ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

سورية.. أنفاس لاهثة

الشرق القطرية

25-4-2011

عبدالرحيم نورالدين

صور القتلى المروعة والبشعة الذين سقطوا بنيران قوات الأمن السورية التي بثها موقع "يوتيوب" على شبكة الإنترنت، جعلت القلوب تتفطر ألما، والأعين تذرف دماً، والوجدان الشعبي ينشطر حزنا، من هول مظاهر القمع المنظم الذي تعرضت له جحافل المتظاهرين السوريين الذين جابوا المدن السورية بهتافاتهم المدوية التي ارتقت إلى عنان السماء متنادية بالإصلاح، ومقتضيات الصحوة السلمية.

الجمعة العظيمة، أو جمعة الآلام، سطرت بأحرف من دم توق الشعب السوري للحرية والإصلاح السياسي ومحاربة الفساد والاستبداد.

تباطؤ النظام في الاستجابة للمطالب الشعبية أدت بصورة أكثر وضوحاً إلى رفع سقف مطالب الشباب من الدعوة إلى إصلاح النظام، إلى الإلحاح الحاسم بالهتاف الأسطوري: "الشعب يريد إسقاط النظام".

ظن الرئيس السوري الأسد وسدنة نظامه العتيق خطأ، أن المراسيم الدستورية التي أصدرها مؤخراً سوف تكبح جماح الثورة الشعبية وتؤدي تبعاً لذلك إلى استقرار النظام المتشبث بسدة الحكم.

لقد اشتملت تلك المراسيم الدستورية إلى إلغاء قانون الطوارئ التليد، وإقالة الحكومة، وتشكيل لجان تعنى بإصلاح منظومات النظام وانساق العمل السياسي العام.

ففي الوقت الذي ظن النظام أن هذه المراسيم الدستورية وما تبعها من خطوات تعد كافية لاستتباب الأمن، واختفاء شبح المظاهرات من الشوارع، فإن الشباب السوري رأى في تلك المراسم مجرد مسكنات أولية، وجراحا تقبيحية للمطالب، وأنها في مطلق الأحوال لم تستجب للنداءات والمطالب الحقيقية التي تحقق في نهاية المطاف: إعلاء الحرية، وإطلاق بيارق الديمقراطية، ورفع المعاناة عن الأهل الصامدين والصابرين.

الإعلام الرسمي السوري اقتفى آثار النظام بالترويج لنظرية المؤامرة التي عزا فيها النظام إطلاقه للرصاص ليس للشعب السوري، وإنما أرادوا بذر بذور الفتنة والشقاق بين الشعب السوري وقادته "الأوفياء" الذي يدعو للحيرة والتساؤل المشروع هو: لماذا لم تقدم أية دولة، أو جهة، أو حتى الجامعة العربية لتقديم مبادرة للتوفيق بين الثوار ونظام الرئيس الأسد؟ لقد حدثت حتى الآن سلسلة من المبادرات للوساطة بين الرئيس الليبي والثوار، وبين الرئيس اليمني والثوار اليمنيين الأشاوس.. وظل الوطن العربي بقادته وجامعته العربية يقف في حافة المنحى ويتفرج بتفجع على ما يجري في الساحة السورية..

وما لم يستجب النظام السوري للمطالب الشعبية المشروعة، وما لم تطف على السطح السياسي مبادرة جادة، من أي نوع كان أو يكون.. فإن مظاهرات "الجمعات" سوف تستمر في القُطر السوري.. ويخشى الجميع من أن تتحول سورية، السمحة إلى حمام دم تفوق بشاعته عن ذلك الذي حدث يوم الجمعة العظيمة.. وعندها يخشى من تدخل حلفاء الأسد للانضمام إلى إبادة الشعب الثائر، والقضاء على الثورة.. ويتحول المشهد برمته إلى أنفاس لاهثة!

=====================

(ورقة التوت ) القومية و(العورة الديمقراطية) !

جواد البشيتي

2011-04-25

العرب اليوم

في صراعه الدائم من أجل البقاء, ولو لم يُبْقِ بقاؤه على الوجود السياسي (والإنساني) للشعب, يتوفَّر نظام الحكم الدكتاتوري في سورية على تصوير نفسه, إعلامياً, على أنَّه خطُّ الدفاع الأوَّل (والأخير) عن الأُمَّة العربية في معركتها القومية ضدَّ إسرائيل, وضدَّ حلفائها في الغرب, وفي مقدَّمهم الولايات المتحدة, التي هي, في الوقت نفسه, القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم, والتي لولا سورية الصامدة المتصدِّية الباسلة لَقَضَت على البقية الباقية من الوجود القومي للعرب; فنظام الحكم هذا هو الذي مكَّن "حزب الله (الشيعي اللبناني)" من أنْ يقاوِم إسرائيل بما يُعْجِزها عن الانتصار عسكرياً في لبنان, وهو الذي حمى عروبة لبنان, وأحبط سعي الأعداء القوميين للعرب إلى الهيمنة عليه, عبر حلفائهم من اللبنانيين, وهو الذي كانت له مساهمة كبرى, ومن خلال مساندته المقاومة العراقية, في جَعْل مصلحة للولايات المتحدة في إنهاء احتلالها العسكري للعراق, وهو الذي بفضله ظلَّ للفلسطينيين مقاومة صلبة للاحتلال الإسرائيلي, وهو الذي (أخيراً) إنْ أصابه مكروه, وغادر الشام مغادَرَة هرقل لها, تمزَّقت الوحدة القومية للأُمَّة, وعاد العرب قبائل وطوائف (دينية) يقتتلون إلى يوم الدين.

كل هذا زَعْم باطل, فنظام الحكم في سورية لم يمارِس "العداء" لإسرائيل إلاَّ بما يُثْبِت, أو يكاد أنْ يُثْبِت, أنَّه متَّفِقٌ معها, ولو ضِمْناً, على أنْ تظل محتفظة بسيطرتها على الجولان في مقابل أنْ يظلَّ مَعْفِيَّاً من توقيع معاهدة للسلام معها; فنظام الحكم هذا لم يُعادِ الديمقراطية, والحقوق الديمقراطية لشعبه; لأنَّه, على ما يَزْعُم, في صراعٍ مصيري مع العدو الإسرائيلي, فإذا جنحت إسرائيل للسلم معه, وأعادت إلى سورية ما احتلته من أراضيها, جَنَح للسلم مع شعبه, مُسْبِغاً عليه نعمة الديمقراطية. إنَّه, والحقُّ أقول, يتَّخِذ من العداء (اللفظي) لإسرائيل ذريعة (يريد لها أنْ تبقى ما بقي) لحربه (الصريحة تارةً والمستترة طوراً) على الحقوق الديمقراطية (والإنسانية) لشعبه, الذي, بثورته الآن عليه, سيقيم الدليل المُفْحِم على أنَّ "الشعب الحُرُّ الديمقراطي الذي يحكم نفسه" هو (وليس نظام الحكم الدكتاتوري) الذي يحقُّ للعدوِّ الإسرائيلي أنْ يخشاه خشية المؤمِن لربِّه; فالدكتاتورية, التي هي قَلْب نظام الحكم السوري وقالبه, تقصي الشعب عن المعركة القومية, وتَخْدُم إسرائيل أكثر بكثير ممَّا تَخْدمُها الولايات المتحدة; ولو (وهي حرف امتناع لامتناع) انحاز نظام الحكم السوري إلى شعبه لاكْتَشَف أنْ لا أهمية تُذْكَر لانحياز الولايات المتحدة (ولو كان انحيازاً أعمى) إلى إسرائيل.

الدكتاتورية (في سورية, وفي سائر البلاد العربية) هي التي تَجْعَل إسرائيل تبدو لنا كما يبدو القط للفأر, لا وحش أقوى منه!.

لو كان نظام الحكم السوري (وأشباهه في سائر بلاد العرب, أي نحو 99.9 في المئة من أنظمة الحكم العربية) صادقاً وجاداً في عدائه لإسرائيل, أو في تبادله العداء مع هذا العدو القومي الأوَّل للعرب, لأدرك أنَّ الديمقراطية هي السلاح الذي إنْ تخلَّى أو زَهَد عنه لسلَّح إسرائيل بالسلاح الأشد فتكاً بنا; فإنَّ تحرير الشعب السوري من الدكتاتورية, بصفة كونها أسوأ احتلال يخضع له شعب, هو الطريق إلى تحرير الجولان.

الدكتاتور, وعلى ما أثْبَت تاريخ أنظمة الحكم الدكتاتورية في العالم, وفي العالم العربي على وجه الخصوص, لا تشتدُّ صعوبة القضاء عليه من الداخل, إلاَّ لتتضاءل صعوبة القضاء عليه من الخارج, وكأنَّه "الأسد" في الداخل, و"الفأر" في الخارج; وشعوبنا, التي ثارت على نفسها قبل, ومن أجل, أنْ تثور على حُكَّامها المستبدِّين, ما عادت تَقْبَل ثنائية "الأسد الفأر" نظام حكم لها.

وشعوبنا, التي تَفْهَم "الحق الديمقراطي" على أنَّه تأكيد, لا نفي, ل "الحق القومي", و"الحق القومي" على أنَّه تأكيد, لا نفي, ل "الحق الديمقراطي", لن تعادي حكَّامها المستبدِّين, أو تبادلهم عداءً بعداءٍ, بما يجعلها, في الوقت نفسه, معاديةً لقوى عربية (شعبية) معادية حقَّاً لإسرائيل, أو حليفة لقوى دولية وإقليمية وعربية تناصبنا, وحقوقنا القومية والديمقراطية, العداء; فإنَّ الوقوف مع الشعب السوري في ثورته على نظام حكمه الدكتاتوري لا يعني, ويجب ألاَّ يعني, أنْ نقف ضدَّ "حزب الله", وسائر قوى المقاومة العربية, مهما كانت عيوبها ومثالبها, أو أنْ نقف مع قوى الرابع عشر من آذار, وأشباهها في البلاد العربية, أو أنْ نقف مع "السِّين" العربية الأخرى; لكنَّنا يمكن, وينبغي لنا, أنْ نقف ضدَّ إيران إذا ما ظلَّت تُفْسِد صراعنا الديمقراطي والقومي بعصبيتها الشيعية تارةً, وبعصبيتها الفارسية طوراً; فإيران لن تكون أبداً "المثل الأعلى" لشعوبنا; وكيف لها أنْ تكون ونحن لدينا الآن, وفي مصر وتونس على وجه الخصوص, "المثل الثوري والديمقراطي الأعلى"?! .

=====================

خيارات سورية الصعبة

د. غانم النجار

g.alnajjar@aljarida.com

الجريدة

25-4-2011

يوم أمس الأول، وجهت اللجنة الدولية للحقوقيين، ومقرها جنيف، بياناً دعت فيه مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه ما يحدث في سورية من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

وأكدت اللجنة على لسان أمينها العام ويلدر تايلر أنه آن الأوان لمجلس الأمن أن يتخذ الإجراءات العاجلة والضرورية لحماية المواطنين السوريين من تعديات الأجهزة الأمنية، حيث قدرت اللجنة أن قرابة 330 شخصاً قد قتلوا منذ 15 مارس حين اندلعت التظاهرات السلمية.

وقد أكد تايلر أن «المجتمع الدولي فشل حتى الآن في حماية المدنيين السوريين من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وعلى الأخص الحق في الحياة»، وطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين وأن يقوم مجلس الأمن بتتبع الذين قاموا بتلك الانتهاكات ومعاقبتهم لتحقيق العدالة للضحايا.

وعلى مستوى آخر، طالبت 19 منظمة حقوقية عربية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة برفض عضوية سورية في المجلس الأممي الذي يتخذ من جنيف مقراً له، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات في مايو القادم. وقد استنكرت المنظمات دعم الجامعة العربية لطلب سورية الترشح لمقعد في المجلس.

وأشارت المنظمات إلى ازدواجية المعايير، إذ إن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أسقطت عضوية ليبيا من المجلس بالإجماع في الأول من مارس لأن عضوية المجلس تتعارض مع التزامها بحقوق الإنسان، فكيف يمكن لسورية أن تتبوأ مقعدها في المجلس بعد شهرين فقط من إسقاط عضوية ليبيا.

وقد طالبت المنظمات الحكومة السورية بسحب طلب ترشيحها فإن رفضت فعلى المجلس رفض عضويتها، وإلا فإن المجلس سيتحول إلى مهزلة، وبالذات في الظروف الجارية الآن في سورية.

من الواضح أنه لم تعد هناك خيارات كثيرة أمام النظام السوري، ولم تعد هناك سيناريوهات متعددة، فإما المضي قدماً في القمع وسحق الحراك الشعبي، وهي خطوة قد تكلف كثيراً، وقد تحيل المجتمع الدولي الخجول في التعامل مع سورية حتى الآن إلى أن يصبح أكثر حدة، إزاء وتيرة ازدياد القمع. أو أن يرضخ النظام ويقدم تنازلات حقيقية ومن ثم يتحول إلى نظام آخر، وهو أمر مستبعد، حيث قد يؤدي إلى انقلاب داخلي يطيح بالرئيس بشار الأسد، أو يحاول التعامل مع الحراك الشعبي بسياسة النفس الطويل مع تقليل القمع ما سينتج عنه تصاعد في الحراك الشعبي، الأمر الذي سينتهي إلى النتيجة المعروفة وهي إسقاط النظام.

من المؤكد إذاً أن دماء الضحايا التي سالت طلبا للحرية لم تكن دماء جيء بها في قنان لتمثيل الموت، أو أن الذين قتلوا كانوا شخصيات وهمية، بل إن أصداء قصيدة أحمد شوقي باتت تتردد في قضاءات الشام، ولم يعد مهما أنها قيلت في المحتل الفرنسي حين أبدع شوقي قائلا:

سلامٌ من صبا بردى أرَقُّ

ودمع لا يكفكف يا دمشقُ

وبي مما رمتك به الليالي

جراحات لها في القلب عمقُ

وللأوطان في دم كل حر

يد سلفت ودين مستحق

ففي القتلى لأجيال حياة

وفي الأسرى فدى لهمُ وعتق

وللحرية الحمراء باب

بكل يد مضرجة يُدَقُّ

وهكذا، فإن ما بدأ في درعا منذ أكثر من شهر بشكل مفاجئ، وتم وصفه بأنه كان لعب أطفال يستحقون التأديب، تحول إلى مأزق حاد، وسالت فيه دماء الأبرياء، ضاقت فيه الخيارات والبدائل، وما من بديل ناجح في هذا الوقت، وحقناً للدماء، إلا منح الناس حريتهم، وإعادة كرامتهم المسلوبة عبر السنين.

=====================

المخاوف التركية وجيران الجنوب

الإثنين, 25 أبريل 2011

هوشنك أوسي *

الحياة

حين عارضت تركيا الاجتياح الأميركي للعراق، في آذار (مارس) 2003، لم يكن الأمر ناجماً عن كونها ترفض منطق الغزو ومساندة الأجنبي في تغيير بلد عربي، مسلم، جار لتركيا. ذلك أن تركيا دولة ذات إرث عريق في الغزو والاحتلال، شاركت في الحرب الكوريّة، وغزت شمال قبرص عام 1974، وشاركت في الحرب على طالبان. فالمخاوف التركيّة من أن يستفيد كرد العراق من نظام ما بعد صدّام، كانت الرافعة الاستراتيجيّة والمحوريّة ل «الممانعة» التركيّة آنئذ. زد على ذلك أن نظام صدّام كانت تربطه علاقات واتفاقات استراتيجيّة مع الدولة التركيّة، خصوصاً في محاربة الكرد.

نفس المخاوف التركيّة قبل 2003 من التغيير النوعي والجذري في العراق، تتجدد، حيال ما يجري الآن في سورية. وقد كتب الصديق والزميل يوسف الشريف مقالاً مهماً، تحت عنوان: «الإصلاح في سورية هو أيضاً مصلحة تركية» («الحياة» 11/4/2011)، ذكر فيه: «تركيا قلقة من احتمال انتقال الأزمة الى حدودها الجنوبية في حال خرج الوضع الأمني عن السيطرة في سورية، وهو ما يبرر هذا المشهد الذي تبدو فيه تركيا وكأنها تتدخل في الشأن الداخلي السوري بصورة صديق يقدم النصيحة أحياناً وبصورة أخ أكبر يبدي قلقه وخشيته...».

أما انتقادات النظام التركي لحليفه السوري، فلذرّ الرماد في العيون، لئلا يوصف أردوغان وحكومته بدعم الاستبداد والفساد في سوريّة!. أما «نصح» النظام السوري فلم يكن في طريقة الاستجابة لمطالب الشعب السوري، بقدر ما كان في إطار الطريق الأسلم والأنجع الذي يمكن فيه النظام أن يمتصّ فورة الشعب وغضبه، وآليات تجنيبه مخاطر السقوط. ولو كان الدور التركي في سورية، حالياً، يقتصر على إسداء النصح بالاستجابة للمتظاهرين، لما أرسل أردوغان، مدير استخباراته الى دمشق!.

وغالب الظنّ أن حجم المساندة التركيّة للنظام السوري، ستتضح وتتصاعد تباعاً، مع اتساع الاحتجاجات والتظاهرات في سورية. وستبقى تركيا تدعم النظام، حتّى لحظاته الأخيرة، مع تهيئتها لدورٍ فاعل ونشط في سورية ما بعد البعث. وذلك، عبر جماعة الإخوان المسلمين السورية، التي تربطها بتركيا وحكومتها الإسلاميّة علاقات جد وثيقة وقديمة. بل ليس من المستبعد، أن تجتاح تركيا المناطق الكرديّة، شمال وشمال شرقي سورية، لئلا يحصل الكرد السوريون على ما حصل عليه كرد العراق.

الكرد السوريون البالغ عددهم نحو 3 ملايين، يعتبرهم كثيرون من المراقبين القوّة الاستراتيجيّة في أيّة انتفاضة أو عمليّة تغيير جذريّة في سورية. لذا، سعى النظام الى استمالتهم ومغازلتهم، لكنّه بدأ يتبرّم من حضورهم في الانتفاضة السوريّة. وهذا ما دفع مدير شعبة الاستخبارات العامّة الجنرال علي مملوك الى اتهام الحركة السياسيّة الكرديّة في سورية ب «العمالة لإسرائيل».

وإذا حصل الكرد على مطالبهم وحقوقهم، في نظام ما بعد البعث، فستصبح تركيا في موقع حرج جدّاً، داخليّاً وخارجيّاً، لعدّة أسباب، أبرزها:

1- حصول 3 ملايين كردي سوري على حقوقهم المشروعة، بينما تمضي تركيا في عدم الاعتراف بوجود وهويّة وحقوق 20 مليون كردي.

2- سيتم دحض الادعاءات التركيّة، داخليّاً وخارجيّاً، من أن الكرد، دعاة انفصال. على العكس، سيظهر أن كرد سورية، ككرد العراق، يريدون العيش تحت سقف دولة المواطنة مما يطالب به كرد تركيا أيضاً.

3- الحدود الجنوبيّة لتركيا مع سورية والعراق، ستكون منتعشة كرديّاً، وستضطر تركيا الى الاعتراف بالحال الكرديّة السوريّة التي ستتشكّل في مرحلة ما بعد نظام البعث، كما جرى حيال كردستان العراق.

وأيّاً يكن الأمر، فسقوط النظام السوري ليس في مصلحة تركيا. وإصلاحه «مصلحة تركيّة». لكنْ في حال مانع النظام الإصلاح، أو أسقطته الانتفاضة، فستكون لتركيا اختراقاتها في المعادلة السوريّة الجديدة، وستكون أكبر بكثير من حضورها في المعادلة العراقيّة، بعد سقوط صدام.

* كاتب كردي سوري

======================

آفاق الأزمة السورية!

سميح شبيب

الايام الفلسطينة

25-4-2011

شكّلت أحداث الجمعة الفائتة في سورية، نقلة نوعية في مسار الأزمة السورية، التي بدأت أحداثها، بتظاهرات احتجاجية محدودة، رفعت شعارات الإصلاح والحرية.

ما حدث في بداية الأزمة، هو صراع بين تيارين داخل جهاز الحكم ذاته، تيار طالب بإجراء إصلاحات، سبق أن أقرّها مؤتمر حزب "البعث العربي الاشتراكي" في العام 2005، ومنها إلغاء قانون الطوارئ، وسن قانون الأحزاب، والحريات الصحافية والإعلامية. كان واضحاً من خلال تصريحات مسؤولين سوريين، وأبرزهم بثينة شعبان وفاروق الشرع، أن هذا التيار يدرك أهمية إجراء الإصلاحات، درءاً لمخاطر خطيرة، قد تجرّ الشارع السوري، إلى ما سبق وأن وصلت إليه شوارع تونس وليبيا ومصر.. التيار الآخر، وهو تيار الحرس القديم، ومسؤولو أجهزة الاستخبارات، وبعض قادة الجيش، مثل قادة الفرقة الرابعة، وهي سرايا الدفاع سابقاً، يرون في أية إصلاحات، تراجعات غير مبررة، ستشكل نافدة لعودة المعارضين، وفتح الأبواب للهجوم على النظام ورموزه، وبالتالي فهي ترى بأن قمع توجهات الشارع، ستقضي على أية محاولة تمس بالنظام القائم، ويميل أصحاب هذا التيار، لوصف تحرك الشارع، بالعمالة الخارجية والمؤامرة.

منذ بداية الأحداث، لجأ أصحاب التيار الثاني، لممارسة العنف الأقصى ضد المتظاهرين، غير آبهين بالرأي العام السوري، والموقف الدولي المحيط. كان أصحاب دعوة القمع يرون أن هكذا ممارسات ستقضي على المعارضة في مهدها.

جاءت خطابات الرئيس بشار الأسد، مترددة وخجولة وغير واضحة، وبعد إلغاء قانون الطوارئ، وسن قانون التظاهر، وهو قانون غريب وعجيب بالمقاييس كافة، أعلن المعارضون عن تظاهرات يوم الجمعة، التي أسموها بالجمعة العظيمة، ويبدو أن أصحاب التيار الثاني، قاموا باستغلاله أبشع استغلال، فقاموا بفتح النار، على نحوٍ وحشي غير مسبوق، وكأنهم بذلك يقولون، إن خيارهم، هو الخيار القائم الوحيد. سقط ما يزيد عن مائة شهيد، وتوترت الأجواء في المحافظات كافة، وترتب على ذلك نقلة نوعية، وهي وصول الأزمة إلى نقطة اللاعودة. ما نشهده الآن في سورية، هو بدايات أزمة مفتوحة، ستطال بقاء النظام من ناحية، وستطال الأمن الاجتماعي السوري من جهة أخرى. باتت الأبواب مشرعة الآن، لاندلاع أحداث شخصية وجماعية بين الطوائف والبنى الاجتماعية القائمة. أصحاب التيار الثاني، لا يدركون مخاطر ما يقومون به، فتجربة حماة، وإبادة حي فيها، لم تعد قائمة الآن. قتل المدنيين بلا شفقة ولا رحمة لم يعد مقبولاً دولياً، واستمرار أحداث العنف ضد الشعب، يمكن أن تفضي، حكماً، لتدخلات دولية، إلى جانب الشعب. تكرار ما حدث في يوم الجمعة الفائت، سيستدعي دعوة دولية للتدخل، وعدم ترك الأمور، هكذا وعلى غاربها.

يبدو أن ما حدث في يوم الجمعة الفائت، هو حسم الأمور، وسيطرة أصحاب التيار الثاني، تيار الحرس القديم، ومسؤولي أجهزة المخابرات، وقادة الفرقة الرابعة على زمام الأمور، وهذا، تحديداً، ما سيوصل الأمور، إلى مستنقع الذبح الطائفي والداخلي، وتدمير بنى المجتمع المدني، وعلى نحوٍ دموي لم تشهده ساحات ليبيا ومصر وتونس واليمن.

======================

سوريا: أي طريق سلمي للديمقراطية؟

هيلينا كوبان

كاتبة ومحللة سياسية أميركية

تاريخ النشر: الإثنين 25 أبريل 2011

الاتحاد

دفعت الحركة المؤيدة للديمقراطية بجماهير حاشدة إلى الشوارع في سوريا في تحد واضح لنظام "البعث" الذي يحكم البلاد منذ 48 عاماً. وحتى الآن لقي ما يزيد عن 200 شخص مصرعهم في المصادمات بين المتظاهرين وقوات الأمن، مما يطرح السؤال: هل يمكن لسوريا إنجاز التحول نحو الديمقراطية من دون أن تواجه احتمالات الوقوع في معارك ضارية كالتي تدور في ليبيا حالياً، أو حدوث قمع شديد كالذي قوبلت به المظاهرات في أجزاء أخرى من العالم العربي.

الإجابة: نعم، يمكن أن يحدث ذلك إذا ما توافر لسوريا عدد كاف من القادة الذين يتمتعون بضبط النفس، ورباطة الجأش، والرؤية الثاقبة، وإذا ما كانت سوريا كبلد على استعداد للقبول بنوع من الوساطة الأجنبية.

البديل لذلك سوف يكون المزيد من العنف، والسقوط في هوة الطائفية، والتمزقات الاجتماعية السياسية أو ما يعرف في اللغة العربية ب"الفتنة". والفتنة إذا ما حدثت، فسوف تترتب عليها عواقب وخيمة بالنسبة لسكان سوريا البالغ تعدادهم 22 مليون نسمة، وللدول المجاورة أيضاً. والسوريون يعرفون جيداً ماذا فعلت الفتنة بالعراق بعد الغزو الأميركي له وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، وكيف دمرت نسيج مجتمعه، ودفعت أعداداً هائلة من شعبه للجوء للخارج، وقد استقبلت سوريا منهم نحو مليون شخص.

السؤال: كيف تستطيع القوى الخارجية مساعدة سوريا على تحقيق تقدم حقيقي، وسريع، نحو الديمقراطية دون أن تتعرض لخطر الوقوع في براثن الفتنة؟

أولاً، يجب إدراك أن سوريا اليوم، مثلما كان العراق قبل 2003، عبارة عن دولة يقودها حزب واحد، ينتمي إلى أقلية ديمغرافية، ويتغلغل في كافة أرجاء المجتمع، ويسيطر على كافة مفاصل الحياة فيه سيطرة شبه كاملة.

في العراق كانت هذه الأقلية هي العرب السنة، أما في سوريا فهم العلويون الذين يشكلون نسبة لا تتجاوز 13 في المئة، بينما غالبية السوريين هم من السنة.

ومن التحديات الكبيرة التي واجهت عراق ما بعد صدام، وواجهت جنوب أفريقيا، التحدي الخاص بكيفية إقناع أعضاء الأقلية المسيطرة (الخائفة غالباً) بتخفيف قبضتها على السلطة والانتقال إلى النظام الانتخابي الديمقراطي القائم على صوت واحد للشخص الواحد.

التحدي الثاني؛ كيفية إقناع الأغلبية (الغاضبة غالباً والراغبة في الانتقام) بالتسامح عما مضى وفتح صفحة جديدة مع الأقلية التي كانت متحكمة وظالمة، بينما يجري التحرك نحو تحقيق الديمقراطية.

والعثور على أناس أصحاب رؤية من الجانبين (الأغلبية والأقلية) ليس بالأمر السهل؛ فالسوريون يحتاجون إلى نموذجهم الخاص المعادل لكل من نيلسون مانديلا ودو كليرك حتى يستطيعان التفاوض على إيجاد مسار ديمقراطي سلمي لسوريا.

لكن يجب هنا الالتفات إلى نقطة، وهي أن الأمر في سوريا سوف يكون أكثر صعوبة مما كان عليه في جنوب أفريقيا، لأن "مانديلا" و"دو كليرك" عندما كانا يتفاوضان كانت تقف وراءهما حركة سياسية عاملة ونشطة، وكانت الصفقة الديمقراطية التي توصلا إليها من خلال المفاوضات، عبارة عن اتفاقية عريضة القاعدة بين الحركات السياسية الكبرى العاملة في البلد، وليس بين الرجلين فقط.

وفي سوريا يصعب على أي شخص أن يتخيل أن الأقلية البعثية تؤيد الانفتاح على قادة في الأغلبية السنية، وربما يكون أصعب من ذلك العثور على قادة في الحركة المطالبة بالديمقراطية لديهم القدرة على إقناع أغلبية السكان بالوقوف وراء صفقة تضم العلويين والبعثيين ودفع هذه الصفقة قدماً للأمام.

نخرج من هذه الحقائق كلها بنتيجة، وهي أن التوصل لحل للوضع المتأزم في سوريا ربما يحتاج إلى مساعدة من طرف خارجي وربما يكون هذا الطرف هو جنوب أفريقيا ذاتها.

وهناك دولة أخرى يمكن أن تمد يد المساعدة لسوريا أيضاً وهي تركيا. فتركيا لها حدود مشتركة بطول 800 ميل مع سوريا، علاوة على أنها دولة ديمقراطية ذات أغلبية سنية يحكمها حزب إسلامي معتدل. وهي مركز قوة اقتصادية صاعدة كما أن قادتها يرتبطون بعلاقات وثيقة مع الحكومة والشعب في سوريا. وهي عضو في "الناتو"، وقد نجحت عبر تاريخ طويل من تحييد جيشها الذي كان ميالاً إلى تدبير الانقلابات إلى الكف عن التدخل في الشؤون المدنية. كل تلك الصفات تجعل تركيا مرشحاً محتملاً للتدخل وتقديم حلول نافعة للوضع السياسي البالغ التعقيد في سوريا.

ما الدور لذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في ذلك؟ أولا، يجب أن تمنح الولايات المتحدة موافقتها على أي خطة للتوصل إلى مسار سلمي متفاوض عليه، بعيد عن العنف، للتحول نحو الديمقراطية. والثاني، أن تقنع إسرائيل المجاورة بالامتناع عن التدخل في الشؤون السورية الداخلية. وإقناعها أيضاً بضرورة الدخول في عملية تفاوض مع سوريا تقوم على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وإعادة الجولان السوري.

في أي دولة يستغرق بناء ديمقراطية عاملة ما هو أكثر من عملية انتخابية واحدة أوعمليتان. كما يحتاج ذلك إلى مؤسسات قوية والتزام ببناء مستقبل مشترك بين كافة أطياف المجتمع، وفوق كل ذلك؛ ضمان توفير الاحترام للفكرة القائلة بأن أعقد الاختلافات السياسية يمكن حلها من خلال المداولات والمفاوضات وليس من خلال العنف.

السؤال الآن: هل تستطيع جنوب أفريقيا، وتركيا، والولايات المتحدة، وباقي أصدقاء سوريا، مساعدة الشعب السوري، بكافة أطيافه ومذاهبه، على السعى من أجل تحقيق ذلك؟

======================

الاستنجادات الطائفية للأنظمة الدكتاتورية

تاريخ النشر: الإثنين 25 أبريل 2011

خالد الحروب

الاتحاد

بعد عقود طويلة من السيطرة على مقدرات البلدان والزعم بإنشاء دول حديثة يتبدى اليوم الفشل المذهل الذي راكمته بعض الأنظمة العربية في طول وعرض هذه المنطقة من العالم. كل مشاريع التحديث الظاهري لم تنجح في خلق مجتمعات وبلدان قائمة على مبدأ المواطنة الدستورية والمساواة الكاملة أمام القانون. كل ما كان ولا زال على السطح هو مجرد قشرة ظاهرية من التحديث الهش. وإذا تعرضت هذه القشرة الهشة للتهديد والهدم فإن كل بنية ما قبل الدولة تكون هي الثابت شبه الوحيد. ولئن كانت هناك جرائم حرب يُحاكم بسببها من يقترفون جرائم إبادة بحق شعوبهم فإن جريمة إضاعة عقود زمنية طويلة من عمر الشعوب ربما لا تقل فداحة، ويستحق الحكام والأنظمة التي تقترفها المحاكمة.

أحد خطابات الأنظمة المتهاوية جراء الثورات العربية يقوم على التهديد من أن زوال النظام يعني انحدار البلد نحو مهاوي الحرب الأهلية والارتكاس إلى النزاعات القبلية والانقسام الجغرافي بحسب الإثنيات والطائفيات. أشد تمثلات هذا الخطاب الآن تتجسد في ليبيا وسوريا، حيث الخطاب الرسمي يطرح واحداً من خيارين أمام الناس: إما مواصلة الخضوع للاستبداد وحكم الفرد، أو إشعال البلد في أتون حرب أهلية قبلية وطائفية، قد لا تنتهي إلا بالتقسيم. هكذا إذن نكتشف أن ضياع كل السنوات الطويلة التي كان من المفترض أن تُستثمر في بناء دولة قانون حديثة يتحول فيها الأفراد من رعايا تابعين لقبائل أو طائفيات إلى مواطنين كاملي الحقوق والواجبات، ومتساوين أمام الدستور. في تبني خطاب التخويف من الحرب الأهلية واحتراب القبائل والطوائف تعترف الأنظمة الخائفة من الانهيار بأنها تستحق الإطاحة والانهيار فعلاً لأنها لم تقم بأدنى ما كان يجب أن تقوم به في سبيل نقل بلدانها إلى مرحلة دولة القانون المتماسكة والعادلة.

والمعضلة البنيوية التي تعامت عنها بعض الأنظمة، وتعامى عنها مناصروها ومؤيدوها من منظري الوضع القائم، تمثلت في استنزاف مقدرات البلدان متمثلة بأمرين: أولهما المحافظة على الوضع القائم وحكم الفئة المسيطرة، وثانيهما الاهتمام الشكلي بمظاهر التحديث الخارجي من دون بذل أي جهد في ترسيخ الحداثة السياسية والمواطنة. والتحديث الخارجي يعني استيراد أشكال التكنولوجيا وتركيبها فوقياً ومظهرياً على البنيات التقليدية من دون تحديها أو تفكيكها. بينما الحداثة بتعريفها العريض والتنوير يعني تغيير أنماط العلاقات والولاءات ومصادر الشرعيات لتصبح عقلانية توافقية وديمقراطية وغير قائمة على روابط الدم أو الانتماءات الدينية. لم يحدث أي من ذلك، ولهذا فإن النهاية المأساوية تمثلت في أن الشيء الوحيد الذي ترسخ في عقود ما بعد الاستقلال في الدولة العربية هو الاستبداد المبني على التحديث الهش، وهو أسوأ أنواع الاستبداد – الاستبداد الذي يأخذ كل شيء ولا يعطي أي شيء. فمن ناحية تاريخية هناك مقايضة كبرى قام عليها الاستبداد العربي، وعملياً معظم نظم الاستبداد في تجارب الشعوب، وهي تقوم على تحقيق إنجازات خارجية كهزيمة عدو خارجي مثلاً أو ترقية البلد المعني إلى درجة نفوذ عالمي، أو داخلية كإنجاز تنمية وتقدم واقتصاد ناجح، أو بناء مجتمع ودولة متماسكة، ومقابل ذلك كله يتم شراء سكوت الناس على استبداد حكامهم. منذ عهود الاستبداد الفرعوني ومروراً بكل الإمبرطوريات التي مرت في تاريخ البشر يمكن أن نلتقط وجود هذه المقايضة أو المعادلة بتنويعات مختلفة. منظرو هذه المقايضة دافعوا عنها بكونها تحقق الاستقرار والازدهار للمجموعة البشرية المعنية وتحقق وحدتها، حتى ولو على حساب حريات أفرادها. هذا التنظير الذي ساد قديماً، وصار مرفوضاً في هذه الأيام، لم يخلُ من منطق ما إلى هذه الدرجة أو تلك بحسب الحالة. ولم تتحطم الأركان الأساسية لهذه النظرية إلا بعد بزوغ التنوير والحداثة السياسية، التي فككت هذا الاشتراط القسري بين تحقيق الإنجازات وتبني الاستبداد، وقدمت عوضاً عن ذلك الحرية بكونها الأرضية الأكثر ديمومة للإبداع الإنساني. مهما نجح الاستبداد في تحقيق مستويات عالية من الإنجاز فإن قاعدته، الاستعبادية، هشة والدليل الحديث الذي ما زال يعيش معنا هو الاتحاد السوفياتي. التحدي الحقيقي هو البناء مع الحرية وليس على حسابها.

الاستبداد العربي الحديث يريد تقديم معادلة ومقايضة من نوع مدهش وتخلو تماماً من أي منطق. يريد سكوت الشعب وتخليه عن حرياته وقبوله بالقمع وخضوعه لحكم حفنة منتفعة من الأفراد، مقابل لا شيء! ليس هناك إنجازات خارجية أو داخلية يمكن لهذا الاستبداد استخدامها وتوظيفها في الدعاية الديكتاتورية. أنظمة الاستبداد العربي عملت على إدامة التكلس والتخلف في بلدانها وجمدتها في ذيل قوائم معدلات التنمية والتقدم بين بلدان العالم. لم تنشغل هذه الأنظمة في تنمية بلدانها بل استنزفت جهودها في أمرين: الأول هو المحافظة على موقعها في الحكم ولو أدى ذلك إلى طحن كل الشعب، والثاني النهب المتواصل وبناء بطانة تستميت في دفاعها عن النظام لأنها وحدها المستفيدة منه. بأي حق يُطالب أي شعب عربي في قبول مثل هذه المعادلة وعلى أي أساس، ولماذا؟ ما هي شرعية هذه الأنظمة التي لم تقدم لبلدانها سوى التخلف والهزيمة، ولماذا تسكت شعوبها عليها؟

=====================

هل بلغت سورية نقطة اللاعودة؟

الإثنين, 25 أبريل 2011

جورج سمعان

الحياة

انتقدت صحيفة «واشنطن بوست» بشدة الرئيس باراك أوباما وإدارته. ووصفت موقفه مما يجري في سورية بأنه «مخز». وعزت هذا السكوت إلى اعتقاد واشنطن باستمرار الحاجة إلى نظام الرئيس بشار الأسد في التسوية السلمية في المنطقة. ولم يخف بعض المعارضين السوريين، في تصريحاتهم، خيبة أملهم من هذا الموقف، خصوصاً عندما يقارنونه بالموقف المختلف من النظام في طرابلس.

والواقع أن موقف إدارة أوباما يندرج في إطار سياسة عنوانها «الحوار» والانخراط مع دمشق بدل القطيعة والمواجهة. هذه جربتها الإدارة السابقة، خصوصاً إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ووجدت واشنطن نفسها معزولة وبعيدة عما يجري، كما عبر أكثر من مسؤول أميركي حالي. ولكن حتى في عز المواجهة مع «محور الممانعة» رفض أركان الرئيس بوش الإبن كل الدعوات إلى تغيير النظام السوري. فضلوا الحرص على بقائه... على رغم كل الاتهامات التي ساقوها إليه ب «دعم الإرهاب» في العراق و «زعزعة الاستقرار» في لبنان ودعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. رفعوا شعار تغيير «سلوك النظام». وإلى اليوم ترى الولايات المتحدة أن لا غنى عن دمشق والتحدث إليها كلما قويت شوكة «حزب الله» وحركة «حماس». أو كلما كانت هناك حاجة إلى إيصال رسائل معينة إلى الحزب أو الحركة. وهذا ما دفعها إلى إعادة تعيين سفير جديد لها لدى سورية قبل أشهر.

ومنذ اندلاع الحراك في سورية ميزت واشنطن بين موقفها مما يجري في هذا البلد عن مواقفها مما جرى ويجري في بلدان عربية أخرى. ومثلها فعلت حكومات عربية انخرطت بأشكال مختلفة حيال الحراك في البحرين وليبيا واليمن. وساد اعتقاد راسخ بأن الولايات المتحدة لا تزال تراهن على وجوب بقاء النظام مكررة دعوته إلى أجراء أصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية. وهكذا رأى بعض العرب الذين يخشون من الفوضى التي قد تعبر إلى لبنان والأردن الجار الشمالي لشبه الجزيرة. لكن اللهجة الأميركية والأوروبية حيال ما يجري تزداد حدة مع تصاعد العنف الذي يرافق ارتفاع وتيرة التظاهرات وانتشارها على مساحة البلاد، من باب مزيد من الضغط وليس من باب التحريض أو الانخراط في سياسة اسقاط النظام، كما بدأ المتظاهرون السوريون يطالبون.

هذه السياسة الأميركية - الصمت والانتظار - ليست جديدة. اعتمدتها مع الرئيس علي عبد الله صالح قبل الحراك وأثناءه. كانت بحاجة إليه في حربها على الإرهاب عموماً وتنظيم «القاعدة» خصوصاً. وصبرت ودول الخليج ولا تزال في انتظار توافر البديل الذي عليه التزام مجريات المعركة على التنظيم... وكذلك توفير الأمن المطلوب في باب المندب الذي تعبر مضيقه أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً إلى الغرب. فضلاً عن أن دول مجلس التعاون لا ترغب في رؤية جارها الجنوبي يغرق في حرب أهلية قبائلية وجهوية ستترك آثاراً مدمرة على الاستقرار في كل شبه الجزيرة. كل هؤلاء يريدون انتقالاً منظماً للسلطة من أجل اداء دور في اختيار دقيق للخلف.

والجميع يتذكرون أن واشنطن انخرطت في حوار مع دمشق. تقدمت إليها غداة الحرب على العراق وسقوط نظام صدام حسين بلائحة من المطالب. حاور السوريون وناقشوا. كانوا قلقين. لم يفعلوا ما فعله العقيد القذافي الذي استدار مئة وثمانين درجة وتخلى عن «برنامج أسلحة الدمار الشامل» وعن... كل الذين ساعدوه في السعي إلى هذا البرنامج. وسعوا يومها إلى شراء الوقت. حاولوا المقايضة بين تنفيذ المطالب الأميركية وما يمكن أن يحصلوا عليه: من «كلمة سياسية مسموعة» في مستقبل العراق، ومن إعادة الإعمار فيه، إلى مسائل أخرى تخص لبنان والقضية الفلسطينية والجولان. وبلغت المفاوضات حد تبادل أوراق عن شكل الحكومة السورية الجديدة المطلوبة بوجوه جديدة ووجوب غياب أخرى. وأوراق عن تحديث معظم البنى والمؤسسات وعلى رأسها الاقتصاد. ومع تبادل الأوراق بين الأميركيين والسوريين عبر إحدى الدوائر الديبلوماسية الخليجية، كان الوضع في العراق يتجه نحو مزيد من العنف... فطار «ربيع دمشق» ومعه كل الوعود بالتغيير. وراجت أحاديث عن معارضة الحزب «القائد»، وأخرى عن «مراكز قوى» قاومت التغيير المطلوب، مما كان يسيء إلى صورة الرئيس الأسد وموقعه وقدرته على اتخاذ القرارات.

وساق الأميركيون الكثير من الاتهامات إلى سورية بدعم «الارهاب» في العراق، وببناء «حلف الممانعة» مع إيران والحركات التي ترفض «مسيرة السلام» في المنطقة، وعلى رأسها «حزب الله» وحركة «حماس». ولا حاجة إلى سرد ما تلا ذلك من أحداث مفصلية، في لبنان وغزة خصوصاً، حتى بدء اندلاع الثورات العربية، وإطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري والتفاهم السعودي – السوري... ومعها كل المساعي الغربية والعربية لتغيير سلوك النظام وإعادة التوازن إلى علاقات دمشق، العربية والإيرانية.

هذه الوقائع قد يرى إليها بعضهم تأكيداً لمقولة الدوائر الرسمية في دمشق اليوم أن سورية مستهدفة لأنها «تمانع وتقاوم»، وأن ثمة قوى خارجية وراء الحراك. لكن المواقف تبدو خلاف ذلك. بعض قادة المعارضة ينتقدون واشنطن - ومعها أوروبا وقوى عربية – لأنها لا تزال تبدي حرصاً على النظام. لم تناشد المجتمع الدولي التدخل. لم تدع مجلس الأمن إلى التحرك. بل فوجئت بالحراك العربي العام، «من المحيط إلى الخليج». لذلك كان طبيعياً أن تتحرك مع قوى خارجية أخرى للحفاظ على مصالحها. هذا ما فعلت في تونس ومصر، وهذا ما تفعله في ليبيا واليمن. إذ لا يمكن العالم في ظل «العولمة» وترابط المصالح أن يقف مكتوفاً.

تدخل الأتراك والقطريون وغيرهم لتقديم النصح والمساعدة لإبعاد «الكأس» عن سورية. ونادت أميركا وأوروبا بوجوب إجراء الإصلاحات الداخلية المطلوبة. وبديهي لهذه القوى أن تعيد طرح إصلاح ما تراه «خللاً» في سياسة سورية وانخراطها في ما يمكن تسميته «المشروع الإيراني» للشرق الأوسط. وهو مشروع تناهضه أنقرة ومعظم العواصم العربية وعلى رأسها الخليجية، فضلاً عن المجتمع الدولي. كما أن أصواتاً سورية معارضة لم تخف اعتراضها على سياسة النظام حيال إيران «وحزب الله» تحديداً. ما يجعل إعادة النظر في هذه السياسة شعاراً من الشعارات المطروحة. من هنا الاتهام الأميركي المتكرر لدمشق بالاستعانة بإيران في مواجهة الحراك الداخلي. ومن هنا يرى بعضهم أن الحراك في سورية يستهدف الجمهورية الاسلامية أيضاً والقوى الحليفة.

وهذه السياسة هي ما يقلق اللبنانيين من احتمال لجوء سورية - بعد اتهاماتها لفريق منهم بالمساهمة في الحراك دعماً بالمال والسلاح - إلى ترحيل بعض الضغوط التي تتعرض لها إلى الساحة اللبنانية. وهذا ما يعقد مهمة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في تأليف الحكومة الجديدة وتوجب الانتظار.لأن ثمة من ينتظر ما سيحصل في دمشق. فإذا تطورت الأحداث نحو الأسوأ - وهو الخيار المرجح - قد تلجأ طهران إلى دفع حلفائها إلى الإمساك بالوضع في لبنان عبر حكومة «صافية الولاء». وهي رغبة قد لا يكون ميقاتي قادراً على تحمل نتائجها، هو الذي جهد عبثاً منذ اليوم الأول إقناع الناس قبل أن يقنع نفسه بأنه يتمتع بتأييد سعودي وخليجي وغربي لتشكيل الحكومة!

خلاصة القول ان الحراك في سورية لم تعد تنفع فيه مقولات النظام عن «الأيدي الخارجية» و «العصابات المسلحة». هل جاوزت أعداد هذه العصابات أعداد القوى الأمنية؟ وهل تنتشر العصابات بمثل هذه السهولة في كل ساحات التظاهر في معظم المدن وفي بلد كان نظامه يتغنى بأنه الأكثر أماناً؟ والسؤال بعد «الجمعة العظيمة» هو هل دخلت سورية مرحلة اللاعودة؟ وهل يمكن أن يستمر الموقف الأميركي والأوروبي على حاله بعد سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا؟ يبدو أن النظام اختار الحل الأمني، واختار الناس مواصلة الاحتجاج والمطالبة بحقوقهم، بصرف النظر عن مواقف الخارج... والنتيجة معروفة. وهذا ما يقلق الوسطاء من تركيا إلى قطر على بلد فيه كمّ من الاتنيات والطوائف والمذاهب والقبائل أيضاً.

=====================

سورية وخطر التدخل الأجنبي

رأي القدس

2011-04-24

القدس العربي

 قدرت أوساط غير رسمية عدد الشهداء الذين سقطوا برصاص قوات الامن السورية يوم 'الجمعة العظيمة' بأكثر من مئة شخص، معظمهم من المدنيين، والأكثر من ذلك ان حوالي عشرة أشخاص استشهدوا يوم أمس الاول أثناء تشييعهم الشهداء الى مثواهم الأخير.

هذا الاستخدام المفرط للقوة، وبهدف القتل يزيد من الأزمة الراهنة تعقيدا، ويوسع الفجوة بين السلطة والمتظاهرين، مما يجعل اي محاولة للوساطة أو المصالحة لحقن الدماء من الأمور المتعذرة إن لم تكن مستحيلة.

لا نفهم لماذا تقدم قوات الأمن السورية على إطلاق النار بهذه الوحشية على المتظاهرين، مثلما لا نفهم أيضا لماذا تتصدى للجنائز وتقتل المشاركين فيها، أو عددا كبيرا منهم بالصورة التي شاهدناها يوم أمس الاول.

السلطات السورية تتحدث عن مؤامرة خارجية تستهدفها، وتشير بأصابع الاتهام الى الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، وربما تكون هناك مؤامرة فعلا، ولكن التغول في قتل المتظاهرين، سواء من قبل قوات الأمن أو جماعات الشبيحة الموالية للنظام، يسهل تطبيق هذه المؤامرة بل وانجاحها بما يؤدي الى تحقيق أهدافها في زعزعة استقرار البلاد وتمزيق نسيجها الاجتماعي، واشعال فتيل الحرب الاهلية الطائفية التي يحذر منها الجميع.

استقالة عدد من النواب وأعضاء المجالس البلدية هي بداية ظهور موجة احتجاج من داخل النظام نفسه، وهي ظاهرة غير مسبوقة على الاطلاق.

فعندما يستقيل اثنان من نواب درعا في مجلس الشعب السوري احتجاجا على المجازر التي ارتكبتها قوات الامن في المدينة ومعهم أعضاء في المجلس البلدي، فهذا يعني ان النظام السوري بدأ يواجه تمردا داخليا ربما تتسع دائرته فيما هو قادم من أيام، تماما مثلما حدث في حالات ليبيا واليمن وتونس في ذروة الثورات الشعبية.

الاستقالات الاحتجاجية المسببة ترتقي الى مستوى الخيانة العظمى في عرف السلطات السورية. فمن غير المسموح للنائب البرلماني، أو المسؤول في الدولة، ان يستقيل من منصبه، واذا فعل ذلك فانه يواجه أشد العقوبات، ولهذا لم نسمع مطلقا ان نائبا أو وزيرا أو مسؤولا كبيرا في الدولة قدم استقالته، وانما سمعنا انباء عن إقالة هؤلاء أو اعفائهم من مناصبهم الكبرى في الدولة، واحيانا نحرهم، والقول بعد ذلك انهم أقدموا على الانتحار، وهذا ما حدث لاثنين من المسؤولين الكبار على الاقل، مثل اللواء غازي كنعان وزير الداخلية السابق، والسيد محمود الزعبي رئيس الوزراء.

اننا نخشى ان يؤدي هذا التغول الأمني الى توفير الذرائع للقوى الخارجية للتدخل في الشأن السوري على غرار ما حدث في ليبيا، وهو أمر خطير ومرفوض بكل المقاييس، فاذا كانت هناك مؤامرة فعلا فإن أحد أبرز فصولها أو بالأحرى احدى محطاتها، ارسال قوات الى سورية تحت ذريعة حماية المدنيين، وهناك جهات سورية بدأت تطالب فعلا بفرض حظر جوي على بعض مناطق البلاد للغرض نفسه.

الشعب السوري يطالب بإصلاحات سياسية، ولكن سفك دمائه بالطريقة التي شاهدناها في درعا وحمص ودمشق وغيرها، ربما يضفي المشروعية على المطالب بتغيير النظام، حتى لو جاء ذلك من خلال التدخل الخارجي، ولذلك لا بد من الحذر وسيادة لغة العقل حقنا للدماء الزكية الطاهرة، ومنعا لتدمير سورية من خلال الفتنة الطائفية التي يعمل على تفجيرها الكثيرون في الجوار العربي، والفضاء الخارجي.

=====================

الشهيد السوري ومذيع 'العربية' الهوليوودي

صبحي حديدي

2011-04-24

القدس العربي

 أنقل إلى الفصحى، استناداً إلى شريط فيديو متوفر على ال YouTube وعشرات المواقع السورية، فقرات من شهادة المواطن السوري محمد بشار الشعار، في وصف استشهاد ولده المعتز بالله الشعار، يوم 'الجمعة العظيمة': 'قبل أربعة أسابيع كنّا في دمّر، وعدنا منها، فأدركتنا الصلاة، ودخلنا إلى جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي. صلّينا، وكانت خطبة هادئة ومرتبة وليست فيها إثارة. عند خروجنا، فوجئنا بأعداد من رجال الأمن كبيرة جداً، وكانوا مسلّحين بعصيّ كهربائية وهراوات وسلاسل. شاهدنا قتل الأبرياء، وكبر ذلك في أعيننا كثيراً، رغم أننا لا ننتمي إلى أي تنظيم أو أي شيء ضدّ الحكومة، لكن رأينا أهلنا يُقتلون. والمعتز بالله، وعمره 22 سنة، طالب في جامعة دمشق، كلية الحقوق، تأثر كثيراً لمرأى الأمن يضربون الأهالي بدون رحمة، بالعصيّ، على الرأس، وأينما وصلت العصا'.

ومع ذلك، لم يشارك الأب وابنه في التظاهرات، تلك الجمعة، لكنه يتابع وصف الجمعة التالية: 'كانت أعداد عناصر الأمن أكبر، وكانوا أيضاً قد جلبوا معهم عمّالا من المحافظة، سلّحوهم بالعصيّ والسلاسل والهراوات، لكي يضربوا الناس ويبطشوا بهم. الشاب المعتز بالله لم تهن عليه هذه المشاهد، ودم الأبرياء الذي يُراق، فقال لي يا أبي هذا لا يجوز. هذه دماء وليست ماء، وهؤلاء أهلنا هنا وفي درعا وكلّ مكان، وينبغي علينا أن نخرج في التظاهرات. فقلت له يا بنيّ، العين لا تقاوم المخرز، وهؤلاء في أيديهم بنادق وأسلحة ولا طاقة لنا عليهم. فردّ عليّ: يا أبي، دعني أموت شهيداً، ولا أكون نذلاً مع أهلي وأقربائي وأبناء بلدي. نحن لا نريد شيئاً سوى أن نقف معاً، وتكون أعدادنا كبيرة، لكي لا يستفردوا بنا، لأنهم مجرمون ولا يخافون الله'.

في هذه الجمعة، يتابع الأب: 'صلّينا في جامع الحسن (حيّ الميدان، بدمشق). خرجنا من الصلاة، فوقعت بعض الإحتجاجات، ولم يكن المتظاهرون يحملون أي شيء، غير المسير بصدورهم العارية. مضينا إلى بيتنا في داريا، حيث نسكن، فوجدنا الطريق مغلقاً والناس محتشدة، فقال لي المعتز: دعنا ننزل ونشارك معهم، فالطريق أصلاً مغلقة. وهكذا نزلنا، ووقفنا مع الناس، وكانت شعاراتهم كلها 'سلمية! سلمية! حرّية! حرّية'، ولم يردّد المعتز إلا هذه الهتافات، ولم يمسك بيده أي شيء يمكن أن يؤذي الأمن. كان نصيبه هاتين الطلقتين (في الصدر)، فسارعت لإسعافه، فهجم عليّ عناصر الأمن بالعصيّ، وهذه هي العلامات على ظهري، وعلى رأسي، وعلى رجلي. صرت أهتف: يا جماعة الفتى ينزف! أسعفوه على الأقلّ! ظلّ المعتز ينزف طيلة ربع ساعة، وظلّوا غير مكترثين، وبكلّ دم بارد رفضوا إسعافه، وحين وصلنا إلى المستشفى كان قد فارق الحياة'.

ويختم الأب أنّ مشاركة الشهيد المعتزّ بالله انطلقت من باعث وحيد هو 'نصرة أهله الذين كانوا يُقتلون، هنا وفي بقية المحافظات. وبالنسبة إلى ما يقولونه عن عصابات مسلّحة، نحن نتابع التظاهرات منذ أربعة أسابيع فلم نر أيّ متظاهر يحمل عصا في يده. العصابات التي شاهدناها بأعيننا، واضحة، وبإذن الله أنا أقول الصدق، هي من المخابرات ونظام الأمن التابع للرئيس بشار. هذه هي القصة بحذافيرها، لا يوجد أناس مسلّحون ولا عصابات مسلّحة ولا مندسون، كلّ هذا كذب وتلفيق على العباد. كلّنا مسالمون، طلبنا الحرّية، وأن يُفرج عن الناس الذين في السجون منذ 40 سنة، هذا هو الكفر الذي كفرناه بنظر الدولة'. جدير بالإشارة أنّ اثنين من أشقاء المعتزّ بالله اعتُقلا أيضاً، الأوّل في الصفّ التاسع (15 سنة) والثاني في الصفّ الحادي عشر (17 سنة).

لستُ أسوق هذه الشهادة لتوفير برهان إضافي على همجية أجهزة الأمن السورية، إذْ أنّ أولئك الذين ما زالوا بحاجة إلى براهين، هم في واحد من صفّين: إمّا أزلام النظام وأبواقه، وهؤلاء لا يقدّم لهم الدليل إلا أحمق غبيّ أهبل؛ وإمّا صفّ العارفين، حقّ المعرفة، لكنهم يجنحون إلى سلوك الصمّ البكم العمي، عن سابق قصد وتصميم. لكنّ شهادة المواطن السوري محمد بشار الشعار، وإلى جانب ما تختزنه من معانٍ جبّارة تمزج الأسى العميق بحسّ المقاومة الأعمق، يمكن أن تخدم في توجيه صفعة أخلاقية، ومهنية أيضاً، إلى أهل صفّ ثالث، فيه ينضوي رهط المتواطئين غير الصامتين، الناعقين بما يوحون أنها كلمة حقّ، وهي في الواقع باطل الأباطيل.

قناة 'العربية' مثال فاضح: لكي تدرأ عن السعودية ما تشيعه أبواق النظام السوري حول تورّط بندر بن سلطان في تحريك التظاهرات السورية، فإنّ مراسلها في دمشق، حنا حوشان، يختصر عشرة آلاف متظاهر إلى عشرة أشخاص، ولا تبلغه أنباء مظاهرة في برزة أو أخرى في الميدان، وأمّا نجم القناة، طالب كنعان (الذي يُلقَّب ب'صاحب الطلّة الهوليوودية'!)، فإنه لا يملك عند محاورة ممثّلي المعارضة السورية إلا الصراخ: يا أخي صبرتم 50 سنة، فاصبروا بضعة أسابيع!

وتلك، غنيّ عن القول، نصيحة بهتان لم تنطلِ البتة على الشهيد المعتزّ بالله، ليس لأنّ مآثر الإنتفاضة السورية، إسوة بجرائم أجهزة النظام، جبّت دجل الإعلام ودجّاليه فحسب، بل لأنّ نداء الحرّية والكرامة لا تستصبره ألعاب الحواة!

======================

الإخبارية السورية: الشعب يريد إسقاط الأمطار... وبن جدو يرفض التعبئة والتحريض!

محمد منصور

2011-04-24

القدس العربي

 لا أدري من ورط الإخبارية السورية بالخبر الذي يقول نصه المكتوب على الشاشة: (أهالي حي الميدان يشكرون ربهم على الأمطار الشديدة التي هطلت، بينما الجزيرة ما زالت تنقل صوراً تقول إنها لمظاهرة في الميدان) فقد جعل هذا الخبر المضحك من القناة الإخبارية الوليدة التي ما زالت في طور بثها التجريبي (علكة في فم اللي بيسوى واللي ما بيسوى)، وعلى مدار الأيام التي تلت صدور هذا الخبر الفريد بعد ظهر يوم الجمعة العظيمة.

صارت هذه الأكذوبة مادة للتندر في المحطات الفضائية (المغرضة) التي نشرت صوراً حية للتظاهرة التي انطلقت من جامع الحسن، وسارت تحت جسر المتحلق الجنوبي الذي يشق حي الميدان العريق، بعد نهاية سوق (الجزماتية)، وقبل بداية سوق (أبو حبل) حيث قوبلت التظاهرة هناك بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي. وكان يمكن أن تكون كل هذه الجموع المندسة، قد خرجت لتشكر الله على الأمطار الشديدة، كما أرادت (الإخبارية السورية) تأويل صورها، لولا أن الهتافات الحية كانت تقول شيئاً آخر. طبعاً نظام المقاومة والممانعة بارع في مقاومة كل الحقائق... ويمكن للإخبارية السورية وشقيقاتها أن تدعي أن الصوت قد ركب على حناجر المتظاهرين الغاضبين الهاتفين لأشقائهم السوريين الذين سقطوا في مناطق مختلفة من واحة الأمن والأمان التي كانوا يمنون علينا بها، قبل أن نكتشف أن العصابات المندسة صارت تجوب البلاد 'زنقة زنقة... دار دار'؛ لولا أن هناك صوراً حية صورت المتظاهرين وهم يمزقون إحدى صور السيد الرئيس، التي تحتل جانباً مهيباً من لافتة مدرسة خالد بن الوليد في حي الميدان.

هذا المستوى الصفيق من الكذب الساذج، لم يستفز المتظاهرين هذه المرة... بل استظرفه بعضهم كما استظرف الأمريكان تصريحات وشتائم الوزير الصحاف عن العلوج والطراطير والأذناب... ولهذا كتب أحد هؤلاء المتظاهرين على صفحته على الفيسبوك ساخراً:

(والله أنا كنت مع الشباب الطيبة، رغم أني صليت بجامع زين العابدين بس كنت متوقع انو يصير دعاء للمطر، ولهذا حملت حالي ورحت باتجاه جامع الحسن وفعلا الله ما خيبني، وجدت العالم عم تهتف وكانوا متوقعين الإجابة سلفاً، ولهذا كل صور الرئيس التي كانت موجودة بالميدان قمنا بإنزالها حرصا على عدم تعرضها للأمطار).

وتوالت التعليقات والشعارات التي ألفها السوريون عن (تظاهرة الأمطار) فكتب بعضهم على صفحاتهم على موقع (الفيسبوك) هذه الشعارات التي لا أدعيها لنفسي رغم إعجابي بطرافتها:

الله الله يا جبار.. نزل علينا الأمطار!

واحد واحد واحد.. المطر والثلج واحد!

يا الله ويا قهار.. الشعب السوري بدو أمطار!

يا الله ويا عظيم.. حقق مطالبنا يا كريم!

مطر بكل الساحات.. تقضي على هالوسخات!

مطر مطر.. شي غزير.. يقضي على كل الصراصير!

مطر مطر بالميدان.. يقضي على كل خوّان!

مطر وثلج جمعية.. يأخذ كل الحرامية!

الشعب.. يريد.. إسقاط الأمطار!

طبعاً لم تبرر لنا (الأخبارية السورية) لماذا ووجهت التظاهرة بالرصاص الحي، والقنابل المسيلة للدموع، إذا كان سقف مطالبها وشعاراتها التعبير عن الشكر للخالق لأنه أرسل إليهم المطر الشديد... ولم تقل لنا لماذا شيعوا من جامع الدقاق شهيداً سقط في تلك التظاهرة، أطلق عليه بعض الشباب ساخرين: (شهيد الأمطار) فواقع الحال أن الحقيقة تستشهد كل يوم آلاف المرات على شاشة الإخبارية السورية وشقيقاتها، حتى حرّف بعضهم شعارها الذي رفعته ليصبح: (الوقائع عكس ما وقعت... والأحداث كما لم تحدث).

والآن... لو أردت أن أدافع عن الإخبارية السورية من منطلق أي حرص على الاصطفاف وراء إعلام بلدي في ظل الأزمة التي تعصف بسورية، والمؤامرة الخارجية والداخلية التي تتربص بها... هل سيحترم أي قارئ فيه ذرة عقل، أي حجة أو تبرير يمكن أن أتعب نفسي في البحث عنه كي أبرر هذا الخبر؟! من سيثق بي بعد ذلك؟! من سيصدق أنني أستحق أن تمنحني 'القدس العربي' هذه المساحة الأسبوعية كي أكتب فيها، فيما لو انزلقت إلى هذا الدرك من الكذب المضحك المبكي؟!

نعم إنه مضحك أما لماذا هو مبك أيضاً، فلأن هذا المستوى من الكذب جنون ومأساة، ولأن الملايين التي تصرف على تسويق هذا الكذب ودفع رواتب لمن يكذبون بهذا الشكل المضر بالنظام قبل أي طرف آخر، هو جنون ومأساة أيضاً؟! ولأن دم الشهداء الذي يراق في كافة أنحاء سورية، فيما الإعلام ينحدر إلى هذا المستوى هو جنون ومأساة أيضاً!

استقالة بن جدو دعماً للمقاومة والممانعة!

وأبقى مع فضائية (الخبر والمعنى) أي (الإخبارية السورية) بلا معنى... لأرى هذا الاحتفاء الشديد الذي لاقاه على شاشتها خبر استقالة الإعلامي غسان بن جدو من قناة الجزيرة، احتجاجا على ما وصفه (خروج 'الجزيرة' عن كونها وسيلة إعلام، وتحولها إلى غرفة عمليات للتحريض والتعبئة(. حسبما جاء في بيانه الذي نقلت عنه الإخبارية، وأعادت وزادت فيه وكأنها عثرت على ضالتها التي تدين هذه القناة التي هتف لها بعض السوريين في تظاهرة تضامنية في الخارج: (يا جزيرة ويا أميرة... انت والله كبيرة كبيرة)!

طبعا ليس مبعث الاستهجان هو تركيز الإخبارية السورية على هذا الخبر، في الوقت الذي يبحث فيه الإعلام السوري عن أي أصدقاء ممكنين... فمن حق أي جهة تعاني أزمة احترام خانقة كالتي يعيشها الإعلام السوري، أن تبحث عن أمثال هؤلاء، وأن تتصل بهم لتكبر فيهم نزاهتهم وحسهم القومي العالي، وانحيازهم المؤثر لنظام المقاومة والممانعة... لكن ليس من حق (الإخبارية) أن تتجاهل في اليوم ذاته، استقالة النائبين السوريين في مجلس الشعب: (ناصر الحريري) و(خليل الرفاعي) احتجاجا على المجازر التي ترتكب بحق أهلهم في درعا، والتي كان آخرها، ليس أثناء خروجهم في تظاهرة سلمية (مندسة) وحسب، بل أثناء خروجهم لتشييع شهدائهم... وليس من حق (الإخبارية) إن كانت تريد أن يثق بها المواطن السوري الذي تتوجه إليه أولاً، أن تتجاهل استقالة مفتي درعا ثم استقالة يمان مقداد عضو مجلس محافظة درعا احتجاجاً على هذا الإصرار المدمّر على استخدام الحل الأمني لمعالجة الأزمة وترهيب الناس وثنيهم عن الخروج للتظاهر.... فلماذا استقالة الإعلامي التونسي غسان بن جدو من قناة (الجزيرة) القطرية، أمر يهم السوريين، واستقالة عضوين من أعضاء مجلس الشعب السوري، ومفتى مدينة مشتعلة بالأحداث وعضو في مجلس محافظتها ليس مهماً؟ أين أضحت المصداقية والحيادية إذا كان هذا هو معيارها؟! وأين إعلامنا الوطني إذا كان علينا أن نسمع أخباراً سورية صميمة كهذه من فضائيات عربية، من دون أي تعليق أو اعتراف من فضائية سورية أعود للتذكير أن احد شعاراتها التعريفية كان: (فضائية مستقلة يمولها المجتمع السوري) فهل يمول السوريون هذه الفضائية وغيرها كي تهتم بأخبار بن جدو و(الجزيرة) وتهمل وتتجاهل وتعتم على أخبار استقالات سورية على هذا المستوى؟!

على أية حال هذا اعتراف من (الإخبارية السورية) وشقيقاتها التي هللت للخبر بأهمية (الجزيرة) حتى في عز حملات التنديد والشتائم الشنيعة التي توجه لها من داخل سورية، وحتى في عز اتهامات الأخ خالد عبود لها بالعمالة من على شاشتها. لكن شاشة (الجزيرة) رحبة الصدر، وعقلها أكبر من عقول مفبركي تظاهرة الأمطار... ولذلك يثق الجمهور السوري بها... وكيف لا يثق ومن على شاشتها يسمع أخبار استقالات بعض نواب برلمانه؟! وكيف لا يثق وعلى شاشتها يرى صور شهدائه؟ ودماء أبنائه التي يقول الإعلام الرسمي ان العصابات المندسة كانت تستخدم زجاجات مملوءة بالدم لطلي وجوه وأجساد المتظاهرين بها؟! ترى من يصدق السوريون وهم يسمعون هذه السيناريوهات الغبية: جثث أبنائهم التي ترقد أمامهم مغمضة العيون، والقبور التي يوارون في عتمتها أحبابهم... أم زجاجات الدم الاصطناعي التي يعرضها الإعلام السوري كي يكشف لنا المؤامرة، ويقنعنا بأن من يموتون سيخرجون من التوابيت ليطلقوا النار على المشيعين... بينما أجهزة الأمن تحرس الطرقات بعيون باكية وقلوب خاشعة، وهي مفجوعة من هول المؤامرة؟!

* الدم السوري الرخيص!

يشعر الكثير من الإعلاميين أخيراً بالأسى من موقف غسان بن جدو الذي خسر (الجزيرة) ولم تخسره بالتأكيد. وليس هذا لأنه اتخذ موقفاً خاصاً يناقض قناعات آخرين... فالحرية تحتمل الاختلاف، وتفسح المجال لتباين الآراء... لكن الحرية تتبرأ من أصحاب المعايير الممالئة والمزدوجة، فابن جدو الذي شكر الجزيرة على تغطيتها للثورة التونسية في بلاده، وهلل لها وكان فخوراً بها وهي تنحاز للثورة المصرية ضد الطاغية المخلوع حسني مبارك، وراح يتحدث عن تعرضه للتعذيب على أيدي أجهزة الأمن التونسية في عهد بن علي في برنامج (للنشر) على قناة (نيو تي في) من قبل... يرى في تغطية الجزيرة للاحتجاجات في سورية (غرفة للتحريض والتعبئة) فهل الدماء العربية غالية في تونس ومصر وليبيا واليمن، ورخيصة في سورية؟ وهل سقوط أكثر من مئة شهيد سوري في يوم الجمعة العظيمة مؤامرة من هؤلاء الشهداء على نظام الممانعة والمقاومة الذي يطلق الرصاص حتى على مشيعي شهدائهم، بينما من سقطوا في تونس ومصر كانوا شهداء بارين بالحرية وليسوا متآمرين ومعبأين؟! أسئلة مريرة لا نتركها برسم الزميل بن جدو.... بل برسم الزمن الذي يكشف بتحولاته الفاصلة الآن، كل المؤمنين بالحرية حقاً وصدقاً، وكل المتاجرين باسمها زوراً وبهتانا!

ناقد فني من سورية

======================

الشبيحة يتصدرون المشهد السوري

هآرتس 22/4/2011

2011-04-24

القدس العربي

 الرئيس السوري بشار الاسد، أطلق في الهواء الاسبوع الماضي وعودا عديدة بالتغيير. بدأ هذا بالتعهد بازالة حالة الطوارىء في الدولة، التي دخلت حيز التنفيذ قبل نحو 48 سنة. ولاحقا جاء البيان عن النية لاقالة قائد شرطة مدينة بانياس بسبب قتل مواطنين في مظاهرات، الموافقة على سن قانون اعلامي جديد، قانون أحزاب جديد بل وقانون يسمح لاكثر من خمسة أشخاص بالاحتشاد معا (بمعنى، يجعل المظاهرات شرعية).

ولكن يخيل أن الكثير مما يجري في الاسابيع الاخيرة في سورية يذكر بسلوك الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي جرب في ايامه الاخيرة في المنصب كل مناورة محتملة كي يواصل التمسك بالحكم. ومثل مبارك قبله، اقال الاسد حكومته، استخدم الزعران بلباس مدني لقمع المظاهرات (في مصر كان هؤلاء يسمون 'بلطجية' اما في سورية فيدعون 'شبيحة') ونثر وعودا بالاصلاحات وبتغيير الاشخاص في مواقع أساسية. في هذه المرحلة، لم يصل بشار بعد الى النقطة التي اقتيد اليها مبارك من قبل الجماهير في ميدان التحرير، فهو لم يضطر بعد الى تعيين نائب له ونقل صلاحياته اليه.

هناك فارق بارز آخر بين الاسد ومبارك: في سورية، حاليا، الجيش يقف بشكل لا لبس فيه الى جانب الرئيس. كما يمكن الافتراض بان الاسد، مثل حاكم ليبيا معمر القذافي قبله، استخلص الاستنتاج المنطقي للحاكم في وضعه، من مصيبة مبارك. الحكمة هي استخدام الحد الاقصى من الوحشية وتجاهل الاحتجاجات الامريكية. هكذا فقط يوجد احتمال للبقاء في الحكم. الاسد والقذافي، خلافا لمبارك لم يعتمدا مسبقا على تأييد أمريكي وعليه فانهما يريان نفسيهما معفيين من القيود التي فرضت على الرئيس المصري. ولا يزال، الكلمة الاساس في سورية هي 'لا يزال': التأييد العسكري للاسد كفيل هو ايضا بان يتبدد. الجيش واجهزة الامن ذبحوا، بأمره، المواطنين في درعا، في اللاذقية، في حمص وفي حلب. هذا لا يمكن أن يستمر الى الابد.

الاقلية العلوية، التي ينتمي اليها الاسد، وان كانت تمسك بمعظم المناصب ذات الاهمية في الجيش، ولكن يوجد ما يكفي من الضباط السُنة في مواقع حساسة، سيفكرون بهجر الرئيس اذا واصل التورط. رجال من الجيش والشرطة فروا منذ الان الى المعارضة في مصر، في تونس، في ليبيا وفي اليمن.

وفي هذه الاثناء، سيواصل الاسد محاولة تقليص الاضرار. الاعلان عن اصلاحات والعيش من الجمعة الى الجمعة، ايام المظاهرات الكبرى، على امل أن يقل عدد المشاركين فيها على نحو سحري. واضح أن الرئيس ورجاله يحاولون ابقاء دمشق خارج دائرة الاضطرابات، حتى الان بنجاح. هذا ايضا فارق بارز بالقياس الى مصر. في المركز السلطوي التاريخي لسورية يكاد لا يسجل احتجاج على مستوى واسع. اذا اندلعت الاضطرابات في دمشق ايضا فسيضطر بشار، عقيلته اسماء وباقي ابناء عائلته الى البدء بالبحث عن ملجأ من الجماهير الغاضبة. طهران كفيلة بان تكون حلا مناسبا لهم.

المقارنة التاريخية سطحية، وبالتأكيد غير دقيقة. ربيع الشعوب العربية ليس صيغة متكررة لانحلال الكتلة الشرقية في اوروبا في نهاية الثمانينيات. وليس مثلما في شرقي اوروبا، ليس في الشرق الاوسط لبنة واحدة (على نمط الاتحاد السوفييتي) اخراجها يدفع الى الانهيار بالمبنى بأسره. ولا يزال، لا يمكن تجاهل منظومة التأثير بعيدة المدى التي تعمل بين دولة عربية وشقيقتها. فاسقاط الدكتاتوريين يسرع تطورات مشابهة في دول اخرى. في عالم الجزيرة، مشكوك أن يكون بوسع الشاب في دمشق المخاطرة بواقع تكون فيه الحقوق صفرا في الوقت الذي ابن جيله في القاهرة يتلقف لاول مرة الفرصة لإسماع صوته.

======================

مئة كاتب وصحافي سوري يتهمون إعلامهم الرسمي بالتضليل ويحملون السلطات مسؤولية العنف

القدس العربي

25-4-2011

نحن الكتاب والصحافيين السوريين نوجه هذا البيان الاحتجاجي ضد الممارسات القمعية للنظام السوري ضد المتظاهرين، ونترحم على جميع شهداء الانتفاضة السورية ضد النظام، ونؤكد على حق التظاهر، وكل ما يطرح من شعارات الوحدة الوطنية، والمطالبة بالحرية، وذلك وصولاً إلى المطلب الأهم وهو إجراء حوار وطني شامل يضم جميع أطياف الشعب السوري يحقق مطالب التغيير السلمي في سورية.

وندين في هذا البيان ممارسات الإعلام السوري بالتضليل والكذب وعدم إظهار الحقيقة، ونهيب بالصحافيين والإعلاميين الشرفاء في المؤسسات الإعلامية السورية أن يتوقفوا عن أداء عملهم الرسمي، وأن يعلنوا انسحابهم من اتحاد الصحافيين في سورية احتجاجاً على هذا الاتحاد الفاشل والأمني، حفاظاً على شرف المهنة الذي يقتضي الوقوف إلى جانب الشعب، وإظهار الحقائق كما هي، وعدم المشاركة في التضليل، وندين بهذه المناسبة صمت الكثير من المثقفين السوريين الذين لم يكسروا بعد قيود الخوف، ونطالبهم بإعلان موقف واضح من الممارسات القمعية للنظام السوري بوصفهم جزءا من الشعب السوري البطل، ومن نخبة يفترض أن تكون

سباقة إلى قول الحقيقة وألا تبقى في مؤخرة الركب، وإلا فإنها ستبقى خارج التاريخ

وحركته.

 

24/4/2011

الموقعون:

1- حسام ميرو 2- حسين الجمو

3- عبد الرزاق اسماعيل

4- حكم البابا

5- ابراهيم اليوسف

6- وليد عبد القادر

7- جمعة عكاش

8- حفيظ عبد الرحمن

9- مروان علي

10-محمد سليمان

11-جيانا محمد شيخو

12-لافا خالد

13-ثائر عبد الجبار

14-عبد الباقي حسيني

15-بهزاد عمر

16-صادق عمر

17-محمد منصور

18-بسام بلان

19-مصطفى الجندي

20-حسام عرفة

21-يمان الشواف

22-فراس كيلاني

23-وائل التميمي

24-صادق أبو حامد

25-شعبان عبود

26-رزان سرية

27-راشد عيسى

28-سليمان أوصمان

29-غالية قباني

30-عبد الكريم العفنان

24-محمد العبدالله

25-خطيب بدلة

26-يعرب العيسى

27-رضوان زيادة28-خولة يوسف29-عمر الأسعد

30-رائدة دعبول

31-خلف علي الخلف

32-يارا بدر

33-غسان العبود

34-جهاد صالح

35-علي ديوب

36-ياسين الحاج صالح

37-فادي عزام

38-محمد الحاج صالح

39-محمد علي الاتاسي

40-عامر مطر

41-محمد علي42-ثائر علي الزعزوع

43-سعاد جروس

44-رابطة الكتاب والصحافيين الكرد في سورية

45-خالد عبد الواحد

46-هالة محمد

47-خالد خليفة

48-محمد داريوس

49-منذر بدر حلوم

50-منذر خدام

51-ندى منزلجي

52-نجيب عواد

53-سمر يزبك

54-تمام تلاوي

55-زياد العبد الله

56-خضر الآغا

57-أميرة أبو الحسن

58-خولة غازي

59-كندة قنبر

60-صخر الحاج حسين

61-منير شحود

62-منذر المصري

63-حازم العظمة64-أميرة أبو الحسن

65-حسان الصالح

66-مرح البقاعي

67-حسام الدين محمد

68-محي الدين اللاذقاني

69-فراس حسين

70-سامر رضوان

71-حسين الشيخ

72-مصطفى حمو

73- عبير اسبر

74- بسام جعارة

75- سناء العلي

76- ياسر خوجة

77- إبراهيم العلوش

78- صالح دياب

79- ناصر ونوس

80- أحمد الخليل81- تمام التلاوي

82- نجيب جورج عوض

83- ماهر شرف الدين

84- بدرخان علي

85- ممدوح عزام

86- روز ياسين حسن

87- لؤي حسين

88- رشا عمران

89- لينا الطيبي

90- د.احمد الموسى

91- باسل علي

92- فدوى كيلاني

93- منظمة صحفيون بلا صحف

94- جوان أمين

95- مسعود حامد

96- د. علي الشرابي

97- د. عامر الأخضر

98- د. ويران علي

99- ديلاور سليمان

100- ديلاور ميقري

101 عدنان العودة

======================

أحداث سورية: حرب البلاغات.. ميدان تحرير سورية

طارق عبد الواحد

القدس العربي

25-4-2011

من الناحية الشكلية، يريد النظام السوري أن يخلق الانطباع بأن البلد محكوم من قبل المؤسسات الحكومية والإدارات الرسمية. واختيار الرئيس بشار الأسد لمجلس الشعب، أولاً، والالتقاء بالحكومة الجديدة، ثانياً، لإلقاء خطابيه، هو أبلغ إشارة على ذلك.

ومع إدراك الفارق بين الخطابين الرئاسيين في الشكل والمضمون، إلا أنه من غير المرجح أن يفضي الخطاب الأخير إلى نتائج إيجابية، تهدئ الشارع السوري الملتهب بالدرجة الأولى، أو أن تغير بوصلته أو تدفعه إلى التريث أو الانشقاق.

وتخريجات مظهرية كهذه، تشير إلى أن النظام السوري مايزال يفكر في إدارة الأزمة في المستوى الشكلاني، وأنه غير مستعد، حقيقة، إلى إجراءات تغييرات بنيوية عميقة وجذرية. وهذا بالطبع لن يمرّ على السوريين الذين ألفوا عبر سنوات طويلة مراوغات النظام والتفافاته، ومرّوا بتجارب عميقة ومؤلمة، كلها تقود إلى اليقين الكامل، بأن البلد محكوم بقبضة حديدية، كثر، أو قلّ، عدد أصابعها.

والسوريون في هذا السياق، لا يستغربون وقد لا يتساءلون، عن سبب غياب ممثلي أو قيادات المؤسسات الحكومية، ولا يتوقعون لهم دوراً أو مشاركة فعلية، في التعامل مع الأزمة، أو إدراتها أو المساهمة في حلها، ولذلك يبدو طبيعياً أن تدخل سورية أزمتها الحالية، من دون ان نرى أو نلمس، أي ملمح لحضور رموز أو مسؤولين أو قيادات حكومية أو رسمية.

وهكذا يسقط مئات القتلى والجرحى، من دون أن يدلي وزير الصحة بدلوه، ويستعر خطاب إعلامي خطير عن 'فتنة داخلية'، وخطاب إعلامي مضاد على موقعي التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، بدون أية إطلالة لوزير الإعلام، وتنشب حرب في الشوارع ضد المدنيين العزل، تشارك فيها عصابات مسلحة، (تتناقض حولها الروايتان الشعبية والرسمية) من دون أن أي ظهور لوزرير الداخلية (السابق، الذي قام على الأرجح بمبادرة شخصية لاحتواء جمهرة الغاضبين في حي الحريقة الدمشقي). ويمكن أن نرفع الكثير من الأسئلة ذات العلاقة. فكيف نفسرعدم ظهور الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي عبد الله الأحمر، ولو لمرة واحدة في هذه الأزمة في بلد يحكمه حزب البعث منذ نصف قرن؟ وكيف نفسر غياب أمناء أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الاشتراكية؟ (من من السوريين يعرفهم أصلاً؟)، وأين رئيس مجلس الشعب ورئيس الحكومة ووزير الدفاع من هذه الأزمة؟ وعلى المتابع الحصيف ألا تفوته أسباب بزوغ نجمي عضو مجلس الشعب خالد العبود، ورئيسة تحرير صحيفة 'تشرين' السابقة سميرة المسالمة ومفتي الجمهورية أحمد بدرالدين الحسون، فتلك تخريجات منتقاة بعناية (في المستوى الشكلي) لإيصال رسائل واضحة الدلالة، خاصة أن العبود والمسالمة هما من أبناء محافظة درعا، والغرض من ذلك هو التشكيك بدوافع الاحتجاجات وأسبابها، من باب، 'وشهد شاهد من أهلها'، وفي حالة الشيخ الحسون.. يراد نفي شرعية تلك الانتفاضات.

والكلام عن المستوى الشكلي في أداء النظام السوري مع هذه الأزمة، ليس من باب المبالغة، أو التعسف التحليلي، أو الفذلكة النقدية، خاصة أن الرئيس الأسد استهل خطابه الرئاسي الثاني بتبرير اختلاف نبرة صوته وأرجعه إلى التهاب القصبات الهوائية، فالأسد لا يريد، حتى في المستوى الشكلي، إعطاء الانطباع بانه مرهق بتأثيرات الأزمة، ولا يريد الاعتراف بأن الأزمة تقوده ولا يقودها، في مكان ما.

هنالك حرب بلاغية (وبليغة) كثيفة الدلالة بين النظام السوري والمحتجين والموالين والمترددين، يحافظ فيها الجميع على شعرة معاوية. فالشعارات التي يطلقها المحتجون في أغلبيتها (والتي يتم انتخاب بعضها من قبل الشخصيات المعارضة ونجوم المشاركات التلفزيونية).. لا تزال حتى الآن، تقع ضمن دائرة الشعارات المطلبية، بينما تتعمق المطالب الشعبية، في المستوى الوجداني والعاطفي، بإزالة النظام واستئصاله. والشعار الذي أطلقه السوريون في البداية: الشعب السوري ما بينذل، ليس أكثر من سلوك بلاغي موارب يقرر مدى الإذلال الذي تعرض له السوريون على مدى أربعة عقود من الزمن. ومثل هذا الشعار يختزن طاقة عاطفية خطيرة التأثير. ويشبه الأداء اللغوي في ذلك الشعار، الأداء اللغوي في الآية القرآنية: 'لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة'، والمعنى المختزن في أداء كهذا، هو توكيد المعنى عن طريق الإثبات عبر النفي. ويمكن أيضاً الملاحظة إلى المداورة، في الشعار الآخر: يللي بيقتل شعبه خائن.

وأما الشعار الذي يطالب شقيق الرئيس ماهر الأسد، بأخذ جنوده إلى الجولان، بدلاً من استخدامه قواته في قتل المحتجين، فليس أكثر من رد، عميق الدلالة بدوره، على دعاوى النظام ومؤيديه بدعم المقاومات العربية في لبنان وفلسطين والعراق، وفي الوقت نفسه يأتي كرد مضمر على مخاوف المتوجسين من زوال النظام ومستقبل المقاومات العربية. فالفهم الجماهيري لمعنى المقاومة لدى المحتجين، يتجلى بمحاربة إسرائيل بشكل مباشر، وليس بمجرد الدعم السياسي لتلك المقاومات العربية.

ويحسب لهذه الشعارات، التقطاها لحس مختلف واستعمالها لأداء مغاير، شديدة الدلالة في الوعي الجمعي عند السوريين، ويستحق كظاهرة اجتماعية وسياسية دراسة سوسيولوجية.

ومرة تلو الأخرى، يثبت الناس العاديون أنهم أكثر ذكاء وأسرع استجابة للمتغيرات من النخب الثقافية والسياسية والأكاديمية. فالمتظاهرون في سورية، لم يوجهوا الدعوات، أو ينظموا، أو يدعوا إلى مظاهرات عملاقة في 'ميدان تحرير' سوري، على شاكلة العواصم العربية الأخرى. وهذه إضافة ونقطة مغايرة من شأنها أن ترهق النظام وأدواته الأمنية والعسكرية والإعلامية.

كما أنها أيضا خصيصة يجب الاستفادة منها في الخطاب الإعلامي للمعارضين.. بمعنى ألا يستنسخ الخطاب المعارض بعضه بعضاً، وأن لا تتجمع المطالب في بؤرة واحدة.. في 'ميدان تحرير' إعلامي وحيد، يسهل دحضه وتفنيد مزاعمه، بل على العكس.. أن تتكاثر المطالب وتتعدد وتتشظى.. كل من موقعه، ومن اهتمامه، ومن خبرته، فهذا سيؤدي بلا شك، إلى زيادة الضغط على أعصاب النظام وإرهاقه، وهو الذي ما يزال متماسكاً حتى الآن.

فشل النظام السوري، حتى الآن، بتظهير الأزمة الطائفية المزعومة في سورية، رغم التكريس الإعلامي وتركيز الخطابات الرسمية وشبه الرسمية، والأخرى الموالية للنظام، اهتمامها حول هذه المسألة. والشريط المتلفز الذي بثه التلفزيون السوري مؤخراً، والذي أظهر 'اعترافات' ثلاثة أشخاص، يشكلون خلية مسلحة، تتلقى الدعم المالي والإمداد بالسلاح من النائب اللبناني، في كتلة تيار المستقبل، جمال الجراح، ليس أكثر من ضخ إضافي، وجرعة عالية التركيز، تعكس إصرار النظام الحاكم في سورية، على تثبيت وترسيخ الراوية الرسمية، التي بدأت على لسان المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان، واستمرت في خطاب الرئيس نفسه أمام مجلس الشعب.

والشريط ذاته، يأتي في سياق الرسائل والتشفيرات السياسية، أكثر مما يأتي في سياقات تصدي الدولة السورية لمسؤولياتها وقدرتها على تقديم تفاسير مقنعة ومقبولة للاحتجاجات الدامية في سورية.

ويعني ذلك بالضبط نقل 'المختبر' وتخريجات 'المطبخ الأمني'.. من سورية إلى لبنان، البلد الأكثر استعداداً وقابلية لاستقبال وإعادة بث الحساسيات الطائفية، وهو الأمر الذي قد نلحظ آثاره في الأيام القادمة. فضلاً عن كونه (الشريط) إشارة قاسية الدلالة لبعض الأصوات اللبنانية المحسوبة على المقاومة اللبنانية أو القريبة منها، ومن بينها شخصيات ومحللون وصحف مثل جريدتي 'الأخبار' و'السفير' اللتين نشرتا مقالات وتقارير وآراء تشكك (أو تسخر) بالرواية الرسمية السورية، لجهة ربط الاحتجاجات بأجندة خارجية.

وفي هذا السياق يجب عدم إهمال أو الإعراض عن، التقلقل والتوجس الذي يسود البيئة الحاضنة لجمهور المقاومة اللبنانية، البيئة المحتدمة أصلاً، والمنخرطة في أتون التجاذبات والتنافرات السياسية على خلفيات طائفية أو سياسية ذات بعد طائفي، سواء في الداخل اللبناني، أو في الجوار الإقليمي.

ونقل فتيل أزمة وصاعق التفجير من سورية إلى لبنان، ذو دلالة سياسة كثيفة، خاصة بالنسبة لنظام دأب خلال عقود، على تبرير وجوده في الساحة اللبنانية، سياسياً أو عسكرياً، بدعوى أن لبنان، هو خاصرة سورية الضعيفة، وأنه مسرح أو كواليس المؤامرات على سورية. والآن.. صار الطريق بين دمشق وبيروت باتجاهين، بمعنى.. أن النظام السوري يرتضي هذه المرة، ويقبل على نفسه، أن يشعل الفتنة الطائفية في لبنان، لتخفيف الضغط على نفسه، ولاستثمار مناخاتها، في تدعيم الرواية الرسمية في سورية.

في بداية الأحداث، وجه النظام أصابع الاتهام إلى جماعات فلسطينية ذات توجهات إسلامية (ومايزال)، ولكن القيادات الفلسطينية المحسوبة على السوريين، دحضت ذلك الزعم، وأكدت على التحالف الوثيق بين فصائل المقاومة الفلسطينية والقيادة السياسية في سورية. ولكن تداعيات العرض التلفزيوني للشريط الآنف الذكر، لا يحدث الأثر نفسه لدى اللبنانيين، فالأفرقاء السياسيين في لبنان، جاهزون أصلاً لخوض معركة تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات وشحن الأجواء مما قد يفضي إلى تسعير الخطاب الطائفي من جديد، في لبنان.

ويحمل الشريط، في جملة ما يحمل، رسائل مضمرة إلى السعوديين الذين مايزال النظام في سورية يتجاهلهم مفضلاً عدم المواجهة. على الأقل حتى الآن.

من السهل تكذيب مزاعم وروايات النظام السوري، لكن لا بد من الاعتراف بأنه يقود المعركة الإعلامية بذكاء شديد، وبتأنٍ لافت. والمشكلة (الأخلاقية) أن النظام السوري المشهود له بحرفيته وخبرته وألمعيته ونجاحه في التعامل مع القضايا الخارجية والقوى السياسية الإقليمية والعالمية، المشكلة أن يقود 'المعركة' الإعلامية والدبلوماسية مع شعبه بنفس الذهنية. يعني بذهنية الخصم، بذهنية خلط الأوراق، واللامجانية، والمماحكة، والحرتقة، والأفيشات، والصلابة، والامتناع، والصبر، وتمرير الوقت، مع التركيز الشديد على مظاهر القوة والندية والكبرياء.. والأهم، أنهم يصرون دائماً على قبض الأثمان، في أية صفقات أو تسويات.

لقد ربح النظام في 'الحرب المرحب بها، والمستعد لها' نقطة غالية، بإجبار الخصوم والمراقبين والمحللين والإعلاميين، على وجود طرف ثالث، في 'المعركة' الدائرة بين النظام وبين المحتجين. طرف مسلح أو مندس أو موجه. ولن يأبه النظام السوري بعدها بأية دعاوى تتهمه بتغطية ذلك الطرف وحمايته. فالمهم بالنسبة للنظام، هو خلق ورقة جديدة، أو تسمين كبش فداء تجهيزاً لإحراقه في اللحظة المناسبة، يكون ثمناً لا يدفع من حساب النظام.

وفي مراقبة الأداء الإعلامي لبعض الشخصيات المنتمية إلى جماعة 'الإخوان المسلمين' السوريين، يظهر واضحاً، أن تلك الشخصيات، لم تستفد من تجربتها المؤلمة والدامية في سورية، في ثمانيات القرن الماضي، ولا من تجربة الإخوانيين في مصر، إبان الثورة المصرية، ولا من إقامتهم الطويلة في المغتربات والمنافي، الغربية تحديداً.

فدخولهم على الخط الساخن على مجريات الأحداث في سورية، سواء عبر الظهور الإعلامي في مقابلات ومشاركات وشهادات، أو عبر الصحافة المكتوبة، يساهم بلا شك في إضعاف مواقف المحتجين والمتظاهرين والمعارضين للنظام للسوري، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن قيادات 'الثورة السورية ضد بشار الأسد' قد تكون من الجيل الثاني، من أبناء السوريين المنفيين، من جماعة الإخوان المسلمين، ومن غير المنتسبين للحزب على الأرجح.

وبدلاً.. من النشاط الكثيف، والاندراج في الحملات الإعلامية والحملات الإعلامية المضادة، قد يكون من الأجدى لهم، التركيز على قضيتهم الأساسية، وهي المجازر التي ارتكبها نظام الأسد الأب، في حماة وحلب وجسر الشغور بحقهم، وبحق الشعب السوري، وإعادة فتح ذلك الملف وتقديمهم على المسرح، لإرهاق النظام وزيادة الضغط عليه.

' كاتب سوري مقيم في الولايات المتحدة

 =====================

نصائح تركيا إلى النظام السوري !

زين الشامي

الرأي العام

25-4-2011

صدمة كبيرة تلقاها الرأي العام في سورية جراء موقف الحكومة التركية من الاحتجاجات التي اندلعت في سورية منذ شهر ونيف، وبعد مقتل المئات من المتظاهرين على أيدي القوات الأمنية السورية و«الشبيحة» الذين يعملون بتوجيهات من قادة أجهزة الأمن. الصدمة كانت بسبب الصمت التركي إزاء ما يجري وعدم إدانة عمليات القتل والتعذيب الوحشية بحق المتظاهرين. لقد كان مستغرباً جداً من رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ألا يقول شيئاً ازاء ما يجري في سورية بعد ان تحول إلى زعيم إقليمي في أعقاب المواقف التركية الشجاعة والحاسمة من العدوان الاسرائيلي على غزة في عام 2008.

ليس ذلك فحسب، لقد أظهرت الديبلوماسية التركية مواقف متباينة جداً من التحولات الجارية في الدول العربية، وهذا ما نعتقد انه سيؤثر لاحقاً بشكل سلبي على مكانة تركيا وسمعتها في الشارع العربي. ففيما دعم أردوغان التطلعات الديموقراطية للشعب المصري في ثورته ضد النظام حسني مبارك، اتسمت مواقفه بالحذر والفتور إزاء التطلعات الديموقراطية للسوريين وبالصمت المريب ازاء قتل المدنيين العزل الذين خرجوا للتظاهر من أجل مطالب محقة تتعلق بالديموقراطية والحرية ووقف الاعتقالات.

الموقف التركي المريب لم يخص سورية وحدها، بل كان هناك صمت وموقف مثير للريبة والاستهجان من الاحتجاجات في ليبيا، ولقد خيب الموقف التركي غالبية الليبيين والعرب الذين يؤيدون الشعب الليبي في ثورته ضد الطاغية معمر القذافي، لقد أعطى الموقف التركي انطباعاً عند كثير من الناس بأن أنقرة لا تقف مع الشعوب المقهورة ولا تؤيد الثورات العربية وأن لديها خشية وتوجساً من انتقال الديموقراطية إلى بعض البلدان العربية، وإلا ما معنى أن تقول الحكومة التركية إنها تقف «على مسافة واحدة من الجميع في ليبيا»، كيف يساوي أردوغان بين الضحية والجلاد، وكيف ينتصر للضحايا في غزة ولا ينتصر لهم في ليبيا، هل وقوفه مع الضحايا متوقف على موقفه وطبيعة ومستوى علاقته مع القاتل؟ بمعنى عندما يكون القاتل صديقاً لأنقرة كما هو الحال مع النظام السوري أو النظام في ليبيا، فإن الضحية لا قيمة لها ولا تستحق الوقوف بجانبها، هل يكفي أن يكون الخصم إسرائيلياً أو منافساً إقليمياً كمصر حتى يقرر السيد أردوغان موقفه من الأحداث، أو تضامنه مع الشعوب من عدمه؟

الموقف التركي من التطورات في سورية اختبأ وراء حجة الاستقرار والحرص عليه في سورية، لكن وإذا ما افترضنا صوابية ونبل هذه المشاعر، ألا يستحق الضحايا الذين قتلوا وعددهم بالمئات موقفاً متضامناً أو منصفاً؟ ليس من أردوغان وحده بل من كل الزعماء العرب والإقليمين والدوليين لأن الجميع معني بما يجري ولأن القتل هو القتل أينما كان ويستحق الادانة دون تردد، سواء حصلت الجريمة في سورية أو في أي دولة عربية أو غير عربية.

وإذا كان أردوغان حريصاً على بناء علاقات طيبة مع دول وشعوب المنطقة فإن من مصلحة الحكومة التركية أن تحرص على كسب الرأي العام العربي وليس الأنظمة، ثم ألا يعرف أردوغان أنه قدم خدمة كبيرة للنظام في سورية حين قرر المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة عزله قبل نحو خمسة أعوام، وألا يعرف أردوغان أن هذه الخدمة والموقف التركي فرضا مكانة كبيرة لتركيا عند النظام السوري تخول أنقرة أن تصدر موقفاً يدين ما يجري من قمع؟ لكن رغم ذلك لم تقم الحكومة التركية سوى بإسداء النصائح للنظام السوري وتحثه على الاسراع في الإصلاح، خوفاً عليه ومعرفة بمخاطر تلكؤه بذلك. لكن هذا لن يجعل السوريين يصفحوا لتركيا عما كان مطلوب منها ألا وهو الإدانة الصريحة لعمليات القتل التي حصدت المئات من السوريين على خلفية الاحتجاج.

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يحرص أردوغان او الحكومة التركية على دعم وتأييد أعتى نظام قمعي في الشرق الأوسط، وهل هذا من مصلحة تركيا والدور الإقليمي والإسلامي الذي تطمح أن تلعبه في المنطقة، وهل يتماشى ذلك مع سياسة تركيا الطامحة لدخول البيت الاوروبي والتي تسعى لكسب شهادة حسن سلوك بسبب مواقفها من قضايا حقوق الانسان والديموقراطية، أم أن تركيا قررت اتباع النهج الإيراني القائم على البكاء أو التباكي على الفلسطينيين بعد أن ثبت نجاعة هذه الوسيلة في التقرب من الشارع العربي؟

كل الإشارات المقبلة من تركيا تقول ان أنقرة حريصة على مساعدة النظام السوري وليس انتقاده أو ادانته، وما النصائح التي قدمتها الحكومة التركية إلا دليلاً على رغبة انقرة في أن يتجاوز النظام السوري محنته الحالية بأقل الخسائر وبأسرع ما يمكن، وتأكيداً على ذلك وعلى خصوصية العلاقات بين أنقرة ودمشق، جاءت زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو إلى سورية حين أكد خلال لقائه بالرئيس السوري بشار أن بلاده تدعم الإصلاحات التي بدأتها سورية، مؤكدا استعداد أنقرة «لتقديم كل مساعدة ممكنة من خبرات وإمكانيات لتسريع هذه الإصلاحات».

لكن علامة الاستفهام والتساؤل الأكبر والأهم يتعلق الآن بقدرة النظام السوري على البقاء والاستمرار وليس على القيام بإصلاحات حقيقية وجدية، ومن ثم فإن «النصائح» التركية قد يكون مقدراً لها أن تبقى حبراً على ورق وأن تبقى في الأدراج فترة طويلة قبل أن تتحول إلى مادة أرشيفية تحكي عن آخر محطة في العلاقة التركية مع نظام حزب «البعث» الذي «كان» يحكم سورية.

كاتب سوري

=====================

حوار وطني في سوريا

الراية القطرية

التاريخ: 25 أبريل 2011

يلخص "البيان" الذي أصدره مثقفون سوريون أمس وأدانوا فيه ما وصف ب "الممارسات القمعية للنظام السوري" ضد المتظاهرين الذين يطالبون بالحرية والتغيير السلمي لخص واقع الحال في سوريا بعد أكثر من شهر على اندلاع الأحداث هناك والتعامل الأمني معها والذي أسفر عن سقوط أكثر من 348 قتيلا حسب وكالات الأنباء.

لقد أثبتت الأحداث التي شهدتها وتشهدها سوريا أنها ليست بمنأى عن المطالبة بالتغيير وأن الشعب السوري كأشقائه الشعوب العربية تواق للحرية والإصلاح والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي المطالب التي رفعها المحتجون في شوارع المدن والبلدات السورية.

إن التعامل الأمني مع الاحتجاجات الشعبية والبطء في الاستجابة للإصلاحات الحقيقية التي يطالب بها أبناء الشعب السوري تسبب في تفاقم الأحداث هناك ودفعها نحو التأزم ولعل في الاستقالات التي شهدها مجلس الشعب السوري ومن ثم استقالة مفتي درعا وعدد من أعضاء محافظة درعا وغرفتها التجارية تثبت أن النظام في سوريا الذي تعامل مع الاحتجاجات الشعبية السورية على أنها مؤامرة خارجية تحركها أصابع تريد إيقاع الفتنة بين أبناء الشعب السوري قد خانه التوفيق في التقاط الحالة السورية والتعامل معها بطريقة سلمية تؤكد حق المواطنين في التظاهر والتعبير عن مطالبهم بكل حرية.

لقد كان من المؤمل ان يكون مرسوم إلغاء حالة الطوارئ والمرسوم الذي منح المواطنين حق التظاهر السلمي بداية لانفراج حقيقي للازمة في سوريا إلا ان استمرار التعامل الأمني مع الاحتجاجات وحجم الضحايا الذي سقط في يوم "الجمعة العظيمة" في العديد من المدن السورية والضحايا الذين سقطوا أيضا برصاص الأمن السوري خلال تشييعهم لجنازات ضحايا الجمعة أضاع هذه الفرصة الكبيرة وفاقم من حجم الأزمة بحيث ظهرت الإصلاحات التي بادر بها النظام السوري وكأنها حبر على ورق.

إن الحاجة ماسة الآن أكثر من أي وقت مضى للكف عن التعامل الأمني مع احتجاجات المواطنين السوريين وإبداء مرونة في التعامل مع احتجاجاتهم وبإجراء حوار وطني شامل يشارك فيه جميع أطياف الشعب السوري وتبحث فيه جميع مطالب الناس بما يحقق مطلب الحرية والتغيير السلمي في سوريا.

=====================

المنطقة وسوريا: الوهم والخيال والواقع

تاريخ النشر: الإثنين 25 أبريل 2011

الاتحاد

عبدالله بن بجاد العتيبي

ما تقوله الأزمات العربية – لا الثورات- الجديدة لنا هو أن الجميع حائر يفتّش عن مخرج ما، إما وهماً أو خيالاً أو واقعاً، فإلى الوهم هرب القذّافي حيث العين التي أعلن إيمانه بها، وحيث السحر الذي تعرضه قناته الرسمية، وإلى المؤامرة الخارجية لجأ الرئيس الأسد حسب تصريحاته، وإلى المهدي المنتظر اتجهت دعايات وشعارات بعض القوى الإقليمية، وإلى الواقع انحاز مجلس التعاون الخليجي.

هذا في تصرّف الأنظمة، أما في الشقّ الآخر حيث المحتجّون والمعترضون الذين يحبذون اسم الثورة، فلديهم كذلك أحلام وخيالات بأن دولهم ستكون بين طرفة عينٍ وانتباهاتها إحدى الدول المتقدمة، ليغيب الفساد عن النظام وتنتهي مظاهر التخلف عن المجتمع، ويختفي معها الاهتراء الاقتصادي والتقهقر الثقافي، والتطرّف الديني، وهذه خيالات تقابل تلك الأوهام.

هكذا هي لحظات الأزمات التاريخية والتحوّلات الكبرى، تدع الحليم حيراناً، من القمة إلى القاع، ومن النخب إلى الأفراد، ومن الساسة إلى المجتمعات، فالعاجزون عن قراءة المشهد يهربون لأوهامهم أو خيالاتهم، وكمثال، فعن الثورة الفرنسية 1848 يقول مارك تروغوت: "بدت مذهلةً حتى بالنسبة إلى أفضل العارفين".

أما في الواقع وما يجري فيه، فإن مواقف مجلس التعاون الخليجي الجديدة بدأت تعبر عن رؤية واقعية، فهذا المجلس كان في الماضي يغيب طويلاً ثم يحضر في لحظات الأزمات، واليوم، يستطيع المراقب أن يرصد توحّداً لهذا المجلس يعبّر عن قوة إقليمية قادرةٍ على الفعل والتأثير في محيطها والعالم.

يبدو المجلس مؤمناً بأنك حين تكون قوياً ونافذاً ومؤثراً يجب أن تُعنى بحماية مصالحك، وأن تُقنع العالم بقوّتك وتأثيرك، وأن تُعلن هذا عبر مواقف سياسية واضحة وتصريحات داعمة في مواجهة سعي الآخرين للنفوذ على حسابك والحرص على مصالح تناقض مصالحك، ومواقف المجلس الجديدة يمكن قراءتها بسهولةٍ تجاه البحرين واليمن وليبيا، حيث اتخذت مواقف سياسية متقدمة ومختلفة، وقد ميّز المجلس بوضوح بين دولة عضوة فيه حيث البحرين وواجب "درع الجزيرة"، وبين اليمن حيث العمق الاستراتيجي جنوباً وبين سوريا حيث العمق الاستراتيجي شمالاًً، كل هذا يتمّ بأسلوبٍ تقوده دبلوماسية متفقة ومتحالفة تتسم بالمرونة والعقلانية، ويبقى الحكم على الموقف من ليبيا لا يحمل إلا تفسيراً مصلحياً محضاً.

في أحداث المنطقة، يبدو الحدث السوري اليوم طاغياً لحضوره في كل الموازنات الدولية الكبرى، والنزاعات الإقليمية ومحاورها المعروفة، كما في الشؤون الحقوقية والإنسانية العامة.

كان يوم 15 أبريل يوماً دامياً في طول سوريا وعرضها، وكان يوم 22 أبريل أشدّ وأنكى، ويمكن رصد التغير بين التاريخين فثمة انتشار جغرافي للاحتجاجات وتزايد في الأحداث وتصاعد في الشعارات المرفوعة، وصل بعضها كما نقلت بعض وسائل الإعلام إلى إطلاق الشعار المشهور حديثاً في العالم العربي وهو "الشعب يريد إسقاط النظام".

كانت هذه الاحتجاجات تناوش دمشق العاصمة في 15 أبريل ودخلتها في 22، وإن لم تصل بعد لحجم الاحتجاجات في المدن الأخرى، ويبدو النظام في سوريا وكأنّه يتّجه للتركيز بشكلٍ أكبر على العاصمة وتأمينها من امتداد الاحتجاجات إليها، ويبدو تعامل النظام مع هذه الاحتجاجات تعاملاً أمنياً بامتياز بمعنى غياب الأفق السياسي أو الإصلاحي العام عن رؤية المشهد كاملاً لدى صانع القرار.

لم تزل خطابات الرئيس ومواقف النظام في سوريا تأتي متأخرةً عن المسار العام للأحداث، وكانت جميعاً تتجنّب المسألة الأهمّ، احتجاجات عريضة ومطالبات مستحقة بالإصلاح والتغيير، وتركيز على التفكير الأمني والحلّ العسكري، ذلك أن ذاكرة النظام وتجربته الطويلة ترتكز على أسلوب واحد في مواجهة الشعب ومطالبه المستحقة، وهو أسلوب القمع الأمني والعسكري، ويبدو تعاملها مع ما يجري اليوم في الداخل عاجزاً عن استيعاب المشهد وأكثر عجزاً في التعامل معه بسبب عدم القدرة عن الانعتاق من الذاكرة والتجربة، ما يوحي بشيء من التشتت في رؤية الأولويات الوطنية والمطالبات الشعبية.

إنّ من الخطير على سوريا أن تدير سياستها الداخلية والخارجية عبر الأمن وحده، فالأمن عنصر أساسي ورئيس في خدمة السياسة وضمان الاستقرار، ولكنّه حين يتعدّى دوره ويتجاوز مجاله ويخضع السياسة لحكمه تحدث المشكلة، فالسياسة تعتمد على المصالح والتوازنات وعلى المرونة والأخذ والعطاء وتوظيف كل الإمكانيات لخدمة الأهداف الكبرى داخلياً وخارجياً حيث توحيد الجبهة الداخلية بكافة الطرق والعمل على بناء التحالفات الخارجية التي تخدم الدولة بشتى السبل، ولكن التفكير الأمني يختلف كثيراً لأن أولوياته بطبيعتها مختلفة عن أولويات السياسة.

ما يجري اليوم في سوريا، يؤكد أنها تدار بعقلية أمنية نفعتها عقود طويلةً في الماضي لا برؤيةٍ سياسيةٍ واعيةٍ تتعامل مع الواقع وتستوعب المتغيرات، ومن الجيد في هذا السياق الإشارة إلى الكتاب المثير الذي كتبه عبدالحليم خدّام، أحد أعمدة النظام السوري السابق، والذي كان آخر مناصبه نائب الرئيس السوري، والكتاب نشر تحت عنوان "التحالف السوري الإيراني والمنطقة" يقول خدّام: "كان أكثر ما يقلق حافظ الأسد الخوف على النظام، وكان خوفه متقدماً على القضايا الأخرى في تلك المرحلة، بما في ذلك القضايا ذات الصلة بالوحدة الوطنية"، والسؤال هنا هل لا زال هذا النوع من التفكير يسيطر على قرار الأسد الابن؟ وهل جدّ جديدٌ في الأولويات أم أنّ الأمر لم يزل كما هو؟

مواجهة سوريا للاحتجاجات اتسمت بعدة سماتٍ تجدر ملاحظتها بعناية وهي مواجهة أبرز عناوينها الفشل، إن في القراءة أو في التعامل، في القراءة حسبت أنّ شعارات المقاومة ستحميها، وأن انخراطها الكلّي في محور المقاومة مع بعض الدول الإقليمية سيكفيها، أما في التعامل فأنّها سعت تصاعدياً للتقليل من شأن الاحتجاجات ومحاولة تجاهلها ثم سعت لقمعها حتى لا تنتشر، ثم سعت إلى إدانة هذه الاحتجاجات بكل سبيل، فمرة ربطتها بنائب سياسي لبناني معارضٍ لها، ومرةً ربطتها بقدوم أسلحةٍ عبر الحدود مع العراق، وأخيراً صعّدت باعتبارها المحتجين قطّاع طرقٍ ومخربين وسعت أكثر لتصويرهم بأنهم مسلحون وإرهابيون، وأخيراً تفتق ذهنها عن السلفيين، لتبرر بهذا ضربهم عسكرياً كما تملي عليها ذاكرتها وتحتم عليها تجربتها وتحرضها عليه الدولة الكبرى التي تتحالف معها.

لم ولا ولن يوجد نظام سياسي بلا شوائب وأعطاب ونواقص تكبر وتصغر باعتبار عدة عوامل، والنظام الأبقى والأقوى هو المسارع للملمة الشوائب وإصلاح الأعطاب وتكميل النواقص، وفي زمنٍ تتراكض فيه خيول التقدّم والتغيّر والتطوّر يلزم الأنظمة أن تكون على مستوى تسارع الزمن وشروط الواقع ومستلزمات التطوّر، ومن دون هذه الوصفة ستنتشر الشوائب وتتفشى الأعطاب وتتضخم النواقص لتصل لما لا يحمد عقباه، ولا أدلّ على هذا من تعامل النظام السوري مع شعبه، فقد اكتفى في مواجهة كل الشوائب والأعطاب والنواقص بالتسويف والوعود ولا شيء أكثر، وهكذا يجري في اليمن بشكلٍ أو بآخر.

في مواجهة النظام السوري للتغيّر ينسى أنّه "كلما تغيّرت الأمور استقرت" من ديوان السياسة، العروي، ص36. وهنا يجدر الحديث عن أن قدرة أي نظامٍ سياسيٍ على التطوّر والمرونة هي ضمانة الاستقرار الحقيقية.

أخيراً ففي المعادلة السورية أمر جدير بالعناية، وهو أن النظام يرى في البطش الدموي خلاصه، وقطاعات من الشعب ترى في الثأر والانتقام مفازاً، والوضع هناك بحاجةٍ للغة الواقع والعقل حيث الأصلح والأنفع.

======================

المتضررون

الشرق الاوسط

25-4-2011

إذا كان هناك من ملاحظة واضحة على تبعات الزلزال السياسي الذي يضرب عددا من دول المنطقة، فهي أنه لم تعد هناك تحالفات واضحة بين الدول العربية، باستثناء مجلس التعاون الخليجي، كما أن صوت الجماعات، بأنواعها، قد خفت وسط أصوات «الشعب يريد إسقاط النظام».

اليوم ضُرب كثير من المحاور بالمنطقة، وأولى الملاحظات: التصدع الذي أصاب «الهلال الشيعي» الذي تحدث عنه، ذات يوم، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، فبمجرد اهتزاز الأوضاع بسورية لجم حزب الله، ولو مؤقتا، وهاهي إيران بارتباك واضح؛ حيث تلقت صفعة خليجية في البحرين، والآن طهران مصابة بالصداع من سماع «الشعب يريد إسقاط النظام» بسورية، ففي حال حدث أمر ما بدمشق فذلك يعني فشل السياسة الخارجية لإيران، التي استثمرت بها على مدى عقود، خصوصا أن النظام العراقي الحالي لم يستطع أن يقدم لطهران الخدمات المرجوة كلها، بل إن الحكومة العراقية تواجه، هي أيضا، صعوبات حقيقية، وباتت تسمع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».

والقضية ليست هنا فقط؛ فاليوم تلاحظ الجفوة التركية مع دمشق، والجفوة السورية - القطرية، أو قُل: الاستياء.. وهناك أيضا الغياب الكبير للدور المصري.. صحيح أن دور القاهرة قد خف في السنوات الأربع الأخيرة، لكن كان بالإمكان، على الأقل، التلويح بالدور المصري، إلا أن ما يحدث اليوم يجعل المنطقة العربية كلها بلا تحالفات تقريبا، باستثناء المجلس الخليجي. والأمر مرشح للعودة إلى ما تحت الصفر، ولكن على حسب الاتجاه الذي تسير إليه الأحداث في سورية اليوم.

وبالطبع فليس في الأمر شر على الإطلاق، بل قد يكون فيه الخير للمنطقة؛ حيث بات على دول المنطقة اليوم أن تبدأ في عقد تحالفات جديدة، أبرز ما فيها مراعاة الحقائق على الأرض، أي: داخل كل دولة، وعدم تجاهل الشعوب، وعدم الإكثار من اللعب بالشعارات الزائفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فاليوم مثلا لم يُجدِ نظامَ مبارك الحديثُ عن القضية الفلسطينية، أو الجماعات الإسلامية، كما لم يستفد الرئيس اليمني من دعاية التصدي ل«القاعدة»، ولم تجدِ محاولات النظام السوري بالحديث عن المقاومة، والمؤامرة.. وهكذا، فقد ملت الناس تلك الشعارات كلها، ليس لسنوات، بل لعقود متتابعة.

وعليه، فمن غير المجدي اليوم القول، مثلا: إن حلفاء أميركا بالمنطقة قلقون مما يحدث في سورية، فعن أي حلفاء يتحدث المرء؟ هل تركيا، مثلا؟ لا أعتقد؛ فالأتراك ينعمون بمد إخواني في دمشق لا يضيرهم. واللبنانيون يرون أن العقدة أصلا في دمشق، من بقي؟ الإسرائيليون؟ ممكن؛ فقلقهم هو على حدود لهم آمنة مع سورية طوال أكثر من ثلاثة عقود، وبالطبع هناك حزب الله، وكما أسلفنا فهذا يندرج تحت الخسائر الإيرانية، وهناك حماس، التي سيكون عليها الرحيل إلى الخرطوم، مع مراعاة أنه من الواضح أن يد إسرائيل طويلة في السودان.. استقرار سورية سيكون بلحمة الدولة ككل، وليس بالعوامل الخارجية.

لذا فإن منطقتنا أمام مرحلة جديدة تتطلب تعاملا مختلفا، وتحالفات جديدة، وأكثر المتضررين هم من تضررت منهم المنطقة على مدى عقود.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ