات من
الشعب وبالقوة، ويبقون فيها حتى يأخذ
الله أمانته، وحتى بعد وفاتهم يورثون
الحكم لأبنائهم، كما حدث في سورية،
وكاد يحدث في مصر واليمن، وإن تظاهرت
شعوبهم مطالبين بتغيير النظام، فيتحول
الشعب إلى جرذان ومندسين ومتآمرين
يستحقون القتل بالرصاص والجمال والغاز
المسيل للدموع، ولو امتلأت الشوارع
والأزقة بالجثث والمصابين فعظمة
الرئيس ومكانته يجب ألا تتزحزح،
والنظام لا يتغير. ليس مهماً أن يموت الشعب، وليس مهماً أن
ينهار اقتصاد الدولة، وليس مهماً أن
تستباح أجواء الدولة للطيران الأجنبي
تصيب مرة وتخطئ هدفها في مرات كثيرة،
المهم أن يبقى الرئيس في مكانه، وأن
يحافظ على عظمته وفخامته، فهو رئيس
عربي «مُعظم» يجب أن يموت كل الشعب في
مقابل أن يبقى هو في الحكم. أعتقد بأن
الرؤساء العرب يستحقون هذا اللقب
بجدارة، فهم لا يزالون يتمسكون
بمواقعهم ومناصبهم، على رغم
الاحتجاجات التي عمت شوارع وميادين
الكثير من الدول العربية، يستحقون هذا
اللقب لأنهم مصرون على البقاء، على رغم
أن ثلاجات الموتى في المستشفيات
امتلأت بالجثث، ومواكب تشييع الشهداء
تتحرك يومياً ما بين المستشفيات
والمقابر، يستحقون هذا اللقب لأنهم لا
يزالون صامدين ودولهم تعيش شبح الحروب
الأهلية، وانعدم فيها الأمن
والاستقرار. يستحقون هذا اللقب لأن
هناك عدد من أبناء شعبهم لا يزالون
أحياء يرزقون لم يموتوا متأثرين
بجراحهم التي تسبب فيها رصاص القناصين
في أسطح البنايات، إذ إن الرئيس العربي
لو تنحى قبل أن يموت أبناء الشعب كافة
يكون غير مستحق للقب «الفخامة»، فهل
تتعظ الشعوب العربية؟ ==================== أحمد حسن البعث 13-4-2011 تقف الحكومة العتيدة أمام تحديات عدة، قد
تكون أصعب ما واجه حكومة سورية منذ أمد
طويل. مكمن الصعوبة هنا لا يتجلى فقط في
طبيعة وحجم المهام و"الآمال"
المعلّقة عليها، بقدر ما يتجلى في
ضرورة خلق الإيقاع الزمني الملائم بين
تحقيق آمال ومطالب الناس، وبين
الإمكانات والقدرات المتوافرة على أرض
الواقع. وفي علم الإدارة، لا يكفي أن تتخذ القرار
العلمي والعملي المناسب في قضية ما، بل
لا بد من اتخاذه في التوقيت الملائم
أيضاً، فقرار جيد في توقيت غير مناسب،
يشبه تماماً في
نتائجه قراراً
سيئاً بالمطلق. وبتعبير "أكاديمي": أمام الحكومة
مهام عدة، بعضها ذو طابع "استراتيجي"
على المدى الطويل والمتوسط، وبعضها ذو
طابع "تشغيلي" على المدى القصير،
لذلك يتوجب عليها، فضلاً عن تحديد
التوجهات وإيضاح المهام، صياغة مرنة
لمناهج وإجراءات العمل، وحشد الطاقات
المتنوعة عن طريق إشراك الناس بالعمل
والمعلومة، وتفعيل نظام التقييم
والمحاسبة، ليس بالضرورة لناحية
محاسبة المسيئين فقط، بل لناحية عزل
المقصرين والعاجزين أيضاً. ومع ملاحظة أن الحكومة المقبلة، لا تتمتع
بترف الزمن الذي تمتعت به الحكومة
السابقة، وما قبلها، فإن أمامها
مواجهة تحديات جديدة وعاجلة يتمثل
أهمها وأكثرها إلحاحاً
بنظر الكثيرين
في ترسيخ دعائم دولة القانون،
والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، مع ما
يعنيه ذلك كله من محاولة إيجاد ذلك
التوازن الدقيق بين السلطة والمجتمع،
بحيث يكون كلاً منهما ضابطاً لحركة
الآخر، ورقيباً عليه، في تطبيق فعلي
للطبيعة التعاقدية للدولة. الأمر ليس بسيطاً أو سهلاً بالتأكيد،
وهناك الكثير من المصاعب الناجمة عن
تراكمات سابقة، بعض منها يتعلق
بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية
التي رسمت ونفذت خلال المرحلة
الماضية، وأصبحت نتائجها واضحة أمام
الجميع، ومنها ما يتعلق بالجوانب
الثقافية والنفسية وضعف البعد المؤسسي
المنظم في علاقاتنا الجمعية، دون أن
نغفل البعد الخارجي الذي يعقّد الوضع،
فالإصلاحات الداخلية، والسير نحو
الديمقراطية الحقيقية، يضر كما يبدو
بمصالح بعض القوى الخارجية وسياساتها،
وهو ما نشاهد بعض تجلياته وانعكاساته
في احتضان الخارج لبعض القوى الأكثر
فساداً وإفساداً من غيرها. الطريق طويل، والتعثر السابق في تطبيق
برنامج الإصلاح له أسبابه الموضوعية
والذاتية، ولكن الجميع يعرف أنه لا حلّ
جدياً ودائماً، إلا بالمضي بهذا
البرنامج إلى نهايته المنطقية، وهو
أمر يحتاج إلى تكاتف الجميع، دولة
ومجتمعاً، والهدف النهائي: الشعب
المنطلق.. والغاية. ==================== تاريخ النشر: الأربعاء 13 أبريل
2011 الاتحاد في عام 2007، قام جوردون براون، وزير
المالية البريطاني وقتئذ، بزيارة
للهند تميزت بإلقائه خطاباً يؤيد "نظاماً
عالمياً جديداً". وبالطبع، فإن بوش
الأب كان أول من ابتكر تلك التسمية
الجيدة والمتفائلة بعد حرب الخليج عام
1991، غير أنه سرعان ما تبين أنها تكاد
تكون فارغة من أي معنى، وأنه لم تكن
لديه أفكار عن الشكل الذي يمكن أن
يتخذه ذلك النظام العالمي. وبالمقابل، كان براون قد فكر في الأمر
جيداً ووضع مخططات طموح بشكل واضح،
لإعادة تنظيم الهيئات الدولية
الرئيسية إذ قال: "إن نظام المؤسسات
الدولية خلال مرحلة ما بعد 1945 -الذي
أنشئ من أجل عالم من الاقتصادات
المحمية و50 دولة فقط- لم يكسر بعد، لكن
عالماً من 200 دولة وعولمة مفتوحة
يحتاجان بشكل عاجل إلى التحديث
والإصلاح". والحق أن براون أثار موضوع إعادة تنظيم
مؤسسات العالم الرئيسية أكثر من مرة
عندما أصبح رئيس وزراء بريطانيا، إلا
أنه لم يحصل على استجابة دولية كبيرة.
لكن خلال السنوات الأخيرة أصبحت حقيقة
أن مؤسساتنا الدولية باتت قديمة
ومتجاوَزة على نحو ميؤوس منه بشكل واضح
ومتزايد. ومما لا شك فيه أن ثمة دعوات
مهمة وقوية لإصلاح مجلس الأمن الدولي،
الذي يعد جزءاً أساسيا من الآلية
الدولية، بدون مزيد من التأخير، حيث لم
يعد هذا المجلس، الذي أسس بموجب ميثاق
وقع في سان فرانسيسكو عام 1945، صالحاً
للاضطلاع بدوره في 2011، ومعظم الناس
يدركون ذلك. وفي نهاية العام الماضي، كتبت مجلة "ذي
إيكونوميست" البريطانية في مقال
افتتاحي لها تقول: "إن العضوية
الدائمة لمجلس الأمن الدولي والتمتع
بحق الفيتو، تعكسان عهداً عفا عليه
الزمن، عندما كان المهم هو من فاز في
الحرب العالمية الثانية. والحال أن
مجلس الأمن، الذي بات لا يمثل العالم
تمثيلاً جيداً بل خارج سياقه الزماني،
يتحدث اليوم بسلطة آخذة في التقلص، حيث
بات أقل قدرة على مناقشة المواضيع
المهمة لأن اللاعبين المهمين ناقصون،
وأقل قدرة على تقديم آراء ذات بال،
لأنها لا تحمل ختم كل القوى العظمى
العالمية. وسواء كنت تعتقد أن الأمم
المتحدة تستطيع تحقيق القليل أو
الكثير، فالأكيد أن مجلس أمن أفضل
سيكون قادراً على فعل المزيد". ومن الواضح أن الأمر يتعلق هنا بانتقادات
خطيرة ودقيقة وصحيحة. والعام الماضي
أيضاً، تعهد الرئيس الأميركي بدعم
إصلاح مجلس الأمن الدولي، ذلك أنه
خلافاً لسلفه الذي لم يكن يكترث كثيراً
للأمم المتحدة، يسعى أوباما للحصول
على توافق دولي، ويكن احتراماً كبيراً
للقانون الدولي في ممارسة السياسة
الخارجية. وشخصياً، فوجئتُ على غرار الكثيرين،
عندما قرر مجلس الأمن الدولي في السابع
عشر من مارس الماضي التحرك وأصدر
قراراً قوياً وحاسماً لمنع القذافي من
مهاجمة شعبه. ومما لا شك فيه أنه سينظر
إلى ذلك القرار الدولي في المستقبل
باعتباره لحظة فارقة تسنى خلالها
إنقاذ أرواح كثيرة في كل من بنغازي
وطبرق. وقد سررتُ عندما رأيت مجلس
الأمن -وفي الوقت المناسب تماماً-
يتصرف وفق الدور الذي أنشئ من أجل
الاضطلاع به، تصرفٌ أظهر الدور المهم
الذي يمكن أن يلعبه في الشؤون العالمية
عندما لا يتم استعمال الفيتو. لكن، ما هي الدول التي ينبغي أن توجه لها
الدعوة لتصبح أعضاء دائمة في مجلس أمن
دولي موسع ومحسن من أجل منحه سلطة
كبيرة؟ الواقع أن كلا من الولايات
المتحدة والمملكة المتحدة تدعمان
الهند. وستبدو ألمانيا خياراً
بديهياً، لكن هل ينبغي السماح للاتحاد
الأوروبي بأن يكون ممثلاً بثلاثة
أعضاء في المجلس؟ جوابي نظرياً هو
الاعتراض. أما عملياً، فالأرجح أنه لا
واشنطن ولا لندن ستقبلان بالتنحي
جانباً. وعلاوة على ذلك، فستعترض
إيطاليا على ألمانيا، حسب اعتقادي،
على غرار إسبانيا. أما اليابان، فسيكون
لديها ملف قوي؛ إلا أن الصين يُتوقع أن
تعترض على انضمامها للمجلس، حيث تشهد
الصين بين الحين والآخر مظاهرات
واحتجاجات على خلفية ما يعتبر فشلاً من
جانب اليابان في مواجهة سجلها القاتم
خلال الحرب العالمية الثانية. البرازيل أيضاً لديها ملف جيد، غير أن
الأرجنتين تنظر إلى نفسها كمنافس
قديم، والمكسيك لن تكون سعيدة بذلك على
الأرجح. أما في ما يتعلق بالقارة
السمراء، فإن كلاً من جنوب إفريقيا
ونيجيريا تمثلان قوتين إقليميتين،
والأرجح أن الدول الإفريقية ستجد
صعوبة في الاختيار، هذا في حين قد تفكر
كينيا في أن لديها فرصة أيضاً. وعليه،
فهل ينبغي أن يكون ثمة مقعد إفريقي
بالتناوب ربما؟ وهل ينبغي أن تمثل مصر
العالم العربي، لأنه ستكون ثمة حاجة
لوجود دولة إسلامية واحدة على الأقل؟ قبل بضع سنوات، اتحدت كل من ألمانيا
واليابان والهند والبرازيل، وحاولت
الدفع بالنقاش إلى الأمام ومناقشة
الحجة القديمة والمتشائمة التي يدفع
بها بعض الدبلوماسيين من أن النقاش لا
جدوى منه وأن لا شيء سيتم، فاقترحت هذه
البلدان أن يتم رفع عدد أعضاء مجلس
الأمن الدولي، من خمسة عشر عضواً الآن،
إلى خمسة وعشرين عضواً، عبر إضافة ستة
مقاعد دائمة وأربعة غير دائمة. والواقع أنه ينبغي علينا أن نرفض الفكرة
القائلة بأنه لا يمكن فعل أي شيء،
ولنتذكر هنا أن الاتفاق على ميثاق
الأمم المتحدة الأصلي لم يكن سهلاً.
ومما لا شك فيه أننا نستطيع القيام
بتغييرات على هذا المستوى؛ ومثلاً فقد
تم تحويل مجموعة السبعة الكبار إلى
مجموعة العشرين. ثم هناك أفكار جيدة
أخرى كأن يتخلى الأعضاء الدائمون عن
حقوق الفيتو لخمس عشرة سنة، مثلاً، وأن
تتم مراجعة ترتيبات جديدة بعد فترة
مماثلة، وذلك حتى يعكس مجلس الأمن
الدولي الوقائع المتغيرة للسلطة
العسكرية والاقتصادية. ================== الربيع العربي" وزخم
الديمقراطية نعوم تشومسكي أستاذ الفلسفة واللغويات بمعهد
ماساتشوسيتس للتقنية ينشر بترتيب مع خدمة "نيويورك
تايمز" تاريخ النشر: الأربعاء 13 أبريل
2011 الاتحاد خلال الشهر الفائت، انتهت محاكمة الرئيس
الليبيري السابق تشارلز تايلور في
المحكمة الدولية لجرائم الحرب الأهلية
المرتكبة في سيراليون. ولكن رئيس هيئة الادعاء، أستاذ القانون
الأميركي ديفيد كراين، أبلغ صحيفة "ذي
تايمز" اللندنية أن القضية غير
مكتملة: أراد المدعون اتهام القذافي،
الذي قال كراين إنه "كان مسؤولاً في
نهاية الأمر عن بتر أو تشويه أو قتل 1.2
مليون شخص". إلا أن التهمة لم توجَّه إليه، إذ تدخلت
أميركا والمملكة المتحدة وغيرهما
لتجميدها. وحين سُئل عن سبب ذلك، أجاب
"كراين": "أهلاً بكم في عالم
النفط". أما أحد أحدث ضحايا القذافي،
فكان السير هاورد ديفيس، مدير كلية
لندن للاقتصاد، الذي استقال إثر كشف
معلومات عن علاقة الكلية بالديكتاتور
الليبي. وفي كامبريدج، ولاية ماساتشوستس، تلقت
الشركة الاستشارية "مونيتور جروب"،
التي أسسها أساتذة من جامعة هارفارد،
أموالاً سخية مقابل خدمات شبيهة
بتأليف كتاب ينقل كلمات القذافي
الخالدة إلى الجمهور "بالتعاون مع
خبراء دوليين ذائعي الصيت"، إلى
جانب جهود أخرى مبذولة "في سبيل
تعزيز درجات التقدير والإعجاب بليبيا (القذافي)".
ونادراً ما يكون عالم النفط غائباً عن
خلفية القضايا المتصلة بهذه المنطقة.
على سبيل المثال، في ظل تعذُّر إخفاء
حجم هزيمة الولايات المتحدة في
العراق، استُبدلت الخطابات المنمّقة
بالإعلان الصريح عن أهداف السياسة. ففي
شهر نوفمبر 2007 ، أصدر البيت الأبيض"إعلان
مبادئ" يصرّ على ضرورة أن يسمح
العراق بحرية دخول غير محدَّدة
للمستثمرين الأميركيين ويمنحهم
امتيازات. وبعد مرور شهرين، أبلغ بوش الكونجرس أنه
سيرفض أي قانون قد يضع قيوداً على
تمركز القوات الأميركية في العراق أو
على "سيطرة الولايات المتحدة على
ثروات العراق النفطية"، وكانت مطالب
أُرغمت الولايات المتحدة على التخلي
عنها بعد فترة وجيزة في وجه المقاومة
العراقية. يزوِّدنا عالم النفط بإرشادات مفيدة عن
ردود فعل الغرب على انتفاضات
الديمقراطية اللافتة التي تجتاح
العالم العربي. ويجدر التوضيح أن الوضع في البحرين ليس
بالغ الدقة لأنها تستضيف الأسطول
الخامس الأميركي فحسب، بل أيضاً بسبب
محاذاتها للمناطق التي تختزن معظم
احتياطي النفط في المملكة العربية
السعودية. وفي المقابل، حققت الثورات الشعبية في
مصر وتونس نصراً عظيماً، بيد أن
الأنظمة لا تزال مستمرة على حالها بحسب
ما أفادت به "مؤسسة كارنيجي" وهي
"مصمِّمة، على ما يبدو، على كبح
الزخم المؤيد للديمقراطية الذي تجلّى
جماحه لغاية الآن. ولا يزال تغيير
النخب الحاكمة ونظام الحكم هدفاً بعيد
المنال"، سيسعى الغرب إلى عدم
الوصول إليه. أما الحالة الليبية فمختلفة تماماً، دولة
ثرية بالنفط يحكمها ديكتاتور: إذ إن
الزبون الذي يمكن الاعتماد عليه سيحظى
بتفضيل أكبر بكثير. وعندما اندلعت
الاحتجاجات السلمية هرع القذافي إلى
سحقها سريعاً. في 22 مارس الماضي، خلال تقدُّم قوات
القذافي في اتجاه عاصمة الثوار
بنغازي، حذّر كبير مستشاري أوباما
لشؤون منطقة الشرق الأوسط دينيس روس،
أنه في حال ارتكاب مجازر "سيلقي
الجميع اللوم علينا لحصولها"، وهي
عواقب غير مقبولة. كما أبى الغرب حتماً أن يعزِّز القذافي
سلطته واستقلاله من خلال سحق الثورة.
وانضمت الولايات المتحدة إلى قرار
مجلس أمن الأمم المتحدة لفرض "منطقة
حظر جوي"، ستتولى تطبيقه فرنسا
والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. لقد حال التدخُّل دون حصول مجازر محتملة،
وهذا التدخل فسَّره الائتلاف بأنه
يسمح بدعم مباشر للثوار. تم فرض قرار
وقف إطلاق النار على قوات القذافي،
فيما تلقى الثوار المساعدة للتقدُّم
في اتجاه الغرب. وسرعان ما انتزعوا
المصادر الرئيسية لإنتاج النفط
الليبي، مؤقتاً أقله. وفي 28 مارس الماضي، حذرت بعض الصحف من أن
التدخُّل قد ينجم عنه تقسيم ليبيا إلى
دولتين، واحدة في الشرق بأيدي الثوار
غنية بالن فط، وأخرى فقيرة معدمة خاضعة لحكم
القذافي، "... وطالما جرى تأمين آبار
النفط، ووضعها تحت السيطرة فإننا قد
نجد أنفسنا أمام إمارة نفطية ليبية
جديدة، قليلة السكان، محمية من الغرب
تماماً. وقد يكون الاحتمال الآخر
مواصلة الثوار المدعومين من الغرب
تقدُّمهم وإقصاء القذافي المثير للسخط. وثمة إجماع حول تعذُّر أن يكون النفط
دافعاً للتدخُّل نظراً إلى أنه كان
غنيمة يستطيع الغرب الحصول عليها في ظل
حكم القذافي. الأمر صحيح إنما في غير
محله. كان من الممكن قول ذلك عن العراق
تحت حكم صدام، أو حتى إيران وكوبا
اليوم. ما يسعى الغرب إليه هو ما أعلنه بوش:
السيطرة، أو أقله، زبائن موثوقين، وفي
حالة ليبيا، حرية الوصول إلى مناطق
شاسعة غير مستكشفة من المحتمل أن تختزن
ثروات نفطية. تشدِّد الوثائق
الأميركية والبريطانية الداخلية على
أن "فيروس القومية" يشكل الخوف
الأعظم بسبب إمكان تعزيزه العصيان
وعدم الانصياع. تُشن العمليات في ليبيا من القوى
الامبريالية التقليدية الثلاث (على
الرغم من أننا نتذكر – والليبيون لا
ينسون على ما أفترض – أن إيطاليا
ارتكبت الإبادة الجماعية في شرق ليبيا
بعد الحرب العالمية الأولى). القوى الغربية تُقدم على خطواتها في عزلة
افتراضية. لا تريد دول في المنطقة –
مثل تركيا ومصر – المشاركة فيها، ولا
حتى أفريقيا. وسيكون من دواعي سرور
البعض إسقاط القذافي، ويبدو أن الأمر
سيَّان بالنسبة إلى الهند والبرازيل
وحتى ألمانيا. ومن الواضح أن جذور "الربيع
العربي"، أصبحت متوغلة في الأعماق،
إذ كانت المنطقة تغلي ببطء لسنوات
طويلة. وقد بدأت أولى موجات الاحتجاجات
الراهنة السنة الماضية في الصحراء
الغربية، آخر المستعمرات الأفريقية.
وما لبثت أن اشتعلت شرارة في تونس، ولم
توقف انتشارها وتأجّجها في المنطقة
العربية إلى الآن. ================= تاريخ النشر: الأربعاء 13 أبريل
2011 الاتحاد خالص الجلبي سيبقى عام 2011 خالداً في الذاكرة العربية،
فقد تلاحقت أحداثه من تطوان وطنجة في
المغرب حتى درعا والقامشلي في سوريا،
فتساقطت ديكتاتوريات واهتزت أخرى
وتبدلت حكومات، والبقاء لله الكبير
المتعال. أنا سوري ودعت بلدي قبل 35 عاماً، لأعيش
نصف عمري في الدياسبورا، وأسأل: هل أنا
في حلم أم علم؟ أهو مجرد حنين كاذب أم
أن الوطن حقيقة؟ ثم أتذكر قول الله
تعالى لنبيه أيوب: "وآتيناه أهله
ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى
للعابدين". لقد قطعت نصف الكرة
الأرضية، وأصبحت من أهل كندا، وتخصصت
طبياً في ألمانيا، وعشت في الخليج،
ودفنت زوجتي في مونتريال، وزرعت
أحفادي في أقصى الأرض، بعد أن نفضت
إزاري، وغسلت يدي سبعاً إلى المرافق،
وقلت إني مهاجر إلى ربي. لا أظن أني لو
تبدلت الأحوال عائد لاستقر على
الأنقاض هناك، فلو أن بلدي دخل التاريخ
ووقف على قدميه فهو بحاجة إلى نصف قرن
من الترميم، إن لم يكن عملية استبدال
مفاصل الحياة برمتها. ومع هذا فالإيمان هو الأمل، ولقد ولد
الأمل من رحم اليأس، على غير موعد
وميعاد، ورأيت الحياة في بلدي تدب
دبيبا، وكأني أراقب معجزة، فأقول:
سبحان من يخرج الحي من الميت، وسبحان
من أنزل أطول سورة في القرآن وهي
البقرة، من أجل قصة رجل ميت ضرب بلحم
بقرة ميتة فانتفض من رقدة الموت ليدل
على قاتله: "فقلنا اضربوه ببعضها
كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته
لعلكم تعقلون". وبعدها مباشرة يبين
القرآن كيف تنبجس ينابيع الفهم من دماغ
"ناشف" لا يفهم، مثل الحجارة، وإن
من الحجارة لما يتشقق فيخرج منه الماء. توقعي، وأظنه لن يخيب، أن عام 2011 لن يختم
إلا وتغيرات كثيرة وعميقة قد حدثت في
العالم العربي. فقد دلف بغض الطواغيت
إلى ملفات النسيان، طار اثنان، وهناك
آخرون على قائمة الانتظار القصير، وإن
ماطلوا وراوغوا كما يروغ الثعلب لحين
الإمساك به! كانت أمي تقول في أمثالها: ما أشد مكر
الثعلب، وما أكثر توفر جلده في الأسواق!
ويمكرون ويمكر الله والله خير
الماكرين. خلال أقل من ثلاثة أعوام سيتحول العالم
العربي إلى الديمقراطية، وخلال ثلاثين
عاماً سيكون العالم شاهداً على
الاتحاد العربي، ومجدداً سيدخل العرب
مسرح التاريخ بإذن الله تعالى. نحن الآن شهود على ثلاث ميزات: استعادة
الشعوب ثقتها بنفسها عبر تخطي حاجز
الخوف، واكتشاف طريق اللاعنف في
التغيير، وولادة الإنسان العربي
الجديد المحمل بغيوم الأمل الماطرة. إنه عصر جديد؛ فقد تغير ما بالنفوس،
وانطلقت حركة تغيير الواقع. =================== المستقبل - الاربعاء 13 نيسان 2011 العدد 3968 - رأي و فكر - صفحة 19 عفيف رزق اذا كان من المبكر الحديث عن الحقائق
والوقائع التي انتجتها واكدتها
الثورات والانتفاضات الشعبية التي
حصلت، وما زالت تحصل، على الساحة
العربية منذ كانون الاول الماضي حتى
الآن، فإنه ليس من المبكر، ونحن نتابع
ما يجري، الحديث عن ظواهر رافقت هذه
التحركات، وخصوصا ان كثيرا من
الباحثين والمراقبين والمهتمين
بقضايا وشؤون المنطقة تعرضوا، تحليلا
ودراسة، لهذه الظواهر لأهميتها
ولتأثيرها في مجرى الاحداث حاضرا، وفي
تكوين وتثبيت الوقائع والحقائق
مستقبلا. اولى هذه الظواهر تمثلت بإبداء مشاعر
القلق والخوف والشك التي عبّر عنها بعض
الدارسين لدى تناولهم هذه الاحداث،
مخافة ان تؤدي هذه الظواهر الى غير ما
يرغب ويتمنى المواطن العربي الساعي
الى التغيير فتزداد الامور تعقيدا. من
الامثلة على ذلك ما اثاره الكاتب عبد
الرحمن الراشد بقوله ان بلدان اوروبا
الشرقية والوسطى مرت منذ نحو العشرين
عاما بالتجربة نفسها التي تمر بها
البلدان العربية اليوم، ونجحت تلك
الدول في تجربتها وتبنت النظام
الديمقراطي. يُعيد الكاتب السبب في ذلك
لرعاية ورقابة بلدان اوروبا الغربية
لهذه التجربة. ويضيف ان هذه التجربة
بقيت "فاشلة لأكثر من نصف قرن سواء
في الشرق الاوسط او افريقيا (...)، لهذا
انا انظر الى المشهد الجديد اليوم في
العالم العربي، واتساءل السؤال نفسه
في اي طريق تسير الثورات الجديدة...".
يلتقي تساؤل الراشد مع تساؤل يطرحه
تقرير نشرته مؤخرا مجلة التايمز
البريطانية عما اذا كان التاريخ سيفشل
في "الشرق الاوسط، وهل ستُفنى
المعارضات في اليمن وفي بلدان اخرى
خلال سنوات قليلة، وهل سننظر الى العام
2011 ونفكر انه لم يتغير سوى القليل؟".
ومع ذلك يتابع التقرير، فإن الغضب
والتوتر اللذين عمّا منطقة الشرق
الاوسط في الاشهر والاسابيع الاخيرة
الماضية لن يختفيا لإنهما يشتملان على
اكبر قوتي تغيير في العالم اليوم هما
الشباب والتكنولوجيا: فالشباب، ما دون
الثلاثين عاما، تبلغ نسبتهم نحو ال 60
في المئة من سكان المنطقة، والاحلام
التي يرغبون في تحقيقها لا يستطيع
النظام القائم لا تلبيتها ولا
تحقيقها، مع انها بسيطة ومتواضعة
وتنحصر بالعيش في بلد حر، والحصول على
عمل يُؤمن حياة كريمة ومن ضمن مجتمعات
متحضرة. اما التكنولوجيا فمن اهم
وسائلها التلفزيون والكومبيوتر
والهاتف المحمول والرسائل
الالكترونية القصيرة، وقد لعبت هذه
الوسائل دورا مهما في تعبئة الجماهير
وتحريكها واصبحت عامل قوة ونعمة للشعب
ونقمة على الحكام. لقد نزل الشباب الى
ميادين التحرير والى الساحات العامة
متسلحين بالتكنولوجيا فقط، فكسروا
حاجز الخوف وتجاوزوا المحرمات وعبروا
عن مطالبهم وارائهم بصورة حضارية
مسالمة، وعلى رغم ان رد النظام كان في
الغالب عنيفا وقاسيا، لكن الشباب بقي
هادئا ومصرا على مطالبه... من هذه الظواهر ايضا هو التساؤل عما ستؤول
اليه هذه التحركات. لقد اجمع المهتمون
بأن التوجه يجب ان ينحصر بتبني
الديمقراطية في النظم السياسية
الجديدة. انطلاقا من هذا المعيار شاركت
معظم الفئات الشعبية بهذه التحركات
فنادت بتداول السلطة وانتخابات نزيهة
وشفافة بدل التوريث، وسيادة القانون
والمساواة بين جميع المواطنين واعتماد
مبادئ الشفافية والمحاسبة والمساءلة...،
وعلى رغم ان نسبة كبيرة من هذه
المفاهيم قد أُخذ بها في البلدان التي
استقرت الاوضاع فيها، فإن هناك من
يعتقد ان هذه الثورات قد لا تُؤدي الى
قيام ديمقراطية، وهذا ما نبه اليه
استاذ العلوم السياسية في جامعة تونس
"حمادي ريديسي" مشيرا الى ان
الثورات كي تكون ديمقراطية يجب ان يكون
قائدها ديمقراطيا وتأخذ بالمعايير
الديمقراطية. وإلا فإن الاوضاع تتجه
نحو الفوضى او نحو الحرب الاهلية وحتى
الى قيام جمهوريات اسلامية كما حدث في
ايران!!... من أهم الظواهر التي رافقت
الثورات العربية بروز الدور التركي في
التعاطي مع هذه الاحداث بشكل ملفت. لقد
كان هذا الدور عاديا في ثورتي تونس
ومصر، لكن النبرة التركية ما لبثت ان
ارتفعت عندما تأزم الوضع في ليبيا وفي
البحرين. ففي ليبيا عارضت انقرة تدخل
قوات منظمة حلف شمال الاطلسي (الناتو)،
لكنها عادت ووافقت استجابة للضغوط
الاميركية... ==================== المثقف والثورة: تجدد
الأسئلة والدور د. خالد الحروب الدستور 13-4-2011 الثورات العربية تفرض اليوم نقاشات جديدة
لدور المثقف العربي في التغيير
السياسي والاجتماعي والثقافي الفارض
نفسه على المنطقة وشعوبها. وجوانب
التجديد التي يطرحها نقاش «المثقفون
والثورة» بصورته قيد التشكل راهنا
عديدة ومختلفة عن جوانب النقاش في حقب
سابقة. في نقاشات ادوار المثقف العربي
والتعريف به (الطاهر لبيب, برهان غليون,
غالي شكري, جورج طرابيشي, نديم البيطار,
عابد الجابري, عبد الإله بلقزيز,
وعشرات آخرون) احتل المثقف العضوي
الغرامشي وتنويعاته المختلفة قلب
المشهد الجدلي. المقاربات العربية
والعالمثالثية لهذا المثقف اندفع
كثيرها من منطلقات ايديولوجية همها
الاساس تغيير الوضع القائم, البائس
داخليا في المجمل, والتابع خارجيا لقوى
هيمنة إمبريالية في الغالب الأعم. نُظر
إلى المثقف بكونه الطليعي حامل الشعلة
التي تكشف المسار ل «الجماهير», وبكونه
الأعمق ثقافة ودراية بالمآلات الكبرى
للمجتمعات والمصالح الأنانية لنخبها
الحاكمة. المثقف هو قلب العملية
التنويرية والتعريفية بالاختلالات
البنيوية التي تحتاج إلى معرفته
العميقة وذكائه ثم شجاعته لكشفها
وفضحها وحشد الجماهير ضدها وضد
المنتفعين بها. المثقف العضوي منتم إلى مجتمعه وطبقته
بلا تردد, ومدافع لا يهدأ عن مصالحها,
واحيانا كثيرة يقوده ذلك الدفاع إلى
العماء عن عيوبها وفشلها الداخلي, لكنه
يبرر ذلك بتقديم التناقض الرئيسي على
التناقضات الثانوية – تاركا العفن
يأكل في عمق التكوين الإنساني
والجماعي والفردي للمجتمعات. الثورات
العربية قدمت نوعين آخرين من الفاعلين
الثوريين: الشباب والإعلام الاجتماعي.
كل من هؤلاء الفاعلين مندفع للتغيير
وفضح الفساد وكشف ما يُراد له ان يظل
بعيدا عن أعين الناس, لكن في ذات الوقت
غير منخرط في مشروع ايديولوجي محدد
القسمات. بهذا المعنى فقد دفعت الثورات
العربية الناجحة وغير الناجحة, وفي ذرى
فوراناتها, جدل السياسة والايديولوجيا
إلى امدية صحية كبيرة, مقدمة تسيّس
الشرائح الشبابية ووسائل إعلامها على
ايديولوجيا المثقفين العضويين
والشرائح الحزبية المؤدلجة والموغلة
في الماضي, عمريا وعقليا. الشباب
والإعلام الاجتماعي والفضائي (بحسب
البلد المعني الذي تحدث فيه الثورة!).
ولم نعد امام الصورة الكلاسيكية
للمثقف الذي يظنه الناس ممتلكا
للحقيقة حتى ولو كرر إعلاناته بخلاف
ذلك, ولم يعد هذا المثقف المصدر
الأساسي للمعرفة او المعلومة او منطلق
التحريض والتعبئة. الشرائح الشبابية
والإعلام المعولم احتلا هذه المكان
باقتدار. كل ما صار يتمناه مثقف اليوم
الغرامشي والعضوي ان تتاح له بضع دقائق
على شاشات هذه الفضائية او تلك كي
يخاطب «الجماهير». الأمر الجديد الآخر الذي يجلبه النقاش
المتجدد حول المثقفين والثورة هو
تعريف المثقف. وهنا نحن نواجه اليوم
ميوعة مذهلة في تعريف مفهوم المثقف
سببها الإعلام الفضائي على وجه
التحديد والتي انتج لنا المثقف
الشعبوي (او المثقف المهرج). كان تعريف
المثقف يواجه دوما صعوبات جمه ولم يكن
من السهل «هندسة» قائمة من المؤهلات أو
الإنجازات يتأتى لحاملها الاتصاف بوصف
مثقف أو حرمانه منه (هذا فضلا عن صعوبة
الإجابة عن سؤال من يمنح من؟). لكن رغم
تلك الصعوبات كان ثمة توافق او افتراض
ضمني على اشتراط قدرة معرفية متميزة,
ليس بالضرورة خارقة أو إبداعية, لكنها
تؤهل صاحبها او صاحبتها للخوض في
الشؤون العامة وتشخيصها والتجروء على
اقتراح افكار لمواجهة المآزق. اليوم
ارتبك هذا التوافق أو الافتراض الضمني
مع بروز المثقف الشعبوي الذي يستند على
رافعة الإعلام المتلفز بشكل اساسي.
شروط المثقف الشعبوي ليست سهلة ايضا,
لكنها لا تتضمن عمق المعرفة والثقافة
الرصينة. ما تتطلبه هو درجات قصوى من
الإثارة, في المظهر العام, في نبرة
الصوت, في السبك اللغوي, في تكنيكات
السجال والإفحام, في النزول إلى الحضيض
إن لزم الأمر في حلبة النقاشات, في
التنبه للمزاج الشعبوي السائد وركوبه
وعدم تحديه, في توظيف مفاهيم المؤامرة,
والضحية, والاستعمار وهكذا. هذا المثقف
عضوي هو الآخر ولا يستطيع احد ان ينزع
عنه «عضويته» أو «غرامشيته» فهو مدافع
صلب عن الثورة وجماهيرها, لكنه ايضا
مثقف «غزية» الذي يغزو حيث تغزو
القبيلة ويروح معها حيث تروح, لا
ينتقدها ولا يرى فيها عيبا. بيد أن المثقف العضوي بتنويعاته, الجادة
او الشعبوية, المدافع عن قضايا الشعب
ليس هو المثقف الوحيد الموجود في ساحة
الثورة, اي ثورة. فهناك قائمة طويلة
لأنواع آخرين من المثقفين وهم مثقفو
السلطة والوضع القائم. هؤلاء يحتاجون
ايضا إلى إعادة نظر في مواقعهم
وتنظيراتهم في ضوء الثورات العربية
الحديثة. مثقفو السلطة (وهم غير
الأبواق الإعلامية والصحفية هشة
الثقافة والعمق) وجدو انفسهم في موقع
صعب ايضا. فهم بحكم ثقافتهم ودرايتهم
التاريخية والعميقة يدركون حتمية
التغيرات الواقعة في المنطقة العربية,
ويدركون الفرق الجوهري بين العلاج
الحقيقي والمسكن المؤقت. والأهم من ذلك
كله ان رزمة المسوغات التي كان جدلهم
يقوم عليها لتسويغ الامر القائم
والانحياز للديكتاتوريات قد استنفدت
اغراضها. لم يعد بالإمكان -على سبيل
المثال- التذرع بمسوغ الحاجة إلى الوقت
من اجل إحداث التنمية الاقتصادية التي
يجب ان تسبق أية تنمية سياسية او
انطلاق نحو الحرية والديمقراطية. تبين
لنا ان عقود التنمية التي انفقتها
الشعوب صابرة على حكامها لم تكن سوى
عقود من الفساد والزبائنية البغيضة.
وتبين لنا ان عقودا «لا صوت يعلو صوت
المعركة» لم تكن سوى عقود من الحكم
الفردي التدميري الذي أعاد هذا البلد
او ذاك عقودا طويلة إلى الوراء. وتبين
لنا ان عقود «الخصوصية الثقافية» لم
تكن سوى عقود الاختباء خلف تأبيد
الاستبداد وفرض اشباه الثيوقراطيات
على المجتمعات العربية بمسوغات
ومبررات ثقافوية ودينية. وهكذا وصلت
درجة التعفن الذي تراكم طوال تلك
العقود تحت السطح تحت غطاء الاستقرار
الظاهري الزائف إلى درجة الانفجار
الوبائي التي لم يعد يصلح معها توظيف
أي من تلك المسوغات او غيرها لتسويف
التغيير والإصلاح السياسي. من جهة الانظمة التي انهارت امام الثورات
او تلك التي قيد الانهيار فإن ثمة
جوانب سوريالية تميز رد فعلها تناظر
تلك الخاصة بتبدل جوانب من تعريف
المثقف وادواره. فهذه الانظمة حاربت
المثقف التقليدي العضوي وقمعته وسجنته
وطاردته وفي ظنها انه هو قائد الثورة.
ولأن هذه الأنظمة وعقلياتها ما زالت
تنتمي إلى الماضي فإنها تخوض معارك
الثورات ضدها بذهنية قديمة. لذلك ليس
من الغريب ان يكون اول المستهدفين من
قبل اجهزة القمع العربية المثقفين
والصحافيين ومن هم على شاكلتهم. لكن
هذا القمع المنطلق من عقلية قديمة
علينا الاعتراف بأنه يحقق هدفا ربما لم
يكن هو المقصود المباشر من قبل هذه
الانظمة, وهو اخراس جدل الثورة وحرمانة
من التعولم. صورة الثورة تتعولم,
ومطالبها تتعولم, لكن جدلها والتنظير
لها يغيبان. ==================== سوريا اليوم: مشاهدات من "دوما"
الحرّة! نيرمين ابو شديد (دمشق) موقع شباب السفير 12/04/2011 سائق الميكروباص الذي «يتجرّأ» على العمل
اليوم على خط حرستا
دوما (ضاحيتان في محافظة ريف دمشق)،
هو، لا شك، أحد أولئك الذين شاركوا في
تحطيم حاجز الخوف. «دوماني» هو، وكان
قد شارك في التظاهرات التي عمّت
الضاحية القريبة من العاصمة. لا تساعدك
لهجته الشامية «الممطوطة» على معرفة
ذلك، بل أشياء أخرى تماماً: ملامح وجهه
التي تفيض شعوراً بالثقة والطمأنينة
والشجاعة، تلميحاته الماكرة
وممازحاته المبطنة بكل ما هو سياسي؛ في
لحظة سوريّة مشحونة بالقلق ومختنقة
بالقبضة الأمنية. يطلب منه أحد رجال
الأمن المسلحين مثلاً ألا يطيل وقوفه
أمام الدورية التي تغلق مداخل ضاحية
حرستا، يوافقه: أمرك معلّمي. ويتبعها،
بعد أن يُقلع، بجملة سيفهمها كل من
استقل حافلته. يقول متهكماً: آخر أيامك
يا مشمش، ليبتسم البعض، وتتحول
الابتسامة، مع الابتعاد عن حاجز
الأمن، إلى قهقهة تملأ فضاء
الميكروباص. لكن ما يؤكد تماماً على كونه أحد
المتظاهرين هو علاقته الطيبة باللجان
الشعبية التي ارتجلت حواجز على مدخل
الضاحية، يتخصّص الأوّل منها في تفتيش
الدراجات النارية، أما الحاجز الأخير
فيتخصص في تفحّص هويّات الركاب
تمهيداً للسماح لهم أو منعهم من
الدخول، وفق التصنيف التالي: يدخل كل
من تشير خانة «مكان الولادة» على هويته
إلى «دوما»، أو يحمل بطاقة تثبت إقامته
فيها (عقد إيجار، ملكية..). إن لم يملك
هذا أو ذاك عليه أن يحدّد بدقة مكان
سكنه، وربما يتعرض لأسئلة تختبر صدقه
من عدمه. عدا ذلك، لن يدخل أحد مهما
كان، بدءاً من تاجر ألبسة بسيط إلى
ركاب سيارة فخمة تلصق على كامل زجاجها
الخلفي صورة كبيرة، تحتل قسمها الأيسر
صورة للرئيس السوري الشاب وفي مقابله
على القسم الأيمن.. نسر. يستقل السيارة
الفخمة أربعة شبان تشير أشكالهم إلى
كونهم «شبيحة» (تسمية يطلقها السوريون
على كل من يطيل لحيته ويحلق شعر رأسه
ولا يخلو حضوره من عدوانية، وهو على
العموم من الموالين للنظام القائم،
ومن المدافعين عنه بضراوة، وهناك
العديد من القصص المثيرة التي تدور
حولهم). لكن السيارة لم تدخل. واضطر
سائقها إلى أن يعود أدراجه.. متمهّلاً. أوّل ما يلفت النظر داخل دوما هو خلوها من
أيّة صورة للرئيس السوري. ما من لافتات
تؤكد الحب والولاء والوفاء، وإن وجدت
ستكون على شكل بقايا. تغيّرت «دوما»،
تغيّرت كثيراً. الضاحية الصغيرة
المحافظة، لم تشأ أن تترك «درعا» وحيدة.
قامت بما كان يتوجب على «مدن كبرى» أن
تقوم به. يعلّق أحدهم على هذا الوضع
كاتباً على صفحة «الفايسبوك» الخاصة
به: «دوما تختنق بالغاز المسيّل للدموع
وبرائحة الدم أما حلب فتختنق برائحة
الشواء على دوّار الكورنيش». لا رائحة شواء في دوما، فالضاحية الصغيرة
استبدلت «الطمأنينة» بالحرية الوليدة.
لا رائحة خوف في المدينة على الرغم من «حظر
التجول» غير المعلن المسيطر على
أجوائها. «حظر تجول» لا يشي بصمت
المدينة ولا بخوفها ولا بنجاح عملية
إخضاعها. على العكس، ينبئ بنقيض كل ذلك:
قضي الأمر وانتهت المهمة، الحريّة هنا.
أكثر من ثمانية شهداء، ثمانية شبّان
منحوا عشرات الآلاف وربما الملايين
روحاً جديدة ونصراً أوليّاً في معركة
الحريّة. صورهم التي تنتشر بكثافة في
الشوارع وفي محيط الجامع الكبير، حيث
خرجت أولى التظاهرات المطالبة
بالحريّة، تؤكد الانطباع الذي لا ينفك
يتلعثم بعبارة لا يرتاح المرء إلى
صيغتها ووقعها: دوما تحرّرت،
ليستبدلها بأخرى أكثر «موضوعية
وسلميّة»: دوما حرّة. «دوما حرّة». دلائل كثيرة تؤكد لك الخبر
السار. «دوما» حرّة ومنفتحة: واحد واحد
واحد، الشعب السوري واحد؛ خرج منها. «دوما»
المحافظة يستقبل شبانها «الجدعان»
فتيات سوريات من جميع الطوائف
ويصطحبونهن إلى الأماكن المخصّصة
للعزاء بالشهداء. دوما حرّة ودم أحمر
على أرصفتها يغني للحريّة ويردد: «يا
حيف»!. دوما حرّة. دلائل كثيرة تؤكد لك الخبر
السار، تكتفي بواحد منها، ولا تعلم لمَ
تعتقد أنّه سينطبع بذاكرتك مدى العمر:
سيارة قديمة، يصطحب فيها رجل طفلتين
صغيرتين، ابنتيه على الأرجح، تحمل
إحداهما لافتة صغيرة كتب عليها: سلميّة.
أما الأخرى فتحمل علماً سوريّاً
صغيراً، يناسب عمرها، يناسب عمر
الحريّة التي تولد في بلدها، يناسب
بلدها الجديد؛ «سوريا الجديدة»! ================= الثورة السورية: من
الكتابة على الجدران الى الكتابة
على صفحات التاريخ د. خالد المشعان 13-4-2011 القدس العربي لم يعد من شك،
حتى لدى اكثر المتفائلين والمنتفعين
من بقاء الانظمة الدكتاتورية العربية،
بأن مد الثورات الشبابية المتصاعد
وقراراتهم الحازمة، والخالية من اية
مواربة، بانتزاع الحرية والديمقراطية
وتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة
والتمتع بحق المواطنة الحقيقية، قد
أدى، حتى اللحظة، إلى تهاوي العديد من
أعتى الدكتاتوريات في الوطن العربي،
ويبشر كذلك باقتلاع المزيد من الانظمة
بلا تفرقة، ملكية ادعت نفسها ام
جمهورية. فقد اثبت تسارع أحداث الربيع
العربي أن الانظمة العربية كلها في
القمع سواء لا فرق في ذلك بين 'نظام
تقدمي' كان أو 'رجعي'. ومما لا شك فيه ايضاً، ان هذا الربيع قد
غير، وإلى الأبد، معطيات المعادلة
السياسية المتمثلة بطرفين متناقضين
بالمعنى الحرفي للكلمة، والمتمثلة على
الأقل حتى الأسابيع القليلة الماضية،
بأكثرية فقيرة مهمشة ومستضعفة
تتناهبها الأهواء وهرطقات النخب
السياسية والاقتصادية، من جهة، وأقلية
سلطوية متخمة متغولة فاسدة تعيث في
الاوطان فساداً وتستمد أسباب بقائها
من تسويق سياسات مرتبطة بشكل آو بآخر
بالمؤسسات الدولية، كصندوق النقد
والبنك الدولي، اقل ما يقال عنها انها
كارثية بالمعنى الحرفي البشع للكلمة،
من جهة اخرى، ولنا في تجربة تونس في
التنمية وتجربة مصر في الانفتاح مثال
صارخ على هذه السياسيات. ولقد كان العنف والتسلط والخوف، حتى وقت
قريب، هو السمة الطاغية على العلاقة
الناظمة بين طرفي هذه المعادلة، الشعب
والسلطة. ولعل ابرز ما يميز مرحلة
الثورة التي نعيش فصولها هذه اللحظة،
هو انتقال عامل الخوف هذا بالذات من
صفوف الجماهير الى صفوف النخب
الحاكمة، وهذا ما يدفع بتلك الاخيرة
الى مراكمة الاخطاء القاتلة وبالتالي
تسريع ساعة السقوط المحتم. لقد غيرت
ثورة الشباب العربي حتى اللحظة،
وبسيناريوهات متشابهة، اثنين من أعتى
الانظمة العربية قمعاً، هما نظاما بن
علي في تونس ومبارك في مصر. ولا تزال
تلك الثورة تهز بعنف ثلاثة انظمة آيلة
للسقوط، القذافي في ليبيا وصالح في
اليمن والاسد في سورية. ناهيك عن
ارهاصات مبشرة في المغرب والجزائر
وموريتانيا ودول الخليج، التي ما
انفكت انظمتها تلوح بالتغيير والإصلاح
الديمقراطي ومكافحة الفساد. عسى ولعل
الامنيات تثني الشباب المتعطش للتغيير
عن النزول الى ساحات التحرير والتغيير
المتناسخة على امتداد الساحة العربية.
واذا كان النظام الليبي في حكم الساقط،
والنظام اليمني قاب قوسين أو ادنى، إلا
أن النظام السوري يستحق منا وقفة
مطولة، لما لهذا النظام من خصوصية ولما
للحراك السياسي السوري المطالب
بالتغيير من شجون وشؤون. فالسوريون الذين عانوا من الحكم
الديكتاتوري لأربعين عاماً خلت، حطموا
اخيراً حاجز الخوف، بدايةً باعتصامات
تضامنية مع الشعب التونسي ثم المصري
والليبي ليعلنوها بعد ذلك صريحة
بتحولهم نحو الهم الوطني في انتفاضة
الحريقة بهتافات كان اولها 'الشعب
السوري ما بينذل' و'يا بشار انقذنا من
العصابة'، لتتطور الاحداث بعد ذلك
بتسارع غير مسبوق نتيجة لعيوب في بنية
النظام الممانعة لاية تغييرات حقيقية
على النقيض مما يدعي. ففي سيناريو
مشابه لما جرى في تونس ومصر وليبيا،
نهضت درعا في جنوب سورية يوم 18 آذار/مارس،
بمطالب محدودة اقتصرت على إطلاق سراح
عشرين طفلاً سجنوا بسبب كتابتهم على
الجدران لشعارات مناهضة للنظام وتطالب
بإسقاطه، ثم المطالبة برفع حالة
الطوارئ وإطلاق سراح سجناء الرأي،
رداً على المعالجة العنيفة لمطالب
الاهالي من قبل الاجهزة الامنية تحت
قيادة العميد نجيب عاطف. بذلك تكون
درعا قد دخلت التاريخ من اوسع ابوابه
بتبنيها مطالب اكثر من عشرين مليون
سوري يتوقون للحرية والكرامة
والديمقراطية. مطالب السوريين كانت
متواضعة في بدايتها، بالنسبة لما رفع
من مطالب في انتفاضات عربية مشابهة،
والمتمثلة برفع قانون الطوارئ ومحاربة
الفساد وكف يد الاجهزة الامنية عن رقاب
الناس. ومهما جادل النظام والمتحدثون
باسمه، رسميين كانوا ام متحذلقين ممن
ارادوا التسلق على سلالم النفاق،
متعامين بذلك عن الدم الزكي الذي اريق
برعونة رجال الأمن وانفلات عقالهم من
كل رادع وطني أو أخلاقي، فإن الرد الذي
سوقته الاجهزة الامنية في درعا
والصنمين وآنخل وجاسم، لا يرقى بأي شكل
من الاشكال الى مستوى تصرف مؤسسات
وطنية، بل ان تلك الاجهزة نحت في
معالجتها للأحداث منحى تأنف اشد
منظمات المافيا إجراماً على الإتيان
بمثله ومن دون اي إحساس بالمسؤولية، ان
لم يكن باتجاه الوطن والمواطن، فعلى
الأقل اتجاه الخطاب الوطني الإصلاحي
الذي تبناه الرئيس بشار الاسد وفريقه
منذ عشرة اعوام ونيف. بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية في درعا،
ومن ثمة في اللاذقية وبقية المحافظات
السورية، عاش السوريون عشرة أيام
عجافا بانتظار خطاب الرئيس الاسد،
معللين الأنفس بقرارات وتوصيات تبرد
الجروح النازفة في أكثر من محافظة،
متمنين ان تصدق آمالهم بأن بشار الاسد
لم ولن يسكت عن الظلم الذي حاق بهم،
خاصة انه لم يفتأ يقدم نفسه، بكل
احاديثه، كرئيس يقف في صف الشعب ضد
الفاسدين والمفسدين. ومما أنعش امال
السوريين، تصريحات نواب الرئيس
ومستشاريه، التي كانت مترعة بالوعود
والآمال. لكن الخطاب الموعود، الذي
اختاره الرئيس أن يكون من تحت قبة مجلس
الشعب امعاناً في الهزلية، جاء مخيباً
للآمال، بل لا نبالغ اذا قلنا انه اضاف
من الالام بأكثر مما يحتمله أكثر
المتفائلين به وبفترة حكمه. فقد خلا
هذا الخطاب، وبتجاهل عبثي، من اي اشارة
ولو بالتلميح لمطالب الشعب الحقيقية،
او من اية كلمة عزاء بالشهداء الذين
سقطوا برصاص رجال الأمن والفرقة
الرابعة التي يقودها شقيقه العقيد
ماهر الاسد في درعا، او بيد عصابات
الشبيحة في اللاذقية. لا بل ان الخطاب
جاء مليئا بالأضاليل والتهم الخيالية
التي لا تليق برب اسرة، فما بالنا
برئيس دولة يعلم هو قبل غيره أنها محض
اكاذيب. فإلقاء التهم على عناصر خارجية
مندسة او داخلية عميلة والتلميح بشبح
الفتنة الطائفية، ما هي إلا اسطوانة
مشروخة لم تنفع بن علي ولا مبارك، وهذه
المراوغة الفجة لم تنطل حتى على
الاطفال. لقد حاول الرئيس الاسد خطابئذ، أن يسوق
نظرية التآمر على النظام بسبب مواقفه
القومية ملمحاً الى الموقف السوري من
القضية الفلسطينية والمقاومة
اللبنانية والعراقية، متناسياً أن
الموقف السوري من القضية الفلسطينية
هو موقف الشعب السوري وليس موقف السلطة.
لقد فات الأسد، أن اجدادنا الذين
جاهدوا في فلسطين علموا اباءنا أن
فلسطين عربية وأن الشعب الفلسطيني
عربي، وحملوهم القضية امانة في
اعناقهم، واباؤنا حملونا فلسطين في
ضمائرنا ونحن وعدناهم بحمل الامانة
ووعدناهم بتربية اولادنا، ليربوا
اولادهم واحفادهم بأن فلسطين عربية.
القضية إذاً قضية شعوب وليس أنظمة،
النهج القومي الذي تنتهجه سورية، هو
نهج شعبي وليس سلطويا. لقد فات الاسد،
أن هذه الثورة العربية التي تبشر
بتغيير معالم المشرق والمغرب والخليج
بانتفاضة عارمة، ندين بها كشعوب
عربية، وربما شعوب العالم بعدئذ،
بالدرجة الاولى للشعب الفلسطيني، حيث
كان هذا الشعب اول من سن اسلوب الكفاح
هذا مسطراً بذلك اولى ملاحم المواجهة
بين الشعوب المستضعفة وآلة الطغيان
بسلاح الانتفاضة الفعال. وفي محصلة
الأمر، لولا تقاعس بشار الاسد وزملائه
الزعماء العرب عن تحرير فلسطين، لما
وجدت الشعوب العربية نفسها مدفوعة
لأخذ زمام الامور بنفسها، وهو يعلم قبل
غيره أن فلسطين هي المبتدأ والخبر في
أي حراك سياسي عربي. والحال كذلك، فلا
مجال لكائن من كان أن يتاجر بعذابات
الشعب الفلسطيني الذي سطر اروع ملاحم
التاريخ في المقاومة والصمود أو
بالمقاومة اللبنانية والعراقية،
فالموقف منها هو موقف شعبي وطني وليس
موقفا سلطويا. ولعل مآسي السوريين وخيبة املهم لا تقف
عند هذا الخطاب التاريخي الذي يجب أن
يدرس في جامعات العالم كمثال على تضليل
الشعوب وتهديدها، بما حمله من مغالطات
وتضليل ومراوغة وضعف في الحجة
واستهتار بمطالب الشعب المشروعة، بل
الأنكى من ذلك، أن خطاب الرئيس بشار
الاسد حمل، بخطورة واصرار، مشروع حرب
طائفية، تبدو انها الورقة الاخيرة
التي يستطيع النظام لعبها لمواجهة
حالة الغليان، والرد الوحيد على
الحراك السلمي للجماهير كان واضحا في
تحليلات الرئيس الفلسفية: إما النظام
أو الفتنة الطائفية ولا مكان للوسط،
فإما معنا أو علينا. فقد كان ديدن
النظام، ومنذ بداية الانتفاضة، العنف
رداً على التظاهرات التي يصر الشباب
الثائر منذ اليوم الاول وحتى جمعة
الصمود الاخيرة على سلميتها. ولا يبدو فقط أن النظام مصر على مواجهة
المطالب المشروعة بالسلاح والنار فقط
مع التغييب الكامل لأية بادرة انصات
لمطالب الجماهير، بل انه امعن
بالتصعيد العنيف باستخدامه بعض فرق
الجيش وآلويته، خاصة الحرس الجمهوري
والفرقة الرابعة، واطلق يد الأجهزة
الأمنية وعصابات الشبيحة وزعران الحزب
في دمشق ودوما ودرعا ولاذقية العرب
وحمص ودير الزور وبقية المحافظات
والمدن السورية المنتفضة، لتعيث قتلاً
واعتقالاً وتنكيلاً بالمواطنين.
والحال كذلك، فإذا كانت سورية مستهدفة
حقاً بمؤامرة خارجية، الا يحق لنا أن
نتساءل: من يخدم هذه المؤامرة؟ تصعيد
الخطاب الطائفي من قبل النظام، واشاعة
استخدام العنف، ام الحراك السلمي
للمتظاهرين الذين قدموا مطالب
واصلاحات، يعلم النظام قبل غيره انها
تطمح، اولاً واخيراً، الى تقوية
الجبهة الداخلية ضد من يستهدف سورية
ومواقفها القومية، ثم اذا كانت مواجهة
تلك المؤامرة المزعمة تتطلب مراجعة
سياسات النظام الداخلية والحد من تغول
التحالف المافيوي بين الاجهزة الامنية
وعصابات الفساد وكف يد المقربين عن
رقاب المواطنين، ألم يكن حرياً
بالرئيس أن يقول لنا وبكل صراحة
وشفافية ما هو فاعل إذا كان الحل، كما
يفرضه المنطق السليم، تغييرا جذريا في
بنية النظام؟ اليوم، وبعد مضي أقل من شهر على بداية
الثورة وسقوط مئات الشهداء والاف
الجرحى في جميع انحاء سورية، يمعن
النظام في تعاميه عن الحقائق
والبديهات التي بات الشعب السوري
يعرفها ومعه الشعوب العربية، واولاها:
ان قاطرة التغيير قد انطلقت، وان الشعب
السوري بكل مكوناته قال كلمة الفصل
بوجوب تغيير النظام، فلا منح الجنسية
السورية للمواطنين السوريين الاكراد
يعيد لهم كرامتهم المهدورة منذ نصف
قرن، ولا العزف على الوتر الطائفي بات
يُرقّص جزءا عزيزاً ومهماً من شعبنا
عانى قبل غيره من ويلات النظام. يعرف
السوريون اليوم، اكثر من اي وقت مضى،
بأنهم يستحقونَ قيادة تواكب تطلعاتهم
الوطنية والقومية، لا قيادة تقتل
وتنكل بهم بعد أن قضت سنوات طوال تتاجر
بقضاياهم ومصائرهم وتُأملهم بمستقبل
أفضل لم ولن يأتي، في ظل علاقة الغش
والكذب والتسويف والتهديد بحرق المركب
بمن فيه. ويبدو كذلك أن النظام لم
يستوعب بعد أن الثورة ليست عشوائية كما
يراهن ويأمل مؤيدوه المتطوعون
والمجبرون على حد سواء، بل ان الشباب
المنتفض قد طور آليات تنظيم فاقت
بأشواط قدرات أجهزته الأمنية التي لا
تتقن سوى فنون التعذيب والقتل
والتنكيل واخراج المسرحيات العبثية. إن الثورة التي انطلقت على أيدي أطفال
درعا، تتمدد الآن على كامل التراب
السوري، دمشق، درعا، دوما، اللاذقية،
حمص، حماة، جبلة، بانياس، دير الزور،
الحسكة، القامشلي، تل كلخ وكل المدن
والبلدات السورية تنهض. لقد اختار
الشعب السوري بكل مكوناته، الكرامة
والحرية، وها هو يدخل التاريخ بعد أن
غيبته الدكتاتوريات المتعاقبة عن
المسرح، والخوف اصبح الآن في ملعب
النظام والشيء المؤكد أن سورية الغد لن
تعود كما كانت قبل الثامن عشر من اذار
بوجود النظام او بزواله. ' باحث وصحافي سوري ================== محمد كريشان 2011-04-12 القدس العربي هم تقريبا شريحة
اجتماعية قائمة بذاتها أو فئة مهنية
ذات خصائص شخصية مشتركة. إنهم أولئك
الذين اختاروا، خوفا أو طمعا أو
كليهما، أن يكونوا صوت هذا النظام
العربي أو ذاك في المحافل الإعلامية
الفضائية. هم أشبه بالجوقة الجاهزة
باستمرار سواء للعزف المنفرد أو
الجماعي. وإذا شئنا وصفا أكثر جدية هم
كتيبة احتياط تستدعى في الملمات
للدفاع عن سياسة ما أو قرار. البعض يسميها قوات التدخل الإعلامي
السريع التي تهب لنجدة النظام فتشيد
بحكمة القيادة ورجاحة سياساتها مقابل
تسفيه الخصوم وفضح تهافت آرائهم. مهمة
هؤلاء لم تكن حتى وقت قريب أمرا معقدا
كثيرا أو ذا كلفة عالية إلى أن هبت رياح
التغيير من تونس فمصر واليمن والبحرين
وسورية وتتحول إلى عاصفة في ليبيا
وربما غيرها. عندما اندلعت موجة الاحتجاجات العربية لم
تكن الحاجة إلى خدمات هؤلاء أحوج منها
في أي وقت آخر. لم يتوان أحد أو يتردد
فالمعركة معركة حياة أو موت والمدافع
عن النظام مدافع في ذات الوقت عن
مصالحه وامتيازاته... هنا لا مجال للهزل.
هذه الكتيبة بعضها في سلاح المشاة
وبعضها الآخر في سلاح الطيران، أو إن
شئنا بعضها موجه إلى الرأي العام
الداخلي والآخر إلى الرأي العام
الدولي. المطلوب من الأول مقالة في
صحيفة محلية أو ظهور في التلفزيون
الوطني فيما المطلوب من الثاني أن يكون
متاحا للمشاركة في حوارات مع قنوات
تلفزيونية عديدة لشرح المواقف الرسمية
والرد على منتقديها. ولا يذهبن في ظن أي
كان أن العنصر في هذه الكتائب
الإعلامية يملك قراره في الظهور على
هذه المحطة أو تلك بل هو عموما يكلف
بذلك أو في أحسن الأحوال يحتاج إلى إذن
خاص من دوائر معينة مرتبطة هي الأخرى
بدوائر أعلى. ولعل الكثير ممن عملوا في
غرف أخبار قنوات عالمية يعرفون أن
فلانا أو فلانة هو أو هي من يعطي الإذن
بالظهور في هذه النشرة أو في هذا
البرنامج. وكم من مرة في تونس مثلا،
أيام بن علي، يرد أحد الضيوف بأن عليه
أن يستشير وقد يعود إليك مكسور الخاطر
ليقول بأن فلانة المعروف ارتباطها
بالمسؤول البارز فلان منعته من
المشاركة. وإذا كان المسكين يشعر ببعض
الحرج فقد يتحجج بأن لديه ارتباطا
معينا وقت النشرة أو البرنامج. أغلب هؤلاء الآن يثيرون الشفقة أكثر مما
يثيرون الحنق سواء لمن رحل أسيادهم أو
ما زالوا يكابدون. الأوائل الآن باتوا
كالأيتام هائمين على وجوههم لا مقالات
يكتبونها ولا عنتريات في الاستبسال في
الذود عن الرئيس. ذهب رئيسهم وذهبت معه
صولاتهم وجولاتهم، ولو أن بعضهم، ممن
يتلون كالحرباء، صاروا مثلا يدافعون
عن الثورة في تونس ومصر وكأنهم أول من
فجر شرارتيها. أما القسم الثاني فوضعهم
صعب للغاية لأنهم يتصدون لمهام يعجز
حتى الوزراء وكبار المسؤولين عن
القيام بها، عليهم أن يقدموا إلى
الجمهور خلطة عجيبة لا يبدو هم أنفسهم
مقتنعين بها. مطلوب منهم في نفس الوقت
أن يقولوا أن المظاهرات حالة صحية
والمطالب الإصلاحية المرفوعة وجيهة
وأن السيد الرئيس حريص على التجاوب
معها. المشكل أن هذا الرئيس نفسه هو
المسؤول الأول عن إطلاق النار على جموع
المتظاهرين الذين علينا أن ننتبه أن من
بينهم مندسين مخربين قد يكونون على
ارتباط بجهات إقليمية ودولية معروفة.
عليه أن يقول ذلك دون اجتهاد كبير أو
صغير ومن أراد أن يفعل ذلك، سواء نباهة
منه أو حرص على حد أدنى من المصداقية
والإقناع تتم إزاحته فورا كما حصل مع
رئيسة تحرير صحيفة 'تشرين' السورية
سميرة المسالمة. أما في ليبيا فمثلما
تعذر وجود العصي والقنابل المسيلة
للدموع لتفريق المظاهرات السلمية في
البداية تعذر كذلك العثور على من يدافع
في القنوات الدولية عن سلطة القذافي.
ومثلما تم الالتجاء إلى المرتزقة في
ساحات القتال تم الاستنجاد بكتاب
وصحافيين غير ليبيين للحديث في هذه
القنوات .. واللي ما يشتري يتفرج!! ================= ميشيل كيلو 2011-04-12 القدس العربي اتخذ مجلس الأمن
الدولي قرارا ستكون له نتائج خطيرة
بالنسبة إلى مجمل العلاقات الدولية،
كما بالنسبة إلى علاقة نظم العالم مع
شعوبها، أملته مقاصد متنوعة تغطي
مروحة كاملة من الأهداف: من عودة
الاستعمار إلى فرض نمط التنظيم
السياسي الغربي على بقية العالم، إلى
حماية حياة السكان المدنيين ضد حكامهم
المجرمين الذين لا يتورعون عن قتلهم
وإبادتهم، من أجل البقاء في كراسيهم...
الخ. وكانت مسألة حقوق الإنسان قد تحولت إلى
قضية من قضايا السياسة الخارجية،
وبالتالي الصراع الدولي، بفضل حكومة
الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر،
الذي أعطى بلاده حق التدخل في الشؤون
الداخلية لأي بلد ينتهك حقوق الإنسان،
بذريعة حمايتها. ومع أن كارتر لم يطبق
هذا المبدأ، وإنما تلاعب بتحقيقه حسب
كل حالة ووضع، عندما أعلن التزامه به
كليا في إيران وجزئيا في الصين،
وتجاهله تمام التجاهل في الأراضي
الفلسطينية المحتلة إسرائيليا عامي 1948
و1967، فإن الأمم المتحدة وهي ليست
أمريكية - ما لبثت أن طورت من جانبها
مبدأ جديدا على السياسة الدولية أسمته
مبدأ 'التدخل الإنساني'، يبيح لها حق
التدخل لمنع الحكام من انتهاك حقوق
شعوبهم، ومن الاعتداء على حقوق
الأفراد في بعض الحالات، فشكل قرارها
بداية حقبة جديدة في التعامل مع الدول
الاستبدادية، التي يحكمها أشخاص كان
يجب أن يجدوا أنفسهم في السجون
الجنائية وليس في كراسي الحكم، يديرون
بلدانهم كسجون كبيرة ويرون في
مواطنيهم حيوانات تجارب سياسية ،لا بد
أن تخضع لإرادتهم بالطريقة التي يحلو
لهم فرضها عليهم، علما بأنهم لا
يترددون في القضاء على كل من يعارض
خياراتهم أو يخالف قراراتهم أو لا
يوافق عليها، بينما يستأثرون بخيرات
وثروات أوطانهم كما يستأثر إقطاعي
بمزارعه وعبيده، فليس لرعاياهم أي حق
بما في ذلك الحق في الحياة أو الأمن أو
الحماية أو لقمة العيش، ناهيك عن تربية
أطفالهم، هذا إذا ما سمح لهم بالزواج
تقول وثيقة حقوق الإنسان الخضراء
الكبرى، التي أصدرها الأخ العقيد، في
أحد بنودها : 'لكل مواطن حق اختيار شريك
حياته، إذا كان ذلك لا يتعارض مع
المصلحة العامة !'. وقد تم تطبيق حق التدخل الإنساني مؤخرا في
ليبيا، حيث انقض القذافي على شعبه، كما
قال: من الصحرا إلى الصحرا، لتطهير
ليبيا شارعا شارعا وبيتا بيتا ودارا
دارا وفردا فردا '. وبما أن الأمم
المتحدة ومجلس الأمن ليس لديهما قوات
مسلحة خاصة تتولى تنفيذ قراراتهما،
فقد تم تكليف الدول الكبرى بحماية
المدنيين الليبيين من الجزار الذي
يريد تطهير ليبيا منهم. ومع أن القرار
واضح، فإنه دخل بسرعة في متاهات
العلاقات بين الدول الكبرى، وأخضع
لأهداف كل واحدة منها، وهي متضاربة
وغير إنسانية على الجملة، بينما شحنه
كل طرف بمطامحه وقراءته الميدانية
والعملية الخاصة، فلم يعد قرارا
لحماية المدنيين، بل قرارا للتلاعب
بحياتهم ولاختراق بلدهم المسكين، الذي
وجد نفسه مجبرا على الطاعة لحاكمه أو
الانخراط في حرب متصاعدة لا تبقي ولا
تذر، تسهم في دفعه إليها طريقة تطبيق
القرار العشوائية والكيفية، وطريقة
قوات القذافي في الحرب ضد الداخل
الوطني، التي أطلقت يدها فيه أكثر من
أي وقت مضى، واستهانت بجميع القرارات
والشرائع والأعراف، وأمعنت في تقطيع
أوصال بلادها إلى غرب وشرق، وأوصلت
الشعب إلى درجة من القمع والقهر لم
يسبق له أن عرفها في أي وقت. في البدء، قال الأمريكيون إنهم لا يريدون
خوض الحرب في بلد إسلامي، خشية أن تقوى
القاعدة. ثم قالوا إن هذه موجودة بين
صفوف الثوار، وقرروا تقليص دورهم في
الحرب، وهو مهم جدا، كما يبدو بوضوح.
وأخيرا، أعلنوا أنهم سيسلمون قيادة
العمليات إلى حلف الأطلسي، الذي ما
لبثت بلدانه أن اختلفت فيما بينها، قبل
أن تتفق على قدر من العمل العسكري يديم
الحرب وما ينجم عنها من قتل مدنيين
وغير مدنيين، ومن خراب، وربما مهد
لتقسيم ليبيا، بعد إشعال حرب أهلية
حقيقية فيها لا تخرج منها إلا وهي
مهشمة مدمرة، إن هي خرجت أصلا. هكذا بدأ
الحلف، بعد أن 'عجزت' قوات أمريكا
وفرنسا وبريطانيا الجوية عن تدمير آلة
الحرب البرية، التي تقتل المدنيين،
واكتفت بتدمير دفاعاتها الجوية
ومطاراتها ووسائط التشويش والاتصال
لديها، أي بما يمكن أن يمثل تهديدا ما
ولو من بعيد للتدخل الغربي، وشرعت
تتفرج على الحرب وهي تنتقل من مكان إلى
آخر في الشرق، بينما وطد القذافي
أقدامه في الغرب أكثر فأكثر، وانتقل
إلى عملية إبادة شاملة للمدنيين، بكل
ما في الكلمة من معنى مخيف، وحول مدن
مصراتة والزاوية وزواره إلى حقل رعب
منظم وشامل، ودمر الزاوية ودكها
وسواها بالأرض، وعمل على توسيع رقعة
انتشار قواته هناك، في حين سحب
الأمريكيون طيرانهم من القتال، بعد أن
ضمنوا تأجيج نار الحرب إلى الحد الذي
يجعل إطفاءها من جديد قرارا يتخذونه
وحدهم، يضع ليبيا في جيبهم، وأخذ
الحلفاء الأطلسيون يبحثون عن قوات
القذافي فلا يجدونها، كما أعلن ناطق
باسم حلف الناتو في بروكسل، علما بأنها
كانت تنتشر حول المدن وتواصل تدميرها
ومحوها عن الأرض، والقضاء على سكانها،
المدنيين حصرا. لن أصرخ: أين العرب، ولماذا لا يرسلون
وحدات عسكرية تحمي الشعب الليبي من
حاكم فقد شرعيته وتحول إلى غاصب سلطة
مجنون؟ أعرف أنهم لن يفعلوا هذا لأن
معظمهم يشبهه، ويخشى أن يصنع سابقة
تطبق ذات يوم عليه. ولن أتساءل لماذا لا
يدربون ويسلحون ثوار ليبيا، إن كان
إرسال وحدات عسكرية صعبا بسبب حاجتهم
إليها في قمع شعوبهم داخل بلدانهم؟ ولا
أتساءل لماذا لا يفعل الفرنسيون في
ليبيا ما يفعلونه في ساحل العاج، حيث
تدخل طيرانهم لحسم المعركة ضد الرئيس
المنتهية ولايته رولان غباغبو وقصف
قصره ؟ ولن استنكر أن تترك مهمة قهر القذافي
لدولة قطر العظمى، التي تتحمس لسبب لا
أفهمه ضده، إلا إذا كان الأمريكيون
يريدون ترك أيديهم مبلولة بالعجين
الليبي، ريثما تحين عودتهم إليه من
جديد وقد نضج للخبز والأكل!. أريد أن
اعرف فقط أين الأمم المتحدة وأمينها
العام، ولماذا لا يدعو إلى اجتماع جديد
لمجلس الأمن أو للهيئة العامة للأمم
المتحدة لمناقشة مصير قرار حماية
المدنيين الليبيين، خاصة وأن الأمر لا
يتعلق بليبيا وحدها، وأن هناك بلدانا
عربية عديدة تتخذ مواقف من شعوبها ومن
المدنيين فيها تشبه موقف القذافي
وتتطابق معه، وأن عصاباتها تطلق النار
على هؤلاء في كل شارع وبيت وزنقة ودار،
أو هي على أتم الاستعداد لذلك، وستفعله
بكل سعادة واندفاع؟ لا بد أن يتدخل
الأمين العام هنا كي لا يظن الآخرون
هناك أن قرارات منظمته لا تعدو أن تكون
مجرد حبر على ورق، وأن بوسع أي دكتاتور
مسح حذائه بها، لأنه لا يواجه فقط شعبه
الأعزل وإنما كذلك منظمة ضعيفة
يسمونها هيئة الأمم المتحدة. وأنا على
ثقة من أن الأمين العام ومستشاريه لن
يعجزوا عن إيجاد حلول تمكنهم من لعب
دور أكثر فاعلية في الشأن الليبي كما
في غيره من الشؤون، كأن يصدر بيان مسبق
عن مجلس الأمن يدين بلغة صريحة استخدام
العنف ضد المدنيين، في أي بلد كان،
ويعلن أن مبدأ التدخل الإنساني لن يكون
مجرد كلام، بل هو مبدأ له أسنان، بدأ
تطبيقه في ليبيا، التي ستشرع الهيئة
الدولية في مساعدة شعبها بجميع
الوسائل على قهر جلاده وطرده من
السلطة، ولو تطلب الأمر أن تقوم هي
بتسليحه، وستكرر الشيء نفسه في كل مكان
ينتهك حقوق الشعب الأعزل في الحياة
والحرية ! إذا كانت الأمم المتحدة لا تستطيع مقاتلة
القذافي، فهي تستطيع مساعدة من
يقاتلونه وشد أزرهم، وأول ما تستطيعه
هو الاعتراف بهم كجهة تمثل شعب ليبيا،
الذي لا شك في أنه انفك عن القذافي،
بدلالة ثورته في جميع المدن الكبيرة
والمتوسطة، ومعظم المناطق، وإصراره
على مقاتلة قواته رغم تفوقها بالسلاح،
ووحشيتها، وما تقوم به من عمليات بلغت
حد الإبادة المنظمة لمصراتة الشهيدة.
لا يجوز أن يفشل العالم في اختبار
حماية المدنيين من الطغاة المحليين.
ولا يجوز أن يتحول مبدأ التدخل
الإنساني إلى غطاء لمجازر يرتكبها
هؤلاء ضد شعوبهم ومواطنيهم، يعني
التساهل في تطبيقه منح الطغاة صكا على
بياض، يسمح لهم بفعل كل ما يريدونه من
أجل البقاء في السلطة، وخاصة منه قتل
المدنيين. لا بد أن تقرر الأمم المتحدة ومجلس الأمن
أحد أمرين: إما حماية المدنيين بصورة
حقيقية وجدية، أو ترك الأمور تذهب نحو
بربرية جديدة. في ليبيا، يتدخل العالم
بحجة الحماية، لكنه يترك للبربرية أن
تفعل ما تريد. هل هذا هو المقصود
بالتدخل الإنساني وحماية المدنيين من
الطغاة؟ ' كاتب وسياسي من سورية =================== ما يطلبه المعتقلون من
برنامج الإصلاح السوري الدموي! محمد منصور ناقد فني من سورية 2011-04-12 القدس العربي بثت قناة (الجزيرة)
في إحدى نشراتها الإخبارية أخيراً،
تقريرا مفصلا عن المعتقلين السياسيين
في سورية، استعرضت فيه سجل هذه الظاهرة
المؤلمة الحافل بالأرقام والأسماء في
التاريخ السياسي السوري. في التقرير ظهرت صورة تجمع بين الزعيم
الراحل جمال عبد الناصر، والدكتور نور
الدين الأتاسي، الرئيس السوري الأسبق،
الذي كان رئيساً لسورية حتى تشرين
الأول (اكتوبر) من العام 1970، حين استقال
من منصبه لخلافات داخلية، انتهت
بانقلاب عسكري نفذه في السادس عشر من
تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه
وزير الدفاع حافظ الأسد آنذاك، سمي ب (الحركة
التصحيحية المباركة) وبموجب هذه
الحركة المباركة، أودع الرئيس الطبيب
في زنزانة ضيقة ومن دون محاكمة، وأمضى
في السجن اثنين وعشرين عاماً كاملة،
أصيب إثرها بمرض السرطان، وبعد أن تفشى
المرض في جسده ولم يعد هناك من أمل في
شفائه، أطلق سراحه وسمح له بالسفر
للعلاج في باريس، ولكن المرض لم يسعفه
وتوفي بعد أسبوع من وصوله إلى فرنسا في
الثاني من كانون الأول (ديسمبر) عام 1992
ثم عاد ليدفن في مدينته حمص. على صفحتها على الفيس بوك، نشرت آية ابنة
نور الدين الأتاسي تقرير قناة
الجزيرة، وعلقت بالقول: (يمر وجه أبي
بين وجوه المعتقلين السياسيين ليذكرني
كم هي كثيرة الحكايات التي تشبه
حكاياتنا. آباء يختفون في السجون
وأطفال يكبرون خارج الزمن... لا نريد
لأطفال سورية مستقبلاً يشبه ماضينا). تهزم هذه الكلمات روح أي كاتب وضع أبجديته
في خدمة قضية الحرية... فإذا بي أتضاءل
وأنكمش، أمام ألم شخصي عاش في أعماق
الابنة عقوداً وقد حرمت من أبيها حياً
وميتاً.... ويلح سؤال آية الأتاسي
الموجع وهي تخشى على أطفال سورية اليوم
مستقبلاً يشبه ذلك الماضي الكابوسي...
فما هي ملامح المستقبل اليوم، وآلة
القمع والاعتقالات تنشط بهمة لا مثيل
لها، كي تضاعف بسرعة قياسية، أعداد
معتقلي الرأي من كافة الأجيال في أيام. كتبت الأسبوع الماضي عن صديقي الصحافي
الشاب عامر مطر، الذي اعتقل لنشاطه
السلمي في هذا الحراك الاحتجاجي
المشروع، كما يؤكد لنا الإعلام
السوري، ومر أسبوع آخر وعامر ما زال
مجهول المصير، ومازال أبواه ينتظران
أي خبر عنه، فيما يخبرنا أصدقاؤه أنهم
لا يحصدون في مراجعاتهم لفروع الأمن
سوى حفنة من التطمينات عن مواعيد إفراج
لا تصدُق... لكن الأيام القليلة التي
مضت حملت لي عشرات الرسائل
الإلكترونية عن معتقلين آخرين أودعوا
السجون قبل عامر وبعده... منهم الشاعر
محمد ديبو والشاعر معاذ الهويدي، الذي
اعتقل إثر مظاهرة خرجت في مدينة الرقة...
وملك الشنواني (26 عاماً) وهي ناشطة
اعتقلت من مقر عملها في دمشق، وتمت
مصادرة جهاز الكومبيوتر الخاص بها. الفتاة مروة حسن الغميان، التي ظهرت في
الفيديو الشهير وهي تتعرض للاعتقال مع
عدد من مرافقيها لا يتجاوز عددهم أصابع
اليد الواحدة أمام الجامع الأموي في
الخامس عشر من آذار (مارس) الماضي، التي
نشطت قنوات التلفزيون السوري
وملحقاتها (تلفزيون الدنيا)، لتقول ان
هذا الفيديو المفبرك لم يكن إلا
تمثيلية سخيفة صورت وتم مونتاجها من
أجل الإساءة لسورية، ما زالت معتقلة
ومجهولة المصير حتى اليوم، وقد وصلتني
رسالة كشفت أسماء الذين اعتقلوا معها
وهم: سامي الدريد (41) عاماً، أب لطفلين
ويعمل في مجال الديكور المسرحي، وابن
اخته عبد العزيز محمد أحمد علي. وقد
أفادت رسالة خاصة أخرى وصلتني، بأنه
لاحقاً تم اعتقال شقيق آخر لسامي دريد،
وشقيق آخر لعبد العزيز، وأن الأم موزعة
بين لوعة الحزن على ولديها المعتقلين
وشقيقيها المعتقلين. محمد الدريد الأخ الأكبر لسامي الدريد،
كتب على صفحته على الفيسبوك: (أنا محمد
دريد الأخ الأكبر لسامي أرجو من الجميع
أن يضم صوته لصوتنا في المطالبة
بالإفراج عن سامي الذي اعتقل يوم 15/3 في
مظاهرة سلمية في سوق الحميدية في دمشق.
كما أُدين التهم وفبركة الأفلام التي
فبركها ووجهها التلفزيون السوري
وتلفزيون الدنيا بحق أخي والمشاركين
في المظاهرة معتبرين إياهم خونة
وتابعين لجهات خارجية). تشكل هذه الكلمات صفعة للتلفزيون السوري
وقناة الدنيا اللذين ادعيا أن الفيديو
مفبرك... فعدا عن تشويه السمعة وإلصاق
التهم، هناك مباركة غريبة لحالة
الاعتقال، من العار أن تتورط بها
مؤسسات إعلامية، فكيف إذا كانت هذه
المؤسسات توجه بنادقها إلى صدور
مواطنيها، رغم أنها محسوبة عليهم ك(إعلام
وطني). لا ينتهي حديث الاعتقال الساخن، فحتى ما
قبل ساعات قليلة من كتابة هذه الزاوية،
تحمل لنا (وعود الإصلاح) أنباء جديدة عن
معتقلين جدد... فيعتقل الأستاذ جورج
صبرا، الصوت الوطني الحار الذي أطل من
على محطات تلفزيونية عدة لينحاز لدماء
شهداء وطنه بلا خوف ولا مداورة، ويعتقل
الناشط نجاتي طيارة ابن مدينة حمص
الأبية، ويعود الناشط السياسي المعتدل
والهادئ النبرة الأستاذ فايز سارة إلى
سجنه، ولم يكد يمضي على خروجه أكثر من
شهرين. هناك سيلتقي فايز بزملاء له ما
زالوا قيد الاعتقال: كالناشط علي العبد
الله والدكتور كمال اللبواني والمحامي
أنور البني.. والسجون ما زالت مفتوحة
كالفنادق لاستقبال نزلاء جدد في كل آن
ومن كل صنف ولون وجيل. أتذكر وأنا اكتب هذه الزاوية التي لا بد
أن أعرج فيها على ذكر القنوات الفضائية
والأرضية، مذيعة التلفزيون السوري
المخضرمة السيدة ماريا ديب، التي
واظبت لسنوات طويلة على تقديم برنامج (ما
يطلبه الجمهور) في التلفزيون. كان وقت
البرنامج يضيق عن عرض الأغنيات
المطلوبة، بسبب كثرة طلبات الإهداء من
وإلى... والآن يمكن أن تتحول هذه
الزاوية إلى طلبات شبيهة بذاك
البرنامج مع تعديل بسيط في العنوان: (ما
يطلبه المعتقلون). ليست هذه نكتة، بل مفارقة مؤلمة وجارحة...
فما الذي سيطلبه المعتقلون في سجنهم
سوى الحرية، وما الذي يطلبه الآباء
والأمهات والأخوة والأبناء سوى أن
يعود إليهم أهلهم؟ وما الذي يطلبه كل
السوريين اليوم سوى العيش بكرامة؟ حسناً سأكون متفائلاً... سأبلع كل غصات
وقهر عمري الذي مضى وأقول: أنا مع
الإصلاح. أنا لست محبطاً من خطاب
الرئيس بشار الأسد، لست مشمئزاً من
تهريج مجلس الشعب أثناء الخطاب، أنا
أصدق كل كلمة قالتها مستشارة الرئيس
الإعلامية بثينة شعبان، أنا أصدق كل ما
تقوله الإخبارية السورية والفضائية
السورية والمحللون الذين يظهرون من
دمشق ليسكتوا هؤلاء المعارضين الذين
يقبعون في الخارج كي ينظّروا علينا...
لكن قولوا لنا: هل من اعتقل هؤلاء هم
العصابات المسلحة المندسة؟! هل هم من
أودعوهم في السجون والمعتقلات؟! كيف
يمكن أن تكون كل هذه الاعتقالات هي
طريقنا إلى الإصلاح الموعود؟! قولوا
لنا فنحن لم نعد نصدق، ولم نعد نفهم،
ولم نعد نعي، ولم نعد نعرف كيف تبنى
الثقة بين المواطن ودولته وكيف تهدم...
ولا أين تسير بنا أجهزة الأمن، وإلى
أين تسير بسورية الجريحة المكلومة؟! شهيدا جامعة دمشق: اغتيال الأمل! ومن أسئلة الاعتقالات المريرة، إلى قوافل
الشهداء، التي مرت أخيراً بطلاب جامعة
دمشق، في احتجاجات يمكن أن نفهم مغزاها
العميق، ونذرها الجدية حين تصل إلى هنا...
فطلاب الجامعات هم رافعات التغيير حين
تدفع المجتمعات إلى حائط مسدود،
والصور التلفزيونية التي نقلتها قناة (العربية)
لتظاهرة طلاب كلية العلوم في جامعة
دمشق، ينبغي أن تقرأ باعتبارها
الرسالة الحاسمة التي تقول: ان القمع
لن يفيد، لأن القمع مثل الكذب: كرة ثلج
تكبر كلما تدحرجت أكثر. ومع ذلك فقوات الأمن السورية، ذهبت
بعيداً في قمع الطلاب المحتجين
تضامناً مع أشقائهم في المدينتين
الجرحتين: درعا وبانياس... خرج هؤلاء
ليهتفوا: (واحد... واحد... واحد... الشعب
السوري واحد)، في هتافات يجب أن تطمئن
النظام الخائف علينا من الانقسام
الطائفي والفتنة... لكن بدل أن يطمئن
النظام إلى هذا الهتاف المتحضر
المتمرد على (المندسين) الذين يريدون
إشعال فتنة طائفية بين الشعب الواحد لا
سمح الله... انهالت عليهم العصي ضرباً،
وجاء الرد بلغة الرصاص، فسقط في أول
تظاهرة لطلاب جامعيين شهيدان: الأول هو
(فادي الصعيدي) ابن مدينة جاسم في
حوران، والطالب في السنة الرابعة
كيمياء في كلية العلوم بدمشق، و(فادي
العاسمي) إن لم أخطئ في اسمه الأول، ابن
قرية داعل، وطالب الدراسات العليا
الذي خلف وراءه ثلاثة أطفال، وهو في
العقد الثالث من العمر! يمضى هؤلاء الشبان إلى ديار الحق تاركين
الأهل والوطن... حاملين معهم أحلام
الحرية، والتوق إلى العيش بكرامة...
وبدل أن تنطفئ الاحتجاجات، يكبر الجرح
الوطني مع كل شهيد تصعد روحه إلى
السماء... فمتى سيرتوي من يهدرون هذا
الكم من دماء إخوانهم السوريين؟ أي ألا
يمكن أن يتذوقوه لو كان هؤلاء
لا سمح الله- أخوتهم أو أبناءهم في
عائلاتهم الصغيرة؟ وهل كتب على
السوريين اليوم أن يكفكفوا دمعهم
ودمهم و(أن يحرسوا ورد الشهداء) كما قال
محمود درويش في إحدى قصائده؟ أم أنهم
مجبرون، أن يكتبوا بالدم قصائد من نوع
جديد، يعبرون فيها إلى زمن جديد بثمن
موجع وباهظ ... باهظ جداً! =================== تلازم الإصلاح والإكراه
في سورية الاربعاء, 13 أبريل 2011 عماد شيحة * * كاتب سوري. الحياة تتكشف آخر نماذج التعامل مع موجة
الاحتجاجات الشعبية عن طرائق جديدة،
ظاهرها مختلفٌ وجوهرها هو هو: ممانعةٌ
بنيويةٌ للإصلاح الضروري بالعنف
العاري. لكنّها تطرح مجدّداً مخاطر
جمّة تنذر بتقويض الاجتماع السياسي
للبلد وأمنه واستقراره. فقد كان ممكناً
منذ البداية تحقيق مطالب حشود
المحتجين البسيطة والمحدودة وحقن
الدماء التي وسّعت الشقّة بين عموم
الناس والسلطة القائمة وتفادي تحوّل
الاحتجاجات إلى انتفاضةٍ عامة. أثبتت الأسابيع الماضية مجدداً بطلان
مزاعم خصوصياتٍ تمنح حصانةً لأيٍّ من
أنظمة المنطقة وتجعله بمنأى من الغضب
الذي يجتاحها. بل إنّ النظام السوري
وقد بدا مطمئناً لعصمته باغتته سرعة
اندلاع النار في الهشيم. هكذا كان ظاهر ردّ فعله بدايةً اعتباطياً
مرتبكاً وراوح بين الإقرار بضرورة
الإصلاح ومحاولة وأد ما أحسّه تحدّياً
لمنظومة الإكراه المتكاملة التي ولدت
قبولاً صاغراً بالمهانة والذل. لكنّه
تبيّن بعد حينٍ أنّ أدوات إطفاء اللهب
هي ذاتها التي جعلته ينتقل إلى أمكنةٍ
أخرى، فعاد إلى منطق الترهيب والترغيب
ونفض الغبار عن ممارساتٍ أمنيةٍ
وإعلاميةٍ عفا عليها الزمن ولم تعد
تنطلي لا على الداخل ولا على الخارج. بدا وكأنّ جدار الخوف لا يزال يجثم على
صدور الناس ويكمّ أفواههم، ولم يوح
ركود سطح الحراك الاجتماعي بما يمور
تحته من دينامياتٍ تشابه مثيلاتها في
الجوار ويفاقمها تواصل قبضةٍ حديديةٍ
دمّرت مقوّمات الحياة الإنسانية وسدّت
آفاق الاجتماع والسياسة والاقتصاد.
لكنّ حادثةً صغيرةً وما تبعها من ردٍّ
وحشيٍّ جرفت الاستنقاع القائم وأطلقت
العنان لما يتردّد صداه عميقاً بين
عامة الناس. في المقابل، أبرزت طريقة
تعامل السلطات مع الاحتجاجات الشعبية
التي تطورت على نحوٍ غير مسبوقٍ وبزمنٍ
قياسي، حجم الفجوة التي تفصل النظام عن
حاجات شعبه وتطلعاته، كما بيّنت أنّ
تكلّس بنيته يعيق تطوره. متجاوزةً أدوات القمع المعتادة، واجهت
أجهزة الأمن بالرصاص الحي طلائع
الحراك الاجتماعي ووضعت على المحكّ
وعود الإصلاح المؤجّلة التي داعبت
لعقدٍ من الزمن أحلام / أوهام الناس
ونخبهم السياسية والحقوقية. لكنّ
الوقائع الصارخة الممهورة بدماء شهداء
مدنٍ وبلداتٍ عديدة على امتداد
الجغرافيا البشرية للبلد، تكشّفت عن
حقيقة تناقض إرادة الإصلاح مع قرار وأد
احتجاجاتٍ راحت تنحو بفعل القتل
والاعتقال منحى انتفاضةٍ شعبيةٍ
وتستبق نضج شروطها. أضاع النظام، أو كاد، فرصةً تاريخيةً
كانت ستدفع البلد خطوةً إلى الأمام
وترأب الصدع بين الحاكم والمحكوم
وتحقن الدماء وتخفف آثار الفصام بين
سياسةٍ خارجيةٍ تتسم بالشعبية وسياسةٍ
داخليةٍ ضاق الناس ذرعاً بها بعد أن
محت من الوجود علاقة المواطن بالوطن.
كان يمكن بكلّ بساطةٍ إصلاح الأخيرة
لتؤسّس شرعيةٍ جديدة. بين سياسة العصا الغليظة والجزرة،
وتدخلاتٍ خارجيةٍ مزعومةٍ تستهدف
استقرار البلد ووحدته الوطنية، أماطت
السلطة الأمنية السائدة اللثام عن
جوهر بنيتها القائمة على علاقة السادة
بالعبيد التي تحرّم حق المطالبة
بالكرامة والحرية والعدالة وتقايضها
بفتات تحسين الأوضاع المعاشية
والترويع بفزاعات النزاعات الإثنية أو
الدينية والتدخلات الخارجية، وقبل ذلك
كله وفوقه، الاستخفاف بالعقول
وإرغامها على تصديق ذلك. لاشكّ في أنّ سورية مستهدفةٌ من قوىً
خارجيةٍ عديدة، وكان الأولى مواجهة
تلك التدخّلات بالإسراع في تلبية
المطالب الجوهرية للمحتجّين، ناهيك عن
استيعاب غضبهم وتخفيف الاحتقان
المتفاقم، والسماح من جانبٍ آخر
لوسائل الإعلام المستقلّة بتغطية
الأحداث وتلمّس جوانب ذلك الاستهداف! تتمظهر الأزمة المستفحلة في جانبين:
أولهما، تعسّر القيام، على ما يبدو،
بإصلاحاتٍ حقيقيةٍ وفاعلةٍ ضمن جدولٍ
زمنيٍّ محدّد، وثانيهما تضعضع جدار
الخوف وبالتالي رفض مقايضة البؤس
والاضطهاد بقوموية السياسة الخارجية
والاستقرار الداخلي. ما يعني أنّ إصرار
النخب الاقتصادية والسياسية
المستفيدة من الوضع القائم على تحطيم
روح الاحتجاجات الشعبية سيقابله إصرار
البشر على تحطيم أغلالٍ كبّلتهم
لعقودٍ من الزمن. يصعب على ذهنيةٍ ألفت في الماضي، ولا
تزال، إقصاء الآخر ولم تكتف بمحق
المعارضة السياسية لعقودٍ من الزمن بل
ألغت مفهوم الشعب من قاموسها السياسي،
أن تصدّق اليوم أنّ أجيالاً شابةً تدرك
أنّ مستقبلها رهنٌ بالقطع مع الماضي
والتطلّع نحو مستقبلٍ يحكم مفهوم
المواطنة وسيادة القانون دولته في
سياستيها الداخلية والخارجية. لذلك لن
يكون بوسعها قبول مطلب دماء الشهداء
الذي يختصر مطالب المحتجين: رفع الغطاء
عن القتلة وإحالتهم إلى قضاءٍ مستقلٍ
ونزيه. تحقيق هذا المطلب، بكلّ ما يرافقه
ويترتّب عليه، لن يوقف النزيف فحسب، بل
سيمهّد الدرب نحو تغييرٍ عميقٍ في بنية
النظام ذاته ويسمح بالتوافق على عقدٍ
اجتماعيٍّ حقيقي يطلق سلسلة إصلاحاتٍ
جذرية تعيد الاعتبار في نهاية المطاف
لمفهوم الدولة والمواطنة بأقل الخسائر. لكنّ ذلك لا يتوافق مع محاولات إثارة
الفوضى وترويع الناس عبر عمليات القتل
العشوائي، والتي يخشى أن تكون جهةٌ
أمنيةٌ ما ضالعةً فيها أو تغضّ الطرف
عن الفاعلين في مسعىً لاستنساخ أوضاعٍ
تشابه ثمانينات القرن الماضي بكلّ ما
انطوت عليه من فظائع وفجائع. لا تستقيم مساعي الإصلاح مهما كانت
محدودةً وبطيئةً مع إرادة اجتثاث
المطالبين به بمعزلٍ عن الذرائع
والتسويغات. ففي الوقت الذي تكتفي فيه
أجهزة الأمن بإحصاء أعداد القتلى
والجرحى والمعتقلين ولا تستطيع أو
تعجز رغم جبروتها عن مجابهة مطلقي
النار على المتظاهرين ورجال الأمن أو
توقيفهم، وتدير بغير اقتدارٍ حملة
بروباغندا ممجوجة وغثّة تطلقها أبواق
الإعلام الرسمي، علاوةً على أنّ
شكوكاً حول حقيقة ما يجري راحت تنتاب
بعض ممثّلي النظام والمدافعين عنه،
تستعيد الأجيال الشابة مفاخر أجدادها
في الإصرار على سلمية التظاهر
والإضراب العام وقد تطوّر وسائلها
الخاصة في الاعتصام والعصيان المدنيٍّ
لتحقيق مطالبها. فهي لن ترتضي لنفسها
اليوم عيشة الذل التي عاشها آباؤها
مرغمين. تغير العالم وتغيرت سورية ولم تعد منيعةً
تجاه عدوى انتفاضات الحرية. لكنّ مناعة
شعبها تجاه محاولات بث الفرقة بين
أبنائه، أياً كان مصدرها، أمام
اختبارٍ حقيقي. وسيكون لهذا الاختبار
دورٌ حاسم، سواءٌ في إنجاز أهداف
احتجاجات الحرّية أم في محوها من
الوجود ومن الذاكرة! ==================== ياسين الحاج صالح* *ناشط وكاتب سياسي الشرق الاوسط 13-4-2011 طوال سنواتي الخمسين، لم أمتلك جواز سفر.
وعدا زيارة لبنان، لم أغادر سورية منذ
عام 2004 عندما مُنعت من مغادرة البلاد.
وقد حاولت مرات عديدة الحصول على جواز
سفر، لكن دون جدوى. قضيت ستة عشر عاما من شبابي في سجون بلادي
متهما بالانضمام إلى جماعة شيوعية
مؤيدة للديمقراطية. وخلال الاحتجاجات
الأخيرة اعتقل العديد من أصدقائي -
غالبيتهم من الشباب - بموجب قانون
الطوارئ. حالة الطوارئ التي تعيشها سورية منذ 48
عاما، زادت من تغلغل سلطة النخبة
الحاكمة في كل مناحي الحياة العامة
والخاصة للشعب السوري، ولم يعد هناك من
رادع للنظام من استغلال هذه السلطة في
إهانة هذا الشعب. واليوم تتوالى الوعود
واحدا تلو الآخر لرفع هذه القيود
القمعية. لكن على المرء أن يتساءل: هل
سيتمكن حزب البعث من حكم سورية دون
حالة الطوارئ التي فرضها طوال هذه
المدة؟ الذريعة الرسمية التي يتحجج بها النظام
السوري لتبرير قانون الطوارئ هي أن
البلاد في حالة حرب مع إسرائيل، بيد أن
تقييد حرية السوريين لم تُجدِ نفعا في
حرب 1967، التي انتهت باحتلال مرتفعات
الجولان، كما لم تكن معينا في أي
مواجهة مع الدولة اليهودية، أو أي حالة
طوارئ حقيقية، ونتيجة لأن كل شيء في
نظر الدولة خلال الخمسين عاما الماضية
كان حالة طوارئ، لم تكن هناك أي حالة
طوارئ. النضال السوري ضد عدوانية إسرائيل شجع
على عسكرة الحياة السياسية في البلاد -
وهو تطور لقي ترحيبا من جانب حكم الحزب
الواحد، وتعليق حكم القانون خلق بيئة
مشجعة لنمو طبقة حاكمة جديدة. في عام 2005، قرر حزب البعث، دون أي مناقشات
جادة، التحرك قدما باتجاه ما وصف بأنه
اقتصاد السوق الاجتماعي. والذي يفترض
أن يعمل على مزج المنافسة والشركات
الخاصة مع الإجراء الجيد للاجتماعية
التقليدية. حقيقة الأمر، كما كررت
الحكومة دائما، ظهر العديد من
الاحتكارات وتراجعت جودة البضائع
والخدمات. ولأن المحاكم المحلية تفتقد
الاستقلالية، فقد ساد الظلم في أرجاء
البلاد، أضف إلى ذلك البيروقراطيين
الخاملين والمرتشين وأصبحت الإصلاحات
الاقتصادية المقترحة تبريرا لتخصيص
القوة الاقتصادية لصالح الأغنياء
وأصحاب النفوذ. لم يكن التحرر الاقتصادي مرتبطا بأي شكل
من الأشكال بالتحرر السياسي، وبعد نصف
قرن من الحكم الاشتراكي، نشأت طبقة
أرستقراطية في سورية لا تقبل مبدأ
المساواة والمحاسبة أو حكم القانون.
ولم تكن مصادفة أن تستهدف المظاهرات
التي شهدتها مدينتا درعا واللاذقية
هذه العقارات الخاصة بهذه الطبقة
الأرستقراطية المهيبة والممقوتة من
قبل الشعب السوري، خاصة تلك المرتبطة
بالرئيس بشار الأسد. استولت الطبقة الحاكمة اليوم في سورية
على القوة السياسية والمادية بصورة
غير مستحقة، فانسحب أعضاؤها، بصورة
أساسية من وقائع الحياة اليومية
لغالبية السوريين ولم يعودوا يسمعون
الأصوات المكبوتة. وخلال السنوات
الأخيرة سادت ثقافة الازدراء تجاه
السوريين بين هذه الطبقة.. وعلى الرغم من ادعاء البعض بأن هذه
المظاهرات ذات خلفية دينية، فإنه لا
توجد مؤشرات على أن الإسلاميين لعبوا
دورا رئيسيا في الاحتجاجات الأخيرة،
على الرغم من بداية الكثير من هذه
المظاهرات من المساجد. والمساجد هي
أماكن التجمع الوحيدة التي لا يمكن
للحكومة تفريقها، وكانت النصوص
الدينية هي آراء لا يمكن للحكومة أن
تقمعها. وبدلا من الشعارات الإسلامية،
كانت أكثر الشعارات انتشارا في جامع
الرفاعي في دمشق في الأول من أبريل (نيسان)
«واحد، واحد، واحد، الشعب السوري شعب
واحد». السوريون يريدون الحرية وهم
مدركون تماما أنها لا يمكن أن تزرع أو
تنمو في تربة الخوف، التي وصفها
مونتسكيو بأنها أصل كل الشرور. ونحن
نعرف هذا أكثر من أي فرد آخر. البحث عن المساواة والعدالة والكرامة
والحرية - لا الدين - هو ما أجبر
السوريين على المشاركة في هذه
المظاهرات اليوم. وقد دفعت الكثيرين
منهم إلى التغلب على خوفهم من الحكومة
وجعلوا النظام في حالة دفاع. يتمتع النظام السوري بتأييد أكبر مما كان
لحسني مبارك في مصر أو زين العابدين بن
علي في تونس. وكان هذا أحد مصادر القوة
والعنصر الذي يبدو أن الأسد لا يلتفت
إليه عندما يركن إلى القوات الأمنية
لقمع المتظاهرين. وإذا أراد النظام
الحفاظ على شرعيته المعيبة إلى حد
بعيد، فإن عليه الاستجابة لمطالب
المتظاهرين وأن يدرك أن الشعب السوري
متعطش للحرية والمساواة. مهما كانت نتيجة المظاهرات فإن الشعب
السوري يواجه مسارا صعبا، فعليه أن
يختار بين ألم القمع ومصاعب التحرير،
وأنا بطبيعة الحال أفضل الأخير. وبصورة
شخصية أنا لا أرغب أن أعيش في أي مكان
آخر غير سورية على الرغم من تطلعي
للحصول على جواز سفر لزيارة إخوتي في
أوروبا والذين لم أرهم في أوروبا منذ 10
سنوات، كما أرغب أخيرا في أن أشعر في
النهاية بالأمن. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |