ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
الاحد 17 أبريل 2011 برهان غليون الاتحاد دخلت انتفاضة الحرية والكرامة في سورية
أسبوعها الخامس . ولا يقدم الخطاب
الثاني للرئيس، الذي كرر فيه وعود
الخطاب الأول، أي إشارة إلى احتمال
الخروج قريبا من الازمة التي فجرتها.
وبعد أن اقتصرت دائرتها في 15 آذار على
عشرات المشاركين، تحولت بعد حادثة
أطفال درعا الخمسة عشر إلى انتفاضة
كبرى، وتوسعت دائرتها اليوم لتشمل
الأراضي السورية بأكملها كما زاد عدد
المشاركين فيها ليصل مئات الآلاف في
الجمعة التي أطلق عليها جمعة الصمود (15
أبريل)، والتي وضعت الانتفاضة على سكة
الانتفاضات العربية الأخرى، في حجم
المشاركين فيها وقوة تصميمهم، وصار من
الصعب اليوم توقع همود بركانها قبل أن
تحقق أهدافها التي لا تختلف من حيث
الجوهر عن الأهداف التي رفعتها
وترفعها جميع انتفاضات الحرية
والكرامة العربية. ما حدث حتى الآن في سورية شيء كبير وخطير،
يتجاوز بكثير ما حدث في الأقطار
العربية الأخرى. ذلك أن النظام القائم
في سورية يتميز أيضا عن النظم العربية
الأخرى، في تونس ومصر واليمن والبحرين
وغيرها، بغياب أي حياة سياسية في
البلاد، مهما كان ضيق هامشها. فالبلاد
لا تقاد سياسيا وإنما تديرها مجموعة من
الأجهزة الأمنية، المستندة هي نفسها
إلى توازن عام للنظام تضمن السيطرة
العسكرية. ولا يمثل حزب البعث الحاكم
سوى غلالة رقيقة هدفها التغطية على
غياب السياسية والحقل السياسي تماما،
وتبرير حكم الأجهزة وسيطرتها الشاملة،
بما في ذلك داخل الحزب الحاكم وداخل
الجيش وداخل الإدارة وداخل الحكومة
نفسها. فلا يمكن القيام بأي أمر، قولا
او عملا، من تعيين رئيس الجمهورية إلى
إجراء معاملة مدنية بسيطة في الإدارة،
مرورا برئاسة الوزارة وانتقاء نواب
مجلس الشعب والمناصب الإدارية، بل حتى
القبول في أي وظيفة عمومية مهما كانت
محدودة الاهمية مثل حارس مبنى أو آذن
مكتب، من دون أن يمر بالأجهزة الامنية
وينال رضاها وموافقتها، احدها أو
مجموعة منها. وبالإضافة إلى ذلك يخضع
الشعب السوري منذ عام 1963 إلى حالة
الطواريء التي تكرس هذا الاستباحة
الكاملة لحقوق الشعب من قبل الأجهزة،
وتشرع لمعاقبة أي قول أو سلوك أو نشاط
لا ترضى عنه الأجهزة الامنية، ولا يصب
في هدف تعزيز سلطتها وتاكيد سيادتها
على الشعب والبلاد. هكذا تحول الحكم
السوري القائم إلى كابوس حقيقي يربض
على صدر شعب قيد بالسلاسل، وفرض عليه
الصمت والطاعة خلال ما يقارب نصف قرن،
لا يمكن للفرد أن يتكلم فيه ويعبر عن أي
رأي مخالف، حتى داخل دوائر الحزب
والسلطة، ولا يحق لأفراده التواصل وما
بالك بالاجتماع والتنظيم والمشاركة
السياسية أو غير السياسية. وهذا ما
يشكل حكما بالاعدام السياسي على شعب
كامل. وقد اعتاد رجال الأمن، وهم في
الحقيقة رجال ترويع للشعب وظيفتهم
إشعار كل فرد بأنه ليس آمنا ما لم
يتعامل مع الأجهزة ويخضع لها ويقبل
باقتسام تجارته أحيانا مع أفرادها، أن
يهينوا المواطنين لسبب أو من دون سبب،
من أجل إخضاعهم وإشعارهم بدونيتهم
وعبوديتهم وترسيخ الشعور بالعجز
والمهانة والمذلة لديهم. وكان الضرب
والأذى الجسدي من الامور اليومية أما
الشتائم المذلة فقد أصبحت عملة
التداول اليومية داخل الدوائر الرسمية
حتى من قبل أعضاء الإدارة من غير جهاز
الأمن. وتحولت الإهانة المعممة في
الواقع إلى تقنية سلطوية هدفها بناء
العلاقة بين اصحاب السلطة وابناء
الشعب كعلاقة سيد إلى عبد، وقادر إلى
عاجز، ونبيل إلى صعلوك، مهما كان وضع
الفرد ومكانته الاجتماعية والعلمية.
كل فرد سوري هو مشروع قن أو عبد مأمور.
والواقع أن جميع أبناء الشعب قد تحولوا
إلى عبيد وأقنان، تطحنهم آلة واحدة
ومنطق واحد هو التشكيك والتحقير
والتكسير المعنوي المتبادل. . ولم يكن من قبيل الصدفة أن ترتبط شرارة
الانتفاضة بهذه المعاملة المهينة التي
اعتاد عليها أبناء النظام. فكانت أول
حادثة لفتت انتباه السوريين
والمراقبين الأجانب تلك التظاهرة
الصغيرة التي حصلت في سوق تجاري، سوق
الحريقة، في دمشق، بسبب تعرض أحد
التجار الشباب للضرب المبرح امام
الملأ من قبل رجل شرطة، فتجمع تجار
السوق، وانطلقت من حناجرهم أول صرخات
الانتفاضة وشعاراتها من دون أن يدروا:
الشعب السوري ما بينذل، أي لا يذل. ولم
يتفرق المتظاهرون إلى أن اضطر وزير
الداخلية أن يأتي بنفسه ليعتذر لهم،
ويأمر بمعاقبة الشرطي ليرطب خواطرهم.
لكن الحادثة الأهم للاهانة والتي سوف
تطلق بالفعل شرارة الانتفاضة السورية،
والثورة العارمة في منطقة حوران جنوب
سوريا التي تعد اليوم منطقة محررة كليا
من سلطة البعث ورموزه، تتلخص في اعتقال
الأمن لخمسة عشر طفلا سوريا بين سن
العاشرة والرابعة عشر، بسبب كتابة
بعضهم شعارات تبشر بسقوط النظام. وقد
تعرض الأطفال للتعذيب وقلعت أظافر
أحدهم ومنعت أسرهم من زيارتهم. وعندما
ذهبوا بوفد لمقابلة محافظ درعا، شتمهم
جميعا وأخبرهم أن عليهم أن ينسوا
أولادهم، وأن يرجعوا ليناموا مع
نسائهم لإنجاب بديل لهم لأنهم لن يروهم
أبدا. كان خروج السوريين إلى الشوارع لتحدي
سلطة من هذا النوع معجزة بالمعنى
الحرفي للكلمة. ليس بسبب الخوف، بل
الرعب الذي عشش في الصدور، ولا بسبب
الحضور الأمني والعسكري الكثيف
والدائم والشامل في كل شبر، خاصة في
المدن الرئيسية فحسب، ولكن، أكثر من
ذلك، بسبب الشعور العميق الذي ترسخ في
قلب كل سوري بالعجز والغلبة على الأمر
وعدم القدرة على فعل شيء تجاه نظام
جبار، ورجال أمن وحكم عتاة لا يتورعون
عن ارتكاب أي شيء في سبيل نزع ثقة الشعب
بنفسه، وتشكيكه حتى بقدراته العقلية،
ودفعه إلى الشك في ذاته وأهليته
وإنسانيته. علينا أن نعرف ونسجل للتاريخ أيضا أن
هؤلاء الذين خرجوا في الأيام الاولى من
الانتفاضة، وكانوا بالمئات فقط، خرجوا
كشهداء، ولم يخرجوا كمتظاهرين. وبقي
هذا الشعور قويا عند الشباب الذين أتيح
لي التواصل معهم، حتى جمعة الصمود
العظيمة التي تحولت فيها المظاهرات
إلى مسيرات بعشرات الأولوف، والتي
نقلت الانتفاضة من مرحلة الخطر، وصار
من غير الممكن القضاء عليها من دون
المغامرة بمجزرة كارثية لا يمكن لنظام
تحمل نتائجها. وفي الساعات الأولى
لجمعة الصمود هذه كتب لي شاب من الدير
على الفيس بوك يقول سنخرج اليوم في
مسيرة حاشدة وستكون أكبر من كل
سابقاتها. وكانت السلطات قد أغلقت في
الأيام الثلاثة السابقة مدينة بانياس
الساحلية، وقطعت عنها الاتصالات
والكهربا والماء، وارتكبت فيها مجازر،
وشنت حملة تطهير سياسي بالمعنى الحرفي
للكملة، ومارست كما تعودت، لكن على
نطاق أوسع تقنيات الإذلال والإهانة،
كما ظهرت في الصور التي تناقلتها
التلفزة حيث يركل رجال ميليشيات "الشبيحة"
الخاصة، التي استخدمتها السلطة لقهر
المواطنين زاعمة أنها لا تملك السيطرة
عليها، وكان هدفها ترويع اهلها وإعطاء
مثال للسورييين عن مدى العنف الذي يمكن
أن تصل إليه السلطة. فاردت طمأنة الشاب
الذي بدا لي مصمما على الخروج، فكتبت:
لا تخف انتهى درس الترويع. فرد علي في
الحال: استاذي أنا أنقل لك الخبر فحسب،
أنا لست خائفا أبدا. أنا لا أخرج من أجل
أن أعود. أن خارج شهيدا. ليس الخبز بالرغم من ندرته، ولا انتهاك
حقوق الانسان، التي لم يبق إنسان ليتصف
بها، ولا حتى تجبر الحاكمين وفسادهم
المنقطع النظير، هو الذي كان الصاعق
وراء تفجير بركان انتفاضة الكرامة
والحرية في هذا البلد العربي الجميل.
إنه الإفراط في الإهانة والإذلال
والاحتقار، أي سحق الانسان الذي شكل
جوهر السياسة، بل الفعل السياسي
الأصيل الوحيد، لنظام حكم سورية خلال
ما يقارب نصف قرن. لذلك لا أعتقد أن من
الممكن لثورة الكرامة والحرية أن
تتوقف في سورية قبل أن تقطع الذراع
التي تسببت بهذا الكم الأسطوري من
الإهانة والإذلال الذي تعرض له أبناء
الشعب السوري النبيل والمسالم، أعنى
أجهزة الرقابة والعقاب والتنكيل
الثلاثة عشر، والميليشيات والسجون
المرتبطة بها، والتي تسمى فروع الامن،
ولا وظيفة لها سوى حرمان الأفراد من أي
أمان، وتقديمهم عراة، خارج أي حماية
قانونية او سياسية، لوحوش مافيات
السلطة والمال الضارية. ==================== رامي قطاش.. رفض أن يقتل
أهل بانياس فلحق بشهدائها نشطاء سوريا يتهمون ماهر الأسد
بقتل رامي محمد البطاوي ربما لم يخطر على بال رامي عندما غادر
بلدته حلب لينخرط في صفوف الجيش السوري
ليحمي أهله ووطنه أنه سيتلقى أمرا من
القيادة أن يوجه سلاحه تجاه أهل وطنه
وأبنائه لا أعدائه.. وربما لم يكن يدري
أنه سيلقى حتفه شهيدا هو وعشرة من
جنوده عقابا له على عدم إطاعة الأوامر
وإطلاق النار على المتظاهرين سلميا
بأيد سورية.. وليس صهيونية، ليمثل دم
قطاش وغيره من الشهداء وقودا جديدا
للثورة السورية في "أحد الجلاء
17-4". فمن بين الشهداء
السوريين الذين سقطوا خلال المظاهرات
المطالبة بالإصلاح في سوريا، المقدم
رامي قطاش ابن مدينة حلب، الذي غادر
بلدته التي تعد عاصمة اقتصادية
لسوريا، ليدافع عن بلد أحبه وسكن في
حوانب قلبه، وسرعان ما كان بين القوات
السورية التي دخلت إلى لبنان لإعادة
الاستقرار في بلد شقيق. ومع اندلاع
شرارة الاحتجاجات السورية المنادية
بالإصلاح صدرت الأوامر للمقدم رامي
قطاش بالتوجه هو جنوده من الكتيبة
التاسعة إلى مدينة بانياس التي خرج
أهلها في احتجاجات سلمية، وخرج الأمر
فيها عن سيطرت قوات الأمن التي فشلت في
قمع التظاهرة، واستجاب للأمر ظنا منه
أن عليه أن يحافظ على الأمن أو على
المشئات الحكومية. غير أن قطاش الذي
انخرط في صفوف الجيش لينذر سلاحه
للدفاع عن بلده وتحرير الجولان المحتل
منذ ما يناهز النصف قرن دون أن يطلق
نظام بشار الأسد رصاصة واحدة لتحريره،
والدفاع عن أهله من عدو يتربص بهم،
فوجئ بأن الأوامر تقتضي منه أن يوجه
سلاحه إلى أهله الذين حمل السلاح
مدافعا عنهم، وأن على المقدم الهمام أن
يغير وجهة سلاحه لأهالي سوريا بدلا من
أعدائها. لم يكن الأمر
قابلا للتطبيق عند قطاش الذي رفض هو
وعشرة من جنوده إطلاق النار على
المتظاهرين السلميين في مدينة بانياس
السورية، غير أنه ربما لم يكن يعلم أن
عليه أن يدفع ثمنا غاليا في سبيل عدم
تنازله عن مبدئه، وعدم خيانة أهله
الذين حمل سلاحه دفاعا عنهم.. لا قتلا
لهم، حيث انضم هو وجنوده العشرة إلى
قوافل الشهداء الذين سقطوا على يد قوات
الحرس الجمهوري، في ظل نظام صار يرى كل
من لا يعاونه على القمع عدوا. ماهر..عدو الثورة ويتهم معارضون
ونشطاء سوريون ماهر الأسد شقيق الرئيس
بشار بإصدار الأوامر شخصيا باغتيال
رامي وجنوده عقابا لهم على عدم إطاعة
الأوامر الموجهة لهم بقتل متظاهرين. ومن تحت الستار
الحديدي المفروض على وسائل الإعلام في
سوريا، نجحت قصة بطولة قطاش وجنوده
العشرة الذين لم تعرف أسماؤهم في أن
ترى النور بعد أن سربتها أخته وزوجها
الكويتي، بعد أن وصلتهم أنباء استشهاد
شقيقها في الكويت. غير أن إرهاب
قوات الأمن وإعدامها من لا يطيع
أوامرها من الجنود بإطلاق النار على
المعارضين، لم تفلح في كسر إرادة الشعب
السوري عن الخروج في مظاهرات "أحد
الجلاء" 17-4-2011، وتحولت مطالبات
المتظاهرين من إصلا ==================== الحكومات السورية و"محاربة
الفساد" د. بشير زين العابدين | 14/5/1432 ه المسلم ثمة تشابه كبير بين رئيس الوزراء السوري
الأسبق محمود الزعبي (1987-2000)، ورئيس
الوزراء عادل سفر المعين في 3 أبريل 2011،
فقد تولى محمود الزعبي منصب رئاسة
الحكومة عام 1987 وكان على رأس مهامه: "محاربة
الفساد"، وكذلك هو الحال بالنسبة
لعادل سفر الذي أعلن بأن أولويات
حكومته الجديدة ستكون: "محاربة
الفساد". أما على الصعيد
الشخصي، فقد بدأ محمود الزعبي حياته
كمهندس زراعي، وانتسب إلى حزب البعث
عام 1971، ثم تدرج في المناصب الحزبية
حتى عين في القيادة القطرية، وأصبح
رئيساً لمجلس الشعب عام 1980، واستمر في
هذا المنصب حتى تعيينه رئيساً للحكومة
خلفاً لسابقه عبد الرؤوف الكسم عام 1987. وعلى النسق نفسه، بدأ عادل سفر الذي بدأ
حياته كمهندس زراعي عقب حصوله على
إجازة في العلوم الزراعية من جامعة
دمشق عام 1977، وتقلب سفر في المناصب
المتعلقة بالشأن الزراعي؛ فعين وكيلاً
لكلية الزراعة (1992-1997)، ثم عميداً لكلية
الزراعة بالجامعة نفسها (1997-2000)، وهو -كالزعبي
من قبله- بعثي عريق، تدرج في المناصب
الحزبية حتى شغل منصب أمين فرع جامعة
دمشق لحزب البعث (2000-2002)، ثم عين وزيراً
للزراعة في حكومة ناجي العطري عام 2006،
واستمر في منصبه هذا حتى تعيينه رئيساً
للوزراء في مطلع أبريل 2011. تجربة محمود الزعبي في "محاربة الفساد" تولى محمود الزعبي رئاسة الحكومة في خضم
وطأة أزمة اقتصادية خانقة عانى منها
القطر السوري عام 1987، وتمثلت في: خلو
الأسواق من السلع الاستهلاكية
الأساسية، واختفاء الأدوية الضرورية
من الصيدليات والمستشفيات، وانتشار
طوابير الخبز، وتدهور قيمة الليرة
السورية، وارتفاع نسب البطالة مما أدى
إلى تنامي مشاعر السخط الشعبي وظهورها
إلى العلن. ولامتصاص الغضب الشعبي، أقال الرئيس
السوري السابق حافظ أسد حكومة عبد
الرؤوف الكسم (1980-1987)، وأعلن حملة ضد
الفساد تمثلت في إحالة أربعة من
الوزراء للمحاكمة، وطالت حملات
التطهير والمحاكمة مئات الموظفين في
إدارة التموين، والشركة العامة للخضار
والفواكه، وشركة الطيران السوري،
والمؤسسة العامة للكهرباء. في هذه الأثناء
حرص الرئيس السوري السابق على إبقاء
أقاربه ومحسوبيه في منأى عن هذه
الإجراءات؛ فشقيقه رفعت أسد حافظ على
منصبه نائباً لرئيس الجمهورية على
الرغم من محاولته الانقلابية الفاشلة
ضد أخيه عام 1984، ومن ثم تداول قصص
فضائحه وفساده في الصحافة الغربية. أما شقيق الرئيس
الثاني جميل أسد؛ فقد تعزز نشاطه
التجاري من خلال تأسيس مكتب للاستيراد
والتصدير، تديره عصابة: "الشبيحة"
بزعامة ابنه الأكبر فواز الذي فرض
إتاوات غير قانونية على جميع المكاتب
التجارية باللاذقية وطرطوس، وتورط في
عمليات القتل والاختطاف، دون أن يتعرض
له النظام السوري أو يحاول الحد من
نشاطه. كما شملت قائمة
الحصانة الرئاسية مجموعة من الضباط
الموغلين في أنشطة التهريب والاستيلاء
على الأراضي والتعدي على الممتلكات
العامة ومن أبرزهم: اللواء شفيق فياض،
واللواء إبراهيم صافي، واللواء علي
حيدر، واللواء علي دوبا، واللواء محمد
الخولي، وحتى وزير الدفاع آنذاك
العماد أول مصطفى طلاس الذي أوقف موكبه
المهيبب وهو عائد من لبنان في أكتوبر
1987، وتمت مصادرة كمية ضخمة من السلع
المهربة في حوزته. ونظراً لأن الرئيس السوري لم يكن يرغب في
هدم ركني نظامه: الأمني والعسكري؛ فقد
قرر التغاضي عن تجاوزات أشقائه
وضباطه، واقتصرت حملته ضد الفساد عام
1987، على مجموعة من صغار الموظفين
المدنيين، وكان الهدف من هذه الحملة
تحقيق هدفين رئيسين هما: 1- محاولة امتصاص السخط الشعبي الناتج عن
تردي الأوضاع المعيشية من خلال
إجراءات سطحية لا تمس البنية
الاقتصادية أو المؤسسية للفساد المنظم. 2- وضع رئيس الجمهورية وضباط الجيش وقادة
المؤسسات الأمنية فوق مستوى الأزمة من
خلال الإلقاء بالمسؤولية على صغار
الموظفين. وعلى الرغم من صعوبة المهمة التي أوكلت
إليه؛ فقد تولى محمود الزعبي مهام
منصبه بحماس بالغ، فشكل حكومة ضمت
أربعة عشر وزيراً مختصاً في الشؤون
الاقتصادية، وركز على ضرورة إحياء
القطاع الزراعي بصفته مهندساً
زراعياً، وشكل عدة لجان للتحقيق مع
وزارء عبد الرؤوف الكسم. وبعد ثلاثة عشر سنة من العمل الدؤوب،
واجهت سوريا عام 2000 نفس الظروف التي
عانت منها عام 1987؛ إذ تدهورت الأوضاع
الاقتصادية نتيجة لانخفاض أسعار النفط
في السوق العالمية من جهة، وتأثير
الجفاف على الإنتاج الزراعي في نهاية
التسعينيات من القرن المنصرم من جهة
أخرى، مما أدى إلى تناقص الإنتاج
الزراعي، وانقطاع الكهرباء، وتناقص
كمية مياه الشرب مما دفع بالحكومة
لاستحداث برنامج تقنين تنقطع بموجبه
المياه مدة 13 ساعة في اليوم عن سكان
مدينة دمشق وضواحيها، وفي هذه الأثناء
ارتفعت نسبة البطالة إلى 30 بالمائة،
وانتشرت مظاهر السخط الشعبي مرة أخرى. وللخروج من هذه الأزمة لجأ النظام السوري
إلى حيلته القديمة؛ فأقال رئيس
الجمهورية حكومة الزعبي في شهر مارس 2000،
وأحال رئيس الوزراء، ونائبه للشؤون
الاقتصادية، ووزير الإعلام، ووزير
النقل مع مجموعة من الموظفين إلى
القضاء بتهمة: "الفساد"، واتهم
محمود الزعبي بارتكاب: "ممارسات
وسلوكيات، وسوء ائتمان تتعارض مع قيم
الحزب، وأخلاقياته ومبادئه، وتشكل
خرقاً للقانون، وتسبب أضراراً فادحة
بسمعة الحزب والدولة والاقتصاد الوطني". وفي 21 مايو 2000 بث الإعلام السوري خبر
انتحار محمود الزعبي برصاصة في الرأس. وعلى الرغم من شدة الحملة ضد الفساد،
وسماح النظام بتغطية الصحف لتفاصيل
محاكمات صغار الموظفين، إلا أنها لم
تتعرض لأي مسؤول أمني أو عسكري، بل
أحيل جميع الضباط المعارضين لتولي
بشار الحكم إلى التقاعد بكل هدوء،
وحافظوا على ممتلكاتهم ومميزاتهم، ومن
أبرزهم: العماد علي حيدر، واللواء علي
دوبا، واللواء علي صالح، واللواء محمد
الخولي، واللواء محمد نصيف، وغيرهم من
أقطاب المؤسستين: الأمنية والعسكرية. وفي الفترة
نفسها سربت الصحافة الغربية خبر إطلاق
ماهر بن حافظ أسد النار على صهره آصف
شوكت، وإصابته في بطنه، حيث عولج في
إحدى مستشفيات فرنسا، وبدلاً من
معاقبته على هذه الجريمة النكراء؛
كوفئ ماهر أسد بترقيته إلى رتبة رائد
وتعيينه عضواً في اللجنة المركزية
لحزب البعث. ظروف تولي عادل سفر رئاسة الحكومة في
أبريل 2011 يدرك عادل سفر مآل رؤساء الحكومات
السورية التي أعقبت حكومة محمود
الزعبي؛ ففي شهر مارس 2000 تولى محمد
مصطفى ميرو حكومة جديدة مهمتها: "محاربة
الفساد"، ثم عزل في سبتمبر 2003، بعد
أن وصف الإعلام حكومته بأنها: "حكومة
الفشل الذريع"، وخلفه محمد ناجي
العطري الذي غادر مكتبه في 28 مارس 2011
بصمت، في ظل أسوأ حركة اضطرابات شعبية
تشهدها البلاد نتيجة لتردي الأوضاع
الاقتصادية، وتفشي البطالة، وتضخم
قيمة العملة، وغياب الحريات العامة. ولامتصاص مشاعر السخط الشعبي شنت الصحافة
الرسمية حملة ضد حكومة العطري؛
فاتهمتها بالفشل في تحسين الأوضاع
الاقتصادية وتوفير فرص العمل، وتجلى
ذلك الهجوم في نشر تصريحات رجل الأعمال
السوري بهاء الدين حسن الذي أكد أن: "الحكومة
قصّرت إلى حدّ كبير في محاربة الفساد"،
وعزا السيد حسن أن الفساد: "استشرى
فينا وبات داخل كل مؤسسة وكل منزل"،
مضيفاً أن: "سوريا باتت مشهورة في
ظاهرة الفساد الذي وصل إلى كل مناحي
الحياة الاقتصادية". وتعليقاً على الأوضاع الاقتصادية في ظل
حكومة العطري قال السيد حسن: "سكرّت
معاملنا، وخسرت صناعتنا الوطنية، ولم
تعد قادرة على المنافسة، وتراجعت
صناعة الغزل والنسيج، وأغلقت المصانع
الصغيرة، ونحن الآن لا نصدر إلى الصين
بليرة واحدة بينما نستورد منها بنحو
ثلاث مليارات دولار". وكانت مجلة اقتصادية سورية قد كشفت في شهر
فبراير 2011 أن الأداء الحكومي لم يرقى
إلى مستوى التعامل مع زيادة نسبة
الفقر، حيث بلغت نسبة الفقر في سوريا
11.2 بالمائة، وأظهرت الأرقام أن أكثر من
مليوني مواطن سوري يندرجون في قائمة
الفقراء المدقعين أو الذين يعيشون تحت
خط الفقر. وفي ظل التدهور
الاقتصادي غير المسبوق، وتزايد وتيرة
الاحتجاجات الشعبية توجهت الأنظار نحو
الحكومة الجديدة التي ستخرج البلاد من
أكبر أزمة تواجهها منذ تولي بشار الحكم
عام 2000، ومن أبرز المهمات التي يتعين
تحقيقها: زيادة فرص العمل، ورفع
المستوى المعيشي للمواطنين، وتحسين
قطاعات البنى التحتية بغية النهوض
بمستوى الاقتصاد الوطني، ودفع عملية
التنمية المستدامة في مختلف جوانب
الحياة الاقتصادية والاجتماعية،
وتحقيق توقعات أفضل للمواطنين،
والنهوض بالاقتصاد الوطني. وإضافة إلى تلك التحديات فإن الأحداث
التي تمر بها سورية تلقي بظلالها
الثقيلة على الحكومة الجديدة التي يجب
أن تتعامل مع احتمالية إلغاء قانون
الطوارئ، وإصدار تشريعات جديدة لقانون
حرية الصحافة يتلائم مع متطلبات
المرحلة القادمة، وإصدار قانون
للأحزاب، والعمل على تهدئة الأوضاع
الأمنية، ومحاربة البيروقراطية
الإدارية القابعة في المستويات الدنيا
في الدولة، والتي ستعمل جاهدة لمحاربة
أي إصلاحات يمكن أن تؤثر على مصالحها. وفي مواجهة هذه
التحديات الكبرى، بدا أداء القصر
الجمهوري هزيلاً للغاية، حيث اختزل
رئيس الجمهورية آمال الإصلاح الكبير
في تشكيل ثلاث لجان يختص أحدها بإعداد
قانون لمكافحة الإرهاب، واختيار وزير
الزراعة عادل سفر ليصبح رئيساً لحكومة
حافظ أكثر من نصف أعضاء الحكومة
السابقة فيها على مناصبهم، وغابت
الوجوه الاقتصادية بصورة مقلقة وتضمنت
أحد أهم المتهمين بارتكاب جرائم ضد
الإنسانية منذ مطلع الثمانينيات
وزيراً للداخلية، مما عزز القناعة في
عدم جدية النظام بتبني الإصلاحات التي
وعد بها. هل يتمكن عادل سفر من: "محاربة الفساد" يؤكد المقربون من وزير الزراعة السابق
عادل سفر أنه ضعيف الشخصية، ولا يمتلك
القدرة على الحسم واتخاذ القرار، وهو
لا يمثل الشخصية الإصلاحية التي يمكن
أن تخرج البلاد من أزمتها السياسية
والاقتصادية الخانقة، بل إن شخصية سفر
لا تسمح له بمحاسبة صغار الموظفين
المدنيين فضلاً عن إمكانية التعرض
لتجاوزات أقطاب السلطة من أقارب بشار
أسد وأسرته، ومن أبرز الجهات التي لا
يمكن لسفر ولا لحكومته الاقتراب منها: 1- شقيق رئيس الجمهورية العميد الركن ماهر
بن حافظ أسد، الذي تشبه شخصيته إلى حد
كبير شخصية عمه رفعت الأسد؛ من حيث
نزعته الدموية، والإسراف في الإنفاق،
وإحاطة نفسه بالأعوان والحرس، وعشقه
لاقتناء السيارات الفارهة. وقد ربطته
المصادر بأعمال التهريب في اللاذقية،
وغسيل الأموال لحساب شخصيات في
العراق، واستخدام النفوذه للسيطرة على
قطاعات تجارية واسعة في سورية، ونظراً
لما تسبب به ماهر من إحراج لنظام آل أسد
في سورية؛ فقد كتب باتريك سيل قائلاً:
"إن الرئيس بشار أسد يواجه الآن
موقفاً شبيهاً بموقف والده الرئيس
الراحل حافظ أسد مع شقيقه رفعت أسد عام
1984، والتي انتهت بانحياز قادة القوى
المسلحة، وبالأخص منها القوات الخاصة
بقيادة اللواء علي حيدر إلى جانب
الرئيس حافظ لخلع شقيقه ونفيه إلى
موسكو"، ودعى باتريك سيل بشاراً إلى
اغتنام هذه الفرصة للتخلص من شقيقه
والشروع في مشروع إصلاحي شامل. 2- ابن خالة رئيس الجمهورية العميد عاطق
نجيب، الذي عرف بسوء تعامله مع زملائه
ومرؤوسيه، كما ارتبط اسمه بالكثير من
قضايا الفساد المالي والأخلاقي، فاتهم
بالاستيلاء على أموال بعض التجار،
وممارسة التهريب من خلال شركته التي
أسسها "للاستيراد والتصدير"،
مستفيداً من خدمات شقيقه النقيب عمار
نجيب أثناء توليه منصب رئيس مفرزة
الدبوسية بالأمن العسكري، ويتمتع نجيب
بعلاقة وثيقة مع بشار أسد الذي نقله
إلى فرع الأمن السياسي في دمشق برتبة
عقيد، ثم رقاه إلى رتبة عميد وعينه
مديراً لفرع الأمن السياسي في درعا.
وكان إقدام عاطف على اعتقال بعض النساء
والأطفال من أبناء درعا وتعذيبهم، هو
السبب الرئيس في اتساع حركة
الاحتجاجات، ويتهمه أهل المدينة
وضواحيها بإطلاق الرصاص الحي على
أبنائهم مما أدى إلى مقتل أكثر من
مائتي شخص، وإصابة المئات. 3- أسرة آل مخلوف (عائلة
أنيسة مخلوف والدة بشار)، التي تقدر
ثروة بعض أفرادها بأكثر من ثلاث
مليارات دولار، وتستحوذ على قطاع ضخم
من الاقتصاد السوري، وتتهم بممارسة
الاحتكار، والاستفادة من التسهيلات
التي تحصل عليها نتيجة نفوذها في القصر
الجمهوري، ومن أهم أعضائها: محمد مخلوف
في قطاع النفط، وحافظ مخلوف في قطاع
الأمن، ورامي وإيهاب في قطاعات:
الاتصالات، والإنشاءات، والطيران،
والسياحة، والمصرف العقاري، والتجارة
الحرة المعفاة من الضرائب في المطارات. 4- ضباط المؤسستين؛ العسكرية والأمنية
وعلى رأسهم: صهر الرئيس، نائب رئيس
الأركان العماد آصف شوكت، الذي يرتبط
اسمه بالكثير من التجاوزات المالية،
وحيث إن مهمة عادل سفر تتضمن: "تعزيز
الوحدة الوطنية"، فإنه سيواجه
مأزقاً كبيراً في التحقيق مع عناصر
المخابرات العسكرية ورئيسها اللواء
عبد الفتاح قدسية بتهمة قتل نحو مائتي
مواطن من سكان مدينة درعا، ومدير
المخابرات الجوية اللواء جميل حسن،
ومدير المخابرات العامة اللواء علي
مملوك الذي تورط أفراد جهازه في جرائم
القتل والتعذيب والتعدي على جثث
القتلى بشكل علني في شوارع درعا وغيرها
من المحافظات. 5- عصابة "الشبيحة": وهي مجموعة خارجة
عن القانون، تستقطب أشخاصاً يتميزون
بالبنية الضخمة والتدريب القتالي
وتنشط في الساحل السوري، ويقودها
أفراد من آل أسد من أبرزهم: منذر أسد،
وهلال أسد، وأمير أسد، وحافظ أسد (الصغير)،
وعلي أسد، وشخص يسمى: "شيخ الجبل"،
وسومر أسد، وسوار أسد، ويشمل نشاطها:
تهريب مختلف البضائع كالدخان،
والمخدرات، والكحول، والخمور،
والأسلحة، والسيارات المهربة
والمسروقة، وقطع الغيار، والأجهزة
المنزلية، والسجاد. وهم لا يتوانون عن
قتل أي أحد يعارضهم، ولهم نقاط تفتيش
خاصة بهم داخل مدينة اللاذقية وخاصة في
حي الزراعة حيث يوجد منزل فواز الأسد
وشيخ الجبل. وقد برز منهم في الآونة
الأخيرة: نمير بن بديع أسد، الذي ارتبط
اسمه بعملية السطو المسلح على فندق
سميراميس بدمشق عام 2004، وظهرت صورته في
عملية اقتحام شركة الهرم للحوالات
بدمشق في فبراير 2005، كما هاجمت عصابته
سيارة شرطة عسكرية و"حررت" سجيناً
من أفراد العصابة عند جسر حرستا في شهر
مايو من العام نفسه، ولا يزال نمير
ينشط في الساحل السوري، حيث ربط أهل
اللاذقية وطروطوس جرائم القتل الأخيرة
بعصابته التي يعرف أهل الساحل أفرادها
كجباة للضرائب وحرساً لموكب "الزعيم"
نمير. هل ينجح عادل سفر
في "محاربة الفساد"؟ شن النظام السوري في السابق عدة حملات ضد
الفساد، وذلك في الأعوام 1977، و1979، و1987،
و2000، وهو يتوعد اليوم بشن حملة خامسة،
إلا أن هذه الحملات قد أودت برؤساء
الحكومات المتعاقبة ووزارئهم، وقصرت
دون الوصول إلى المتهمين الرئيسين في
تفشي ظاهرة الفساد. ولا يتوقع لحكومة يرأسها عادل سفر أن تنجح
في تحقيق ما عجزت عنه الحكومات السورية
منذ نحو نصف قرن؛ فالحكم الشمولي يعتمد
على الحزب الواحد، والفكر الواحد الذي
لا يقبل بتعدد الآراء، والمرشح الأوحد
لرئاسة الجمهورية، والسيطرة الشاملة
على جميع المقدرات الاقتصادية للبلاد،
ولا يتأتى ذلك إلا عبر توزيع مصادر
الثروة على دائرة مغلقة من الأقارب
والأصدقاء المحيطين بشخص الرئيس. فأجواء القمع والإرهاب هي مرتع الفساد،
ومنشأ الأمراض العامة التي تصيب
المجتمع؛ كغياب المسؤولية، وانتشار
الرشوة، وغياب آليات المحاسبة، وتفشي
المواربة والنفاق. وقد دأب أقطاب النظام على تعيين رؤساء
حكومات مغمورين، وسلبهم جميع صلاحيات
الحكم بهدف المحافظة على ثرواتهم
ومكاسبهم، ولا يخرج عادل سفر في هذا
الإطار عن سابقيه. والحقيقة هي أنه لو أراد عادل سفر أن يعيد
ترتيب أوراقه لدى الإعلان عن تشكيل
حكومته في 15 أبريل 2011، فإنه سيجد نفسه
في موقف مماثل لموقف محمود الزعبي
عندما قرر الانتحار في شهر مارس 2000! ذلك أن سفر قد اعترف في عدة مقابلات رسمية
سابقة عن تقصيره في محاربة الفساد
وعجزه عن محاسبة الموظفين في وزارته،
ففي مقابلة رسمية في شهر فبراير 2011،
أبدى سفر قلقه من ضعف أداء وزارته،
مؤكداً أن سورية: "مازالت تعاني من
مشكلة أساسية هي مشكلة التسويق وتصريف
فوائض الإنتاج الزراعي"، وفي أثناء
اللقاء اعترف سفر بأن الوزارة قد أخفقت
في تبني سياسة ناجحة لتسويق المنتجات
الزراعية، مضيفاً أن سوريا قد بلغت في
فترة توليه وزارة الزراعة: "خط الفقر
المائي"! وتتضمن قائمة الاتهامات الموجهة إلى سفر
أثناء توليه وزارة الزراعة (2006-2011):
تراجع إنتاج البلاد من المحاصيل
الزراعية، وارتفاع أسعارها في السوق
المحلية، وفقدان ديناميكية التحرك
بسبب بطئ الإجراءات والعجز عن التلاؤم
مع المتغيرات المناخية، وعدم إدراك
أهمية إعادة النظر في المساحات
المروية والمساحات البعل لمحصول القمح
مما أدى إلى تراجعه، ونتج عن ذلك تحول
سوريا من بلد مصدر إلى مستورد للقمح. ولكن الانتقاد الأكبر الذي وجه إلى عادل
سفر هو سوء إدارته، وتغاضيه عن فساد
بعض المديريات، وفشله في مواجهة
الفساد في وزارته، وغياب آليات محاسبة
الموظفين المتسيبين. وتؤكد المصادر أن تفاقم أزمة المياه،
وانتشار الفساد والمحسوبية في وزارة
الزراعة إبان عهد سفر قد أديا إلى
تشريد مئات الآلاف من المزارعين، وكان
هذا العامل أحد الأسباب التي سببت
الاحتجاجات الشعبية في المناطق
الريفية بصفة خاصة. ونظراً لأن سوريا عانت في السنوات الثلاث
الماضية من جفاف أثّر على الإنتاج
الزراعي فقد أطلق السوريون على عادل
سفر لقب: "وزير الجفاف"! ويبدو أن مشكلة "الجفاف" قد أصبحت
سمة ملازمة لرئيس الوزارء الجديد،
فبالإضافة إلى اللقب الذي حازه في
وزارة الزراعة، يتولى عادل سفر منصب
المدير العام للمركز العربي لدراسات
المناطق الجافة والأراضي القاحلة منذ
عام 2002! وعندما نشر رسم كاريكاتوري يسخر من وزير
الزراعة ويربطه بظاهرة الانحباس
المطري، علق سفر: "لتمطر السماء، وليرسموني كما
يريدون"! =================== عندما يُحْظَر التظاهر
بموجب "إلغاء الطوارئ" ! العرب اليوم 2011-04-18 لستُ من المشتغلين بعلم الغيب, ولا من
المنجِّمين; لكنَّني متأكِّد تماماً
أنَّ الرئيس السوري بشار الأسد لن يأتي
بأيِّ إصلاح (سياسي وديمقراطي..)
يُمْكِنه أنْ يُضْعِف, أو ينهي, حاجة
الشعب إلى الاستمرار في حراكه وثورته
حتى ينال ويُدْرِك حرِّيته (السياسية)
كما يعيها هو (شكلا ومحتوى) حاضِراً
ومستقبلاً; وإذا كان لي أنْ أُسْدي
نصيحة إلى كل نظام حكم عربي أعْجَزَته
بنيته عن تعلُّم "فن الطيران"
فإنِّي أنصحه أنْ يتعلَّم "فنَّ
السقوط". حتى الآن, لم يُخاطِب الرئيس شعبه, ففي
خطابه الأوَّل (بعد ثورة الشعب عليه)
خاطب "مجلس الشعب", الذي يمثِّل
"شعب" نظام الحكم, أي الذي يمثِّل
فئة ضئيلة من الشعب السوري; وفي "الثاني",
خاطب الحكومة الجديدة, أي حكومة "جلالة
الرئيس" التي لا تملك من أمرها شيئاً,
ف¯ "الحكومة الفعلية الحقيقية" في
سورية تَقَع في خارج "الحكومة
الرسمية", وتعمل في استقلال تام عنها. خطابه الجديد (الثاني) كان, ولجهة صلته ب
"الإصلاح (السياسي والديمقراطي..)",
"خطاب نيَّات ووعود", مدارها "إصلاح"
تَرْجَح فيه كثيراً كفَّة "التجريد"
على كفَّة "التعيين", ف "المحتوى"
و"الجدول الزمني" يفتقران إلى "التعيين",
الذي هو "السياسة" في عالمها
الواقعي الحقيقي. ما سنراه "واقِعاً" من "وعود
الإصلاح (الرئاسي)" لن يكون إلاَّ
دون الوعود نفسها, التي هي دون المطالب
والحاجات الأولية للشعب, التي هي دون
"الطموح (السياسي والديمقراطي)"
للشعب. إنْ هي إلاَّ مسافة زمنية تُحْسَب
بالأيام ونرى العلاقة بين الشعب ونظام
الحكم وقد "تحرَّرت" من "قانون
الطوارئ" المعمول به في سورية منذ
استيلاء حزب البعث على السلطة, أي منذ
سنة 1963 . ولكم أنْ تقارنوا (بعد إلغاء العمل بقانون
الطوارئ في سورية) بين الحالة السياسية
والديمقراطية للشعب في مصر, التي لم
تُرْفَع فيها بعد "حالة الطوارئ",
وبين الحالة نفسها للشعب في سورية,
التي رُفِعَت فيها تلك الحالة; وأحسب
أنَّكم ستتوصَّلون بعد, وبفضل,
المقارنة إلى استنتاج مؤدَّاه أنْ لا
حياة ديمقراطية من دون إنهاء "حالة
الطوارئ" التي يمكن إنهاؤها من دون
إنهاء الدكتاتورية; ولسوف يَعْرِف
الشعب السوري من القمع والإرهاب
والدكتاتورية والاستبداد بعد إلغاء
العمل ب¯ "قانون الطوارئ" أكثر
ممَّا عَرَف من قبل (أي من قبل إلغائه)
فإنَّ "روح" هذا القانون لن
تغادِر جسده إلاَّ لتحِلَّ في جسد "القوانين
الجديدة" والتي سيُلْبَس بعضها لبوس
"محاربة الإرهاب". لقد سَمِع الحاكم "المُحْسِن الكريم"
صراخاً في الشارع في جوار قصره, فسأل عن
السبب, فأخبروه أنَّ هذا الصراخ الذي
يزعجه يَصْدُر عن أُناس من رعيته
يتضوَّرون جوعاً, منذ زمن طويل; فسأل
"وما العلاج أو الحل?", فأخبروه
أنْ لا علاج ولا حل إلاَّ بإلغائه
القانون الذي بموجبه حَظَر على هؤلاء
الجياع تناول الطعام, فسأل "وهل
يتوقَّفون عن الصراخ إذا ما
أَلْغَيْتُ لهم هذا القانون?",
فأجابوه قائلين "يجب أنْ يتوقَّفوا",
فما كان منه إلاَّ أنْ قرَّر "يُلْغى
هذا القانون; لكن لن يُسْمَح بعد ذلك
للناس بالصراخ إذا ما شعروا بالجوع,
واشتد شعورهم به"! وعلى هذا النحو قرَّر الرئيس بشار الأسد
رَفْع "حالة الطوارئ"; لكنَّ
الأهم من هذا القرار نَقِف عليه في
القول الإضافي والتوضيحي للرئيس بشار
والذي جاء فيه "مع صدور حزمة
القوانين الجديدة (التي تتضمَّن رَفْع
"حالة الطوارئ") تنتفي الحُجَّة (أي
ينتفي الدَّاعي) لتنظيم مظاهرات في
سورية; ويتعيَّن على الأجهزة المعنية
بهذا الشأن, وفي مقدَّمها وزارة
الداخلية, أنْ تُطبِّق هذه القوانين (الجديدة)
بحزم تام, فلا تَساهُل بعد ذلك مع أيِّ
عمل من أعمال التخريب". وهذا الكلام إنَّما يعني أنَّ المظاهرات
الشعبية (من أجل الديمقراطية
والحرِّية) التي كانت محظورة بموجب "قانون
الطوارئ", والتي كان إلغاء هذا
القانون مَطْلباً (من مطالب عدة) لها,
يجب أنْ تتوقَّف (وألاَّ تستمر) بعدما
لبَّى لها الحكم هذا المطلب, وكأنَّ
المتكلِّم يريد أنْ يقول للشعب إنَّ
التظاهر كان محظوراً بسبب العمل ب "قانون
الطوارئ", وإنَّه (أي التظاهر)
سيُحْظَر من الآن وصاعداً بفضل إلغاء
العمل بهذا القانون.. "لقد تظاهرتم
من أجل رَفْع حالة الطوارئ, فَرُفِعت,
فانتفت, من ثمَّ, الحاجة إلى مزيدٍ من
التظاهر, أو إلى الاستمرار فيه"! وهذا الحظر الجديد للتظاهر, أو هذا الحظر
للتظاهر الجديد, سنراه على هيئة قانون
جديد ل¯ "تنظيم التظاهر";
فالدستور, على ما قال الرئيس, يسمح
بالتظاهر; لكنَّ سورية ليس لديها حتى
الآن قانون "يُنظِّم التظاهر". الدستور السوري (الذي جعلته حالة الطوارئ
كظلٍّ بلا جسم في ما يخص الحقوق التي
كفلها للمواطن والشعب) يسمح بالتظاهر;
لكن هل من تظاهر قانوني في غياب قانون
يُنظِّم التظاهر?! إنَّ قانونية أي عمل أو نشاط تنتفي
بانتفاء القانون المنظِّم له; فهل
نستنتج من ذلك أنَّ كل ما عرفته سورية
من مظاهرات ومسيرات شعبية مليونية, أو
شبه مليونية, مؤيِّدة للرئيس ونظام
الحكم كانت "غير قانونية"?! سورية التي حُكِمَت ب "قانون الطوارئ"
منذ نحو خمسين سنة عَرَفَت من تلك
المظاهرات والمسيرات ما يؤكِّد أنَّ
لدى نظام الحكم فيها "خبرة واسعة
جدَّاً في تنظيم التظاهر", فَلِمَ
تشتدُّ لديه الحاجة الآن إلى قانون "يُنظِّم
التظاهر"?! الرئيس بشار, و"عملاً ببرنامجه
الإصلاحي الخاص به, والذي لا أثر فيه
لضغوط الشارع", قرَّر إلغاء "حالة
الطوارئ"; وكم كنتُ أتمنى أنْ
يُضمِّن خطابه الأخير ما يَصْلُح
إجابة عن سؤال "لمصلحة من, وضدَّ من,
كانت حالة الطوارئ, واستمرت نحو نصف
قرن من الزمان?". ================== سامي رزق صديقك السابق من أيام
المدرسة شفاف الشرق الأوسط 18/4/2011 الاثنين 11 نيسان (أبريل) 2011 صديقى القديم رامي، عرفتكَ عندما كنتُ مراهقاً. كنتَ عندها
نصف "أهبل"، وكنا نختلق القصص
والأعذار لنتفادى الوقوف بجانبك في
باحة المدرسة. وها أنت اليوم تبرهن أنك أصبحت أهبل"
كاملا". لم تدرك أن جشعك، وجشع
عائلتك، وعنجهيتكم، وازدراءكم للناس
سينعكس سلبا على رئيس البلاد إلى حدّ
اتهام الناس له بأنه شريككم في الفساد.
فخرج الناس للشوارع منددين بإسمك -لا
بإسم الرئيس- بعد أن استنفذوا طاقتهم
بدعاء أصبح شائعا في حق كل فاسد في هذا
الوطن: (الله لا يشبّعو) و(الله لا
يهنّيه بمصاريه). فكيف هو شعورك عندما تستيقظ كل يوم وأنت
تعرف أنك اكثر إنسان مكروه في سوريا؟
وأن كره الناس لك قد فاض عن حدّه فأصاب
بعضه رئيسنا. وكيف هو شعورك كل يوم وأنت تعرف تماما أنك
وعائلتك تمثلان كل ما هو أسود وداكن في
خصال هذا الوطن؟ فألقى سوادكم بظلاله
على البلد ليحجب أي إصلاحات قد تقوم
بها الحكومة. تفرعنتم وتكبرتم حتى بات العرب والعجم
يقولون أن آل مخلوف هم من يحكمون
البلد، وأن آل الأسد هم مجرد مناصب
وواجهة لكم! وأنا أعذر الناس في قولها
هذا، لأنني لا أفهم كيف استطاع رئيسنا
الوقوف في وجه أميركا وإسرائيل و14 آذار
ومصر والسعودية، وهو على ما يبدو عاجز"
تماما" عن الوقوف في وجهكم. أتريد
الدليل؟ إسأل خادمك وخليلك المتربع
على عرش الصناعة السورية، بدعم منك،
حين قال في أحد السهرات: "بلا بشار
وبلا ماهر وبلا بلوط ..... الحكي بها
البلد لرامي وأخوه حافظ وبسّ ". وتطلّ حضرتك علينا أنت وصبيانك في "الشام
القابضة" لتهددنا بأنكم (والقول لك):
"بلدوزر إقتصادي لن يستطيع أحد
الوقوف في وجهه". فإذا ببلدوزر الشعب
يفاجئكم ويخرج إلى الشوارع في وجه
بلدوزر فسادكم معلنين أنهم لن يقفوا
متفرجين ومكتوفي الأيدي بعد اليوم
بينما أنتم تتفنون في إصدار القرارات
المشرعنة لنهبكم وسرقاتكم . فما شامك
القابضة إلا حفنة من المتزلفين
الفاقدين لكرامتهم جئت بهم من سوريا
ومن الخليج ومن النمسا ومن بريطانيا
ليصفقوا لك وينادوك بالإستاذ، فصدقت
أنك أستاذ. مثلك مثل والدك الذي يلوّن
شعره اسبوعيا، ثم ينظر إلى المرآة ،
فيصدق أنه مازال بعيدا عن حافة القبر. أما حركات مستشاريك البهلوانية في تأسيس
شبكة أخطبوطية من الشركات والواجهات
بهدف إخفاء وغسيل أموالكم القذرة
والمنهوبة من عرق الناس، فلقد أصبحت
لعبة قديمة مكشوفة للجميع. فشعب سوريا
فاقك ذكاء، وبات يعرف خطواتك القادمة
مسبقا، ويعرف أية قوانين سيتم إصدارها
لصالحك ، وأي وزير سيتم تعيينه لتسهيل
مصالحك، وكيف تخطط... وكيف تنفذ... وكيف
تسرق أنت وعائلتك. فشعب سوريا فاقك ذكاء، ولن تستطيع شراء
ذكاءه أو كبريائه بدقائق خليوي مجانية. ختاما، نصيحة لوجه الله لن يقدمها لك
مستشاروك : سألوا إبليس مرة "ماهو
الشيء الذي لا تقدر عليه؟" فقال: "أن
أمنع الناس من أن يذكروني دون أن
يلعنوني". وافهمها يا... (أستاذ) رامي. =============== زياد أبو شاويش 2011-04-18 الوطن السورية ليس هناك من ينكر على السوريين حقهم في
المطالبة بما يرونه في مصلحة بلدهم
وضرورة تلبية هذه المطالب ما دامت
مشروعة ويتم التعبير عنها بطريقة
سلمية وقانونية، وقد سمعنا رد الدولة
والقيادة السورية على هذه المطالب
قبولاً واستعداداً لتطبيقها بأقصى
سرعة ممكنة ولهذا الغرض تم تشكيل لجان
تعمل على بلورة مشاريع تتناول جميع
النقاط التي أثارتها الجماهير السورية
في مظاهراتها خلال الأيام الماضية. ومن حقهم كذلك أن يعبروا عن عدم رضاهم على
أداء سلطتهم التنفيذية إن وجدوها
مقصرة في تلبية تلك المطالب أو لا
تأخذها بشكل جدي، وقد رأينا كيف عاد
بعض هؤلاء لتأكيد ضرورة البدء الفوري
في إجراء الإصلاحات والتغييرات
المطلوبة، وإلى هنا الأمر طبيعي ويدخل
في نطاق ممارسة الشعب لحقوقه
الدستورية وما كفله القانون
والتشريعات في الجمهورية العربية
السورية. الأمر المريب أن دعوات الجميع
بمن فيهم المعارضون داخل القطر وخارجه
للتهدئة والبحث عن طريقة آمنة
للمعالجة والحوار لم تجد أذناً مصغية
عند بعض المحرضين وأبواق دعايتهم
المغرضة في الداخل والخارج إلى درجة
تدفع المرء لمحاولة تفسير حرص هؤلاء
على تهييج الشارع والدفع نحو مجابهات
خطرة لن تكون نتائجها في مصلحة الشعب
السوري وقد تدفع البلاد نحو الأسوأ. التفسير المنطقي لما يجري (بغض النظر عن
شرعية التحركات الشعبية والتي تقبلتها
القيادة السورية ورحبت بها) هو أن
هؤلاء ومن لف لفهم في المنطقة يعتقدون
أن تأجيج الوضع في سورية سيرغمها على
الانكفاء الداخلي والابتعاد عن الدور
العربي القومي الذي تؤديه تجاه القضية
الفلسطينية والمقاومة العربية والأمن
القومي العربي. إن هذه الأهداف هي بالضبط ما تريده
إسرائيل والولايات المتحدة
الأميركية، ولذلك يجب أن يكون واضحاً
لكل ذي بصر وبصيرة أن الانخراط في هذه
اللجة لتعكير الأمن في سورية والإساءة
للسلم الأهل، وإنما يخدم أعداءنا ولا
يقدم أي خدمة للبلد. سورية ستبقى منيعة أمام المؤامرات،
والشعب السوري وقواه الحية مع قيادته
تدرك الفارق النوعي بين حرية التعبير
والتحرك السلمي لأجل الإصلاح، والتذرع
بهذا لضرب وحدة الشعب والتخريب على كل
منجزاته السابقة لخدمة العدو، ولن
تنكفئ سورية أو تنحني. ===================== فهمي هويدي صحيفة الشروق الجديد المصريه 17/4/2011 يبدو أن «الفئات المندسة» انتشرت فى
العالم العربى بما قد يوحى بأن ثمة
تنظيما دوليا صار يوزعهم على مختلف
الأقطار لإثارة الفوضى وإشاعة التخريب
والترويع. ومن باب التمويه ربما فإن هؤلاء المندسين
أصبحوا يحملون أسماء مختلفة فى كل قطر. ففى مصر عرفوا باسم البلطجية، فى حين أن اليمنيين وصفوهم بأنهم «بلاطجة».
وحين برزوا فى الساحة التونسية بعد
الثورة هناك فإن الناس صاروا يشيرون
إليهم بحسبانهم «كلوشارات». وأحدث تسمية لهم تناقلتها وكالات الأنباء
من سوريا، أن تحدثت عن «الشبِّيحة»
الذين صاروا يعتدون على المتظاهرين
ويطلقون الرصاص عليهم من فوق أسطح
المنازل. اختلفت مرجعية التسمية لكن الوظيفة ظلت
واحدة. فالبلطجية كلمة شرحت معناها من قبل مذكرا
بأنها تركية الأصل، حيث البلطة هى
الفأس التى يقطع بها الأشجار ومن
يستخدمها يسمى بلطجيا، ونصف الكلمة
الأخير دال على الفعل. تماما مثل قهوجى
وبوسطجى وأجزجى. ولأنها غير عربية فلا غضاضة فى أن يختلف
الجمع بحيث يصبح العدد منهم «بلاطجة». أما الكلوشارات فهى كلمة فرنسية معربة
أصلها Clochard ومعناها متشرد. وكلمة «شبيحة» التى تكررت فى أخبار سوريا
هى الوحيدة المشتقة من كلمة عربية. وفى
المعاجم أن الرجل شبَّح الشىء بمعنى
شقه. وإذا قيل شبح الرجل فذلك يعنى أنه
مُدّ كالمصلوب لجلده. كلمة الشبِّيحة هى التى دعتنى إلى ذلك
الاستطراد، ذلك أنها استوقفتنى حين
تواترت فى البيانات السورية التى صدرت
عن الحكومة والمعارضة. إذ وجدت أن البيانات الرسمية ما برحت
تمتدح «الأبرياء» الذين يخرجون فى
تظاهرات سلمية، ثم تدين ظهور «الشبِّيحة»
الذين يشتبكون مع المتظاهرين ويطلقون
النار عليهم، معتبرة أنهم فئة ثالثة
تظهر فى الساحات، تتبرأ منها الحكومة
فى حين تصر بيانات المعارضة على أنها
منسوبة إلى الجهات الأمنية، عندئذ أدركت أن أولئك الشبِّيحة هم
أنفسهم البلطجية فى مصر، ولا يختلفون
فى شىء عن البلاطجة فى اليمن
والكلوشارات فى تونس. تابعت على شاشة إحدى الفضائيات حوارا
طريفا حول الأحداث الأخيرة فى سوريا
بين صديقنا الأستاذ هيثم المالح
الناشط السورى المعروف وبين أحد
الأكاديميين الموالين لنظام دمشق، وفى الحوار دافع الأخير عن قوات الأمن
السورية، وحمَّل الشبِّيحة المسئولية
عن الاعتداء على المتظاهرين وإطلاق
النار عليهم، عندئذ قال المالح إن المدن السورية شهدت
تظاهرات معارضة للنظام وأخرى مؤيدة
للرئيس الأسد. وأضاف أنه إذا صح أن أولئك الشبِّيحة من
دعاة الفوضى والمحرضين على التخريب.
فيفترض أنهم لا يبالون بتظاهرات
المعارضين أو المؤيدين، حيث هدفهم
الأساسى هو إثارة الفوضى والتخريب،
لكن الذى حدث أن الشبِّيحة لم يظهروا
إلا فى أوساط المعارضين، ولم يكن لهم
أثر فى تظاهرات المؤيدين، إذ انقضوا
على الأولين بأسلحتهم البيضاء
وبالرصاص المطاطى والحى، أما التظاهرات
المؤيدة للنظام فلم يمسها أحد بسوء،
وإنما سارت فى هدوء وعاد المشاركون
فيها إلى قواعدهم سالمين. كانت الملاحظة مهمة للغاية، وقوية بحيث
إن المتحدث الآخر المؤيد للنظام لم
يستطع أن يجيب عن السؤال، وإنما أصر
على أن «الشبِّيحة» يمثلون فئة خارجة
على القانون، ولا علاقة لعناصرها
بالأجهزة الأمنية، وأيد وجهة نظره
بالإشارة إلى أن الرئيس بشار الأسد
استقبل أسر الأشخاص الذين قتلوا فى
المواجهات معهم وأمر بعلاج وتعويض
الجرحى. لكن ذلك لم يقدم إجابة مقنعة لسؤال
الأستاذ المالح، واستفساره عن السبب
فى استهداف الشبِّيحة لمعارضى النظام
دون مؤيديه. لدينا فى مصر خبرات عديدة فى هذا المجال،
حيث نملك ما لا حصر له من القرائن
والأدلة التى تثبت الصلة الوثيقة بين
شبيحة مصر /البلطجية وبين الأجهزة
الأمنية. ولا تزال حاضرة فى أذهاننا أحداث ثورة 25
يناير، التى استهدف فيها بلطجية الأمن
المتظاهرين فى ميدان التحرير. فى حين لم يدس أحد على طرف للمتظاهرين
الذين حُشدوا لتأييد مبارك ونظامه فى
ميدان مصطفى محمود، وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن شبيحة سوريا
بدورهم مجرد ذراع للأجهزة الأمنية، لا
يختلفون فى شىء عن بلاطجة اليمن
وكلوشارات تونس، إن الاستبداد ملَّة
واحدة. ............ =================== رأي ..مناعتنا الداخلية
بمواجهة حملات التضليل دمشق رأي الاثنين 18 نيسان 2011 هيثم صالح تشرين مرة جديدة أثبت شعبنا العربي السوري أنه
يمتلك مناعة داخلية عصية على الاختراق
مهما عتا المتآمرون وتنوعت أساليبهم
وخططهم وبرامجهم وأبواقهم. ومرة جديدة عرف شعبنا كيف يواجه محاولات
الفتنة وسهام الغدر وكيف يرتب
أولوياته فتقدمت لديه أولوية الحفاظ
على وحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي
المتجانس على سائر حاجاته ومطالبه
المحقة والمشروعة. لقد أكد المواطن السوري، الذي راهنت عليه
قيادته السياسية على مر العقود
الماضية أنه جدير بالرهان، يقرأ جيداً
بين السطور ويحدد اتجاهاته ويمتلك
قدرة فائقة على الفرز بين ما ينفعه
ويضره، وبين من يريد به خيراً ومن يريد
به شراً، فيقرّب الأول ويلفظ الثاني،
ويبقى ثابتاً لا يزيح ولا يتزحزح،
فتنهار أمامه قلاع الأعداء وحصونهم
وتسقط مخططاتهم ومؤامراتهم وألاعيبهم.
إن المتابع للأحداث في البلدان العربية
التي شهدت خلال الأشهر الماضية
احتجاجات شعبية كبيرة، يدرك تماماً
دور وسائل الإعلام في إسقاط بعض
الأنظمة وإرباك بعضها الآخر،
واستفزازها بسبب تلاعبها بالشعب
وتوجيهه وقيادته كيفما شاءت بحسب
أجندات هذه الأقنية وداعميها ومن يقف
خلفها ويوجهها، وكانت النتيجة أن جميع
الأنظمة العربية لم تجد بداً من إقفال
مكاتب هذه الأقنية أو اعتقال طواقمها
أو التشويش على بثها وإرسالها. أما في سورية فقد كان الأمر مختلفاً
تماماً، حيث إن المواطن السوري بقي
يشاهد هذه الفضائيات ويراقبها ويحلل
صورها وفبركاتها ويفند أكاذيبها
وإدعاءاتها ويحث جميع إخوانه في الوطن
إلى ضرورة التنبه لسمومها، الأمر الذي
ساهم في تعزيز منعة الوطن والمواطن
وسهل على القيادة السياسية الالتفات
إلى الإصلاحات وإنجاز بعضها ودراسة
بعضها الآخر برؤية المطمئن إلى شعبه
والواثق بجماهيره، معياره في ذلك أن
المواطن هو البوصلة في كل عملية إصلاح
وتطوير. لقد أسقط الشعب السوري من يسمي نفسه
إعلاماً حراً وموضوعياً إسقاطاً
مريعاً، وما تجمهر مئات المواطنين
أمام مكتب قناة الجزيرة الفضائية
بالأمس سوى الخطوة الأولى باتجاه
محاسبة هذه القناة وجميع الفضائيات
الأخرى التي تورطت في بث الأكاذيب
والأضاليل، وحاولت تفتيت نسيج الوطن
وزرع الفتن بين أبنائه. وبناء عليه فإن المطلوب الآن من جميع
الحقوقيين ورجال القانون السوريين هو
رفع دعاوى قضائية ضد هذه الفضائيات
لمحاسبتها على محاولة العبث بسورية
وشعبها والتحريض على هدر دماء أبنائها
وتفتيت كيانها وزعزعة استقرارها
وأمنها والأدلة كثيرة وما سيظهر
لاحقاً أكثر بكثير. ================== آخر تحديث:الاثنين ,18/04/2011 سليم الحص الخليح 18-4-2011 غرقت الأمة العربية في سبات عميق طوال
أجيال من الزمن، وسجلت يقظة لافتة
بوقوع تحوّل تاريخي في تونس، أعقبه
تحوّل مماثل في مصر . والتحوّل المصري
ما كان ليقف عند حدود مصر . فمصر هي
الدولة العربية الكبرى والأكثر كثافة
سكانياً، إذ إنها في تعداد السكّان
تشكّل لا أقل من 35 إلى 40 في المئة من
العالم العربي . لذا فإن ما يقع في مصر
يستتبع بالضرورة أصداء وارتدادات
محسوسة، إن لم تكن فاصلة، في أرجاء
أخرى من دنيا العرب . هكذا كان عقب
الثورة العربية في الآونة الأخيرة،
فهي سرعان ما استحالت يقظة عربية شملت
عدداً من الأقطار العربية، بما فيها
ليبيا واليمن والعراق وسوريا وأخيراً
الأردن، وشهدت أقطار عربية أخرى
تحرّكات شعبية ولو أنها في حجمها
ومفاعيلها لم تبلغ مبلغ الثورة كما كان
في تونس ومصر . في ليبيا احتدم الاقتتال وبلغت حصيلته
مبلغاً مأسوياً في ما سقط من ضحايا وما
وقع من دمار وخراب . ولم يُحقق الشعب
الليبي بعد مثل ما جنت تونس ومصر من
ثمرات الثورة الإيجابية . وفضحت
الأحداث الليبية المتمادية غياب
الموقف العربي الضاغط، إذ لم ينطلق أي
تحرّك عربي جامٍع في أية محاولة لوضع
حدّ للمحنة المتمادية في ليبيا كما كان
يفترض أن يحصل . ولعل محنة ليبيا الممضة
كان لها فعل لاجم للتحركات في بلدان
عربية أخرى، إذ أضحت الشعوب الأخرى
تتهيب التورط في مثل الحال التي حلّت
بليبيا . واليمن كان لها نصيب مشهود من ظاهرة
اليقظة العربية . فإذا بها تتعرض
لأحداث واشتباكات متزايدة تحت لافتة
المطالبة بالتغيير، إلا أن التعددية
القائمة في المجتمع اليمني آلت للأسف
الشديد إلى صدامات ارتدت بعضها رداءً
فئوياً مدمراً أضحى يهدد المجتمع، ومن
ثم البلد في صميم وحدته . هذا ناهيك عن
الخسائر الجسيمة التي يتكبدها المجتمع
اليمني بفعل الأحداث الجارية،
والأحداث ما زالت تتواصل والمحنة
تزداد حدّة . وفي العراق، الذي كان مسرحاً للانقسامات
الدامية منذ مدّة غير يسيرة، فإن
اليقظة العربية حرّكت الخلافات
والضغائن على وجه آل إلى صدامات مسلحة،
ولكن الوضع عموماً بقي قابلاً للضبط . وشهدت سوريا تظاهرات في بعض المدن سجّلت
عدداً محدوداً من الضحايا في الحالات
التي عمدت السلطة فيها إلى قمع
المتظاهرين . إلا أن الوضع هنا أيضاً لم
يفلت من عقال الضبط وكذلك في الأردن . والمسلسل قد لا يقف عند هذا الحدّ . فقد
تحلّ ارتدادات اليقظة في أقطار عربية
أخرى، وقد لا يسلم من تداعياتها في
نهاية المطاف قطر من الأقطار العربية،
اللهم باستثناء لبنان، حيث التعددية
الفئوية كفيلة، على ما يبدو، بالحؤول
دون تحولات جسيمة، إذ تعمد فئات من
الشعب إلى تعطيل ما قد تبادر إليه فئات
أخرى . مع ذلك فإننا نعتقد أن واجب
التحسّب يقضي بأن يسارع المسؤولون في
لبنان إلى إطلاق حركة حوار وطني واسع
حول الإصلاح المطلوب على الصعد كافة
تداركاً للأسوأ وقطعاً للطريق أمام
العابثين من خارج البلد ومن داخله .
والجدير ذكره أن لبنان بحكم جواره
الوثيق لسوريا وعمق التشابك والتداخل
في المصالح والأوضاع بين القطرين
الشقيقين، مرشح لأن يتفاعل على وجه
مباشر وعميق مع أية تطورات قد تحلّ
بالقطر السوري الشقيق . فالعزل بين
لبنان وسوريا على هذا الصعيد سيكون
متعذراً عملياً . إذا كان لنا أن نقوّم ظاهرة اليقظة التي
حلّت في العالم العربي، فإننا نسجّل
أكثر من ملاحظة: فمن جهة نسجّل أن
اليقظة لا يمكن مطلقاً إلاّ أن تكون
ظاهرة إيجابية واعدة في أمة تنشد
الحياة والرفعة والتقدّم . فالأمة
العربية عاشت حقباً طويلة من الزمن في
حال من السهاد والغفوة، حتى إن قادة
الفكر فيها باتوا يخشون على مستقبلها
لا بل وعلى قابليتها للحياة والبقاء .
فالوضع الآسن بالنسبة إلى الأمم يعادل
الموت . فجاءت اليقظة العربية، التي لا
نزال نعيش تداعياتها، لتبعث الأمل في
نفوس الكثيرين من قادة الأمة وأبنائها
. فإنها عززت إيمان هؤلاء بإمكانات
الأمة وطاقاتها، وأحيت في الأذهان
والضمائر نفحة من الإيمان الوطيد .
الأمة منفتحة على التغيير، والمستقبل
قد يحمل الكثير من الأمل بتغيرات تدفع
بها في وقت غير بعيد إلى مصاف الأمم
الرائدة في العالم بإذن الله، والأمر
يتوقف إلى حدّ بعيد على بروز قيادات
منفتحة وتقدمية تأخذ بناصية الأمة إلى
الغد الموعود . من جهة أخرى، لا بد من التأكيد بديهياً أن
الأمل بمستقبل زاهر يرتبط إلى مدى بعيد
باستعداد العرب للعمل القومي المشترك .
فلا قيام للأمة إلا بوحدة صفوفها
وتكامل مصالحها وتلاقي عناصرها عند خط
واحد للعمل القومي الهادف على الصعد
كافة . والسؤال الكبير هو: هل سيعي قادة
العرب هذا الواقع، وهل سيعملون
بموجبه؟ المهم أن يدرك شباب الأمة هذه
الحقيقة ويحاسبوا حكامهم على مدى
الالتزام بموجباتها . من جهة ثالثة، ينبغي أن ندرك أمراً
بديهياً وهو أن المصير لا يقرر في
لحظة، ولا حتى في لحظة يقظة، وإنما
الإنجاز يكون مساراً متصلاً لا انقطاع
فيه ولا نهاية له . علينا أن نخطط لمسار
مديد سمته الأولى الاستمرار والانتظام
. وعلينا من ثم التزام هذا المسار
بتفاصيله في قولنا وعملنا، في فكرنا
وأحلامنا، وفي حلنا وترحالنا، لا بل
علينا أن نجعله همّنا وديدننا في كل
الأوقات . من جهة رابعة، إذا كانت سلبيات اليقظة قد
طغت فعلياً لفترة ما على إيجابياتها،
كما في ليبيا حيث المجازر البشرية
يومية، فإن هذا ينبغي ألا ينتقص من
قيمة الظاهرة، بل ينبغي أن يحفزنا إلى
تدارك السلبيات والعثرات والنواقص
بعزيمة لا تهون . ثم إن الأمل يبقى معقوداً على أن تعمّ
اليقظة الأقطار العربية كافة
بإيجابياتها دون سلبياتها التي لا بد
من العمل على تلافيها . ختاماً، في اعتقادنا أن اليقظة العربية
جاءت لتذكّر العرب بأن أمتهم تزخر
بالحيوية والإمكانات . يبقى أن يكون
قادة الأمة على مستوى التحدي فيعبّئوا
كل الطاقات والإمكانات في دفع الأمة
وشعوبها قدماً إلى حيث تتبوأ المكانة
المنشودة لها في أسرع ما يمكن بحيث
تغدو، كما يروم أبناؤها، ينبوع عطاء
حضاري وإنساني لا حدود له . * رئيس وزراء لبنان الأسبق ==================== آخر تحديث:الاثنين ,18/04/2011 أمجد عرار الخليج بين الرواية الرسمية السورية وروايات
وكالات الأنباء والفضائيات، يضع
الإنسان العربي رأسه بين كفّيه حائراً
إزاء المشهد الساخن في بلد لم تكن
حرارته منخفضة أصلاً . هناك نوعان من
الناس لا تنتابهما الحيرة، فالمسألة
سهلة بالنسبة لهما . الأول مؤيّد للنظام ويثق به ثقة عمياء،
يتلقّف الرواية الرسمية ويقبل كل ما
يقوله النظام، وهذا منهج لا يخدم صاحبه
ولا النظام . والثاني حاقد لأسباب
مختلفة، وهو جاهز لتبني أية رواية
تنسجم مع موقفه المسبق، وبين هذا وذاك
هناك من يختلف مع النظام ويطالب
بإصلاحات حقيقية تصب في مصلحة الشعب
السوري . نسجّل سلباً على النظام السوري إقفال
أبوابه على وسائل الإعلام، وفي ظل
الموقف العام السلبي إزاء الإعلام
الرسمي، بات محكوماً بالكذب على كل ما
يقوله إعلام النظام، من جانب أعدائه
وخصومه والمختلفين معه . فهؤلاء
يتلقّفون، بالمقابل، أية رواية من “شاهد
عيان” أو “ناشط حقوقي” لا يعلم أحد
ماهيّته، علماً أن من المدمّر للعقل
والحقيقة أن تكون آلية “شاهد عيان” أو
“ناشط حقوقي” المصدر الوحيد ل “المعلومة”
في قضايا كبرى تتعلق بمصائر الشعوب .
القضيّة هنا أهم وأخطر من المناكفة
البلهاء بين مؤيد ومعارض، أو تصفية
حساب مع خط سياسي يختلف معه بعضنا، لأن
الأنظمة قابلة للاختلاف بشأنها، أما
الشعوب فلا . لكن بعيداً عن الجدل العقيم مع المواقف
المسبقة، لا يفيد النظام، بل يفيد
هؤلاء، الاكتفاء بتكرار المؤامرة
الخارجية ورواية “المجموعة المسلّحة”
لتفسير الأحداث، لأنه عندما يتعلّق
الأمر بحياة وموت الناس، لا يستطيع أي
نظام في الكون أن يحرف تعاطفنا بعيداً
عنهم لصالح النظام . لا نستبعد وجود
مجموعات مسلّحة في بلد مستهدف، لكن
مواجهتها وحماية أرواح الناس، مسؤولية
النظام . بمعزل عن أي الروايات أصدق، نستطيع أن
نتحدّث بما لا علاقة له بالروايات،
فسوريا تشهد احتجاجات وأحداثاً أمنية
خطرة . صحيح أن سوريا تجاوزت قبل هذه،
أحداثاً ومؤامرات خطرة أيضاً، لكن إذا
اعتمد النظام على هذا المعطى، فإنه
يرتكب خطأ قاتلاً، لأن خطورة الأحداث
الراهنة أنها تقع في ظل مناخ عربي
مختلف . المؤامرات الخارجية، موجودة
دائماً، لكن على النظام أن يقطع الطريق
عليها بخطوات جدية وجذرية على صعيد
الإصلاح . لقد أعلن خطوات على الطريق،
لكنّه يبدو ثقيل الخطى ويتحرّك بما هو
أبطا من الموجة . في هذه اللحظات، هو
مطالب بقرارات كبيرة بحجم إلغاء حالة
الطوارئ والإفراج عن كل السجناء
السياسيين غير المدانين بالتآمر
والخيانة . ننتظر من النظام في دمشق أن
يجري تعديلات دستورية تؤسس لنظام
تعدّدي، فليس من المنطق أن يجعل حزب من
نفسه “قائداً للدولة والمجتمع” في نص
دستوري . بعيداً عن منطق التصيّد والتشفي، وليس
انطلاقاً من انحياز أعمى، نرى أن
المنسوب الراهن للاحتجاجات من حيث قلة
اتساعها ومحدوديتها مكانياً
وزمانياً، يجعل النظام أمام فرصة لم
تفت بعد، ونرجو أن يحسن التقاط اللحظة
التي تقع في صلب أساسيات العمل السياسي
الناجح، وبإمكانه الاستناد لرصيده لدى
أغلبية الشعب العربي المؤيدة لموقفه
من المقاومة، وأن يبدأ الآن، لأنه إذا
خسر سباق الزمن، نخشى أن يأتي وقت يكون
قد فات الأوان . ==================== الإصلاحات السورية بين
السرعة والتسرّع مها بدر الدين الرأي العام 18-4-2011 تعاني معظم الدول العربية من
البيروقراطية في أغلب مؤسساتها
الحكومية ابتداء من قمة الهرم وحتى
القاعدة، والجمهورية العربية السورية
تعاني كأخواتها من هذه الآفة الخطيرة
التي إن لم تغير مسيرة التقدم من
الأمام إلى الخلف فإنها على الأقل تبقي
الوضع القائم قائماً على حاله التعيس
لأعوام طويلة تحسب من عمر الشعوب
وكأنها أيام معدودة. وقد سيطرت هذه البيروقراطية على طريقة
المعالجة السياسية للأوضاع المتوترة
في الشارع السوري، ولم يفلح أصحاب
القرار في الرئاسة السورية من التخلص
من الاعتياد السلبي على ممارسة
البيروقراطية حتى في أهم اللحظات
الحرجة التي تتطلب تحركاً سريعاً يضمن
احتواء ايجابياً للأحداث المتلاحقة
التي تشهدها الساحة السورية. فقد كرس الخطاب الرئاسي الأخير الذي
تناول الأزمة السورية، كما أسماها،
مفهوم البيروقراطية وذلك عندما أكد أن
الدراسات التي تتناول حزمة الإصلاحات
السياسية والاقتصادية والإعلامية
والأمنية، معتقلة في أدراج مجلس الشعب
وتنتظر أمراً بالإفراج عنها وإبصار
النور منذ عام 2005، وذلك مرهون بترتيب
الأولويات التي كان آخرها مصلحة الوطن
والمواطن. كما وصف الخطاب إعلان إلغاء حالة الطوارئ
التي ترزح تحتها البلاد منذ العام 1962،
باعتباره أول المطالب الشعبية التي
ينادي بها الشعب السوري، بأنه إجراء
يتطلب السرعة لكن ليس التسرع، ورغم
إدراكنا الفرق بين المفهومين إلا أننا
لم نعرف مستوى السرعة المناسبة التي
يرى السيد الرئيس اعتمادها لوضع هذا
الإجراء موضع التنفيذ، كما لم يحدد
المدى الذي تتحول السرعة عنده إلى نوع
من التسرع. ورغم تقديرنا لحرص النظام السوري على عدم
التسرع باتخاذ إجراءات قد يكون لها رد
فعل عكسي عند تنفيذها عملياً، إلا أن
عدم التسرع لا يعني البتة التعامل ببطء
عليل مع المستجدات المتلاحقة والأحداث
المتسارعة خاصة إذا كانت تنزف دماً
وتزهق أرواحاً، فمن الطبيعي أن الظروف
الاستثنائية التي تمر بها البلاد
تحتاج إلى إجراءات استثنائية لرأب
الصدع واحتواء الأزمة، وحزمة من
الإصلاحات السياسية التي تتناسب
سرعتها مع سرعة حركة الجموع الجامحة إن
لم تكن أسرع، بل أنه من المفيد سياسياً
للنظام الحالي أن يسرع بالقيام
بالإسعافات السياسية الأولية لإنقاذ
الشارع السوري من نزف شريانه الشعبي،
وأن يضع أصبعه على الجرح ويداويه بسرعة
بدل أن ينكأه ببطء. لقد عانى الشعب السوري على مدى أعوام
طويلة من التباطؤ في إنجاز كل
الإصلاحات التي تصب بمصلحته السياسية
والاقتصادية والاجتماعية، فالقوانين
الإصلاحية السياسية تدرس منذ أعوام
بتثاقل قاتل، فتشكل لها اللجان وتعقد
لها المؤتمرات وتزور أدراج جميع
المسؤولين ويصدح بها الإعلام السوري
ليل نهار، لكنها تبقى رسماً على ورق
وريشة في مهب الريح، كما أن القوانين
الاقتصادية ليست بأفضل حال فهي تفصل
تفصيلاً على مقاس المسيطرين على
الاقتصاد السوري، وإما أن تكون طاردة
للاستثمارات الخارجية ببيروقراطيتها
التي لا تتناسب مع متطلبات الأسواق
الاقتصادية العالمية، أو أنها جاذبة
لأطماع اقتصادية تنعش أرصدة
المستفيدين وترهق جيوب المواطنين، لكن
يمكن تعديلها إذا اقتضت المصلحة
المالية لهؤلاء المستفيدين وبوقت
قياسي يخرق الفارق بين السرعة والتسرع.
هذا التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات الضرورية
لاستقامة الحياة السورية بمختلف
نواحيها، تحول بنظر الشعب المرهق إلى
تجاهل متعمد لكل مطالبه المشروعة التي
بدأ صوتها يعلو على استحياء منذ أعوام،
فكان هذا التجاهل بمثابة الشاحن الذي
شحن النفوس بالرغبة الحقيقية للانضمام
لمصاف الدول المتقدمة التي لا تقل
مقوماتها عن مقومات دولة كسورية عريقة
الحضارة، وفيرة الخير، غنية بالثروات
الطبيعية، متنوعة الثقافات والديانات
والطوائف المتجانسة، وقد تحولت هذه
الرغبة المشروعة إلى تمرد على الواقع
البيروقراطي الذي يعيشه المجتمع
السوري فانقلب الاستحياء إلى انتفاضة
شعبية جريئة تطالب بالإسراع في تنفيذ
الإصلاحات الموعودة، لتصطدم مرة أخرى
بفلسفة عدم التسرع فتتأجج غضباً
وينتشر صداها في أرجاء البلاد كانتشار
النار في الهشيم. إن معالجة الوضع الراهن في مختلف أنحاء
سورية يحتاج أولاً إلى وعي عقلاني كامل
من أصحاب القرار السياسي بالتطورات
النفسية والعقائدية والمعنوية التي
طرأت على الشعب السوري بمختلف أطيافه
وطوائفه، والتي تفرضها المرحلة
التاريخية الجديدة ورياح التغيير
القادمة على بلاد الشرق الأوسط عامة
والوطن العربي خاصة، كما تحتاج إلى
توفر النية الصادقة بإعطاء هذه
التطورات حق قدرها والتعامل مع الشعب
السوري الجديد بروح جديدة ونظرة
موضوعية تتناسب مع هذه التطورات،
والإسراع بتنفيذ مطالب الشعب الطبيعية
والمشروعة والتي أصبحت شرطاً أساسياً
للعيش بالمرحلة التاريخية الجديدة، بل
من واجب النظام السوري إذا أراد أن
يحافظ على كيانه بعيداً عن تبعات
الزلزال الحاصل الآن، الإسراع في كف
أيدي أجهزة الأمن عن المواطن السوري
والتعامل معه من منطلق آدمي لأن الشعب
السوري الآن يعمل بسرعة عالية الوتيرة
لإثبات استحقاقه الحياة الحرة
الكريمة، ولن يقبل بعد اليوم تهميشه
وتجاهله والتباطؤ بتحقيق مطالبه. كاتبة سورية =================== هل يحل رفع قانون
الطوارئ في سورية والإصلاحاتّ
المشكلة الوطنية؟ م. محمد فقيه 2011-04-17 القدس العربي حين أعلنت بثينة
شعبان المستشارة السياسية للرئيس
السوري بشار الأسد بأن قرار إلغاء
أحكام الطوارئ في سورية قد اتخذ في في
خطوة جريئة غير مسبوقة، وسيدخل قريبا
حيز التطبيق، والجدير بالذكر أن سورية
قد فرضت قانون الطوارئ بموجب الأمر
العسكري رقم (2) والصادر عن المجلس
الوطني لقيادة الثورة بتاريخ 8/3/ 1963
إثرالإنقلاب العسكري الذي قام به
البعثيون وتسلموا الحكم في سورية على
أثره حتى يومنا هذا، وقد اعتبر هذا
الأمر ساري المفعول مباشرة من تاريخ
إصداره وحتى هذا التاريخ، ولا ندري بعد
تصريح بثينة شعبان متى سيدخل إلغاء
حالة الطوارئ حيز التنفيذ، وقانون
الطوارئ هو باختصار قانون احتلال
داخلي للبلد، وإذلال واستعباد
للمواطنين شعبا وأرضا فيحق للحاكم
العرفي بوجب قانون حالة الطوارئ المقر
بموجب المرسوم التشريعي في سورية رقم
(52) والصادر بتاريخ 22/12/ 1962 جميع
الممارسات المبينة أدناه: 1 - وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع
والإقامة والتنقل والمرور في أوقات
معينة، وتوقيف المشتبه فيهم أو
الخطرين على الأمن والنظام العام
توقيفاً احتياطياً، والإجازة في تحري
الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي
شخص بتأدية أي عمل من الأعمال. 2 - مراقبة الرسائل والمخابرات أياً كان
نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات
والمؤلفات والرسوم والمطبوعات
والإذاعات، وجميع وسائل التعبير
والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها
ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها
وإغلاق أماكن طبعها. 3- تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة
وإغلاقها. 4- سحب إجازات الأسلحة والذخائر والمواد
القابلة للانفجار والمفرقعات على
اختلاف أنواعها، والأمر بتسليمها
وضبطها، وإغلاق مخازن الأسلحة. 5 - إخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم
وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها
بين المناطق المختلفة. 6- الاستيلاء على أي منقول أو عقار، وفرض
الحراسة المؤقتة على الشركات
والمؤسسات، وتأجيل الديون
والالتزامات المستحقة والتي تستحق على
ما يجري الاستيلاء عليه. 7- تحديد العقوبات التي تفرض على مخالفة
هذه الأوامر، كل ذلك مع عدم الإخلال
بالعقوبات الأشدّ المنصوص عليها في
القوانين الأخرى. وبعد هذه الخطوة الجديدة المضطرة من
النظام السوري بسبب الانتفاضة
والاحتجاجات الداخلية على الوضع
البائس في سورية. * فإن السؤال الأول المطروح: متى سيدخل هذا
القرار حيز التنفيذ ويتم إنهاء عهد
الاستعباد؟ وإذا اعلن عن دخوله حيز التنفيذ ومتوقع أن
يعلن عن ذلك قريبا فهل سيطبق فعلا
ويرقى المواطن داخل البلد إلى مستوى (الانسان)
أم سيبقى الأمر حبرا على ورق ويبقى
العمل على أرض الواقع على سابق عهده من
مصادرة حرية المواطن وامتهان كرامته
واستعباده؟ * والسؤال الثاني أعلنت الجهات المسؤولة
في سورية باستبدال قانون الطوارئ
بقانون مكافحة الإرهاب، فهل سيكون
القانون الجديد- مكافحة الإرهاب
بديلا عن القانون السابق في احتلال
الوطن داخليا وتقييد حريته ومصادرة
حقوقه وسلبه أملاكه وإذلاله واستعباده
وامتهان كرامته بشكل آخر جديد؟ أو بعبارة أخرى هل ما يقدمه النظام باليد
اليمنى سيسحبه باليد اليسرى؟ .... بل
ربما يترحم المواطن (على الوضع الاسبق)،
أو على مبدأ ( قام ليكحلها فعماها). إن المواطن السوري ينظر إلى هذه القوانين
نظرة شك وارتياب ومن حقه ذلك لما عانى
في هذا البلد من الظلم والتعسف والوعود
الهوائية والآمال الكاذبة والأمنيات
الخادعة، في دولة غياب القانون
والديمقراطية وانعدام الحرية،
وامتهان المواطن ونظام القمع
والاستبداد، وتغول الفساد من رأس هرم
الدولة إلى قاعدتها. نتمنى أن يكون النظام صادقا في وعده هذه
المرة، وأن يسرع في اتخاذ إجراءات
إصلاح حقيقية تدخل حيز التنفيذ تكفل
حرية المواطن وتؤمن له كرامته وتطهر
البلد من رموز الفساد وتكسر قيود الذل
والاستعباد. مع الإشارة إلى أن أية إجراءات إصلاحية
تتخذ في سورية - تستثني
أو تكون على حساب طائفة أو اثنية أو
مجموعة أو تيار، أو تقوم بمحاولة عزل
فصيل معين من الشعب أو المعارضة على
حساب تقريب مجاميع أو فصائل أخرى، فإن
الأمر سيكون تكريسا للأزمة بدل حلها،
وزج البلد في فوضى وأزمات قد تكون أشد
وأخطر من الأحداث والأزمة التي نعيشها.
================== صبحي حديدي 2011-04-17 القدس العربي أمس، في الذكرى
ال 65 لعيد الجلاء، اليوم الوطني في
سورية، راود آلاف السوريات والسوريين
حلم الإعتصام السلمي في ساحة يوسف
العظمة، تحت تمثال أحد كبار أبناء
سورية، وزير الحربية الأشرف الذي
استُشهد في معركة ميسلون، تموز (يوليو)
1920، أمام الجنرال هنري غورو وجيش
الإحتلال الفرنسي. وفي مساء 'جمعة
الإصرار' الماضية، كانت قنابل الغاز
المسيل للدموع وخراطيم المياه
والشاحنات الضخمة التي شكّلت سدّاً
معدنياً، قد منعت الآلاف من الوصول إلى
ساحة العباسيين للشروع في اعتصام دائم
هناك، وأغلب الظنّ أن أجهزة السلطة
الأمنية سوف لن تدخر جهداً قمعياً، ولن
تعفّ عن ممارسة وحشية، لكي تحول دون
تنفيذ أيّ اعتصام دائم، في أية ساحة
سورية كبرى. من هنا، بعيداً عن الشام، تدفعني ذكرى
الجلاء إلى استعادة صورة فوتوغرافية
نادرة، ليست منقطعة الصلة عن رمزية
ساحة يوسف العظمة، تلتقط حدثاً لم
يتكرر كثيراً في تاريخ العرب الحديث
والمعاصر، بل لعلّ الواقعة تلك لم تحدث
إلا مرّة واحدة على ذلك النحو من
الرقيّ والصفاء. الصورة تعود إلى عام
1955، وتحديداً يوم 6 أيلول (سبتمبر)،
ويظهر فيها رجلان يتبادلان التوقيع
على وثيقة من نسختين: الأوّل هو
المرحوم هاشم الأتاسي (1875
1960) رئيس الجمهورية آنذاك، والثاني
هو المرحوم شكري القوتلي (1891
1967) رئيس الجمهورية المنتخب، وأمّا
الورقة التي تبادلا التوقيع عليها فهي
وثيقة انتقال السلطات الدستورية. تلك الممارسة، الديمقراطية والحضارية
الراقية، تبدو اليوم غريبة على أبصار
وأسماع العرب في مشارق أرضهم
ومغاربها، وافتقدتها
إذ لم يحدث أنها تكرّرت مراراً في
حياة الأجيال
العربية بعد ذلك التاريخ، حين استولى
أصحاب العروش والتيجان والقبعات
العسكرية على مقاليد الأمور، وتراجعت
السياسة إلى الباحة الخلفية، أو قبعت
في الزنازين، أو تلقفتها المنافي هنا
وهناك. إنها، غنيّ عن القول، تُفتقَد
في هذه الأيام تحديداً، وأكثر من أيّ
وقت مضى. والصورة بديعة بسبب المحتوى العظيم لتلك
الوثيقة الفريدة، التي تقول بعض
سطورها: 'في هذا اليوم (...) جرى في ندوة
مجلس النواب انتقال السلطات التي
خوّلها الدستور لحضرة صاحب الفخامة
رئيس الجمهورية السيد هاشم الأتاسي،
إلى حضرة صاحب الفخامة السيد شكري
القوتلي الذي انتخبه مجلس النوّاب
رئيساً للجمهورية (...)، وقد شهد ذلك
صاحب الدولة الدكتور ناظم القدسي رئيس
مجلس النواب، والأستاذ صبري العسلي
رئيس مجلس الوزراء، والسيد وجيه
الأسطواني رئيس المحكمة العليا'.
وبالطبع، لا يفوتكم ملاحظة ترتيب
السلطات الثلاث الشاهدة على التوقيع:
السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية،
والسلطة القضائية. لا أحد من أبناء جيلنا نحن، وقد عبرنا سنّ
الخمسين، يذكر أنه شهد بعدها انتقالاً
سلمياً للسلطات بين رئيس انتهت ولايته
وآخر انتُخب لتوّه؛ وفي المقابل ذقنا
مرارة الإنقلابات، والإنقلابات على
الإنقلابيين، وتحويل السياسة إلى
مسخرة، عن طريق تحويل المواطن إلى واحد
من اثنين: سواد أعظم يلهث خلف الرزق
اليومي دون أن يفلح في بلوغ كرامة
العيش، وفئة قليلة من الطغاة واللصوص
وقوّادي السلطة والفاسدين المفسدين.
وفي بلدي سورية، مثلاً، ثمة جيل كامل
لم يعرف سوى رئيس واحد هو حافظ الأسد
طيلة ثلاثين سنة، وحين وافته المنية
حلّ نجله خليفة له في السلطة! ولم يكن أقلّ سوءاً ذلك 'التوجيه السياسي'،
الاسم الحرفي للكتاب المدرسي الذي كان
مقرّراً على طلاب المرحلة الثانوية في
المدارس السورية، والذي يشتم تلك
الديمقراطية بدعوى أنها 'برجوازية' أو 'رجعية'
أو 'إقطاعية'، وليست بسموّ وعظمة ورقيّ
'الديمقراطية الشعبية' التي بشّر بها
حزب البعث! في عبارة أخرى، لم تقتل
حكومات البعث المتعاقبة كلّ ما راكمته
سورية من تجارب دستورية وبرلمانية
وانتخابية، وهي عديدة ومضيئة وطليعية،
فحسب؛ بل سعت على نحو منظّم إلى قدحها
وهجائها وتشويهها. وليس بغير أسباب وجيهة، ومبدئية، أنّ
السوريين اليوم يعودون إلى استذكار
مآثر رجالات ذلك الرعيل الرائد، والذي
يأتي 'المواطن الأوّل' شكري القوتلي في
طليعته. وهذا رجل باع أملاكه الشخصية
لتمويل نضالات الحركة الوطنية، ضدّ
الأتراك وضدّ الإستعمار الفرنسي في
آن؛ وخاطب ونستون تشرشل، بعد أن التفت
إلى البحر القريب: 'شعبنا لن يكبّل وطنه
بقيد العبودية والذلّ والإستعمار حتى
لو أصبحت مياه هذا البحر الزرقاء حمراء
قانية'؛ كما تخلى طواعية عن منصبه
كرئيس للجمهورية السورية، منتخب
ديمقراطياً ومحبوب من شعبه وصاحب حظوة
واحترام في العالم، مقابل تحقيق
الوحدة السورية المصرية. وهكذا فإنّ عيد الجلاء يعني، أيضاً، أن
تسطّر الإنتفاضة السورية صفحات مجيدة
أخرى في حوليات تاريخ البلد، فتستأنف
ما انقطع من مآثر كبار أبنائها، أمثال
يوسف العظمة وشكري القوتلي؛ ولعلّها
تستعيد أحد كبار شعرائها، عمر أبو ريشة: نحن من ضعفٍ بنينا قوّة/ لم تلنْ للمارج
الملتهب كم لنا من ميسلونٍ نفضتْ/ عن جناحيها غبار
التعب ومَنِ الطاغي الذي مدَّ لهم/ من سراب
الحقّ أوهى سبب؟ ما لنا نلمح في مشيته/ مخلب الذئب وجلد
الثعلب؟ لمّتِ الآمال منّا شملنا/ ونمتْ ما بيننا
من نسبِ... ==================== عبد الباري عطوان 2011-04-17 القدس العربي النهاية المزرية
التي انتهى اليه حكم الانظمة
الديكتاتورية العربية في اكثر من دولة
عربية بفضل الثورات الشعبية المباركة
ستجعل من الصعب على اي ديكتاتور قادم،
او راهن، الاستمتاع بالحكم بالطرق
التقليدية المتعارف عليها، مثل سرقة
المال العام، والاستعانة بالبطانة
الفاسدة، والاعتماد على تغول الاجهزة
الامنية، ومصادرة الحريات. نشعر بمعاناة السيدة سوزان مبارك حرم
الرئيس المصري المخلوع، ولكن لا
نتعاطف معها، وهي تتنقل بين مستشفى شرم
الشيخ، حيث يخضع زوجها للتحقيق حول
امواله وتجاوزاته، وبين نجليها اللذين
يقبعان حاليا في زنزانة عادية جدا في
سجن طرة، حيث لا مكيفات، ولا تلفزيون،
ولا صحف، فقط مروحة بدائية معلقة في
السقف. المليارات مجمدة في البنوك الاوروبية،
وحتى ما جرى تهريبه منها في الربع ساعة
الاخير من عمر الحكم من الصعب الوصول
اليها، وكيف يتأتى ذلك واصحابها خلف
القضبان يواجهون اتهامات بالسلب
والنهب وسرقة المال العام، وفوق كل هذا
وذاك التواطؤ في عمليات قتل اكثر من
مئتي شاب من ثوار ميدان التحرير وباقي
المدن المصرية الاخرى. امبراطورية الرعب والفساد المصرية
انهارت مثل بيت العنكبوت، وجاءت
الضربة القاصمة بصدور قرار المحكمة
بحل الحزب الحاكم (الحزب الوطني)
ومصادرة جميع اصوله وممتلكاته، واغلاق
فروعه في مختلف انحاء مصر، بعد اعتقال
معظم قياداته ورموزه بتهم متعددة وعلى
رأسهم احمد عز وصفوت الشريف. الثورة الشبابية المصرية، ووعي قادتها
كانا خلف هذه الانجازات جميعا، من خلال
الضغط بسلاح التظاهر على المجلس
الاعلى للقوات المسلحة، للتسريع
بمحاكمة كل رموز الفساد
والديكتاتورية، امام محاكم مدنية
عادلة. ولعل حال العقيد الليبي معمر القذافي
واسرته اكثر سوءا من الرئيس حسني مبارك
واسرته، فرغم حكمه الذي امتد اكثر من
اربعين عاما، والمليارات التي انفقها
في افريقيا وانحاء عديدة من العالم
لتلميع صورته، ونظامه الدموي، لم يجد
صديقا واحدا يدافع عنه، والاهم من ذلك
ان الغالبية الساحقة من شعبه الذي
تطاول عليه، بالفاظ نابية لا تليق حتى
باولاد الشوارع (مثل نعتهم بالجرذان
والمقملين) تطالب بمحاكمته بارتكاب
جرائم حرب ضد الانسانية، بالنظر الى
قتله الآلاف في هجومه على مصراتة
والزاوية ودرنة وباقي المدن الليبية. ' ' ' العقيد القذافي لا يجد دولة تقبله
واسرته، ورجاله الخلص قفزوا من سفينته
الغارقة، وامواله التي هربها الى
المصارف الامريكية والاوروبية (اكثر
من خمسين مليار دولار) اعتقادا منه
انها في مأمن، باتت مجمدة ولن يرى
دولارا واحدا منها، وهي الاموال التي
حرم الشعب الليبي منها من اجل ان
يصرفها على ملوك افريقيا ونصابيها. واذا انتقلنا الى الرئيس اليمني علي
عبدالله صالح فان ايامه باتت معدودة،
وهو يحاول بكل الطرق والوسائل تأمين
خروج مشرف له ولافراد اسرته، والخروج
المشرف هنا يعني عدم مطاردته قضائيا من
قبل من سيتولون الحكم من بعده بتهم
عديدة، ابرزها اطلاق قناصيه النار على
المتظاهرين في ميدان التغيير وقتل
العشرات منهم. من المؤكد ان الرئيس اليمني سيجد الصحبة
الطيبة عندما ينتقل وافراد اسرته الى
مدينة جدة قريبا، حيث الرئيس التونسي
زين العابدين بن علي، وربما ينضم اليه
آخرون قريبا، فالولايات المتحدة تبحث
حاليا عن مكان لاستضافة الزعيم الليبي
الذي قال البيان الثلاثي لقادة العالم
الغربي (اوباما وساركوزي وكاميرون) انه
ليس له مكان في الحكم ولا في ليبيا. ' ' ' الرئيس بن علي غادر تونس ومعه ما تيسر من
الاموال والذهب، ولكن كيف يصرف هذه
الأموال، او ما لم يجمد منها، وهو سجين
قصر فاخر لا يستطيع مغادرته، ويسمع
يومياً عن مظاهرات ينظمها ابناء
الثورة في تونس امام السفارات
السعودية تطالب بتسليمه لكي يمثل امام
العدالة، لمحاسبته واعادة اموال الشعب
التي في حوزته. لا نعرف اذا كان هؤلاء يشاهدون المحطات
الفضائية العربية والاجنبية ويتابعون
اللعنات التي تنصب عليهم من ابناء
شعوبهم، ولكن ما نعرفه انهم قطعاً
يعيشون حالة من الاكتئاب وانعدام
الوزن، بعد ان جرى نزع الملك منهم
بطريقة مهينة وغير مسبوقة وسريعة جداً.
فالعروش تساقطت وستتساقط امام تسونامي
غضب الشعوب. لا لم ننس سورية، ولا نظامها
الديكتاتوري، حيث يصارع الرئيس بشار
الاسد بين نصائح حرسه القديم باستمرار
التمسك بالاساليب القمعية الدموية
لاخماد ثورة القاع المتفجرة، وبين
تمنيات الكثيرين الذين يريدون تجاوبه
مع مطالب شعبه المشروعة في الاصلاح،
وبرز هذا التردد واضحاً في خطابه الذي
ألقاه امام مجلس الوزراء الجديد حيث
كرر وعوده السابقة بانهاء حالة
الطوارئ في غضون اسبوع، واعتماد قانون
جديد للاعلام. ' ' ' الحديث عن مؤامرات خارجية تستهدف سورية
لم يعد يقنع الكثيرين، او يقلل من
عزائم المطالبين بالاصلاح، ولا بد
للرئيس بشار هذا الطبيب الرقيق
المتعلم في الغرب ان يتساءل بينه وبين
نفسه عن حظه العاثر الذي اوقعه في هذه
الورطة، فربما كان الخيار الآخر، اي
ممارسة طب العيون في لندن، او حتى اي
مدينة سورية اخرى، اكثر اماناً وراحة
بال من وراثة حكم شعب من الاسود
الغاضبة. الانظمة الديكتاتورية العربية لم تدمر
شعوبها، وتكسر كرامتها، وتنهب
ثرواتها، وتقدم نموذجاً في القمع
ومصادرة الحريات فحسب، وانما دمرت
نفسها ايضاً، وعجلت بنهايتها بطرق
مذلة مثل تلك التي نراها في اكثر من
عاصمة عربية. البدائل التي تطل برأسها من رحم الثورات
الغاضبة ستكون مختلفة حتماً، مختلفة
في تعاطيها مع الشعب، لانه هو الذي
اختارها لكي تخدم مصالحه، وتعيد اليه
كرامته، وتنهض بمقدراته، وتقوده الى
مستقبل مشرق تتطلع اليه، وتقدم
أرواحها من اجل تحقيقه. الشعوب العربية تريد حكماً رشيداً يستند
الى الحريات والديمقراطية واحترام
حقوق الانسان والشفافية والمحاسبة،
بعد ان عانت من البطالة والفساد والحكم
الابدي، والورثة الفاسدين. بأي حق يتحدث السيد سيف الاسلام القذافي
ويهدد الشعب الليبي بالقتل والضرب
بالاحذية، وبأي حق يقود اشقاؤه كتائب
تقصف الابرياء وتروع الاطفال
والمدنيين، وبأي حق يتصرف جمال مبارك
كامبراطور يعين الوزراء والسفراء،
وبأي حق يتهيأ احمد علي عبد الله صالح
لحكم اليمن، وما هي المميزات التي
تجعلهم فوق كل ابناء الشعب؟ نجلا الرئيس المصري يجب ان يحمدا الله
كثيراً انهما انتهيا في زنزانة بسجن
طرة سيئ الذكر موئل القتلة والمجرمين،
فهي تشكل حماية لهما وكل رموز فساد حكم
ابيهما من غضبة الشعب، ونتمنى ان يتعلم
الزعيم الليبي وابناؤه من هذه
النهاية، ويستوعبوا دروسها قبل فوات
الاوان. ==================== مأزق الوضع السوري:
غريزة البقاء أم غريزة الارتقاء؟ الإثنين, 18 أبريل 2011 ناريمان عامر * الحياة يتقاطع المشهد السوري في الكثير من
مقوّماته، مع نظرائه في الدول العربية
التي شهدت حراكاتٍ شعبية ولا تزال،
ولعله يتميز عنها بخصوصيةٍ جعلت الوضع
فيه أكثر تعقيداً. ذلك أن المطالب التي
تحرك المجتمعات العربية هي المطالب
ذاتها، والحراك المجتمعي يأخذ صيغاً
متشابهة، إلا أن ما يميّز الوضع في
سورية هو المجتمع السوري نفسه،
والدّولة السورية نفسها. تتميز الدّولة السورية عن غيرها بعدم
وجود تمايزٍ واضحٍ بين سلطات الدولة
الأساسية. ذلك أنها سلطاتٌ لا تتمتع
باستقلالها الذاتي، بل إن السّمة
الأهم التي تتميز بها أنها سلطاتٌ
ملتهمة من الجهاز الأمني التابع
للسلطة: خذ السلطة القضائية التي تعاني
من تبعية سافرة للجهاز الأمني. فالجهاز
هذا يلتهم الدولة الحديثة، جاعلاً
منها دولةً صوريةً مفرغةً من المضمون،
ويلتهم الحزب الحاكم جاعلاً منه
واجهةً أيديولوجيةً دون فاعلية.
فتفريغ الساحة السياسيّة من المعنى،
سحبت حتى من الحزب الحاكم الفاعلية
الذاتية، ويلتهم حضور المثقفين
الملحقين بالنظام ليجعل منهم كتبة
شعارات ساقطة من حيث الحضور الحقيقي في
المجتمع، وبالتالي إخصاء الفعل الفردي
الفذ، الذي يشمّه المتلقي شماً،
لتختزل هذه الشريحة بتسمية «أبواق
النظام». أما المجتمع فمنزوع الصفة المدنية، وخالٍ
من المجموعات المعارضة. وشريحة
المثقفين الأحرار فيه، وجدت نفسها في
حالة صدام دائم مع السلطة، في مناخ
محكوم بقابلية القمع. فإذا ما ألقينا
الضوء على القوى السياسية المعارضة في
الوقت الحالي نجد أن المعارضة
الداخلية سرية، لا يكاد الشارع السوري
يعرف بوجود تنظيماتٍ لها بسببٍ من سرية
هذه التنظيمات، فهي تنظيمات يتابعها
النظام والأعضاء السريون فيها! وحتى
الآن، وفي هذا الظرف الشديد الحساسية،
لم تستطع التوافق، كما هو العرف
السياسي في حالات كهذه، على مبادرةٍ
تلتف حولها قواعدها، أو من يبحث عن
مبادرة مقنعة! مع الإشارة إلى بعض
المبادرات، ولكنها حتى الآن مبادرات
شخصية. أما المعارضة الخارجية وهي متعددة
المشارب والاتجاهات، فما أثبتته
التجربة حتى الآن، أنها، وإن كانت
تتمتع بالنوايا الحسنة، إلا أن أداءها
لم يكن بمستوى هذه النوايا، ابتداءً من
ظهور رموز نظام سابقين، ومثقفين
موتورين، وليس انتهاءً بمعارضين لا
تُمس وطنيتهم، لكنهم أدلوا بتصريحات
تسيء إلى الحراك الشعبي أكثر مما تخدم. أما ما يقوم به المثقفون السوريون الآن
فهو النشاط عبر التوافقات والبيانات
وبعض المواقف المتفاوتة في جرأتها. إلا
أنهم شريحة استنفدت حضورها المجتمعي
نتيجة القمع المطبق على الكلمة الحرة.
لذلك، يكاد يكون كبار المثقفين
السوريين والمشهورين منهم، غير
معروفين للشارع السوري، فهم لا يملكون
حتى الآن التأثير الفاعل، ويفتقدون
المنابر. إذاً، من هي أطراف الصراع وما هي فاعليتها
الحقيقية في ما يحدث الآن على الساحة
السورية؟ ما يؤجج الصراع الآن عناصر متمايزة عن
عناصر العقلانية السياسية المتعارف
عليها، فإذا ما كان طرفا الصراع في
الحركات الشعبية العامة هما الحزب
الحاكم والقوى المعارضة، فإن طرفي
الصراع في سورية هما الجهاز الأمني
والشارع. وكلاهما محكوم بغريزة سياسية
طاغية، الأول غريزة البقاء، والثاني
غريزة الارتقاء. تفعّل غريزة البقاء كل طاقات حاملها
للاستبسال أمام ما يهدد وجوده، فلا يجد
رادعاً من استخدام أي وسيلة من أجل
البقاء. والجهاز الأمني الذي استبطن
مقولاته يجد نفسه مهدداً بالإلغاء إذا
ما ألغي النظام الحالي. فصراعه صراع
وجود محكوم بشهوة السلطة. ولئن كانت
مهمة الأمن الأساسية حفظ الأمن
والآمان لدى الناس، فقد استطاع عبر
السنوات الماضية أن يحافظ على درجة
جيدة من الأمن الداخلي، القائم على
الترهيب. فالشارع «آمن»، لكن دلالة
الأمن السوري بشخوصه تحيل على الفزع
والخوف، خصوصاً بما منح إليه من
صلاحيات كبرى في ظل قانون الطوارئ.
والآن يشهر هذا الجهاز الأمني سلاحه
الأهم في الشارع السوري عبر إلقاء
الناس في مفاضلة بين بقاء النظام
الحالي أو زوال الأمن والترهيب المعلن! أما غريزة الارتقاء فهي تفعل طاقات
حاملها تجاه نبذ التوجهات البدائية
والنحو باتجاه قيم أكثر نبلاً،
فالشارع الذي استبطن مقولات
الأيديولوجية العربية السائدة
والعالمية الرائجة، نراه يسقط
الأيديولوجيات ويرفع المقولات «الحرية،
الديموقراطية، سلمية...». ففي ظل غياب
الأيديولوجية التي تفسر رؤية العالم
كما هو، يصوغ الشارع السوري رؤيته
لعالمه كما يرى هو! فصراعه الآن صراع
وجوب محكوم بشهوة الحضور. غريزتان تتنازعان المشهد السياسي
السوري، الأولى بدائية تعيد فرز نمطٍ
جديدٍ من الجهاز الأمني بآلياتٍ
جديدة، تدعمه كل سلطات الدولة الصورية
(الإعلام، والنقابات، ومثقفو السلطة...)،
وهذه الدولة صورية لافتقادها الحس
السياسي والعقلانية السياسية، بدلالة
طغيان المبادرات الأمنية لديها على أي
شكل من أشكال المبادرات الأخرى.
والثانية معاصرة تفرز للمرة الأولى
منذ ما يزيد عن أربعين سنةً نُوى
لمجتمعٍ مدني عياني وليد، وهذا
المجتمع الوليد بحاجةٍ إلى عضدٍ
وتغذيةٍ راجعة، بمعنى أن تمد القوى
السياسية المعارضة والشريحة المثقفة
يدها إليه، وتفعّل قنوات الاتصال
والتواصل بما يخدم تقديم أرقى صيغة
ممكنة. ففي ظل غياب العقلانية السياسية، يكون
القول الفصل في الحقل الأخلاقي لا
السياسي. ومع زيادة رقعة الاحتجاجات،
وزيادة رقعة التوحش الأمني، تنفصم عرى
أي سبيل للحوار العقلاني، وقد تتفتق
غرائز جديدة. لكن أخطر ما يمكن أن ينطوي
عليه غياب السياسة هو توسع دائرة
الاحتمالات من الأقصى إلى الأقصى...
وهذا أهم ما يجعل من الوضع السوري حتى
الآن مأزقاً سورياً. =================== الإثنين, 18 أبريل 2011 جميل الذيابي الحياة يبدو أن معين الأنظمة العربية التي تشهد
دولها احتجاجات وتظاهرات واعتصامات
تطالب بالحرية والكرامة والمساواة
والعدالة والديموقراطية وفتح أبواب
الإصلاح السياسي، وتحسين الأوضاع
المعيشية، قد نضب عن أي حل إصلاحي، سوى
كيل «التهم الجاهزة» و»المعلّبة» التي
نهلت منها تلك الأنظمة طويلاً حتى رحلت
إما إلى المنفى أو إلى السجون، والأخرى
ربما ترحل بالطريقة نفسها، وقريباً لا
بعيداً. عندما تخرج الجماهير إلى
الشوارع رافعة شعارات «سلمية» ومطالبة
بحقوق إنسانية «غائبة»، ثم تطلق على
صدور الأبرياء الأعيرة النارية بلا
رحمة، ويُدفع بالبلطجية ومصاصي الدماء
لقتل الناس هو الطريق لاستنهاض الشعوب
ضد تلك الأنظمة. إنه قمة الغباء لا
استغباء الناس عندما تبرر أفعالهم
القاتلة بأن بين المتظاهرين، مندسين
ومخربين ومهلوسين، في محاولة لدحض
التهم التي تلاحق «إجرامية» أجهزتهم
الأمنية القمعية. تتفق الشعوب على أنه لا يستحق البقاء على
كرسي السلطة من يقتل الناس. ومن يرسل
رجال الأمن والمخابرات لركل ودهس وقمع
المتظاهرين وإذلالهم وإهانتهم. ولا
يستحق السلطة من يهدد النساء بلغة
جوفاء خالية من الإنسانية. ومن يهوش
على كبار السن بعبارات عدوانية «غبية»
حتى يصوم الناس عن الخروجَ إلى الشوارع
للتعبير عن آرائهم بكل حرية، اعتقاداً
منهم أن تلك الممارسات القمعية ستمنع
الناس من المطالبة بحقوقهم التي ترفض
تلك الأنظمة الاستبدادية منحها كحقوق
مشروعة. كم هي أنظمة غريبة وعجيبة وسخيفة، تلك
التي تفشل في التعاطي مع مطالب مشروعة
وحقوق موجبة، لتفضح مدى هشاشتها وضعف
بنيتها وخواء جرابها، وتثبت بالأدلة
أن تلك الأيام الخوالي التي كان يفوز
فيها الزعماء بنسبة 99.99 في المئة قد
ولّت، لأنها كانت تخرج عبر مسرحيات
هزلية مزوّرة، ولا يمكن لمثل هذه
الأنظمة أن تعمر أرضاً أو تبني بلاداً
فيها الإنسان أولاً. في سورية مثلاً، رأينا على الشاشات كيف
يطلق رجال الأمن النار على المتظاهرين
ويداس على رقابهم بالأحذية العسكرية،
ويوصف الإنسان بأقذع الأوصاف، فيما في
المقابل تخرج تظاهرات تؤيد النظام وهي
ترفع صور الرئيس، وتهتف باسمه وترقص
على الموسيقى ثم تعود إلى منازلها من
دون أن تمس لها شعرة واحدة بل تقدم لها
الحماية والمكافآت، وهو إعادة
لسيناريو ما حدث في تونس ومصر وما زال
يحدث في ليبيا. يتساءل المراقبون للأوضاع في سورية: لو
كان النظام يثق بنفسه وبشعبيته، لماذا
يرفض التغطية الإعلامية المستقلة
ويصرّ على التعتيم الإعلامي؟! لكن، جزى
الله وسائل الإعلام الجديد من «يوتيوب»
و»فيسبوك» و»تويتر» خيراً، لأنها فضحت
تلك الروايات الرسمية الزائفة التي لا
تزال تعشعش في أدمغة قمعية. لا أعرف
لماذا لا تخجل تلك الأنظمة وهي تقدم
نظريات المؤامرة والخيانة وصفات
الكلاب الضالة والجرذان على الحقوق
المشروعة لشعوبها، لمجرد خروج أحرار
يطالبون بإصلاحات ضرورية؟ من يعد بالإصلاحات لا بد أن ينفّذها
احتراماً لشعب أبي يطالب بالحرية
والكرامة والعدالة. لا يجب إهانة
وإذلال وقتل هكذا شعب كما حدث في حوران
ودرعا والرقة والحسكة ودير الزور
وطرطوس ودمشق والقامشلي وحلب وحمص
واللاذقية والبيضا، وجبلة وبانياس،
كما شاهدنا على الشاشات التلفزيونية
في ما سمّاه السوريون ب «جمعة الإصرار». لماذا تطرد رئيسة تحرير صحيفة «تشرين»
سميرة المسالمة لمجرد مطالبتها بعدم
التسامح مع من يطلق النار على
المتظاهرين سواء كان من رجال الأمن أو
من العصابات وتقديمه للمحاسبة بعد أن
رأت أهلها في درعا يتلظون بسوء العذاب
ويواجهون التنكيل والقتل بلا سبب أو
مبرر؟ أين أولئك الإعلاميون السوريون
الذين أزعجوا طبلات آذاننا بالدعوة
للحريات والحقوق، متشدقين بالإنسانية
والقومية وهم من تربة سورية ثم لا
يدافعون عن هؤلاء المظلومين وهم
يمتطون صهوة برامج حوارية على قنوات
إخبارية خليجية؟ أين هؤلاء «المتشدقون»
الذين يوزعون المواعظ والمواقف
البطولية «المجانية» ثم يتبلّدون
عندما يحتاج أبناء جلدتهم إلى مواقفهم
في الشدائد؟ إذ يختبئ هؤلاء ويهربون
ولا يستحون، ومن بينهم «متمشيخون»
يتسلّقون المنابر في دول عربية
متجاهلين ما يجري في بلادهم ولا ينبسون
ببنت شفة ولو بالإدانة وكأن الواحد
منهم «أعمى وأصم وأبكم»! الأكيد أن التناقض وتسويق نظرية المؤامرة
والمراهقة السياسية ستنتهي يوماً ما
بانتفاضات شعبية جماعية، حتى وإن
مارست الأجهزة الأمنية
والاستخباراتية العدوانية والإجرامية.
وحتماً سيأتي يوم تفضح فيه النيات
الخرقاء وتكشف السياسات الحمقاء
والممارسات الوحشية، لأن إهانة الشعب
وقذف شبابه وراء القضبان والقتل
بعقلية أمنية استبدادية، ما هو إلا نطح
الواقع باللا واقع في مرحلة اللا توازن
لإظهار قوة «كرتونية» تخشى من استمرار
ثورة الشعب وصحوته وصولته لانتزاع
حقوقه واستعادة كرامته وحريته. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |