ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
لحظة سورية للتعاون لا
المقامرة سليمان تقي الدين السفير 19-4-2011 فتحت سوريا باب الإصلاح. أقرّت حزمة
إجراءات في اتجاه الحريات والمشاركة
والتعددية الحزبية والسياسية ومكافحة
الفساد. هذا التحوّل تحت عنوان
الديموقراطية بحد ذاته بداية لمسار
طويل ومعقد. مدى عمق هذا التحوّل يتوقف
على حيوية المجتمع السوري وحراكه
وقدرته على تقديم الصيغ الفاعلة
المنسجمة مع طبيعة المجتمع وطموحاته،
وطبعاً على مدى مقاومة قوى التقليد في
المجتمع والدولة. هذا في الشأن السوري
الداخلي الذي يهمنا كأي إنجاز عربي أو
تقدم أو قوة أو مناعة لأي شعب عربي آخر.
لكن ما يهمنا أكثر نحن اللبنانيين هو
التأثير المباشر لهذا المسار على
لبنان. لا نغالي إذا قلنا إن تاريخ لبنان كان
محكوماً بهذه العلاقة، وإن العقود
الأربعة الماضية جعلته تحت سقف
السياسة السورية سلباً وإيجاباً.
المستجد الآن أن سوريا طوت مرحلة
التدخل التي جعلت منها طرفاً حاكماً
وانتقلت إلى مرحلة من التفاعل
والتأثير عن بُعد. هذا هو مغزى أن تشكو
سوريا من وسائل وأشكال مختلفة للتدخل
من بعض الفئات اللبنانية ضدها. بقطع
النظر عن حجم التدخل اللبناني
وأهميته، فهو مظهر لتداعيات إقليمية
أكبر يندرج في خانة الضغوط السلبية على
سياسة سوريا، ويتوسل اللعب والعبث
بالأمن والاستقرار عن طريق شبكات
تخريبية وليس عن طريق مساندة ودعم
تيارات سياسية لها شرعيتها وحضورها
وتمثيلها الشعبي. إذا كان هذا هو
المعنى «المؤامراتي» أو «الفتنوي» فهو
قائم يشتد ويضعف تبعاً لأهداف الخارج
البعيد، وهو الوجه السلبي المحض في
علاقات البلدين. ولا نحتاج إلى تبرير من «اتفاق الطائف» أو
من «معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق»
كي ندين هذا العمل، بل نعتقد أنه خيار
لفئة سياسية أضرّت وتضر بلبنان إلى حد
المقامرة بوحدته واستقراره ومصالحه
الوطنية. هذه الفئة انخرطت في المشروع
السياسي الانقلابي الواسع غربياً
وعربياً على لبنان وسوريا معاً وهي
المسؤولة عن كل التداعيات الخطيرة
التي يعيشها لبنان منذ ست سنوات. لم يكن
هذا المشروع ديموقراطياً لا في لبنان
ولا في سوريا، وهو لم يستخدم المعطى
الديموقراطي اللبناني على شكل معارضة
سياسية وطنية ديموقراطية، بل اتكأ على
الهجمة الأميركية وبعدها الحرب
الإسرائيلية لإحداث تغيير في السلطة
في لبنان وسوريا لا مكان فيها لمصالح
الشعبين ولا لطموحاتهما وتطلعاتهما.
لسنا نحتاج إلى المزيد عن مرحلة القرار
1559 لأن المسار هو نفسه الذي تورّط به
السابقون واللاحقون، وقد ساهموا في
إحباط أي مشروع سلمي وطني لتصحيح
العلاقة بين البلدين ولتطوير نظامي
البلدين بأفق الاستجابة لمطالب شعبية
محقة. لا نؤرخ الآن، بل نضيء على الواقع
الراهن الذي يؤكد أن اللعب بتناقضات
المجتمع الدينية والمذهبية ليس نهجاً
ديموقراطياً. وإدارة السياسة من غرف
سوداء ومن أحضان المشروع الغربي
والرهان المباشر أو غير المباشر على «الردع
الإسرائيلي»، ليسا عملاً وطنياً. كما
أن تمويه هذا المشروع خلف لافتة «المجتمع
الدولي» وما يصدر عنه ليس أبداً سعياً
سيادياً واستقلالياً. لسنا هنا نتحدث
بالمثاليات والأخلاقيات التي يزعم
معظم أهل السياسة تعارضها في تبرير
الوسائل بالغايات. إن الغايات التي أرادها فريق سياسي كانت
ولا تزال ليست مجرّد غلبة سياسية أو
تغيير توازن، بل هي تورّط في خيارات
تأخذ المنطقة كلها إلى صراعات التفكيك
والفوضى الكيانية. غير أن إدانة هذا
المشروع لا تلغي الضرورة الملحة لنقد
ونقض الوجه الآخر من سياسات وممارسات
ما زالت تقاوم بعدة قديمة، وتغرق في
تفاصيل مواجهة محلية وإقليمية لا تشق
طريقاً واضحاً إلى الخروج من مأزق
سياسي تعيشه المنطقة بين حاجاتها
الداخلية ومطامع الخارج بها. هذا هو
معنى أن نواجه «الفتنة» وننزلق إليها
بتغليب حاجات «البنية المذهبية»
وأدوات هذه البنية على الخطاب السياسي
والممارسة السياسية. بل حين نغلق مسار
الإصلاح في لبنان مثلاً على فرضية
الخروج من الطائفية بالطائفية، ومن
الوصاية بوصاية أخرى، ومن الهيمنة
بهيمنة، ومن طائفية سياسية بعينها إلى
طائفيات سياسية، ومن المقاومة الوطنية
إلى «مقاومة المقاومة»، ومن طلب
الشراكة إلى لعبة الإقصاء، ومن خطاب
الدولة القوية إلى «الدولة المتقاسمة
حصصاً»، والمتنازعة بين مشاريع فئوية
لا يمكن لها أن تسود مهما امتلكت من «قوة».
هذه لحظة لصحوة وطنية بعد صحوة عربية
شاملة يدخل العرب فيها كشعوب مسرح
التاريخ والفعل السياسي. هذه لحظة
مناسبة حين تنعطف سوريا وتنفتح على
الإصلاح كضرورة للوحدة والتقدم
والاستقرار والقوة كي نتقدم معاً في
الاتجاه الديموقراطي كما في الاتجاه
الوطني ونتصارح ونتصالح على ما بعد سبق
من تاريخ عكر، ولنواجه الظلاميات
والتطرف والعصبويات، ولنواجه أولاً
وأساساً قوى «حداثوية الوسائل» ماضوية
التفكير ومشوّهة الأهداف بالأنانية
وبالتبعية وبروح الانهزام أمام قوة
الغرب وأهدافه. ======================= موفق محادين العرب اليوم 2011-04-19 ابتداء, ليس صحيحا ان مقاربة السياسة
الخارجية والاستراتيجيات الكبرى
للدول بادوات امنية, اختراع (اشتراكي)
ينسب الى الاتحاد السوفييتي وبلدان
المعسكر الاشتراكي ومنها التجارب
العربية (عبدالناصر, البعث في سورية
والعراق, الجزائر, وليبيا).. فحيث
ارتبطت هذه المعادلة (اشتراكيا)
بالايديولوجيا, على الاقل, فان
الادارات الامريكية وقبلها الانجليز
والفرنسيون استخدموا هذه المقاربة,
على الناشف. واذا كانت تجربة الدول الكبرى التي
استكملت دورتها كدول ناجزة شكلت
مراجعة دورية لضبط العلاقة بين الامن
والسياسة, فقد افتقدت الدول الاخرى
لهذا الشرط الاجتماعي مما فاقم من تغول
الامن على السياسة بالاضافة للضغط
المستمر في مناطق توتر وصراعات
اقليمية ودولية اعلت من دور الاجهزة
ونفوذها والحقت الجميع بها وانتجت
ظاهرة النظام الامني.. وفيما يخص الحالات العربية فقد استقى هذا
النظام نفوذه من الفسيفساء الطائفية
والقبلية والمجاميع الناقصة التي لم
تتحول الى مجتمعات مدنية ولم تكرس حياة
حزبية حقيقية تضع حدا لعبادة الفرد
وسطوة الاجهزة الامنية وثقافة الولاء
الاعمى في اوساط النظام... كما توزع النظام الامني العربي بين
خيارين: إما الانخراط في المنظومة
الامنية لتحالفاته الامريكية
والرأسمالية عموما واما الانخراط فيما
بات يعرف بمعسكر الممانعة (سورية)
وكذلك ليبيا قبل التسوية التي عقدها
سيف الاسلام مع الامريكان قبل عدة
سنوات لوراثة جماهيرية والده
واستبدالها بجمهورية صديقة لواشنطن
وتل ابيب, وكان موسى كوسا وشكري غانم
عرَّابي هذه التسوية.. ومن المفهوم ان تغول الامن على السياسة في
كل هذه الحالات اسس ايضا لجماعات مصالح
مختلفة تضع يدها على المسدس كلما سمعت
بالديمقراطية وحقوق الانسان وتداول
السلطة.. الخ مما يفسر القواسم
المشتركة في سلوك كل اجهزة الامن
العربية واذا كان من ملاحظات ضرورية
هنا فابرزها ما يتعلق بسورية:- 1- ان النظام السوري بنى استراتيجية على
التوازن الدولي الذي انهار عام 1990 وترك
تداعيات خطيرة منذ مدريد الى اتفاقيات
اوسلو ووادي عربة الى العدوان على
العراق وتهديد سورية نفسها من قبل
الامريكان وجماعتهم في المنطقة... وهو
ما شكل مناخا لتزايد نفوذ الاجهزة
الامنية وسطوتها على السياسة والحاق
الجميع بها.. وكان ملاحظا ايضا انه باستثناءات قليلة
فان رجال هذه الاجهزة بحكم عملهم في
اطار (الاستراتيجيات) السورية (التحالفات
الاقليمية والدفاع خارج الاسوار)
كانوا اكثر حساسية للضغوط السياسية من
رجال السياسة والحزب الذي تحولوا في
الغالب, الى ملاحق ديكورية للنظام
الامني. 2- ان الخطاب العام لهذا النظام بقدر ما
يعكس جوانب حقيقية من المخاطر الفعلية
على سورية برمتها فهو غالبا ما يسوق
على نحو فج اكراهي وسخيف لا يتدارك
نفسه الا بوضع اليد على المسدس واطلاق
النار في الشارع بل والذهاب الى
الكمائن وحقل الالغام بقدميه, وبدلا من
ان يلعب دور الاطفائي يصب الزيت على
النار التي تمتد الى ثوبه سريعا ولا
ينفع هذا الخطاب في التقليل من حجم
المعارضة وتضخيم المؤامرة فالمعارضة
موجودة ومشروعة ايضا, والمؤامرة
موجودة وخطيرة تمتد من تل ابيب الى
واشنطن وعصابات عكار ورائحة النفط
المعروفة.. 3- ما هو مطلوب في المحصلة اعادة انتاج
الاستراتيجيات السورية الصحيحة
والمجربة والتي تشكل رافعة لكل
المنطقة والمصالح العربية, اعادة
انتاجها في خطاب سياسي يدمج المعارضة
فيه ويلحق الادوات الامنية فيه بدلا من
ان يلتحق بها. ====================== مشتركات ومتناقضات في
الانتفاضات العربية د.حسن طوالبة 2011-04-19 العرب اليوم الأمر الثابت أن سبب الانتفاضات العربية
هو أنظمة الحكم الفاسدة, التي تخلت عن
مسؤوليتها القانونية والأخلاقية إزاء
شعوبهم, فالظلم حقق المساواة بين العرب,أضف
إلى ذلك امتهان كرامة هذا العربي,
وحرمانه من مستقبله المضمون. ولقد تباينت الآراء في شأن انتفاضات
الشباب العرب, كونها متشابهة في ظروفها
ودوافعها ومسارها, فمثل هذا الحكم غير
صحيح بالمطلق. فلكل بلد ظروفه
الجغرافية والسكانية والإدارية
والعسكرية.ففي تونس ومصر مؤسسة عسكرية
منظمة حسمت الموقف لصالح الثورة فيها,أما
في ليبيا لا يوجد جيش منظم بل توجد
كتائب أمنية تتبع القذافي وتدار من قبل
أبنائه, وكذلك الحال في اليمن ففيه جيش
محترف, ولكن القبلية متغلغلة داخله,وفي
كلا البلدين التحقت وحدات من الجيش إلى
جانب الشباب, وهذا ما عقد الوضع في
ليبيا.اما في سورية فان الجيش مازال
مواليا للنظام. في هذه البلدان جسد الشباب قطاعات الشعب
الاجتماعية والسياسية والنقابية
والجهوية. كما جسدوا بعض الأحزاب
والتيارات الشعبية. في كل البلدان الآنف ذكرها لعب الإعلام
العربي والعالمي دورا كبيرا في تعبئه
الرأي العام العالمي والعربي إلى جانب
انتفاضة الشباب ضد الزعماء الحكام,في
حين تخبط الإعلام الرسمي في هذه
البلدان وبات لا يقنع أحدا داخل البلد
أو خارجه, لأنه اعتمد الرواية الرسمية
حتى لو كانت كاذبة, كما حدث في حالات
البلطجة في ميدان التحرير في مصر,
وساحة التغيير في جامعة صنعاء, وساحة
التحرير في بغداد,وفي درعا والمدن
السورية الأخرى. بعد انتصار الثورة في تونس ومصر تم حل
الحزبين الحاكمين فيهما, ولكن العناصر
المضادة, أو المدسوسة من بقايا
النظامين السابقين, عملت على إحداث فتن
داخلية بهدف حرف الثورة عن مسارها
الجماهيري, وجعلها امتدادا للنظام
السابق, أي تغيير وجوه بوجوه, ورموز
برموز.ولكن ثورة شباب مصر انتصرت
لمبادئها بتقديم رموز النظام للمحاكمة. الأمر المتشابه والمتفق عليه هو أن الشعب
العربي في كل الأقطار العربية يعيش
ظروفا متشابهة من حيث الفقر ومن حيث
القهر وحرمانه من الحرية والكرامة,ويعيش
العرب تحت حكام اعتقدوا أنهم ظل الله
على الأرض,وأنهم وحدهم القادرون على
حكم البلاد, وأنهم المحبوبون من الله
ومن العباد, ولا يجوز مخالفة أمرهم في
كل الظروف والأحوال. ومثل هذه الأوصاف تنطبق على أبناء الحكام
وأقربائهم, لأنهم اعتقدوا أنهم من
المعصومين لا يخطئون ولا يجوز مخالفة
أمرهم, ولهم الحق في نهب أموال الشعب,
وانتهاك الحرمات بدون اعتراض.فالأبناء
هم القادة الذين لا يدانيهم في براعتهم
احد, وهم وحدهم القادرون على إدارة دفة
الحكم المدنية والعسكرية ولذلك لابد
من توريثهم وبقائهم في الحكم مدى
الحياة. الأمر المتشابه أيضا أن لكل زعيم جيش خاص
به, يسمى الحرس الخاص, أو الحمايات
الخاصة, وتملك هذه القوات كل ممكنات
القوة العسكرية القادرة على قهر أية
محاولة انقلابية أو تمرد عسكري,وإضافة
إلى ذلك لدى كل زعيم مخابرات واذرع في
كل مكان حتى خارج القطر. ولا هم لهذه
الأجهزة المخابراتية غير رصد أنفاس
المواطنين, وتكميم الأفواه, وجمع
المؤيدين الذين يهتفون للزعيم ليل
نهار, وجلب المغنيات الجميلات لإحياء
حفلات أعياد ميلاد الأبناء والأحفاد,
وحفلات ختانهم وزواجهم,ولم يقتصر
الأمر على هذا, بل من مهماتهم جلب
العاهرات للترويح عن الزعيم الذي أجهد
نفسه طول النهار من اجل سعادة أبناء
الشعب.كما أن أجهزة هذه الأنظمة مبدعة
في نسج الروايات البوليسية لتبرير
قمعها وجرائمها. في ضوء ما تقدم فان الوضع في ليبيا واليمن
خطير جدا سواء تنحى القذافي وعلي صالح
بإرادتهما أم بضغط عسكري أم بضغط خارجي,
فان الوضع في هذين البلدين غامض وقد
يسير باتجاه المجهول,ولا يعني هذا
الكلام أني مع بقاء زعيمي ليبيا واليمن
أبدا, لأنهما السبب فيما ستؤول إليه
الأوضاع في هذين البلدين مع بعض
الفوارق بينهما. إن كل المؤشرات تقود إلى أن الأوضاع في
ليبيا سائرة نحو الاقتتال الداخلي,
الذي سيأخذ طابع الصراع القبلي
والجهوي,لان دول الغرب ليس من مصلحتها
إسقاط القذافي بل السيطرة على النفط
كما سيطرت عليه في العراق,كما أن
المعارضة الليبية ليست متوافقة على
نمط الحكم بعد القذافي, كما هو اتفاقها
على إسقاطه,فهي لا تملك الممكنات
العسكرية لإحراز النصر النهائي. أعود وأقول إن قرار جامعة الدول العربية
بدعوة مجلس الأمن فرض حظر جوي على
ليبيا كان قرارا خاطئا,وكان من الأجدر
الاستفادة مما حصل في العراق عندما
سارت الدول العربية وراء الغرب
لاحتلاله, وما حصل بعد الاحتلال من قتل
مئات الألوف وتشريد الملايين وترميل
مليوني امرأة. ولو كانت الجامعة حريصة على سلامة الشعب
الليبي لأخذت قرارا بمساعدته ماديا
وفنيا حتى يتمكن من تحقيق إرادته بنفسه,
ولكن الجامعة منحت الفرصة لدول أوروبا
أن تقتسم الكعكة النفطية في ليبيا, كما
منحتها للولايات المتحدة من قبل في
العراق. أما في اليمن فالأمر خطير أيضا بعد رحيل
صالح بإرادته أم بالقوة, ولا سميا بعد
أن فقد مرتكزات حكمه الأساسية وهي
الجيش والحزب والقبائل,أي بعد انضمام
أفراد من الحزب الحاكم ومن ضباط الجيش
ومن السلك الدبلوماسي ومن القبائل,
وبالذات قبيلة حاشد, وآل الأحمر منها.فهذه
القوى التي اتفقت على الانضمام إلى
الشباب, لن تتفق على اقتسام السلطة
فيما بعد, واختلافهم قد يقود إلى
اقتتال بالسلاح,وهو ما ينذر بحرب أهلية
قد تقود إلى التقسيم,ولذلك فان أية
وساطة إقليمية بهدف نقل السلطة سلميا
أفضل للجميع, ويجنب البلد مخاطر الصراع
على السلطة. ====================== الإصلاح بين حاجات
الداخل وتحديات الخارج خورشيد دلي 2011-04-19 الوطن السورية عند الحديث عن الإصلاح كعملية متكاملة لا
بد من القول إن ثمة علاقة قوية بين
عوامل الداخل تلك التي تتعلق بالحاجات
والحريات والانفتاح وعلاقة كل ذلك
بالمؤسسات وعلاقة الأخيرة بالقانون
والاقتصاد والمجتمع... وتحديات الخارج
تلك المتعلقة بالصراعات والعوامل
المهددة وإدارة الأزمات والعلاقات
الدولية. في الحالة السورية تبدو هذه المسألة
واضحة للعيان، إذ لا يخفى على أحد أن
الأولوية خلال السنوات الماضية كانت
لإدارة قضايا الخارج، فمن احتلال
العراق عام ألفين وثلاثة مروراً
بتداعيات اغتيال رئيس الوزراء
اللبناني الأسبق رفيق الحريري وعدوان
تموز عام 2006 وليس انتهاء بالحرب على
قطاع غزة مطلع عام ألفين وتسعة... كلها
كانت أحداثاً إقليمية خطرة وجسيمة
أخذت معظم الجهود والطاقات من
الدبلوماسية السورية، ومرد ذلك أن
سورية هي دولة في قلب الصراعات
الجارية، وهي بعلاقاتها ومحوريتها
تحتل مكانة أساسية في توجيه الأحداث
بهذا الاتجاه أو ذاك، وعليه من الطبيعي
أن تكون لنتائج هذا الحدث أو ذاك
تداعيات على سورية وسياستها، كما من
الطبيعي أن يكون للحدث السوري تداعيات
على جميع دول المنطقة وأحداثها، نظراً
لارتباط القضايا ومكانة سورية في كل ما
يجري حيث تمر المنطقة بمرحلة من إعادة
تشكيل المفاهيم والاصطفافات. من
الواضح أن كل ما جرى أثر في وتيرة عملية
الإصلاح وربما أجل الكثير من القضايا
على اعتبار أن الأولوية هي للخارج وأن
قضايا الداخل يمكن تأجيلها فترة أخرى.
وبالتزامن مع هذا الأمر فاقمت الأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية والأزمات
المالية العالمية من التحديات
الداخلية. ومع كل هذا بدت الأساليب
القديمة في الإدارة ومسألة الحريات
وقواعد اللعبة الديمقراطية والسياسية
والانفتاح الإعلامي وثورة الشبكة
العنكبوتية... لم تعد صالحة لإدارة
الأزمات، وفوق هذا وذاك بات الاستقرار
مستهدفاً ومكلفاً وخاصة في ظل عمليات
التخريب التي تطول المنشآت العامة
والخاصة. دون شك، هذه البيئة العامة تداخلت مع ثورة
الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي،
حيث اختلطت قضية الإصلاح بالقضايا
الأخرى، وجرت حالات من الفوضى
والتخريب والأخطاء والتقصير وكان نقص
الخبرة السمة الأساسية للمشهد العام،
كما أطلت ظواهر خطرة برأسها من خفايا
الماضي، ما بدت خطورة خلط الأمور في كل
ما يجري. دون شك، المطلوب هو الإصلاح، وفقاً
لآليات واضحة وأجندة محددة وخطوات
واثقة وليس ساعة موسم كما قال الرئيس
الأسد، فمن شأن الإصلاح الحقيقي تقوية
سورية خارجاً وداخلاً، لتزيد سر قوتها
في الأزمات الكثيرة التي تمر بها
منطقتنا. ====================== سوريّة الداخل... سوريّة
الخارج الثلاثاء, 19 أبريل 2011 حازم صاغيّة الحياة مثل منتفضي تونس ومصر وليبيا واليمن
والبحرين والأردن والجزائر...، لم
تحتلّ مسائل الخارج والإقليم مساحة
ملحوظة في كلمات المنتفضين السوريّين
وفي شعاراتهم وهتافاتهم. حتّى لبنان
الذي شُبك بألف حبل بسوريّة لم يُثر
اهتمامهم. أمّا «قضيّة العرب
المركزيّة» فهنا أيضاً لم تكن مركزيّة.
أكثر من هذا، لم تستدعِ لغة النظام في
الدفاع عن ممانعته ردوداً تفنّدها،
كما لو أنّ الأمر كلّه لا يستحقّ
التوقّف عنده. والحال أنّ مشكلة سوريّة ربّما جاز
إيجازها بمشكلة الداخل والخارج، وعنها
تفرّعت المشكلات الأخرى المتعلّقة
بالحرّيّة والكرامة والفساد. فلم يكن
مصادفاً أنّ انقلاب حسني الزعيم الذي
أسّس التعطيل الديموقراطيّ حصل في 1949،
بعد أشهر على الحرب العربيّة –
اليهوديّة الأولى في 1948 التي أنجبت
دولة إسرائيل. منذ ذلك الحين، ولكنْ خصوصاً منذ 1970، لم
يعد لسوريّة داخل. فهي غدت أقرب إلى
وظيفة نضاليّة منها إلى وطن: وظيفةٍ
مفادها الصمود والتصدّي والمجابهة
وصدّ المؤامرات، ممّا يتحفنا به
الإعلام الرسميّ ليل نهار. أمّا الحياة
السياسيّة والاقتصاد والتعليم
والصحّة فتتفاوت بين العدم والحضور
الميكروسكوبيّ. والعلاقة هذه بين تجويف الداخل وتسميك
الخارج لم تنجم عن عبث. ذاك أنّ الفشل
في إدارة التعدّد السوريّ كان وراء
الهرب الكبير من همّ بناء الداخل
للاستغراق في الموضوع الفلسطينيّ ثمّ
اللبنانيّ، فضلاً عن انشغالات جدّيّة
بمسائل الأردن والعراق. وقبل 1970، حين أُحكمت سلطة الحزب الواحد
والقائد الواحد، كانت للضبّاط تجربة
أخرى في الهرب من الداخل، حين ألقوا
بالبلد كلّه، عام 1958، في أحضان عبد
الناصر. هكذا أنشأوا وحدة مع مصر صارت
سوريّة بموجبها «إقليماً شماليّاً» في
«جمهوريّة عربيّة متّحدة». ثمّ، مع حزب
البعث منذ استيلائه على السلطة في 1963،
أصبح الوطن السوريّ «قطراً». وهذه
كلّها كانت محاولات، ولو غير موعاة
دائماً، لتفادي الداخل بمشكلاته
وبالتصدّي لبنائه. بيد أنّ ما نجم عن هذا جميعاً تحوّل
سوريّة، وربّما أكثر من أيّ بلد آخر في
العالم، مسرحاً لتناقض الداخل والخارج:
الداخل الذي يلحّ على السياسة
والحرّيّة والاقتصاد والتعليم
والصحّة، والخارج الذي ترمز إليه
تعابير من قبيل «قلعة الصمود» و»قلب
العروبة النابض». وهاتان مدرستان في النظر والتفكير،
وطبعاً في السلوك والممارسة. فأن ينخفض
الخارج في خطاب المنتفضين فهذا ينمّ عن
شعور سوريّ عريض بأنّ التعويل على
الخارجيّ هو مصدر حكم الحزب الواحد
واستبداده، وهو الحائل دون حريّات
السوريّين وتقدّمهم وبحبوحتهم. وفي
المقابل، يشي الكلام الرسميّ عن «المندسّين»
والأسلحة المهرّبة من العراق ودور «تيّار
المستقبل» اللبنانيّ بمعاودة الحنين
لاستحضار الخارجيّ، مرّة أخرى، من أجل
قمع الداخليّ. واللبنانيّون خبراء في
هذا الاستحضار الذي استدعى شنّ حرب 2006
لقطع الطريق على تحوّلات 2005، لا سيّما
منها إسقاط الحكم والتحكّم الأمنيّين. ويحسن السوريّون اليوم إذ يمضون في
التركيز على الداخل، وفي القطع مع
اللغة التي شهدت بعض ذرى انحطاطها في
الأيّام الأخيرة. ذاك أنّ تركيزاً كهذا
هو الذي يصوّب مسار الوطنيّة السوريّة
ويعيد إلى سوريّة اعتبارها وطناً
ودولةً، لا إقليماً ولا قطراً. فكيف
وأنّ مهمّة كتلك قد تتطلّب في مقبل
الأيّام جهداً استثنائيّاً، جهداً هو
وحده ما يتيح النجاح في ما فشلت فيه
البرلمانيّة السوريّة القديمة، أي
تنظيم التعدّد السوريّ سياسيّاً، من
دون قسر ولا إكراه. ====================== رشاد أبوشاور 2011-04-18 القدس العربي لم يسقط النظام
بعد، لكنه سقط. معضلة الرئيس السوري بشّار الأسد ليست في
الاصلاحات مثلما يُظن. فما يُسمى
بالاصلاحات السياسية، وعلى رأسها
الغاء قانون الطوارىء من اجل استبداله
بمجموعة من القوانين الشبيهة، ليس
جوهر المسألة التي يواجهها النظام
الذي يحكم سورية منذ اربعين عاماً.
جوهر المسألة يكمن في البنية الأمنية
للدولة. اي في هيمنة اجهزة الأمن على
الحياة السياسية الداخلية، التي ماتت
نهائياً، بحيث صارت السياسة قراراً
امنياً لا علاقة له بالمجتمع
وتوازناته. هنا تكمن المسألة. لذا فان ما يُسمى اليوم برزمة الاصلاحات
التي املاها الرئيس السوري على اعضاء
مجلس الوزراء الجديد لن تحلّ مشكلة
النظام مع الشعب او مشكلة الشعب مع
النظام. كي يحلّ النظام مشكلته عليه ان يستعيد
هيبته، اي يستعيد قدرته على اخافة
الناس، وكي يحلّ الشعب مشكلته عليه ان
يحوّل مكتسباته التي توصل اليها
بالشجاعة والتظاهر والتضحيات، الى
سابقة تحكم علاقته بالسلطة. ما يُسمى بالاصلاح لا يعدو عن ان يكون
مجرد محاولات لتجميل النظام، تمهيداً
لاستعادة الرهبة التي يثيرها في اوصال
المواطنين. من دون هذه الرهبة لا
يستطيع حزب البعث ان يبقى قائداً
للدولة والمجتمع بحسب المادة الثامنة
من الدستور السوري. فهذه القيادة هي
نتيجة الانقلاب العسكري وهي قيادة
دائمة وليست تفويضاً شعبياً محدد
المدة ويحتاج الى احتكام دوري والى
انتخابات ديمقراطية. كما ان حرية العمل
الحزبي والنقابي والاجتماعي محكومة
بمنطوق هذه القيادة الأبدية التي تملك
وحدها حرية اتخاذ القرارات. الانسداد السياسي في سورية الذي قاد الى
تعميم المظاهرات في جميع مناطق
البلاد، ناجم عن هذه المسألة. وكل
محاولة للتحايل عليها، لن تعني سوى ان
النظام قرر ان يمضي في المواجهة الى
النهاية، والنهاية تعني القدرة على
الدوس على الناس، مثلما حدث في البيضة،
حين رأى العالم بأسره، من خلال شريط
الفيديو، كيف تدوس اجهزة النظام
الأمنية على الشبان المكبلين
والمطروحين ارضاً. الدروس التي قدمتها الثورات العربية،
وخصوصاً في تونس ومصر، تقول ان النظام
حين لا يلتقط اشارات التغيير فانه يذهب
الى مصيره. غير ان سورية مختلفة، يقولون. تستطيع سورية ان تحتمي بتحالفاتها
الاقليمية، وهذا منطقي، ولكن متى
استطاعت تحالفات اقليمية ان تحمي
نظاماً من السقوط امام ثورة شعبية؟
اسألوا حسني مبارك ونجليه عن لعنة
التحالفات الدولية والأقليمية التي
قادتهم الى السجن، واسألوا بن علي عن
حلفه مع الفرنسيين الذي اوصله الى
الهاوية. يقولون ان هناك مؤامرة. والسؤال هو هل
يستطيع المتآمرون اخراج مئات الالوف
الى الشوارع؟ هل يمكن اطلاق صفة مؤامرة
على ثورة شعبية سلمية واجهت الدبابات
بالصدور العارية؟ نفهم ان المؤامرة قد
تعني حفنة انقلابية، او مجموعات
مسلحة، اما ان يتهم الناس الذين
يواجهون الموت بالتآمر، فهذا عجيب. يقولون ان هناك جماعات مسلحة تطلق النار،
والغريب ان هذه الجماعات لا تجرؤ على
الظهور الا حين يكون النظام في صدد قمع
مظاهرة شعبية، وهذا ما اعلنه اهل
بانياس حين طالبوا بانسحاب الأمن
والشبيحة ودخول الجيش، موجهين بذلك
اصابع الاتهام الى المسلحين الفعليين
الذين يقتلون. ويقولون اخيرا ان سقوط النظام يهدد بحرب
اهلية، لأن المجتمع السوري مؤلف من
طوائف متعددة ويضم مجموعات اثنية
مختلفة. هذا هو الخطر الذي وعته
الجماهير السورية حين رفعت شعار 'الشعب
السوري واحد'. السوريون تعلموا من
تجربة حماه المريرة، ومن تجارب
اشقائهم اللبنانيين ان الطائفية
وحروبها هي الاسم الآخر للانتحار
الوطني الشامل. كما تعلموا ان الطوائف
لا تستطيع ان تتحول الى قوى سياسية الا
اذا ارتهنت لقوى خارجية. وهذا من الصعب
ان يحصل في سورية. صحيح ان الثورة هي ضد
حكم الأقلية، لكنها ليست اقلية طائفية
مثلما يدّعي البعض، بل هي اقلية
مافيوية عائلية، وتضم منتفعين من جميع
الملل والنحل. كان حسني مبارك يهدد شعبه والعالم بأن
عليهم ان يختاروا بين حكم المافيا التي
يقودها وبين الاسلاميين. وعندما جدّ
الجدّ تبين ان هذه كانت الكذبة الأكبر.
لذا من المستحسن ان لا يهدد احد بالحرب
الأهلية، وان يتعظ الجميع بالمصير
البائس الذي يواجهه الرئيس المصري. ما يجري اليوم في سورية هو التحدي الأكبر
لمشروع التحوّل الديمقراطي في العالم
العربي. ولن يستطيع النظام انقاذ نفسه
بالتهويل. لا ايران قادرة على انقاذه
ولا السعودية او امريكا ايضاً. المكان
الوحيد للبحث هو في الشام. اي مع الشعب
السوري. وبدلاً من اعتقال قادة احزاب
المعارضة وقادة الرأي والزج بهم في
السجون يجب العمل على التحاور معهم من
اجل انقاذ الوطن من ازمته. بعد هزيمة حزيران 67، طلعت ابواق الأنظمة
بمعزوفة ان اسرائيل لم تنتصر لأنها لم
تستطع اسقاط الأنظمة التقدمية! وكان
هذا قمة 'الزعبرة'. من قال لهم ان
اسرائيل ارادت اسقاطهم؟ كان هدف
اسرائيل ولا يزال هو احتلال الأوطان
وتدميرها. اليوم الشعب يريد اسقاط النظام من اجل
حماية الوطن. هذه هي المعادلة الجديدة
التي يصنعها السوريات والسوريون
بشجاعتهم وتضحياتهم ووعيهم بأن السلاح
الوحيد الذي يملكونه هو سلاح الشعب
الأعزل في مواجهة السلاح. هذا هو الدرس السوري الكبير، انه ردّ
متأخر على الهزيمة والمهانة والاذلال. لا استطيع وانا ارى الشام تنفض عنها غبار
القمع ان لا استعيد صوت نزار قباني
منشداً لدمشقه ودمشق العرب: 'ما للعروبة تبدو مثلَ أرملةٍ اليسَ في كُتبِ التاريخِ افراحُ وكيف نكتبُ والأقفالُ في فمِنا وكلُّ ثانيةٍ يأتيكَ سفّاحُ هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي فكيف اوضحُ هلْ في العشقِ ايضاحُ'... ====================== الإعلام السوري الرسمي
وأجندة المؤامرة التظاهرات تمثيليات يفبركها
الخارج والضحايا من رجال الأمن
الوادعين: عبد العزيز الحلبي 2011-04-18 القدس العربي لا يزال الإعلام
السوري الرسمي يبثُّ إرساله بالأبيض
والأسود، رغم التطور السريع والهائل
في وسائل الاتصال الحديث، فهو كما
يدّعي 'يحرص على نقل الحقيقة كما هي
وبكل شفافية'، بحسب تعبير بثينة شعبان. وهو أيضاً الناقل الوحيد لكل ما يجري من
أحداث ودماء على الأرض السورية بعد أن
أقصى كل وسائل الإعلام الأخرى بذريعة 'نقلها
أخباراً ليست صحيحة على الإطلاق على
أرض الواقع'، كما تقول الدكتورة شعبان
أيضاً عند حديثها مع قناة التركية
الناطقة بالعربية مساء السبت 2/4/2011،
ومحاولاً إبعاد كل مَنْ يريد أن يكون
شاهدا لما يجري هناك وبطرق هي للغباء
أقرب منها للاستغباء. فالمدن السورية تبدو هادئة ووادعة،
والحركة فيها طبيعية كما تظهرها
الفضائية السورية، وما جرى من
احتجاجات عقب صلاة الجمعة 1/4/2011 وقبلها
وبعدها إنما هو لتجمعات مؤيدة للنظام
وهاتفة بالأمن والاستقرار والإصلاح،
ولا تخلو بعضها من أعمال تخريبية من
بعض المندسّين والمخرّبين، أمّا ما
تُظهره وسائل الإعلام الأخرى فهو
عبارة عن مقاطع لتمثيليات مقطوعة من
سياقها لأحداث سابقة لا تتعلق بالحدث،
وأحياناً أخرى لأحداث استباقية تملي
على المتظاهرين ما يجب عليهم فعله في
مرحلةٍ معينة ضمن أجندة معينة، وكأنّ
ما يحدث يتم إعداده في استديوهات
هوليوود تآمراً على هذا الوطن. وما يُذاع عن قتل وإصابات وجراح
للمتظاهرين أثناء تظاهراتهم السلمية
فأغلب ضحاياه من رجالات الأمن
الوادعين، ومنشؤهُ تلك العصابات
التخريبيّة المدسوسة على مجتمعاتنا
والتي ما تزال طليقة تعيث في الأرض
فساداً رغم متابعة السلطات الأمنية
لها. أمّا ما يدّعيه شهود العيان للإعلام
الخارجي من تصوير لواقع الأحداث (المؤسفة
والمؤلمة) فهو عارٍ من الصحة تماماً،
وأصبح هؤلاء الشهود معروفين مَنْ هم
لدى السلطات السورية بافتعالهم الكذب
وتهويل ما يجري وتضخيمه بغاية التآمر
على الوطن، وتصيّدهِم لأخطاء الأجهزة
الأمنية (القمعية) وفضحها على العلن
ممّا سيعرّضهم للمحاسبة والمساءلة
القانونية عندما تفكُّ الزنقة. أمّا الضيوف الذين يظهرون على شاشات
الفضائيات الأخرى من المعارضين
والسياسيين والمحلّلين فهم مضَلِّلون
على الغالب ويبيّتون سوء نية لتخريب
هذا البلد، ويؤكد ذلك - بحسب رأي هذا
الإعلام - اتصال البعض بجهات مشبوهة
وتعاون البعض مع جهات يحرُم التعامل
معها لدى السلطات السورية، فهم لذلك
مطعونون بشهاداتهم وتحليلاتهم مهما
ادّعوا من حبٍّ وولاءٍ لهذا الوطن،
الذي أصبح حكراً على المصفقين فحسب. ولو زعموا أنهم وطنيون لوجدوا ولتكلّموا
من داخل وطنهم، بحسب تصريح الكثير من
السياسيين السوريين، مفهوماً
ومنطوقاً، حتّى ولو تمت مضايقتهم أو
تعقيم أفكارهم وتطهيرها بسياط التعذيب
أو السجن أو تصفيتهم في بعض الأحيان
بغية تمحيص ولائهم للوطن. وعند استقبال اتصالات المشاهدين لدى
الفضائية السورية للتعبير عن الأحداث
الجارية فإنها تخلو من تلك الأصوات
المعارضة أو التي تحمل أي تساؤل أو
استفسار للنظام فضلاً عن المستنكِرة،
وإنما تجري لها عملية فلترة ونخل فتظهر
معقّمة ونظيفة من الفئات المشاكسة
والمُغرّر بهم لتعكس صورة التأييد
الشعبي والكامل للنظام وإصلاحاته وإن
كانت زيفاً وبهتاناً. وحتى الضيوف الذين يجري انتقاؤهم لاجراء
حواريات معهم لا بدّ أن يكونوا جيّاشين
بالحب والولاء لهذا النظام، وشاهدين
على شجاعة القيادة وعلى سياساتها
الخارجية الحكيمة والممانِعة مع دول
الجوار. وكم كنت أتمنى على القائمين على هذا
الإعلام لو أنه قام بوظيفته الحقيقية
بعض الوقت أو استفاد من دروس فشل
الإعلام الليبي والمصري وقبله
التونسي، فالتفَتَ إلى تلك الأصوات
الثائرة والمنادية بمطالب مشروعة غير
مستحيلة، وذلك باستيعابها والاعتراف
بها حول طاولة حوار حقيقي وأن يتبادلوا
معها حلولاً جادّة لهذه الأزمة ونقلها
للمعنيين الرسميين، بدلاً من حالة
المد والجزر واستمرار النقاش عبر
شاشات الفضائيات واتهامهم بالعمالة
والتآمر. لم أكن أفكر منذ زمنٍ بعيد بمتابعة هذا
الإعلام البائس أو حتى الحديث عنه لولا
سخونة الأوضاع الحالية التي تشهدها
سورية برمّتها، والتي فرضت عليّ
متابعةً لكل القنوات الإخبارية
القريبة والبعيدة والمهتمة بالحدث،
وكانت السورية من بينها والتي فاجأتني
وفجعتني بأسلوب تعاطيها الرتيب
والمتواضع الممجوج مع الأحداث
المفصلية التي تمرّ بها البلاد، ناهيك
عن تواطئها مع السلطات الأمنية في
اغتيال مطالب الناس، وقصورها الفاضح
عن تلبية حاجات الناس. فهذه المؤسسة باتت تحتاج إلى اجتثاث من
أساسها إلى رأسها كغيرها من مؤسسات
الدولة التي عشّش فيها الفساد وفرّخ،
فباتت لا تستحي من عوراتها التي ازدادت
قبحاً هذه الأيام وعلى مرآى من العالم
كلّه، وما تعمل على تسويقه للمشاهد من
فكرٍ مشوه و1مبتورٍ ملوث، والمواطن
السوري (والذي أصبح يعرف البير وغطاه)
وعلى مدى سنين طويلة لم يعد قادراً على
أن يستسيغ هذا الإعلام بأكاذيبه
وخداعه، والذي بدا باهتاً وبائتاً
فضلاً عن تصديقه أو الوثوق به، في هذا
الامتحان أكثر من أي وقت مضى. ====================== ميشيل كيلو 2011-04-18 القدس العربي تسمي بلداننا
العربية أجهزتها القمعية 'أجهزة أمنية
'. لا يقول أي نظام أن ما لديه من أجهزة
مهمته القمع، بل يقول إن ما لديه هو
أجهزة أمن، فكأن الأمن والقمع شيء واحد
أو وجهان لعملة واحدة يحملان اسمين
مختلفين. في مثل هذه النظرة: من الطبيعي
أن يكون الأمن مجرد قمع والقمع جوهر
الأمن. لكن الأمن في حقيقته الجوهرية مسألة لا
تنفصل عن الحرية، بل هي تتوقف عليها
وتتعين من خلالها، مثلما تتوقف هي على
الأمن وتتعين من خلاله. في الوعي العام
والبسيط، يقال عن شخص إنه آمن إن كان
حرا لا يخشى مخاطر غير محسوبة أو
منظورة تهدد وجوده أو شخصه أو بيئته،
ويقال إنه حر إن كان آمنا: أي إن عاش
وعمل وقال خارج قبضة أية قوة تنتهك
أمنه. حيث لا تكون الحرية مسألة أمن، يكون قمع،
والأمن والقمع عالمان متنافيان لا
يرتبطان بأي رابط، كما يظن من يمارسون
الثاني منهما، فالقمع ينتج الكبت
والخوف، هما نقيض الأمن لأنهما نقيض
الحرية، لذلك تراه لا يقيم ولا يحفظ
أمنا، وإن حافظ لبعض الوقت بالإكراه
والقسر والخوف على أمر قائم، يتطلع
ضحاياه إلى التخلص منه فيصير مصدرا
للاضطراب لا الأمن، فإن تغيرت الظروف
التي تستدعي، ثم تفرض، تغيير طرق
التعامل الرسمي مع الواقع، ظهر ما
يحدثه القمع من خلل هيكلي على حقيقته،
وبات عبئا على النظام القائم. وليس سرا
أن القمع هو علاقة عنيفة بين طرفين:
قاهر ومقهور، غالب ومغلوب، ظالم
ومظلوم، بينما الأمن تراض وقبول
وإجماع من طبيعة طوعية وعامة غالبا. من هنا: إذا كان القمع يضمن استمرار أوضاع
قائمة، فإن وسائل وأساليب محافظته
عليها كثيرا ما تكون أحد أسباب
تقويضها، وسببا في انتفاء الأمن،
وتاليا في التمرد أو الثورة على ما
يفترض أن القمع يحميه ويعمل على إدامته.
أصل هنا، إلى فارق ثان بين الأمن
والقمع، إلى جانب فارق التراضي
والإجماع الذي لا يكون بدونه أمن،
ويقوضه القمع، هو أن القمع لا بد أن
يكون حالة عابرة وجزئية، ذات مدى زمني
محدود وتنصب على أشخاص بعينهم ومواضيع
أو مناطق محددة، بينما الأمن لا يكون
إذا لم يكن دائما. وما دام القمع لا يجوز، ولا يمكن أن يكون
حالة دائمة، ولا يجوز تاليا أن يشرعن
بأية طريقة قانونية، عادية كانت أم
استثنائية، فإن اعتماده كأداة لإدارة
مجتمع ودولة أو سلطة يقوض المجال
السياسي برمته، بما في ذلك الرسمي منه،
أو يقلبه رأسا على عقب، بأن يجعله
مجالا للتنافي وليس للتكامل والتفاعل
المتبادل، ويشحنه بروح الإقصاء
والإبعاد، التي تتركز على نفي الآخر:
سياسيا وتنظيميا في الأحوال العادية،
وجسديا في حالات التمرد والعصيان. باختصار: لا أمن مع القمع ولا قمع مع
الأمن، ما دام تطبيق القانون، وهو ركن
من أركان تحقيق الأمن، يعني العدالة
ويقوم على أجهزتها كالقضاء والصحافة
الحرة، ولأن القمع يبطل بمجرد وجوده أي
قانون غير قوانينه، التي تلغي حقوق من
يخضع له، خاصة حقه في أن يكون مختلفا،
وفي أن يجد فسحة يعبر من خلالها عن
اختلافه. ومن يتأمل القمع، يجد أنه يتمحور حول هذه
النقطة بالذات: نفي الآخر، بينما
الأمن، وهذا هو الفارق الثالث بينه
وبين القمع، يرتكز على الاعتراف
بشرعية وجوده وحقوقه، وعلى إقامة
توازنات متوافق عليها يدار من خلالها
الشأن العام وينظم حقل السياسة: سلميا
وقانونيا وبالتالي شرعيا. لا عجب إذن
أن الدول التي تعتمد القمع وسيلة
للاستئثار بهذا الحقل هي أقل الدول
أمنا، وأكثر تعرضا للصراعات العلنية
والمكبوتة، المتفجرة دوما، التي
تتعاظم تكلفتها من انفجار لآخر. لا عجب أيضا أن الأمن يعني الحرية
والمعرفة والتنوع والتواصل، بينما لا
ينمو القمع إلا في شروط وأجواء تبطلها
تقوم على الكبت والجهل والقطيعة
والعزلة. ولعله بات واضحا أن البلدان
التي تعتبر أجهزتها القمع حاملها
السياسي وحزبها تعيش على عدد محدود من
الشعارات التي تكررها في كل مناسبة،
فإن اكتشف عجزها وفات زمانها
استبدلتها بشعارات تفرض كقوالب جامدة
على العقول، تتكفل التدابير القمعية
طبعا بمنع أحد من إخراج رأسه منها،
وإلا تعرض للعقاب. يضع يدنا هذا على
فارق آخر بين الأمن والقمع، فالأول
فضاء مفتوح، والفضاء لا يكون مفتوحا
إذا لم يكن متنوعا وتعدديا وبالتالي
مجتمعيا، والثاني سجن مغلق، وبالضرورة
سلطوي، والسلطة التي تخاف مجتمعها،
وتنكر حقه في أن يكون متعددا ومنفتحا،
تقمعه، فالقمع علامة خوف لا قوة، وإن
أخذ على الدوام أشكالا عنيفة يخال
أصحابه خطأ أنها تعبر عن القوة أو
تعادلها، فيمعنون في تبنيها، مع أنها
تستفز أشكالا مختلفة من التمرد، تأخذ
أكثر فأكثر طابعا مجتمعيا وعاما. ليست السلطة القمعية سلطة أمن. لو كانت
كذلك، لما احتاجت إلى الشدة والقسر في
تعاطيها مع مواطنيها، ولاكتفت باللعبة
السياسية الحرة، ولما كانت ضعيفة أو
غير مستقرة، ولما تعرضت بين حين وآخر
لهزات واضطرابات تتزايد شدتها، ولما
مارست سياسات محافظة منفتحة على آفاق
رجعية مفتوحة ومؤدلجة، تخشى الجديد
وتنبذه وتعمل لكبته، وتخاف التغيير
وتحارب القائلين بضرورته، ولما هزمت،
أخيرا، أمام المهام الكبرى التي
تنجزها سلطة شرعية تدير شؤون دولة
مدنية، ولحققت بنجاح إنجازات تغطي
جميع مناحي وجود ومصالح الدولة
والمجتمع والفرد، ولأرست كيانها على
المواطنة وحقوق الإنسان وحكم القانون،
وأخضعت مفهوم القمع وممارساته لمبدأ
الأمن، وهو سياسي بامتياز، ولما ألحقت
الأمن بالقمع وهو نقيضه الذي ينفيه،
ولما صرفت جهودها إلى السيطرة على
شعبها واحتلال عقله بواسطة لا وعي
جمعي، دمجي وأحدي المضمون والألفاظ،
ولرأت أخيرا في الحرية حاضنة وضمانة
أمنها، ورافعته وحامله، وفي الأمن
بيئة الحرية، التي تقوم بدورها على
التنوع والتواصل، ولا تنمو وتتوطد
خارج السلام الأهلي والمدني،
والمواطنة والازدهار. الأمن من طبائع الدول، التي تنتج نفسها
وشرعيتها من تحت، من مجتمعها، والقمع
شريعة سلطة تعمل لإنتاج مجتمعها من
فوق، من رأسها، ليأتي على صورتها
ومثالها، ويستكين إلى ما تفعله، حتى
دون تدخل منها. لهذا، تكون السلطة ومصالحها هي المسألة
المركزية الوحيدة في نظم القمع، حيث
يعد كل شيء ثانويا وتاليا بالمقارنة
معها، بينما يترتب الأمن على توافق في
الفضاء المجتمعي بين قوى وتيارات
متنوعة تعبر عن نفسها بواسطة كيانات
سياسية مختلفة، تبدأ من أدنى السلم
الاجتماعي وتصل إلى قمة الدولة، يعلم
كل من يشارك فيها أو يسهم في نشاطها من
المواطنين الأسس التي تنهض عليها وطرق
عملها، بما أنها تعيش من العلانية
وعليها وتموت بدونها، بينما لا يعلم
أحد في القمع أي شيء عن طرق عمله وعن
القائمين عليه، لأنه يتصرف في البلدان
التي يجسد روح سلطتها القائمة وكأنه
تنظيم سري يجب أن يبقى بعيدا عن
الأنظار وخفيا، وإلا وقعت الواقعة
وعرضته العلنية للضعف والانكشاف!. أخيرا، الأمن مفهوم ومبدأ شامل، والقمع
أجهزة وممارسات سلطوية، لذلك لا يقوم
الأمن إلا حيث يكون محصلة تفاعل قوى
متكاملة، أي متباينة ومتعارضة، فهو
ليس هنا حامل السياسة ومحددها، بل
يتوقف هو نفسه على محددات تقع خارج
مجاله الخاص: مدنية وثقافية وسياسية
واقتصادية واجتماعية وقانونية، ولا
يتوفر حيث ينعدم التوازن والتفاعل بين
قوى غير أمنيه الطابع والوظيفة.
بالمقابل، تحمل أجهزة القمع الحقل
السياسي الذي ينفرد به النظام القائم،
وتصبح أكثر فأكثر الجهة التي تعيد
إنتاجه وتقرر مصيره، والتي تعود إليها
كل سياسة مهما كان مجالها وميدانها.
بالنسبة إلى القمع، السياسة خطر ماثل
ونشاط محظور أو مقيد، لكنها بالنسبة
إلى الأمن مادة الدولة والمجتمع،
وفضاء الشأن العام. كانت أجهزة القمع في تونس ومصر تعتدي
بانتظام على أمن المواطنين، الذين
يقولون اليوم بطلاقة: إنهم لم ينعموا
بالأمن إلا بعد إطاحة أجهزة القمع
والتخلص منها، بانتصار الحرية. ألم تقل
عزة نجم بعد سقوط مبارك وتشتت أجهزة
أمن النظام المصري السابق: جه الأمن،
ما فيش خوف تاني، ما فيش ظلم تاني؟ بينما قال المواطن التونسي وصاحب المقهى
الشعبي أحمد الحفناوي بعد سقوط نظام
القمع: لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة
التاريخية، لحظة الحرية، وبدأنا نشعر
بالأمن!. لا يتساوى الأمن مع القمع. إنه نقيضه
المباشر. وليس الأمن ولا يمكن أن يكون
نتاج القمع. الأمن حرية، والحرية أمن.
أما القمع فهو نفيهما. لا عجب أن
المواطن العربي في تونس ومصر رأى في
سقوط نظامي القمع هناك بداية زمن الأمن
والحرية، بما هما أسمان لمسمى واحد،
يثري كل منهما الآخر ويغتني من خلاله،
في زمن عربي جديد نأمل جميعا أن يقوم
على الحرية والأمن!. ======================= لماذا تناصب الحكومة
العراقية العداء للحراك الشعبي في
سورية؟ د. مثنى عبد الله 2011-04-18 القدس العربي اذا كانت
السياسة الخارجية تعرّف بأنها مجموعة
الجسور التي توصل دولة ما بالعالم
الخارجي، بما يمكنها من حماية
مصالحها، ويعزز من فرص تطوير مناهجها
التنموية في كافة مناحي الحياة من خلال
الشراكة مع الاخرين في المحيط
والعالم، ويجعلها أكثر طمأنينة على
سور أمنها القومي. واذا كان هذا
المفهوم قد ارتبط بالتحديد النظري
والعملي لمدارس سياسية معروفة
كالمدرسة المثالية الاخلاقية
والمدرسة الواقعية ومدارس أخرى
أفرزتها نظريات العمل الماركسية
والرادكالية وغيرهما، فان ما يبعث على
العجب حقا أن تنهج السياسة الخارجية
العراقية منهجا هو أبعد ما يكون عن
حماية المصالح الوطنية والقومية
للعراق، كما أنه لا يتطابق اطلاقا مع
أي فهم للعلاقات الخارجية التي حددتها
تلك المدارس السياسية آنفة الذكر. بل
ان الطرق التي أصبح ينتهجها صاحب
القرار السياسي العراقي في التعامل مع
الاخرين، باتت تشير وبوضوح تام الى
التحول من المحيط القومي الى المحيط
الطائفي، من خلال خلق أطر وروابط
طائفية يتم في ضوئها تحديد مدى
الاندفاع أو الانكماش مع هذه الدولة أو
تلك. وهي سابقة خطيرة لم تعرفها
السياسة الخارجية العراقية، منذ تأسيس
الدولة العراقية وحتى العام 2003، خاصة
أن العراق دولة عربية محورية في الوطن
العربي فرض عليها الموقع الجغرافي أن
تكون حدودا شرقية للامة، مما يتطلب
سياسة قومية عربية واضحة المعالم
والتوجهات، كي لا تتداخل الخنادق مع
القوميات الاجنبية الاخرى الرابضة على
حدوده، والمنتظرة بفارغ الصبر تخليه
عن دوره القومي الطبيعي والتاريخي
والاستراتيجي، كي تنتقل الى عمقه
وتقاتل الاخرين على أرضه أو تصدر
ثورتها الى أبناء جلدته. ان اعتماد مفهوم (المظلومية) الطائفية
كوسيلة من وسائل تحقيق السياسة
الخارجية العراقية، بات يسيء تماما
الى المعنى الحضاري لمفهوم العلاقات
الدولية بين الدول، ففي الوقت الذي
تتحرك فيه الدول لتوسيع علاقاتها ضمن
المنظومة الدولية في أطر متعددة
التنوع، بعيدا عن التخندقات الصغرى
بما يضمن مدى أوسع لتحقيق مصالحها
السياسية والاقتصادية والثقافية
والامنية، نجد أن السياسة العراقية
الخارجية قد أدخلت نفسها في مأزق سياسي
ودبلوماسي ليس من السهولة الخروج منه،
أو ايجاد المبررات التي يمكن اعتمادها
كوسيلة اقناع للاخرين في ما ذهبت اليه.
فلقد كشفت الاحداث الاخيرة في البحرين
عن عورات الاحزاب الطائفية من منظومة
الاسلام السياسي الشيعي، عندما شنت
حملة اعلامية وسياسية خرجت أغلبها عن
نطاق العرف السياسي واللياقة
الدبلوماسية، وأصبحت ضمن مفهوم التدخل
في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، لها
الحق في ممارسة سيادتها على أقليمها
المعترف به دوليا بما لا يتعارض مع
القوانين والاعراف الدولية، حيث صنفت
الاحداث من قبل الكتل السياسية
وزعمائها، على أنها صراع بين الاكثرية
الطائفية السكانية وزعامة سياسية من
طائفة أخرى اعتبروها أقلية، وأن
الانحياز لتلك الطائفة واجب شرعي
وسياسي، لانها لازالت تعاني من
المظلومية التاريخية في عدم استلامها
للسلطة السياسية، كما يدعون، وتم
تعطيل عمل البرلمان وخرجت تظاهرات ضد
النظام السياسي البحريني، وطالب
الكثير باغلاق السفارتين البحرينية
والاماراتية في بغداد، بعد أن
استقتلوا في ايجاد تلك البعثات
الدبلوماسية على الارض العراقية،
وبذلك كان تدخلهم السافر في تقسيم
المجتمع البحريني وفق المنطق السياسي
الطائفي الذي يؤمنون به، وتحديد من له
الحق في الحكم ومن ليس له الحق في ذلك،
انما هو تعد واضح على الشرعية السياسية
للنظام الحاكم في البحرين، وخروج عن
القيم التي ضمنها ميثاق الامم المتحدة
في عدم التدخل في الشؤون الداخلية
للدول، بغض النظر عن رأينا في ذلك
النظام. وعلى النقيض من هذا الموقف نجد
أن الحكومة العراقية وكتلها السياسية
المنتمية الى أحزاب الاسلام السياسي
الشيعي، تتخذ موقفا مغايرا تماما في
مسألة الحالة السياسية التي تشهدها
الساحة السورية، حيث تنحو منحى
التأييد الظاهر والباطن للزعامة فيها،
وتناصب العداء للحراك التظاهري الجاري
هنالك وتنظر اليه بعين الشك والريبة،
لان التفسير الشرعي لهذه الحالة قائم
على أساس أن الحاكم قد تحققت فيه صفة
أحقية الحكم بعد أن خرج من دهليز
المظلومية التاريخية وتسلم السلطة
السياسية، وبالتالي فان الخروج عليه
غير جائز شرعا لان الخارجين عليه انما
هم يريدون أن يعيدوا عقارب الساعة الى
الوراء، على الرغم من أن النظام
السياسي الحاكم في سورية مصنف في خانة
الانظمة العلمانية، ويتولى الحكم فيه
حزب البعث العربي الاشتراكي، الموسوم
في أدبياتهم بانه الد أعدائهم
التاريخيين. لكن يبدو أن صاحب القرار
في ايران غفر كل هذه المثالب، بعد أن
أفتى الولي الفقيه بشرعية التعامل معه
لانه من طائفة المظلومية، ولان المخطط
الاستراتيجي الايراني قائم على أساس
الربط بين الساحتين الايرانية
والسورية بامتدادها اللبناني، بعد
تجسير المسافة بينهما بالحيز العراقي. ان المواقف والتحركات السياسية العراقية
بما يخص العلاقات مع الدول العربية، قد
شابها الكثير من السلبيات منذ الغزو في
العام 2003 وحتى اليوم، لان الكتل
السياسية أشهرت حالة من العداء غير
المبرر على كل ما هو عربي في هذا القطر.
واذا كانت بعض الاطراف قد اتجهت نحو
تعزيز علاقاتها ببعض الدول العربية،
وسعت الى اقامة مؤتمرالقمة العربي في
بغداد، فان الهدف من ذلك لم يكن نتيجة
ايمان صادق بالانتماء العربي، بل هو
سعي محموم لشراء شرعية للنظام السياسي
اللقيط، واظهار حالة من التعافي
الكاذب للوضع العام فيه، والتمويه على
استمرار احتلاله. وقد اكتشفت دول مجلس
التعاون الخليجي التي خضعت لضغوط
أمريكية كبيرة لحضور القمة القادمة في
بغداد، اكتشفت هذا الخداع والتضليل
السياسي من قبل الاطراف الطائفية
العراقية، ومدى ارتباط السياسية
الخارجية العراقية باللاءات السياسية
الايرانية، وبما تقرره في ضوء مصالحها
في المنطقة العربية، وبذلك أصبح مصير
القمة التي أنفق عليها ما يزيد عن 450
مليون دولار في مهب الريح، في وقت كان
يمكن لهذه الملايين أن تذهب الى حقول
خدمية تعزز من انسانية المواطن
العراقي، وتنقذه من الفاقة التي
يعانيها في كافة مناحي حياته اليومية،
خاصة أن مؤسسة القمة العربية لم تستطع
الارتفاع بأدائها الى مستوى المسؤولية
القومية، بل هي كانت عامل تشتيت كبير
للجهد العربي على مدى سنوات طويلة، بعد
أن تخلت عن الكثير من اللاءات المصيرية
التي وضعتها في ميثاق الجامعة
العربية، لاعتبارات لا تمت الى
المصلحة العربية بصلة. وكان المثال
الابرز الذي مازال طريا في الذاكرة
وأمام العين هو موقف القمم العربية من
القضية العراقية، والتأييد الظاهر
والمستتر لمسألة غزو واحتلال العراق،
والتجاوز على الثوابت من خلال مد اليد
للتعامل مع حكومة نصبها المحتل،
والعزوف عن تقديم أي دعم لشعب العراق
لمواصلة مقاومته بكافة أشكالها. ان السياسات الخارجية للدول الرصينة لا
تؤسس على اساس مصالح ضيقة طائفية أو
اثنية، أو ترسم لمراعاة أجندات خارجية
ترتبط بها هذه الكتلة السياسية أو ذاك
الحزب، ولن تقوم على ركائز رد الجميل
لدولة مجاورة دعمت في وقت ما أشخاصا
محددين للوصول الى السلطة، بل هي ترسم
وفق مصالح استراتيجية واقتصادية، تخص
الدولة في اطارها العام والمصلحة
الجمعية لمواطني تلك الدولة بغض النظر
عن الانتماءات الصغرى، كما يتطلب
تحديد سلم أولويات المصالح القومية
قبل أي شيء آخر. فما هي المصالح
الاستراتيجية المتحققة للعراق من جراء
تحوله الى أداء دور شرطي طائفي يفرض
على هذه الدولة أو تلك شروط التعامل مع
أطياف نسيجها الاجتماعي، ويحدد من هي
الطائفة التي لها الحق في الحكم ومن هي
التي يجب أن تكون محكومة؟ وما هي
المنافع التي ستعود على العراق من جراء
تحوله الى مجرد ذيل في جسد السياسة
الخارجية الايرانية؟ ====================== النظام العربي.. بين
خياري مواجهة التغيير أو مواكبته نصوح المجالي الرأي الاردنية 19-4-2011 مشكلة النظام العربي الراهن رغم التفاوت
النسبي بين الانظمة العربية انه ولد من
رحم الحقبة الاستعمارية وتجاربها
المريرة وانه ورث الكثير من اساليبها
وطرائقها في الحكم, فخلف الشكل
الدستوري والمؤسسات التي نشأت في
النظام القطري العربي والاحزاب التي
انشئت تتشارك هذه الانظمة بخاصية
اساسية هي تركيز السلطة والنفوذ في
مركز قوة واتجاه سياسي من لون واحد. بعض هذه الانظمة اشترت طول البقاء بالحكم,
الذي يهمش الحريات والحقوق المشروعة
للافراد والمجتمع, إما بالرفاه الذي
توفره الوفرة في بعض الدول الغنية, او
بالخوف الذي يستند الى ظروف المواجهة
مع عدو متربص, مما جعل المطالبة
بالحقوق والحريات والاصلاح تندرج في
بعض هذه البلدان تحت بند المؤامرة او
التعاون مع العدو الخارجي. ومن هنا نفهم، رد فعل العديد من الأنظمة
العربية، وخاصة شبه الستالينية منها
التي ترى في الاحتجاج الشعبي فتنة او
مؤامرة، مع ان المؤامرة تكمن في مصادرة
دور المجتمع وتغييبه. لقد ادى طول فترة حكم الزعماء في النظام
العربي، بوتيرة واحدة، الى إصابة
المجتمعات العربية بالخدر نتيجة الخوف
والقمع، وفقدان الثقة بما يجري، وعدم
الاهتمام فأصبحت المشاركة او عدمها
سيان ما دامت النتائج دائما محسومة
سلفاً. تحولت المجتمعات الى اغلبية صامتة وعازفة
عن المشاركة اما التعددية الحزبية
فكانت اما مصادرة من حزب الحاكم، او
مملوكة، للنظام السياسي، او مروضة
ومحصورة في دائرة ضيقة. غير ان قدرة النظام القطري العربي على
احتواء هذه الحالة طويلاً ادى الى نزعة
جديدة لمزاوجة السلطة بالثروة ولتجيير
السلطة، بالوراثة، مما خلق حالة من
الاختناق الشعبي الداخلي، نتيجة
استشراء الفساد والثراء غير المشروع
والكبت وغياب الحريات. وادى سقوط بعض الانظمة بسبب الغزو
الخارجي او الاختراق الداخلي الى
خضوعها للنفوذ الخارجي وتآكل شرعيتها
تدريجيا بعد ان اصبح مصدر الدعم
لاستمرارها مصدره الخارج وليس الشعوب
التي تحولت الى مرجل يغلي بالفقر
والقهر والتهميش، لقد ادى تطاول
اسرائيل في المنطقة وهيمنتها وقدرتها
ردع النظام العربي الى اسقاط حجج
وذرائع المواجهة والتصدي للعدو
الخارجي فالتصدي على الاغلب كان
للداخل، وجاء الفشل في تحقيق السلام
لينزع جميع الذرائع عن وجه النظام
العربي وطروحاته، وليجسد حالة من
الإفلاس السياسي والاقتصادي، والفشل
في مواجهة الاعداء او حماية الشعوب مع
رهن الارادة السياسية للقوى الخارجية
المهيمنة سواء في الجوار او الخارج،
ومن رحم هذه الحالة ولدت اجيال شابة
وجدت فرص الحياة تضيق عليها نتيجة
احتكار السلطة والثروة وتفشي الفقر
والبطالة في المجتمعات العربية،
وتلاشي الأمل فلا سلام ولا حلول،
والسياسات القائمة تراكم الاعباء على
المواطنين، ولا تصنع التغيير، تدير
الفشل ولا تقوى على الاصلاح والتغيير. هذا المفصل التاريخي، النابع من هموم
وتطلعات اجيال الشباب العرب، لم يأت
نتيجة ثورة عسكرية، ولا مؤامرة
خارجية، ولا بفعل أحزاب قائمة، بل نتاج
حركة اشتعال اجتماعي ولدّه الاحتكاك
المرير بالواقع والإحساس بأن الصيغة
السياسية السائدة، لا تملك حلولاً
للحال العربي المتردي، اذا ما استمرت
على نفس المنوال. وبالرغم من ذلك، فالفرصة متاحة، وخاصة
للأنظمة التي لم توغل في الدم، لتحقيق
تغيير واصلاح توافقي من داخل النظام،
وبمشاركة المجتمع، وتحقيق نقلة نوعية
نحو الديمقراطية الحقيقية وليست
الشكلية, ولن يحدث ذلك الا بالتحول من
مركزية السلطة، الى تفويض الصلاحيات
وتوازنها وتداول السلطة، والفصل
الحقيقي بين السلطات، وايجاد ضمانات
دستورية وقانونية لحماية الحريات
والحقوق الفردية والجماعية، ومحاربة
الفساد، والحفاظ على الثروة الوطنية
وتنميتها وتعزيز دولة القانون والحكم
الرشيد. ====================== لا تصورات مسبقة للدول
حيال الوضع في سوريا تراجع الاهتمام بلبنان يواكب
تعايشه مع الفراغ روزانا بومنصف النهار 19-4-2011 كيف تنظر دول مؤثرة الى ما يجري في لبنان
وجواره من تطورات؟ تتعاطى هذه الدول
وفق ما ينقل متصلون ديبلوماسيون مع ما
يجري في المنطقة على قاعدة تطور الامور
الميدانية والسياسية ساعة بساعة، اذا
صح التعبير، لعدم امكان استباق او
استنتاج مآل الامور التي تحصل والتي
تعود في غالبيتها الى التأثر عمليا بما
انطلق من تونس ووصل الى مصر ثم انتقل
الى دول اخرى . اذ ان الاحداث التي وقعت
في تونس ولاحقا في مصر شكّلت مفاجأة
كبيرة لم يتوقعها احد ولا يمكن ان تعزى
الى اي تدخل خارجي في حين ان التطورات
في الدول الاخرى اضحت موضع متابعة
دقيقة بناء على ما تقدم مع كل
الاحتمالات الممكنة . وبحسب هؤلاء فان
لا احكام مسبقة ازاء تطور الاوضاع بل
استنادا الى الوقائع على الارض مع
التشديد على عناوين او ثوابت تتصل
باحترام حقوق الانسان وتلبية طلبات
الشعوب وعدم القمع والمشاركة
الديموقراطية عبر الحوار. وهذا الامر
يسري على سوريا كما على الدول العربية
الاخرى من دون ان يلغي ذلك الارتباك
ازاء الخطوات التي يجب ان تعتمد مع
الاصرار على ان موضوع دعم اي رئيس او
عدم دعمه لا يتصل بالرغبات الخارجية
بمقدار ما يرتبط بتصاعد الحركة
الشعبية او عدم تصاعدها وتأثيرها على
مسار الامور. لكن التوقعات في امكان
رؤية حكومات ديموقراطية تقوم فجأة
وعلى النحو المأمول في الدول المعنية
اذ انها تتطلب بعض الوقت. وبحسب هؤلاء فان الاوضاع في سوريا تعبر عن
مأزق بمقدار ما نسعى الى الباسها طابعا
خارجيا اتصل في شكل اساسي بمضمون ما
اورده الرئيس بشار الاسد في خطابه في 30
آذار الماضي متحدثا عن مؤامرة بدا
بإزائها لبنان الاسهل من حيث امكان رمي
الاتهامات في اتجاهه. اذ ان ذلك يعطي
مضمونا للهيكلية التآمرية التي تحدث
عنها الرئيس السوري من جهة فضلا عن ان
الاتهامات تعبر عن المخاوف السورية
تقليديا من اعلام لبنان وصحافته
وامكان ان يشكل ملجأ للمعارضين عبر
الوسائل الالكترونية التي تحرك الشباب
في حين لا يظهر هؤلاء الى العلن، علما
ان لبنان كان تاريخيا المشجب الذي تعلق
عليه سوريا مخاوفها على امنها من
الخارج. وواقع الامور وفق ما يمكن
تلمسها يختصر في ان هناك اهتماما كبيرا
بما يحدث في سوريا تواكبه حماسة لعدم
بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم حماسة
في المقابل لاي انفجار شبيه بالوضع
الليبي. هل ان تأخر تأليف الحكومة في لبنان هو احد
الاسباب المباشرة للتطورات في سوريا؟ لا يسهل على هؤلاء فهم مدى السهولة التي
يتعاطى معها اللبنانيون اوساطا سياسية
او شعبية مع عدم وجود حكومة في لبنان
وتعايشهم مع هذا الموضوع. فلا الاوساط
الشعبية تبدو معنية بان شيئا يمكن ان
يتغير بحيث يمكن ان يتحرك البعض
ميدانيا في هذا الاتجاه من اجل الضغط
والاسراع في تأليف الحكومة ولا
الاوساط السياسية تبدو معنية بتسيير
شؤون اللبنانيين وتقديمها على مصالحهم
المباشرة من اجل حسم هذا الموضوع الذي
يستمر معلقا بين نظريات عدة. وفي حين
يوفر لبنانيون كثر لهؤلاء المراقبين
اسباب امكان تعايش اللبنانيين مع عدم
وجود حكومة نتيجة التجربة والتعايش
سابقا مع حالات مماثلة وصولا الى مرحلة
تعايش مع فراغ حصل في الرئاسة الاولى
ايضا، فان ابرز النظريات تربط ولادة
الحكومة باستمرار رهان المعنيين
بولادتها على اشارة ما تأتي من الخارج
من اجل ان تقلع او تستنقع. ولاصحاب هذه
النظرية مبرراتهم الداعمة وخصوصا في
حال الاستناد الى مواقف لسياسيين
معروفين بقربهم من العاصمة السورية
تحدثوا عن عدم اعطاء دمشق حلفاءها
الضوء الاخضر بعد. ومنهم من يقول ان
العقد الداخلية من ضمن الفريق الواحد
تمنع الاتفاق على الحقائب والاحجام او
من يقول ايضا بعقد او ضغوط اميركية على
رئيس الوزراء المكلف تساهم في منع
التأليف من خلال مجموعة ضوابط تمنع
تجاوبه مع طلبات فريق 8 آذار. لكن ما بين
هذه النظريات ثمة امر لا يفهمه هؤلاء
يتصل بواقع التنازع بين رئيس الوزراء
المكلف وافرقاء 8 اذار. فالرئيس المكلف
يود ان تكون الحكومة مقبولة ومطمئنة
سياسيا واقتصاديا ولا يود ان تكون
الحكومة التي يرئس على خلاف مع المجتمع
الدولي بل في افضل العلاقات معه بعدما
ابلغ صراحة ومنذ تكليفه العناوين التي
تجعل الحكومة مقبولة ويمكن التعاون
معها وتلك التي تحول دون ذلك اقله
اميركيا واوروبيا مما يحتم عليه تاليا
ان يأتي بوزراء يحظون بقبول داخلي
وخارجي ويؤشر وجودهم لعدم سيطرة فريق 8
آذار على القرار الحكومي من اجل ان
تتمكن الحكومة من الاقلاع. وقوى 8 اذار
تريد للحكومة ان تقلع لكن بشروطها
ووزرائها في حين انها تعلم جيدا، على
الاقل بالنسبة الى "حزب الله"، ان
حكومة بهذه الشروط لا تقلع ولن تكون
قابلة للعيش وتعاون الخارج معها
للوزراء الذين يشغلون الوزارات وليس
فقط بناء على البيان الوزاري وحده .
وتاليا فان وزيرا محددا في وزارة
الداخلية او في وزارة الدفاع يمكن ان
يعطل فاعلية الحكومة ويضرب صدقيتها. وواقع الامور ان موضوع الحكومة لا يفهمه
احد فعلا والحكومة ليست الحدث ولا تثير
اهتماما ازاء ما يجري في سوريا. ====================== علي حماده النهار 19-4-2011 شبّه بعض المراقبين الخطاب "التوجيهي"
للحكومة الجديدة الذي ألقاه الرئيس
السوري بشار الاسد بمحاضرة في القانون
الاداري يصلح ان يلقي معظمها خبير في
مجلس الخدمة المدنية"، فالمضمون
الاداري الذي أراد الأسد الابن ان
يضخمه على حساب المضمون السياسي لم
يحجب المطالب الحقيقية للمواطنين
السوريين ولا سيما المطالب السياسية.
الازمة في سوريا سياسية بامتياز، وكل
الازمات ذات البعد الاقتصادي
والاجتماعي والاداري هي الفرع لا
الاصل. الاصل هو كيفية الانتقال بسوريا
من حقبة الستالينية الى حقبة
الديموقراطية. والاهم هو تحقيق
الانتقال بسلاسة وضمن شروط الاستقرار
القصوى، على ان يكون الانتقال
بالافعال لا بالاقوال. فالمنافذ بدأت
تسدّ في وجه النظام وأهله وعلى رأسهم
الرئيس بشار الأسد الابن الذي يخسر
يوماً بعد يوم من رصيده. المطلوب ليس
محاضرات في الادارة العامة، بل
المطلوب أولاً وقبل أي شيء آخر وقف قتل
الناس العزل في الشوارع والساحات،
والاسراع في طرح طبيعة النظام
الديكتاتورية على بساط البحث في سياق
خطة للانتقال الجدي الى نظام
ديموقراطي حر وتعدّدي يحفظ سوريا من
شرور المواجهة التي يتمناها البعض
داخل النظام، والبعض من خارجه. والعقل
يملي على الأسد الابن إدراك حقيقة لا
يسعه التهرب منها، هي أن العودة بسوريا
الى ما قبل 15 آذار 2011 صارت مستحيلة، وأن
النفخ في "بروباغاندا" المؤامرة
الخارجية، وتلفيق الاحداث المركبة،
والتلويح، على ما قال وزير الخارجية
وليد المعلم، بأن الامور لا يمكن ان
تستمر على ما هي، كلها طرق لا تودي إلا
الى نهاية سيئة للنظام، وبالتأكيد
أنها درب شائك سيقضي على الاستقرار،
لكون الحل الأمني الذي يتم الايحاء أنه
صار على الطاولة سيلهب البلاد، ولن
يقضي على مطالب الشعب، ولن يحقق
استقراراً لحالة ستالينية عربية صارت
خارج هذا الزمن منذ أمد بعيد. لا يسع الاسد الابن باعتباره رئيساً
مسؤولاً عن البلاد وهي في حالة من
الهيجان السياسي أن يفكر بمنطق
الجماعة، أو العصبة، أو حتى الطائفة،
فالتحدي يشمل سوريا بأسرها، وصدقيته (المتضررة)
هي الورقة الأهم التي اذا ما بدّدها
نهائياً ستجعل من التغيير في الشارع
مسألة وقت. ومن هنا أملنا أن يتنبه
الرئيس بشار الاسد الى أن ما يبدّده من
رصيد سياسي ومعنوي يستحيل، وقد انقلبت
"الموجة"، أن يعيد تحصيله. وأن كل
خسارة مهما بدت محدودة أول الأمر ستكون
فادحة في مرحلة يهرق فيها الدم السوري. أياً تكن المخاوف السياسية، يجب أن يتوقف
إطلاق النار على المدنيين العزل.
والنصائح التي تدفع في اتجاه الحل
الامني هي نصائح خرقاء وكارثية. وأول
من سيدرك ذلك هو بشار الأسد نفسه إذا ما
استسلم لها. ====================== اصلاحات أعلى الهرم:
حدودها ومخاطرها! المستقبل - الثلاثاء 19 نيسان 2011 العدد 3974 - رأي و فكر - صفحة 19 مهى عون سبق وشاهدنا في مصر وتونس ونشاهد حاليا في
ليبيا واليمن والجزائر، هرولة الأنظمة
المزعزعة داخلياً، والمهددة
بالانهيار إلى الإعلان عن مبادرات
إصلاحية، تزامنت وما زال يرافقها
إلحاح غربي، على إجراء هذه الإصلاحات،
مع التشديد على عدم التعامل مع
احتجاجات الشارع وغضبه بالوسائل
القمعية أو العنيفة. والظاهرة اللافتة
والتي لا بد من التوقف عندها أقله في
دولتين حتى الساعة، تتمثل في الانفجار
الذي يأتي من الداخل بالرغم من ادعاءات
بعض الأنظمة، وتسرعها في رمي
الاتهامات جزافاً على مؤامرات ودسائس
خارجية.. إن النمطية التي اعتمدها بعض الأنظمة
العربية، من أجل تثبيت الاستمرار
والتوريث يمكن اختصارها بعبارة "التمثيلية
الدائمة لوجود مؤامرات خارجية"،
وبالتالي ضرورة الالتفاف عليها لحماية
الأمن والطمأنينة على الصعيد الداخلي.
وكل ذلك وسط تفاقم الفساد على الصعيد
السياسي، والفقر والبطالة والهجرة على
الصعيد المعيشي. وعلى ما يبدو لم تأخذ
الأنظمة العربية عبراً من التاريخ،
وها هي اليوم تفاجأ بأن نظرية
المؤامرات الخارجية، أو ضرورة حث
الشعب للتأهب الدائم، وللاستنفار لخوض
معركة تحرير وشيكة، أصبحت مقصرة وغير
مجدية في تأمين استمرارية القبضة
الحديدية. لم تستدرك هذه الأنظمة بإن تراكم التجارب
التاريخية يؤكد عدم جدوى وفعالية
إطلاق الوعود بالإصلاحات عند هذا
المفصل بالذات، أي عندما تنطلق شرارة
الانفجار في الشارع، وبأن التعامل مع
الغضب المتفجر عن طريق الهرولة باتجاه
إطلاق وعود بإصلاحات بنيوية سياسية
سريعة، تقابلها تجارب تأتي من الماضي
القريب تثبت عدم جدوى هذه الهرولة. حيث
أن التاريخ الحديث والقديم يؤكدان
النظرية القائلة بأن المسكنات السريعة
لم تتمكن أبداً من معالجة أمراض مزمنة
نخرت حتى العظام. يبقى أن بعض الدول البعيدة عن العالم
الشرق الأوسطي كان قد تنبه سابقاً إلى
خطورة السعي للقيام بإصلاحات في خضم
اشتعال النيران. فخلال عقود
السبعينيات من القرن الماضي، رأينا
كيف لجأ معظم دول أوروبا الجنوبية من
اليونان حتى اسبانيا إلى اعتناق
النظام الديمقراطي، وكيف انسحبت
التجربة ذاتها على دول أميركا
اللاتينية حيث تقهقر حكم الجنرالات،
والحزب الواحد، وتقدم عليهما صندوق
الاقتراع. فلقد أدركت هذه الدول
مسبقاً، مطبات قدوم عصر العولمة، وأن
الشعوب والثقافات سوف تنفتح على
بعضها، مع تنامي وانتشار شبكات
التواصل على أنواعها. وبالتالي
استدركت السيناريو الأسوأ الذي يتخبط
ويتلظى في نيرانه معظم الدول العربية
اليوم. ما لم ترد أن تفهمه غالبية الدول
العربية هو استحالة استمرار أي نظام
إلى الأبد مهما حاول إبقاء شعبه في
غياهب ظلامية التوتاليتارية البائدة،
القائمة على التعتيم الإعلامي وكم
الأفواه. وذلك بالرغم من انهيار
الاتحاد السوفيتي مخترع وناشر فلسفة
النظام التوتاليتاري القائم على
القبضة الحديدية. الاتحاد السوفيتي
تفكك بعد انهيار حائط برلين ولكن بعض
الدول العربية ظل متمسكاً بهيكلية
تعود لحقبة ما قبل الانهيار، ولم يغير
في نمطية نشوء السلطة، حتى الساعة، حيث
أن معظم هذه الجمهوريات تحول إلى ما
يشبه الأنظمة الملكية الوراثية،
حاصراً مقاليد السلطة بيد عائلة
واحدة، أو حزب واحد. لا يغيب عن قادة هذه الأنظمة بأن العالم
يتغير بسرعة رهيبة، وأن اللحاق بهذا
التغيير على مستوى الداخل عندهم لا بد
وأن يفرض نفسه في زمن ليس بالبعيد،
ولكنهم فضلوا سياسة النعامة، فعمدت
هذه "الجملوكيات" إلى تلقين
شعوبها مفهوماً مختلفاً للإصلاح
والتطور، والمتمثل بإصلاح تكون
بطانيته منطلقة من أعلى الهرم إلى
أسفله بعكس حركة التاريخ الطبيعية
التي تنتج الإصلاح عادة انطلاقاً من
القاعدة. وحصرت مبادرات الإصلاح في
تطوير المزيد من القدرة على المنافسة
الاقتصادية من خلال سياسات اقتصادية
منفتحة، قد تكون إلى حد ما ليبرالية،
ولكن فقط بهدف التمكن من اكتساب قدرة
تنافسية للاقتصاد العالمي، ولكن في
الوقت نفسه ظلت مغيبة أو متناسية ضرورة
مشاركة القاعدة بهذه العملية التطورية.
وكأنه تكتيك يهدف لإنزال هذا الإصلاح
الاقتصادي من أعلى الهرم ليظهر بشكل
الهدية الممنوحة من القائد لشعبه. الأمر الآخر الذي لا بد من الإشارة إليه
والذي تأتينا أمثلة عليه من ماضِ ليس
بالبعيد، يتمثل بالخطورة المتأتية من
الهرولة بإتجاه بعض الإصلاحات كإطلاق
بعض معتقلي الرأي وسواها في منح بعض
الحريات للتحركات الشعبية. فالمصير
الذي لاقاه شاه إيران بعد إطلاقه
لبرامج إصلاحية من أعلى الهرم، عن طريق
إطلاقه ما سمي ال"ثورة البيضاء"
بهدف عصرنة البلاد، ما لبثت أن انقلبت
نتائجها عليه، وأدت إلى خلعه من منصبه
على يد حركة اتخذت من الدين مرتكزاً
لانطلاقها، مستفيدة من ارتخاء القبضة
الأمنية الحديدية. وعلى الطريقة نفسها
أدت البرسترويركا التي أنشأها ميخايل
غورباتشوف إلى خلعه بعد مدة قصيرة، من
إعلانه لها. من هنا يمكن القول أن
الإصلاحات هي من الجدية لحد، أنه يمكن
توصيفها بسلاح ذي حدين. حيث التراخي في
القبضة الهادف إلى نشر مفهموم
الإصلاح، غالبا ما يترافق مع استفادة
المضغوطين للتمادي في حركاتهم الثورية.
في كل الأحوال يمكن إدراج معظم الأنظمة
المزعزعة حاليا في الخانة ذاتها وتحت
العنوان نفسه أي، في مخاطر الإصلاح
الهرمي، الذي أكدته التجارب التاريخية
الماضية، والحديثة منها، ولا سيما في
مصر وتونس في المرحلة الأخيرة. تجربة
قد نراها تتجدد في بلدان عربية أخرى
حيث تتلاحق الأخبار عن انعتاق الثورات
الشعبية. ====================== الرياض السعودية التاريخ: 19 أبريل 2011 أول وطن رفع شعار
القومية والأمة العربية من خلال
مفكريها وأحزابها، والأولى التي قادت
أول انقلاب عسكري على السلطة القائمة
بأسماء ودول خارجية مختلفة، والأولى
المنادية بالوحدة العربية ونفذتها مع
مصر ثم انقلبت عليها، إنها سوريا قلب
الوطن العربي وصاحبة مختلف الأولويات.. خاضت العديد من الحروب مع إسرائيل،
وأدارت معارك في لبنان والأردن
والعراق، ودخلت في تحالفات مع قوى
اليمين واليسار، وتأزمت مواقفها مع
تركيا بسبب الزعيم الكردي «عبدالله
أوجلان» لدرجة أعلن فيها التعبئة
العامة للقوات المسلحة التركية، لكن
دخول مصر على الخط أوقف نشوب حرب
مجهولة العواقب.. هذه بعض المواضيع في سجل سوريا الكبير،
وحالة مسارها منذ الاستقلال، وقد كان
الأسد الأب من طراز فريد في إدارة
المواقف وكسبها في مرحلة كانت فيها
لبنان تغرق بحرب أهلية، وإسرائيل تريد
افتعال أي مشكلة لتحديد ما تريد عمله،
وتركيا على خلاف معها ولم تخف تحالفها
مع إسرائيل، وحتى في الداخل كان الرئيس
حافظ يواجه حالات اضطراب عديدة مع
الفلسطينيين والإسلاميين، وقد كان
المبادر في رفض الحرب العراقية -
الإيرانية، والمبارك للإسهام في تحرير
الكويت، والمناقض لسلوك الحكومات
الثورية الأخرى كلها.. الآن والظروف تتجه إلى حالات تسخين
الشارع مع الدولة، متأثرة بما يجري من
ثورات عربية متصاعدة، فهل تستطيع دمشق
حل المواجهات بفلسفة الأرباح والخسائر
قبل أن تهب العواصف؟ بمعنى محدد؛ هل
تسمع صوت المعارضة بآذان وقلوب
مفتوحة، وهل تنسى أو تتناسى فرض حالة
الطوارئ والحزب الأوحد، وتحجم عن رفع
شعارات أن الإصلاحات مرتبطة بزوال
الخطر المحيط بسوريا؟ فالمواجهة تتطلب
فهم طبيعة الحركة الدائرة عالمياً
وعربياً، وفهم أدوات التحريك التي لم
تعد وسائل قوى خارجية أو دوافع لقوى
إقليمية، أو رهناً لتعليمات حزبية
تؤخذ كقانون مطلق، فهي الآن وسائل
علمية لها تأثير مباشر في كل حركة.. الجيل العربي الجديد أخذ المبادرة ولا
يمكن كسر إرادته أو التعامي عن مطالبه،
وسوريا تبقى دولة محور في موقعها
الإستراتيجي، لكنها لا تستطيع تثبيت
سياسة تقليدية تقوم على وهم التورية
والمواجهة، وسوريا تملك رصيداً من
التجارب في إدارة المعارك السياسية
والدبلوماسية، لكن الوضع الجديد لا
يقبل القسمة على احتمالات مفترضة
خصوصاً وإن كانت المطالب مشروعة،
وكفاءة أي حكم ليست في إطلاق حزمة من
المبررات أمام مواطن ذكي حدد سقف
مطالبه، والسلطة تعي ما جرى في البلدان
العربية بدءاً بتونس وليس انتهاءً
باليمن، وليبيا، وعملية أن لا تكون
هناك حريات وحلول للبطالة. وتقويم تام
لمراحل الحكم خلال الثلاثة عقود
الماضية، واستيعاب الحالة بردود أفعال
عملية، فكل الاحتمالات ترشح سوريا
لحالات اضطراب قد تكون الأعنف، لكن
العقل يفرض التعاطي مع القضايا
بالأسلوب المرن وتصحيح المسار بما
يتفق ورغبات الجماهير.. ====================== حسابات إيرانية قديمة
لواقع جديد آخر تحديث:الثلاثاء ,19/04/2011 ميشيل كيلو الخليج تمتلك إيران، كغيرها من الدول الكبيرة،
وعياً حاداً جداً بمصالحها القومية،
رغم خطابها غير القومي، بل والمعادي
للقومية في الكثير من مفرداته ووعوده .
هذا ما يتفق عليه كل من يتابع مجريات
المنطقة عموماً، وسياسات إيران خصوصاً
. وثمة هناك من يشهد لطهران ببراعة خاصة
في ملاحقة أهدافها القومية التي
تتفاوت درجات نجاحها، لكنها تبلغ
الذروة عندنا، في وطننا العربي، حيث
يوجد لها حضور ونفوذ متفاوت في كل
مكان، وتتابع كل ما يحدث بروحية شريك
أو حليف مقرب يحق له، بل ومن واجبه،
إبداء الرأي واتخاذ المواقف في كل ما
يتعلق بعلاقاته العربية، أو بما يؤثر
فيها سلباً أو إيجاباً، من ضمن نظرة
أيديولوجية ترى أن الإسلام يمحو، أو لا
بد أن يمحو، الحدود بين المسلمين،
وتعتقد أن تكافل هؤلاء وتعاضدهم واجب
شرعي لا مهرب منه . ومع أن عرباً كثيرين لا يقرون إيران على
نهجها، ويرون في إعلاناتها مجرد
مسوغات تبرر تدخلها في شؤونهم، فإن
نفوذها وحضورها واصلا تعاظمهما في
معظم أنحاء عالمنا العربي، حتى بدا
وكأنها تتحول بالقول والفعل إلى مركز
استقطاب للأمة، بعد زوال المركز
المصري بدوره القومي المميز، بعد غياب
عبد الناصر، و”التسوية السلمية “مع
العدو “الإسرائيلي”، والتحالف مع
أمريكا، والانسحاب الواسع من الشؤون
العربية، بل وترك العرب لمصيرهم .
والحق، إن قيادة طهران الحالية فعلت كل
ما من شأنه تعزيز دورها عندنا:
اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً
وتنظيمياً، وبذلت جهوداً حثيثة داخل
مجالها السيادي، وفي كل مكان،
لإشعارنا بأنها موجودة في كل زاوية
وركن من زوايا وأركان وجودنا، وبأن من
الأفضل لنا التعاون معها، خاصة أنها
بلد شقيق وشريك حضاري وديني ولغوي
وتاريخي، ليس له مطامع في ثرواتنا
وأوطاننا، فضلاً عن أنه يبني مواقفه
على فكرة الإسلام الجامعة التي تمثل
ضرباً من الحماية بالنسبة لجميع بلدان
المسلمين، ومن الكابح الجدي لخصومهم،
فلا شيء يمنع إذاً، تشكل توازن جديد
بينها وبيننا، يريحها ويريحنا ويوحد
مواقفنا مع مواقفها، ضد العدو المشترك:
أمريكا و”إسرائيل” . بهذا التصور الذي لم يتفق دوماً مع الواقع
والوقائع، سعت إيران إلى فرد جناحيها
وتوطيد وجودها ونفوذها في المناطق
القريبة منها، ولاسيما في دول الخليج
والعراق، وحققت اختراقاً مهماً في
سوريا ولبنان، حيث تحالفت مع الأولى
فقامت بينهما علاقات لم يقم ما يشبهها
في أي مكان آخر من أرض العرب، ووطدت
حضورها في لبنان بالسياسة والسلاح،
عبر دعمها غير المحدود لحزب الله،
وعلاقات الشراكة الكاملة والمطلقة
معه، التي عادت عليها بمصداقية شعبية
واسعة في أوساط عربية مختلفة، ترى في
حزب الله قوة تحمي الوجود العربي
والإسلامي بنجاح، في وجه عدو لطالما
أنزل هزائم متعاقبة بالجيوش العربية،
واحتل أراضي تابعة لدول يفترض أنها
تحمي سيادتها ووحدتها الإقليمية . لا عجب أن تكون السياسة الإيرانية فخورة
بما حققته، وأن تتمسك بالأسس التي أدت
إلى إنجازه على أرض الواقع، وأن تقدم
قراءات للتغير العربي المتتابع منذ
أوائل هذا العام تضعه في سياق ثورتها
الإسلامية وما ترتب عليها من سياسات
عربية خاصة وخارجية عامة، مثلما فعل
السيد علي خامنئي في خطبة شهيرة خلال
الثورة المصرية ضد نظام مبارك . غير أن
نقطة قوة إيران العربية قد تنقلب إلى
العكس وتصير نقطة ضعف جدية، إن هي
تجاهلت طبيعة التحول وحقائقه، ولم
تفهم مراميه الحقيقية ومطالبه، ورفضت
أن تنطلق منه باعتبار أنه سيكون من
الآن فصاعداً الأرضية والحاضنة
الجديدة لأية سياسات: محلية وعربية
وإقليمية ودولية، سيقترف من يستمر في
رسم مواقفه وسياساته انطلاقاً من
الوضع الذي كان قائماً قبله غلطة كبيرة
جداً ستلحق ضرراً عظيماً به ومصالحه
التي صار من الضروري أن يعاد إنتاجها
انطلاقاً من واقع جديد، يبدو العرب
عازمين على ملئه بأنفسهم وسياساتهم
الخاصة، بعد أن ساده فراغ مديد غابوا
خلاله عن أمورهم، وتركوا لجيرانهم
حرية التدخل شبه المفتوح في شؤونهم،
وانقسموا واختلفوا، فكان حالهم فرصة
أغرت جيرانهم بهم . واليوم، ومصر
تستعيد وضعها الطبيعي، وتخرج من
حسابات النظام إلى مصالح الدولة، آخذة
نفسها وعالمها العربي إلى أفق جديد
سيكون طابعه القومي والمجتمعي أوسع
وأعمق وأكثر جدية وقوة بما لا يقاس من
طابعه السابق، ستستعاد النظرة التي
رأت في المجال القومي مجالاً عربياً
داخلياً لا يحق لأحد التدخل فيه دون
موافقة أصحابه . وستبادر مصر على الأرجح إلى ملء الفراغ
الذي سببه انسحابها منه، فلا بد إذاً،
أن تسارع إيران إلى قبول الأمر الواقع،
وتسلم بحقيقة أن الفراغ العربي
سيتقلص، وأن حضور مصر سيبدأ بالتوطد من
جديد فيه، وتبدأ للتو عملية مراجعة
لسياساتها تجاهه تنطلق من مبدأ شراكة
متوافق عليها تتم بتراضي الأطراف
جميعها، عوض سياسات التدخل الراهنة،
التي بدأت تشهد الانتكاسة تلو الأخرى:
من البحرين إلى الكويت فاليمن فمصر
فسوريا، علماً أن الاختيار يجب أن يكون
سهلاً بالنسبة إلى طهران بين كسب العرب
كأمة وكسب موطئ قدم تصعب المحافظة عليه
أو الدفاع عنه هنا أو هناك، في هذا
البلد أو ذاك . هذه الضرورة التي نلمسها
اليوم في مراجعات واسعة للسياسات
الدولية تجاه العرب، وكان آخر
تعبيراتها إعلان الخارجية الأمريكية
أن أوباما سيقدم خلال أسبوعين رؤية
جديدة لمواقف بلاده من المسائل
والتطورات العربية، لا بد أن تستجيب
السياسة الإيرانية لها بدورها، وأن
تتفاعل معها بإيجابية إن كانت لا تريد
خسارة ما حققته من حضور ونفوذ في
بلداننا، وتحرص بالفعل على علاقة
مميزة مع أمتنا، وإلا خسرت جزءاً
كبيراً مما حققته وربما تعرضت
لانتكاسة فائقة الخطورة على نظامها،
بالنظر إلى مكانة العرب وحجمهم في
الإقليم، وإلى أن نجاح طهران الرئيس في
السياسة الخارجية تمثل في تغلغلها
داخل مجالهم، واحتلال مواقع فيه سوغت
من خلالها الأسس التي اعتمدتها مدرسة
خامنئي - نجاد في المنطقة برمتها،
انطلاقاً من الداخل الإيراني، فإن هي
اهتزت خارجه انعكس اهتزازها على
علاقات وتوازنات القوى فيه، في ظرف
متاعب جدية كانت هذه المدرسة تعانيها
مع قطاعات واسعة من شعبها، يحتمل أن
تتجدد في حال وقع إخفاق خارجي كبير
كهذا . لا تتابع الدول الراشدة التمسك بمعايير
قديمة، إذا ما تغيرت الأوضاع التي كانت
تنطبق عليها . ولا مفر من أن تطور
معايير مختلفة تمكنها من إعادة تعريف
مصالحها وسبل الوصول إليها، فالمعيار
يتبع دوماً الواقع وليس العكس، وإلا
كانت السياسة نتاج الرغبات وتجاهلت ما
يجري على الأرض وأخفقت . أما إيران،
الدولة الشقيقة والكبيرة والعظيمة،
فهي ليست ولن تكون بمنأى عن هذه
القاعدة الذهبية، وعليها التكيف معها،
إن كانت تريد أخذ موقع جديد في عالم
عربي جديد، سيتمحور من جديد حول نفسه
وليس حول أية قوى إقليمية، وسيسعى إلى
بناء علاقات تقوم على الندية والتشارك
مع جيرانه، فيها مصالحه ومصالحهم، على
الطريق نحو علاقة من طابع أخوي وعميق،
تتسق وروح الإسلام والإرث الحضاري
والتاريخي المشترك بين أمتين لطالما
عاد عليهما بالخير تعاونهما واحترام
كل واحدة منهما للأخرى . ====================== تاريخ النشر: الثلاثاء 19 أبريل
2011 الاتحاد أتت الانتفاضات الشبابية في العالم
العربي لتطرح رؤية جديدة في ضبط
الأولويات، بعد أن كان الاعتقاد
سابقاً سائداً بأن سيد الموقف في هذه
الحال يتمثل في مطلب "الخبز"
ليأتي بعده ما يأتي، ولكن الذي هيمن
لأزمنة سبقت نمط من النزعة الاقتصادية
التي بمقتضاها يبرز مطلب الخبز والوضع
الاقتصادي عموماً في حياة الناس بوصفه
الحل المدخل إلى الأزمات القائمة في
العالم العربي، وقد قاد فئات من الناس
ذلك المطلب إلى حالة من "التقديس
النظري"، أي إلى التأكيد على أهمية
حاسمة لدور "العيش" في حياة
الناس، خصوصاً مع تعاظم الفقر
والإفقار في أوساط الفئات الوسطى
والطبقات الدنيا، وكذلك مع اتساع حقول
الفساد والإفساد والرشوة، ومن ثم مع
ظهور ما يسمى "مجتمعات الثمانين
والعشرين"، وتقوم هذه على امتلاك
عشرين بالمئة من سكان العالم العربي
لثمانين من ثروته من طرف، وعلى امتلاك
ثمانين بالمئة من سكانه لعشرين بالمئة
من ثروته فحسب. نعم، مع تعاظم تلك الوضعية هنا وهناك، بات
"الخبز" رمزاً مباشراً لكرامة
الفقراء والمفقرين، والدليل على خطورة
الوضعية المذكورة أن الناس راحوا
يبحثون عن لقمتهم فيما نُظر إليه في
ظروف أخرى "عاراً وذلاً"،
مجسِّداً خصوصاً في "تجارة الرقيق
الأبيض"، وفي أهمية الرشوة وبيع
الكرامة. ومن يرغب في التدقيق في هذه
المعطيات تدقيقاً بحثياً علمياً، عليه
أن يقوم الآن بدراسة مصداقية المثل
العربي الشعبي المعروف: "تموت الحرة
ولا تأكل بثدييها"، أو بما تبقى من
هذه المصداقية. والحالة التي نتحدث عنها ليست خاصة
بالشعوب العربية، بل هي ظهرت لدى شعوب
أخرى، أوروبية، مثلاً في القرن التاسع
عشر، بالترافق مع الثورة الصناعية
هناك، التي أوجدت أوضاعاً مأساوية
جعلت النساء في مدينة مانشستر
البريطانية، حيث توجب على المرأة منهن
أن تعمل أكثر من خمس عشرة ساعة في
النهار، حتى تحقق الحد الأدنى من
حاجتها وحاجة أسرتها، في هذا السياق،
يعلمنا التاريخ الاقتصادي الاجتماعي
أن نسباً عالية من النساء رحن يبحثن عن
كفايتهن المادية في تلك الحقول
المذكورة (الفساد المالي الاجتماعي
إلى حد خطير). نعم، في تلك الظروف كان
همُّ الناس أن يلتقطوا حياتهم اليومية
من كل دار ما يدخل في خانة "الفساد
والإفساد"، بكل ما يقترن بهما من
إذلال واستباحة. ذلك كان وضعاً هيمن، وجعل "العيش -
الخبز" أقصى ما يبحثون عنه، أما في
العالم العربي الآن، وبالرغم من كل
الموبقات التي تلجأ إليها النظم
الأمنية في إطار تجويع "الغلابة"
إلى درجة أن "حاويات الأقذار"
تحوَّلت إلى مصدر لسد الرمق، نقول: رغم
ذلك، حين خرج أفلاذ أكبادنا من الشباب،
خصوصاً يعلنون انتفاضاتهم في وجه
الظلم والقمع والإذلال، أطلّ
المستبدون يبشرون بتقديم تسهيلات لهم
على صعيد المازوت والخبز وغيره. فما
كان من الشباب إياهم إلا أن أعلنوا
بملء حناجرهم: إننا لا نتطفَّل على
موائدكم! إننا نريد حريتنا وكرامتنا، ولن نقبل
شيئاً آخر دونهما. ذلك ما راح يهتف به
هؤلاء في مصر وتونس وسوريا واليمن، إنه
أعظم درس في دروس الحرية، لاستعادة ما
يجعل البشر بشراً. ====================== عدنان اسمندر البعث 19-4-2011 يخطىء الكثيرون ممن يعتقدون أن الحرية
وصفة جاهزة قائمة في الفراغ يمكن نقلها
من مكان إلى آخر، فالحرية حالة إنسانية
تختلف في قوتها وضعفها تبعاً للمجتمع
الذي تطبق فيه، وبالتالي فهي ليست على
درجة واحدة إلا في خطوطها العريضة،
وحتى هذه الخطوط تتأثر بالوضع
الاجتماعي المستند إلى حالة معينة من
الوعي، فما هي مكونات هذا الوعي؟.. إنها
تتعلق ب : المستوى الثقافي والعلمي،
ووجود نسبة من الأمية، والانفتاح على
العالم أو الانغلاق الفكري والتزمت،
وقبول الأفكار الجديدة أو رفضها أو
تعديلها، وفهم مسار التاريخ الإنساني،
والعلاقات الاجتماعية المختلفة، ومدى
التمسك بالمواطنة. فإذا فرضنا أن مكونات الوعي متراجعة في
مجتمع ما، فماذا يحصل عندما نطبق حرية
الانتخاب دون أية ضوابط ؟.. المؤكد أن
نسبة لم ستظهر في المجلس التشريعي لذلك
المجتمع بعينه، وبالتالي ستكون هناك
نسبة كبيرة من ممثلي هذا المجتمع ممن
يحملون سلبيات المجتمع التي تعيق
تطويره وتحديثه، إلى جانب قلة تسعى الى
تغيير المجتمع نحو الأفضل، هنا يستمر
الصراع طويلاً، وسيكون التغيير
بطيئاً، وفي هذه الحالة تبدو الحرية
بهذا الشكل عاملاً معيقاً للتطور،
لهذا تلجأ بعض الدول التي وصلت قيادتها
إلى مراكز القرار عن طريق الثورة،
واستناداً إلى ما اتفق القانونيون على
وصفه ب « الشرعية الثورية»، إلى
الاعتماد على النخب الثقافية والأحزاب
السياسية المنظمة التي من برامجها
تغيير المجتمع وتحديثه، وبالتالي ستجد
السلطة السياسية الجديدة نفسها مضطرة
إلى تحريك بوصلة الانتخابات وضبطها من
أجل المصلحة العامة، وعندها يكون
الوعي المتمثل بالسلطة ومؤسساتها غير
متطابق مع مفهوم الحرية السائد الذي
يجنح دائماً نحو الموروث، وإذا كانت
هذه السلطة صادقة النية في التغيير،
فإنها ستعمد إلى تثقيف الجماهير ورفع
مستواها الفكري والعلمي لكي تنسجم هذه
الجماهير مع متطلبات الحياة الجديدة،
وبذلك يتطور مفهوم الحرية ليتلاءم مع
مفاهيم المجتمع الوليد، هنا يظهر
واضحاً كيف أثر الوعي على مسار الحرية
لدى الجماهير، فالحرية تأخذ أبعاداً
أرقى كلما ازداد الوعي، ولكن ماذا يحصل
إذا كان هناك وعي اجتماعي أكبر من
مساحة الحرية المسموح بها؟. إن النتيجة الحتمية هي ظهور الأنظمة
القمعية، وعندها يحدث الصدام إما
بالقوة أو بالطريقة الديمقراطية
والحوار، لأن الوعي الجماهيري الضاغط
على السلطة يحتاج إلى حرية مكافئة له. أما إذا كانت الحرية أكبر من الوعي، فإن
المجتمع ستعمه الفوضى المدمرة، وما
حدث في سورية أكد أن الحرية التي أعطيت
للشارع بشكل مؤقت كانت أكبر من وعي
شريحة غوغائية استغلها من لا يريدون
الخير لهذا البلد، لهذا فإن الوعي هو
الذي يحدد مواقع الحرية وحدودها،
فالحالة الطبيعية المثالية هي التناغم
والتوافق بينهما، فهما مثل كفتي
ميزان، وإن الخلل يحصل عندما تكبر
إحداهما على حساب الأخرى، ولاشك أن
الخطرسيكون كبيراً عندما لايتناسب
الوعي مع الحرية. ====================== الافتتاحية.. درعا تتصدر
الفضائيات دمشق صحيفة تشرين كلمة رئيس التحرير الثلاثاء 19 نيسان 2011 منير الوادي عند استضافة المنطقة الجنوبية لمؤتمر
الاستثمار وخاصة مدينة درعا في حزيران
من العام الماضي، وضعت الجهات
الحكومية كامل ثقلها للترويج لهذه
المنطقة وسعت عند جميع القنوات
الفضائية العربية لبث معلومات أو
أخبار عنه، لكن دون جدوى، رغم أن
النشرات الاقتصادية لهذه الفضائيات
تعج بأخبار أقل أهمية من دول مختلفة في
العالم، وحتى إسرائيل بينها، لكنها
تمنعت عن نشر أخبار تنموية عن سورية
تعود بالخير والفائدة على أهلها ومنهم
أبناء حوران. اليوم أصبحت درعا أهم مدينة في العالم،
وإذا عطس أحد أبنائها فإنه يتصدر أخبار
هذه الفضائيات، مع الكثير من التحليل
والمتابعة عن أسباب عطسته، التي يكون
سبباً فيها أحد رجال قوات الأمن حسب
شهود العيان!. المتابعون للشبكة الالكترونية يستطيعون
كتابة اسم درعا في أي لغة ليشاهدوا
أنها أصبحت تحتل موقعاً متقدماً في
المحتوى الرقمي على هذه الشبكة، لكن
التفاصيل تحمل أسوأ ما يمكن الحديث عنه
عن هذه المدينة وأهلها الطيبين،
المناضلين، الذين عرفهم التاريخ بأهل
الشجاعة والمروءة والكرم، وإغاثة
الملهوف.. فهل يسر أبناء درعا ما ينقل عنهم عبر
العالم وعبر الفضائيات من أعمال تسيء
لهم ولتاريخهم؟. وما هو المستقبل الذي سنورثه لأبنائنا
عندما يقرؤون تاريخنا القديم الحافل
بالفخر والنصر، وتاريخنا الحالي الذي
يسعى البعض لتشويهه بإضافة تفاصيل لا
تمت إلى ثقافة وأصالة هذه المنطقة. لو كانت تلك الفضائيات التي تدعي الدفاع
عن الإنسان وحريته وكرامته تهتم
بأبناء درعا، فلماذا لم تتحرك للترويج
للاستثمار فيها وتوفير آلاف فرص العمل
لأبنائها واستثمار خيراتها
ومنتجاتها، بينما نراها هبت وأسرعت
وحجزت الأقمار الصناعية ورصدت
المليارات من أجل بث الفوضى والتخريب
والإساءة لأهالي هذه المنطقة؟. الصورة واضحة، فالفضائيات وما تبثه من
فبركة يقال إنها إعلامية هدفها زعزعة
الوحدة والاستقرار، وهدم ما تم بناؤه
بجهود ومال أبناء الوطن المخلصين،
خدمة لمشاريع لم تعد خافية على أحد. ما يريده ويقرره أبناء سورية، يلقى صدى
واستجابة في مستويات مختلفة، لكن
الإصلاح حتى يكون قوياً ومتماسكاً
ودائماً، يحتاج إلى بيئة مستقرة هادئة
لإنجازه، فالتوتر والخروج إلى الشارع
لا يعطي مفعولاً إيجابياً للجهات
المكلفة دراسة وإقرار خطوات الإصلاح.
====================== أمل الهزاني الشرق الاوسط 19-4-2011 حينما كنت أتابع احتجاجات طلاب كلية
العلوم في دمشق، والآداب في حلب،
وانضمامهم للمطالبين بالإصلاح
والتغيير، قلت في نفسي إن من حسن الحظ
أني بدأت رحلة الكتابة الصحافية
بالخوض في مواضيع التعليم العالي،
وتحديدا دور وتأثير الجامعات؛ تطورها
أو تخلفها، على المجتمع. صحيح أن الشباب يدخلون الجامعات وهم في سن
الثامنة عشرة، بعدما تشكلت الكثير من
أفكارهم وسلوكياتهم وطبائعهم، ولكن لا
شك أن الجامعات قادرة على تحوير كل ذلك
وبنائه من جديد وفق معايير مختلفة، لأن
الأساتذة الملقنين والمنظرين،
والأنشطة الطلابية، وأجواء الاختلاط
بالأفكار الأخرى، كل هذه مؤثرات تخلق
قوالب جديدة للشخصية، حيث يحفز كل طالب
زميله فتتكون تكتلات فعالة، وقد لا
تكون بالضرورة إيجابية. في اجتماع سابق مع الدكتور محمد العيسى،
الملحق الثقافي في سفارة السعودية في
واشنطن، تزامن مع ثورة 25 يناير
المصرية، سألته: ما الذي يشغل 30 ألف
طالب وطالبة سعوديين مبتعثين للولايات
المتحدة خلافا لشؤونهم الدراسية؟ خاصة
أن المبتعثين الأوائل في الستينات
والسبعينات والثمانينات كانوا
يتفاعلون مع المشهد السياسي والتحولات
الفكرية في ذلك الوقت بكثير من الشد
والجذب؛ كان بعضهم يحضر محاضرات
وفعاليات القوميين أو اليساريين، سواء
من باب الإعجاب أو الفضول، ويجاملون
زملاء لهم في القاعة الدراسية ينتمون
لدول أخرى في أنشطتهم الحزبية، وخرج
الكثير منهم يهتفون احتفالا بسقوط شاه
إيران؛ فهل مبتعثو الألفية الجديدة
لديهم مثل هذه النزعات؟ أكد الملحق الثقافي أن الأمر لم يعد كذلك
بالعموم، لم يعد للجيل الشبابي الجديد
ميول سياسية أو آيديولوجية كالسابق،
معلوماتهم ليست ضحلة في هذا الشأن،
ولكن لا يسترعي انتباههم التركيز
عليها. أصبحوا أكثر ميلا لبناء
العلاقات الاجتماعية سواء الواقعية،
أو الافتراضية من خلال التواصل
الإلكتروني، وتنمية مهاراتهم في
التعاطي مع التقنيات الحديثة، حتى إن
معظم المشكلات التي تواجه الملحقية هي
في الخلافات الزوجية بين المبتعثين
وأزواجهم، التي تسعى الملحقية لحلها
إذا اتخذت الشكاوى طابعا رسميا، وهي
أمور متوقعة بالنسبة للكثرة العددية
للمبتعثين. كلام الدكتور العيسى صحيح، ولا يقتصر على
طلابه في واشنطن، بل حتى على طلاب
الرياض، وفي واقع الأمر فإن هذا التغير
لم يمس السعوديين فقط، لأن المجتمعات
تتوحد في اهتمامات شبابها، وإن اختلفت
في التفاصيل الدقيقة. طلاب العلوم والآداب في دمشق وحلب لم
يخرجوا دفاعا عن عقيدة آيديولوجية، أو
ولاء لشعارات فكرية، أو تلبية لدعوة
حزبية، أو حبا في زعيم سياسي، كما كان
حال طلاب الجامعات السورية في خمسينات
وستينات القرن الماضي. الذي حرك هذه
الجموع هو اعتراضهم على الحالة
الاقتصادية والتنموية والقمع الجسدي
والمعنوي، خرجوا ناقمين على أوضاعهم
على الرغم من علمهم بأن نظام الدولة
استخباراتي أمني لا يرحم، وعلمهم أن
شخصيات ذات ثقل اجتماعي وثقافي اختفت
من منازلها منذ سنوات لمجرد كتابة
رسالة أو تعليق، وليس لاحتجاجات أو
مظاهرات كما يحصل اليوم، ولكن درجة
حرارة الاحتقان كانت أكبر من أن تُحتمل. كالحال في مصر، فتحت ثورة الشباب أبواب
الفضائيات العربية المغمورة لظهور
رؤساء أحزاب سياسية معارضة لم يكن أحد
يعبأ بهم، أو يرغب في استضافتهم، على
الرغم من أنهم يعارضون النظام منذ
عقود، فنفضت الغبار عنهم وظهروا على
شاشاتها مشاركين في نتيجة الثورة، وهم
الذين عجزوا طوال عمر عملهم أن يكونوا
سببا لها. أتمنى على الأقل أن لا يصدق الرئيس بشار
الأسد الرواية التي اختلقتها أجهزته
الأمنية حول عوامل خارجية تحرك الشارع
السوري، كالصهاينة أو أميركا أو
شخصيات عربية على خلاف مع النظام
السوري، فالزمن عفّى على هذه
الروايات، كما أنها وصفة مجربة وفاشلة
في دول عربية تعيش حالة الثورة حاليا.
على الرئيس السوري الذي لم يبتعد كثيرا
في سنه عن عمر شباب دمشق ودرعا وبانياس
وحلب الثائرين الذين فتحوا صدورهم
للرصاص، أن يفتح هو بدوره نافذته
ويستمع لصيحاتهم ومطالبهم، فكثير من
هذه المطالب قد وعدهم بها وأرجأ
تنفيذها. لقد تماسك الشارع الجزائري أمام موجة
الثورات العربية على الرغم من أن
الجزائر كانت المرشحة الثالثة بعد
تونس ومصر بحسب قانون «الدومينو»
العربي، بسبب أن الحكومة سارعت بتنفيذ
خطوات إجرائية إصلاحية امتصت غضب
الشباب، كرفع حالة الطوارئ وتحسين
الأجور ودعم المواد الغذائية والعفو
عن بعض المساجين ومنح الأراضي
للزراعة، التي قدمتها الحكومة كدفعة
أولى لإصلاحات موعودة أكبر، ينتظر
الجمهور تنفيذها قبل أن يقرر الخروج
الكبير. إن الوصفة العلاجية ليست سرية، فالمسببات
المرضية معروفة، والأعراض واضحة،
المشكلة في سوء تقدير الأمور
والمكابرة عن الاعتراف بالخطأ والتأخر
في تصحيحه. * جامعة الملك سعود ======================= غسان الامام الشرق الاوسط 19-4-2011 احتلال الانتفاضة. هذا هو الهدف
الاستراتيجي للمؤسسة العسكرية
العربية. المشروع السياسي هو عسكرة
النظام القديم والانتفاضة معا. أقصد
استيعاب القوى السياسية الجديدة
والقديمة، في حزام تعايش ديمقراطي،
فيما يحرك الجيش عصا «المايسترو» من
وراء الستار، للحيلولة دون ابتلاع
الحزب (القائد) للدولة مرة أخرى. مع عولمة أميركا وأوروبا للديمقراطية
المدنية، يصعب الانقلاب العسكري إلى
حد الاستحالة. الجيوش العربية اليوم
بلا آيديولوجيا. بلا سياسة. بلا طموح.
ليس هناك ناصر. قاسم. عارف. شيشكلي.
قذافي جديد. إنما هناك ضباط كبار
بنياشين على الصدور. مع زهد في الظهور.
لا صور. باستثناء صور متواضعة للمشير
حسين طنطاوي (75 سنة) في غاية الطيبة
القَلِقَة. منذ النصر المنقوص في حرب أكتوبر (تشرين
الأول)، تحول الجيش العربي إلى دولة
ضمن الدولة. استقلالية شبه تامة في
الموازنة. في التسليح. امتيازات مادية
ترفيهية للعسكر الكبار والصغار. في
حالة اللا سلم واللا حرب، تنتج المصانع
الحربية سلعا مدنية وعسكرية. تُشَغِّل
عشرات ألوف العمال... هذه الدولة/ الثكنة تم تحييدها، بعدما
أحكم النظام الرئاسي أمنه وسلامة
سلطته، بتعددية مخابراتية هائلة.
العسكر اليوم يستردون الاعتبار
السياسي والشعبي. ولأن العسكر دولة
مختبئة في كُمِّ الدولة، فقد كانت
الحاجة منطقية وماسَّة لها، لضبط
انتفاضة لم تستطع الاستيلاء على
السلطة كثورة، ولمنع الفوضى بعد
اهتزاز النظام، وفقدانه أذرعته
الأمنية الأخطبوطية. بل أظهر العسكر براعة غير متوقعة، في فن
السياسة، فن المساومة والتسوية مع
الانتفاضة. وفي الحوار مع القوى
المدنية القديمة: النظام. الأحزاب.
التنظيمات الدينية، بحيث حالوا دون
الاشتباك داخل قوى الانتفاضة، وبينها
وبين هذه القوى القديمة. المساومة اقتضت صرف رئيسين عربيين من
الخدمة. هناك رؤساء آخرون مرشحون للصرف
بشكل أو بآخر. التسوية اقتضت الإفراج
عن المعتقلين، بمن فيهم «الجهاديون»
التائبون أو النائمون في السجون. وسن
قوانين جديدة للأحزاب والانتخاب.
وتسريح وتشكيل حكومات. ثم الهيمنة على
الصحافة الرسمية. «الأهرام» تغصّ، ومعها شيخ الأزهر. وعمرو
موسى. وأقطاب الإخوان، بالدعاء للمجلس
العسكري الأعلى، بالتوفيق والنجاح. في مناورات الشد والجذب، شعرت القوى
الشبابية الجديدة بالمهانة. راح
الصراخ المنطلق من ميدان التحرير،
يتهم العسكر بالانحياز للقوى القديمة.
في المبالغة، طالبت الانتفاضة بتنحية
المشير طنطاوي، مصرةً على تشكيل مجلس
رئاسي مدني، وحل المجلس العسكري.
ومحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك،
ووزراء حكومة «البزنس». ضاق العسكر بالمزايدات. المبالغات.
بالانفلات الأمني. باعتصامات العمال
والعاملين الحكوميين (ثمانية ملايين
عامل وموظف). فَسُنّتْ قوانين ضد
الاعتصام. التجمهر. تعطيل الإنتاج. جرت
محاكمات عسكرية. صدرت أحكام. سقط قتلى
وجرحى... صمود الانتفاضة. وعودتها إلى الاعتصام
بالميادين، فرضا على العسكر تقديم
تنازلات جديدة: اعتقال مبارك ونجليه.
ورجال ووزراء البزنس. ولم يعرف، بعد،
ما إذا كانت الانتفاضة قبلت التسوية
الجديدة. فالعسكر ما زالوا يرفضون
التخلي عن السلطة. وتشكيل مجلس رئاسي
مدني. وإلغاء قانون الطوارئ. ورتَّبوا
الفترة الانتقالية، على أساس إجراء
انتخابات أولا، قد تسفر عن سيطرة القوى
المحافظة والدينية، ودستور لا يضمن
تماما الحريات الشخصية والسياسية،
للمرأة والأقباط. ثم يجري انتخاب
الرئيس الجديد المتوقع أن يكون خلاصة
تُتَرْجِمُ هذه القوى. في مأساة مبارك - آمل أن تسمح لي الحريات
الجديدة بإبداء رأي شخصي - نعم، للرئيس
السابق أخطاء وسلبيات معروفة. لكن له
إنجازات باهرة مَنْسِيَّة. في
مقدمتها، الإفراج عن معتقلي السادات.
عودة مصر إلى العرب. تأمين مصر ضد العنف
الديني. علاقته العربية سهَّلت عمل
ملايين المصريين في الخليج. وليبيا.
العراق. الأردن... بالإضافة إلى دور
عسكري، كقائد لسلاح الجو خلال الحرب. لا أدافع عن الأخطاء، لأشيد بالإنجازات.
إنما أقول إن مبارك ليس صدام. ولا
القذافي. ولا حتى السادات. حماية رئيس
سابق، بسنِّه ومكانته، هي حماية
للتقليد العربي في العفو والتسامح عند
المقدرة. كان مبارك أبا. وأخا. وراعيا لكل أعضاء
المجلس العسكري. كانت الحكمة المتعقلة
التي أظهرها المجلس منذ الانتفاضة،
تقضي بتأجيل قضية مبارك ليتعامل معها
رئيس جديد. ونظام جديد. تماما، كما سمح
النظام الأميركي للرئيس جيرالد فورد
بالعفو عن سلفه نيكسون بعد استقالته.
وكما حِيلَ دون محاكمة الرئيس
كلينتون، بعد فضيحة جنسية مدوية. بل ها
هو الرئيس أوباما يرفض جر سلفه بوش إلى
المحاكم، بتهمة توريط أميركا في حربين
عبثيتين. العسكرة المصرية للنظام وللانتفاضة لها
استثناءات عربية. عسكر القذافي
الانتفاضة الليبية السلمية،
بمواجهتها بالسلاح. العسكرة القذافية
أدت إلى عسكرة دولية: تدخل أميركا.
أوروبا. حلف الناتو... لحماية الانتفاضة
جوا. وبرا. وبحرا. إنزال النظام السوري لجيشه ضد الانتفاضة
الشعبية اقتداء خاطئ بالقذافي. عسكرة
الانتفاضة بحصارها. تجويعها. قنصها،
ستؤدي إلى حملها السلاح. والاشتباك مع
النظام في حرب طائفية. من حسن حظ الرئيس
بشار أن أميركا وأوروبا مشغولتان عن
خطئه، بالتعامل أولا مع خطأ القذافي.
لعل بشار وقادة الجيش والأمن يجلسون
أمام التلفزيون مع جارهم حسن حزب الله،
ليشاهدوا كيف يتم، بسهولة عبر ضغط
الأزرار، تدمير القواعد الصاروخية
والدفينة ومراكز الاتصال الليبية. كانت عسكرة الانتفاضة في البحرين
محتَّمة، بعد محاولة الشيعة شل
الإدارة. الحكومة، والقطاع المصرفي
والاقتصادي، بمنع العاملين من التوجه
إلى مراكز عملهم. قوات «درع الجزيرة»
التي تدخلت في البحرين لم تتعرض مباشرة
للانتفاضة. اقتصرت عملياتها على حماية
المباني والمؤسسات العامة، لتتولى «قوة
دفاع البحرين» الصغيرة، «عسكرة»
الانتفاضة الطائفية، بتحييد خطرها. كان التحرك السعودي بمثابة تحذير
للمرجعيتين؛ الإيرانية والعراقية، من
مواصلة التدخل التحريضي في البحرين. عروبة هذه الجزيرة خط خليجي وقومي أحمر.
لا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي
السماح بتحويل البحرين إلى «محمية»
إيرانية. إلى لبنان آخر، تماما حيث حول
«حزب الله» هذا البلد العربي الصغير
إلى «محمية» إيرانية مسلحة، وحيث باتت
دولة الطائفة تتحكم بديمقراطية دولة
الطوائف. في اليمن، الرئيس اليمني على خُطى
القذافي. عسكر علي عبد الله صالح
الانتفاضة. قاومها بالسلاح. بالقنص.
بالمناورة السياسية. فقسم الجيش. معه
الحرس الجمهوري والقوات الخاصة
المدربة جيدا. ضده الشمال. والوسط.
والجنوب. والألوية التي قاتلت
الحوثيين. يبقى خوفي على الفلسطينيين. لعلهم تعلموا
الدرس والعبرة من التدخل في الأردن.
لبنان. العراق، كي لا يمارسوا الاصطفاف
والعسكرة وراء النظام في سورية ضد
الانتفاضة. خوفي من عسكرة سنة لبنان،
كي لا تحرق أصابعها بالتدخل، إظهارا
لحسن النية تجاه سنة سورية. ========================= الشرق الاوسط 19-4-2011 في لبنان، بالنسبة لحزب الله وكل القوى
والشخصيات الموالية للنظام الحاكم في
دمشق، فإن ما يجري هذه الأيام من
تحركات شعبية احتجاجية ليس إلا مؤامرة
ضد «سورية الأسد» ودمشق الممانعة، وكل
صرخات أهالي درعا وهبات الساحل السوري
في اللاذقية وبانياس وطرطوس والشرق
السوري في القامشلي وبلاد الجزيرة
الفراتية، بل حتى في إحدى أعرق الحواضر
في بلاد الشام، حمص، كل هذه الهبات لدى
أتباع وحلفاء سورية في إيران ليست إلا
مؤامرة «صهيوأميركية» ضد نظام الرئيس
المقاوم بشار الأسد. قال هذا الكلام هذه الأيام كثيرون في
لبنان، منهم طلال أرسلان، الحليف
الدرزي اللبناني لبشار الأسد، وقاله
وزير حزب الله ونائبه، محمد فنيش،
ويقوله آخرون من هذا الطراز. العجيب أن حلفاء وأتباع سورية في لبنان،
وعلى رأسهم حزب الله، والآن وليد
جنبلاط، كانوا قد حيوا الثورة المصرية
والتونسية والليبية، وكالوا لها
عبارات المديح الطهراني، وبلغوا بها
عنان السماء، لأن هذه الشعوب ثارت على
«الطغاة والعملاء» من الحكام، وحينما
وصل الإعصار إلى سورية، غيروا الأقنعة
وبدلوا اللغة، وقذفوا بالقاموس الثوري
الطهراني واستحضروا لغة الاصطفاف
والولاء خلف النظام الحاكم في دمشق،
وكأن الشعب السوري ليس إلا آلات صماء
تكرر ما يقوله الإعلام السوري القديم
أو أتباع سورية في لبنان! نفس هذا التناقض والكيل بمكيالين وقعت
فيه إيران الخمينية، ولذلك سار على
هديها حزبها في لبنان، وتحدث أكثر من
مسؤول إيراني عن أن ما يجري في سورية
ليس ثورة شعوب، بل دسيسة صهيونية -
أميركية... إلى آخر هذه الأسطوانة. وحتى «بعض» الإخوان المسلمين، لم ينسوا
أن ينثروا الشكوك في وجود مؤامرة دولة
تستهدف النظام المقاوم في دمشق، مع
أنهم قالوا إنهم ضد ظلم الشعب السوري
وقهره. كل هذا يعني أمرا واحدا، هو أن كل جهة أو
قوة أو دولة ما، بل حتى كل فرد مجرد،
يحدد موقفه من هذه الثورة أو تلك، من
هذا الحدث أو ذاك، طبقا لمصالحه، ووفقا
لعقائده الخاصة، وهو يحاول دوما تكييف
الحدث مع تحليله الخاص وسوق مجرى
الأمور إلى ساقية مصالحه. صحيح أن هذه
الدول أو تلك القوى أو هؤلاء الأفراد
لن يصرحوا تماما بانحيازهم لمصالحهم
الفجة، بل ربما يتصرف الفرد أو حتى بعض
القوى بشكل مثالي يتوهم، هو، أنه طاهر
الدوافع، ولكنه لو تأمل أكثر سيجد أن
المصالح، بالتعريف الواسع لها، هي
الحافز الأول لتصرفات البشر. هذا الأمر يخص كل البشر، وليس العرب أو
المسلمين فقط، فمثلا، لماذا بادرت
فرنسا دون هوادة، إلى شن الحرب على
نظام القذافي، وتحالفت معها أميركا
وقوات الناتو وبعض الدول العربية،
بدعوى حماية المدنيين الليبيين، ولم
يبادر هذا التحالف «الإنساني» إلى فعل
نفس الشيء لصالح المدنيين السوريين
الذين تتحدث بعض التقارير عن أن
خسائرهم البشرية أكبر من الليبيين،
بحساب النسبة والتناسب وبحساب أن
المحتجين السوريين ليسوا تشكيلات
مقاتلة، مثل الجانب الليبي؟ والسبب واضح، أو هكذا يرى البعض، فليبيا
بها البترول «الحلو» الخفيف، ولديها
أطول شاطئ على المتوسط، ويأتي منها
الجراد الأفريقي البشري المهاجر، وهذه
الشواطئ على مرمى حجر من عرائس البحر
المتوسط في الجنوب الأوروبي. التبرير الإنساني للحروب ليس تبريرا
كاذبا في كل حال، خصوصا لدى الغرب،
بالذات أميركا، ولست ممن يرون أن
الدافع الإنساني والأخلاقي غير مؤثر
في مجرى التاريخ أو اتخاذ القرارات
الكبرى، ولكن غلط ما نراه الآن من
مقاربات تكاد تحصر الدافع العالمي
والدولي في مناجزة القذافي في ليبيا
بالسبب الإنساني، في حين أننا نرى «خجلا»
دوليا واضحا في تناول الأزمة السورية،
وكأن الجميع محرج من اتخاذ نفس الموقف
الحاد هذا. لا يتمنى المرء العاقل طبعا الحرب والفتن
في أي بلد في منطقتنا، بالذات البلدان
العربية، لأنه إذا انتشرت الفوضى في
بلد بجوارك، فحتما ستصل إليك أو يصل
إليك بعض من شواظها وشررها، ولكن من
المهم جدا هنا الإشارة إلى مفارقة
عجيبة هي: إسرائيل نفسها، حسب بعض التقارير، قد
أبدت قلقها البالغ من التطورات
الأخيرة في سورية، على الرغم من أن
السياسة السورية الأسدية، خصوصا في
تحالفها مع إيران كانت مزعجة
لإسرائيل، ولكنه إزعاج يمكن التعايش
معه، فقصارى ما ينال إسرائيل من مجمل
السياسات السورية «المقاومة» لبشار
الأسد، هي الكثير من الخطب والشتائم،
ومن حين لآخر مناوشات لحزب الله، أو
حماس، يتم نفخها دعائيا عبر الآلات
الإعلامية للحزب الإلهي أو الدائرين
في فلكه أو فلك حماس، وكفى الله
المؤمنين القتال، لكن هناك نوعا من
الخطر الداهم الذي من الممكن أن يأتي
من تغيير النظام في دمشق، أن يأتي نظام
عروبي يمثل الأغلبية، على غرار عبد
الناصر في مصر، هنا تصبح الطامة الكبرى
على إسرائيل، ولذلك فهي تفضل بقاء نظام
الأسد في سورية، ليس من باب حب النظام
السوري، بل هي تكرهه، ولكن من باب
التقدير المنفعي للأمور وتحديد درجات
ومستويات الخطورة. من هنا تصبح المفارقة فاقعة في التوافق
العام في الحفاظ على النظام الأسدي بين
طهران وتل أبيب، وأصوات إسرائيل في
الغرب وأصوات إيران في الشرق! مرة أخرى، القصة أبعد ما تكون عن المثالية
الثورية التي صدعنا بها بعض مثقفينا
العرب أو بعض الشباب الثائر، هذه
الأيام، فهناك دوافع مصلحية كبيرة،
للجميع دون استثناء، في خلق ما يحدث،
أو توجيه مساره إذا حدث في اتجاه
المصلحة المباشرة لهذا الطرف أو ذاك. لو جرت ثورة شعبية في إيران الخمينية،
يقوم بها، مثلا، عرب الأحواز أو البلوش
أو الأكراد، أو حتى بعض القوى المدنية
في طهران نفسها، لكان النظام السوري،
وأكيد معه حزب الله أو المتضررون،
سيصمون هذه الثورة الشعبية بالعمالة
أو يتهمون الإعلام بالمبالغة أو
يوجهون أصابع الاتهام، مثل العادة،
إلى أميركا وإسرائيل. الكفوف الإيرانية أو السورية أو
اللبنانية التي صفقت لانهيار نظام
مبارك في مصر أو بن علي في تونس أو
تضعضع سلطة القذافي في ليبيا لم تصفق
لأسباب إنسانية بحتة بل سياسية
وآيديولوجية خالصة. ومثلما فعلوا، فعل غيرهم أيضا تجاه هذه
الثورات، ولكن في الجهة المعاكسة! إذن لا براءة ولا طهارة ولا عفوية في هذه
المواقف، مهما بولغ في نبرة النقاء. المساكين فقط هم من يصدقون الكلام
الظاهر، لذلك كان نصيبنا العربي سخيا
من هذه المسكنة العقلية، لدى من يفترض
أنهم أصحاب العقول! ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |