ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 21/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

سورية... القرار الشجاع!

صالح القلاب

الجريدة

20-4-2011

لم تعد هناك إمكانية بالنسبة إلى الشعب السوري لأن يتراجع بعد أن قطع أكثر من نصف الطريق، وبعد أن أصبحت «الثورة» المتأججة تعم البلاد والعباد، فالشعار غدا ذلك الذي قاله الشاعر الفلسطيني الكبير معين بسيسو, رحمه الله, في إحدى أناشيده الثورية: «أنت إن قُلتها مُتّ... وإن لم تقلها مُت... فَقُلْها ومُتْ»، وحقيقة إن ما يعم سورية فاجأ حتى أهلها فَكَسْرُ جدار الخوف المتبقي منذ مذبحة حماة الشهيرة لم يكن متوقعاً، وإزاحة تمثال حافظ الأسد وإسقاطه في ساحة الساعة, التي غدت ساحة الحرية, في حمص جاءت كإزاحة تمثال صدام حسين من ساحة الفردوس في بغداد... والأيام قادمة وسنرى.

لم يكن من الممكن أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه لو أن بشار الأسد تصرف بحكمة، ولم يرضخ لمجموعة المستفيدين من بطانته الذين نصحوه باستخدام القوة المفرطة منذ اللحظة الأولى، ولم يتم اختراع كذبة التدخل الخارجي والعصابات المسلحة «التي دأبت على إطلاق النيران مرة في اتجاه المتظاهرين ومرة أخرى في اتجاه رجال الأمن ورجال الحزب وشبيبة الثورة»، ولم يتم ترك الأمور لذوي الرؤوس الحامية الذين لا يؤمنون بقدرة هذا الشعب العظيم, الذي هو شعب الثورات والعطاءات وشعب إطلاق الدعوة القومية, على تحدي الضغط والخوف والقمع والانتفاض في وجه القهر والاستبداد والعبودية.

الآن فات القطار وأصبح مستحيلا استعادة لحظة لن تعود, هي لحظة بداية الأحداث في درعا, ولذلك وحتى لا تضيع لحظة سانحة أخرى ويستمر الشوط حتى نهايته، فإن على الرئيس بشار الأسد أن يتدارك الأمور بأقل الخسائر، وأن يستجيب لرغبة شعبه ويجري إصلاحات جذرية سريعة أقلها تغيير كل هيكلية الدولة، وإقصاء هذا الحزب المترهل عن مواقع المسؤولية، وإبعاد كل البطانة التي أكلت لحم البلاد وامتصت دماء العباد، فهذا هو المخرج المتبقي، وهذا هو الذي يجنب سورية العظيمة إما التقسيم أو التحول إلى أفغانستان ثانية، وإما انقلاب عسكري دموي سيكون الثمن المترتب عليه فادحاً جداً.

قبل ثلاثة أيام استدعى وزير الخارجية وليد المعلم السفراء العرب والأجانب ل»يبشرهم» بأن هذا الذي يجري في سورية عصيان مدني مسلح، وهذا لا يمكن فهمه إلا على أنه تبرير مسبق لمذبحة قادمة إن هي وقعت, والواضح حتى الآن أنها ستقع, فإن أقل النتائج سوءاً سيكون التقسيم الذي هو أم الكبائر والذي سيأتي بمنزلة هدية لإسرائيل التي بقيت تعمل على تحويل الوطن العربي إلى مجموعة من الدول الاثنية والمذهبية المتحاربة.

لم يعد هناك بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه إلا أن يخطو بشار الأسد خطوة شجاعة لا يتخذها إلا القادة العظماء، وهي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فحكم تقوم دعائمه على جماجم الناس لا بارك الله فيه من حكم، والحفاظ على سورية وإبعادها عن حرب دموية قد تستمر عشرات الأعوام وعن خيار التقسيم المُلبَّي للرغبات الإسرائيلية هو ما يمكن أن يخلَّد الرئيس السوري كأحد أهم من مرّوا من عظماء على هذا البلد العظيم.

=========================

سورية الستينات: مرحلة العبور إلى السلطة الشمولية

الاربعاء, 20 أبريل 2011

محمد سيد رصاص *

الحياة

ترافق وصول حزب البعث للسلطة في سورية، عبر انقلاب 8 آذار (مارس) 1963، مع تعميقه الإصلاح الزراعي الذي وضعه عبدالناصر لسورية في أيلول (سبتمبر) 1958 (المرسوم 88،23 حزيران/ يونيو 1963) لمصلحة الفلاحين المتوسطين والفقراء، ومع التأميمات (كانون الثاني/ يناير 1965: بلغت رؤوس الأموال الاسمية للمؤسسات الصناعية المؤممة 300 مليون ليرة من الحجم الإجمالي للاستثمارات الصناعية الذي بلغ 550 مليون ليرة سورية عام 1962)، ثم مع احتكاره استيراد البضائع الصناعية والحاجات الاستهلاكية، واحتكاره تصدير القطن والحبوب (مراسيم شباط/ فبراير – أيار/ مايو 1965)، وصولاً إلى تأميم جميع الشركات العاملة في بيع وتصنيع ونقل المنتجات النفطية (آذار 1965)

كان هذا إلغاء ومحواً للوحة اقتصادية – اجتماعية لمصلحة أخرى جديدة، ترافق فيها الاحتكار السياسي للسلطة (الذي تزامن مع قمع عنيف للخصوم السياسيين) مع تحول الدولة إلى رب العمل الرئيسي للمجتمع، ما أوجد توازناً اقتصادياً مختلاً لمصلحة السلطة مع استبداد سياسي بدأ بشمول الاجتماع والثقافة والإعلام بعد الاقتصاد، وهو ما كان ليتم بالدبابة وحدها، بل إن سيطرة الأخيرة كانت تجد دعائمها من خلال الحقائق الاقتصادية الجديدة التي تشكلت عبر «السياسة» لنجد الأخيرة مشكِلة لركائزها الجديدة من خلال ما تولد عنها في «الاقتصاد».

من أول ما أفضت إليه اللوحة السياسية السورية في مرحلة ما بعد 8 آذار 1963، هو اختفاء التيار الليبرالي (الذي كان أساس الحياة السياسية السورية بعد عام 1946 ووجهها، وهو المتركز ضمن المدن الكبرى بين الصناعيين والقوى المالية) عن الساحة بعد أن فقد قاعدته الاجتماعية وركائزه الاقتصادية، فيما أتت المقاومة الأساسية للنظام الجديد من الفئات الوسطى في المدن والتي كانت ناصرية الطابع (حلب – اللاذقية – حمص) بينما كانت اخوانية وحورانية (موالية لأكرم الحوراني) في حماة (حوادث نيسان/ ابريل 1964).

لم يؤد تمتع المقاومة والمعارضة للبعثيين بقاعدة اجتماعية كبيرة (كان حزب الاتحاد الاشتراكي العربي يضم عضوية تفوق ما لدى حزب البعث الحاكم في عام 1968) إلى تزعزع حكم البعث أو سقوطه، على رغم ظروف صراعات الأجنحة (القومي والقطري في شتاء 65 - 66، محاولة انقلاب سليم حاطوم في 8 أيلول 1966) وعلى رغم هزيمة 1967 والأداء الرديء للنظام في الحرب: لا يمكن تفسير ذلك عبر الدبابة وتشرذم الخصوم وفشل محاولاتهم الانقلابية أو كشفها قبل حصولها، بل يجب أيضاً إرجاع ذلك إلى أن ما ولّده حزب البعث من لوحة اقتصادية – اجتماعية جديدة، واختفاء القديمة، قد أدى إلى نشوء توازن اقتصادي - اجتماعي - سياسي ساعد في تكريس بقاء الوضع الناتج عن انقلاب1963، ومنع تجاوزه.

كانت اللوحة الإقليمية عاملاً مساعداً للبعث في ذلك:

1- انشغال جمال عبدالناصر في اليمن وفي الصراع السعودي - المصري.

2- اضطراب حكم عبدالسلام عارف في بغداد المتحالف مع عبدالناصر.

3- أدى الصراع بين القاهرة والرياض - وضعف الحكم العراقي في الستينات - إلى إتاحة مساحة استطاعت من خلالها دمشق تجاوز مرحلة الخمسينات حين كانت ساحة للصراع السعودي - المصري بعد عام 1957 وحتى انقلاب 8 آذار 1963 وقبل ذلك بين عامي 1945 و1958 حين كانت كذلك ميداناً للتجاذب والصراع بين القاهرة وبغداد.

ما يلفت النظر من جديد في اللوحة السياسية لمرحلة ما بعد 8 آذار - 18 تموز 1963 (التاريخ الأخير تمَ فيه إبعاد الناصريين عن الحكم بعد أن شاركوا البعثيين في انقلاب 8 آذار)، ليس فقط اختفاء الأحزاب والساسة القدماء (الشعب - الوطني – خالد العظم – رشاد برمدا... الخ) وإنما أيضاً التسريحات، التي تمت في النصف الأول من عام 1963، لأكثر من نصف ضباط الجيش حيث يلاحظ أن معظمهم من المدن، خصوصاً من دمشق وحلب وحمص (كانت كتلة «الضباط الشوام» أساسية في انقلاب الانفصال عام 1961) لمصلحة بداية هيمنة وسيطرة ضباط أتوا من الأرياف أو من بلدات صغيرة (ريف الساحل - السلمية - السويداء - دير الزور - درعا... الخ).

ربما كان ذلك شكلاً موضوعياً لفشل القوى الحاكمة في سورية 1946 - 1958 في حل (المسألة الزراعية) التي كانت تولتها في انكلترا 1688 وفرنسا 1789 القوى السياسية البورجوازية. وتجلّى هذا الفشل بانزياح القوة من المدينتين الكبيرتين ومن النخبة السياسية القديمة التي طفت إلى السطح بعد 1946 لمصلحة الريف والبلدات الصغيرة (وهو ما نشهد مثيلاً له في المنطقة الممتدة بين الجزائر وطهران في الفترة الفاصلة بين قاهرة عبدالناصر 1952 وطهران الخميني في عام 1979). إلا أن الصراعات في الطاقم الحاكم لما بعد 8 آذار 1963، أخذت أشكالاً واصطفافات ذات طابع مديني – ريفي (الناصريون – البعثيون) ممتزج باختلاط فئوي. فيما برز الشكل الأخير في 23 شباط 1966 وفي (8 أيلول 1966 ضد «كتلة حاطوم»، بينما كان الطابع السياسي بارزاً أكثر في صراعات 1969 - 1970 بين الجناحين: «الحزبي» بقيادة الأمين العام المساعد لحزب البعث اللواء صلاح جديد و «العسكري» بقيادة وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد.

لا يمكن القول إن تلك الصراعات حجبت القوة المرموقة للقاعدة الاجتماعية لحكم ما بعد 8 آذار 1963، والتي تعززت أكثر بفعل التحولات الاقتصادية – الاجتماعية التي أجراها البعث وبفعل مفاعلات اختفاء اللوحة الاقتصادية – الاجتماعية القديمة (عبر الإصلاح الزراعي والتأميمات) وما أدى إليه العامل الأخير من اختلال التوازن الاقتصادي - الاجتماعي لمصلحة قاعدة السلطة السياسية الجديدة، الأمر الذي يمكن أن يفسر صمودها أمام المعارضة المرموقة القوة المتركزة في المدن، والتي لم تستطع أن تنجح في إسقاط النظام، على رغم صراعاته، وتعرضه لهزات كبرى مثلما جرى في حزيران 1967.

هذا التوازن الدقيق بين السلطة ومعارضتها يمكن أن يساعد في تفسير نشوء الاستبداد السياسي للسلطة، واتجاه الأخيرة، كلما زادت أزماتها وضاقت قاعدتها الاجتماعية بحكم الصراعات والتصفيات، إلى زيادة تسلطها بالترافق مع محاولة ضرب الحيز السياسي للمجتمع الذي ظل ناشطاً خارج السلطة: في هذا الإطار يلاحظ اتساع درجة استبداد السلطة السياسي وتناسبه طرداً مع اتساع عملية ضيق وتقلص قاعدتها الاجتماعية، وربما كانت تواريخ (18 تموز 1963) و (23 شباط 1966: إبعاد القيادة القومية للبعث لمصلحة القطريين بقيادة صلاح جديد) و (8 أيلول 1966) و (5 حزيران 1967) تمثل محطات في اتجاه هذا التضييق والتقلص الذي ترافق مع ازدياد المسافات بين السلطة والمجتمع وبالتالي مع ازدياد استبداد الأولى، الأمر الذي ترافق مع ازدياد العزلة العربية للنظام القائم، تجاه عبدالناصر وتجاه حكم البعث «القومي» الذي تسلّم السلطة في بغداد 17 - 30 تموز 1968، ومع تفاقم عزلته الدولية تجاه واشنطن أولاً وموسكو ثانياً بسبب رفضه القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 والداعي إلى «تسوية» الصراع العربي - الإسرائيلي، إلى أن وصل الى الاصطدام بالحائط الدولي بعد أن تجاوز الخطوط الحمر مع تدخله العسكري في أحداث أيلول 1970 في الأردن، فيما يلفت النظر أن رمز نظام (16 تشرين الثاني 1970) - أي الفريق حافظ الأسد - قام على معارضة سياسة نظام (23 شباط) حيال هاتين المسألتين، إضافة إلى محاولته التلويح بسياسة جديدة تجاه الداخل السوري وقواه السياسية والاجتماعية، على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في مشهد سياسي كانت واضحة فيه حالة العزلة الاجتماعية التي عاشها نظام 23 شباط 1966، وهو ما عبرت عنه بوضوح طريقة تعامل غالبية كبرى من المجتمع السوري مع سقوطه في 16 تشرين الثاني 1970.

* كاتب سوري

========================

مدارات - انتفاضة سورية: تغليظ الخارج وترقيق الداخل

الحياة الجديدة

20-4-2011

من أطرف مفارقات الانتفاضة السورية، وهي ما يرُش على الموت سُكّراً، ويثير الشفقة على إخوتنا السوريين النازفين دماً في هذه الاثناء، من أجل حريتهم؛ أن اللحظة التي يُتهم فيها منتفضوهم، بالانتساب الى «خارج» أو الى «أجندة خارجية»؛ هي نفسها لحظة إحساس الثائرين الشجعان، بسلبية الخارج ونكرانه، والاستعاذة بالله منه. فالسوريون يرون كل «خارج» مرجعية وشفيعاً للنظام، في سياقات ثقيلة الظل، على النحو الذي نختصره في النقاط التالية:

? الخارج، الذي يمثله الاحتلال الإسرائيلي للجولان، ومعه العربدة الصهيونية في الجوار العربي؛ كان ولا يزال السبب في مصدر حيل النظام وأخاديعه، وهو الذي يبرر استمرار السلطة في تجويف الداخل، وهو الذي يغطي باحتلاله الغاشم، فعاليات القمع التي تشدد على جعل الداخل السوري، مقتصراً على مهمته الوحيدة الوهمية، وهي النضال والصمود والتصدي، بل وجعل مجتمع هذا البلد «قُطراً» عربياً عليه أن يصبر وان ينتظر، لريثما تنضم سائر الأقطار الشقيقة اليه، ثم تستعيد الأمة أمجادها وتحرر البلاد. ولهذا السبب كانت أشد الصحف الاميركية يمينية وتأييداً لإسرائيل (واشنطن بوست) هي الحريصة على اختراع وثيقة تقول إن المعارضة السورية تلقت دعماً اميركيا، وكان يهمها العنوان في هذه اللحظة، وإن كانت الحيثيات تتعلق بأنفار ساقطين وعملاء»CIA» . فالصهيونيون هم المعنيون بإحراق ورقة الانتفاضة السورية، وتشويهها، لكي لا يُحرز السوريون حريتهم!

? والخارج الذي تمثله القوى المناوئة للإمبريالية، يرى في حاكمي سورية الأقوياء، سندهم الاستراتيجي الذي يستوعب كل المتغيرات الجيوسياسية التي تتهددهم. فهؤلاء، أبدعوا في تسويق أنفسهم، كعينٍ تتحدى المخرز الإسرائيلي، لا سيما عندما أجادوا استثمار الهامش المتاح لهم، لذر الرماد في العيون، فظهروا كحلفاء مقاومة، وأصدقاء ملالي إيرانية وحمساوية. لذا فإن الخارج المنافق الكذوب، ينام على وسادة الاطمئنان بأن هؤلاء الحاكمين الذين يستقوون بتنظيراتهم الممانعة، هم عنصر الاستقرار الحقيقي في المنطقة العربية، على النحو الذي تريده إسرائيل. فسورية لا يؤمَن جانبها إن رحل حاكموها، وفي تقديراتهم، إن حماس في حال غيابهم، لن تكون مهذبة عسكرياً في شمال فلسطين، بخاصة وأن الفضاء السوري الحر، سيكون أوسع من فضاء غزة المقيّد، وحيث الأراضي الشاسعة، لن تضطرها الى حفر الأنفاق. ففي الداخل السوري الذي جوّفته السلطة، يكتفي الجميع بالدور النظري الذي ظاهره التحدي وفحواه الانبطاح مع الاحتفاظ بالحق في القيام واختيار موعده في الزمان والمكان المناسبيْن. وسيتعيّن جبراً على مواطني الداخل السوري، أن يأتوا على أنفسهم على افتراض أن هناك مواجهة، فيتنازلون أمد الدهر، عن التطلع الى ارتفاع معقول في دخل الفرد، وعن المساءلة حول ريع البترول، وعن التنمية والطبابة، وعن رفع مستوى التعليم، ولن يطلبوا الطمأنينة، ولا الأمان حيال سياط الجلاد الممانع، ولا الحقوق السياسية والدستورية، كل ذلك سيظل مطلوباً من الجُزيء الذي يسمونه مواطناً، من أجل أن تظل سورية، ممانعة وشوكة في حلق المستعمر!

? الخارج الذي تمثله النُخب العربية الحاكمة، يرى في الداخل السوري المجوّف، منطقة عسكرية يُمنع الاقتراب منها، مثلما يُمنع التصوير، ولدى هذه النُخب الهشة، المطعون في شرفها السياسي؛ حساسية مفرطة من الاتهام، لا سيما عندما يصدر عن حاكمين صامدين متصدين ممانعين. لذا فإن هذا الخارج جبان ومنافق، ولا يُعوّل عليه!

? أما الخارج الوحيد، الذي يُفترض أن الداخل السوري يمكن أن يُعوّل عليه، طلباً للعون، لكي يصبح داخلاً كأي داخل هانئ في العالم؛ فهو الخارج الجماهيري العربي، الذي للأسف ظل يتوزع على مجموعة دواخل جريحة، وإن لم تكن مجوفة كالداخل السوري، منها ما يلتمس لقمة الخبز، ومنها ما تملأه مشاعر الغيظ لتبديد ثروته بأيدي حكام فاسدين، ومنها ما ينشد الحرية مثل شقيقه الداخل السوري، ومنها دواخل عربية مترفة، راكمت غيظاً في النفوس، كلما رمت الى سورية، في كل موسم، بمصطافين من النمط الفاجر الكريه!

فمن أين، والحالة هذه، سيكون ثمة «خارج» نبيل، تراهن عليه الجماهير السورية البريئة؟! إن النظام الحاكم في دمشق، يتعمد تغليظ الخارج ويحرص في الوقت نفسه على ترقيق الداخل، فيجعله بلا ملامح، ويختزل سماته فلا يسمح لها بحرية اكتساب سمات أخرى غير مرخصة. إن المواطن في تعريفهم، هو شبيه النظام، والجُزيء الميكروسكوبي الذي تتشكل منه ملامح كائن ديناصوري، يُسمى الجماهير المناضلة. فمن هو ذا الذي يتقصى ملامح النملة ويتحرى مشاعرها؟ إنه كمن يعبىء الشمس في الزجاجات، أي «فاضي الشغل» وصاحب الموال. إن هذا الجزيء، الذي يمثله المواطن، يشبه الحاكم، بالأنف والسحنة والبلاغة، اللهم إلا الجزيء العاصي والموتور والمضروب، من السلفيين والمدسوسين والحريريين والاخونجيين، وسواهم من الأنفار!

نقول بالمختصر: حين يترعرع الداخل، ويمتلئ، ويطمئن الى صون إنسانية نفسه، سوف يكبر الخارج الخبيث في نظر السوريين ويستفزهم، فيُنهي الصبر عليه لخمسين سنة وقفاً لإطلاق النار. ففي حال الامتلاء، لن يكون ثمة موضع للدبابات في الأزقة أو في ساحات المدن، ولا موضع ولا موجب للراجمات والقناصة، ولا للقوة العسكرية المدربة. ستبدأ مع الامتلاء، رحلة إياب القطعات والآليات ومخططات النيران وقدراتها، الى الجبهة، وسينام الجنود في مواعيد راحتهم، ملء جفونهم، مطمئنين الى حال عوائلهم، وسيدافع الناس عن المدن القريبة بالأرواح والمُهج، لا بدوائر الانتشار العسكري المتداخلة والمتتابعة، المتحسبة لانفجار الجماهير أو لانقلابات اليائسين. وستكون القوة العسكرية، والعنفوان الشعبي، وصدقية الحكم، مكثفة كلها، على جبهة الجولان!

========================

احذروا المساعدة الأميركية

سلوى زاهر

2011-04-20

الوطن السورية   

لَيْتَ الولايات المتحدة الأميركية تحتفظ بمساعداتها لنفسها ولشعبها وتكفينا شرّ مبادراتها التي جرّبناها في العراق وكان ما كان من خراب استمّر من عام 2003 إلى الوقت الراهن.. لا يزال جرح العراق مفتوحاً، نازفاً بسبب التدخّل الأميركي في العراق بحجة تخليص الشعب من الديكتاتور، فخرج هذا البلد العربي من وضع لا يحسد عليه أيام صدام حسين، إلى وضع مأساوي أيام التدخّل الأميركي. دخل الأميركان العراق فخرّبوه، وخرج نصفهم منه ليزيدوه خراباً، وهاهم اليوم يجدون الفرصة ملائمة للتدّخل في ليبيا..

شكراً أميركا، لا أحد بالتأكيد في ليبيا، أو في الوطن العربي، لا أحد من الشعب، لا أحد من الشرفاء يتقبّل تدخلك أو يطلبه، ليبيا اليوم في أمس الحاجة لمساعدة المجتمع الدولي ولكن ليس على الطريقة الأميركية، ففي كل تاريخها السياسي المعاصر لم تتحرك أميركا لمناصرة شعب مظلوم أو قضيّة عادلة، بل هي دائماً تنساق وفق مصالحها ومخططاتها وتصطاد في الماء العكر، ولو كانت فعلاً مهتمة للقضايا الإنسانية لاستخدمت صلاحياتها الدولية في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني الذي ذاق ويلات الدمار على مدار السنوات الستين السابقة على يد الصهاينة وكل الحكومات التي تعاقبت على إسرائيل منذ بدء الاحتلال لفلسطين.. أميركا تناصر مصالحها فقط بدليل دعمها لبعض الرؤساء العرب الذين ينامون في حضنها ويأتمرون بأمرها ثم تنقلب عليهم لتعلن نفسها مناصرةً للشعوب التي تثور على أولئك الرؤساء.

شكراً أميركا فلا أحد من الثّوار الليبيين يتمنّى وقوفك إلى جانبه، فالثائر الليبي اليوم الذي كشف زعيمه وانتفض عليه لن يقبلك بديلاً يضع تقسيم ليبيا هدفاً أولاً ومكشوفاً مهما حاول التواري خلف الستار الإنساني. وها هو الشعب المصري قدّم دليلاً ناصعاً على قدرة الشعب على التغيير من دون تدخل أجنبي.

إعلان أميركا استعدادها للمساعدة نذير شُؤْم ولا بد أن يحذره الشعب الليبي حفاظاً على بلده وعلى عروبته وعلى وحدته.

========================

إرادة الإصلاح والتغيير

البعث

20-4-2011

ينهض الآن في سورية بقوة وسرعة المشروع الوطني الديمقراطي للإصلاح والتغيير بوعي تام لمقتضيات الظروف التي تعيشها البلاد، وبالتزام مسؤول عن مصالح الشعب وحقوق الأمة.

ونهوض هذا المشروع ليس انعكاساً مباشراً للأحداث الراهنة كما يُظن، بل هو في صلب توجهات القيادة السياسية منذ زمن، وقد حالت أمور معروفة فيما مضى دون تحقيقه في الزمن المنشود لأن مسار الإصلاح والتغيير غالباً ما يدخل في عملية معقدة تتداخل فيها عدة عوامل داخلية وخارجية.

فقد نعمت البلاد بمرحلة متميزة من الاستقرار الإيجابي تحقّقت خلالها منجزات هامة لكافة فئات الشعب جرّاء عدد من التحولات الهادئة التي مكّنت أبناء العمال والفلاحين والطبقة الوسطى.. وغيرها من التحصيل المعرفي والمهني والأكاديمي والإسهام في ريادة عملية التحول، وتقدّم دور المنظمات والنقابات والأحزاب.. في توسيع دائرة المشاركة في صنع القرار، وفي صياغة التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتم ذلك على أساس الوحدة الوطنية التي أسهمت في أن تأخذ سورية دورها ووزنها الوطني والعربي والإقليمي المتميز.

وفي واقع عربي راهن سِمته الأهم اللا استقرار والتغيير والتحول والغموض في بعض الجوانب، تظهر سورية اليوم بقيادة الرئيس الأسد قادرة بقوة ووعي على قيادة عملية التحوّل، وإعادة تشكيل البنى السياسية والحزبية والإدارية والقانونية، وفق رؤية واضحة بأبعادها الوطنية، والديمقراطية، والإصلاحية، بل هي الأقدر في فترة التغيير الواضح والطارئ في بنية النظام الرسمي العربي الذي يمرّ بعضه في طور التشكيل الجديد، هذا الطور الذي سينعكس أثره أيضاً في بنية المجتمعات العربية.

إننا اليوم أمام مشروع وطني حقيقي ينسجم مع التحولات الإيجابية في الواقع، وهو مشروع عروبي في الوقت نفسه، تتطابق فيه خدمة مصالح الشعب مع قضايا الأمة. لأننا بالمقابل أمام مشروع صهيوني ثابت يعاند حركة التاريخ، وتستمر فيه سياسة الاحتلال والاستيطان والعدوان، يعيش في مرحلة ثبات جيوسياسي منقطع عن التحولات. ومع ثبات هذا المشروع واستمرار مخاطره يجب أن ننظر جميعاً الى أهمية توافر مقومات المعركة الحقيقية، وألّا نتساهل مع أي مخطط يوهن عزيمة الشعب، ويضعف مقدرات البلاد ومؤسساتها، ويعبث بأرواح المواطنين، ويحطّم الممتلكات العامة والخاصة، ويصدّع اللحمة الوطنية، لأن مثل هذه المخططات والأعمال لا تخدم، ولا تصدر إلّا عن الحاقدين على الشعب والأمة.

وكما هو واضح الآن فإن البلاد مقبلة على متغيرات إيجابية تطال الحياة العامة بكافة مناحيها، من خلال حوار هادف اضطلع بمهامه حتى السيد الرئيس عبر سلسلة لقاءات مباشرة مع فعاليات شعبية وسياسية ودينية ومناطقية.. وهو حوار ذو طابع وطني ديمقراطي يقبل الاختلاف، والرأي والرأي الآخر، ويتيح للجميع فرصة التعبير عن الرأي والهدف، منطلق من تهيئة مناخ الحرية والسلم الأهلي والأمن الاجتماعي، ستتبدّد معه مظاهر السطو على آمال الشعب، وترويع الآمنين ونوايا تعطيل الحياة العامة في البلاد، بقوة الشعب والدولة والمنظمات والنقابات، وسائر فعاليات المجتمع الأهلي.

فقد كثرت الكتابات مؤخراً حول الثورات والفتنة، والواقع يبرهن أن ما قامت به عصابات الفوضى والإجرام يهدف الى اختطاف إرادة الشعب ومصالحه، كما يهدف الى عرقلة مشروع الإصلاح والتغيير، وإلى إحباط أي مشروع سلمي وطني يطوّر العلاقة بين الدولة والمجتمع، فصار واضحاً أن أحداث الشغب والعبث والإجرام صدى للأبواق، وللاستهداف الخارجي الحاضر في وسائل الإعلام المستحدثة، تلك الوسائل التي تتمسك برسالتها الهدّامة ومنطقها التحريضي العفن بشكل تقليدي، في وقت يمضي فيه الإصلاح والتغيير في سورية.

========================

موجبات بقاء النظام

تاريخ النشر: الأربعاء 20 أبريل 2011

عبد الوهاب بدرخان

الاتحاد

تتفق التقديرات على أن النظام السوري باق، كما تلتقي على التساؤل: كيف يبقى؟ ثم تحاول الإجابة. وأول ما تحذر منه أن يواصل النظام نمط السلوك الذي أغرق نفسه فيه، أي تغليب الأمن على السياسة. فهو جرّب الأمن طوال نحو خمسين عاماً، ليفاجأ بعدها بأن الأمن لم يغسل أدمغة مواطنيه، وأن وعيهم ظل سالماً معافىً.

للأسبوع الخامس على التوالي واصلت خريطة الاحتجاجات توسعها، ما يعني أن منطق المطالبة بالإصلاح بات السيرة المفتوحة في البلد. ومن الطبيعي في هذه الحال أن تتسلط الأضواء على المجتمع ومكوناته. لأن مصاعد الاحتجاج تستدعي محاولة الفهم، داخلياً وخارجياً. ذاك أن سوريا ليست بلداً عادياً، لا في البعد العربي البحت ولا في البعد الجيواستراتيجي، وبالتالي فاحتمال التغيير فيها يثير الترقب ويشعل بورصة التوقعات.

معروف عن هذا النظام أنه ماهر في لعب الأوراق الإقليمية، باعتبارها وسيلته الوحيدة لمواجهة اختلال النظام العربي الرسمي ومتغيرات الصراع العربي الإسرائيلي فضلاً عن تداعيات احتلال العراق. فسوريا لم تشأ ركوب "قطار السلام" على الطريقتين المصرية والأردنية، فتركت وحيدة بمواجهة الانقلاب الإسرائيلي على "عملية السلام". وبديهي أن البراعة في لعبة تلك الأوراق تمت وتتم بثمن داخلي باهظ، وبمجازفات إقليمية خسرت في سبيلها الكثير من المصالح.

وينظر إلى سوريا كعنصر توازن واستقرار، بمقدار ما تعتبر مصدراً للمخاطر في محيطها. فجبهتها مع إسرائيل هادئة منذ 38 عاماً، فيما يصعب إخماد الحرائق في لبنان والعراق وفلسطين. وهي في حال حرب معلنة مع إسرائيل، لكن حروبها تخاض على جبهات غير مباشرة. لذلك فموجبات التغيير ومتطلباته تستدرج حسابات معقدة ومتناقضة. إذ ترتسم مفارقة لافتة قوامها أن النظام يعزو التحولات الداخلية إلى "مؤامرات" خارجية، لكن المرشحين المفترضين للتآمر يبدون الأكثر حرصاً على بقاء النظام، لسبب واضح هو أن بديله المفترض يثير القلق، إسلامياً كان أم "مجهولا".

في بعض ردود الفعل الرسمية الأولى قيل إن كل ما يطالب به المحتجون، سبق أن نوقش واتخذت توصيات بشأنه. لكن نقطة الضعف في هذه التأكيدات قولها إن النقاش والتوصيات حصلا في إطار مؤتمرات الحزب الأوحد، أي حزب "البعث" الحاكم. واستطراداً فإن التباطؤ والتلكؤ والإهمال يُسأل عنها الحزب وليس البرلمان أو الحكومة، ولا أحد يسائل الحزب إلا الحزب نفسه! غير أن الرسالة القوية التي أطلقتها الاحتجاجات تثبت أن هذا الحزب في وادٍ والمجتمع في وادٍ آخر، كما ظهر الحزبان الحاكمان سابقاً في تونس ومصر و"اللجان الشعبية" في ليبيا.

تحاول المصادر الحكومية تأكيد أن ثمة أزمة إصلاحات في طريقها للتحقق. لكن الصورة لا تبدو واضحة، ما يعزز الشكوك بأن الجدل داخل أروقة النظام لم يحسم بعد.

لكن لابد من الاعتراف بوجود تعددية سياسية وبوجوب أخذها في الاعتبار لدى صياغة الإصلاحات. فقبل أيام أطال الرئيس الجزائري على شعبه ببرنامج لتجنب أي انتفاضة يراوح بين مراجعة الدستور وحرية الإعلام. وقبله خرج العاهل المغربي بمبادرة جريئة لورشة إصلاحية عميقة بات حكمه موضوعاً على محكها.

لم يعد خافياً أن رفع اليد عن الحريات يعني تغيير الثقافة الفوقية للأمن بمفاهيمه وتطبيقاته ووظائفه. ولعل الاعتماد على الأمن في سوريا أدى إلى توريط النظام أكثر مما ساعده، ثم أنه اضطر في بعض الحالات للجوء إلى الجيش الذي يتمتع باحترام ومصداقية. لكن بات على النظام أن يبادر سياسياً، وهذا ما يدعو إليه ويتوقعه أصدقاؤه والآخرون من غير الأصدقاء الذين يتمنون ألا يحرجهم، فلا أحد منهم يدعو لإسقاطه أو رحيله، لكن بقاءه صار يستوجب قوة السياسة وشجاعتها، وليس فظاظة الأمن.

=========================

الثورة السورية الكبرى الثانية

مها بدر الدين

الرأي العام

20-4-2011

انطلقت الثورة السورية الكبرى (الأولى) ضد الاحتلال الفرنسي في عام 1925، من جبل العرب في جنوب سورية بقيادة المناضل سلطان باشا الأطرش، وتوسعت في بقية المدن السورية لينضم إليها المجاهدون في دمشق ودرعا وحمص وحماة وحلب وطرطوس واللاذقية ودير الزور والرقة في انتفاضة باسلة زعزعت كيان الاحتلال الفرنسي آنذاك وكبدته خسائر مادية وبشرية كبيرة وأقنعته بأن الشعب السوري لن يخضع حتى تحقيق مطالبه بتأسيس حكومة سورية وطنية، وبالفعل لم تهدأ البلاد حتى تمت الانتخابات البرلمانية السورية المستقلة في الثلاثينات وتشكلت الحكومة السورية الوطنية.

وأُذكر هنا ببيان الثورة السورية الكبرى، لعله يفيدنا الذكرى فننهل من حكمة الماضي ما يعيننا على رسم الحاضر، ونأخذ العبر من الأولين لصياغة المستقبل المقبل، فمما جاء في ذلك البيان التاريخي «يا أحفاد العرب الأمجاد... هذا يوم ينفع المجاهدون جهادهم... والعاملون في سبيل الحرية والاستقلال عملهم... هذا يوم انتباه الأمم والشعوب، فلننهض من رقادنا...».

«أيها السوريون: لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى»

«أيها العرب السوريون، تذكروا أجدادكم، وتاريخكم، وشهداءكم، وشرفكم القومي، تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وان إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الأمم المتحدة الناهضة لا تنالها يد البغي...».

ما أشبه اليوم بالأمس، وكأنه قد كتب على الجنوب السوري أن يكون منبعاً للثورات الكبرى التي يبذل فيها الشعب السوري الغالي والرخيص لينال حريته ويفوز بكرامته ويحمي عزته، فمن درعا الأصيلة انطلقت شرارة الثورة السورية الكبرى الثانية، التي لم تكن على احتلال أجنبي أو استعمار غربي، بل على نظام سياسي طال عمره كثيراً حتى وصل إلى رمقه الأخير، وهَرَمَ سياسياً واقتصادياً ولم يعد له فسحة من الوقت تسمح له بالنهوض ثانية على أكتاف شعبه الذي لا يريد أن يهرُمَ أولاده وهم في المهد.

هذا النظام السياسي الذي احتل عقولنا لعقود عدة فمجد مبادئ حزبه الأوحد وجعله قائداً للدولة والمجتمع، وفرض على المجتمع السوري بصغيره وكبيره، بذكوره وإناثه، بمثقفيه وبسطائه، بأكاديمييه وبعماله، بمتدينيه وليبرالييه، بمتحضريه ومتخلفيه، بمفكريه ومن لا يريد التفكير، أن ينصهر شاء أم أبى في بوتقة هذا الحزب وإلا فإنه من الخائنين، والمدلسين، والمندسين، والمتآمرين، والمتخابرين مع الخارج.

كما احتل ضمائرنا وحولنا إلى نائمي ضمير من الدرجة الأولى، ندفع الرشاوى لكل قادر على الأذى، ونكتب التقارير بأقرب المقربين إذا اشتكى، ونشمت بالجار المعتقل لأنه برأيه تمادى، ونهلل لكل أفاق ما خجل من نفاقه وما استحى، ونصفق لكل عضو فاعل في الحزب يزأر في المؤتمرات القطرية وكأننا القطى، ونسمح لسارقينا بسرقة قوتنا بحجة أنه لا حول لنا ولا قوة.

لكن مهما طال الاحتلال فمصيره للزوال، لأن العقول تنضج ولابد أن تؤتي ثمارها، والضمائر تقوم من غفوتها فتصبح أكثر صحوة، والرغبة في نفض غبار الزمن الرديء تتكاثر في رحم الظلم والفساد لتولد الثورة، وقد ولدت الثورة السورية الكبرى الثانية لتكسر أغلال الفساد السياسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي الذي يحيط بنا كشبكة العنكبوت، ولتعيد إلى السوريين حريتهم المسلوبة ومجدهم المكلوم وهويتهم التي ضاعت بين الملفات الخارجية الكثيرة التي تفتحها الحكومة هنا وهناك وتعطيها الأولوية على حساب الإصلاح الداخلي الذي (كما يزعمون) توجد مسوداته منذ أعوام طويلة في أدراج مذبح الشعب السوري المسمى زوراً وبهتاناً بمجلس الشعب، بحجة كل شيء خارجي ابتداء من الأطراف الخارجية مروراً بالمؤامرات الخارجية وانتهاء بالتخابر من الخارج.

واليوم إذ يطالب الشعب السوري بحقوقه المشروعة بهذا الزخم السلمي الذي لم تعرفه البلاد منذ أربعين عاماً، إنما هو مؤشر يدل بشكل صريح على وجود رغبة شعبية قوية في تنفيذ مشروع إصلاحي شامل لم يعد بالإمكان تأجيله أو التباطؤ في تنفيذه، والذي لو نفذ بسلمية وتحضر وبشفافية ونية صادقة فانه سيصب في مصلحة النظام الحاكم أولاً لأنه سيرتقي به ويحوله من نظام مستبد قمعي إلى نظام ديموقراطي حر، لكن قصر النظر الذي تعاني منه معظم المؤسسات الحكومية وأولها المؤسسة الأمنية تأب إلا أن تدفع السوريون إلى خط اللا رجعة واللا هدنة، وتؤكد على عدم قدرة النظام القائم على استيعاب نظرية التطور الطبيعي لإرادة الشعب والمتغيرات التي تطرأ على متطلبات المجتمع المدني، وهو ما يصَعّب مهمة الانتقال إلى المرحلة التاريخية الحتمية المقبلة على الشعب وعلى النظام نفسه.

إن ما يحدث على أرض سورية اليوم من انتهاكات أمنية للمواطن السوري واعتقالات عشوائية للشباب، واستخدام الرصاص الحي لقتل أطفالنا وأحلامنا بمستقبل أكثر إشراقاً، هو دليل على تمسك النظام الأمني وأجهزته الكثيرة باللغة الدموية الوحيدة التي يتقنها، ويؤكد أن طريق الحوار معه مسدود بحاجز شيد على دماء الشهداء، وهو ما يدفع بالثورة أن تتوسع وتنتشر ويصعب السيطرة عليها، أو تهدئتها، فمثل الشعب السوري اليوم كمثل قطعة الإسفنج التي يمكن أن تمتص مياه البحر كله لكن عندما تتشبع يصعب عليها امتصاص قطرة مطر واحدة.

كاتبة سورية

========================

محاولة لفهم «الخجل» الأميركي في دعم الاحتجاجات السورية

زين الشامي

الرأي العام

20-4-2011

شهد الموقف الأميركي من الانتفاضة الشعبية في مصر تطورات مفاجئة تواكب تسارع الأحداث التي حصلت حين خرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس المصري حسني مبارك.

في البداية تراوح الموقف الأميركي بين الحذر الشديد والغموض ومنذ الأيام الاولى ركزت التعليقات الرسمية الأميركية على الدعوة إلى ضبط النفس وعدم استعمال العنف بعد أن بدأت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن. من الأمثلة على ذلك ان الرئيس الأميركي باراك أوباما وحين ألقى أمام الكونغرس خطاب حالة الاتحاد لم يشر فيه إلى احتجاجات مصر، لكنه تطرق للثورة التي أطاحت بالرئيس التونسي وقال إن الولايات المتحدة «تدعم التطلعات الديموقراطية لكل الشعوب». وفي اليوم الرابع لبدء الاحتجاجات أجرى أوباما اتصالاً هاتفياً بمبارك لمدة نصف ساعة، وقال أوباما إنه طلب من مبارك إجراء إصلاحات شاملة وأن يقدم على خطوات ملموسة وأفعال يفي من خلالها بوعوده التي قطعها في الخطاب.

في اليوم الخامس عقد أوباما اجتماعاً عاجلاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لتقييم رد النظام المصري على الاحتجاجات الغاضبة، وفي اليوم السادس دعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى ما سمته «تحولاً منظماً» وفي اليوم السابع بعث أوباما ممثلاً عنه الديبلوماسي الأميركي السابق فرانك ويسنر إلى مصر ليبلغ مبارك رسالة مفادها أن عليه الإعداد لانتقال تدريجي للسلطة.

ولكن تسارع الاحداث فى الثورة المصرية كان يسبق الجميع، الأمر الذى حدا بواشنطن إلى محاولة تأمين انتقال آمن ومنظم للسلطة من مبارك لنائبه عمر سليمان. أما الموقف الاوضح فقد أتى بعد إعلان أوباما أنه يأمل في انتقال فوري للسلطة بعد «موقعة الجمل» و»أن الانتقال المنظم للسلطة يجب أن يكون ذا هدف وسلمياً ويبدأ الآن». منذ تلك اللحظة عرف العالم ان واشنطن حسمت خياراتها وقررت التخلي عن حليفها. أما في الحالة السورية فقد بدا الموقف الأميركي حيادياً لدرجة بات الكثير من المراقبين يعتقدون ان الولايات المتحدة لا تدعم ولا تؤيد حركة الاحتجاجات في سورية بخلاف موقفها من مصر. فبعد مرور نحو أربعة أسابيع على بدء الاحجاجات ومقتل المئات من المحتجين على أيدي القوات السورية، ظهر بيان يتيم للرئيس اوباما يندد فيه بقتل المدنيين وقمع المحتجين.

عدا عن ذلك، ورغم ازدياد رقعة الاحتجاجات لتشمل مناطق سورية كثيرة ورغم ازدياد حجم المنخرطين من السوريين في حركة الاحتجاجات هذه، ورغم طبيعتها السلمية، لم يسمع السوريون من الولايات المتحدة سوى الصمت!

ليس الولايات المتحدة وحدها، كان هناك حالة من شبه الصمت في الدول الغربية، ما خلا بيانات وتصريحات من هنا وهناك، تصريحات خجولة، لا تتناسب مع حجم ما يجري على الأرض وما يتوخاه الشبان الذين خرجوا إلى الشوارع إيماناً بالحرية ومبادئ الديموقراطية.

ما يثير الريبة هو أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز زار الولايات المتحدة بعد ثلاثة أسابيع من بدء الاحتجاجات في سورية، في تلك الاثناء سرت تكهنات ومخاوف من أن إسرائيل دخلت على الخط في محاولة لاقناع الولايات المتحدة بعدم دعم الاحتجاجات، لأنه ليس من مصلحة إسرائيل خسارة النظام السوري الذي احترم جيداً اتفاق الهدنة الموقع بين البلدين وحافظ على هدوء اسطوري على جبهة الجولان منذ عام 1974 وحتى اليوم.

ليس غريباً أن يكون الموقف الإسرائيلي داعماً للنظام في دمشق رغم العداء الظاهر فيما بينهما، فإسرائيل في النتيجة لا تحتاج دولة ديموقراطية على حدودها الشمالية تغير فيما لوسقط النظام السوري وجه الشرق الأوسط كله. إن كل ما تحتاجه إسرائيل حولها هو دول قمعية واستبدادية واستقرار امني على حدودها. ولطالما أن الاعتبار الأول للولايات المتحدة في سياساتها الشرق أوسطية، هو المصلحة والأمن الاسرائيليين، فربما تخنق «الثورة» السورية بالصمت وإدارة القوى الغربية والديموقراطية لما يجري هناك. ليس في سورية وحدها، بل في أماكن أخرى من الوطن العربي.

========================

عن "الخوف من الإسلام"()

المستقبل - الاربعاء 20 نيسان 2011

العدد 3975 - رأي و فكر - صفحة 19

طارق متري

يُقال أحياناً أن مصطلح "الخوف من الإسلام" في عالم الغرب المتنوع أو "رهاب الإسلام"، كما تقترح ترجمة أخرى للIslamophobia، والذي لم يكن مستخدماً إلا نادراً قبل 2001، عبارة جديدة تتحدث عن ظاهرة قديمة. لعلنا بالأحرى أمام ظاهرة جديدة على غير صعيد.

 I

لا يعني هذا القول، بطبيعة الحال، تجاهل الجذور التاريخية لأنوع العداء للإسلام والمسلمين المعروفة، منذ غزوات الفرنجة، أو الحملات الصليبية، الى إخراج المسلمين في إسبانيا، فالتوغل العثماني الى قلب أوروبا، وصولاً الى مرحلتي الاستعمار المباشر والسيطرة الغربية المتعددة الأنماط والمتفاوتة التأثير. بل إن القول بجدة الظاهرة يحاذر المبالغة في اعتبار الذاكرة التاريخية محركها الأول. لكن الواقعين في حبائل الغلو ليسوا قلة. وهم يجنحون الى مقاربة جوهرية وثقافوية، كالتي تتحدث عن "جذور غيظ الإسلام"، حسب عنوان مقالة شهيرة لبرنارد لويس نُشرت أولاً في (Atlantic Montly) عام 1990. وتسهم نظرتهم هذه في تعميق الحذر من المسلمين وتسويغ الخوف منهم بحجة رد سلوكهم الحالي، الفعلي أو المزعوم، الى كراهية إسلامية للغرب قديمة. وتفسر هذه النظرة العداوات بالثنائيات في فهم العالم وتستدعي ثنائيات نظيرة لها، فالمسلمون الذين يقعون في المنزلق المقابل والمماثل ليسوا بدورهم قلة. ويرى الطرفان المغاليان والثنائيان الكثير من الأحداث والأوضاع بصورة الصراع بين الخير والشر، بين النور والظلمة، والسلام والحرب، والمادية والروحانية، والعقل والقلب.

لا يذكر أحد تأثير ذاكرتنا التاريخية على مشاعرنا ومواقفنا، لا سيما إذا كنا من الذين يسحبون "المستقبل من الذكرى" كما يقول المستعرب جاك بيرك. غير أنها لا تستطيع بقوتها وحدها أن تنتج كراهية أو سياسة كراهية. ويصح ذلك أكثر في مجتمعات لا يشغلها الماضي عن المستقبل ولا تطغى فيها أسئلة الهوية على التبصر في الاتجاهات والاحتمالات الجديدة والمتسارعة. ويظهر لنا في بلدان كثيرة تتسم بالتنوع الديني والثقافي، في جنوب العالم وخصوصاً في شماله، أن ما يسمى أحقاداً موروثة لا يتسبب بالحروب والنزاعات والتوترات. على العكس من ذلك، تؤدي الحروب والنزاعات والتوترات، على اختلاف أسبابها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، الى اختراع العداوات المدعوة موروثة. ولا تفوت أي دارس جاد الملاحظة أن ما يقوله المتطرفون والمهووسون عن الإسلام والمسلمين لم يتذكروه مما تعلموه من آبائهم وأجدادهم أو تلقنوه في مدارسهم بل هو بمثابة لغة جديدة مركبة تكشف عن أزمات الحاضر أكثر مما تستعيد الماضي. وهي، حين تستعين بالتاريخ، تتدبر أمرها معه من دون اهتمام كبير بسعة معرفته ودقتها.

وبالإضافة الى كل ذلك، فإن التعامل مع ظاهرة "الخوف من الإسلام" بوصفها مجموعة ظواهر متقاربة وجديدة، ذات مكونات نابعة من المصالح والرؤى السياسية ومن تطور الأوضاع الاجتماعية، يفتح الباب أمام مناقشتها والعمل على رسم سياسات تسهم في وضع حد لها. أما النظرة اليها لا كحالات محلية أو وطنية متشابهة بل كظاهرة كونية، تضرب جذورها عميقاً في التاريخ فتكون صراعات الحاضر مجرد استئناف لحروب الماضي، فلا تتيح البحث في المعالجات. وتكاد تتجاهل أن الرهاب كسائر الأمراض قابل للمعالجة والشفاء في بعض الحالات. كما تجعل تلك النظرة التصدي لحملات العداء للإسلام والمسلمين، في الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية، مهمة تصل صعوبتها الى حدود الاستحالة. ولا أكتفي ها هنا بصعوبة ذلك التصدي لظواهر العداء من قبل فئة من العرب ولدى المسلمين والغربيين الذين يقلقهم الخوف من الإسلام ومحاربي التمييز ضد المنتمين إليه. لكني أشير أيضاً الى الذين يجعلون منها قدراً محتوماً، ليبرروا عدم اعتراضهم عليها فينسبون الى غيظ الإسلام، لا الى غيظهم هم، استحالة وضع الشكاوى في نصابها بسبب من ميل راسخ الى جعل كل خلاف مشكلة وكل مشكلة عصية على الحل.

 II

لا يخفي دارسو مسألة الخوف من الإسلام الرصينون تفضيلهم تناولها في سياقها الزمني والمحلي مما يحول، في معظم الأحيان، دون اقتراح تحديد لها صالح لكل البلدان والظروف. ويستخدم مصطلح "رهاب الإسلام" للدلالة على معانٍ متعددة. غير أن بعضها يتكرر أكثر من سواه، مثل اعتبار المسلمين كلاً متجانساً يتسم بالمغايرة الشاملة مع الغرب، في الدين والسياسة والعلاقة بينهما، وفي القيم الأخلاقية الفردية والاجتماعية، وبالنزوع الى العنف بكل أشكاله، بما فيها الإرهاب، وتسويغه. على هذا النحو، يبدو الخوف من الإسلام خوفاً من المغايرة وخوفاً من العنف. ويظهر في بعض الحالات الأوروبية بصورة الخوف مما يحسبونه محاولات مدبّرة وحثيثة لأسلمة القارة. وينفي الكثيرون، بشفاههم على الأقل، أن يكونوا من كارهي الإسلام ويميزون بين العداء لهذا الدين ورفضهم انتشار أنماط عيش غريبة عن مجتمعاتهم. إلا أن هذا التمييز، اذا أقيم حقاً، ليس جدياً بل هو في حقيقة الأمر متعذر. ففي أغلب الحالات تجمع الممارسات التي يحركها "الخوف من الإسلام" بين العنصرية ضد المسلمين والنفور القوي من الدين الإسلامي، أكان ذا أصل ديني قديم أو من منبع عقائدي محدث أو متصل بموقف من الدين عموماً ومن حضوره في الفضاء العام بوجه خاص. ويتغذى من تهويل، سياسي وإعلامي، بمخاطر التهديد الإسلامي.

صحيح أن للجمع بين المشاعر المثارة ضد الإسلام والعنصرية ضد الأجانب، وأولهم المسلمون والعرب، قصة بل قصصاً في أوروبا. لكنها ليست قصصاً قديمة. فلعقود ثلاثة خلت، كان أولئك الأجانب عمالاً مهاجرين من جنسيات مختلفة، أي أن صورتهم شكلتها هوياتهم الاجتماعية والوطنية. لم تكن المغايرة الدينية مصدر القلق، ولم يكن عظيماً، ولا اضطراب العلاقات دافعاً لخشية مستمرة، ذلك أنه ظل موسمياً تشعله حادثة وسرعان ما ينطفئ. بيد أن ذلك لا يلغي التأثير التراكمي لتلك الحوادث، خصوصاً وأن اليمين الأقصى غالباً ما سعى الى استثمارها. أما اليوم فبات التشديد على المغايرة الدينية والثقافية طاغياً وصارت تلك المغايرة بمثابة الوعاء الذي يستوعب كل المغايرات، يقلل من شأنها من دون أن يبطل تأثيراتها.

واليوم بلغ هذا التشديد مبلغاً كبيراً وترافق عند البعض مع نوع من القطيعة الفكرية والنفسية التي تصل الى حد نكران ظاهرة "الخوف من الإسلام" برمتها. وفي حالة الإحجام عن الإنكار، بحسب حديث المسلمين عن العداء لهم بوصفهم مسلمين مظهراً من مظاهر سوء التفاهم الثقافي أو توهماً يجري تعميمه لأغراض سياسية. فهناك من كتب أن الشكوى من رهاب الإسلام هي في حقيقة الأمر أداة يتوسلها الإسلاميون كي يتهموا بالعنصرية كل من يعترض على سلوكهم، وأنها تهدف الى حماية الإسلام من النقد الذي لا يستثني الدين في المجتمعات المعلمنة.

بالمقابل، لم تعرف الولايات المتحدة، وبخاصة منذ الستينات من القرن الماضي بعد إلغاء التمييز بين المهاجرين بحسب الجنسيات وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين، التشديد نفسه على المغايرة الدينية. كان المهاجرون المسلمون يواجهون مشكلات التكيف وبعض العنصرية، لكنها لم تحل دون تأمركهم، وإن أبطأته قياساً مع تجربة مهاجرين آخرين من دول آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية. إلا أن جريمة الحادي عشر من سبتمبر 2001 وردود الفعل التي تلتها فتحت الباب أمام "خوف من الإسلام" لم يُعرف له مثيل من ذي قبل، لا في الولايات المتحدة ولا في غيرها من البلدان. وتسارعت عملية "شيطنة" المسلمين بشكل مذهل. وراجت لغة تستعيد السجالات القديمة في بعض الحالات أو تطلق في أكثرها سجالات جديدة. ودارت حول فكرة محورية تقول إن الإسلام دين يبرر العنف ضد الآخر المختلف بل يمجّده، وإن قتل الكفار وغير المسلمين، عمل مشروع. وذهب بعضهم بعيداً وفي مقدمهم المتطرفون من الانجيليين المحافظين، في تفسير عقيدة الإسلام وشريعته على نحو يضخم الفوارق بينه وبين المسيحية أو يضيف اليها فوارق جديدة، لا سيما عند إدانته بالانحراف المسيحيين الذي يقولون بالقربى بين المسيحيين والإسلام ويسعون للتقارب.

وفيما لم يتردد بعض السياسيين، وفي مقدمهم المنتمون الى يمين الحزب الجمهوري، في مجاراة ذاك السيل الجارف من مواقف العداء للمسلمين، تردد بعضهم الآخر. فالرئيس جورج دبليو بوش رأى أن له مصلحة بينة في التخفيف من حدة تلك المواقف فلم يتردد، غير مرة، في اعتبار الإسلام دين السلام وبدا محرجاً، بلسان الناطق باسمه، مما قيل بحقه. وازداد حرجاً حين كتب وصرّح بعض المقرّبين منه، مثل فرانكلين غراهام، أن الإرهاب ينتمي الى التيار الرئيسي في الإسلام وليس من فعل حفنة من المتطرفين.

ربما كان بوش متنازعاً، حاله حال الكثير من السياسيين، بين السكوت عن الهجوم على الإسلام ومضايقة المسلمين مضايقة واسعة، ومراعاة مشاعر مواطنيه المسلمين، وكانت أغلبيتهم أيدته في الانتخابات. فللإحجام فائدة وللمراعاة فائدة أخرى. وازدواج المواقف أمر مألوف في سياسة عينها على تقلب الموازين الانتخابية وعلى قياس اتجاهات الرأي العام. ولا يفوتنا في هذا المجال التذكير أن سياسيين كثر لا يقودون الرأي العام ولا ينقادون اليه، وهي مسألة مناقشة عند البحث في خصائص الديموقراطيات المعاصرة، بل يسعون الى تشكيل توقعاته ثم يتجاوبون معها. ويظهر ذلك بشكل جليّ عند سياسيي اليمين الأقصى، في الولايات المتحدة كما في أوروبا. فهم يثيرون مشاعر "الخوف من الإسلام" ثم يدعون الى تفهم تلك المشاعر ويستثمرونها في توسيع قاعدة شعبيتهم، بحجة إخلاصهم لما يحسّه الناس، وإن لم يجاهروا به في كل حين.

بعبارة أخرى، يكاد السياسيون ومعهم وسائل الإعلام، يلعبون الدور الأكثر تأثيراً في تشكيل الصور النمطية وتكوين المواقف لدى الرأي العام. لكن حساباتهم الظرفية، أي الجديدة، توقظ مشاعر قديمة أو تجدّدها، وفي معظم الأحوال يكون هذا التجديد بمثابة صناعة لا سابق لها. وباستطاعتنا أن نتبين ذلك من خلال النظر في كتابات المتشددين من الإنجيليين المحافظين المؤيدين للحزب الجمهوري أو الذين يؤلفون بالأحرى جناحه اليميني. فنقرأ القليل من الأدب الديني القديم والكثير من أدب التعصب والتهجم غير المعروف في العصور السالفة. وتتفاعل قوة التأثير المذكور، في سياق الزمن الطويل، مع التحول في العقليات والأحاسيس الذي يحدثه تراكم الأفكار الدينية وشبه الدينية المتلقاة عند فئة واسعة من الأميركيين، أعني بها المتدينين. ونجد عند هؤلاء نوعين من المواقف، يتميز الأول بتشدد أكثر من الذي نلاحظه في المتوسط الأميركي والثاني بانفتاح أكبر. ففي استطلاع للرأي أجرته في تشرين الأول 2002 شبكة (Beliefnet مع ABC News)، تبلغ نسبة الأميركيين الذين لا ينظرون بعين الرضا الى الإسلام 33% وترتفع عند الإنجيليين المحافظين الى 45% وتنخفض الى 23% عند المسيحيين المنتمين الى الكنائس التاريخية من المذاهب كافة. أما نسبة القائلين إن الإسلام يحض على العنف فهي 23%، ترتفع الى 32% عند الانجيليين المحافظين وتنخفض الى 17% عند المسيحيين الآخرين. ومن شأن هذا التفاوت أن يعزز الرأي القائل إن الأكثر تسيساً وتأثراً بالساسة، وحملة الأفكار المستحدثة عن الإسلام، يصوغها الإعلام قبل أن تخرج من أفواه خطباء المجموعات المسيحية الجديدة، يتفوقون على سواهم في "الخوف من الإسلام"، فيما يتراجع الاحساس المذكور عند المسيحيين المنتمين الى المذاهب المسيحية التاريخية، الذين تفصلهم مسافة نقدية عن الساسة وعن الإعلام والذين عرفت كنائسهم تغييراً في المواقف من الإسلام نحو المزيد من الاحترام والتفهم والرغبة في الحوار.

 III

مما لا شك فيه أن الحملة المسماة "الحرب الشاملة على الإرهاب" كانت تشي بمواجهة مديدة لا تقتصر على مكافحة الجرائم المرتكبة باسم الإسلام، وعلى يد الإسلاميين المتطرفين، بل تتعداها الى "تجفيف منابعها"، أي الى عملية واسعة النطاق من غير وضوح في تحديد أهدافها ووسائلها. وبدا وكأن شمولها يبرر النزعة الى التعميم، ولا يحاذر أن تؤخذ فئة واسعة من المسلمين بجريرة فئة أصغر. وأيد النزعة المذكورة، هذه المرة، لا دعاة السياسات وأصحاب الكتابات المحافظة المعروفة فحسب، بل نظرائهم الجدد ممن جعلوا من رهاب الإسلام بمثابة مواجهة كونية مع "الفاشية الإسلامية" حسب عنوان كتاب ل(Norman Podhoretz) "حرباً عالمية رابعة"، بعد ثالثة يعني بها الصراع الدولي مع الشيوعية.

ورغم أن الرئيس أوباما خرج عن منطق تلك "الحرب" وقدّم رؤية مغايرة للعلاقة مع المسلمين، لم يغب "الخوف من الإسلام" وإن انحسر. أكثر من ذلك، أظهرت قضية بناء مركز إسلامي بجوار البرجين اللذين دمّرتهما جريمة الحادي عشر من سبتمبر، والبناء قضية لا عنف فيها ولا إرهاب، أن إيقاظ مشاعر الخوف من المسلمين والشك حيالهم أو إعادة اختراعها يتمان بسرعة وعلى مدى واسع. بالمقابل، يتسع الاعتراض على التعصب ضد المسلمين، فيظهر حقيقة الانقسام السياسي والديني بين الأميركيين. لم تكن ردات الفعل مجرد تعبير عن الانزعاج الذي سببه التأثير الرمزي لاختيار المكان فحسب، بل تجاوزته الى مواقف تتهم المساجد من دون تمييز بأنها تحتضن إرهابيين ومفجري قنابل، رغم أن عدداً من الدراسات، ومنها ما نشرته جامعة (Duke)، أكدت ما يناقض ذلك. وعلت أصوات تقول إن الإسلام يغزو الولايات المتحدة ويهدد الحضارة الغربية.

وفي الأشهر الأخيرة، ومن دون سبب ظاهر إلا السجالات التي أطلقها مشروع بناء المركز، انتقل الحديث عن الإسلام والمسلمين الى المؤسسات السياسية، فدعا رئيس لجنة الأمن الوطني في مجلس النواب الجمهوري (Peter King) الى جلسات استماع حول اتساع التشدد الإسلامي في الولايات المتحدة والتهديد الحقيقي الذي تواجهه البلاد بفعل هذا الاتساع. ويرى النائب المذكور أن المسلمين، بعضهم حيناً وعمومهم حيناً آخر، غير مخلصين للوطن الأميركي ولا يتعاونون مع السلطات التي تتولى حفظ الأمن وتطبيق القوانين. وتزامن هذا الموقف السياسي مع استعار حملة إعلامية وفي وسائل الاتصال الاجتماعية تدعو الى وقف "أسلمة أميركا" وتحض بشكل سافر على كراهية المسلمين، على نحو ما نقرأ في مدونة (Pamela Geller) وفي منشورات (Brigitte Gabriel) اللبنانية الأصل.

أما في أوروبا الغربية، فالخوف من الإسلام بات اليوم، أكثر من الماضي، يختلط بالتساؤل حول النظام المجتمعي ومسائل الانصهار وإدارة التنوع الديني والثقافي، أو يلبس لبوسه. ففي ألمانيا وبريطانيا نسمع المستشارة ميركل ورئيس الوزراء كاميرون يعلنان فشل النموذج القائم على التعددية الثقافية.

وفي فرنسا، وتحت ضغط اليمين المتطرف المعادي للأجانب، يدعو اتحاد الأكثرية الرئاسية (UMP) الى نقاش وطني حول احترام النظام العلماني في البلاد، وهي تورية للبحث في مسائل الانصهار وخصوصية المسلمين. ويبدو لنا في الحالات الثلاث أن اعتراف القادة السياسيين بإخفاق مجتمعاتهم في معالجة المشكلات المتصلة بالتعدد الديني والثقافي يحتمل إلقاء اللوم على المسلمين أكثر مما يفتح الباب أمام مناقشة حقيقية لاختلالات النظام المجتمعي. ويؤول ذلك الى إشكال مختلفة من التوظيف السياسي والانتخابي لمشاعر تسهل إثارتها في زمن الصعوبات الاقتصادية وتقلص فرص العمل. وهذا ما دفع القيادات الدينية المسيحية في فرنسا الى التعبير عن تضامنهم مع المسلمين، والى الإسراع في التحذير من أن النقاش حول العلمانية يضمر وصماً لهم ويؤدي الى تشجيع الانحياز ضدهم.

صحيح أن مظاهر "الخوف من الإسلام" لا تصل في الولايات المتحدة الى وضع النظام المجتمعي تحت السؤال. لكن المشتركات بينها وبين أوروبا عديدة. حسبنا أن نذكر اثنتين تعنياننا بشكل خاص في بحثنا عن سبل محاربة فعالة للعداء للإسلام والمسلمين. أولها أن في تلك المجتمعات قوى، دينية وعلمانية، تتصدى له ولاستغلاله السياسي. ويتوجب علينا التعرف الحق اليها، والحوار معها، والابتعاد عن الرد على المتعصبين في ميلهم الى التعميم بنزعة شبيهة له تعتبر الغرب مثابة كل متجانس، واحد وثابت في استعلائه وعنصريته. والثانية أن القطيعة المزعومة بين الغربيين والمسلمين، على صعيد القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، هي وقود الخوف المرضي من الإسلام. وأن الرد عليها يقتضي تأكيد الشراكة في عدد كبير من القيم، وذلك من خلال الحوار، وهذا من نافل القول، وبواسطة التعبير عنها، فكراً وممارسة من قبل المسلمين المقيمين في الغرب أنفسهم. كما يقتضي الرد على القطيعة العمل في البلاد الإسلامية على طي صفحة ما كان بعض الغربيين والمسلمين يدعونه "الاستثناء الإسلامي" من حيث التعثر في إعلاء شأن الحرية وتعزيز المواطنة والمساواة والمشاركة السياسية.

في 14 نيسان 2011

() ألقيت في ندوة "الإسلاموفوبيا.. رؤية السياسيين" في 14 ضمن الفعاليات الثقافية لمهرجان الجنادرية 26.

========================

اتهام سوريا للبنانيين مشروع فتنة

عبد الوهاب بدرخان

النهار

20-4-2011

واقعتان متزامنتان سجلتا الاسبوع الماضي في غمرة احداث سوريا. في الاولى أفادت السلطات اللبنانية انها ضبطت محاولة لتهريب اسلحة الى سوريا، وكان هذا خبراً جيداً لم نسمع مثيلاً له من الجانب السوري طوال عقود ماضية.

اما الواقعة الثانية فبثها التلفزيون السوري، وتضمنت "اعترافات" لثلاثة معتقلين ذكر اثنان منهم اسم النائب جمال الجراح باعتباره مصدر تمويل وتسليم ل"المندسين" في صفوف المتظاهرين للقيام بأعمال تخريب.

تقتضي السذاجة الاعتقاد بأن المطلوب ان يعرف الجمهور السوري شيئاً او اشياء عن "المؤامرة" فيمتنع عن المساهمة فيها. اما النتيجة فهي ان التظاهرات في اسبوعها الخامس عمت عشر محافظات سورية.

ولا أي "مؤامرة" تستطيع اشعال انتفاضة مثل هذه معتمدة على مجازفة عموم الناس بحياتهم في بلد مثل سوريا. واثبتت تجارب تونس ومصر واليمن ان الانظمة غرقت في جرائم قواها الامنية، وقد قالت جميعا، كما قال الرئيس السوري وقبله الليبي ان هذه القوى "لم تكن معدّة" للتعامل مع تظاهرات سلمية، اي انها ملقنة استخدام العنف فحسب. وعندما لجأت هذه الانظمة الى نظرية المؤامرة كانت بذلك تعترف بأن الاحتجاجات هزتها وتحدّتها.

في الحال السورية يلاحظ التركيز المفرط في ربط "المؤامرة" بتلك الجهات اللبنانية. فحتى الاشارات الى اسرائيل، مثلا، او الى الولايات المتحدة ودول عربية، ظلت خافتة وغير جدية. فدمشق لم ترد تكرار خطأ الرئيس اليمني عندما اتهم اميركا ثم تراجع واعتذر. لكن بؤس الروايات المنسوبة الى اشخاص في 14 آذار يكمن في انها تستغل خلافا سياسيا معروفاً وتحاول اسقاطه على انتفاضة داخل سوريا باتت اكبر بكثير من ذاك الخلاف. اما الاكثر بؤساً فنجده في تلقف قوى 8 آذار للاتهامات السورية للعب بها في الصراع الداخلي. والواقع ان الطرفين يعرفان جيداً ان تلك الاتهامات مفبركة، بل انهما ينهمكان عليها، على رغم انها يمكن ان تشكل تمهيداً لما تنويه دمشق قريباً.

يخشى ان يكون السيناريو المقبل كالآتي: ايصال الاحتجاجات داخل سوريا الى مستوى يمكن احتواؤه وسط ممانعة داخلية لانهيار الاستقرار، حتى من قوى وفئات تريد اصلاحات جذرية، وكذلك ممانعة خارجية لسقوط النظام حتى من قوى تطالب النظام بتغيير سلوكياته. ويترافق مع ذلك عود الى خطط الفتنة المعدّة للداخل اللبناني عبر اشعال بؤر متجانسة طائفياً، سنية – سنية ومسيحية – مسيحية، ولا عجب فجديد السياسة السورية في لبنان هو قديمها. ولأجل ذلك يسعى الاتهام المقترح والمتصاعد لجهات لبنانية الى مراكمة "معطيات" مفبركة لصنع "قضية" تفجر الداخل اللبناني وفقاً لما كان مخططاً لمواجهة المحكمة الدولية واتهاماتها.

========================

خطاب ثان للأسد.. الشكل والمضمون يفضحان سطحية الجهود الإصلاحية

فراس قصاص

القدس العربي

20-4-2011

الوقوف بتأن عند الخطاب الجديد للرئيس السوري بشار الأسد، أمام مجلس الوزراء الجديد، والتفكير بما جاء فيه، يظهر من وجهة نظري، خلاصة مفادها، ألا تعارض، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون مع خطابه السابق، ولا جديد حقيقيا يمكن أن يذكر فيه، فالحرص الشديد الواضح على عزل هذا الخطاب عن سياق الاحتجاجات العارمة المطالبة بالحرية، بإخراجه مرتبطا بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة وبدئها في مباشرة أعمالها، وليس بوصفه تعاطيا مع الاحتجاجات، واستجابة لتطورات مرتبطة بها، يبدو وكأنه موقف مدروس، لكنه فاقع ومتقاطع مع خطابه السابق أمام مجلس الشعب عند الشكل الذي يجب أن يتقدم من خلاله، وهو الشكل الذي يفيد الابتعاد ما أمكن، عن الصورة التي رسمتها خطابات الرئيسين المخلوعين في مصر وتونس أيام الثورة، في وعي السوريين والرأي العام العربي، وهو ما يدعو إلى الفهم أولا، بأن الرئيس السوري، وعلى غرار مبارك وبن علي، يرفض الاعتراف حتى الآن بمشروعية الاحتجاجات وتوافر مستدعياتها في مجتمعه، وتاليا بأنه لا يريد أن يعالج الغضب والقهر ورفض الاستبداد الذي يشعر به السوريون، من خلال الدخول الجاد في عملية إصلاح، تعمل على تحقيق مطالب الشعب واحترام إرادته وحريته، وبالتالي البدء في مرحلة انعطاف سياسي في إدارته للشأن السوري لا رجعة عنها.

الاهتمام الكبير بالشكل وفق ما سبق، يظهر أن السلطات السورية، ليست في وارد المراجعة الحقيقية لسياساتها، وإعادة بنية النظام السياسي على أسس جديدة تماما، بل هي في موقع البحث عن آليات امتصاص الصدمة التي أحدثتها الاحتجاجات بها، وبالتالي الاستجابة الناقصة من خلال المماطلة والإعاقة ما أمكن ذلك، والالتفاف على مطالب المحتجين، والدخول في معركة لا تستثني الدراسة النفسية للشارع الثائر خصوصا، والسوريين عموما، وتوظيف كل ما يمكن توظيفه، للحد من حراكه وحيازته للمزيد من الثقة، في تحقيقه لمطالبه عبر رفع وتيرة احتجاجاته.

أما في المضمون فالخطاب لم يذهب عميقا في الاستجابة لمطالب الإصلاح وبقي إلى حد بعيد عند السطح والحدود التي لا تفيد تغييرا جوهريا في الحال السوري، فما هي الضمانات الحقيقية لإلغاء حالة الطوارئ في ظل بناء سياسي عام يرتكز إلى قوى الأمن التي ترى السوري المثالي هو السوري الذي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، والتي تعتبر الكلمة خطرا داهما والاختلاف تهديدا امنيا وترى أن حقوق الإنسان بدعة ومؤامرة، الإيمان والمطالبة بها عمالة للغرب وللأعداء، وما الذي يكفل تغيير عقلية الطوارئ ومترتباتها، على ممارسة النظام للسلطة وإدارة المجتمع، في ظل سيطرة الطبقة السياسية ذاتها على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفي ظل الفساد الذي يطغى على الجهاز القضائي ويقوض أسس العدالة وسيادة القانون.

الخطاب أيضا لم يتطرق إلى بدهية ومقدمة قد تكون ذات دلالة على رغبة الإصلاح الحقيقي، وهي إطلاق جميع معتقلي الرأي وطي ملف الاعتقال السياسي، ولم يلغ القانون 49 الذي يقضي بالإعدام على مجرد الانتساب إلى لون سياسي معين، ولم يدع إلى عودة المنفيين طوعا أو قسرا، لأسباب سياسية، ناهيك عن انه لم يشر من قريب أو بعيد، لموضوع تعديل الدستور، خصوصا المادة الثامنة منه، التي تمنح حزب البعث الحاكم الحق وحده في قيادة الدولة والمجتمع، وهو ما يحرم في حال الاستمرار العمل به، الاتجاهات السياسية المختلفة، من المشاركة الفعلية في إدارة البلاد والتأثير في شؤونه، وما يفرغ قانون الأحزاب الذي أشار إليه الخطاب باستحياء وعمومية، من أي مضمون وقيمة.

الدلالات التي تفضح القصور الذي يعتري الرغبة الجادة للنظام في الإصلاح لم تقتصر على ما سبق، بل يمكن القول ان تطرق الرئيس السوري في خطابه، إلى ضرورة العمل بمقتضيات الشفافية من خلال النظر إليها بوصفها إرادة يمكن تحقيقها بصيغة الأمر من أعلى ، وعن طريق تفعيل عمل المؤسسات وتوجيهها ومراقبتها من فوق، هو ممانعة ضمنية على تبني المنهج الديمقراطي في إدارة البلاد، لاسيما أن الشفافية مستحيلة في نظام غير ديمقراطي ولا يمكن تحقيقها من دون توافر القدرة على المراقبة والمساءلة والمحاسبة، وهي سمات يتعذر ضمان إحرازها في نظام سياسي يعيق الحريات العامة ويمنعها، ويحرم العمل السياسي الفعلي.

لكل ذلك يبدو أن الشباب، صناع الإرهاصات المتقدمة للثورة الحقيقية في سورية ضد الاستبداد، الذي يعيق روح الإنسان السوري، ويعيق مقومات الحياة الكريمة التي يتطلع إليها، والشعب الذي خرج في معظم أرجاء سورية، متظاهرا ومحتجا على غياب حريته وسيادته على حياته ومصيره، لا يزال أولئك جميعا بعيدين عن تصديق الوعود بالإصلاحات، والعبارات التي بدت إيجابية في حديث الرئيس السوري، حين اعتبر من سقط في الاحتجاجات السورية، برصاص قوى الأمن شهداء، فأزمة الثقة لدى غالبية الشعب السوري، بالسلطات السورية وبالرئيس السوري كبيرة، ولها في نظرهم ما يبررها في تجربة الأحد عشر عاما من حكمه، وقبضته الحديدية، التي أدار البلاد بحضورها الكثيف، خصوصا في تعامله مع الأصوات المطالبة بالحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، حيث كان مألوفا في سورية ما لا يمكنه أن يكون مقبولا في مجتمعات عربية أخرى، من قبيل الإقدام على اعتقال من تجاوز الثمانين من العمر، كالحقوقي البارز هيثم المالح، وشابة صغيرة لم تصل العشرين من العمر، وهي اليافعة المدونة طل الملوحي، ومحاكمتهما وسجنهما مثل المئات من الناشطين، لمجرد التعبير عن الرأي.

ما أظهرته ردود الأفعال الأولية على خطاب الرئيس الأسد في موقع التواصل الاجتماعي، وفي سورية على الأرض التي ضجت بالتظاهرات بعد الخطاب، يشي بان السوريين ربما عرفوا من تجربة ثورتهم الوليدة أن أي تنازلات أقدمت عليها السلطة السورية في الأسابيع الأخيرة، وشكلت مكتسبات أولية، من قبيل رفع الرواتب والمعاشات وتغيير الحكومة، وإعادة الجنسية للكرد السوريين المحرومين منها، وإطلاق بعض معتقلي الاحتجاجات، وإجبار السلطة على التراجع عن بعض الإجراءات التي لم تلق قبولا من قطاعات كبيرة من الشعب، كإعادة المنقبات إلى سلك التعليم، والوعود برفع حالة الطوارئ بسقف زمني لا يتجاوز الأسبوع القادم، هي مكاسب تحققت بضغط ثورتهم وتحت وقع أصواتهم وهتافاتهم واحتجاجاتهم، وهو ما قد يؤشر إلى أنهم عاقدو العزم على المضي قدما، إلى الأبعد في احتجاجاتهم، على الرغم من تلويح الرئيس السوري بأنه سيأمر قوى الأمن بالتعامل الحازم مع التظاهرات، في حال استمرارها وعدم الرضا بما قدمته السلطة وستقدمه في القريب العاجل.

الحق في الحرية أعظم الحقوق قاطبة، حق يؤخذ ولا يعطى، خصوصا ممن تعود إنكاره على المطالبين به، هذا ما قاله ناشطون سوريون وكتبوه في موقع الفيسبوك بعد الخطاب، وهذا ما يبرر من وجهة نظرهم الهتافات التي أخذت تتزايد في تظاهرات الأيام الأخيرة، التي تعلن جهارا في دولة كانت قبل فترة قصيرة جدا مملكة حقيقية للصمت وعالما يغص بالخوف واليأس، ألا بديل يبدو عن إسقاط النظام.

وفي الحقيقة ما لم يقدم الرئيس الأسد فورا على الاعتراف بان المرحلة السابقة من حكمه ومرحلة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد والده، مرحلة جلبت الكوارث على البلاد وأساءت إلى سورية وأهلها، ومن ثم بادر إلى إجراء إصلاحات جذرية من دون مواربة مع توفير الضمانات السياسية اللازمة على الأرض لنجاحها وعدم العودة عنها، سيصبح الشعار الشهير، الشعب يريد إسقاط النظام، مطلب المتظاهرين الوحيد في جميع أنحاء سورية.

' ناشط سوري - برلين

========================

بين الاصلاح والاستبداد.. الشعب يريد اسقاط النظام

مصعب قاسم عزاوي

القدس العربي

20-4-2011

كما أشار المفكر النهضوي عبد الرحمن الكواكبي في كتابه 'طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد' منذ قرن ونيف، إلى الاستبداد كونه أكثر المخاطر المحيقة بحياة ومستقبل الأمة، خصوصاً عندما يتغول على مربع من الأحياز المتداخلة وهي: السلطة والثروة والإعلام والمرجعية؛ فإن نظرة مدققة إلى واقع الحياة الاجتماعية في الدول العربية من محيطها إلى خليجها لا تترك فسحة لأي باحث متقص إلا أن لا يخالف التقويم العام لمسار المجتمعات العربية بأنها غارقة في مربع الاستبداد القاتل للأمة، حسب توصيف المعلم الكواكبي.

وبالتوازي مع تلك النظرة المدققة يستوجب الواقع العربي الراهن تأملاً مستبصراً في إمكانيات الإصلاح التدرجي لتلك الأنظمة العربية، التي زالت تتلمس إرهاصات مخاضها الثوري الذي انتهجته وفق مدرسة الثورة الشعبية البوعزيزية نسبة إلى الشهيد محمد البوعزيزي - وتجاهد بعناء للحفاظ على مكتسباتها الشرعية في مصر وتونس، أو ما زالت تحاول تلمس طريقها للخروج من النفق الدامي الذي زجها فيه مستبدوها، كما هي الحال في ليبيا وسورية واليمن.

ولأن التعقل ضالة الباحث الحق فلابد من إخضاع طروحات الإصلاح التي تتقدم بها الأنظمة العربية الاستبدادية التي تحاول التعامي عن مطالب شعوبها ودماء أبناء هذه الشعوب المهرقة ظلماً من الناحية الأخلاقية، وبؤساً من الناحية السياسية المحضة للبحث والتحليل المدقق لتلك الطروحات قبل تقديم استنتاج منهجي بصددها. وإذا حاولنا توصيف المجتمعات العربية جميعها عشية ربيع الثورات البوعزيزية الراهن، يمكن لنا إجمال الواقع الحياتي المعاش فيها باستعارة تعابير المفكر طيب تيزيني بأنها: دول أمنية أسها المنهجي هو اختزال الدولة في مؤسسة أمنية تعمل على إفساد كل من لم يفسد وتتعامل مع كل مكونات المجتمع بأن الكل مدان تحت الطلب وأن من ليس مع المؤسسة الأمنية قليلاً أو كثيراً فهو ضد الوطن وعميل لمؤامرات خارجية عليه. وبذلك التوصيف الاختزالي تتجلى الكيانات العربية بأنها مستنقعات من البؤس الاستبدادي تعيش فيها أرهاط اجتماعية مسلوبة من كل حقوقها الأساسية في العيش الكريم أخلاقياً واقتصادياً، وكذلك من حقها أن تعيد تعريف ذاتها من خلال حراكها التفاعلي الذي ينطوي على تأثر مكوناتها الداخلية عبر حراك سياسي حقيقي وحرية للتعبير تنظم ذلك الأخير وتخضعه للرقابة والتصويب الاجتماعي، كما هي الحال في المجتمعات الأخرى في العالم التي تجاوزت متلازمات الاستبداد المرضية وعقابيلها الاجتماعية. وكذلك الأمر فهي مسلوبة من حقها في أن تعبر عن هويتها الوطنية أو القومية التي تراها من حقها، من خلال اختزال الحقوق الجزئية والكلية في تعريف المكونات الجزئية للمجتمع وعلاقتها في ما بينها من جهة وعلاقتها مع المجتمعات القائمة فعلاً في دول حقيقية في الفضاء العالمي، ضمن توازن مشوه يقوم على منهج إرادوي تلفيقي في تعريف الوحدة الوطنية، ويتمثل في طمس لكل الحقوق الثقافية والتراثية والإنسانية والإثنية والدينية والمذهبية التي يفترض بها في الأحوال الطبيعية أن تشكل ثراء للمجتمعات وقدرة كامنة للعطاء الفاعل، عقب عملية التحليل المتعقل لكل تلك الاختلافات بكونها جزءاً طبيعياً من أي تشكيل اجتماعي طبيعي، وبأنها لا تتناقض مع مفهوم العيش المشترك والمواطنة في دولة واجبها الأول والجوهري هو حماية المواطن وما يتأثر معه من مواطنين آخرين في فضاء اجتماعي هو الوطن الذي تعمل الدولة لخدمته لا لاسترقاقه واستباحته عمقاً وسطحاً وعمودياً وأفقياً.

وفي الواقع العربي العياني المشخص للكيانات العربية منذ استقلالها عن مستعمريها المباشرين لم تتوقف عملية الطمس الاستبدادي للإنسان والمجتمع لصالح الغيلان الأمنية المافيوية عند حدود المحيط الاجتماعي الذي كان يفترض به أن يكون وطناً لكل المواطنين، وإنما تشعب وتمدد إلى حدود إعادة تعريف ذلك الوطن المغيب قسراً واختزاله إلى الشكل الذي يراه القائد الاستبدادي الملهم؛ فهو قلعة الصمود والتصدي، أو طليعة الثورة العربية ومهد الوحدة الوطنية، أو رمز الوحدة ومقاومة الانفصال، أو جماهيرية شعبية عظمى ليس فيها من عظمة سوى للاستبداد وحده.

إن هذه الأنظمة العربية التي تحاول أن تقاوم المزاج العربي النهضوي الحق الذي أخرجته من قمقم الاكتئاب الجمعي - وفق مصطلح المفكر الألماني فيلهم رايخ - ثورة شباب سيدي بوزيد التي أعادت للوعي الجمعي العربي توازنه الذي افتقده منذ أن استقلت مجتمعاته عن المستعمر خلال القرن الماضي، هي فعلاً أنظمة تسير بالتعريف الفلسفي عكس جدلية النمو التصاعدي للتاريخ وفق التعريف الهيجلي له، وهي إذ تقدم مبادرات ووعود الإصلاحات الجزئية الترقيعية لتزويق وإخفاء الجوهر الاستبدادي المتوحش لأنظمتها الأمنية السرطانية التي اتخذت شكل دول من الناحية الهيكلية فقط، فهي تحاول أن تدس بعض العصي المنخورة من لبها والمتهالكة في نسيجها في عجلة التاريخ الجدلي؛ لأن الإصلاح الحقيقي يستوجب إعادة التوازن السلبي في المجتمعات العربية ليكون الشعب بمختلف مكوناته الإثنية والدينية والمذهبية والإيديولوجية صاحب السلطة وواهبها، لا أن يكون عبداً سجيناً في سجون العالم السفلي في أقبية الأجهزة القمعية التي تكاد تشكل العنوان الأكثر إيلاماً لجميع الأنظمة العربية في ضمائر شعوبها المستباحة باختلاف طبيعة الإخراجات التزويقية لجوهرها المغرق في تمترسه في مربع الجحيم الاستبدادي، كما وصفه المعلم الكواكبي.

إن الإصلاح الجذري لا بد أن ينطلق من تفكيك منظومات الدولة الأمنية وأدواتها القمعية والتي شخصت نفسها في الحالة العربية منذ الاستقلال ببنيات أمنية مافيوية تعملقت وتغولت في المجتمع وأعادت تكوينه بعد تفتيته وتذريته ليتحول من مجتمع يتأثر ويتفاعل فيه الأفراد المكونون له إلى تجمع من الأرقاء في كنف الاستبداد الأمني، لا يجمعهم سوى الوجود في الزمان والمكان نفسه، لأن كل أشكال التفاعل الاجتماعي محظورة بموجب قوانين الدولة الأمنية ومفاعيل الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ بمختلف أشكالها التقليدية منها والمعاصرة منها على شاكلة قوانين مكافحة الإرهاب الذي أوغلت الامبريالية الأمريكية المعولمة في تعريف ذلك الأخير ضبابياً، حتى أصبح وسيلة الممالأة الأكثر تقزيزاً التي تتبعها الأنظمة الاستبدادية العربية، لتبرير تلاوين وإبداعات بطشها بشعوبها السائرة على طريق الانعتاق الجمعي بكل عثراته وأثمانه الباهظة، التي لا بد من دفعها ثمناً لتأسيس الحرية الحقيقية كونها حرية للإنسان وتقديساً لحقوقه الأساسية قبل أن تكون تحرراً من الاستعمار فقط، وفق المنهجية الفوضوية لمسوقي الأنظمة الاستبدادية القوموية التي لا زالت تتساقط بسرعات وإخراجات مختلفة غداة ربيع الثورات العربية.

إن الإفراج عن السجناء والسياسيين ومعتقلي الرأي، وإنتاج قوانين عصرية للأحزاب، والتداول السلمي للسلطة، وإبعاد الفساد والمفسدين عن أجهزة الدولة، وكف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل المباشر أو غير المباشر في حياة المواطنين، وتوطيد مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن ليكون أكرمهم أحسنهم عملاً وليس ولاءً للمنظومة الأمنية المافيوية، وما يستتبعه في أول الأمر وأسه ضمان حرية التعبير لكل من يعيش في فضاء الوطن؛ تشكل في مجموعها العناوين التعريفية بالمفهوم المنهجي للثورات العربية في ربيعها الغض، والتي لا يستقيم تلبية أي منها وفق منهجية الدولة الأمنية السالفة الذكر لأن في تلبيتها تفكيك لمفاصل ومرتكزات وأدوات تحكم المنظومة الأمنية بالأوطان وشعوبها ومقدراتها واستباحتها مجتمعة من دون قيد أو شرط من الرعية العربية التي لم تكن تمتلك لعقود طويلة إلا الحق في تمجيد جلاديها. ولذلك كان الاستنتاج التاريخي الجدلي من ذلك كله مختزلاً في تكوين سيد الشعارات في ربيع الثورات العربية، والذي وحد جماهير الثورة العربية الراهنة وهز جنبات المحيط والخليج معاً بتكثيفه المنقطع النظير، وصوب صداه الهادر منهج الصبر الثوري لدى كل الثوار العرب بمختلف مشاربهم ومرجعياتهم الإثنية والدينية والإيديولوجية ألا وهو: (الشعب يريد إسقاط النظام)، الذي لا بد أن يتحقق ولو بعد حين من المصابرة وتكاليفها المضنية لأنه يمثل الانعكاس الأكثر شفافية لقانونية التاريخ الذي لا رجوع فيه أو نكوص لمن يقرأ التاريخ ويتعظ مما جاء فيه!

' طبيب عربي مقيم في لندن

========================

فرنسا والربيع العربي

محمد كريشان

2011-04-19

القدس العربي

 'صحيح لم نتنبأ بما حدث من ثورات عربية ونحن الآن ما زلنا مترددين بين الفرح والقلق فكل الثورات حمّالة مخاطر'... هذا بعض مما قاله آلان جوبي وزير الخارجية الفرنسي في افتتاح ندوة نظمتها وزارة الخارجية الفرنسية السبت الماضي بالتعاون مع معهد العالم العربي حول 'الربيع العربي'. لم يغادر الوزير القاعة بعد كلمته بل ظل جالسا حتى النهاية متابعا حلقات النقاش الأربع التي ضمت إلى جانب خبراء فرنسيين مرموقين في شؤون البلاد العربية شبابا ومثقفين وسياسيين من تونس ومصر وليبيا وسورية. كان يتابع كل المداخلات ويدون ما يراه لافتا للانتباه وحرص في استراحة الغداء أن تضم مائدته تشكيلة منوعة من هؤلاء لتعميق النقاش في بعض النقاط.

بدا واضحا في هذا اليوم الدراسي أن فرنسا تريد ليس فقط جعل دبلوماسييها وسفرائها على إطلاع أفضل بما يجري الآن في عدد من الدول العربية من تحولات تاريخية كبرى وإنما أيضا تجنب تكرار بعض 'الحماقات' التي اتسم بها التعاطي الفرنسي مع تونس بالخصوص وعلى لسان وتصرفات وزيرة خارجيتها آليو ماري بشكل أدق. الاقتصادي الفرنسي غوي سرمان أشار صراحة بأنه ليس لبلاده ولا للولايات المتحدة ما تفخران به بخصوص التعاطي مع ثورات مصر وتونس على عكس منظمات المجتمع المدني في باريس وواشنطن لا سيما تلك المعنية بحقوق الإنسان، فيما أشار آخرون إلى أن القيم الليبرالية التي نادى بها الشباب المحتج في الدول العربية الثائرة قيم عالمية لا نموذج غربيا محددا لها.

ومثلما كانت كلمة وزير الخارجية الفرنسي الأسبق دومينيك دوفلبان في مجلس الأمن الدولي والمعارضة لغزو العراق عام 2003 تحفة سياسية وأدبية حقيقية، كانت كذلك كلمة جوبي وهي تتحدث عن الثورات العربية متضمنة الكثير من النقد الذاتي الجريء لسياسات فرنسا والغرب عموما تجاه العالم العربي. قال إنه ظل متابعا منتبها لكل ما قيل طوال هذا اليوم عن قناعة وطواعية إذ لا بد الآن من الاستماع لما يحدث والتدبر في سبر دلالاته وأبعاده لأن لا أحد بإمكانه أن يجزم بالمدى الذي يمكن أن يصله.

وفي جردة شجاعة لتقييم سياسة فرنسا تجاه العالم العربي، قال جوبي إن بلاده التي كانت دائما تدعي أنها ذات علاقات قديمة بالعرب ومعرفة جيدة بهم من أيام الرئيس شارل ديغول اكتشفت فجأة مدى جهلها بهذه الرقعة من العالم. واعترف بنوع من المرارة بأن باريس التي أخافتها طوال سنوات فزاعة الإسلاميين وإمكانية وصولهم إلى الحكم ارتضت في النهاية ولسنوات طويلة بالتعامل مع دكتاتوريات وغض النظر عن الكثير من خطاياها. وأضاف رئيس الدبلوماسية الفرنسية أن بلاده، وبعد هذه الثورات التي خرجت من تحت رماد الفقر والقمع والفساد، تحتاج إلى الإنصات إلى صوت الشباب والمدونين والمثقفين والفنانين العرب بعد أن كانت لا تستمع إلا إلى المسؤولين والرسميين. وأوضح جوبي أنه دعا سفراء بلاده إلى توسيع صلاتهم في العواصم العربية التي يعملون بها لإخراجها من السياق الرسمي التي حصرها بالسلطة دون غيرها حتى تشمل كل من يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية وينبذ العنف بما في ذلك الإسلاميين. وفي رد على مداخلة محمد بن سالم أحد قيادات حركة 'النهضة' التونسية الحاضرين- قال فيها بأن الإسلاميين في بلاده سيفاجئون الغرب باعتدالهم وديمقراطيتهم- قال جوبي ونحن أيضا سنفاجئكم بالكثير دون أن يخوض في التفاصيل. وقد بدا من حوارات جوبي مع بعض الخبراء والصحافيين خارج القاعة أن بلاده تفكر جديا في مقاربة مختلفة تماما في التعاطي مع أية تيارات تفرزها الثورات العربية واستحقاقاتها الانتخابية لاحقا ولو جاءت بالإسلاميين إلى السلطة على عكس ما كانت تتبناه فرنسا وغيرها من العواصم الغربية لعقود طويلة.

في هذا اليوم بدت مؤشرات كثيرة إلى أن الدبلوماسية الفرنسية مقدمة على تغييرات جذرية هامة للغاية خاصة وأن باريس، كما قال جوبي، معنية بإنجاح ما حصل في تونس ومصر لأن أي فشل سياسي مقرون بفشل اقتصادي سيؤدي إلى تطرف غير مسبوق وهو ما لا تريده لا فرنسا ولا غيرها ممن يحرص على منطقة استقرار في المتوسط مرتكزة على الديمقراطية وليس على الاستبداد.

========================

كرامة السوريين التي أهينت في ساحة قرية البيضا

محمد منصور

2011-04-19

القدس العربي

 لن ينسى الكثير من السوريين الصور التي تناوب على بثها العديد من القنوات الفضائية خلال يوم الجمعة الفائت (15/4/2011)، والتي تظهر فيها مجموعة من شبيحة أو بلطجية الأمن السوري المدججين بالسلاح، وهم يدوسون شباب ورجال قرية البيضا في محافظة بانياس، بعد أن ألقوهم أرضاً في ساحة القرية؛ فيما راحت تلك العناصر المسلحة، تدوسهم وتركل وجوههم الكريمة بأحذيتها.

وتمعن في إذلالهم وهم مقيدو الأيدي، ثم تقوم بالتقاط الصور التذكارية بكاميرا احد الهواتف المحمولة... ويصرخ أحد الشبيحة بزميل له (عفّس... عفس) فيما هو يدوس ظهر أخيه السوري ويرقص بلا ذرة خجل أو حياء أمام الكاميرا!

شكلت هذه الصور صدمة قاسية لكثير من السوريين، مثلما هزت الضمير الإنساني أو ما تبقى منه لدى الرأي العام العالمي... ولم تتوقف المهانة عند هذا الحد، بل انبرى الإعلام السوري والمحسوبون عليه، الذين يظهرون كمحللين في القنوات الفضائية (المعادية)... انبروا جميعاً يكذبون هذه الصور، وظهر أستاذ القانون الدولي عصام التكروري على قناة (العربية)، ليقول ان هناك من ورطكم بهذه الصور يا سيدي، فهي لعناصر البيشمركة ومصورة في العراق... أما رئيس اتحاد الصحافيين السوريين إلياس مراد، فيقول على فضائية أخرى ان هذه الصور لفدائيي صدام، كما يظهر عضو مجلس الشعب ورجل الدين عبد السلام راجح، الذي نحتسب في شهادته الباطلة أمام الله، ليكرر اتهام البيشمركة نفسه، الذي تبنته قناة (الدنيا) التابعة، مؤكدة أن أحد الذين يظهرون في الصور، (معالمه ولون لباسه غير واضح البتة) لباسه يشبه لباس المارينز الأمريكي.

شهادة الزور

شعر أهالي قرية البيضا بأن شهادة الزور الوقحة التي يقدمها الإعلام السوري وبعض المحللين الغارقين في العار والمستعدين لابتكار شتى أنواع الكذب من دون أن يرف لهم جفن، ومن دون أن يقيموا حرمة لعلم أو دين أو ضمير... شعروا بأن هؤلاء قد تكالبوا عليهم دفعة واحدة، ففوق الإهانة والمذلة والشتم والضرب التي تعرضوا لها، تكبر غصة الظلم والقهر في حلوقهم، حين يرون إعلام وطنهم وهو يحاول أن يغطي على هذا العار الإنساني بالكذب والتزوير. ولم يجد هؤلاء من رد أو وسيلة دفاع سوى كاميرات هواتفهم المحمولة، فنزلوا في اليوم التالي إلى ساحة قرية البيضا التي تظهر معالمها بوضوح في الفيديو السابق، وصوروا الساحة وبثوا صورها على موقع اليوتيوب على شبكة الانترنت... وحتى لا يتهموا بالفبركة مرة أخرى، اختاروا شاباً يظهر وجهه بوضوح في الفيديو السابق، ووقف هذا الشاب المجروح في كرامته وكبريائه في وسط الساحة، ليتحدث لكاميرا الهاتف الجوال، وهو يحمل بطاقة الهوية الشخصية بيده، ويعرّف بنفسه بلا أي لبس: (أنا اسمي أحمد البياسي، مواطن عربي سوري، دخل علينا الجيش بحجة التفتيش وذهب من دون أن يعتقل أي شخص... وما إن غادر حتى جاءت وراءه عناصر الأمن والمخابرات، سحبونا من فوق، وربطونا بالساحة، وصاروا يدعسون علينا ويسبونا ويشتمونا، وسبوا أعراضنا وذلونا، ووصفونا بابناء الزانية) كانت هذه هي كلمات أحمد البياسي كما ظهر بالصوت والصورة وهو يحمل بطاقته الشخصية بيده، وكأنه يريد أن يقول للعالم كله: أنا بشر من لحم ودم، لي اسم، ولي هوية، وأنا ابن هذا الوطن، ولست من مضطهدي عناصر البيشمركة أو فدائيي صدام... فأي خالد عبود يمكن أن يكذبني بعد الآن، وأي عصام داري يمكن أن يظهر ليتحدث عن استخدام ماكياج؟ وفي فيديو آخر يظهر صوت شاب آخر، ليتحدث عن ساحة قرية البيضا التي قالوا إنها في العراق فيقول: (هذه هي ساحة البيضا التي قالوا إنها في العراق... ما لها بالعراق ولا شي... هذي ساحة البيضا ببانياس، وهذي الدكاكين الموجودة كلها، وهذا التلفزيون السوري كله كذاب). بهذه الكلمات البسيطة المجروحة، المملوءة بقهر الإهانة أولا، وقهر التزوير والإنكار ثانياَ... يتحدث هؤلاء السوريون الشرفاء، وقد هالهم أن يصل الإفك الباطل بإعلامهم إلى حد لا يصدقه عقل، ولا تقبله كرامة حر.

اعتراف خجول

بعد نشر هذه الصور التأكيدية على نطاق واسع، دخلت جريدة 'الأخبار' اللبنانية التابعة لحزب الله، على خط إسناد هذه الرواية التي انكشف زيفها، وقدمت اعترافاً خجولاً بأن الفيديو (حقيقي وليس مفبركاً) فأشارت إلى أن مصدراً سورياً أكد أن الشريط حقيقي لكنه يعود لسنوات خلت، ولا علاقة له بقرية البيضا... وعادت للقول بأن الصور التي نشرت على موقع التواصل الاجتماعي (لم يجر التحقق من صحتها) في محاولة لإيجاد منفذ للتشكيك، حتى بعد ظهور صور شهادة البياسي، وبعض الأهالي الآخرين، ثم ظهور فيديو آخر لصور الشبيحة أنفسهم، في ساحة البيضا نفسها، وهم يؤكدون للسيد الرئيس في هتافات حضارية: (يا بشار ولا تهتم نحنا رجالك بنشرب دم).

وهكذا كان على رجال قرية البيضا، ان يداروا غصة الألم بعد أن نشرت صورهم وهم يهانون ويذلون في وطنهم بطريقة همجية مقززة... كان عليهم أن يداروا جرحاً يطل من عيونهم إذا التقت عين أب مهان بنظرة في عين ابنه، أو أخ في عين أخيه... لكن السوريين الذي جعلهم حلم الحرية قلباً واحداً ويداً واحدة، هتفوا لرجال قرية البيضا في حمص بالأمس: (من حمص لبانياس أهل البيضا على الراس) فقد شعر الكثير من السوريين بأن كل ركلة حذاء وجهت لوجه شاب أو رجل من أهالي البيضا وجهت لوجوههم، ومستهم جميعهم، وأهانتهم وآلمتهم جميعاً... وأن كرامتهم قد ديست في تلك الساحة الحزينة التي لا يدين ما جرى فيها أهلها، بل من اعتدوا عليهم ونكلوا بهم... فمن العار أن يكون أنصار أي حاكم على وجه الأرض بهذه الأخلاق... وهذه الهمجية، وهذا الفقر المدقع بمشاعر الكرامة الإنسانية!

'المنار' على الخط

على قناة (المنار) الحليفة، ظهر السفير السوري علي عبد الكريم، وهو مدير سابق للتلفزيون السوري، ليقول إن الرواية التي قدمها التلفزيون السوري الرسمي عن تورط أحد نواب تيار المستقبل بدعم ما سمي (خلية إرهابية) هي (إخبار يستوجب من السلطات اللبنانية التحقيق في الأمر) لكن أحداً لم يظهر على شاشة الإعلام الرسمي، ليقول ان ما حدث لأهالي البيضا في صور مباشرة تقلع عين المكابر: (إخبار يستوجب التحقيق) أيضاً، ويستوجب إنزال العقاب وإحقاق العدالة. ودرءا لأي فتنة أو عذر نقول: إن من قام بهذا العمل الهمجي المخزي لا يحسبه السوريون على أي طائفة، ولا يأخذون بجريرته أي جماعة... فأمام القانون: العقاب لا يميز سوى بين مرتكب وبريء... وإحقاق العدالة هو تكريس للوحدة الوطنية التي يفخر بها السوريون، أما الفتنة بعينها فهي ما قام به الإعلام الرسمي وحلفاؤه، من محاولات مستميتة لتزوير آلام الضحايا، وإغلاق الجرح من دون تنظيف أو علاج!

ثمة نقطة أخرى لا شك ستستغربها أجهزة الأمن، وهي أن مثل هذه الأفعال بل وأقسى، تحدث في السجون والمعتقلات السورية منذ سنوات طويلة، ويخرج المساجين ويتحدثون بها لذويهم، أو يبلعون ما لحق بهم من إهانات في أعماقهم ويسكتون وهم راضون أو مجبرون (لا فرق)... فلماذا هذا التركيز على حادثة ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة؟

أسئلة لا تفهم أجهزة الأمن بالتأكيد أن إجابتها بدهية الآن: فالمشكلة ببساطة هي في الصورة. هذه الصورة الصادمة التي بثتها المحطات التلفزيونية (المغرضة) عشرات المرات، صارت في ذمة الرأي العام، ولم تعد في ذمة أصحاب العلاقة وحسب... وإذا اعتادت أجهزة الأمن السورية أن ترى فيما يسمى (الرأي العام) مجرد تفصيل لا قيمة له، فيجب ألا تنسى أن هؤلاء الكومبارس، لم يعودوا مجرد عدد يضاف لمسيرة تأييد تخرج بكبسة زر، بل صاروا أشخاصا يخرجون للتظاهر، ويرفعون بلا إذن مسبق- شعارات لا ترضى عنها أجهزة الأمن... وهم يطلبون العيش بكرامة مهما كلفهم ذلك من تضحيات. فإذا فهمت السلطات الأمنية هذه (المتغيرات) الجوهرية في ما حدث للشارع السوري، فإنها ستفهم بالتالي: أن إهانة أهالي أهل البيضا... صارت إهانة في العمق لكثير من السوريين، وهي في أبسط أعراف اللغة الدبلوماسية التي تحدث بها الشاعر علي عبد الكريم: (إخبار يستوجب التحقيق) لا تسخير أبواق الإعلام للإنكار والكذب واختلاق سيناريوهات غبية لا يصدقها حتى مطلقوها!

ناقد فني من سورية

=========================

الغاء حالة الطوارئ في سورية

رأي القدس

2011-04-19

القدس العربي

اقرت الحكومة السورية الجديدة يوم امس في اول جلسة دورية لها برئاسة السيد عادل سفر مراسيم مشاريع الغاء محكمة امن الدولة وحالة الطوارئ وتشريع قانون جديد يسمح بالتظاهر السلمي، ومع ذلك استمرت المظاهرات والاحتجاجات في مختلف انحاء سورية، تخللها سقوط ضحايا نتيجة صدامات بين قوات الامن والمتظاهرين.

الغاء محكمة امن الدولة وحالة الطوارئ خطوة جيدة نظرياً على الأقل، وتشكل استجابة لمطالب الشعب السوري وتضحياته المعمدة بالدم والشهادة، فقد استخدمت قوانين الطوارئ هذه، المستمرة منذ اكثر من اربعين عاماً، في ارهاب المواطنين واذلالهم، ومصادرة الحريات، واطلاق يد القوات الامنية القمعية للتغول في تعذيب المواطنين دون اي رادع قانوني او اخلاقي.

المتظاهرون السوريون نزلوا الى شوارع وميادين جميع المدن السورية دون استثناء للمطالبة بالحريات والاصلاحات السياسية الجذرية والغاء احتكار حزب البعث للحياة السياسية واطلاق التعددية السياسية وتعديل الدستور والتوزيع العادل للثروة ومكافحة الفساد وتكريس حكم القانون.

السلطات السورية، والاجهزة الامنية بالذات، اعتقدت انها تستطيع اخماد هذه المظاهرات بالقمع واطلاق الرصاص بهدف القتل والترويع، ولكن هذه الاساليب الدموية لم ترهب المواطنين العزل، ودفعتهم للمزيد من التحدي، وتقديم المزيد من الشهداء في اصرار اعجازي على المضي قدماً في انتفاضتهم لتحقيق جميع مطالبهم.

الرئيس بشار الاسد تعهد في خطابه الاخير، الذي القاه في الجلسة الاولى للوزارة الجديدة، بالغاء قانون الطوارئ في غضون اسبوع، وها هو يفي بالعهد، ومن المتوقع ان يتم اقرار جميع هذه المراسيم قبل نهاية الاسبوع الحالي من قبله مثلما تقتضي الاعراف الدستورية.

جميل ان يتجاوب الرئيس السوري مع هذه المطالب المشروعة لابناء شعبه ويلغي محكمة امن الدولة الكريهة التي اذلت الشعب السوري وطلائعه الوطنية من خلال احكامها التعسفية بالسجن مدى الحياة، خاصة للسياسيين المعارضين، ولكن من المتوقع ان تستمر الشكوك في مدى جدية هذه الخطوة الايجابية حتى يرى الشعب السوري نتائج عملية على ارض الواقع.

شكوك الشعب السوري مشروعة، ويجب احترامها، لان هذه الخطوة، اي الغاء المحكمة وحالة الطوارئ، غير مسبوقة، وهذا هو اول تنازل كبير تقدمه السلطات السورية تجاوبا مع مطالب المحتجين. وهناك الكثيرون من يعتقدون ان الهدف منها هو كسب الوقت، والالتفاف على الاحتجاجات، وامتصاص الغضبة الشعبية، وينبع هذا الاعتقاد من عدم الثقة بالمؤسسة الامنية المتغولة من حيث احترامها لرغبة الشعب، والتزامها بتطبيق هذه المراسيم والقرارات. فمن المعروف ان رئيس الوزراء في سورية ليس صاحب قرار، خاصة في القضايا المتعلقة بالامن، وانما هو مجرد واجهة صورية فقط، والشيء نفسه يقال عن الوزراء الآخرين، بمن في ذلك وزيرا الداخلية والدفاع.

الشعب السوري في رأينا يجب ان يعطي فرصة لاختبار مدى جدية السلطات السورية في تطبيق هذه المراسيم، واصدار مراسيم اخرى تتعلق بانهاء هيمنة حزب البعث وتعديل المادة الثامنة من الدستور المتعلقة بهذا الامر، واطلاق الحريات والتعددية السياسية، واصدار قانون جديد للاعلام، ومحاربة كل رموز الفساد.

المظاهرات السلمية يجب ان تستمر ريثما تتحقق جميع هذه المطالب تماماً مثلما فعل شباب الثورة في مصر، فمظاهراتهم السلمية المليونية هي التي اجبرت المجلس العسكري الحاكم على اعتقال كل رموز الفساد بمن فيهم نجلا الرئيس المخلوع حسني مبارك وتقديمهم الى العدالة بعد استجوابهم حول جميع التهم الموجهة اليهم، بما في ذلك تهمة نهب المال العام وقتل المتظاهرين العزل.

========================

عن دور الأكراد في التحول السوري

الاربعاء, 20 أبريل 2011

شيرزاد اليزيدي *

الحياة

مع إرهاصات الثورة الشعبية السورية من درعا ضد السلطة البعثية وقمعها في درعا وغيرها من مدن وبلدات، كثر الحديث عن سبب عدم مشاركة الأكراد بفعالية في هذه الموجة الاحتجاجية. هذا علماً أن الأخيرة اذا ما تواصلت وتوسعت، فستتحول ولا ريب الى ثورة كبرى تعم ارجاء الوطن السوري وفي مقدمه كردستان السورية التي كانت سباقة في الانتفاض الشعبي. لكنْ، لماذا غاب الحضور الكردي هذه المرة، يتساءل البعض؟

بداية لا حاجة الى التأكيد ان الاكراد يشاركون قلباً وقالباً السوريين المنتفضين توقهم الى الحرية والكرامة والعدالة، وهم سيكونون في طبيعة الحال رقماً صعباً في معادلات الثورة على الاستبداد. لكن ما لم تتبلور ملامح ثورة شعبية عامة ضد النظام، لا سيما على صعيد الشارع العربي السنّي (ولنسمّ الامور بأسمائها) في مدنه الكبرى فضلاً عن العاصمة دمشق، فإن تحرك الشارع الكردي قد يشكل فرصة ذهبية للنظام للحصول على مشجب يعلّق عليه أفعاله القمعية بحق الجماهير المنتفضة، أكان في كردستان سورية او باقي المناطق السورية. وعليه، فالتحرك الكردي سيتبلور في حال حصول تحرك وطني عام كي لا يستفرد النظام بالأكراد ويحرض عليهم ويعمل مجدداً على افتعال صراع عربي – كردي.

نعم، الاكراد في طليعة المطالبين بالتحول الديموقراطي والمستفيدين منه، اذ إن تحولاً كهذا لا بد من ان يترافق مع اقرار حل ديموقراطي عادل لقضيتهم. لكن لا ينبغي اعطاء النظام اوراقاً مجانية ليتاجر بها ويحاول الخروج من الازمة الوجودية التي تطبق عليه. فللمرة الأولى ينتفض الشارع العربي السوري، وهذا بحد ذاته تطور نوعي بالغ الاهمية. وهنا يراهن الاكراد على اتساع رقعة هذا التحرك وشموليته تماماً كما فعلوا هم سابقاً وكما هم مستعدون لفعله مجدداً.

ولعل في تجربة كردستان العراق دروساً بليغة ينبغي على اكراد سورية الاستفادة منها والأخذ بها في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها منطقتنا. فأكراد العراق لم ينتفضوا في 1991 إلا تزامناً مع انتفاضة الجنوب الشيعي، خصوصاً ان المناطق السنية العراقية لم تكن في وارد الانتفاض اصلاً، ما اضفى طابعاً وطنياً عاماً على تلك الانتفاضة العظيمة التي ليس من المبالغة القول إنها أسست لسقوط نظام صدام ولو بعد حين.

فما لم تحرك دمشق وحلب ساكناً، فإن درعا او القامشلي او اي مدينة طرفية اخرى لن تتمكن من التأسيس لثورة كبرى شاملة ضد النظام. ولنا في تجارب الثورات الشعبية العربية خير مثال: فالقاهرة قادت الثورة، وفي ليبيا قادتها بنغازي المدينة الثانية بعد العاصمة طرابلس. فعندما تنتفض الشعوب بمئات الآلاف وبالملايين في شوارع المدن الكبرى المسلطة عليها أضواء العالم كله، عندذاك تعجز آلة القتل والقمع السلطوية عن الايغال في ارتكاب جرائمها، بخاصة اننا في عصر الصورة والانترنت وسقوط السرديات الأيديولوجية الاستبدادية.

والحال ان اكراد سورية يعون مصالحهم وحقوقهم، وهم لن يكونوا كبش فداء او ورقة في يد أحد: لا السلطة المستبدة ولا بعض قوى معارضتها التي إن استتب الامر السلطوي لها لن تكون افضل من النظام، بخاصة في ما يتعلق بالقضية الكردية.

ولن يطول الامر كثيراً حتى ينتفض الاكراد، ليس بقرار من أشباه الاحزاب الكردية المصطنعة، والتي لو اجتمعت بمجلسيها العرمرميين، السياسي والعام، فإنها بالكاد تستطيع تسيير تظاهرة من بضعة آلاف.

فالشارع السياسي الكردي في سورية، بحنكته وتمرسه النضاليين الديموقراطيين، سينتفض وفق تقديراته لتوقيت بدء هذا التحرك وأشكاله وطروحاته، مرتكزاً الى إرث انتفاضة آذار (مارس) التاريخية التي كان لها الفضل في كسر ذاك الجدار الرهيب، جدار الخوف والسلبية الذي بنته السلطة.

* كاتب كردي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ