ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 17/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

في الثورات الراهنة

السبت, 16 أبريل 2011

حازم صاغيّة

الحياة

ليست الثورات كائنات جميلة. فيها يُقتل بشر، وتطلع إلى السطح غرائز انتقام هي بعض أسوأ ما فينا. ولئن خلّفت الثورات مجلّدات في مديحها، فهذا، في أغلب الظنّ، ما كان مرايا عاكسة لإحباطات أفراد وجماعات، ولأنَوات متضخّمة ومكبوتة، ولتصوّرات قياميّة ورؤيويّة تستعجل كلّ تغيير يكسر العاديّ والمُضجر. هكذا ظهرت، في مقابل المدائح، مئات الأعمال النقديّة التي تتناول كبار ثوّار التاريخ بوصفهم أشخاصاً غير مندمجين في محيطهم ولا مُتكيّفين، مأزومين دائماً ومحتقَنين.

لقد وصف لينين الثوريَّ ب «المحترف»، والنضال في سبيل الثورة ب «الاحتراف». ووصفٌ كهذا يفترض الأمر مهنةً ينساق إليها متحمّسون اختاروا، بمحض إرادتهم العاقلة، أو تحت إلحاح واقعهم، أن يتحمّسوا وينخرطوا. وعلى هذا النحو جرت قصائد كثيرة مجّدت مَن يتفانى في طلب هدف كهذا جليل.

وكان التصوّر المذكور وراء شيوع الصورة الورديّة التي عصفت بمنطقتنا عن «الثورة» و «الثوّار» و «الثوريّين». فالعسكريّون الذين كانوا ينفذّون انقلابات عسكريّة كانوا يسمّون انقلاباتهم «ثورات». هكذا باتت لدينا «ثورة 23 يوليو» و «ثورة 14 تمّوز» و «ثورة 8 آذار» وغيرها. والذين كانوا ينتفضون في مناطقهم، ولو على مخفر درك، سمّوا أفعالهم ثورات، فنشأت «ثورة طانيوس شاهين» و «ثورة سلطان الأطرش» و «ثورة صالح العلي» و «ثورة العشرين» و «ثورة العصابات». وهذه الأوصاف إذا كانت تضع الثورات في سويّة سامية، فإنّها كانت تعلن خجلها باعتماد الاسم الفعليّ لما أقدمت عليه، أي الانقلابات والحركات الموضعيّة. ولأنّ الثورة جليلة بذاتها، غُضّ النظر عن المضمون الرجعيّ لثورات كتلك التي شهدتها إيران في 1979، والتي كشفت، منذ ولادتها، مناهضتها للمرأة والإصلاح الزراعيّ وعلمنة الحياة العامّة.

الثورات العربيّة الراهنة غيّرت هذا كلّه: لقد قدّمت نفسها بوصفها أفعالاً اضطراريّة فرضها عسف وفساد وجمود في العقل والسلوك، ما أودى نهائيّاً باحتمالات الإصلاح وسدّ أبوابها. وتبعاً لهذا التواضع في تقديم الذات، لم نلحظ فيها ذاك التمجيد ل «الشهادة» ممّا ميّز الثورات السابقة. صحيح أنّ الذين يُقتَلون ضحايا يستحقّون التكريم، وتستحقّ بسالتهم التحيّة والإكبار، إلاّ أنّ ذلك لا يتحوّل اليوم مفهوماً منزّهاً ومثالاً آمراً للسلوك، قابضاً على المستقبل.

وتواضع الثورات ودفاعيّتها يتّخذان شكلاً آخر: فهنا، لا يقول الثوّار إنّهم يريدون أن ينصروا البروليتاريا والشعب على البورجوازيّة والإقطاع، أو القوميّين على غير القوميّين، أو الإسلاميّين على الملاحدة والمتغرّبين، كما لا يرفعون رايات ضدّيّة حيال أطراف خارجيّة كائنة ما كانت تلك الأطراف. إنّهم يتحدّثون عن شعوب في مواجهة أنظمة، شعوبٍ تسعى، أو تقول الثورات إنّها تسعى، لأن تبني جديداً إيجابيّاً وحياةً للمواطنين يليق بها العيش. وبدل إصرار الثوريّة القديمة على إخراج «الأعداء»، الطبقيّين أو القوميّين، من حقوق المواطنة، يلحّ أهل الثورات الحاليّة على طلب تلك الحقوق لأنفسهم، يشاركون فيها الآخرين جميعاً.

ولئن أطنب المعلّقون في وصف فوارق أخرى، كغياب الإيديولوجيّات الشموليّة وأحزابها عن الثورات الراهنة، والافتقار إلى الزعماء المخلّصين، فضلاً عن السلميّة الخالصة التي باتت هتافاً يردّده المتظاهرون من غير أن يقيهم رصاص الأجهزة القاتلة، فهذا جميعاً ما أدّى إلى نسف الصورة القديمة ل «الثائر» و «الثوريّ». فلقد حلّ حامل الكومبيوتر محلّ حامل الرشّاش، وبدل الحقد الذي كان يواجه «المتحذلقين» والمتحدّثين باللغات الأجنبيّة و «البورجوازيّين» وأصحاب الأهواء الفرديّة والأمزجة الخاصّة، صار وجود هؤلاء مُرحّباً به، بل مُستدرَجاً ومطلوباً.

وهذا، بطبيعة الحال، لا يكفي لطرد المخاوف. فالعسكر والإسلاميّون، في بلدان كمصر وتونس، أكثر من فزّاعات افتعلتها الأنظمة السابقة. واحتمالات الفوضى والحروب الأهليّة ليست مخاوف بلا أساس في بلدان التفتّت الاجتماعيّ من ليبيا إلى البحرين ومن اليمن إلى سوريّة. وارتباط الحركة الثوريّة بمواقيت الصلاة، أيّام الجمعة، ليس بالأمر المطمئن. لكنْ ما العمل بعدما دفعت الأنظمة الأمور إلى الثورات بوصفها الوسيلة الوحيدة في التعاطي مع الأزمات العامّة؟. وهذا من دون الإغفال عن دور الأنظمة إيّاها في إيصال أوضاعنا إلى الصعوبة التي استقرّت عليها، بحيث غدا كلّ زمن إضافيّ تكسبه في الحكم زمناً محسوماً من أعمار الشعوب والمجتمعات.

فالخيار اليوم، كما يتبدّى جلّيّاً، هو بين كارثة تتمّ بالتقسيط منذ عشرات السنين، ولا تفضي إلاّ إلى الأفق الكوريّ الشماليّ، وبين كارثة تحصل بالجملة لكنّها قد تفتح باباً لتأسيس المستقبل.

==========================

هل تشعل إيران جنوب لبنان لتخفيف الضغط عن سورية؟

السبت, 16 أبريل 2011

سليم نصار *

الحياة

عندما قررت إسرائيل معاقبة الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بسبب قرار حظر بيع السلاح لها، جندت لمهمة المعارضة والشغب طالباً فرنسيا يهودياً يدعى كوهين بنديت.

ونجحت حركة الطالب كوهين سنة 1968 في تأليب الرأي العام الفرنسي، ضد بطل مقاومة الاحتلال الألماني، الأمر الذي دفع الجنرال للاحتكام إلى استفتاء شعبي خسره أمام خصومه.

ولما غادر قصر الإليزيه وصف حركة الطلاب بعبارة ذات دلالات بالغة، فقال: «انهم يعرفون ما لا يريدون... ولكنهم يجهلون ما يريدون!».

ومن المؤكد أن التعليق الذي وصف به ديغول تلك الظاهرة السياسية ينطبق على دعاة المسيرات التي اجتاحت الدول العربية، بدءاً بتونس ومصر... مروراً باليمن وليبيا... وانتهاء بالبحرين وسورية. وقد نجح هذا التسونامي الشعبي خلال أربعة اشهر تقريباً، في تغيير صورة العالم العربي، الأمر الذي فشل الرئيس السابق جورج بوش في تحقيقه من وراء غزو العراق.

وعلى عكس الانقلابات الحزبية والعسكرية السابقة التي شجعتها الولايات المتحدة في سورية (حسني الزعيم) ومصر (جمال عبدالناصر) وليبيا (معمر القذافي) والسودان (جعفر النميري) وتونس (زين العابدين بن علي)... فإن التغيير هذه المرة جاء بواسطة مواطنين عاديين استخدموا الهواتف الجوالة و»اليوتيوب» و»فايسبوك» لتفجير احتجاجاتهم في الشارع، وإرغام الحكام على الانصياع لمطالبهم.

وبخلاف الانقلابات السابقة التي امتطت صهوة أحزاب القومية العربية والاشتراكية والشيوعية والقومية السورية والبعثية، فإن الدعوة الوحيدة المشتركة بين المتظاهرين في المدن العربية، هي الدعوة إلى تغيير الأنظمة وحكامها. أي أنها استبدلت دعوات الإصلاح التي أسكتتها غالبية الحكام العرب لأكثر من أربعين سنة، بمطلب مركزي يتمحور حول ضرورة إسقاط هؤلاء الحكام، واستبدال أنظمتهم القمعية المجمدة بأنظمة حرة ليبرالية، عادلة، وقادرة على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية. وقد ساعدتها التنازلات السريعة التي قدمها زين العابدين بن علي وحسني مبارك، على محو الصورة النمطية للقائد المنقذ التي طبعت في أذهان شعوب المنطقة. أي القائد الذي لا يخضع للمساءلة والمحاسبة، كما يحدث لحكام الدول المتقدمة.

لهذه الأسباب وسواها، يرى المراقبون أن اهم ما فعلته القوى المعارضة في الشارع العربي، أنها حطمت الأيقونة الصنمية لقادة الأنظمة السياسية القائمة. وهذا يعني أن عامل التخويف الذي استغله الحاكم لإخضاع الرعايا، قد مورس على الحكام بحيث بات كل واحد منهم مطيعاً للشارع خوفاً من العقاب.

الأسئلة المنبثقة عن اهتمام الدول الأوروبية بتغيير أنظمة الشرق الأوسط، تنبع من حاجة دول الاتحاد إلى منطقة مستقرة وموالية للغرب. صحيح أن انهيار الاتحاد السوفياتي قد محا من الوجود «بعبع» الشيوعية... ولكن الصحيح أيضاً أن إيران و»القاعدة» جاهزتان لملء الفراغ السياسي في منطقة لم تستقر بعد. من هنا قول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن امن أوروبا الحيوي لا ينفصل عن امن دول الشرق الأوسط. ومثل هذا الاعتراف يذكر بالاتفاقات المتبادلة التي وقعت بين الاتحاد الأوروبي ودول البحر الأبيض المتوسط. أي الدول التي شاركت في «اتفاقية برشلونة»، مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا. واتفق في حينه على إجراء إصلاحات بنيوية غايتها خلق فرص عمل لآلاف المهاجرين، وإيجاد استقرار سياسي وازدهار اقتصادي يسمحان بالتحول الديموقراطي. وتقرر السنة الماضية، إقامة منطقة تجارة حرة للبضائع والخدمات يفترض أن تعزز التعاون والتكامل بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه الجنوبيين.

في أعقاب الأحداث التي أسقطت زعيمي تونس ومصر، بادر الاتحاد الأوروبي إلى إجراء مراجعة شاملة لسياسة الجيرة الأوروبية. وتبين لأعضائه أن التحدي الكبير يأتي من ليبيا، حيث تشير المعارك بين قوات معمر القذافي وقوات «المجلس الوطني الانتقالي»، إلى استمرار الحرب الأهلية على نحو يصعب تقدير نتائجه. وتوقع المجتمعون في «مؤتمر الدوحة» هذا الأسبوع، أن يطلب القذافي من صديقه رئيس الجزائر عبدالعزيز بوتفليقة أو من لجنة الاتحاد الأفريقي، تسهيل خروجه مع أفراد عائلته، في حال اشتدت وطأة القصف الجوي ضد ترسانته، أو نضبت مصادره المالية. وهو يرى في صديقيه موغابي وتشافيز، حصانة الملجأ الأخير الذي يعفيه من المحاكمات والسجن.

وكان «المجلس الانتقالي الوطني» قد اصدر وثيقة مؤلفة من ثمانية مبادئ تتحدث عن رؤية ليبيا الديموقراطية، وعن الحفاظ على حقوق الإنسان وتثبيت مبدأ فصل السلطات. هذا طبعاً، إلى جانب الدعوة إلى إسقاط القذافي وإنهاء حكم استمر 42 سنة.

تحت عنوان: «إذا سقط الأسد، سنشهد تفكك تحالفات المنطقة»، كتب باتريك سيل في جريدة «الغارديان» البريطانية مقالة مزدوجة الأهداف. ففي جزء منها طلب الكاتب من بشار الأسد إجراء إصلاحات واسعة، مثلما نصحه اردوغان. وفي جزء آخر لمح إلى خطورة تدمير الصيغة التي وضعها الرئيس حافظ الأسد لأنها ستشهد تفكك الوحدات القائمة، لما لسورية من تداخل سياسي في شتى دول المنطقة.

ويبدو أن الرئيس الأسد مستعد لهذه الخطوات الإيجابية، بدليل انه سارع إلى تكليف عادل سفر بتشكيل حكومة تتولى تنفيذ هذه المهمات الملحة. والملفت أن تشبث الأسد بالتصريح الذي شدد فيه على خصوصية الوضع السوري – رافضاً المقارنة بتونس ومصر – قد أوقع أجهزة الأمن في مطبات عدة. ذلك أنها وجدت نفسها مضطرة إلى اختلاق روايات خيالية بطلها «إرهابي» من لبنان، يعمل لتحريض الجماهير وإرسال الأسلحة إلى المحتجين في عشر مدن وثلاث جامعات. ومع أن المستشارة بثينة شعبان، انتقدت الشيخ يوسف القرضاوي، على خطبة قال فيها: «إن نظاماً يقتل مواطنيه لا يستحق الحكم»، لكنها تغاضت عن أداء قناة «الجزيرة» التي تصور في نشراتها باللغة الإنكليزية، سورية، ساحة مشتعلة بالحرائق. علماً أن صداقة الرئيس بشار مع الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، من المتانة بحيث انهما يتناوبان الزيارات الودية العائلية كل «ويك أند»، ويشاهدان مع قرينتيهما في دمشق أو الدوحة.

في ضوء هذه التغييرات الدراماتيكية على امتداد الوطن العربي، ينتظر رئيس وزراء لبنان المكلف نجيب ميقاتي دوره، لعل الأسد يسعفه في إقناع حلفائه بتسهيل مهمته السياسية. وترى جماعة 14 آذار أن قادة «حزب الله» والعماد ميشال عون، قد تلقوا رسائل الدعم من الأسد، ولكنهم ينتظرون حالياً كلمة الفصل من طهران.

المراقبون في دول مجلس التعاون الخليجي، لا يتوقعون مشاركة إيران في حل أزمات حلفائها، إن كان في البحرين أو في سورية. والسبب أنها لا تريد التورط في نزاعات عربية – عربية، خوفاً من أن يؤدي تدخلها إلى إذكاء الفتنة المذهبية. لذلك اكتفت بالاحتجاج لدى المنظمات الدولية أثناء وصول قوة «درع الجزيرة» إلى البحرين، ووصفت وجودها بأنه «احتلال اجنبي».

ولكن تمنعها عن صد هذه القوات في البحرين، لم يمنعها من تسخين الجبهة الفلسطينية بواسطة «حماس». وكان الهدف من وراء عمليات إطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية، اختبار صاروخ بعيد المدى كان المهندس الفلسطيني أبو سيسي، يعمل لتطويره في أوكرانيا. وقد نجح بادئ الأمر، بمعاونة البروفسور الأوكراني قسطنطين بتروفتيش، في صنع صاروخ يبلغ مداه عشرة كلم. ثم طالبته «حماس» بصنع صاروخ لا يقل مداه عن أربعين كلم بحيث يبلغ الأماكن الآهلة في إسرائيل. وفي آخر رحلة قام بها لأوكرانيا، اعتقل أبو سيسي بواسطة عناصر من «الموساد». وهو حالياً ينتظر المحاكمة في احد المعتقلات الإسرائيلية.

على ضوء هذه الحادثة، خسرت إيران خطة التخفيف من ضغوط الشارع السوري. وهي حالياً تتجه نحو الجنوب اللبناني كنقطة تفجير بديلة يمكن أن تحقق الهدف المطلوب. ويرى نواب من 14 آذار أن هذا السبب يقف عائقاً في طريق تسهيل مهمة الرئيس المكلف، على اعتبار أن إيران تملك أوفر الأوراق حظاً لدى فريق 8 آذار. وتقول مصادر قريبة من دمشق إن سورية تتردد في الموافقة على إشعال جبهة الجنوب، لأنها ستكون مضطرة إلى إرسال قواتها لمساندة «حزب الله». وهذا ما كادت أن تقدم عليه صيف 2006 يوم أعلنت حال الاستنفار بعد نزول فرقة جوية إسرائيلية قرب بعلبك. واضطر أيهود اولمرت إلى الإعلان عن نيته قطع خطوط نقل الصواريخ إلى الجنوب، وليس منازلة الجيش السوري.

بقي السؤال عن الحكومة التي طالب لها الرئيس نبيه بري بصلاة الاستسقاء لعل السماء تستجيب لصلاة نجيب ميقاتي!

السفير الفرنسي لدى لبنان دوني بييتون، قال بعد زيارته ميقاتي إن التأخير مرده إلى رغبة الرئيس المكلف في تشكيل حكومة متوازنة وواسعة التمثيل.

والمؤكد أن هذه الرغبة بدأت فور إعلان التكليف، ولكن الأضواء الخضراء المفروض أن تضاء من سورية بقيت حمراء.

ومن اجل رفع العتب قد يضطر نجيب ميقاتي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط يصار إلى اختيار أعضائها بالتعاون مع رئيس الجمهورية وحده. ومع إدراكه المسبق بأنها ستُرفض من قبل الجميع، فإن الاعتذار في ظرف بالغ الخطورة والسلبية، يبقى هو الحل الأمثل للحفاظ على سمعة الرئيس الذي أشرفت حكومته على الانتخابات النيابية عام 2005.

* كاتب وصحافي لبناني

==========================

واشنطن والتظاهرات السورية

السبت, 16 أبريل 2011

مصطفى زين

الحياة

«اسحقوا الأسد» عنوان مقالة للباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» ديفيد شنكر. هذا السيد الأميركي الخبير في شؤون منطقتنا والمحلل الاستراتيجي في وزارة الدفاع أيام جورج بوش، يمثل وجهة نظر أميركية داخل الإدارة الحالية والإدارات السابقة. وجهة نظر لا ترى أي وسيلة للهيمنة على العالم سوى الحروب والتدمير.

اعتقدنا للوهلة الأولى، بعد انتخاب باراك أوباما رئيساً، وبعد سماع خطبه (في القاهرة وإسطنبول) بأن ممثلي العنصرية الأميركية المركبة من خلفيات دينية واستعمارية انحسر تأثيرهم، وبأن الشعب الأميركي الذي انتخب أول رئيس أسود في تاريخه جعل هؤلاء يعيدون النظر بتوجهاتهم، وإذ بهم معششون في مراكز الأبحاث وفي الإدارات ومراكز صنع القرار. ليس هذا فحسب، بل إنهم نسجوا علاقات مع «خبراء» و «مثقفين» عرب، يتبادلون معهم الآراء ويكتبون في المواضيع ذاتها بعبارات واحدة تكاد تكون مترجمة من لغة الحقد العنصري الذي يتحلى بحلة ديموقراطية مرة، وحلة دينية طائفية مرة أخرى.

يستعرض شنكر في مقالته وجهتي نظر داخل الإدارة الأميركية: الأولى ترى أن تغيير النظام في سورية ليس في مصلحة الولايات المتحدة، فلربما أتى بعده نظام أكثر تشدداً. أما وجهة النظر الثانية فترى أن أي نظام آخر أفضل بكثير من نظام الأسد. ولا ينسى أن يذكر بأن الرئيس السوري دعم ويدعم «حزب الله» ويزوده أسلحة متقدمة، فضلاً عن أنه يؤوي «حماس»، ويساهم في «تخريب العراق»، ويتحالف مع إيران: «هذا هو الشيطان الذي نعرفه ... صحيح أن الأسد لم يقتل الملايين مثل ستالين لكنه قضى العقد الأول في السلطة مكرساً وقته لتقويض الأمن والاستقرار والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط».

ويخلص الكاتب إلى القول إن الإدارات الأميركية المتعاقبة كرست الكثير من الجهد لتغيير سلوك النظام السوري ولم تفلح. و «في حال نجاة نظام الأسد من العاصفة الحالية، ونحن نقف عاجزين ومكبلين بالمخاوف من السيناريو الأسوأ سيبقى بشار عقوداً، متحدياً سياسة الولايات المتحدة». وينصح شنكر إدارة أوباما ب «سحق الأسد» والتخلص منه كائناً ما كان النظام الذي سيخلفه.

الواقع أن إدارة أوباما لم تتوان، منذ وصوله إلى البيت الأبيض، عن التعاطي مع دمشق بحذر شديد، متمسكة بمطالبها وإن غيرت أسلوب مخاطبتها. تغيير كان طبيعياً بعد الكارثة التي ألحقتها الولايات المتحدة بالعراق، وبكل العالم العربي، من خلال تحويل الصراع إلى احتراب بين الطوائف والمذاهب بإرادة عربية للأسف. ما زالت واشنطن ترى في النظام السوري عائقاً أمام مشروعها القديم الجديد للشرق الأوسط الهادف إلى الهيمنة الشاملة على المنطقة، بالتعاون مع إسرائيل. والتنازل عن حقوق الفلسطينيين.

إدارة أوباما التي تخلّت مكرهة عن أصدقائها في مصر وتونس وليبيا، بعدما استنفدوا مهمتهم وأثبتوا عجزهم عن إدارة بلدانهم بما يخدم مصالحها، لن تتردد في استخدام ما في جعبتها السياسية والديبلوماسية والإعلامية للتخلص من نظام تعتبره معادياً فشلت في إقناعه بفك تحالفه مع إيران، وبوقف دعمه ل «حزب الله» و «حماس» والمعارضة الفلسطينية، ويشكل عقبة أمام المصالحة «التاريخية» في الشرق الأوسط.

هكذا تنظر الإدارة الأميركية، يمينها ويسارها، إلى ما يحدث في دمشق. أما الشعب السوري فله شأن آخر. السوريون الذين عاشوا في ظل النظام القائم أكثر من أربعين سنة يسعون إلى التغيير والإصلاح وإلى المزيد من الحريات، والانفتاح. مثلهم مثل المصريين والتونسيين، وباقي الشعوب العربية. أما القضايا والاستراتيجيات الكبرى فما زالت بعيدة عن همومهم وشعاراتهم، حتى الآن. لكنهم سيدركون ذلك قريباً، وإذا كانت المناداة بالحرية تجمعهم فلا بد أن تلك القضايا تزيد لحمتهم. وعندها سيكون لواشنطن موقف آخر.

==========================

تمثيليات الاعلام السوري الفاشلة

'خلايا ارهابية' لعمال بسطاء و'ضباط' ملتحون و'جواسيس' يبيعون الصور 'للخارج':

محمود ماهر الزيبق

2011-04-15

القدس العربي

خلافا للدراما السورية المتميزة تبدو مسرحيات التلفزيون الرسمي هزيلة في الشكل والمضمون والإخراج وتحكي عن عدم التوافق بين أصحاب الروايات من قادة الاستخبارات، وبين من ينتج لهم هذه المسرحيات فنيا لتكون فشلا يضاف إلى الحالة العامة من الفشل الإعلامي التي تميز بها التلفزيون الرسمي منذ عقود.

آخر المسرحيات عن 'خلية إرهابية' مؤلفة من ثلاثة عمال بسطاء ذكر قائدهم انه يعمل في المنطقة الصناعية في حوش بلاس.. وأول سؤال يخطر للجميع من الذي سيوكل قيادة خلايا إلى عمال بسطاء غالبا ما تكون حياتهم ككل عمال سورية 14 ساعة عمل أو تزيد يوميا من أجل تأمين ما يكفي للقمة العيش.

بعيدا عن نسبة قائد الخلية النائب جمال الجراح إلى طرابلس وصعوبة الاتصال به لأن 'الواسطة' يعمل في البقاع، بينما الجراح من طرابلس ويقيم فيها، أريد التعليق على بعض الكلمات التي وردت في اعترافات الخلية فهم يتحدثون عما طلب منهم من 'التحريض' و'العمليات التخريبية' و'زرع الفتنة ' و'التجنيد'، وأنا أعجب كيف يعترف مرتكب بجريمة قائلا: 'طلب مني التخريب وسألت كيف سنخرب وما عنا سلاح'! .. يبدو من الاعتراف أن ضباط الأمن الذين يصدرون هذه المصطلحات 'التخريب والتحريض وإثارة الفتن' للتلفزيون الرسمي لتتصدر أخباره هم من صدرها للمعترفين أنفسهم لكن يبقى عنصر الكوميديا الأكبر في هذه المسرحية هو كلمة 'مباشر'، التي أضيفت إلى المسرحية حين عرضها بينما تظهر فيها قطعات المونتاج والتحرير الفيلمي بوضوح والسؤال المهم ما الداعي لكونها مباشرة مثلا، طالما أن ما فيها قطعي في الإدانة لهذه الدرجة التي يعترف فيها بالتخريب والتفجير؟

المسرحية التي سبقتها حملت عنوان 'الملثمين' هروبا من مصطلح 'المندسين' الذي تم اجتراره بما فيه الكفاية في الاعلام الرسمي واكتشف النظام مؤخرا أنه ليس صناعة سورية، وإنما هو مستورد من مصطلحات أنظمة بن علي ومبارك والقذافي فحاول الهروب منه ربما هربا من الشؤم الذي حاق بتلك الأنظمة! .. في تفاصيل هذه المسرحية أريد أن أكشف حقيقة تنشر للمرة الأولى ويثبتها مقطع الفيديو الموجود أن ظلال هؤلاء الملثمين كانت تمثل بالقياس الدقيق حوالي 86% من الطول الحقيقي للشخص وهذه الظلال بهذا الطول لا يمكن أن توجد في مثل هذا الوقت من نيسان/ ابريل إلا في ساعتين من النهار في العاشرة والنصف صباحا والثالثة عصرا تقريبا.

التلفزيون السوري بث هذه المقاطع في الساعة الواحدة وعشرين دقيقة تماما من يوم الجمعة وغاب عن ذهنه أن الظل ما بين صلاة الجمعة والواحدة والنصف ظهرا لا يزيد عن 40% من حجم الشخص الحقيقي وهذه الظلال القصيرة تظهر في تسجيلات أخرى من نفس اليوم للمحتجين في درعا على التلفزيون السوري نفسه. توقيت بث الصور يثبت استحالة كونها التقطت عصرا لأنها بثت قبل ذلك بساعة ونصف الساعة وهو ما يعني أن مسرح التمثيل كان في العاشرة والنصف صباحا في وقت لم يكن فيه المتظاهرون قد خرجوا لصلاة الجمعة بعد فضلا أن يكونوا تظاهروا عقبها!.

طبعا أضيف إلى التعليق على هذه المسرحية تفاصيل أخرى أهمها أنها التقطت بكاميرا احترافية مثبتة وكانت تعطي مسارات أفقية محددة لا تخرج عنها لتظهر لنا على من يطلق الملثمون النار مثلا؟.. والسؤال الأهم لماذا لم يترك المصور الاحترافي ضبط إعدادات الكاميرا ليبلّغ الأمن عن هؤلاء بدل تصويرهم فحسب؟.

المسرحية السابقة لها في التوقيت هي صور الضباط وعناصر الجيش القتلى والمصابين في كمين بانياس على التلفزيون السوري، التي أظهرت أشخاصا بلحى طويلة يستحيل وجودها في الجيش الذي يلزم عناصره بحلق صباحي يومي للحى، وفي حال لم يكن هؤلاء الملتحون من الضحايا المدنيين فإن أكثر ما يمكن قوله عنهم بأنهم 'شبيحة النظام' الذين يشتهرون بتربية لحاهم وحلق رؤوسهم فلعلها رسالة من التلاحم والوفاء بين النظام وشبيحته.

قبل ذلك تظهر مسرحية المهندس المصري، التي يمكن الحديث فيها عن عنصر مثقف خلافا للعمال البسطاء في مسرحية 'الخلية'، ولكن أكثر ما يضحك فيها أن تهمة المصري هي التصوير وبيع الصور للخارج وأنه زار المسجد الأقصى في ظل اتفاقية كامب ديفيد.

معروف أن الكثير من الهواة والمحترفين في التصوير في العالم يقومون بتصوير الأحداث ثم يعرضونها على الوكالات والصحف ومحطات التلفزة لتشتري منها ما يناسبها وهذا أحد أساسيات عمل التصوير الصحافي، التي لم يسمع بها مثقفو الاستخبارات الفاشلون ثقافيا ومسرحيا ثم اختتمت هذه المسرحية بالفشل الأكبر في قراءة مصر ما بعد الثورة التي أحرجت النظام بالاضطرار للإفراج عمن وصف بالجاسوس العميل الذي لا تقل عقوبته المخففة في القانون السوري عادة عن السجن 15 عاما.

محطة أخرى هي حديث السيدة بثينة شعبان في بداية الاحتجاجات في اللاذقية عن تورط بعض المنظمات الفلسطينية في الاحتجاجات.. عقب الاتهام ذكر أنور رجا المسؤول الإعلامي في الجبهة الشعبية القيادة العامة 'وهو مقرب من النظام السوري' على قناة الحوار أنه طلب بيان الأمر من المستشارة شعبان، التي أحالته بدورها لضابط الأمن مصدر الخبر، ثم تبين أن سبب الاتهام هو وجود أحد المواطنين السوريين من ساكني المخيمات الفلسطينية في الاحتجاجات، ومعروف أن السوريين صاروا يزاحمون الفلسطينيين في مخيماتهم بسبب قلة ذات اليد وفقر الحال، ثم لكم أن تتصوروا أن هذه الحقيقة الخطيرة انتقلت من الأمن ليصرح بها كاتهام للفلسطينيين على لسان مسؤول بحجم مستشارة الرئيس.

طبعا لم يكن اتهام الفلسطينيين سابقة صحافية فقد سبق للإخبارية السورية أن اتهمت في بداية الاحتجاجات كلا من عبد الحليم خدام ورئبال رفعت الأسد والإخوان المسلمين وشعبة الاستخبارات الإسرائيلية والأمير السعودي بندر بن سلطان في حزمة واحدة، يبدو من المضحك البحث عن واسطة لجمعها في عقد واحد إلا في إعلام لا يراعي إخراج المسرحيات فيه أيا من المسلمات العقلية.

أما قناة الدنيا فقد أخذت على عاتقها مهمة أخرى تبدو أشبه بحلقات المفتش كولومبو التي تصاحبها موسيقى الغموض التصويرية وسيطول الحديث عن تفنيدها، لكن إحدى أطرف نكتها هو ادعاؤها أن مشهد اختطاف الفتاة المحجبة من تظاهرة صغيرة في منطقة قريبة من سوق الحميدية وسط دمشق هو تمثيلي بطريقة تشعرك بأن من صاغ الفكرة 'البوليسية' للدنيا يعيش في نيكاراغوا أو بوركينا فاسو ويجهل أن منطقة مكتظة كهذه من وسط دمشق يصعب التنفس فيها بدون إذن المخابرات، فضلا عن أن تكون مسرحا لتمثيل مشهد من هذا النوع في وضح النهار.

كل هذه المسرحيات الفاشلة التي يقدمها الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تأتي في غياب أي كاميرا صحافية لأي محطة أو وكالة أنباء غير سورية وتظهر المأساة الكبرى في تولي هذا الإعلام النقل الحصري للحقائق. بينما تتولى أجهزة الأمن إيقاف المارة وتفتيش جوالاتهم بحثا عن أي حقيقة قد تسربت إلى عدساتها.

أخيرا أقول ان أكبر مشكلة للإعلام الرسمي أنه يتجه في خطابه إلى إقناع الخارج بما يحصل في الداخل من جرائم ودماء .. ويغفل أن من يتابعونه في الداخل من طلاب الحرية هم أدرى الناس بحقيقة ما يحصل على الأرض ولن يكذبوا رؤى أعينهم لهذه المسرحيات ولن يزيدهم هذا الزور والافتراء إلا إصرارا على مطالبهم ومواصلة في احتجاجاتهم .. لذلك فالمأمول من النظام وإعلامه توجيه الخطاب للداخل بدل الخارج بكلمات من المصالحة والعزاء والبدء بتنفيذ مطالب المتظاهرين مع الاعتذار عن دمائهم ومحاسبة من أجرم بحقها أو سيبقى للنظام وإعلامه أن ينتظروا نهاية هذه المسرحيات بطريقة قد لا تتناسب مع إخراجاتهم الفاشلة.

كاتب صحافي من سورية

==========================

الإصلاحات السورية: البوطي سعيد رمضان بدلا من بثينة شعبان

أحمد كال

القدس العربي

16-4-2011

قبل لحظات كنت اعبر الشارع فسمعت هدير الأطفال من المدارس وهم يهتفون بالروح بالدم للرئيس السوري، والأطفال لو أمرهم المعلمون بالهتاف لإسرائيل لفعلوا؟ صور الرئيس تملأ الشوارع بكثافة مستجدة، وهي أصلا تكتظ بصور الرئيس ولكنها مرفقة هذه المرة بجملة تقصر الإصلاح به وحده، فبشار وحده الطريق للإصلاح، أما إبداء التعاطف مع محافظة درعا وجرحها الكبير فممنوع، مع أن درعا محافظة سورية وليست بنغازي أو تل ابيب، مع أن الوحدة شعار من شعارات حزب البعث. الهتاف للشعار الثاني وهو من شعارات البعث أيضا - جريمة، النداء للحرية جريمة و'فتنة'، أما الاشتراكية فقد أكل لحمها خمسة بالمئة من الاشتراكيين الجدد الذين اشتركوا في نهب 80 بالمئة من ثروات الشعب السوري تحت اسم 'السوق الاجتماعي'، ولم يبق منها سوى العظام النخرة.

في هذه اللحظة ترفع لافتات تحتفل بميلاد البعث المجيد الذي لا ندري إن كان وضعه أفضل من التجمع الدستوري التونسي أم أسوأ. هل سيلاحقون بعد أيام أو شهور أم أنهم سيغيرون اسم حزبهم إلى 'حزب البعث الصوفي الإسلامي'. قبل أيام ظهر (خطاب الرئيس) فصيحا في اللغة وغامضا في البيان وأجمعت المعارضة على انه خطاب أحجية، أو خطاب 'تعا ولا تجي'، أو خطاب التسويف السياسي. وتحت وابل دماء دوما والمعضمية ودرعا.. اضطر الخطاب أن يتحول إلى مراسيم فوتت عليه بشارته وبهجته.

توقعت من الرئيس الطبيب، خريج الجامعات البريطانية، أن يخرج ويعلن للشعب أنّ كل مواطن هو سيد الوطن، وليس هو وحده سيد الوطن، وانه لن يسمح بالنفاق بعد الآن، وان سورية تتسع للجميع معارضين وموالين، وأنّ رعب الأجهزة الأمنية انتهى، وأن القضاء سيحكم بين الناس تحت الشمس، وأن جميع السكان مدعوون إلى بناء الوطن، وتوقعت أنّه سيطلب إزالة صوره وتعليق العلم السوري محلها، لكنه هدد تهديدا شبيها بتهديد جورج بوش: من ليس معنا فهو مع الفتنة! وعاد مجلس الشعب إلى ما تعود عليه، التصفيق، التصفيق، التصفيق... الذي يبلغ حد الصفاقة، وثمت حملة على الفيس بوك عنوانها قد لا تحتمله هذه الصفحة.

قبل شهور أدلى الرئيس السوري بحديث 'شفاف' لجريدة 'وول ستريت جورنال'، ظهر فيه انه لا يعرف شيئا عن شعبه وعن سورية، الطريق طويل إلى الديمقراطية، وقال إن معركة سورية والتحدي الأكبر لها هو الحفاظ على علمانيتها. فبدأ وزير التربية بحملة ضد النقاب أعادت ذكرى أيام نزع الحجاب عن رؤوس النساء في الثمانينات، بنقل معلمات منقبات من المدارس إلى الخدمات، على أن يتسع التطبيق إلى وزارات أخرى في قادم الأيام، ثم عقمت السيارات من العبارات والأدعية الدينية.. أما السادة المحافظون في المحافظات فقد كانت الاتصالات على الفضائيات قبل أيام تولول من وحشيتهم أو من شبحيتهم فهم لا يُرون في مكاتبهم إلا بأتاوات وكأنهم أرباب لا يمكن اللقاء بهم. على الصعيد الاقتصادي تحولت أجهزة الشرطة إلى أجهزة لجمع الضرائب، وشرطة المرور إلى قطاع طرق، يختفون خلف الأكمة والأشجار لالتقاط صور للسيارات في أماكن غير متوقعة والفوز بغرامة، حتى دراجات الأطفال صودرت من الشوارع لأنها بلا نمرة. يجب أن تكون للمواطن نمرة، ولنفََسِه نمرة، للهاثه نمرة، ولروحه المخنوقة نمرة. المواطن حشر حشرا بين صفارة الشرطي وهراوة الأمن.. فأين المفر؟

أما الإعلام الرسمي، فحارب الفتنة الطائفية بمفردات طائفية. متصل علماني طلب من الرئيس 'هدر' دم الخونة والأصوليين لشرب دمهم، أما الشيوخ فتحدثوا في خطابهم عن الوحدة الوطنية وشابت أحادثيهم الداعية إلى الصبر، مفردات علمانية ودينية لإدامة سلطة السلطان الوراثي الجمهوري إلى الأبد فسبحان من له الدوام.

المتشائمون يتحدثون عن فرع أمن جديد محتمل إضافة إلى الفروع 'التسعة والتسعين' -وهي كناية عن كثرة الفروع الأمنية التي يبلغ عددها ستة عشر أو أكثر- الاسم سيكون على الأغلب: فرع 'الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف'، فمن الصعب لأجهزة شبت على امتهان المواطن وابتزازه إلا أن تشيب عليه. أما البوطي فقد رضي أن يكون ناطقا بلسان الرئيس. أكد الشيخ في حديثه وعود الرئيس التي سمعها السوريون قبل احد عشر عاما. وفي دعاء البوطي الصوفي النزعة ليلة الخميس، استنجد بأبدال الشام. والبدلية تقول ان الولاية دولة 'قائمة باطنة في مقابل دولة الظاهر يترأسها القطب أو الغوث يليه الأمان ثم الأوتاد الأربعة، فالابدال السبعة. والأبدال هم الذين يبّدلون من أخلاقهم وأفعالهم الذميمة أخلاقاً وأفعالاً حميدة. أما مقام البدلية فهو مقام ذو مواصفات معينة تنطبق على أناس معينين من الرجال هم أربعون عند بعضهم وسبعة عند آخرين. البوطي له مشكلة مع 'مسلسل ما ملكت إيمانكم' وما دام قد حجب عن العرض في الفضائيات السورية فقد انتصرت الثورة السورية،

أما أطفال درعا الذين أشعلوا شرارة هذه الاحتجاجات بأظافرهم المقلوعة، فهم مؤسسو الأمل السوري، وبهم سيبدأ تاريخ جديد.

==========================

سورية.. القمع ليس حلا

عبد الباري عطوان

2011-04-15

القدس العربي

 'جمعة الاصرار' التي تجسدت يوم امس في مظاهرات احتجاجية صاخبة في مختلف المدن السورية اكدت حدوث متغيرات اساسية عدة، سواء في صفوف الشعب، او في اروقة النظام الحاكم في سورية، يمكن ان تؤشر لهوية، بل ونوعية التطورات المقبلة في البلاد، والسيناريوهات المتوقعة بالنسبة الى مستقبلها.

السوريون المشاركون في الهبة الاحتجاجية هذه، اظهروا حرصاً واضحاً على تخلصهم من عقدة الخوف، وانهم لا يقلون عزيمة وتصميماً عن الشعوب العربية المنتفضة الاخرى، على اسماع اصواتهم، واثبات شجاعتهم، ومواصلة الحراك السياسي والاحتجاجي حتى نيل جميع مطالبهم في الاصلاح والتغيير كاملة.

النظام السوري في المقابل وصل الى قناعة راسخة بان اللجوء الى القتل بهدف الترهيب، وبث الرعب، ربما يعطي نتائج اخطر بكثير من التعاطي الأقل عنفا مع المحتجين، خاصة بعد ان تبين امام العالم بأسره تمسكهم بالوسائل السلمية، وعدم الانجرار الى دوامة العنف الطائفي، التي حاول البعض اغراقهم فيها.

فما حدث في كل من درعا وبانياس وجبلة وحمص من عمليات قتل لم يتكرر بالوتيرة نفسها يوم امس، وشاهدنا اجهزة النظام تستخدم، وللمرة الاولى تقريباً، خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، وليس الرصاص الحي، باستثناء بعض الحالات المحدودة.

اختفت فجأة عصابات 'الشبيحة' من الشوارع، واختفى معها 'المندسون' الذين كانوا يطلقون النار عشوائياً، كما اننا لم نسمع مطلقاً عن مقتل رجال أمن بالعشرات مثلما سمعنا في الايام الماضية، الامر الذي يلقي بظلال الشك على كل الروايات التي جرى ضخها عبر وسائل الاعلام الرسمية في هذا الشأن.

الأمر المؤكد ان مراجعة شاملة حدثت لنهج الافراط في استخدام القوة من قبل قوات الامن ضد المتظاهرين السوريين، خرجت من خلالها القيادة السياسية بحصيلة مفادها ان سفك الدماء يؤدي حتماً الى تأجيج الاحتجاجات لا تخفيف حدتها، وان الجنازات هي دائماً مهرجانات تعبئة وتحشيد من اجل الثأر والانتقام.

ولعل النقطة الأهم التي دفعت القيادة السياسية السورية الى التعاطي 'السلمي' مع مظاهرات الأمس هو خوفها من التدخل الخارجي، الاقليمي، او الدولي، خاصة بعد بيان الخارجية الامريكية الذي تحدث عن وجود معلومات تؤكد ارسال ايران قوات لدعم النظام السوري في مواجهة الاحتجاجات.

لا نعتقد ان النظام السوري بحاجة الى مساعدة ايران، او غيرها، لقمع المتظاهرين المنتفضين، فلديه فائض من الاجهزة القادرة على اداء هذه المهمة، يمكن تصديره الى دول الجوار، والهدف من هذا التسريب الامريكي هو تحذير النظام من عواقب تكرار تجربة النظام الليبي المؤسفة في هذا المضمار.

' ' '

يراودنا أمل ضعيف باقتناع القيادة السياسية في سورية في فشل الحلول الامنية للازمة المتفاقمة في البلاد، وهي الحلول التي اتبعتها طوال الاربعين عاماً الماضية، فلم يفلح اي نظام سياسي استخدم هذه الحلول سواء كان في الغرب او الشرق بما في ذلك امريكا (في العراق وافغانستان) وبريطانيا (في ايرلندا)، وصربيا (في كوسوفو والبوسنة) ناهيك عن مصر وتونس والقائمة تطول.

حتى التهديد بورقة 'الفتنة الطائفية' سواء من قوى خارجية او داخلية في سورية، لم تعط اكلها، فمظاهرات 'جمعة الاصرار' اكدت على قوة الوحدة الوطنية والتلاحم بين مختلف الطوائف والاعراق، بل سمعنا العديد من الشعارات التي تحرص على التعايش، وتؤكد عليه، كرد واضح وجلي على هذه 'الفزاعة'.

المجتمع السوري تسامى دائماً على الاعتبارات الطائفية، وتجاوز كل افرازاتها، بل وذهب الى ما هو ابعد من الاقليمية او المناطقية، عندما 'صدّر' الافكار القومية الى مختلف انحاء المنطقة العربية، وفتح اراضيه لكل انسان عربي بغض النظر عن دينه او مذهبه او قوميته. وهذا ما يفسر استقبال اكثر من مليون ونصف المليون عراقي تدفقوا الى سورية هربا من الحرب الاهلية الطائفية في بلادهم، او حوالي ربع مليون فلسطيني قبلهم، وجدوا جميعا حرارة الاستقبال، وكرم الضيافة، والمعاملة على قدم المساواة مع ابناء البلاد، دون اي تمنن.

الرئيس بشار الاسد التقى عددا كبيرا من قادة العشائر ووجوه المناطق، وتحاور معها بكل صراحة وبقلب مفتوح، وتعهد بتلبية جميع مطالبهم المحلية (المناطقية) بمن في ذلك وجهاء مدينتي درعا وبانياس، ولكنه كرر وعوده بالاصلاح على مستوى الدولة.

هذه الخطوة جيدة، وان كنا نعتقد انها جاءت متأخرة ومنقوصة في الوقت نفسه، فما يريده الشعب السوري هو البدء فورا في الاصلاح والمصالحة الوطنية في الوقت نفسه، فالفجوة بين النظام والشعب تتسع بشكل متسارع مع كل قطرة دم تسفكها قوات الامن، وكنا نتمنى لو ان الرئيس السوري الشاب اعتذر، وهو المسؤول الاول، لاهالي الشهداء والجرحى، وفي خطاب عام، وما زال هناك بعض الوقت لانقاذ ما يمكن انقاذه.

الخطأ الاكبر الذي ارتكبه النظام وعلى مدى السنوات العشر الاخيرة انه لم ينقل البلاد وشعبها من مرحلة حكم الرئيس الراحل حافظ الاسد الى حكم نجله بشار من خلال اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية جذرية، وما نراه اليوم من هبات شعبية غاضبة هو التجسيد الحقيقي له، فما كان يصلح قبل اربعين او عشرين عاما من استخدام للقمع وادواته لا يمكن ان يصلح اليوم، فالزمن تغير، والشعب تغير ولكن النظام لم يتغير، بل استعصى على التغيير بفضل سيطرة الحرس القديم ونهجه الامني المتخلف.

' ' '

الانتفاضة الشعبية السورية تدخل اليوم اسبوعها الخامس، ومن المحزن ان النظام لم يقدم تنازلا واحدا، ولم يتجاوب مع اي مطلب من مطالب المتظاهرين، وما زال يدرس الغاء حالة الطوارئ، وقانون التعددية الحزبية، وقانون الاعلام الجديد، والغاء المادة الثامنة من الدستور التي تؤكد هيمنة حزب البعث.

كيف يقبل بالتعددية السياسية وهو يعتقل كل رأي مخالف، وكيف يسمح بقانون جديد للاعلام يكرس الحريات التعبيرية وهو يقيل رئيسة تحرير صحيفة رسمية (تشرين) لانها طالبت بالتحقيق في تجاوزات قوات الامن لتوجيهات الرئيس واطلاق النار على المتظاهرين، ولم يشفع لها تأكيدها على تربية اولادها على حب الرئيس بشار الاسد؟

حتى الحكومة الجديدة التي شكلها السيد عادل سفر جاءت مخيبة للآمال، فقد ضمت نصف الوزراء السابقين، ولم تضم وزيرا واحدا من المعارضة الشبابية، او الشخصيات الوطنية، وهي حكومة تذكرنا بحكومة اللواء احمد شفيق التي شكلها الرئيس حسني مبارك قبل رحيله.

السوريون يريدون ان يكونوا احرارا، وان يستعيدوا كرامتهم وعزة أنفسهم، في ظل اصلاحات تكرس الديمقراطية والعدالة والمساواة، وحكم القانون، واعلى سقف ممكن من الحريات، والتحرك في هذا الاتجاه بدأ ومن الصعب ان يتوقف او حتى يتباطأ، والامور لن تعود الى الوراء مطلقا، وما زالت هناك فرصة ولو ضئيلة للانقاذ، وان كنا لسنا متفائلين كثيرا باستغلالها من قبل القيادة السياسية في البلاد.

الشعب السوري شعب كريم يحمل في عروقه جينات الحضارة والريادة، ولن يتوقف في منتصف الطريق، ومن يقول غير ذلك لا يعرف هذا الشعب، ولم يقرأ تاريخه، والايام بيننا.

==========================

عشر استراتيجيات للتحكم بالشعوب

نعوم تشومسكي

15/4/2011

تناقلت عدّة مواقع عالميّة في الأيّام الأخيرة قائمة أعدّها المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي واختزل فيها الطّرق التي تستعملها وسائل الإعلام

العالميّة للسيطرة على الشّعوب عبر وسائل الإعلام في 10 استراتيجيّات أساسيّة.

(1) استراتيجيّة الإلهاء: هذه الاستراتيجيّة عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والإقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. استراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الإهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب و علم الحواسيب. "حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات." (مقتطف من كتاب أسلحةصامتة لحروب هادئة(

 

(2) ابتكر المشاكل ... ثم قدّم الحلول: هذه الطريقة تسمّى أيضا "المشكل - ردّة الفعل - الحل". في الأول نبتكر مشكلا أو "موقفا" متوقعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، و حتى يطالب هذاالأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا: ترك العنف الحضري يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حرّيته، أو: ابتكار أزمة

مالية حتى يتمّ تقبّل التراجع على مستوى الحقوق الإجتماعية وتردّي الخدمات العمومية

كشرّ لا بدّ منه.

 

(3) استراتيجيّة التدرّج: لكي يتم قبول اجراء غير مقبول، يكفي أن يتمّ تطبيقه بصفة تدريجيّة، مثل أطياف اللون الواحد (من الفاتح إلى الغامق)، على فترة تدوم 10 سنوات. وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو-اقتصاديّة الجديدة بين الثمانينات والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة، هشاشة، مرونة، تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم، وهي تغييرات كانت ستؤدّي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة.

 

(4) استراتيجيّة المؤجّل: وهي طريقة أخرى يتم الإلتجاء إليها من أجل اكساب القرارات المكروهة القبول وحتّى يتمّ تقديمها كدواء "مؤلم ولكنّه ضروري"، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينيّة. أوّلا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين، وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن "كل شيء سيكون أفضل في الغد"، وأنّه سيكون بإمكانه تفادي التّضحية المطلوبة في المستقبل. وأخيرا، يترك كلّ هذا الوقت للشعب حتى يتعوّد على فكرة التغيير ويقبلها باستسلام عندما يحين أوانها.

 

(5) مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار: تستعمل غالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا. كلّما حاولنا مغالطة المشاهد، كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة. لماذا؟"إذاخاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردّة فعل مجرّدة من الحسّ النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليهاردّة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشر عاما." (مقتطف من كتاب أسلحة

صامتة لحروب هادئة)

 

(6) استثارة العاطفة بدل الفكر:استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تُستعمل لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص. كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار، رغبات، مخاوف،نزعات، أو سلوكيّات.

 

 (7) إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة: العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. "يجب أن تكون نوعيّة التّعليم المقدّم للطبقات السّفلى هي النوعيّة الأفقر، بطريقة تبقى إثرها الهوّةالمعرفيّة التي تعزل الطّبقات السّفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطّبقات السّفلى" (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)

 

 (8) تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة: تشجيع الشّعب على أن يجد أنّه من "الرّائع" أن يكون غبيّا، همجيّا و جاهلا

 

 (9) تعويض التمرّد بالإحساس بالذنب: جعل الفرد يظنّ أنّه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مسؤوليّته تلك هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته. وهكذا، عوض أن يثور على النّظام الإقتصادي، يقوم بامتهان نفسه ويحس بالذنب، وهو ما يولّد دولة اكتئابيّة يكون أحد آثارها الإنغلاق وتعطيل التحرّك. ودون تحرّك لا وجود للثورة!

 

(10) معرفة الأفراد أكثر ممّا يعرفون أنفسهم: خلال الخمسين سنة الفارطة،حفرت التطوّرات العلميّة المذهلة هوّة لا تزال تتّسع بين المعارف العامّة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النّخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء،بيولوجيا الأعصاب وعلم النّفس التّطبيقي، توصّل "النّظام" إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري، على الصّعيدين الفيزيائي والنّفسي. أصبح هذا "النّظام" قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه، وهذايعني أنّ النظام - في أغلب الحالات - يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.

____________

الاسم(Avram Noam Chomsky) أفرام نعوم تشومسكي

الميلاد 7 ديسمبر 1928 (العمر 82)، فيلادلفيا، بنسلفانيا

الاهتمامات الرئيسية اللسانيات، علم النفس، فلسفة اللغة، فلسفة العقل، السياسة، الأخلاق

=======================

حول قتل الإيطالي في غزة .. الإسلام بريء من الجريمة

ياسر الزعاترة

 الدستور

16-4-2011

الذين امتدت أيديهم الآثمة إلى الناشط الإيطالي «فيكتور أريغوني» في قطاع غزة لا يمثلون دين الله الأروع، حتى لو اعتقدوا أنهم سادة «الفرقة الناجية». وهم مجرمون وقتلة لا يعرفون شيئا عن سماحة هذا الدين العظيم وقيمه النبيلة، حتى لو زعموا أنهم رموز الجهاد وخيرة المجاهدين.

إنهم قوم لا عقل لهم ولا قلب، وبعضهم تمرّغ في ساحات الجريمة قبل أن يلبس مظاهر الإسلام بحسب اعتقاده ويشرع في منح الناس صكوك غفران، هذا كافر وذاك مسلم، وهذا مجاهد وذاك قاعد. وأحسب أن منظري السلفية الجهادية من أمثال «المقدسي»، فضلا عن قادة القاعدة وفي مقدمتهم أسامة بن لادن لا يمكن أن يقروا عملا بشعا من هذا النوع.

قتل الناشط الإيطالي في قطاع غزة وصمة عار في جبين الذين قتلوه، والشعب الفلسطيني الرائع بريء منهم، وكذلك حال المسلمين الذي يشعرون بالخزي من أمثال هؤلاء الذي يقتلون بدم بارد إنسانا مستأمنا، فضلا عن أن يكون مناصرا جاء يعلن تعاطفه ودعمه للشعب الفلسطيني المظلوم والمحاصر.

يا الله أية مرارة في الحلق نشعر بها بسبب ما فعل هؤلاء، لاسيما أنهم يزعمون الانتساب إلى الإسلام والمسلمين والجهاد والمجاهدين، ويشوّهون تبعا لذلك عظمة هذا الدين، فما الذي سيقوله الغربيون عن دين يجيز لأتباعه قتل من جاء ينتصر لعذاباتهم في مواجهة المحتلين المجرمين؟!

نمارس البوح من دون شك، فما جرى بشع بكل المقاييس، وتبريره أكثر بشاعة، فقد ذهب «المجاهدون» الذي اختطفوا الرجل إلى مطالبة «ما يسمى حكومة هنية المحاربة لشرع الله بالإفراج عن جميع معتقلي السلفية الجهادية وعلى رأسهم الشيخ هشام السعيدني».

وفي التسجيل الذي بثوه قال القتلة: «إن الله قد منّ علينا في سرية الصحابي الهمام محمد بن مسلمة باختطاف هذا الأسير الإيطالي الذي ما دخل ديارنا إلا لإفساد العباد والبلاد ومن ورائه دويلة الكفر ايطاليا، تلك الدولة المحاربة لله، والتي ما زالت جيوشها إلى الآن في بلاد المسلمين».

هل ثمة سخف وجهل أكثر من هذا؟ ما علاقة هذا الرجل الذي يقف ضد سياسات دولته، وينتصر للفلسطينيين من دون ثمن يتقاضاه؟! ما علاقته بحكومة هنية التي تحارب شرع الله برأيهم ؟! ولماذا لم يختطفوا واحدا من رموز تلك الحكومة كي يبادلوه بأسراهم لديها؟! (نقول أسرى لأنها حكومة كافرة والمعتقلون لديها أسرى بالضرورة!!).

من وجهة نظر كاتب هذه السطور، وحتى لا يتنطّع بعضهم بتغيير مسار الحديث، فقد كان تورط حماس في المشاركة في الانتخابات في ظل أوسلو اجتهادا خاطئا، وهو يعتقد باستحالة الجمع بين المقاومة والسلطة، بخاصة هذه السلطة التي صممت لخدمة الاحتلال، أعني سلطة أوسلو، أما القول بأن حكومة غزة لا تطبق شرع الله، فإنني أحمد الله أنها لا تفعل وفق ما فهم أولئك، لأن ما تقوم به في بعض الجوانب ينطوي على مبالغة من وجهة نظري ونظر كثيرين، لأن تطبيق «شرع الله» لا يعني التدخل في حياة الناس الشخصية، بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة سمحة، فالناس لا يجرّون إلى الجنة بالسلاسل، بل بالكلمة والموعظة الحسنة والإقناع، وربنا يقول: «لا إكراه في الدين» و «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، و»لست عليهم بمسيطر». والأصل هو التدرج في جعل الإسلام مرجعية للدولة والمجتمع في سياق تطبيق يُجمع عليه الناس، وفي إطار فهم يناسب الزمان والمكان. ثم أية دولة تلك التي يقودها إسماعيل هنية وسيطبق فيها «شرع الله» هي المحاصرة والمستهدفة على كل صعيد؟!

أما الجهاد الذي يطلبه أولئك وتمنعه حكومة هنية، فقد رأينا تجلياته في الإمارة الإسلامية لعبد اللطيف موسى رحمه الله، مع رفضنا للطريقة التي تم من خلالها التعامل معه، ورأينا تجلياته أيضا في بعض أعمال العنف ضد محلات الفيديو والمدارس الأجنبية، كما رأينا تجلياته في صفقة صاغها قوم يساندون أولئك من الخارج عنوانها السماح بالعبث في قطاع غزة نكاية بحماس، مقابل عدم التدخل في الضفة الغربية التي تتوافر فيها فرص المقاومة أكثر بألف مرة من قطاع غزة المحاصر، بدليل أن جميع العمليات التي نفذها أولئك لم تقتل إسرائيليا واحدا. ولا تسأل بعد ذلك عن ارتباط بعضهم بمحمد دحلان الحريص كل الحرص على إعلاء راية الجهاد والمجاهدين!!

باسم الفلسطينيين جميعا، بل باسم جميع المسلمين نعتذر لأهل الضحية الإيطالي، ونتمنى ألا يُحمّل الإسلام العظيم وزر الجريمة، لأن مثل هذا الجنون يتوافر في سائر الديانات ولا مجال للتخلص منه بشكل نهائي.

يبقى القول إننا ننتظر أن يبادر العلماء الذين لهم كلمتهم عند أولئك، فضلا عن جميع العلماء والقوى الإسلامية، إلى إدانة هذا الفعل بشكل واضح ولا لبس فيه، ليس فقط لأن فيه إساءة لفكرة الجهاد، بل أيضا لما ينطوي عليه من إساءة بالغة للإسلام والمسلمين.

==========================

مارد اسمه الشعب

علي حماده

النهار

16-4-2011

في "جمعة الاصرار" كانت مدن سوريا محافظاتها على موعد مع الحرية والكرامة. هذه حقيقة لا يبدو ان النظام في سوريا يعيها حتى الآن، وجوهر هذه الحقيقة ان ما قبل 15 آذار 2011 شيء وما بعده شيء آخر، وان العودة الى الوراء صارت مستحيلة، أقُتل الناس ام لم يُقتلوا، فالشارع السوري دخل عصر الحريات. والقمع والقتل ما عادا قادرين على وقف التحرك الشعبي الذي يتزايد اسبوعا بعد اسبوع، ويتسع جغرافياً ويتجذر شعبياً. وبالتالي فإن الوقت بدا ينفد بسرعة من امام النظام وبالتحديد من امام الرئيس بشار الاسد الذي لم تغلق النافذة تماما بوجهه، انما المساحة تضيق اكثر فأكثر في كل يوم يتأخر فيه عن ركب الشارع ومطالبه المشروعة في الحرية والكرامة. بل ان التباطؤ في اطلاق برنامج اصلاحي عميق وجذري وفوري بدل ان يعكس "ارتياح النظام " وبعده عن الهلع، صار عاكسا لمناخ من الضياع والغربة عن الواقع.

فسوريا تتغيّر وعلى النظام ان يتغيّر قبل ان يُغيَّر في الشارع!

نقول هذا الكلام في "جمعة الاصرار" آملين ان يتوقف هذا الانزلاق الخطير في الاوضاع في سوريا عبر خطوات جبارة وجريئة يقوم بها الاسد.

فالاجراءات التي قام بها لم تعط مفعولا ايجابيا، بل ان المسار الذي بدأ مع خطابه غير الموفق قبل ثلاثة اسابيع كان انحداريا، فالتهرب من الاستحقاقات الداخلية ب"بروباغاندا" المؤامرات الخارجية المزعومة تارة من اميركا واسرائيل، وطورا من لبنان والاردن، وتوزيع الاتهامات من هنا وهناك، وافتعال اعداء من الخارج يقفون خلف ما يجري في سوريا، كل هذا كان انكارا غبيا للحقائق المُرّة على الارض، ولمشاعر الشعب الفعلية، وقد بلغ السيل الزبى بعد اربعة عقود على حكم الامن والمخابرات وما يرافقه من ظلم وفساد وتخلف.

فما كان يصح في المرحلة التي انتهت في 15 آذار ما عاد يصح اليوم، وصار شرط حماية استقرار سوريا هو الاصلاح العميق والجذري بما يقطع مع الماضي.

وهذه هي مهمة بشار الاسد المحظوظ حتى اليوم بتواطؤ اعلامي وسياسي عربي واجنبي مع نظامه. والمعروف انه لو حظيت احتجاجات سوريا في اسابيعها الاولى بتغطيات اعلامية كتلك التي توافرت لثورات تونس ومصر وليبيا، لكانت الاوضاع غير ما هي الآن. ومع ذلك فإن جرأة احرار سوريا وشجاعتهم وخروجهم بالصدور العارية في مواجهة اعتى آلة امنية في المشرق العربي فرضت نفسها وستفرض نفسها على الإعلام وعلى العالم ايا تكن تحالفات النظام، وايا تكن حماياته المعلنة و"غير المعلنة".

خلاصة القول، لقد استفاق في سوريا مارد اسمه الشعب.

==========================

نعم، لا بد من حل سياسي!

ميشيل كيلو

السفير

16-4-2011

لم يقل أحد، إلا إذا كان ساذجا، أن ما يحدث في العالم العربي سيكون انتقالا سهلا من حال إلى آخر، مناقض له: من الأمر القائم إلى الثورة، ومن الاستبداد إلى الحرية، ومن التغيير بالسلطة إلى التغيير بالمجتمع، ومن المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني. من يتابع وضعي تونس ومصر، حيث تم بالفعل إزاحة السلطة، فسيضع يده على محاولات تؤكد قدرة الأمر القائم على تنظيم صفوفه وبدء مقاومة في أشكال وأطر جديدة. أما من يتابع أحوال ليبيا واليمن، فهو سيرى بأم عينه كم هي كبيرة تكلفة التغيير.

قبل أسابيع سئلت عن الاحتمالات السورية، وهل هي تونسية / مصرية، تقوم على تدخل الجيش لإزاحة رموز الحكم وإنقاذ النظام، أم ليبية تقوم على انقسام الدولة إلى قسمين متحاربين، أم يمنية يقاوم رأس النظام وعسكره الإرادة الشعبية الكاسحة، مستفيدا من دعم قبلي محدود يشكل بمعنى ما قاعدة شعبية لشخصه ونظامه؟ قلت: ليست سوريا ولا يجوز أن تكون أي شيء من هذا. ولا بد أن تكون نموذجا للريادة السياسية المدنية، ببلورتها بديلا وطنيا متوافقا عليه هو حل سياسي شامل يعيد إنتاج الواقع، بما في ذلك الأمر السياسي القائم، ويضعه على مسار جديد هو مسار حرية تفيد منه جميع أطراف الجماعة الوطنية وتشارك في الانتقال إليه بطرق سلمية حصرا، خلال فترة قصيرة إلى متوسطة الأمد، كي لا يكون هناك انهيارات أو تصدعات مفاجئة في أي مكان أو قطاع، وتنجح البلاد في الانزلاق التدريجي الآمن نحو بديل ينسجم مع الحقبة التاريخية التي بدأت قبل أشهر في بلاد العرب، وتقوم على أسس تجسد انقلابا هائل الدلالات والأبعاد على معايير وركائز حقبة الثورات التي تلت عام 1952، وكان حاملها الجيش في مصر، وحزب البعث في سوريا والعراق، وجبهة التحرير الوطني في الجزائر، والجبهة القومية في اليمن ... الخ، واكتسبت شرعيتها وبنت تجربتها على ركائز آمنت بأولوية السلطة على الدولة والمجتمع، والجماعة على الفرد، والشعب على المواطن، والاشتراكية على العدالة الاجتماعية والرأسمالية، والوحدة على التجزئة، والتحرير على الحرية ...الخ، ثم تلقت ضربة خارجية قاتلة في حزيران من عام 1967، أدى عجزها عن تطوير رد استراتيجي شامل عليها: قومي ووطني، اقتصادي واجتماعي، سياسي وثقافي، إلى دخولها في طور احتجاز تخلت خلاله عن معظم وعودها التاريخية، وعن بعدها المجتمعي والقومي، وأحلت محلهما نظاما سلطويا سلطانيا قاسيا وشديد المركزية والشخصنة والبطش، أنتج أزمات واسعة غطت كل مفصل وقطاع في الدولة والمجتمع، ما لبث أن حصر جهوده في إدارتها، لكن الفشل كان مصير جهوده، وها هي فرصة الخروج الجدي منها تلوح اليوم في أفق العرب، بهذا الحراك التغييري / المجتمعي، الذي يجتاح بلدانهم، وكان حتى بعض قادة الأمر الواقع قد لمّحوا من حين لآخر إلى ضرورة تخلص الشعوب منه!

هذا الاحتمال المدني / التوافقي السوري يفرض أمرين: إحجام النظام عن اعتماد الحل الأمني في مواجهة الحالة الراهنة، وإحجام الحراك القائم عن الدعوة إلى إسقاطه. لا بد إذن من حل يقوم من ألفه إلى يائه على حوار وطني شامل يقصي هاتين الحالتين، كي لا تتحول البلاد إلى ساحة يتعارك فيها متشددون يزدادون تطرفا على الجانبين، تضيع فيها مطالب الشعب المحقة، التي أقر النظام بشرعيتها، بل يضيع الشعب والبلد، أيا كان الطرف الذي سيخرج منتصرا من مواجهة ستكون تكلفتها قاتلة بالنسبة إلى النظام، الذي لا أعتقد إطلاقا أن له مصلحة في تكسير مجتمعه، مهما اتسعت وتنوعت مطالباته، كما إلى الطرف المقابل، الذي لا بد أن يعرف أن الخطأ في حساباته لن يؤدي إلى الحرية المطلوبة، بل إلى ضياع وحدة المجتمع السوري وتدمير دولته وتفكيكها، علما بأن المستفيد الوحيد من حل أمني يكسر المجتمع وينهك الدولة ويقوض ما بقي قائما منها، ويأخذ البلاد إلى غير ما يعد أرباب الأمر بأخذها إليه، ومن شق لمجتمع وزجه في صراع عنيف يزداد تفكيكا لوحدة الشعب والوطن سيكون إسرائيل: العدو المسلح حتى الأنياب، الذي يحتل أراضي سورية ويريد المزيد منها، وسيمكنه تفكك الدولة وتكسير المجتمع من حكم وطننا بالريموت كونترول!

يتطلب الحل السياسي استمرار الاعتراف بشرعية مطالب المتظاهرين، ووضع حد لأي عمل من أعمال العنف في الشارع أيا كان مصدره، وفرز كتلة المتظاهرين المسالمين عن زمر المسلحين القليلة وحمايتهم منهم، ومحاورتهم وإقناعهم بالقول والفعل أن مطالبهم ستلبي خلال زمن معقول. بينما يتطلب الموقف المقابل الامتناع عن المطالبة بإسقاط النظام، والإقلاع عن أي قول أو فعل يهدده أو يثير لديه الشبهات، وعدم المس بأية صورة من الصور بالممتلكات العامة والخاصة، والتعبير سلميا فقط عن الرأي في أماكن محددة تحترم سير الحياة العادي والسلمي والآمن، ورفع الغطاء عن كل متظاهر يخرج على هذه المواقف، وحماية الوحدة الوطنية بحماية ورعاية المختلف في المعتقد والخيارات السياسية، وربط التظاهر بالحوار مع السلطة، بما يؤدي إلى وقفه فور تلبية المطالب العامة: المتعلقة بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والإحجام عن استخدام التظاهرات كوسيلة ضغط، ما دام يراد منها إبلاغ السلطة بمطالب المتظاهرين، فكيف إذا أقر أصحاب القرار بأحقيتها، وتعهدوا بأن يكون تنفيذها مادة حوار وطني تشارك فيه الأطراف جميعها، تسهيلا للحل وليس لتعقيد الأزمة وفرض رأي أي طرف على الآخر. ليس ما يجري في بلادنا منفصلا عما يجري في الوطن العربي. هناك مرحلة انتهت وأخرى تبدأ الآن في كل مكان من عالم العرب، وإن كان تحقيقها سيتم بسرعات مختلفة وأشكال متباينة، هنا أو هناك. هذا ما يجب أن ينطلق منه صاحب القرار، الذي لا بد أن يؤمن باستحالة وجود حل أمني يستطيع كبح الجديد أو القضاء على مطلب الحرية، المتأصل بالفطرة في النفس البشرية، ولا بد أن يقتنع بأن ما صلح البارحة لا يصح اليوم، وأننا نبارح زمن الثورة العربية الذي بدأ عام 1952، وندخل إلى مرحلة تاريخية مختلفة ترتكز على أولوية المواطنة والحرية والعدالة والمساواة والدولة المدنية وحقوق الإنسان والمواطن؛ ثمة إجماع واسع على أنها ستأخذ العرب إلى زمن مغاير، أعتقد شخصيا أن لا شيء يحول دون أن يكون فيه دور لكل من يسهم في الانتقال إليه، سلميا وحواريا، بما في ذلك قادة النظم. ومع أننا في بدايات هذه المرحلة، فإن الانخراط فيها هو الحل الوحيد، بينما مقاومتها لن تكون مستحيلة وحسب، بل هي ستودي بأية جهة أو حكومة تحاول التصدي لها، لأسباب منها أنها ستجافي الإطار العربي العام الذي يبتعد عن النظام الراهن، ويشهد تغيرا عميقا وغير مسبوق يترتب عليه وضع بديل لا شك في أنه سينتشر ليغطي، وإن بعد حين، مجمل بلدان العرب، ويرجح أن يمتد خلال فترة قريبة إلى ليبيا واليمن، حيث بدأ هناك مسار الحرية، رغم شراسة مقاومة النظامين وأخذهما بحل أمني متفاوت الشدة، نشهد انهياره وفشله هذه الأيام. إلى هذا، فإن امتناع أي نظام عربي عن التغيير لن يكون ممكنا، أو سيكون بالأحرى صعبا إلى أقصى حد، داخل الإطار الدولي الذي يتخلق هذه الأيام مؤيدا تغيير النظم العربية القائمة، حتى أنه انخرط في حرب ضد نظام ليبيا وأخذ يطالب جهارا نهارا برحيل رئيس اليمن ووضع السلطة في يد المعارضة، بينما يشق التغيير العربي طريقه نحو أحد احتمالين: نظم ديموقراطية أو إسلامية (أو مختلطة لبعض الوقت)، سيجد من يقاتل للحفاظ على نظامه الراهن نفسه خارجهما أو في مواجهتهما كليهما، عرضة لأن يتفجر التمرد ضده في أي حين، في ظروف ملائمة داخلية وعربية ودولية مناوئة أو معادية له، هو فيها غريب عن داخله الوطني ومحيطة القومي والعالم، علما بأن انتصاره الأمني في الأحداث الحالية سيصيبه بضعف كبير وجدي، سيجبره على تلبية مطالب مناوئيه أو قسم كبير منها، فمن الحكمة والعقل، ومن الأفضل له ولشعبه، قبولها والتفاعل معها بإيجابية منذ الآن، ما دامت تكلفتها أقل بكثير من تكلفة الحل الأمني والامتناع عن تلبيتها، الذي يرجح أن لا يستمر لفترة طويلة، وأن ينتهي بقبول ما تم رفضه وتم دفع ثمن فادح وتدميري لتجاوزه، دون نجاح في الحفاظ على الأمر القائم في صورته الحالية. ومن يعرف وقائع التاريخ، يعلم أن جميع النظم التي خرجت منتصرة من صراع أهلي حققت، بعد قهر خصومها، مطالبهم بصورة كلية أو جزئية، لقطع الطريق على تجدد المطالبة بتحقيقها وما قد ينجم عنها من توتر وتمرد، ولأن الإمعان في رفضها يضعفها، كما يخبرنا أحد أعظم من درسوا ثورات القرن التاسع عشر: كارل ماركس.

لا مصلحة لأحد في سوريا في حل يحبط أو يعوق الحل السياسي. ولا مصلحة للشعب في دفع تكلفة مفزعة من أجل إسقاط نظام يتعهد بإجراء إصلاح يستجيب للحاجة إلى التغيير والحرية. أقول هذا وأنا أعرف كم سينزل على رأسي من شتائم، وكم سأتهم بالعمالة للسلطة. لن يخرج النظام والمجتمع السوريان إلا وهما مهشمان، إن اعتمدت سياسات القوة والتطرف من جهة والانقلاب من جهة أخرى، وسيخرجان بسلام إن هما اعتمدا نهجا يؤسس لحالة انتقالية فيها وحدها مصلحتهما، ونجحا في جعل مطلب الحرية الشرعي أداة لمنع صراع دموي ومجنون بين أطراف طائفية ومتخلفة، من شأن توسعه وسيطرته على الشارع سد الطريق إلى الحرية، وتكسير وتقويض كل شيء في بلادنا: من الدولة إلى المجتمع والسلطة والحياة الوطنية، وخراب وطننا إلى زمن يعلم الله وحده كم سيطول، ما دام انتصار أي طرف سيأخذنا إلى فوضى معممة وتفكك شامل، وسيطلق موجات من العنف لم تشهد سوريا مثيلا لها في تاريخها الطويل، الأمر الذي يسوغ خوف جمهرة المواطنين الواسعة جدا من تفاقم الأمور، ويفسر إلحاحها على حل سياسي / سلمي / حواري / اخوي مفتوح على تفاهم تدريجي يصون السلم الأهلي والمدني والنظام العام، أساسه تلبية مطالب الشعب. لا يجب أو يجوز أن يكون هناك مصلحة لأحد في فتنة تقوم أو تدوم، فالبلد منهك، والنظام قبل مطالب المتظاهرين وحدد برنامجا زمنيا قصير الأمد لتحقيقها، بدورهم، يقول المتظاهرون: سلمية، سلمية حرية، حرية الشعب السوري واحد. ومن واجب الجهتين الضرب بيد من حديد على رأس العصابات والشبيحة، أينما وجدوا وكائنا من كانوا، لأن إجرامهم وإجرام من يساندونهم يقوم على منع الحوار والتفاهم وبناء عقد وطني جديد يخرجنا سلميا وسياسيا من أزمة يعمقونها ويسعرون نارها، دافعين بالبلاد والعباد إلى هاوية سحيقة تكاد تكون بلا قاع.

ليس الوضع سهلا، وهو يزداد تعقيدا وصعوبة. والمواجهة التي ترتسم اليوم ليست بين السلطة وحزب أو قلة، وهي لا تدور في ظل غطاء عربي ودولي يساند نظاما يمتلك قواعد شعبية واسعة، كما كان الحال في ثمانينيات القرن الماضي، والعنف ضد الأجيال الشابة خطير ويجب تجنبه، فلا بد إذن من الإسراع في فتح منافذ التفاهم بالحوار، ليخرج وطننا من الأزمة عزيزا كريما، وشعبنا متآلفا موحدا، وننخرط في طور انتقال آمن، حريتنا ووحدتنا الوطنية والشعبية وسلامة دولتنا نتاجه وضمانته!

لا حزب ولا غطاء دوليا. فترة زمنية محدودة يرجح أن ينجح الحل فيها، آخر الشهر.

==========================

مطلوب سياسة خارجية جديدة لمصر

بقلم عزالدين شكرى فشير وعلى عرفان

المصري اليوم

١٥/ ٤/ ٢٠١١

تحتاج السياسة الخارجية لأى دولة للمراجعة الدائمة كى تتواءم وتغيُّر الظروف العالمية وأوضاعها الداخلية. وفى الوقت الذى تتغير فيه مصر بشكل جذرى داخلياً وتتغير المنطقة والعالم من حولها، فلابد من إعادة النظر - وبسرعة - فى المنهج والمنحى اللذين حكما سياستنا الخارجية عبر العقود الأخيرة. وقد طرح الوزير نبيل العربى (الشروق - ١٩/٢/٢٠١١) والسفير نبيل فهمى (الأهرام - ٢٨/٣/٢٠١١) رؤيتيهما. ونريد فى هذا المقال أن ندفع بالنقاش خطوة للأمام، عسى أن تشكل هذه المساهمات بداية لعملية المراجعة المطلوبة.

وننطلق فى طرحنا من حقيقة حسمتها ثورة يناير، وهى أن الحديث الذى تنامى فى السنوات الأخيرة عن تقلص ثقل مصر الإقليمى والدولى خلط - عن سوء قصد أو بحسن نية - بين تباطؤ «النشاط» من ناحية، وتقلص «المكانة» من ناحية أخرى.

ونظن أن الاهتمام العالمى بالأحداث فى مصر منذ ٢٥ يناير حسم بشكل قاطع هذه المسألة، وأكد أن مصر دولة «إقليمية كبرى ذات تأثير عالمى». ومن هنا، فإن نقطة الانطلاق التى نراها لمراجعة السياسة الخارجية المصرية هى أن نتوقف عن التساؤل عما إذا كانت لمصر أهمية إقليمية أم لا، ونركز على السؤال العملى وهو: «كيف تتصرف مصر كدولة إقليمية كبرى ذات تأثير عالمى، وكيف تعيد توجيه مؤسساتها الدبلوماسية لتتماشى مع هذه المكانة؟».

وبداية الإجابة عن هذا السؤال هى تذكر حقيقة أن الدول الإقليمية الكبرى تتحرك على أساس أن تأثيرها يتعدى محيطها المباشر، وأن أمنها القومى يتأثر بتطورات إقليمية ودولية تتعدى هذا المحيط. وعليه، فعلى مصر أن تغير من المنهج والمنحى العام لسياستها الخارجية فى خمسة أمور:

١- التعامل مع الدول المختلفة ليس فقط من منظور العلاقة الثنائية مع تلك الدول، وإنما أيضاً كجزء من رؤية جديدة وشاملة لأولويات الأمن القومى المصرى تشمل الارتباط التقليدى لأمن مصر بأمن حوض النيل والقرن الأفريقى وتداخله مع الأمن العربى والإقليمى، ولكنها أيضاً تضم عنصرين جديدين: أولهما أن الأمن الشخصى والاقتصادى للمصريين فى الخارج يشكل امتداداً للأمن القومى المصرى، وثانيهما أن احترام حقوق الإنسان والحرية وإعلاء قيم العدل والمساواة فى العالم تشكل ركائز أساسية لرؤية المصريين لعلاقتهم بالعالم.

٢- أخذ زمام المبادرة، والتحول من سياسة رد الفعل وإدارة الأزمات إلى الدبلوماسية الوقائية الساعية لمنع الأزمات والتركيز على تحقيق أهداف محددة، تُحدث تغييراً على أرض الواقع، والتحول من تفضيل الاستقرار الإقليمى - حتى لو كان خادعاً - إلى النشاط بجرأة لحماية مصالحنا فى أى وضع إقليمى أو دولى.

٣- إنهاء الازدواجية فى السياسة الخارجية بين ما يقال علناً وما يتم فعلياً، بحيث تقوم السياسة الخارجية الجديدة على قاعدة صلبة من التأييد الشعبى، يمكّن الحكومة من التحرك بفاعلية وحرية أكبر فى المجالين الإقليمى والدولى. ولا يتحقق ذلك إلا بحوار حقيقى وتواصل بين مؤسسات السياسة الخارجية الرسمية والقوى السياسية المختلفة وهيئات المجتمع المدنى والعمل الأهلى.

٤- الاستثمار فى السياسة الخارجية، بما يشمله ذلك من تخصيص للموارد البشرية والاقتصادية اللازمة، فالقدرة على التأثير فى مجريات الأمور إقليمياً وعالمياً تحتاج أدوات للتدخل والنفوذ، المباشر وغير المباشر، المعلن والمستتر، الخشن والناعم، وهى أدوات إن توفر بعضها لمصر بحكم المكانة والتاريخ فإن البعض الآخر منها يحتاج لاستثمار وإنفاق ووقت حتى يبدأ فى دَرِّ العائد.

٥- تغيير أسلوب إدارة مؤسسات العمل الخارجى ومهامها وعملية اتخاذ القرار بها، سواء من جهة تطوير هياكل وأهداف وأسلوب عمل وزارة الخارجية والسفارات المصرية، أو من جهة التعاون بين مؤسسات العمل الخارجى، بحيث لا تتصرف إحداها وكأنها تستطيع الانفراد بالعمل الخارجى.. فنجاح الجميع يعتمد على حُسن توزيع الأدوار والمهام وتنسيق التعاون بينهم بشكل مستمر وكجزء من آلية العمل فى كل مؤسسة، وعلى جميع المستويات.

المنهج الجديد للسياسة الخارجية هذا سيعكس نفسه فى تناولنا للمجالات الرئيسية لعلاقاتنا الخارجية، فلم يعد من الممكن التعامل مع منطقة حوض نهر النيل من منظور العلاقات الثنائية المصرية - السودانية ومسائل الأمن المائى فحسب، بل يجب التعامل مع هذه المنطقة، باعتبارها نطاق أولوية استراتيجية، بنظرة شاملة، تتداخل فيها عناصر السياسة والاقتصاد والأمن الإقليمى، بشكل يجعل منها منظومة إقليمية متكاملة ومستقرة، تدعم وتحفظ أمن جميع أطرافها بشكل متكافئ، ربما من خلال السعى لإنشاء «منظمة للأمن والتعاون» فى حوض نهر النيل. تتماشى مع هذا الطرح كذلك ضرورة التعامل مع منطقة البحر الأحمر بمنظور شامل، باعتبارها نطاق أولوية استراتيجية، فلا يمكن الاستمرار فى النظر إلى التطورات الحادثة فى أقطارها - كاليمن والصومال - على أنها مسائل داخلية أو قضايا متعلقة بالعلاقات الثنائية.

وعلى المستوى العربى والإقليمى، لابد أن نتعامل مع جيراننا وأقراننا بأسلوب مغاير يحترم احتياجات ومخاوف جميع الدول ويراعى فى الوقت نفسه متطلبات التوازن بين القوى الرئيسية الفاعلة فى المنطقة، فقوة إقليمية كبرى كمصر يجب ألا تبنى أسس علاقاتها مع أقرانها كتركيا وإيران على أساس الغيرة السياسية أو الاختلاف فى التوجه السياسى، بل على العكس، فالاختلاف فى التوجهات السياسية تجاه المنطقة يحتم إيجاد قنوات اتصال مباشرة وفاعلة لضبط أبعاد هذا الاختلاف والحيلولة دون وصوله إلى مراحل تضر بمصالح البلاد.

 كذلك لا تستطيع دولة إقليمية كبرى كمصر أن تتحمل تعطّل أداة من أدوات العمل الإقليمى بالشكل الذى وصلت إليه جامعة الدول العربية، فإذا تعذر إحياء تلك المؤسسة فى شكل جديد، يشمل آليات وقواعد صنع قرار جديدة، ووفقاً لمهمات جديدة، فإنه على مصر العمل مع الدول العربية ذات التفكير المتشابه ككتلة مستقلة خارج أو داخل جامعة الدول العربية، وقيادة عمل عربى مشترك جديد، وفقاً لرؤية واضحة وعصرية للمستقبل الذى نريده للمنطقة، إلى حين إصلاح الجامعة المعطلة.

وفى سياق الحديث عن المنطقة، يتعين التوقف عن المراوغة فيما يتعلق بالصراع العربى - الإسرائيلى، وعن التعامل معه وكأنه القضية الحاكمة لسياستنا الخارجية تارة، ومعيار أهمية مصر تارة أخرى، ومصدر «استرزاق» ومساومة تارة ثالثة، فدور مصر فى هذا الصراع أعمق وأخطر من أن يُعامل بهذا المنطق، ويحتاج أكثر من أى موضوع آخر لوفاق وطنى حول شكله فى المرحلة المقبلة، ولربطه برؤيتنا الشاملة للمنطقة ولترتيبات مستقبلها.

ودولياً، يشمل المنهج الجديد السعى لإنضاج العلاقة مع الولايات المتحدة والخروج بها من ثنائية الاختيار بين العداء أو التحالف. فالولايات المتحدة شريك لا غنى عنه فى عدد من القضايا، يجب العمل معه دون حساسيات زائفة لتحقيق مصالحنا، ولكنها ليست القوة الوحيدة فى العالم، ولا هى قادرة على التعامل مع جميع القضايا التى تهمنا، بل فى بعض القضايا تتعارض مصالحنا مباشرة.

 وعليه، يجب أن نبادر بالتحرك للتعامل مع هذه القضايا بشكل مستقل دون خوف. من ناحية أخرى، يجب مراجعة ملف المساعدات ووضعه فى حجمه الصحيح، بحيث لا يزيد ثمنه على قيمته الحقيقية، وذلك بهدف تقليصه مع الوقت واستبدال علاقة أكثر تكافؤاً به. كما يجب السعى لإنهاء حالة الارتباط المعيب بين العلاقة المصرية - الأمريكية من ناحية، والمصرية - الإسرائيلية من ناحية أخرى، فالعلاقة مع الولايات المتحدة يجب أن تقوم بذاتها، وفق مصالح البلدين، وليست كضلع فى مثلثٍ، زاويته إسرائيل.

ويتسق ذلك مع توسيع وتعميق العلاقات مع أوروبا، ليس باعتبارها بديلاً عن الولايات المتحدة، ولكن باعتبارها الأقرب إلى فهم قضايانا، وأكثر تأثراً بمشاكلنا، وباعتبارها عنصراً حاكماً فى خلق الإجماع الدولى حول أى قضية. هذا بالإضافة إلى كون أوروبا شريكتنا فى نطاق ذى أولوية استراتيجية لنا، وهو حوض البحر المتوسط، الذى يتطلب - مثل منطقتى نهر النيل والبحر الأحمر - نظرة شاملة، باعتباره منظومة متكاملة فيما يتعلق بعناصر «الأمن والتعاون» فى محيطها.

ولابد كذلك من التعامل مع القوى الجديدة البازغة فى عالم السياسة الدولية، الصين والهند والبرازيل، بأسلوب مختلف، يتعدى اهتمامنا بهم على مستوى العلاقات الثنائية، ليشمل نظرة جديدة لهم، كلاعبين جدد، ككتلة أو فرادى، بعد أن بدأوا فى ترجمة أدائهم الاقتصادى إلى وزن سياسى معتبر.

وختاماً، فإن ما نطرحه هنا مجرد رؤوس موضوعات، وهناك موضوعات أخرى وتفصيلات تحتاج لبيان، ولكن تلك مهمة يتعين على وزارة الخارجية الاضطلاع بتنسيقها، وهذا هو إسهامنا الأولىّ فى هذه المناقشة، التى نأمل فى أن تضم كل المهتمين بالسياسة الخارجية فى مصر، داخل مؤسسات الدولة وخارجها.

* الكاتبان سبق لهما العمل بالسلك الدبلوماسى المصرى لمدة تزيد علىعشرين عاماً.

======================

كي... تحيا سورية!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

16-4-2011

لا يتعلق الموضوع بسورية وحدها. إنه يتعلّق بكل المنطقة بما في ذلك الدول غير العربية فيها بما في ذلك إيران. إنه شبح التقسيم الذي يهدد الكيانات القائمة في الشرق الأوسط. ولذلك، من المهم جداً بالنسبة إلى استقرار المنطقة خروج سورية من محنتها بأقلّ مقدار ممكن من الخسائر. وهذا يعني في طبيعة الحال المحافظة على وحدة البلد في ظل نظام ديموقراطي يؤمن العدالة والمساواة بين المواطنين بعيداً عن وهم الدور الإقليمي الذي لا يوفّره سوى اقتصاد قوي ومجتمع متماسك. ما يمكن أن يحافظ على مستقبل سورية ووحدتها هو العودة إلى الديموقراطية وإلى نظام برلماني يضم أحزاباً ذات برامج وطنية بعيداً عن النظام القائم حالياً الذي يكرر نفسه باستمرار عن طريق اللجوء إلى اجراءات قمعية. فسورية الموحدة ضمان لتفادي تفتيت المنطقة العربية أكثر مما هي مفتتة...

كان يمكن لهذه الاجراءات القمعية التي تعتبر جزءا لا يتجزّأ من النظام أن تسمح بضبط الوضع إلى حين. كان ذلك ممكناً في الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وكان يمكن حتى الاستعانة بالقمع طوال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. الآن، لم يعد القمع ينفع لسبب في غاية البساطة يتمثّل في أن النظام العائلي- «البعثي» القائم في البلد منذ العام 1970 بات يواجه مشاكل مستعصية يرفض الاعتراف بها وبمدى عمقها.

يرفض النظام السوري الاعتراف بأنه غير قابل للإصلاح وأن صلاحيته انتهت، تماماً كما حصل مع الأنظمة التي قامت في دول اوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية. تغيّرت الأنظمة في تلك الدول وراحت تنهار الواحد بعد الآخر بمجرد انهيار جدار برلين في التاسع من نوفمبر 1989. تغيّرت خريطة اوروبا كلها مع انهيار الاتحاد السوفياتي. هناك دول استعادت الديموقراطية وأخرى تغيّر شكلها على نحو جذري. ألمانيا الشرقية عادت إلى ألمانيا. لم يكن طبيعياً أن تنتصر برلين الشرقية على برلين الغربية. وهذا ما لم يفهمه النظام السوري يوماً. يوغوسلافيا صارت دولاً عدة، ولكن بعد مجازر، بعدما تبين ان ما يوحدها كان الزعيم التاريخي جوزف بروز تيتو والحرب الباردة. أما تشيكوسلوفاكيا، فقد انتهت دولتين. كان الطلاق بطريقة حبية الطريق الأقصر إلى ازدهار تشيكيا وسلوفاكيا في آن...

قد يكون أفضل دليل على مدى عمق الأزمة التي يمر بها النظام السوري عجزه عن خوض الحرب وعجزه عن التوصل إلى سلام في الوقت ذاته. تحوّل إلى نظام لا همّ له سوى إرسال السلاح والمسلحين إلى لبنان لإثبات أنه قادر على محاربة إسرائيل بالواسطة ولعب دور القادر على المتاجرة بالسلم الأهلي في الوطن الصغير في الوقت ذاته. من قال ان اسرائيل تعترض على إرسال أسلحة إلى لبنان وتعارض تعزيز دور الأحزاب المذهبية على حساب مؤسسات الدولة اللبنانية؟

كل ما يمكن قوله ان الأزمة التي يعاني منها النظام السوري عميقة إلى درجة لا تنفع معها الاصلاحات. هذا النظام إلى زوال، في حال كان مطلوباً من سورية أن تحيا. يفترض أن يكون التركيز على نظام جديد يعالج مجموعة من المشاكل تعاني منها سورية. في طليعة المشاكل غياب المجتمع المدني ودولة القانون والمشكلة الطائفية والمذهبية والنمو السكاني وغياب اي خطة اقتصادية على علاقة من قريب أو بعيد بالاقتصاد. افتقد النظام السوري القدرة على مواجهة الواقع، خصوصاً صعود موجة التطرف الديني بكل ما تمثله من خطورة. عجز بكل بساطة عن استيعاب أن لا قدرة على الاصلاح من دون برامج تعليمية متقدمة وأن شعاري المقاومة والممانعة لا ينطليان على أحد.

أكثر من ذلك، لم يستوعب النظام السوري أن النفوذ في لبنان لا يعني شيئاً وأن استخدام السلاح الذي في يد حزب مذهبي تابع لإيران لا يمكن إلا أن يرتد سلباً على هذا النظام الذي يبحث عن شرعيته من خلال القول انه فوق المذهبية والطائفية وأنه تجاوز كل انواع الانقسامات التي يمكن ربطها بهما. لم يستوعب النظام السوري خصوصاً لماذا خرج عسكرياً من لبنان ولماذا عليه ان يغيّر كل تصرفاته تجاه هذا الجار بشكل جذري إذا كان لا يريد أن تنتقل إليه عدوى الأمراض التي سعى إلى نشرها في لبنان.

مرة أخرى، ليس في استطاعة النظام السوري الاقدام على أي نوع من الاصلاحات. لو كان قادراً لفعل ذلك منذ عشرة أعوام على الأقل بعيد تولي الرئيس بشّار الأسد السلطة. لو كان قادراً على ذلك، لكان نظر إلى الدور الإقليمي لسورية من زاوية أخرى مختلفة تماماً لا علاقة لها من أي نوع كان بسلاح الفتنة الداخلية الذي يرسل الى لبنان ولا بتشجيع حزب مذهبي على الاستقواء على اللبنانيين الآخرين من السنّة والمسيحيين والدروز وعلى كل الشرفاء من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة.

ما ينقذ سورية ويقيها شرور التقسيم وكل أنواع الحروب الداخلية هو الاعتراف بأن الشرق الأوسط تغيّر وأن لا مكان فيه لنظام ستاليني لا شبيه له في العالم سوى النظام القائم في كوريا الشمالية... أو في إيران إلى حدّ ما. لم يعد في هذا الشرق الأوسط الجديد مكان لأنظمة تبحث عن شرعيتها عن طريق الشعارات التي لم يعد يصدقها أي سوري يمتلك حداً أدنى من المنطق. لا مكان لأنظمة لا تفكر بخطورة النمو السكاني في غياب أي تقدم في المجال الاقتصادي أو الزراعي أو في حقل التعليم. فالنظام السوري عاجز عن حل أيّ مشكلة تواجه البلد اللهم إلاّ إذا كان يعتقد أن زاحفين، ظهروا على المسرح السياسي في لبنان في «عهد الوصاية»، صاروا يعتبرون سياسيين أو صارت لهم حيثية بمجرد أنهم يشتمون سعد الدين رفيق الحريري او يشيدون بسلاح «حزب الله» ويتحدثون عن مقاومة لا همّ لها سوى تحويل لبنان إلى محمية إيرانية...

في النهاية، وتكراراً، ان شبح التقسيم يهدد المنطقة. من كان يصدق أن الجنوب السوداني سينفصل عن السودان، ماذا يضمن بقاء العراق دولة واحدة موحدة بعد الانسحاب الأميركي آخر العام الحالي، ماذا عن مستقبل اليمن القابل لان يصير خمس دول وقد لعبت ايران دورا فعّالا في هذا الاتجاه عبر دعمها للحركة الحوثية في شمال الشمال اليمني؟

في النهاية، النظام السوري الحالي غير قابل للاصلاح. هذا يجر الى التساؤل: سورية إلى أين؟ الكثير يعتمد على القدرة على تحول البلد إلى اعتماد نظام ديموقراطي يمتص المشاكل التي عمّقت من أزمة النظام والمجتمع والدولة. هل بقي شيء من التجربة الديموقراطية القصيرة في سورية قبل «طوفان البعث» (بالإذن من الراحل الكبير عمر اميرالاي) في العام 1963 والبؤس الذي غمر به هذا الطوفان المجتمع السوري؟

==========================

الإعلام والمعايير الأخلاقية

شؤون سياسية

السبت 16-4-2011

بقلم: عبد الرحمن غنيم

الثورة

نحن ممن يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن الحديث عن إعلام محايد لا أساس له على الإطلاق، حتى وإن كان هذا الإعلام مملوكاً لجهة تدعي الاستقلالية والتجرد من أي التزام سياسي أو عقائدي.

فالوسيلة الإعلامية«المستقلة» تحتاج في تمويلها إلى الإعلان، والإعلان إما أن يكون مصدره حكومات أو شركات. ومن منطلق الحرص على الموارد المالية الناجمة عن الإعلان سينبثق الحرص المهني على إرضاء «الزبون»، وهو ما يؤدي إلى تبني أخبار معينة واستبعاد أخرى، أو على الأقل التحكم بصيغة الخبر أو حجمه أو موقعه من الأخبار، والاهتمام بتناوله في التقارير والتعليقات أو استبعاده كلياً من مجال الاهتمام.‏

معروف من حيث المبدأ التمييز بين الإعلام الرسمي والإعلام غير الرسمي.الأول تملكه الحكومات ويفترض أن يكون معبراً عن سياساتها واهتماماتها، والثاني يملكه الأفراد أو الأحزاب أو الشركات التجارية الخاصة، ويفترض أنه يعبر في كل حالة عن مصالح مالكيه. ولا نظن أن هناك وسيلة إعلامية-مهما ادعت الصدق والموضوعية- يمكن أن تقف ضد مالكيها. بالعكس، فإن الهدف الأول لأي وسيلة إعلامية هو خدمة مصالح أصحابها.‏

حين نضع هذا المبدأ في الاعتبار، فإن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه علينا يدور حول سلوك الفضائيات العربية الإخبارية التي تدّعي الاستقلالية إزاء الأحداث والتطورات في الوطن العربي. والحقيقة أن السؤال بداية يدور حول مفهوم الاستقلالية في حد ذاته!.‏

مثلاً، لقد قيل إن الميزانية السنوية لإحدى الفضائيات العربية «المستقلة!!» يبلغ 120 مليون دولار. وهو رقم ليس بالبسيط، لكنه منطقي في ضوء كادرها في المركز ومراسليها في أنحاء العالم ومكاتبها المنتشرة في كل مكان تقريباً. هنا لا بد وأن يطرح السؤال المنطقي: أليس من المفترض أن تحقق هذه الفضائية دخلاً يتجاوز ال 120 مليون دولار سنوياً، لضمان ربحيتها واستمراريتها؟. من أين سيأتي هذا المبلغ؟.‏

لا نظن أن الإعلانات التجارية التي تبثها مثل هذه المحطة يمكن أن تؤمن مثل هذا الدخل السنوي. وفي مثل هذه الحالة لابدّ من مصادر أخرى للدخل. فما هي هذه المصادر؟. لاريب أنها الخدمة الإعلامية المأجورة، التي لاتتخذ شكل الإعلان المعروف، وإنما تتخذ شكل التغطية الإخبارية والتقارير الإخبارية المصورة، وإما أن تكون هذه الخدمة اقتصادية أو سياسية. وإذا كان واضحاً أن الجهات المعنية بالخدمة الاقتصادية هي شركات تتوخى الربحية، إلا أن الجهات التي تحتاج إلى خدمات سياسية هي التي تبدو صورتها غامضة. فما هي هذه الجهات التي تحتاج إلى خدمات إعلامية مأجورة بدوافع سياسية عبر قنوات تدْعي الاستقلالية بدلاً من الاقتصار على اعتماد وسائل إعلامها الرسمية؟.‏

دون أن نحاول تسمية الجهات التي يمكن أن تحتاج إلى مثل هذا اللون من الخدمة الإعلامية، فإنه يكفي فقط الاستنتاج بوجود مثل هذه الجهات. وأداء الخدمة الملائمة لهذه الجهات السخية في الدفع، يتطلب في الواقع أن يغلب على أداء الوسيلة الإعلامية المعنية مظهر المصداقية الإعلامية. فإذا كانت 95٪ من الأخبار المنقولة تتسم بالمصداقية في نظر الجمهور المستهدف، فإن أخباراً مدسوسة أو محرّفة تمثل نسبة 5٪ أو أقل من ذلك سيكون من السهل تمريرها وإكسابها مظهر الصدق عند الناس. ومن هنا فإن أخطر ما تواجهه هذه الوسائل الإعلامية يتمثل في التشكيك بمصداقيتها، أو ضبطها متلبسة بالتزوير. ولعل مثل هذه الوسائل الإعلامية قادرة أيضاً على اللعب على الحبلين، بمعنى مساومة طرفي صراع ما على الدفع، بحيث يحظى بقسط أكبر من الخدمة الإخبارية ذلك الطرف الذي يدفع أكثر. ومثل هذا اللون من استغلال الطرفين من شأنه أن يظهر أمام الناس كما لو كان التزاماً بالمصداقية والمهنية بحيث يجري الادّعاء بعدم وجود انحياز لصالح طرف ضد طرف آخر.‏

ومع أن الفرضيات التي قدمناها تبدو معقولة بشكل عام، إلا أن الحقيقة التي يجب أن توضع في الاعتبار هي أن وسائل الإعلام التي تقوم بأدوار من هذا النوع لايمكن أن تكون منحازة للفعل الثوري الحقيقي حتى وإن تظاهرت بذلك. ومرّد هذه الاستحالة يرجع إلى كون وسائل الإعلام هذه تمثل شركات رأسمالية أساساً، أي أنها تخدم الايديولوجيا الرأسمالية. وهي بذلك لا تنطلق من منطلقات ثورية أو من التزام ثوري حتى وإن ادّعت خلاف ذلك في بعض الحالات، إذ من المعروف عن الدوائر الرأسمالية أن تطلق على الثورات المضادة تسمية الثورة، أو أن تسعى لاحتواء الثورة في حالة العجز عن إجمادها. ومثل هذه الوسائل الإعلامية تشكل صيغة مؤثرة في خدمة منطق الاحتواء. وبالتالي، فإن من الوارد استغلالها في هذا السياق لقاء أثمان مدفوعة من قبل الجهات التي تعتبر هذه الأثمان جزءاً من نفقات فرض الهيمنة بما تعنيه هذه الهيمنة بدورها من استثمار سياسي واقتصادي وربما كان استثماراً عسكرياً أيضاً، فالذي يهيىء لحرب ما في اتجاه ما سيجد في استثمار مبلغ من المال لإضعاف الطرف الذي يراد إضعافه بوسيلة أو بأخرى كلفة تعتبر ضئيلة للغاية مقارنة بالهدف المراد إنجازه.‏

إزاء احتمالات من هذا النوع يصير واضحاً تماماً أن الاستثمار في الإعلام هو استثمار مهم ومؤثر وخطر بكافة المقاييس وبالنسبة الى جميع الأطراف التي يمكن أن تستغل الإعلام أو أن يستهدفها الإعلام. فنحن هنا أمام حرب نفسية إن لم نكن أمام حرب فعلية، وقد تتواكب الحربان معاً في وقت ما.‏

وربما تساءل البعض أخيراً: وماذا عن المعايير الأخلاقية؟ ألا يفترض أن يلتزم الإعلام المحترم والمستقل بمثل هذه المعايير؟. وفي الإجابة على مثل هذا السؤال نقول: وهل ينتظر من التزام الوسيلة بالمعايير الأخلاقية أن يحقق لها الدخل الذي تتوخّاه أم عكس ذلك؟. وهنا يبدو الجواب واضحاً، وهو أن الالتزام بالمعايير الأخلاقية لن يضمن تحقيق الدخل المطلوب، ذلك أن التمويل منذ الأساس غالباً ما يتم لخدمة سياسات عدوانية لاتضع في اعتبارها أي تحسب للمعايير الأخلاقية. لذا، فإن البث المأجور هو منذ الأساس يفتقر إلى معيار الانحياز إلى الحق، ولولا ذلك لما كان مستغلوه قد اضطروا لدفع المال من أجل الحصول على خدمة إعلامية معينة تسهم في تمكينهم من الوصول إلى أهدافهم القائمة أصلاً على إضعاف الآخرين واستغلالهم.‏

==========================

الشارع المشرع

تاريخ النشر: السبت 16 أبريل 2011

الاتحاد

في مقال الأسبوع الماضي كتبت عن أهم درس في تصوري من الثورات العربية في هذا الزمان، ويتلخص في ابتعاد الحكومات العربية عن شماعة الأجندة الخارجية التي نعلق عليها فشلنا. وأكدتُ على أهمية العمل على وجود أجندة واضحة تعدها الحكومات العربية بما يتناسب مع طموحات الجيل الجديد من أبناء الأمة العربية. هذا الجيل الذي أحسنا تعليمه، لذلك فهو على إطلاع بمجريات الأمور من حوله محليا ًوعالمياً. وعرجت على أهمية أن تشمل تلك الأجندة الداخلية مشاريع واضحة تتلمس الحاجات التنموية للمجتمعات على إطارين، أحدهما قريب المدى، والآخر بعيد التخطيط، فهناك أمور عاجلة لابد من إصلاح الخلل فيها، وأخرى لا تصلح بسرعة لأن الزمن جزء من علاجها، ولكنها لن تعالج بنفسها، بل لابد من وجود الاستراتيجيات المحددة، التي من شأنها أن تحقق أحلام اليوم إلى حقائق المستقبل.

ومن أبرز ما نحتاجه في المستقبل القريب تعريف حدود الحرية التي من حق الإنسان العربي أن يمارسها، ففي المجتمعات الغربية بدأت حركة التنوير والصحوة بتأطير أبعاد واضحة للحرية الفردية والمسؤولية المجتمعية، تلك الحرية قد لا تكون مناسبة لنا في الوقت الراهن لمتغيرات كثيرة.

ولكن لابد من التخطيط الجيد لها كي يعرف الإنسان العربي حقوقه وواجباته، ومن دون تعريف للحرية تتلخبط المعاني والتصرفات، وينتج عن ذلك الخلط عجيناً لا يصلح أبداً لطبخة عربية أصيلة، لقد تعلق العرب فترة من الزمن بالاشتراكية، وأضيفت هذه الكلمة إلى أسماء عدد ليس بالبسيط من الدول العربية، وكانت الشعارات الجوفاء من حق الفقراء المضطهدين، ولكن اشتراكية العرب قادتنا إلى نوع جديد من الدكتاتورية الفكرية والتطبيقية. ومن جانب آخر عزف بعض العرب على نغمة الرأسمالية والديمقراطية والانتخابات. لكن اللحن العربي عندما مزج بالفكر الغربي نشأ عنه إيقاع جديد من الديكتاتورية العربية التي تخلد الرئيس عبر صندوق الانتخاب، بل تضمن لذريته من بعده الفوز في أقرب انتخابات شكلية تعقد بعد موت والده، وهل نتوقع من العربي عندما ينسلخ من جلدته إلا مشية السلحفاء في ثوب زرافة.

الوقت جد مناسب للبحث في جذور التخبط، الذي مرت به الأمة العربية ردحاً من الزمن، وهو دور لابد أن يلعبه المفكرون والمنظرون في هذه الأمة، كي لا تصبح الأفكار جرياً وراء مطالب الشارع، فالخطر كل الخطر عندما يتحول الشارع إلى مشرع، ويتكلم العقل الجمعي غير الواعي بمستقبل أمة تتخبط يمنة ويسرة، لكنها لا تبحث عن الجذور، بل تتطلع إلى زراعة الزهور الاصطناعية كي تحل الأزمة العربية.

إنها مسؤولية العلماء والمفكرين كي يقفوا صفاً واحداً ليس ضد التيار، ولكن لا ينبغي لهم الغوص في شلاله كي لا يغرقهم طوفانه، الدول العربية مرة أخرى بحاجة لكم أيها العقلاء، كي تقولوا لنا ما هي الأجندة الداخلية التي ينبغي أن نسير عليها كي نصل إلى بر الأمان في طوفان التغيير، إنْ لم نستعد له اليوم.

هذه الأجندة ينبغي أن تكون معلنة منشورة مصاغة بطريقة قابلة للتنفيذ عبر زمن محدد، لأن العربي اليوم يكذب الشعارات الطنانة الرنانة، التي قُذفت في مزبلة التاريخ، فهو بحاجة إلى كلام يتحرك على الأرض، وفكر يراه في مشاريع تحقق له طموحاته، وتتناسب مع أصالته، وليس التنظير من أجل التفكير الفلسفي المجرد.

==========================

لغة المرحلة: بلطجية وشبّيحة

د.سعد بن طفلة العجمي

تاريخ النشر: السبت 16 أبريل 2011

الاتحاد

لكل مرحلة لغتها ومصطلحاتها، ولكل حقبة شعاراتها، وكل تيار سياسي له لافتاته السياسية، من عايش المرحلة الناصرية واليسار العربي ومد القومية العربية وترعرع في كنف ضوضاء "البعث" بشقيه، وعاصر الأيديولوجيات الدينية، لا بد أنه قد مر كثيراً على لغة تلك الحقب المختلفة المتزامنة. فمن منا لا يذكر "الاتحاد الاشتراكي" و"الوحدة العربية" و"الاشتراكية العربية" و"البعث طريقنا" والبروليتاريا والطبقية والبرجوازية والطبقة الوسطى والعليا والدنيا، ومن منا لم تبهره شعارات الدين السياسي في صغره: الإسلام هو الحل -ودستورنا قرآننا- والشريعة مطلبنا"، وهكذا.

لكن ثمة إجماع على أن "الثورات العربية" الحالية قد أسقطت الأيديولوجيا والحلول الجاهزة، لعلنا لاحظنا أن المطالب عامة: الحرية والكرامة والديمقراطية ومحاربة الفساد والشفافية وحقوق الإنسان. كلها مطالب قِيمية، ولم تعد هناك شعارات الحلول الجاهزة، والأيديولوجيات المعلّبة يميناً ويساراً وديناً وعلمانية، مطالب مدنية أساسية ترى في البطش والديكتاتورية عائقاً أمام تحقيقها، ولذلك "طالبت بإسقاط النظام" في بلدان تترادف كلمة النظام فيها مع كلمة التعذيب والإهانة والنهب والبطش واللطش. وما من سبيل لتحقيق الحدود الدنيا من تلك المطالب دون "إسقاط النظام". وقد سقط النظام في تونس ومصر، وقد يسقط في أماكن أخرى، لكن البديل لا يزال يتلمس طريقه نحو الغد، ولايزال المستقبل يكتنفه الكثير من الغموض.

ولكن، مثلما "لكل زمان دولة ورجال"، فإن لكل حقبة شعاراتها ولغتها وبلطجيتها وشبّيحتها! ففي مصر خرج "مجهولون" يقتلون ويبطشون بالناس المتظاهرين وسموهم "بلطجية"، ورادفهم "البلاطجة" في اليمن. وأصل الكلمتين واحد، فالبلطجي كلمة تركية تعني من يرافق الجيوش لقطع الأشجار وتزويدها بالأخشاب مستعملاً في ذلك "البلطة" التي تعني فأساً لعله اشتق من شجر البلوط الباسق الوفير الخشب. والبلطي في لهجة أهل الخليج والعراق نوع من أنواع السمك، لعل أصلها فارسي مثل معظم الكلمات والأسماء المرتبطة بالأسماك والملاحة البحرية في لغة أهل الخليج. وقد يكون جمع البلطجي "البلاطجة" في اليمن قياساً على "الغساسنة" والمناذرة كجمع الجمع، بدلًا من الغسانيين والمنذريين.

وفي سوريا، توارت كلمات المد الثوري و"البعث طريقنا" إلى مطالب بالحرية وسوريا وبس، في مقابل شعارات تلتزم بسوريا وبشار وبس، مع ملاحظة أن لفظ الجلالة -الله- يسبق الشعارين في الحالتين. ومن تصدى للمتظاهرين في سوريا ليسوا بلطجية ولا بلاطجة، لكنهم "الشبّيحة"، وهي جمع "شبّيح"، وقد وجدت لها في اللغة العربية أصل يقارب أعمال القتل والسحل فشبح الجلد يعني مدّه بين وَتَدين حتى يجف بعد "دبغه"، و"دبغه" في لهجة أهل الخليج -والكويت خاصة- تعني ضربه ضرباً مبرّحاً، وشبح تعني أيضاً "صَلَبَ"، ولعل العلاقة بين الدبغ والصلب والتشبيح، واضحة لا تحتاج إلى تفسير.

وفي لهجة بعض القبائل في الجزيرة -مثل العجمان وبني مرة وقبائل في اليمن وليبيا- "يشبح" تعني ينظر، وقد تطورت بمعناها هذا من كلمة الشبح أو الخيال وظهور الأشياء وتبيانها. المهم أنه تعددت التسميات والبلطجة واحدة، والقمع واحد، والقتل واحد، والتشبيح واحد.

ولا يمكن أن يغفل المتابع "لثوراتنا" العربية مصطلحات "التنحي والتنازل وتسليم السلطة"، والتي يفترض أنها متطابقة المعنى في الظروف العادية، ولكنها ليست كذلك في ثوراتنا بعد تدخل البلاطجة والشبيحة، فعنصر البلطجة يؤخر تسليم السلطة، وتمادي البلاطجة يؤدي إلى رفض التنازل عن السلطة، والشبّيحة يضيعون فرصة التنحي، وانتشار البلطجة، يرتبط بالدم، والدم يقود إلى مزيد من الدم، فينتفي التنحي والتنازل وتسليم السلطة ويسود البلاطجة فتسيل الدماء بغزارة... القذافي يختزل شرح لغة المرحلة أعلاه!

==========================

سميرة مسالمة إعلامية دفعت ثمن المبادرة

إعداد: عقل عبدالله

التاريخ: 16 أبريل 2011

الامارات اليوم

أعفت وزارة الاعلام السورية رئيسة تحرير صحيفة «تشرين»، سميرة مسالمة من مهام منصبها على خلفية تحميلها قوات الأمن السورية مسؤولية قتل مدنيين في التظاهرات التي جرت في درعا وغيرها من المدن، ومطالبتها بمحاسبة المسؤولين عن إطلاق النار على المتظاهرين في درعا.

وكان لقاء المسالمة مع قناة الجزيرة، الذي تحدثت فيه عن التظاهرات التي جرت في درعا ومخالفة قوات الشرطة للتعليمات الرسمية الصارمة بالامتناع عن اطلاق النار على المتظاهرين، هو عود الثقاب الذي اشعل الغضب الرسمي على هذه الاعلامية التي تجرأت على انتقاد سياسات تتعلق بالتعامل مع المتظاهرين والاضطرابات والقشة التي قصمت ظهر البعير لتطيح المسالمة.

وقالت المسالمة المولودة عام 1969 والمنحدرة من درعا، إنها اتصلت ببعض المثقفين السوريين المحسوبين على المعارضة، بهدف إقامة حوار معهم يمكنهم من خلاله التعبير عن آرائهم حول الإصلاحات السياسية والحريات العامة لكي تأخذ السلطات علماً بها ومن بين هؤلاء المفكر والفيلسوف طيب تيزيني والصحافي والكاتب فايز سارة والصحافي لؤي حسين، الذين أبدوا بدورهم استعدادهم لأي مبادرة من شأنها ضمان استقرار وأمن سورية، وهو الامر الذي لم يرق للبعض ممن وصفتهم ب«الحرس القديم».

وكانت المسالمة خريجة الادب العربي من جامعة دمشق هي أول امرأة تتسلم رئاسة تحرير صحيفة حكومية كبيرة واسعة الانتشار، وتسلمت عملها مع بداية عام .2009 خلفا للصحافي عصام داري، وكانت المسالمة قد بدأت حياتها المهنية في جريدة «المسيرة»، التابعة لاتحاد شبيبة الثورة عام ،1991 ثم انتقلت إلى وكالة الأنباء السورية (سانا )، قبل ان تلتحق بجريدة «الثورة» الرسمية عام ،1997 وبعد ذلك انتقلت الاعلامية المسالمة للعمل في الإعلام الخاص، إذ شغلت منصب مديرة تحرير صحيفة «الاقتصادية» الأسبوعية، وكذلك مديرة للقسم الاقتصادي لجريدة «الوطن» شبه الرسمية.

وقالت مسالمة في اتصال هاتفي مع «فرانس برس»، «بلغت من أحد قادة الأمن قرار إقالتي، وكانت هناك تعليمات رئاسية بعدم اطلاق النار، وإذا كان هناك طرف ثالث فيتوجب على الجهات الامنية تقديمه للناس ومحاسبته، لأنه لا يمكن التسامح بشأن أرواح ابناء الشعب وسأبقى مؤمنة بمشروع إصلاحي يقوده الرئيس بشار الأسد»، مشيرة إلى تعيين منير الوادي خلفا لها.

وكان مراقبون وصفوا تعيين المسالمة رئيسة لتحرير صحيفة «تشرين»، بأنه زلزال اصاب الاعلام السوري الذي كان غارقا في الجمود والركود والروتين، الامر الذي دفع كثيرا من الاقلام الى مهاجمتها في اطار المهاترات وتصفية الحسابات، كما تعرضت مسالمة لحملة على «الإنترنت»، قالت عنها إها ضمن المشكلات العديدة التي واجهتها منذ تسلمها عملها، ومنها توجيه اتهامات إليها بتشجيع التطبيع مع اسرائيل

وتشير المسالمة إلى تصويت مجلس الشعب السوري على قرار فصلها من عملها، إثر ما نشرته «تشرين» عن حل التشابكات المالية لمنير الوادي، ما اعتبره المجلس مساساً بهيبته فصوت على فصل المسالمة والوادي من عملهما، ثم عاد في اليوم نفسه ليصوت على الاكتفاء باعتذار الجريدة، وهو ما حصل فعلاً.

وفي مقابلة لها، أخيرا، مع صحيفة لبنانية، وردا على سؤال عن أي حد يمكن لصحيفة «تشرين» أن تنتقد الحكومة السورية في ظل رئاستها تحريرها، قالت «المسالمة إنه الحد الذي يكون فيه الصحافي ينتقد الأداء وليس الشخص، أي النقد البناء الذي يبحث عن حلول، ولا يدخل في إطار الشتائم والمهاترات، ولديه الحل البديل لهذا الأداء».

==========================

تخاذُل وتواطؤ على الدم السوري

15 إبريل 2011

 د. ياسر سعد

هناك ما يشبهُ الغطاء، دوليًّا وعربيًّا، لنظام الأسد لقمع الانتفاضة الشعبيَّة وبطريقة موغلة في الوحشيَّة والدمويَّة، فعلى الرغم من سقوط عشرات من القتلى ضمن تعتيم إعلامي رسمي، فإننا بالكاد نسمع أصواتًا دوليَّة وعربيَّة تندد بمجازر النظام أو تضغط عليه ليرفع الحصار الإعلامي على ما يجري في سوريا.

وما يثير الخوف والقلق هو في المؤشرات والتي توحي برغبة النظام في تصعيد حمامات الدم من خلال رواياته الهزليَّة والهزيلة حول وجود عناصر مندسَّة أو مجموعات مسلَّحة أو كمائن لعناصر من الجيش، وكأن النظام يمهِّد بتلك الروايات -والتي يعقبها تهديدٌ ووعيد بعدم السكوت على التجاوزات الأمنيَّة المزعومة- لمجازر وتجاوزات دمويَّة.

روايات النظام وافتراءاته، والتي تذاع على الفضائيات والإذاعات دون أن نسمع أصواتًا دوليَّة أو عربيَّة تحذره من التبعات إن هو صعَّد من وحشيته أو لم يتوقفْ عن القتل والهمجيَّة.

مقارنة وعلى عجالة بين مواقف واشنطن وبعض وسائل الإعلام من ثورتي مصر وتونس وبين مواقفها من الثورة السوريَّة السلميَّة، تظهر فرقًا شاسعًا وبوْنًا واسعًا؛ ففي حين كانت التعليقات السياسيَّة تترى والتي تتصاعد مع تصاعد الأحداث، وكانت بعض التغطيات الإعلاميَّة تسابق الحدث إن لم نقل تساهم في صياغته، يبدو الجرح والدم السوري على غزارته لا يستفزُّ حميَّة أدعياء الديمقراطيَّة، ولا يثير شهيَّة وسائل إعلاميَّة، لا بل وأكثر من ذلك يصيبها بعسر في الهضم وازدواجيَّة في التفسير والفهم، فما هي الأسباب التي أدت إلى التعامل مع الأحداث المشتعلة في سورية بشيء من البرود واللامبالاة؟ وهل كلمة السر في فهم هذا الأحجية هي إسرائيل!!

الدولة العبريَّة -وبعيدًا عن ضجيج الإعلام وجعجعته والتي أجادها النظام السوري- تعيش حالةً من الاسترخاء والراحة على حدود الجولان المحتلّ، والتي تشكل الجبهة الأكثر هدوءًا ما بين إسرائيل ودول الجوار عبر عقود، كثيرة هي الدراسات والتي تشير إلى صفقة تمت بين حافظ الأسد وزير الدفاع في حرب 67 والصهاينة تخلَّى لهم فيها عن الجولان مقابل دعمه دوليًّا وإقليميًّا للوصول للحكم.

ولعلَّ كتاب "سقوط الجولان" لضابط الاستطلاع السوري مصطفى خليل والذي يوثِّق المسألة بالأرقام والخرائط والتي كان من أبرز محطاتها بلاغ 66 الصادر عن حافظ الأسد، والذي يعلن فيه سقوط القنيطرة قبل احتلالها بيوم أو أكثر، كما أن كتاب سعد جمعة السياسي الأردني "المؤامرة ومعركة المصير" يكشف الكثير من تفاصيل الكارثة المؤلمة.

مصلحة تل أبيب تقتضي بقاء نظام دموي فاسد في الحكم يفتقر إلى الشرعيَّة الشعبية، ويتعامل مع المقاومة كأداة وورقة سياسيَّة في الخارج فيما يدمِّر كل مقومات المقاومة والممانعة الشعبيَّة في الداخل، فهذا النظام والذي يحرك دباباته في بانياس ودرعا وغيرهما من المدن الوادعة، لم ولن يجرؤ على الرد على الصهاينة وبأي شكلٍ، سواء دمَّروا موقع الكبر أو حلَّقوا فوق قصر بشار أو قصفوا مخيم عين الصاحب، في حين يستفيد الحكم السوري من حالة الحرب المزعومة لفرض قوانين الطوارئ والأحكام العرفيَّة منذ نحو نصف قرن ليوغل في القمع والنهب تحت شعارات المعركة المصيرية الزائفة، في تعليقه على أحداث تونس وقت اندلاعها، قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم: "أخشى ما أخشاه أننا نقف حاليًا أمام مرحلة جديدة وبالغة الخطورة في العالم العربي، فإن سقط النظام التونسي القائم، فقد لا يؤثر ذلك بشكلٍ كبير في الوقت الآني على الأمن القومي الإسرائيلي، لكن يمكن الافتراض أن هذا التطور سيشكِّل سابقة قد تتكرَّر في دول يؤثر استقرار نظامها علينا بشكلٍ مباشر".

وفي حديثه مع الإذاعة الإسرائيليَّة كان شالوم أكثر وضوحًا عندما قال أنه في حال تَمَّ استبدال الأنظمة في الدول التي تحيط بإسرائيل بأنظمة ديمقراطيَّة فإن هذا يحمل في طياته خطرًا كبيرًا على الأمن القومي الإسرائيلي، على اعتبار أنه يفترض أن تعتمد الأنظمة الجديدة أجندة تشكِّل بحد ذاتها مسًّا بالمصالح القوميَّة الإسرائيليَّة.

أحد الوثائق السريَّة الأمريكيَّة والمسرَّبة لموقع ويكيليكس –بحسب صحيفة القدس العربي- نقلت برقية تَمَّ إرسالها من السفارة الأمريكيَّة في تل أبيب حول لقاء بين المسئولة في وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة إليزابيث ديبل والمسئول الإسرائيلي عاموس جلعاد عقد في 19-9-2005، جاء فيها أن إسرائيل تفضِّل بقاء الأسد في الحكم وأن جلعاد قال إنه "يستخفّ" بالأسد، لكنه اعترف بأن "سورية ستكون في وضع أسوأ بكثير من دونه" وفي الصيف الماضي وإثر توتر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب على خلفيَّة أحداث قافلة الحريَّة، أبدى بشار الأسد قلقه العميق، معتبرًا أن الأزمة الدبلوماسيَّة بين تركيا وإسرائيل "ستؤثر في استقرار المنطقة" وقال خلال زيارة رسميَّة كان يقوم بها لأسبانيا: "إذا لم تتمّ معالجة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، فسيكون صعبًا جدًّا بالنسبة إلى تركيا أن تؤدي دورًا في المفاوضات"، مضيفًا: إن "تراجع دور تركيا سيؤثر من دون شك في استقرار المنطقة".

الشعب السوري حطم حاجز الخوف، وهو في حالة من الشوق للشديد للحريَّة ولاستعادة إنسانيته بعد أن حرمه منها نظام دكتاتوري دموي فاسد، صمود السوريون وبسالتهم ستجبر الكثير من المتواطئين والمتردِّدين على تغيير مواقفهم ومحاولة الالتحاق بقافلة الحرية في سوريا، والتي تكتب تاريخًا جديدًا بدماء وتضحية شعبها ورجالها.

==========================

لكي لا تتكرر أزمة «ما بعد الاستقلال» في الوطن العربي

زين العابدين الركابي

الشرق الاوسط

16-4-2011

تعلمنا من منهج القرآن حقيقة أو قاعدة «رفع الإيهام قبل أن يقع في الأذهان». ومن براهين هذه القاعدة: «وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما».. فهذه واقعة قضائية نظر فيها داود وسليمان - عليهما السلام - فأُلهم سليمان الحكم بالصواب فيها. وهنا قد يفد إلى الذهن وهْم أن أباه داود أقل علما، ولذلك رُفع هذا الوهم قبل أن يفد إلى الذهن: رُفع بعبارة «وكلا آتينا حكما وعلما».

واهتداء بهذه القاعدة الجليلة الجميلة، ندفع وهما قبل أن يقع في ذهن أحد وهو يقرأ هذا المقال فنقول:

أولا: ليس في هذا المقال ذرة ولا معنى يميل - سنتيمترا ولا أقل - إلى تأييد الديكتاتورية والاستبداد - الذي قام الناس عليه.. فليس يحق لمسلم أن يتعاطف مع الاستبداد والطغيان وهو يقرأ كتاب ربه: «وخاب كل جبار عنيد».. ويقرأ: «وإن للطاغين لشر مآب».

ثانيا: إن هذا المقال دعوة للاجتهاد السياسي وتكوين رؤية سياسية واجتماعية صلبة وأصيلة تعقب التغييرات وتهديها بما يتوجب الاهتداء به في إدارة شؤون الدولة والمجتمع.. وليس المقال - من ثم - دعوة إلى التخذيل والتيئيس.

في حقبة سابقة، ماج الوطن العربي والعالم الإسلامي بحركات الاستقلال عن الاستعمار.. وعلى تفاوت في آماد هذه الحركات ظفر العرب والمسلمون بالاستقلال في النهاية.

فكيف سارت الأحوال بعد الاستقلال؟

في الغالب، كانت برامج الذين نادوا بالاستقلال محصورة - تقريبا - في هذا الشعار الجذاب، والمعبر - موضوعيا - عن مطالب تلك الحقبة. فلما حصل الاستقلال، لم يكن بين أيدي الزعماء الوطنيين منهج قويم - وعملي - للبناء والنهوض، سواء على الصعيد الاجتماعي والفكري والثقافي، أو على الصعيد السياسي والاقتصادي. بمعنى أنه لم يحصل اجتهاد وطني خصيب في هذه المجالات.. وعندئذ مالت الذات إلى ما هو أسهل: مالت إلى استعارة نموذج الليبرالية أو الديمقراطية الغربية: انتخابات.. وأحزاب.. ومعارضة منظمة.. إلخ.

وكان هذا «شكلا ديمقراطيا» بلا محتوى. فقد ظن ظانون كثر أن الشكل الديمقراطي المجرد ينتج - تلقائيا - الحلول الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما ظن أناس - من قبل ومن بعد - أن الديمقراطية دواء من كل داء.. وهذا تعميم أو مطلقات مبهمة تشبه شعارا إسلاميا مجملا مبهما «الإسلام هو الحل».. وما نشك لحظة في أن الإسلام يهدي إلى التي هي أقوم في كل شيء بحكم مصدره الذي لا يهدي إلى الحق إلا هو تبارك في علاه: «قل الله يهدي للحق».. بيد أن هذا الشعار بطريقته المجملة المبهمة هذه هو شعار مُضِلّ: يزيد الحيرة ولا يرفعها.

استعار زعماء الاستقلال الديمقراطية - بمفهومها الغربي - وحكموا بها المجتمعات والدول حينا من الدهر.

فكيف سارت الأحوال بعد الاستقلال؟

كان التخبط هو سيد الموقف في الغالب. وكان الصراع الحزبي يلتهب دوما، ولا يبرد قط، وهو صراع نشأت عنه مكايد وخصومات حملت الحزبيين جميعا على أن يجعلا أوليتهما المطلقة هي الانتصار للحزب وزعامته، لا الانتصار للوطن وقضاياه.. وفي غمرة هذا الصراع الكالح العقيم المجنون، تعطلت المصالح الحيوية للناس والأوطان حتى سئم الناس الأحزاب وأفعالها، كما سئموا وعاءها العام وهو «الديمقراطية الشكلية».

هنالك ماجت الأمة العربية الإسلامية بظواهر جديدة: ظواهر الانقلابات العسكرية.. ولئن كانت مرحلة الأربعينات بعيدة - نسبيا - عن الذاكرة، فلعل مثلا قريبا، عمره سنوات عشر تقريبا، حديث العهد بالذاكرة والوعي.. لعل هذا المثل يقرب الصورة.. حين قام برويز مشرف بانقلابه الأول في باكستان استقبل بفرحة عامة، ومظاهرات تأييد اقترنت بتوزيع حلوى ومرطبات (!!!!).. واقترنت بالإشادة بالانقلاب من قبل المعارضة بمختلف راياتها وفصائلها وتوجهاتها الفكرية والسياسية، كما استقبل الانقلاب بإقامة «صلاة شكر».. وكانت الآلة الإعلامية الباكستانية قد استدارت 180 درجة من خلال الثناء على الانقلاب، وتلميع الانقلابيين.. هذه الفرحة العامة - والغريبة - بالانقلاب العسكري ما سببها؟.. هل هو الحب والهيام بالانقلابات العسكرية؟.. أم هو الكراهية العميقة للوضع السياسي (الديمقراطي) السابق؟!.. وما الذي جمع بين النقائض ووحّدها تجاه تأييد انقلاب مشرف؟.. ما الذي جمع بين «بي نظير بوتو» التي باركت الانقلاب وأثنت على قائده، و«الجماعة الإسلامية» التي نشطت في الدعوة إلى إقامة صلاة شكر؟!.. الجامع بين النقائض هو الاشمئزاز العميق من التردي السياسي الديمقراطي الذي سبق الانقلاب وكان سببا له وذريعة.

وتكاد تفاصيل هذا المشهد الباكستاني تتطابق - في الجملة والتفاصيل - مع المشاهد السياسية التي سبقت - بسنوات ثلاث - الانقلابات في سورية ومصر والسودان والعراق، وهي انقلابات قامت على أنقاض الأوضاع الديمقراطية السيئة في تلك البلدان. وبعيد جد بعيد أن يكون هذا الكلام تسويقا للانقلابات، فنحن ضد الانقلابات من حيث المبدأ، وضدها من حيث العبرة بالنتائج المرة لحكمها وممارساتها.. والمقصود هو تصوير «الحالة» كما هي، وهي صورة يمكن أن يحصل عليها من يقرأ الصحافة - في البلدان العربية الأربع السابقة - قبيل الانقلابات بسنتين أو ثلاث.

فماذا فعلت الانقلابات العسكرية التي قامت على أنقاض الأوضاع الديمقراطية المضطربة؟.. فشلت في التنمية.. وفشلت في التعامل مع الحريات.. وفشلت في السياسة الخارجية.. وفشلت في ردع العدوان الصهيوني - الذي كان سبب قيامها كما قالت - بل إنه في ظل هذه الانقلابات استقرت إسرائيل وبنت نفسها مدنيا وعسكريا، ووسعت رقعة احتلالها للأرض العربية.

ثم بعد أن استفحل الفساد والاستبداد والهزائم، وشاع البؤس والحرمان والكبت، ارتج الوطن العربي بانتفاضات شعبية: عرف أولها ولم يعرف آخرها.

فماذا بعد هذه الانتفاضات والثورات؟

هل ستتكرر أزمة ما بعد الاستقلال، أي أزمة غياب المنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بسبب فقدان الاجتهاد السياسي الناضج الراشد الخصيب في هذه الحقول؟

وإذا وقع ذلك، هل ستمشي المجتمعات العربية في طريق مسدود: كما حدث بعد الاستقلال؟

وما الضمانات ألا تتكرر أزمة ما بعد الاستقلال؟.. هل الضمان هو تبني الشكل الديمقراطي بمفهومه الغربي؟.. وإذا كان هذا هو الضمان، فما هي العواصم التي تعصم المجتمعات العربية من الانزلاق إلى صراع حزبي واسع ومرير ينشغل بنفسه ويغرق في تفاصيله، مهملا المصالح الحيوية والقضايا الرئيسية للشعوب والأوطان؟.. وإذا وصل الحال إلى هذا التأزم، فما الحل القادم؟.. هل الحل - أيضا - هو الانقلابات العسكرية التعسة؟

كما قلنا من قبل: ليست هذه دعوة إلى التخذيل والتيئيس.. فالأمة ليست في حاجة إلى المزيد من الإحباط والخذلان، إذ فيها من ذلك ما يكفيها ويزيد. وإنما هي دعوة إلى الاجتهاد الفكري السياسي المبدع الذي ينتهي بوضع رؤية استراتيجية سياسية اجتماعية حضارية تخرج المجتمعات من دوامة: ديمقراطية ثم انقلاب ثم ديمقراطية ثم انقلاب.. تخرجها من ذلك إلى فسحة استقرار حقيقي، وتنمية عميقة جادة شاملة، وحراك سياسي راشد ونزيه، وثقافة بناء ونهوض واستبشار لا ثقافة عجز ونواح وقنوط..

ومن مفاتح الاجتهاد المطلوب: الاجتهاد في استنباط صيغة سياسية جديدة تجمع - مثلا - بين العدالة الاجتماعية والاقتصاد الحر.. وبين حقوق الإنسان ومسؤولياته.. وبين الحرية والأمن.. وبين الوطنية والعالمية.. إلخ.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ