ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

سوريا: الإخوان تشارك في «جمعة الغضب» والبعث يترنح

العرب

دمشق: تتصاعد آمال المعارضة السورية في تنظيم تظاهرات حاشدة اليوم الجمعة تطالب بإسقاط النظام السوري والإطاحة برئيسه بشار الأسد، فيما ألقت جماعة الإخوان المسلمين بثقلها في ساحة الإحتجاجات وقررت المشاركة في تظاهرات «جمعة الغضب» المقررة اليوم، تضامناً مع حركة الشباب المطالبة بالحرية.

مظاهرات حاشدة

دعت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا يوم الخميس، إلى المشاركة في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها منذ اندلاع موجة الاحتجاجات في سوريا منتصف الشهر الماضي.

وفي مداخلة هاتفية مع قناة «فرانس 24»، أكد زهير سالم المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أن قرار الجماعة جاء من منطلق مشاركة الشباب في الحراك الشعبي الوطني، الذي لم ينطوي تحت راية حزبية أو فئوية كما يصور الإعلام السوري الرسمي.

وأضاف سالم أن النظام يحاول تصوير الاحتجاجات على أنها «مؤامرة خارجية»، داعيا كافة المدن الكبرى في سوريا كدمشق وحلب إلى الانضمام إلى ما وصفه ب«الحراك الشعبي» للتنديد بالنظام السوري الحاكم.

وشدد أن الاحتجاجات تعد جزءاً من الحراك العربي الثوري الذي تفجر من تونس وأمتد إلى مصر واليمن والبحرين ووصل إلى سوريا.

وأوضح أن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أعلنت منذ بداية الاحتجاجات التحامها مع حركة الشباب المطالبة بالحرية، ولكنها لم ترغب في الظهور بمظهر «الوصي» عليها.

وفي وقت سابق ،اتهمت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا يوم الثلاثاء، نظام الرئيس بشار الأسد بشن "حرب إبادة ممنهجة ضد الأبرياء" من أبناء الشعب الذين خرجوا يهتفون للحرية وللوحدة الوطنية.

موعد مع درعا

وتأتي دعوة الإخوان المسلمين في ظل دعوات مماثلة أطلقها شباب الثورة السورية علي موقع التواصل الإجتماعي «فيسبوك» لبدء مظاهرات جديدة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد تضامنا مع مدينة درعا التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات الأولى.

وأكد الشباب على عزمهم تنظيم مظاهرات ضخمة اليوم الجمعة للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد، وقال الناشطون إلي شباب الثورة: "اليوم سنكون في كل الساحات، في كل الشوارع نؤكد لكل المدن المحاصرة بما في ذلك إخواننا في درعا اننا سنكون علي هذا الموعد .. لن نترك درعا وحيدة وكذلك حمص وبانياس حيث تجري مظاهرات مناهضة للنظام".

يأتي ذلك في الوقت الذي حذرت فيه وزارة الداخلية السورية المواطنين من المشاركة في أي مظاهرات أو إعتصامات تحت أي عنوان دون الحصول علي ترخيص، وأوضحت الوزارة في بيان لها عشية الجمعة انه لم تقم بإعطاء أي موافقة علي أي تظاهرات أو مسيرات غدا.

جرائم النظام

ومن المتوقع أن تسير عقب صلاة الجمعة مظاهرات حاشدة على غرار المظاهرات التي تفجرت عقب صلاة الجمعة الماضية في يوم سمي ب«الجمعة العظيمة» وبفعل الأمن السوري تحول إلى «مذبحة الجمعة العظيمة» بعدما قتل ما لا يقل عن 120 شخصاً بعد مواجهة الأمن ومجموعة من البلطجية «الشبيحة» بمهاجمة المتظاهرين باستخدام الأسلحة النارية وبنادق القنص، حسبما أفاد شهود عيان.

ولم تقف الجرائم عند ذلك الحد، فقد قتلت قوات الأمن السورية يوم السبت الماضي، ما لا يقل عن 14 شخصاً إثر إطلاقها الرصاص لتفريق آلاف المشاركين في تشيع جنازات عدد من ضحايا المذبحة.

أكد شاهد عيان في مداخلة هاتفية مع قناة «فرانس 24» الإخبارية أن الحصار الذي فرضته قوى الأمن والجيش على مدينة درعا تسبب في نفاذ المؤمن الغذائية والطبية، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية بالمحافظة التي شهدت إنطلاق أولى الاحتجاجات المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد.

وشرعت السلطات السورية في توسيع قبضتها الأمنية وحصارها على عدد من المدن منها حمص وحما ودوما وغيرها، الأمر الذي يؤكد حسب المراقبون، استمرارها في سياسة القبضة الحديدية التي قتلت منذ بدء الاحتجاجات 500 سورياً وفقا لتقارير منظمة العفو الدولية.

عقاب ملكي

ويتوقع ناشطون ومراقبون أن يتدفق أعداد هائلة من السوريين اليوم الجمعة، للمطالبة بإسقاط النظام السوري برئاسة الأسد، وفي تلك الآونة ألغت الخارجية البريطانية دعوة السفير السوري في لندن لحضور حفل الزفاف الملكي المقرر عقده بمناسبة زواج الأمير ويليام على عروسه كيت.

 حيث تعتبر تلك الخطوة عقاباً رمزياً للنظام السوري، خاصة وأن انتقادات لاذعة وجهت من منظمات حقوقية بشأن دعوة السفير السوري لحضور مراسم الزفاف في ضوء الإجراءات القمعية التي تتخذ ضد المتظاهرين المطالبين بإرساء الديمقراطية في سورية.

وذكر بيان لوزارة الخارجية البريطانية أن وزير الخارجية البريطاني وليام هيج قرر ، بالاتفاق مع قصر باكنجهام الملكي ، أن السفير السوري سامي الخيمي ينبغي ألا يحضر حفل الزفاف الملكي.

شد وجذب

وعلى صعيد المستوى الدولي، فأكدت روسيا الاتحادية يوم أمس الخميس، رفضها فرض عقوبات ضد سوريا وفضلت معالجة الأزمة هناك بالوسائل السياسية والدبلوماسية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية "الكسي سازانوف" خلال تصريح صحفي أن "روسيا تفضل أن يعالج الوضع الناجم عن التطورات الأخيرة في سوريا بالوسائل السياسية والدبلوماسية بعيدا عن العقوبات".

وأوضح سازانوف أن اللجوء إلى العقوبات ضد أي دولة يجب أن يكون محدودا لأنها عديمة الجدوى في اغلب الأحيان.

ودعا سازانوف في الوقت نفسه السلطات السورية إلى التحقيق في حوادث قتل المدنيين خلال الاضطرابات الأخيرة ومعاقبة المذنبين معربا عن أمل بلاده في أن تجري السلطات السورية تحقيقا شفافا ووافيا في هذه الحوادث مطالبا بعدم اللجوء إلى العنف إبان المظاهرات والمسيرات.

أما موقف الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي سار ناحية فرض عقوبات منفردة ودولية على نظام بشار الأسد، حيث شرع أعضاء في الكونجرس الأمريكي يوم الأربعاء، الإعداد لمشروع قرار يطالب إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بفرض عقوبات مشددة على سوريا.

ويؤكد المراقبون على توجه إدارة أوباما بجدية نحو دعم اقتراحات فرض عقوبات قاسية على سوريا بسبب تصاعد أعداد القتلى من المتظاهرين وأعمال العنف التي تشهدها البلاد.

وكانت سوزان رايس المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة تحدثت، يوم الثلاثاء، عن الأوضاع في سوريا بلهجة مشددة، حيث قالت "أن الرئيس السوري بشار الأسد يلقي باللائمة على ما يحدث في سوريا على جهات خارجية بدلاً من الاستماع لشعبه، بينما في نفس الوقت يطلب المساعدة من إيران، ويمارس الممارسات الإيرانية نفسها ضد الشعب الإيراني".

وصرح السيناتور الأمريكي جون ماكين في مقابلة مع "فرانس برس"، في باريس أن الرئيس السوري بشار الاسد "فقد شرعيته" عبر قمع شعبه، وقال إن "عليه التنحي".

وعلى الجانب الأوروبي فقد أدانت الحكومة الألمانية الأربعاء بشدة ما وصفته بأنه "انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان" في سوريا.

وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت في برلين إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يظهر ك"نظام قمع دموي".

ورحبت الحكومة الألمانية على لسان المتحدث بوضع الملف السوري على جدول أعمال مجلس الأمن كما توقعت برلين أن يحدث الأمر نفسه على مستوى الإتحاد الأوروبي.

ويناقش سفراء الاتحاد الأوروبي احتمال فرض عقوبات على سوريا وذلك في جلسة خاصة تعقد اليوم الجمعة لمناقشة حملة القمع التي يشنها النظام السوري على المتظاهرين.

أزمة البعث

هذا وأصدر ثلاثون عضوا في حزب البعث الحاكم في سوريا بياناً ينسحبون فيه من الحزب ، احتجاجاً على "ممارسات" أجهزة الأمن السورية ضد المتظاهرين .

ونددوا في بيانهم بعملية تفتيش المنازل وإطلاق الرصاص العشوائي علي المنازل والمساجد والكنائس من قبل عناصر الأمن والشبيحة .

وأضاف البيان ان ذلك يؤدي إلى "الاحتقان الطائفي وبث روح العداء بين أبناء الوطن الواحد".

ويأتي الإعلان عقب بيان مشترك دعت لجان التنسيق المحلية - التي تمثل المتظاهرين في مختلف محافظات سوريا - الأسد إلى وقف احتكار حزب البعث للسلطة، وقالت إن تحقيق شعارات الحرية والكرامة لن يتسنى إلا بالتغيير الديمقراطي السلمي

===================

دبابة طبيب العيون وبصر الإنتفاضة!

القدس العربي اللندنية

GMT 23:51:00 2011 الخميس 28 أبريل

صبحي حديدي

في سنة 2003، فاز رسام الكاريكاتور ديف براون، من يومية ال'إندبندنت' البريطانية، بجائزة أفضل رسم كاريكاتوري سياسي، رغم السجال الواسع الذي أثاره الرسم عند نشره، في الأوساط المؤيدة لإسرائيل بصفة خاصة. ذلك لأنّ براون استلهم لوحة غويا الشهيرة، 'ساتورن يبتلع أطفاله'، فصوّر أرييل شارون وهو يبتلع طفلاً فلسطينياً، قبل يوم واحد من الإنتخابات الإسرائيلية، ويقول: 'أين الخطأ؟ ألم تروا في حياتكم رجل سياسة يقبّل طفلاً؟'؛ وأمّا في السماء، فإنّ حوّامات قاذفة كانت تقصف المدنيين على الأرض، وأزيز القصف يردّد: صوّتوا لأرييل شارون'!

وفي ذاكرة الإنتفاضة السورية، يتوجب إفراد جائزة كبرى خاصة لهذا الفنان المبدع ذاته، ديف براون، صاحب الضمير الحيّ الذي لا يكفّ عن إطلاق الصرخة تلو الصرخة، في برّية مأهولة تصغي إليه جيداً، وتأثيره على ساكنيها عميق بالغ. وقبل يومين فقط، في مساهمته الأهمّ حول الموضوع السوري، نشر براون في ال'إندبندنت' رسماً كاريكاتورياً يظهر بشار الأسد وهو يمتطي دبابة تتوجه سبطانتها نحو مواطن سوري أعزل، كُتبت على ميمنتها عبارة 'فحص مجاني للعين. ثقوا بي فإنني طبيب عيون'؛ الطبيب، صاحبنا، يحمل لوحة الفحص التقليدية، مع حروف متدرجة الحجوم، تشكّل العبارة التالية: 'أنا أرى المزيد من القمع'؛ ويسأل المواطن المذعور: 'هل ترى على نحو أفضل الآن'.

ثمة أكثر من غمزة ذكية في هذا الرسم البديع، لعلّ أبرزها تركيز براون على ذروة التناقض، الأخلاقي والسلوكي والسياسي في نهاية المطاف، بين شخصية طبيب العيون الذي ينبغي أن يعالج، ويشحذ، بصر الآخرين؛ والطبيب ذاته في إهاب دكتاتور، كفّ نهائياً عن كونه دكتوراً بالطبع، لا يستهدف إلا تحسين إبصار القمع، وليس في عدّته الطبية إلا دبابة. وفي معنى آخر للرسم، ها أنّ الطبيب ينقلب إلى قائد دبابة، وبالتالي قائد نظام يفتك ويبطش ويسحق ويرتكب المجازر، ومعركته ضدّ المواطن الأعزل لم تعد تكتفي بالهراوة أو العصا الكهربائية أو الغاز المسيل للدموع، أو إطلاق قطعان 'الشبيحة' لترويع الناس، أو قنص المتظاهرين من أسطح البنايات؛ ولا بدّ، الآن، من استخدام الدبابة والمدفعية الثقيلة و... قذائف ال'م. ط.'، المضادة للطائرات!

هذه نقلة صريحة، إذاً، نحو واحد من خطوط دفاع النظام السوري ضدّ الإنتفاضة الشعبية، وضمن الإطار العريض لخيار الحلّ الأمني في أشدّ تنويعاته فاشية، وأعلاها مجازفة بتهديد عوامل الأمان والإستقرار والتوازن التي ظلّت سمات غالبة على معمار نظام الإستبداد والفساد، ومثلث ركائزه الأمنية/ العسكرية/ الاقتصادية. صحيح أنّ زجّ الجيش في معركة النظام ضدّ الشعب هو الخيار الذي ينقل أواليات القمع المعتادة من مستويات كسر التظاهر التقليدية، بصرف النظر عن وحشيتها، إلى مستوى التقهقر إلى مطالع الثمانينيات واستعادة أمثولة مدينة حماة. وهذا خيار قد يفلح في لجم زخم الحراك الجماهيري، في قليل أو كثير، ليس جزعاً من سبطانة الدبابة أو فوهة المدفع بالضرورة، ولكن خشية على وطنية الجيش السوري، ودقّ إسفين بينه وبين الشعب، والمخاطر الجسيمة التي تنجم عن وضع الفرقة العسكرية في مواجهة المدينة المنتفضة.

ولكن من الصحيح، في المقابل، أنّ الجيش السوري ليس قطيعاً من 'الشبيحة' الذين ينفّذون أوامر 'المعلّم' بطاعة عمياء مطلقة، بسبب من انتماء 'الشبّيح' إلى واحدة من شبكات الولاء أو الإرتزاق أو الإنضواء العصبوي المحض، أو بسبب يقينه من ارتباط مصيره ومنجاته بمصير ومنجاة 'المعلّم' في المقام الأوّل، والنظام الذي يخدمه جميع 'المعلّمين' في المقام الأخير. قد يحظى الأسد ونظامه، في ركائزه الأمنية/ العسكرية/ الاقتصادية ذاتها، بولاء عدد كبير من ممثّلي القشرة العليا من ضباط الجيش، لأسباب لا تختلف من حيث الجوهر عن ولاء 'الشبيحة'، ولا تتباين مضامينها إلا في الشكل وطبائع الأداء؛ إلا أنّ الغالبية الساحقة من عديد الجيش النظامي، ضبّاطاً وصفّ ضباط وأفراداً، هم امتداد لحال اجتماعية ومجتمعية، ومن الطبيعي أن تنعكس في سلوكياتهم، مثل ضمائرهم وانحيازاتهم، هواجس الشعب الذي منه يتحدرون وإليه ينتمون. وليس في هذه المقولة، المعروفة والمثبتة وغير الجديدة أبداً، ما يجعلها عويصة على الفهم عند متفلسف مثل بشار الأسد.

وحين يقرّر فرض حصار عسكري على مدن مثل درعا، وبلدات مثل بانياس ودوما، فإنّ الأسد  حتى إذا ابتدأ حلقات التوريط من وحدات تدين له، ولشقيقه ماهر، بمقدار أقصى من الولاء، مثل 'الحرس الجمهوري' والفرقة الرابعة  يجازف بتوسيع الهوّة، أياً كان نطاقها، بين الجيش والشعب، دون أن يكون توريط الجيش ضامناً لانتصار النظام في المعركة الختامية، إذْ قد يكون العكس هو الصحيح حين يتسع نطاق الحراك الشعبي وتضرب جذوره، أعمق فأعمق، في تراب الوطن. كذلك يجازف الأسد بتشديد الفروقات، التي انقلبت وتنقلب إلى وضعية افتراق، بين هذه الوحدة العسكرية أو تلك، المنتخبة النخبوية المدللة في تسليحها وامتيازاتها، بسبب صلات القربى مع النظام، من جانب أوّل؛ وبين الوحدات النظامية الأخرى التي تشكل عماد المؤسسة العسكرية، وتتألف من غالبية عاملة، وينهض عديدها الأعمّ على أفراد وضباط مجندين تنتهي علاقتهم بالجيش عند انتهاء فترة الخدمة الإلزامية، من جانب ثانٍ.

بيد أنّ تكرار درس حماة لم يعد ممكناً اليوم، بل هو خيار إنتحاري لا يحتاج الأسد إلى تمرّس في طبّ العيون كي يبصر عواقبه، إلا في مراحل لاحقة ربما، حين يتخندق النظام في خطوط الدفاع الأخيرة، حيث يمكن أن يخوض معركة الوجود أو العدم، فتنقلب ألوان القتال إلى الأشدّ شراسة وضراوة. وبمعزل عن حقيقة دور الصورة والمعلومة الساخنة في كشف الحقائق أمام الشعب السوري والعالم بأسره، وهذا ما افتقدته مدينة حماة حين ذُبحت في شباط (فبراير) 1982، فإنّ حافظ الأسد تفادى زجّ أنساق الجيش السوري الكلاسيكية في قصف حماة وتطهيرها بعد تدميرها، بل أناط المهمة بالأنساق النخبوية ذاتها، والتي ضمّت 'الوحدات الخاصة' و'سرايا الدفاع'.

وحين حاصرت الفرقة الثالثة مدينة حلب، أواخر السبعينيات، كانت مهامها شبه منحصرة في فرض نطاق من المدرعات والدبابات حول مداخل المدينة، وإدارة حواجز التدقيق في هويات الداخلين والخارجين، ثمّ المشاركة في تفتيش البيوت والأحياء. ورغم أنّ قائد الفرقة، شفيق فياض، كان يدين بولاء مطلق للنظام عموماً وللأسد الأب شخصياً، فإنّ المهام الأكثر دموية أوكلت إلى ضباط 'الوحدات الخاصة'، ومفارز الأجهزة الأمنية بصفة عامة، وعناصر المخابرات العسكرية والمخابرات العامة ومخابرات القوى الجوية بصفة خاصة. وأغلب الظنّ أنّ الأسد الأب كان أكثر إدراكاً لمخاطر المجازفة بزجّ الجيش في الصراع، رغم أنّ المعركة يومئذ لم تكن بين النظام والشارع المنخرط في انتفاضة شعبية، بل كانت مواجهة محدودة الطابع بين النظام والفصائل المسلحة لجماعة 'الإخوان المسلمين'.

وليس الأمر أنّ الابن أشدّ استشراساً من الأب  أو أقلّ منه، إذْ الموازنة هنا خاطئة أصلاً، ومنتفاة  بل الجوهر أنّ الحراك اليوم هو انتفاضة شعبية آخذة في الاتساع والتجذّر؛ وهي فصل جديد، واستكمال، لما صار المرء يجيز، دون كبير حرج، تسميته ب'ربيع العرب'. وما من انتفاضة، على هذه الدرجة من التطوّر والجسارة والشجاعة، والاستعداد لتقديم التضحيات الغالية، يسعدها أن ينشقّ أبناؤها العاملون في جيشها الوطني، أياً كانت منابتهم وطوائفهم أو حتى درجات ولائهم للنظام. ولهذا لم يكن غريباً، بل لم يتأخر البتة، رفع شعار 'الجيش والشعب يد واحدة'، ولم يغب عن المواطنين مغزى التحفظ الشديد الذي أبداه بعض الضباط في تنفيذ أوامر لاوطنية، أو لجوء بعض الضباط والأفراد إلى الخيار الأقصى في رفض تنفيذ مثل تلك الأوامر، بما ينطوي عليه ذلك من عاقبة الإعدام في الميدان.

وليس سرّاً، والأيام القادمة كفيلة بإماطة اللثام عن الخفايا كاملة، أنّ العديد من هؤلاء الذين أُعدموا كانوا من أبناء الطائفة العلوية، التي لم تكن في أيّ يوم أقلّ وطنية من أبناء جميع الطوائف والمذاهب والأديان والإثنيات في سورية. ورغم أنّ أجهزة النظام تحرص على حصر هؤلاء الشهداء في خانة ضحايا 'العصابات المندسة'، ثمّ 'الإمارة السلفية' في التنويع الأحدث عهداً، فإنه ليس منتَظراً من سواد أبناء الطائفة الأعظم أن يخونوا تراث الشيخ صالح العلي، أو أن يذهبوا إلى حيث تسعى السلطة في ربط مصيرهم بمصير النظام.

ولا يُساق هذا الإفتراض على سبيل التمنّي الصرف، أو إغماض العين عن حقائق الجهود المضنية التي بُذلت وتُبذل من أجل تجنيد الطائفة العلوية، بل هو افتراض ينبثق من سلسلة معطيات تخصّ ماضي الطائفة وحاضرها، مثلما تخصّ حقيقة أنها ليست كتلة إسمنتية صماء متجانسة.

ثمة مجتمع وطبقات وفئات ومصالح وتناقضات داخل هذه الطائفة، إسوة بسواها؛ وثمة، في الضيعة الواحدة إياها، فقراء يسكنون بيوتاً ما تزال سقوفها من طين، تتجاور مع قصور خرافية التصميم فاحشة الفخامة، شيّدها كبار الضباط. وثمة، كما يتوجب التذكير دائماً، مناضلون معارضون للنظام، سبق لهم أن قضوا في السجون عقوداً، وتلقوا عقاباً مضاعفاً عن سواهم من المعارضين أبناء الطوائف الأخرى. وثمة، بالطبع، أولئك الذين يخدمون النظام من منطلق تأمين لقمة العيش البسيط، تماماً كحال الآلاف في كلّ أرجاء سورية، من كلّ الطوائف، في المؤسسة العسكرية أو الأمنية، أو في مختلف قطاعات الدولة.

والأساس، في كلّ حال، أنّ مركّب النظام الثلاثي، الأمني والعسكري والاقتصادي، ليس طائفي الهوية على أيّ نحو اجتماعي أو سياسي، وبالتالي فهو ليس علوياً أو سنّياً او درزياً، وليس مسلماً أو مسيحياً، أياً كانت نسبة الحضور الطوائفي في صفوفه، وبصرف النظر عن الغلبة العددية لهذه الطائفة أو تلك. ومن الخطأ الفادح الميل إلى أي 'فرز' طائفي لوحدات الجيش السوري، بحيث يسهل التفكير بأنّ وحدات 'الحرس الجمهوري' سوف تُجهز على الإنتفاضة الشعبية بسبب غلبة أبناء الطائفة العلوية في صفوفها، أو أنّ بعض ضباط الفرقة الخامسة سوف يفعلون العكس للسبب العكس. ورغم أنّ المؤسسة العسكرية، في الأنظمة الإستبدادية بصفة خاصة، تصطفّ غالباً في صفّ الحاكم والنظام، ضدّ المواطن والدولة المدنية؛ فإنّ القراءة الطائفية لهذه الفرضية السوسيولوجية ليست اختزالاً قاصراً، فحسب، بل هي مراهنة خاطئة ومجازفة خطيرة.

وهذه، بالضبط، هي حال النظام السوري وليست حال الإنتفاضة الشعبية، رغم الآلام الوطنية الشديدة التي نجمت، وستنجم، عن زجّ وحدات الجيش في أحدث خطوط دفاع النظام، حيث لا يسهل دائماً إقناع الأمّ الثكلى بأنّ شهيدها سقط صريع دبابة أطلقت قذيفتها في درعا، في حين أنّ الشعب السوري بأسره سدّد، من عرقه وخبزه كفاف يومه، ثمن هذه القذيفة لكي تُطلق في الجولان المحتلّ. عزاء تلك الأمّ أنّ بصر الشعب، في مقابل دبابة طبيب العيون، لم يعد حسيراً أبداً، ولم يعد بحاجة إلى فحص؛ لقد رُفع عنه الغطاء، فبصره اليوم حديد!

==================

 لماذا يظل العنف جواب الأنظمة على مطالب الاصلاح؟

الجمعة, 29 أبريل 2011

خالد غزال *

الحياة

تثير الانتفاضات الجارية راهناً في اكثر من مكان في العالم العربي اسئلة مؤرقة عن الاسباب التي تتحول فيها تظاهرات سلمية تدعو الى الاصلاح والتغيير المشروع، الى حمامات دم تُغرق فيها الاجهزة الامنية جموع المحتجين، وتتسبب في ضحايا واضطرابات تجعل من تصعيد المطالب ممراً حتمياً يصل الى المطالبة بإسقاط النظام.

يبدو السؤال مشروعاً في ضوء مقارنة بما حصل في بلدان اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حيث أمكن تغيير النظام في معظمها من دون تحوّل مطالب التغيير الى حمامات دم فيها. تفتح المقارنة على ضرورة التدقيق في طبيعة بنى الدولة وتكوّن المجتمع وموقع السلطة والتراث الموروث في ممارستها.

تتشابه انظمة المعسكر الاشتراكي السابق في اوروبا مع الانظمة العربية في عدد من المفاصل الجوهرية. فهي انظمة استبدادية تهيمن فيها اجهزة الامن على مؤسسات الدولة والمجتمع، وتلتقي في احتكار السلطة من حزب واحد يمنع القوى السياسية الاخرى من الفعل إلا اذا كانت تابعة له، وتقيّد حرية الرأي والتعبير وتهيمن على اجهزة الاعلام والتوجيه، وتضع معارضيها في السجون او المنافي او القبور... فلماذا امكن مجتمعات اوروبا هذه ان تجنّب بلدانها كأس الحروب الاهلية والعنف عندما دقت ابواب التغيير بعد عقود من التسلط، فيما تتحول الانتفاضات العربية الى عنف يومي والى شلالات انهر من الدماء تسقط هنا وهناك؟

منذ ان انطلقت الانتفاضات العربية بدءاً من تونس وصولاً الى سورية، يبدو العنف عنواناً موحّداً لمسلك الانظمة في الجواب على التظاهرات السلمية التي انطلقت. في تونس سقط حوالى 423 مواطناً، وفي مصر اظهرت التحقيقات الاخيرة مقتل 864 مواطناً، على رغم اعتبار الانتفاضة في هذين البلدين اقرب ما تكون الى عملية سلمية.

اما في اليمن وليبيا وسورية، فإن العنف هو اللغة الوحيدة في الجواب، وهو عنف حصد حتى الآن آلاف الضحايا ولا يتوقع له ان يرتوي في امد قريب. بعيداً من ديماغوجيا الانظمة ولغتها التي تحيل فيها التظاهرات الى مؤامرات خارجية تستهدف هذا البلد او ذاك، ومع التأكيد المعروف ان التظاهرات انطلقت في كل البلدان العربية في وصفها تظاهرات سلمية، وليس تمرداً مسلحاً كما ترغب وسائل إعلام الانظمة في تصويره، لكن جواب اجهزة السلطة في كل مكان كان جواباً مسلحاً في شكل مباشر، وهو ما دفع بعض الانتفاضات لأن تسلك في مسارها الى نوع من العنف المقابل، وإن كان لا يوازي او لا يقاس بحجم العنف المستخدم من اجهزة السلطة، والمقصود ما يحصل في ليبيا واليمن.

يمكن الناظر الى بعض المؤشرات السياسية السائدة في العالم العربي ان يفسر لماذا تتحول مطالب الاصلاح الى اعمال عنفية، فالدساتير العربية في معظمها لا تنص على زمن محدد لتداول السلطة من نوع تعيين فترة محددة، مرة او مرتين، لا يعاد فيها انتخاب الحاكم، بل تبدو الدساتير مفتوحة لسلطة لا حدود زمنية لانتهاء الولاية فيها سوى موت الحاكم.

حتى في بلد مثل لبنان حيث يحدد الدستور ولاية واحدة للرئيس غير قابلة للتجديد، فقد عمدت سلطة الوصاية السورية على نسفها مرتين عبر فرض التجديد لرئيسين للجمهورية، وذلك تيمّناً بما هو حاصل عربياً. أما طبيعة السلطة ومؤسساتها، فقد غلب عليها الطابع الامني، بحيث جرت تقويتها الى اقصى الحدود، وتسليطها على الشعب وتحوّلها الى السلطة الحقيقية التي تفرض على المؤسسات الشرعية طبيعة القوانين المفترض وضعها.

نجم عن هذا التكوين نشوء سلطة افرزت قوى ونخباً حاكمة اعتبرت الدولة مجرد ملكية مطوّبة لها، يحق لها نهب اموالها وثرواتها، والتسلط على الشعب وقهره من خلال الدولة الامنية الموضوعة في خدمتها. هكذا انتشر الفساد والمحسوبية والزبائنية، وتحول الولاء الى هذه الزمر بديلاً من الوطن والمؤسسات الشرعية. في مقابل ذلك، كان القهر والقمع السياسي والفكري وتقييد الحريات والتنكيل بالمعارضات طريق هذه النخب لإدامة سلطتها والاحتفاظ بها.

ترافق ذلك كله مع سياسات إفقار وتجويع للغالبية العظمى من الشعوب العربية، بما جعل أقساماً واسعة منها تعيش تحت خط الفقر، مقرونة ببطالة واسعة تطاول أجيالاً من الشباب المتخرج في الجامعات والعاجز عن تأمين فرص عمل، وعجز عن بناء تنمية تنتشل هذه الشعوب من حال البؤس.

يحدث ذلك وسط مشاهد صارخة على نهب ثروات البلاد من جانب نخب فاسدة، وتحويل هذا الفساد عملية واسعة لكسب مراكز القوى. لعل ما قدمته الاحداث من كشف عن حجم ثروات الحكام ونهبهم لأموال الدولة يعبّر عن القليل مما هو سائد.

عندما تتركز مطالب الاصلاح على تداول السلطة وتحديد فترة زمنية يتغير فيها الحاكم، وعندما تتوجه الى تحقيق الديموقراطية بما تعنيه من حرية تكوين احزاب سياسية وحق المعارضة في العمل وإطلاق حرية الرأي والتعبير، وعندما تدعو الاصلاحات الى كف يد الاجهزة الامنية عن قمع المعارضين وكمّ الافواه، وعن تحسين مستوى الحياة المعيشية للمواطن وتوظيف ثروات الشعوب لمصلحتها... فإن هذه المطالب الاصلاحية تكون لدى هذه النخب الحاكمة بمثابة نفي لذاتها وقضاء على مواقعها الابدية في السلطة، وأن الرد على ذلك يستحيل ان يكون بالاحتكام الى الشرعية الدستورية، بل باستخدام اقصى انواع العنف والترهيب وإعادة الشعوب الى القمقم الذي سُجنت فيه.

في عالم عربي تهيمن فيه ثقافة الاستبداد والقهر من جانب الحاكم، وتبتعد ثقافة الديموقراطية وتداول السلطة عن عقول النخب الحاكمة، وفي ظل عقود من القمع الدامي، يبدو السؤال الدائر لدى اهل النظام عن سبب قيام الانتفاضات ووصمها بالمؤامرة غريباً، لأن السؤال الفعلي هو: لماذا تأخرت هذه الانتفاضات في الاندلاع الى هذا الحد من الزمن المديد؟ مع هذه الاحداث الجارية التي تبشر بأمل في التغيير، وبالنظر الى الاجوبة العنفية المقدمة من السلطات، سيكون على الشعوب العربية دفع أثمان غالية تحقيقاً لحريتها ولإصلاحاتها، وسيرتفع منسوب الدماء كلما اصرّت هذه الشعوب على مواصلة النضال من أجل التغيير.

* كاتب لبناني

===================

 النظام السوري لم يعد كما كان قبل الانتفاضة

الجمعة, 29 أبريل 2011

راغدة درغام - نيويورك

الحياة

التصدّع الذي طرأ على علاقة الحكومة السورية مع الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية ليس سطحياً والتزعزع الذي ألّم بهيكل النظام في دمشق ليس عابراً. فما حدث على الساحة السورية في الأسابيع القليلة الماضية قضى على علاقات حاكتها الحكومة السورية بكل اعتناء، ذلك لأن ما حدث كشف عن اعتلاء السلطة والسلطوية دائماً عن الإصلاح ومشتقاته تحت أي ظرف كان. فالمسألة مسألة وجودية للذين تربّوا على السلطة وترعرعوا في ظلها، ولذلك يصعب عليهم كثيراً تنفيذ وعود الإصلاح. فهم مضطرون للاختيار بين المغامرة بالتجاوب مع مطالب الإصلاحيين فيؤدي بهم الأمر إلى الوقوع في مأزق تلبية معادلة «خذ وطالب» وهم هذه المرة في خانة العطاء، من جهة. ومن جهة أخرى، انهم يواجهون الخيار الآخر الداعي تقليدياً إلى الحزم والقمع والتخويف والبطش كي يتم «كسر شوكة» من تجرأ على المطالبة ورفع الرأس. مهما كان هناك من توافق تلقائي أو من خلاف بين أركان النظام السوري، لقد وقع القرار على الخيار الثاني، ولن يكون سهلاً العودة عنه بعد الآن. وهذا بدوره يعني تأجيل ما كان في ذهن الرئيس بشار الأسد الذي صوّرته الماكينة السياسية والدعائية بأنه «رجل الإصلاح». فهدير الدبابات علا في وجه المتظاهرين المدنيين ولم يعد ممكناً للدول والأفراد المتعاطفين مع نظام الأسد أو المعجبين به وبعقيلته أسماء التظاهر بصمّ آذانهم – ما عدا أولئك الذين منهم في روسيا والصين ولبنان.

أما العلاقة الأميركية – السورية والأوروبية – السورية فإنها دخلت منعطفاً جديداً سيكون مكلفاً للنظام في دمشق، ليس اقتصادياً فقط في حال فرض عقوبات جدية، وإنما أيضاً معنوياً وسياسياًَ لأن دمشق وضعت علاقتها مع الولايات المتحدة في طليعة أولوياتها وأحسنت استخدام علاقاتها مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لحصاد غني لها في لبنان ولتتجنب العزل والمحاسبة.

اليوم، إن مَن يحاسب النظام السوري هو الشعب السوري الذي يحق له المحاسبة شأنه شأن أي شعب في أية دولة. الحكومة السورية تراهن على الوهن الدولي والوهن الإقليمي. لكنها في الواقع تغامر بهذا الرهان، وخيارها كان أفضل لو راهنت على شراكة مع شعب سورية لإحداث تغيير جذري في علاقاتها معه وعلى قراءة إقليمية واعية لتدرك أن التغيير في الخريطة الإقليمية ربما كان فرصة لها للملمة تبعثر تدخلاتها وتحالفاتها الممتدة من إيران إلى العراق إلى لبنان. فدمشق، مرة أخرى، تلعب «أوراقها» بإفراط، وهي تتصرف بذعر ومكابرة معاً.

ربما تراهن دمشق على عدم استعداد الدول الغربية لفتح جبهة تورط في سورية كالجبهة التي فتحتها في ليبيا عبر عمليات لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهي محقة في هذا الافتراض. إنما الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكثير من دول العالم لن تصمت وتركن ساكنة فيما يستمر قمع المدنيين ويتساقط القتلى ويُزَّج المئات في السجون ويُمنع العالم عن مشاهدة ما يجرى. لن تكتفي الدول بالإدانة والتنديد، وإنما ستضطر إلى «إجراءات» عزل للنظام السوري وإلى فرض عقوبات. ذلك أن هذه الدول نفسها تقع تحت رقابة المنظمات غير الحكومية مثل «امنستي انترناشونال» التي تطالب بمحاكمة الذين ينتهكون قوانين حقوق الإنسان، ومثل «هيومان وايتس واتش» التي تحاسب الدول التي تختبئ وراء إصبعها وتتظاهر بأنها لا تعلم. هناك منظمات غير حكومية عديدة تعد الملفات وتستعد لمحاسبة الدول التي تقدم غطاء الإعفاء للأنظمة التي ترتكب جرائم بحق شعوبها. فهناك اليوم مبدأ «مسؤولية حماية» الشعوب الواقعة ضحية حكوماتها، وليبيا سجّلت سابقة مهمة في تفعيل هذا المبدأ.

إنما هناك أيضاً رهان النظام السوري ومعه الصيني والروسي على امتناع جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي عن الإقدام على طرح المسألة السورية على مجلس الأمن، كما سبق وفعلا في مبادرتهما وإقدامهما عندما تعلق الأمر بالمسألة الليبية.

الصين ومعها الهند وروسيا تريد مبادرة إقليمية في الشأن السوري، وهي عارضت بشدة طرح الحدث السوري على جدول أعمال مجلس الأمن. هذه الدول تذرعت بموقف لبنان – العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن – الذي أوضح زير خارجيته علي الشامي انه أصدر تعليماته إلى سفيره نواف سلام برفض إصدار بيان عن مجلس الأمن يتطلب إصداره الإجماع. الدول الثلاث أشارت إلى المواقف التي صدرت عن مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية في الشأن الليبي، ولم تصدر في الشأن السوري.

الصين أشارت إلى دور مجلس التعاون الخليجي في اليمن وإلى قبوع مجلس الأمن في انتظار نتيجة تلك المبادرة. والديبلوماسية الصينية تحدثت عن جهود ومساعٍ كي تنطلق مبادرة إقليمية في الشأن السوري لعلها تحصد نتيجة.

لعله لا بأس في ذلك على الإطلاق لو استعد مجلس التعاون الخليجي للحزم في الملف السوري كما تصرف بحزم في الملفين الليبي واليمني. ربما هذه فرصة لإصلاح جذري في علاقة سورية ببيئتها العربية. فالظروف التي يقع فيها النظام في دمشق قد تكون مواتية لإعادة التفكير في الاستراتيجية التقليدية للنظام السوري منذ عقود – استراتيجية لعب الورقة الإيرانية، إما في الخليج أو في العراق أو في فلسطين أو في لبنان.

مثل هذه المبادرة قد تساعد كثيراً في رسم نظام إقليمي جديد أقل توتراً، شرط أن يقتنع النظام السوري بأن الأفضل له ولسورية أن ينصبّ حصراً على إصلاح داخلي جدي وصاعق وسريع، وأن يكف عن سياساته التقليدية القائمة على التدخل في الدول المجاورة عبر ميليشيات أو عبر تحالفات مع إيران ليكسب في علاقاته مع الخليج وليساوم دولياً.

أحداث سورية أدت إلى انحسار رقعة المساومة. والأفضل للقيادة في دمشق أن تتصرف بواقعية وعقلانية وأن تحسب حساباتها بذكاء بعيداً عن المكابرة والعناد. فحتى الطائفة ستضع ديمومتها ووجودها فوق العائلة في أوقات تغيير كالتي يمر بها العالم العربي اليوم، وهذا منبه مهم، سيما على صعيد المؤسسة العسكرية.

ربما يتسلّح الرئيس بشار الأسد بدعم روسيا والصين وتوفيرهما له غطاء الحماية من المحاسبة. لربما الهند أيضاً – عقر دار الديموقراطية في العالم الثالث – تبعث رسائل غامضة قد تشجع النظام في دمشق على الاعتقاد بأنه سيتمكن من التغلب على الضغوط الشعبية والدولية وينتشل نفسه كالشعرة من العجين.

ربما يقارن الرئيس السوري تسلّحه بدعم أمثال روسيا والصين بتسلّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل تحت أي ظرف ويمضي بما يشاء بلا محاسبة. وربما يراهن على مقايضة من نوع ما في هذا الإطار، علماً بأن نتانياهو جاهز الآن لممارسة ألعوبة المسارات، أي التظاهر بإحياء المسار السوري – الإسرائيلي من المفاوضات بهدف قطع الطريق على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي نحو صنع السلام.

فالسباق جارٍ. نتانياهو يريد استباق أي طرح لباراك أوباما في الشأن الفلسطيني وذلك لقطع الطريق على مبادرة أميركية تجبره على القبول بحل الدولتين كما تتصوره الولايات المتحدة وأوروبا وبقية الأسرة الدولية. ونتانياهو يريد تجنيد إدارة باراك أوباما لقطع الطريق على تنفيذ وعد أوباما بدخول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة مع حلول أيلول (سبتمبر) المقبل.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحرك على أساس افتقاد الأمل بالوعود الأميركية ولذلك قال «صعدنا مع الرئيس الأميركي إلى الشجرة، لكنه نزل عنها، وأنزل السلّم أيضاً». الصحافة الإسرائيلية كشفت عن تهديد إدارة أوباما بحجب المساعدات للسلطة الفلسطينية إذا أصرت على التوجه إلى الأمم المتحدة بحشد دعم أكثر من 150 دولة لعضوية دولة فلسطين. كشفت أيضاً أن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز أبلغ باراك أوباما أن لا نية لوقف الاستيطان الإسرائيلي، علماً بأن أوباما وضع وقف الاستيطان أولوية فشل في تحقيقها وأفشل معها التحرك الأوسع من أجل تسوية فلسطينية – إسرائيلية.

فنتانياهو يلتقط اليوم المصالحة بين السلطة الفلسطينية و»حماس» كفرصة للتصعيد ضد السلطة الفلسطينية. وهو يرى أن في مصلحته إحياء المسار السوري على رغم أن ذلك المسار قابع تحت رفض دمشق فك ارتباطها مع إيران ووقف تحالفها مع «حزب الله» في لبنان والكف عن الدعم التام للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تعتبرها دمشق ورقة «منطق» المقاومة بالوكالة. لذلك إن إسرائيل تتحرك أميركياً، مع الكونغرس والإدارة والإعلام، لتخفيف الضغوط على الحكومة السورية على أساس مقولة «شر تعرفه» وعلى أساس أن البديل هو الإسلاميون – وهذا بدوره يشكل قاسماً مشتركاً بين المقولة السورية والمقولة الإسرائيلية.

إنما ما يحدث على الساحة السورية بين النظام والشعب ليس بين الأنامل الإسرائيلية، ولذلك القلق. ثم هناك عنصر «حزب الله» على ضوء التطورات في سورية وما يُقال عن دور له في الاحتواء القمعي للمتظاهرين، إلى جانب الاتهام الرسمي الذي وجهه باراك أوباما إلى بشار الأسد بأنه يستعين بإيران لإخماد انتفاضة شعبه.

قد لا يأبه بنيامين نتانياهو بهذه الناحية من التطورات، لكن المصلحة الأميركية والأوروبية تقتضي اعتبارات مختلفة. لذلك من الحكمة للنظام السوري أن يتنبه إلى الاختلافات هذه بدلاً من الافتراض بأن الأمور تسير على ما جرت عليه العادة.

فلقد حدث شيء خارق على الساحة السورية وكذلك على صعيد العلاقة الدولية مع سورية – أميركية كانت أو أوروبية أو صينية أو روسية أو إسرائيلية أو تركية أو عربية. فالنظام في دمشق اليوم ليس أبداً ما كان عليه قبل الانتفاضة، وخياراته مختلفة. أمامه نموذج النظام الليبي والمصير الذي ينتظر معمر القذافي. وأمامه نموذج الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي فاوض على مصيره كي لا يكون كمصير معمر القذافي أو مصير الرئيس المصري السابق حسني مبارك وعائلته أو كمصير الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي وعائلته. فالأوطان أصبحت قبل العائلات في أذهان أركان الانتفاضة العربية.

لقد وقع التصدع والتزعزع، وحان وقت الخيار الحكيم قبل فوات الأوان.

===================

ما سبب تحول موقف إدارة أوباما في الشأن السوري؟

Josh Rogin - Foreign Policy

الجريدة

في الأسبوع الماضي، وُضعت سياسة جديدة، وفي غضون أيام قليلة مقبلة من المتوقع صدور أمر تنفيذي جديد بشأن سورية، على شكل مسودة تصريح رئاسي في مجلس الأمن، وستستهدف العقوبات على الأرجح المسؤولين السوريين الذين تم تعيينهم حديثاً، ومن المتوقع أيضاً أن تزداد حدة اللهجة المستعملة لإدانة أعمال العنف، مع الإشارة إلى انعكاسات نفوذ إيران على أعمال القمع في سورية.

تحضر إدارة أوباما مجموعة واسعة من التدابير الجديدة لإدانة أعمال العنف الوحشية التي يرتكبها النظام السوري بحق المحتجين، لكن يشكك المسؤولون الأميركيون حتى الآن بأنهم يملكون ورقة ضغط فاعلة للتأثير في مسار الأزمة الحاصلة في سورية.

خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الاحتجاجات السورية التي انطلقت في 15 مارس، تناقش المسؤولون في إدارة أوباما في ما بينهم لتحديد ردة الفعل المناسبة تجاه ما يحصل، مع الحرص على إبداء موقف حذر في العلن، ونظراً إلى الانشغال الراهن بحرب ليبيا والتشكيك السابق بأن الوضع السوري سيبلغ هذا المستوى من الاضطرابات، قضت سياسة الإدارة الأميركية بإصدار تصريحات حذرة تدين فيها أعمال العنف تزامناً مع تشجيع الرئيس السوري بشار الأسد على تطبيق الإصلاحات وتحقيق المصالحة الوطنية.

لكن منذ أسبوعين، تبدل المزاج السائد داخل الإدارة الأميركية رداً على أعمال القمع الوحشية في سورية، فأدرك المسؤولون أن الأسد لا يصغي إلى الأصوات المنادية بالإصلاح من داخل سورية أو خارجها، فبعد سلسلة من المداولات التي بلغت ذروتها خلال اجتماع للجنة النواب في مجلس الأمن القومي، في الأسبوع الماضي، وُضعت سياسة جديدة. في الأيام المقبلة، من المتوقع صدور أمر تنفيذي جديد بشأن سورية، على شكل مسودة تصريح رئاسي في مجلس الأمن، وستستهدف العقوبات على الأرجح المسؤولين السوريين الذين تم تعيينهم حديثاً، ومن المتوقع أيضاً أن تزداد حدة اللهجة المستعملة لإدانة أعمال العنف، مع الإشارة إلى انعكاسات نفوذ إيران على أعمال القمع في سورية، لكن لن تستهدف العقوبات الجديدة الأسد مباشرةً ولن تصدر أي مطالبات برحيله. في هذا السياق، قال أندرو تابلر، مسؤول في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: 'لقد انتهت أيام الاكتفاء بإصدار التصريحات، وها نحن اليوم نواجه مرحلة مفصلية، ولكننا لا نعرف بعد إلى أين ستقودنا هذه المرحلة المفصلية'.

تعرضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لانتقادات كثيرة بسبب تصريحها بتاريخ 27 مارس، حين قالت: 'يظن بعض أعضاء الكونغرس الذين زاروا سورية في الأشهر الأخيرة أن الأسد هو رجل إصلاحي'.

لكن بناءً على المعلومات المتداولة في تلك الفترة، لم يشعر أحد داخل الإدارة الأميركية بأنها قالت أمراً خاطئاً، بل صرّح عدد من المسؤولين في الإدارة لصحيفة 'ذي كابل' (The Cable) بأن الإدارة الأميركية استنتجت أن الأزمة السورية لن تتطور لتصبح بهذا الحجم، ولكنها كانت على خطأ، وبالتالي، يبرر هذا التفكير ردة فعلهم البطيئة للرد على الاحتجاجات.

لكن بعد مرور شهر على ذلك الموقف، ومع تصاعد وتيرة الحركة الاحتجاجية وانتشارها في مختلف المدن السورية، لم يعد أي مسؤول في الإدارة الأميركية يكرر ذلك الاستنتاج الآن.

قال أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية: 'لقد أخطأ الكثيرون في تحليلاتهم، فكان التقييم العام للوضع [داخل الإدارة] يشير إلى أن هذه الأحداث لا يمكن أن تحصل، وأن الأسد بارع في كبح تحركات مماثلة قبل نشوئها، وأنه لا يخشى التصرف بصرامة ووحشية. بسبب جميع هذه العوامل، شكّلت أحداث سورية مفاجأة كبرى بالنسبة إلى الجميع، ما صعّب مهمة التعامل مع الأزمة'.

خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الاحتجاجات، أخبر المحللون صانعي السياسة بعدم وضوح حجم الدعم الفعلي الذي تتمتع به المعارضة في أنحاء سورية ولا قدرة الحركة الاحتجاجية على الصمود والتنامي.

وشرح المسؤول عينه ميل الإدارة حديثاً إلى إدانة أفعال النظام السوري بكل قساوة، فقال: 'سرعان ما لاحظنا توسع نطاق الاحتجاجات يوماً بعد يوم، فأدركنا أن الوضع سيزيد سوءاً وأن الأسد لن يصغي إلى أحد. لقد كانت ردة فعلنا متعلقة بالأحداث الجارية ميدانياً'.

لطالما كانت الإدارة الأميركية منقسمة بين أشخاص يفضلون بذل الجهود اللازمة لإقناع الأسد بالانفصال عن إيران، وأشخاص يريدون التركيز على المفاوضات السورية الإسرائيلية، وآخرين ممن يعتقدون أن الأسد سيبقى دوماً حاكماً صارماً ومعادياً للغرب، لذا يجب التعامل معه على هذا الأساس.

مع تصاعد وتيرة العنف في سورية، ضغطت أطراف عدة في الإدارة الأميركية من أجل اتخاذ إجراءات مغايرة، ففي وزارة المالية مثلاً، دعا خبراء فرض العقوبات إلى اتخاذ تدابير مستهدفة وخاصة من شأنها ممارسة ضغوط مالية على النظام السوري. تُعتبر هذه التدابير أسرع الخيارات التي يمكن تطبيقها، وأسهلها أيضاً، لأنها لا تتطلب موافقة الكونغرس.

في وزارة الخارجية، ضغط مكتب شؤون الشرق الأدنى بدوره من أجل اتخاذ قرارات سريعة، وفق بعض المصادر في الإدارة الأميركية. وكان السفير الأميركي في سورية روبرت فورد، الذي كان يبحث عن مقاربة واضحة لمعرفة مسار مناقشاته مع نظام الأسد، يصرّ على تحديد تفاصيل المطالب الأميركية وطبيعة الضغوط المقبلة في حال عدم رضوخ سورية لتلك المطالب.

لكن لم تكن وزارة الخارجية بالضرورة هي التي حثت على فرض تدابير عدائية في نهاية المطاف. عندما بلغت المناقشات مع سورية مستوى رفيعاً لتشمل النواب وكبار القادة، أشارت مصادر عدة إلى أن وزارة الخارجية كانت تتبع خطاً حذراً في مواقفها كونها لا تريد منح منتقدي الولايات المتحدة أي أعذار للترويج لفكرة أن الاحتجاجات حصلت بتشجيع من الغرب. في غضون ذلك، كان المسؤولون في مجلس الأمن القومي يتساءلون عن ورقة الضغط التي تملكها الولايات المتحدة ضد سورية، وعن طبيعة الخطوات التي تريدها من النظام السوري.

تسود فكرة عامة داخل الإدارة الأميركية مفادها أن سورية تطرح مشكلة معقدة لأن الولايات المتحدة لا تربطها علاقة جيدة لا مع النظام ولا مع المعارضة، كما أنها تفتقر إلى ورقة ضغط فاعلة للتأثير في مسار الأحداث في سورية.

في هذا الإطار، قال الأستاذ مارك لينش من جامعة جورج واشنطن: 'كان المسؤولون في الإدارة الأميركية يحاولون صياغة خطاب منطقي لتحديد طريقة رد الولايات المتحدة على أحداث ربيع العرب. لقد أرادوا إصدار رد أكثر قوة وصرامة، ولكنهم محقون بالتصرف بحذر نظراً إلى عدم وضوح حجم الدعم الذي تحظى به الاحتجاجات'.

لم يعد أمام الإدارة الآن خيار آخر إلا تعزيز تدخلها في الوضع، ولكنها ستدرك دوماً أن حجم الضغط الأميركي سيبقى تأثيره محدوداً، حتى لو حصل على دعم دولي.

وختم لينش قائلاً: 'حين قرر الأسد استعمال القوة، أجبرهم على التحرك، لكننا مازلنا نفتقر إلى ورقة ضغط حقيقية'.

===================

سورية ليست كغيرها... بالتأكيد!

محمود ماهر الزيبق

2011-04-28

القدس العربي

كان العنوان الأهم في حديث الرئيس الأسد لصحيفة 'وول ستريت جورنال' أثناء موجة الاحتجاجات العربية 'سورية ليست كغيرها'. وخلافا لما يظنه البعض فإن أحدا من السوريين لم يخالف في صحة هذه العبارة.. لا أعني من حيث قدرة الشعب على الانتفاض والمطالبة بالحرية والكرامة، فاحتجاجات الشارع تتحدث عن نفسها، ولكن من حيث الظروف التي تعيشها سورية، ولذلك أفصل في ما سيأتي بعض الفوارق التي تميز بلادنا عن غيرها.

تسيطر الاجهزة الأمنية في سورية على كل مفاصل الحياة ومنها القضاء، الذي تتولى فيه 'فعليا' أمور التعيين والعزل والنقل، ويكفي ان نشرح هذا بأن أكبر سجناء العالم سنا هو القاضي الثمانيني هيثم المالح، الذي أفرجت عنه السلطات السورية قبل فترة، على وقع الاحتجاجات.

في مصر مثلا كان المواطنون يضعون كتاباتهم ورسوماتهم على الدبابة ويلتقطون الصورعلى جنباتها، بينما تظهر مقاطع الفيديو أبناء درعا يرجمون دبابات الفرقة الرابعة بالحجارة، لا لاختلاف نوع الدبابة، وإنما لاختلاف مهمتها بين حماية المواطنين أو قمعهم، وطبعا تحكي هذه الصورة هيمنة الأجهزة الأمنية على الجيش أيضا.

في سورية تقتل قوات الأمن من يرفض إطلاق النار على المتظاهرين من عناصر الجيش ثم تمشي لهم في جنازات عسكرية مهيبة مصورة محفوفة بالأرز والزهور، لتثبيت ادعاءاتها عن المندسين، ويكفي جوابا ان تعرفوا أن شرارة الاحتجاجات في قرية 'مضايا' انطلقت في جنازة ابنها الجندي مراد حجو، الذي استشهد على أيدي الأجهزة الامنية لرفضه أوامر إطلاق النار على المدنيين.

عندما يقتلع رئيس الأمن السياسي في درعا (ابن خالة الرئيس) أظافر الأطفال ويؤخر الإفراج عنهم طمعا في أن تنبت لهم أظافر جديدة، ويظهر رئيس الأمن السياسي في بانياس مع عناصره في فيلم تعذيب إجرامي لمواطني البيضاء، يعاقب الاثنان بالنقل إلى أماكن أخرى لممارسة أدوار سادية جديدة.. ويبقى للإصلاح أن ينتظر جريمة جديدة لمريض سادي جديد من أجل عقوبة جديدة ونقل جديد!.. وحين يشتكي الناس من هيمنة هذه الأجهزة القمعية يأتيهم الإصلاح بوزير داخلية من أبنائها وهو مدير سابق لسجن سيئ الصيت ويستبدل المحافظون المدنيون في اللاذقية وحمص ودرعا بثلاثة من ضباط الجيش السابقين برتبة لواء ضمن حملة واسعة للاصلاح!

الخلاصة أن للأجهزة الأمنية في سورية قانونا واحدا يحكم عملها اسمه 'اللا قانون'، ولذلك لن يضيرها في شيء رفع حالة الطوارئ من عدمه.. لأنه لا يقترب أبدا من قانونها!

ليست في سورية أية نقابات او اتحادات مستقلة، بل تسيطر الأجهزة الأمنية عليها كلها باسم حزب البعث.. يدخل الطفل المدرسة الابتدائية ليكون واحدا من 'طلائع البعث' ثم يتابع دراسته الانتقالية عضوا في 'شبيبة الثورة' وله أن ينتسب في المرحلة الجامعية إلى فرع مخابرات اسمه 'اتحاد طلبة سورية'، ثم له أن ينتقي من النقابات والاتحادات ما يناسب دراسته.. تتعدد اختصاصات النقابات ومضامينها، إلا أن صور اجتماعاتها وسبل عملها واختيار قياداتها لا تختلف كثيرا عن' طلائع البعث'.. ربما لربط الحاضر بالمستقبل! وتنحصر مهمة ما يسمى 'اتحاد الصحافيين' في سورية بالدفاع عن النظام لا عن أعضائه من الصحافيين الذين تغص بهم السجون.

سورية هي البلد الوحيد الذي يهتف فيه التلاميذ مرغمين ب'الحرية'، كل صباح ضمن شعارات حزب البعث ثم تصبح هذه الكلمة تهمة يزج بالسجن كل طفل يهتف بها خارج المدرسة.

'الشبيحة' هم فئة معروفة من المرافقين الخاصين للطبقة الحاكمة وعائلاتها 'بودي غارد' ولها تاريخ طويل في النهب والقتل والسطو المسلح، من دون حساب او عقاب لأنها محمية بسادتها، ولذلك حاول أزلام النظام بداية التذرع بأنها زالت منذ زمن ثم تجاهلوا المصطلح حين اخطأت بعض وسائل الاعلام العربية في تعريفه على انه 'بلطجية'، لأن وصف 'بلطجية' عام يخالف الوصف الخاص 'للشبيحة'. يشترط لدخول صالات الانترنت العامة في سورية إبراز الهوية وتسجيل بياناتها في سجل دقيق تابع للمخابرات، وفي كل جهاز من اجهزة مقهى الانترنت برنامج تجسس موصول بفروع الأمن لتسجيل كل البيانات الشخصية وكلمات المرور، وهذه أيضا إحدى براءات الاختراع الحصرية عالميا، وفي حال لم يلتزم صاحب المقهى بتسجيل البيانات أو تثبيت برنامج التجسس، فلأهله أن يتهيأوا في البحث عنه في أقبية الفروع الأمنية.

لا تستطيع كسوري ان تدخل الحدود السورية عقب رفع حالة الطوارئ مع حاسب شخصي محمول، إلا أن تذهب إلى غرفة خاصة يتم فيها تفتيش حاسبك والبحث فيه عن كلمات مشبوهة ك'الثورة' والويل والثبور إن لم تعترف بحسابك على الفيس بوك ليبحثوا في صفحتك الشخصية عن أي تأييد لصفحات الاحتجاجات.. أما أهل درعا فلهم معاملة خاصة على الحدود يجبرون فيها على التوقيع والبصم على أوراق تعهد بعدم المشاركة في الاحتجاجات!

بالطبع لست بحاجة للسفر حتى يتم تفتيش جوالك، فمفارز البحث عن صور المظاهرات في الجوالات تحيط بكل مناطق الاحتجاج، أما جهاز البلاك بيري وخط الثريا فكلاهما تهمة مستقلة بذاتها من دون حاجة لقرينة من صور المظاهرات!

تمنح التراخيص للقنوات والوكالات الإعلامية في سورية بشرط ألا تقوم هذه المكاتب بشيء من عمل الصحافة أو الإعلام، وفي حال أدوا شيئا من هذا الإخلال بالأمن 'لا قدر الله'، فمن الطبيعي أن يكون الإيقاف والطرد بالمرصاد، كما حصل مع مراسل رويترز وغيره، ولذلك فإن الصورة الحصرية للاحتجاجات إلى يومنا هذا هي للجوالات، ولم تظهر صورة كاميرا تلفزيونية واحدة!.. فضلا عن ذلك فإن ال(DTL) البث المباشر بالصوت والصورة عبر الأقمار الصناعية للمقابلات التلفزيونية محصور منذ بدء الاحتجاجات بمن يؤيدون النظام وينتهجون نهجه، والأمر لا يقتصر على قنوات 'بي بي سي' و'فرانس' و'العربية' التي تعتبر التلفزيون الرسمي الناقل الحصري ل(DTL) بالنسبة لها، وإنما يتعداه إلى المكتب الوحيد الذي يملك ميزة البث المباشر، وهو مكتب قناة 'الجزيرة'، إذ لا يظهر منه بالصوت والصورة إلا مؤيدون للنظام، أما من يتحدث بلغة إصلاحية في الداخل فلا يسمح بخروج صوته لجميع لقنوات إلا عبر الهاتف بصوت رديء وهو عرضة للاعتقال بعد مكالمته بقليل، كما حصل مع فايز سارة وعماد الدين رشيد وغيرهما كثير.

في كل حوار لأحد منظري النظام مع قنوات فضائية عربية هناك عبارتان تشكلان لازمة هذا الحوار؛ الأولى اتهام هذا المنظر للقناة أيا كانت جهتها بالتجييش والتضخيم وربما العمالة، والثانية رد القناة بسؤال عن سبب منع الاعلام في سورية من متابعة الحدث!

جميع منظري النظام يفتتحون حديثهم على القنوات بالإقرار بشرعية مطالب المحتجين للظهور بثوب الإنصاف، ثم يكملون الحديث بشرعية قمع النظام للمحتجين!

الجواب الغالب على حديث المنظرين عن مبررات القمع والقتل هو 'سورية دولة ممانعة وصمود'، وهو ما يذكرنا بقانون الطوارئ الذي كانت ذريعته اننا في حالة حرب مع الكيان الاسرائيلي، ومع ذلك فقد دخلت الاجهزة الاسرائيلية إلى الداخل السوري وقتلت الشهيد عماد مغنية في دمشق واللواء محمد سليمان في الساحل وفجرت إحدى حافلات النقل في البرامكة وقصفت مباني قيل انها مفاعلات نووية في أقصى الشرق، وكل ذلك من دون أن تفلح حالة الطوارئ بالقبض على عنصر واحد من الاسرائيليين او موسادهم، بينما نجحت بزج ألوف من أصحاب الرأي السوريين في أقبية الطوارئ وكثير منهم اليوم في عداد المفقودين.

وفي جملة حديثهم يحاول منظرو النظام الإشارة الى أن للمقاومة داعما وحيدا هو النظام السوري، وأن تهديده بالاحتجاجات زوال للمقاومة وفي هذا ازدراء واتهام لكامل الشعب السوري الحاضن الشعبي للمقاومة على مر العقود الماضية، وكأن أي تغيير في سورية ينتقل بها إلى حكم مبني على قاعدة من هذا الشعب يعني نهاية المقاومة!

كما يكرر هؤلاء المنظرون تحذيراتهم من مخاطر طائفية تتهدد سورية ونشر فوبيا مفادها أن الاصلاح او التغيير سينتهي حتما بجمهورية ل'القاعدة' على طريقة القذافي أو حرب طائفية تباد فيها طوائف بأكملها وتنصب فيها معارك عمياء للثأرمن جرائم الماضي، وهم بذلك يزدرون الشارع السوري مرة أخرى، الذي عايش بكل طوائفه تجارب القمع والفقر والظلم، وهو يقف في وجهها اليوم صفا واحدا في هتافاته وشعاراته.. ويكفي أن بيانات الاصلاح ورفض القمع تصدر ممهورة بتوقيع المثقفين من كل الطوائف ممن يقتسمون كل شيء حتى الشهادة وسجون القمع.

في بلادي وحدها تنتظم مصطلحات (سلفية  استخبارات اسرائيلية  تيار المستقبل  بندر بن سلطان  منظمات فلسطينية  سياسة أمريكية  عبد الحليم خدام  رفعت الأسد  الاخوان المسلمين) في عقد واحد يتآمر مطالبا بالاصلاح وتغص السجون بالمثقفين بتهمة 'السلفية' بمن فيهم جورج صبرة، ويكتشف البعث مؤخرا أن معظم أعضائه الذين تتوالى استقالاتهم رفضا للقمع.. كانوا أيضا سلفيين! وكان آخر الشهداء السلفيين في دوما هو المسيحي حاتم حنا!

في بلادي الرائعة المسالمة، ورغم كل ما ذكرته أعلاه أكرر مع غيري من الصحافيين والمثقفين في المقالات والبيانات دعوات للحوار الشامل والاصلاح وللنظام جواب واحد مستمر عليها هو جنائز الشهداء وظلمات السجون.

في بلادي اكتشف السوريون مؤخرا أن للجوال حالات هي (عام  صامت - اجتماع..) وللمسنجر حالات ( متصل  مشغول  غير متصل..)، ولم يكن في كلاهما حالة اسمها (خائف) مع ان النظام حاول إيهامنا لعقود بأنها الحالة الأساسية التي يجب أن تسيطر على أحاديثنا وكلماتنا.. النظام الذي لم يعر اهتمامه يوما لجنائز الشهداء لم يبصر أن جنازة الخوف قد شيعت إلى غير عودة في سورية مع أول قطرة دم سالت في سبيل الحرية.

' كاتب صحافي من سورية

==================

هل يتخلى الجيش عن الاسد؟

صحف عبرية

2011-04-28

القدس العربي

لم ينهر نظام الحكم في سورية بعد. يتبنى بشار الاسد شعار 'السلطة تريد اسقاط الشعب'، وهو على ثقة مثل القذافي بأن الجيش السوري وإن لم يكن قادرا على مجابهة عدو خارجي مثل اسرائيل، فانه قادر على كل شيء في مجابهة العدو الداخلي. إن الفرقة الرابعة والحرس الرئاسي اللذين يتولى قيادتهما شقيقه ماهر الاسد، يقتلان المتظاهرين في درعا وتعمل كتائب موالية اخرى في مجابهة المتظاهرين في حمص واللاذقية.

ما زال الاسد يستطيع الاعتماد على الجيش أو على أكثره على الأقل. فهو الجيش نفسه الذي اهتم والده حافظ الاسد برعايته عشرات السنين.

جيش قادته الكبار جزء لا ينفصل عن النخبة الاقتصادية التي من اجلها لوى الوالد وابنه القوانين والتعليمات كي يكون الولاء للعائلة عميقا كالولاء للوطن.

على سبيل المثال حظر الاسد الوالد في التسعينيات استيراد التبغ الى الدولة كي يستطيع القادة الذين هربوا التبغ الى سورية الاستمتاع بالاحتكار. واستطاع ضباط شراء دولارات بسعر رسمي وبيعها بالسعر 'الرائج'، الذي كان أعلى كثيرا. ولا حاجة الى أن نذكر انه لو نفذ مواطن عادي هذا العمل لكان اعتبر جناية.

انتقلت طريقة احتكارات ضباط الجيش بالوراثة الى الاسد الابن الذي ولد بخلاف أبيه في النخبة الحاكمة الثرية التي يسيطر فيها ابن عمه رامي مخلوف على نصيب ضخم من صناعة النفط والغاز والسياحة. لكن ليس أبناء العائلة أو رؤساء الطائفة العلوية وحدهم هم الذين استمتعوا ويستمتعون بالقرب من نظام الحكم. حسبُنا ان نذكر وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس أو رئيس هيئة الاركان حكمت الشهابي السنيين اللذين ما تزال عائلتاهما تستمتعان بامتيازات ضخمة الاموال. فابن طلاس مثلا هو 'كبير المسيطرين على السكر' في سورية. ويملك ابن آخر شبكة فنادق تقع واحدة منها في مدينة حماة التي قتلت فيها قوات الاسد الأب آلاف المدنيين في 1982.

تنتمي زوجة الاسد السنية الحسناء أسمى ايضا الى نخبة سورية الاقتصادية عن طريق عائلة والدها فواز الأخرس وكذلك ايضا كثيرون من اصدقاء الاسد الشخصيين الذين يستمتعون ب'مجال عيش' اقتصادي سخي بواسطة رخص الاستيراد التي منحهم إياها الرئيس ومقربوه. يُعرف بعضهم بلقب 'ناس ال 5 في المئة'، بسبب نسبة العمولة التي يجبونها مقابل صفقات يرتبونها بين مستثمرين اجانب ونظام الحكم.

سيكون من غير الدقيق اذا ان نقول إن الصراع في سورية يجري بين العلويين والسنيين، بين قلة تمثل نحو 12 في المئة من 21 مليون من مواطني سورية، وبين الاكثرية السنية المضطهدة الفقيرة. علاوة على السنيين الذين يستمتعون بالقرب من نظام الحكم يوجد كثير بين القبائل العلوية يطمحون الى إبعاد الاسد ونظام حكمه. ففي شهر آذار (مارس) على سبيل المثال، وقبل نشوب الاضطرابات الكبيرة، نشر رؤساء أربع عائلات علوية كبيرة منشورا تخلوا فيه عن نظام الاسد وعن 'جميع العلاقات التي فُرضت علينا بالقوة في عهد الرئيس حافظ وابنه بشار'. أوضح رؤساء العائلات لممثلي السلطة انهم لن يوافقوا على مجزرة اخرى تشبه ما تم في حماة في 1982.

القطيعة مع السكان السنيين أكبر على نحو طبيعي. اضطر الاسد الى ان يستل من المخزن مصطفى طلاس ويرسله الى مدينة حمص مسقط رأسه كي يُهدىء جأش المواطنين. جاء طلاس الى هناك الاسبوع الماضي مع جماعة من رجال الامن السوريين الكبار واستمع الى دعاوى المواطنين على نظام الحكم. في الايام الطيبة كان هؤلاء المواطنون يحاكمون أو يختفون في أقبية السجون؛ ويبدو الآن ان طلاس يسجل في حرص مطالبهم ويضمن لهم ان يرفعها الى الرئيس.

إن الاختلافات في الرأي داخل العائلة ايضا تنفجر من جديد، عندما يحذر العم رفعت الاسد ولا سيما ابنه ريبال الاسد من حرب أهلية وينشران تفصيلات جديدة تثير الاهتمام عن المجزرة في حماة. يُجهد ريبال نفسه الآن بأن يطهر اسم أبيه ويلقي المسؤولية كلها عن المجزرة على الرئيس الراحل حافظ الاسد وعلى وزير الدفاع السابق طلاس.

أقد تتطور هذه الاختلافات لتصبح تمردا داخليا داخل نظام الحكم؟ حتى الآن أظهر الجيش ولاء مطلقا لنظام الحكم لكنه يوجد في صفوفه ايضا جنود من أبناء الطوائف المختلفة، وقادة صغار وذوو رتب متوسطة ولاؤهم لعائلاتهم ولأبناء المدن التي جاؤوا منها يثبت الآن لامتحان، لانه بخلاف ما حدث في 1982 ينتشر التمرد الآن في جميع المدن ولا يفرق اطلاق قوات الامن النار بين العائلات والطبقات. تُبلغ بلوغات لمعارضين سوريين عن تبادل رسائل ومكالمات هاتفية مع هؤلاء القادة ترمي الى التأثير فيهم لاغماد سلاحهم اذا طُلب منهم اطلاق النار على المدنيين.

وقد يستقر رأي الرتبة العليا في الجيش ايضا على أنها لم تعد محتاجة الى عائلة الاسد للاستمرار في ادارة الجيش أو الحظوة بخيرات المتعة. في هذه الحال قد يصبح الاسد وعائلته مثل حزب البعث ايضا كبش فداء الجيش.

ومع عدم وجود 'جيش بديل' ستضطر المعارضة الى ادارة شؤونها مع قادة الجيش وربما تكتفي بالانجاز الذي لا يستهان به وهو طرد عائلة الاسد.

إن من تملأ فاها بالماء في هذه الاثناء هي ايران التي تحظر على وسائل اعلامها الابلاغ عن الحوادث في سورية وحزب الله الذي يتحدث عن الاحداث في ليبيا واليمن ومصر لكنه 'ينسى' سورية. سيكون سقوط الاسد بالنسبة اليهما تغييرا ذا شأن للواقع وإن لم يكن معنى ذلك بالضرورة تغيير السياسة السورية نحوهما.

===================

هؤلاء المحامون عن "سورية الأسد"!

جواد البشيتي

29-4-2011

العداء (الشعبي العربي المتأصِّل في النفوس) لإسرائيل هو دائماً الكامِن المستتر في كثيرٍ من دوافع وحوافز وأسباب وقوى "الحراك الشعبي الديمقراطي" في كل البلاد العربية التي عرفته وشهدته؛ وهذا العداء (المبرَّر واقعياً، والمفيد والضروري لشعوبنا العربية كافة) هو السبب الأهم لسلبية الموقف الشعبي العربي من الولايات المتحدة، ومن سائر حلفاء إسرائيل الغربيين.

وإلى هذا العداء يمكن أنْ نَنْسِب، أيضاً، بعضاً مِمَّا تحظى به أنظمة حكم عربية دكتاتورية؛ لكن "معادية" لإسرائيل، من تأييد شعبي عربي "خارجي"، أي من خارج حدود دولها، ومن تأييد قوى وأحزاب سياسية عربية "خارجية" أيضاً.

قُلْتُ إنَّ الاحتفاظ بجذوة العداء لإسرائيل هو أمْر ضروري ومفيد للشعوب العربية؛ لكنَّ هذه "القاعدة" لها أيضاً استثناء؛ فإنَّ بعضاً من العداء لهذا العدو القومي الأوَّل للعرب يعمي الأبصار والبصائر، وقد يجعلنا معادين حتى لأنفسنا، أي لحقوقنا الديمقراطية؛ ولقد رأيْنا هذا واضحاً جلياً في مواقف بعض قوى وأحزاب المعارَضة العربية من نظامي الحكم في ليبيا وسورية.

رأيْنا هؤلاء يقِفون مع ثورتي تونس ومصر، وضدَّ ثورة الشعب في سورية على نظام الحكم البعثي الدكتاتوري؛ فالثورة في مصر "حلال"؛ لأنَّها ضدَّ نظام حكم ترضى عنه إسرائيل والولايات المتحدة؛ أمَّا في سورية فهي "حرام"؛ لأنَّها ضد نظام حكم "معادٍ" لإسرائيل، يَقِف إلى جانب "قوى المقاوَمة العربية" في فلسطين ولبنان (والعراق).

بعضٌ من هؤلاء الحزبيين "القوميين"، "المعادين" لإسرائيل، ولحليفها الدولي الأوَّل، قد يتَّفِق معك على أنَّ نظام الحكم الأسدي في سورية هو، في طبيعته وجوهره، نفي للديمقراطية بأوجهها كافة؛ لكن ثمَّة "ضرورة"، هي "العداء" لإسرائيل، تبيح هذا "المحظور"، أي نفي الديمقراطية. وبعضٌ آخر يُحْسِن الظنَّ، ديمقراطياً، في نظام الحكم السوري، فيزعم أنَّ نظام الحكم هذا ليس في طبيعته منافياً للديمقراطية، ويُمْكِنه أنْ يأتي للشعب السوري بكثير من الإصلاح السياسي والديمقراطي؛ لكنَّ "ضرورات الصراع (القومي بينه وبين إسرائيل)" تمنعه من ذلك.

هل ثورة الشعب السوري هي "ثورة شعبية سورية ديمقراطية خالصة"؟

جوابنا هو "كلاَّ"؛ فأوَّلاً، ومن حيث المنطق، لا وجود أبداً ل "الخالص" من الأشياء؛ وهذه الثورة، من ثمَّ، عكَّرت المياه السورية؛ وليس ثمَّة ما يمنع قوى عدة، إقليمية ودولية، ومن داخل سورية أيضاً، معادية، بمصالحها وأهدافها، لسورية، ولثورة شعبها على وجه الخصوص، من الاصطياد في هذه المياه.

لكن، هل هذا يعني أنْ نقف ضدَّ ثورة الشعب السوري على نظام الحكم الدكتاتوري، أو أنْ نقف مع نظام الحكم هذا ضدَّ ثورة شعبه عليه؟!

لا بدَّ لنا من أنْ نميِّز هذا من ذاك، ومن أنْ نبتني موقفاً من هذا التمييز، وإلاَّ أسأنا الفهم، وفهمنا الوجود القتالي للدبابات السورية في درعا على أنَّه شيء لا يختلف جوهرياً عن وجودها المماثِل في الجولان التي تحتلها إسرائيل.

"القوميون العرب" من هذا الصنف، الذي حان له أنْ يختفي من الوجود السياسي والفكري العربي، هو، في بقائه وخطابه ومنطقه وموقفه، خير دليل على أنَّه لم يَخْرُج من تجربة صراعنا القومي المديد ضدَّ إسرائيل بالدروس والعِبَر الأساسية والجوهرية، والتي في مقدَّمها أنَّ "العداء الدكتاتوري"، أي الذي تُظْهِره أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية، لإسرائيل هو عداء زائف، عاجِز، وغير مُجْدٍ لشعوبنا في صراعها القومي ضدَّ هذا العدو؛ فأنتَ لا يُمْكِنك أنْ تكون صادقاً في عدائك القومي لإسرائيل إذا لم تقف، في الوقت نفسه، ضدَّ أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية، ومع الحقوق الديمقراطية لكل شعب عربي؛ وليس من "التزام قومي"، أو "التزام ديني إسلامي"، يحقُّ لأصحابه أنْ يتَّخِذوه سبباً، أو مبرِّراً، للتصالح مع أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية، وللوقوف ضدَّ الثورات الشعبية الديمقراطية عليها، مهما كَثُر، وتكاثر، المصطادون، أو الذين لديهم الرَّغبة في الاصطياد، في المياه العربية التي عكَّرتها، وتُعكِّرها، هذه الثورات.

إنَّ نظرية "المياه العكرة والمصطادين فيها" هي نظرية لتبرير التصالح مع الدكتاتورية العربية، وتتنافى تماماً مع حقيقة موضوعية بسيطة هي أنَّ لدى الشعب السوري من أسباب العداء لدولته الأمنية الاستبدادية الإرهابية ("المعادية"، لساناً، لإسرائيل) ما يشدَّد الحاجة لديه إلى "ثورة تَلِد ثورة" ضدَّ هذه الدولة، التي لا عدوَّ حقيقياً لها إلاَّ شعبها.

حتى من تجربة الصراع التي خاضها، ويخوضها، ضدَّنا عدونا القومي الأوَّل وهو إسرائيل لم نتعلَّم ما ينبغي لنا تعلمه؛ فهذا العدو خاض الصراع ضدَّنا، وهزم دولنا وجيوشنا شرَّ هزيمة، من غير أنْ تكون دولته معادية للحقوق الديمقراطية لشعبها؛ ولقد أقام لنا الدليل على أنَّ "الديمقراطية التي ينعم بها شعبه فحسب" هي "جيش الدفاع الإسرائيلي الأوَّل والأهم".

وفي سورية، فَهِم نظام الحكم الأسدي "التوازن الإستراتيجي" مع إسرائيل، والذي هو، بمعيار السعي الحقيقي إليه، كذبة كبرى، على أنَّه هدف يمكن الوصول إليه، وتحقيقه، من خلال "إخلاء الميدان" من الشعب السوري، وجَعْل هذا الشعب "صفراً" في "وجوده السياسي"، عبر حرمانه حقوقه الديمقراطية كافة؛ وكأنَّ الشعوب المحرومة ديمقراطياً يمكنها أنْ تجيد القتال في المعارك القومية!

وإنِّي لأستطيع أنْ أؤكِّد لكم أنَّ سورية الحُرَّة الديمقراطية التي تحكمها حكومة تمثِّل شعبها حقاً هي الأكفأ والأصدق في العداء لإسرائيل، وفي مواجهتها، ولو أصبحت بلا جيش؛ فإنَّ الدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية هي التي صنعت للجيش الإسرائيلي أسطورة الجيش الذي لا يُقْهَر؛ وكلَّما قُهِرَت شعوبنا العربية ازداد الإسرائيليون اقتناعاً بأنَّ جيشهم لا يُقْهَر.

نظام الحكم الأسدي الذي لا يتورَّع عن إنكار كل بديهية إذا ما رأى أنَّها تتعارض مع مصالحه (المنافية، على وجه العموم، لمصالح شعبه) يحاوِل إقناعنا (وكأنَّنا قوم من الأغبياء) بخرافة سياسية له على أنَّها بديهية، فهو يريد لنا أنْ نفهم نَيْل الشعب السوري لحقوقه الديمقراطية كاملةً على أنَّه ضربة في الصميم للأمن القومي لسورية، وإغراء لإسرائيل باحتلال دمشق في ساعات معدودة؛ وكأنَّ "الدولة الديمقراطية" لا "الدولة الأمنية" هي التي تُمَكِّن لإسرائيل في الأرض (السورية والعربية)!

ولو كان لأنصار نظام الحكم السوري من العرب من قوَّة البصر والبصيرة، أو مِمَّا يجعلهم في حاجة إلى قوَّة البصر والبصيرة، لرأوا نظام الحكم هذا على حقيقته القومية العارية تماماً من الأوهام، فحقائق الواقع ما انفكت تحاوِل إقناعنا بأنَّ "الالتزام القومي" لنظام الحكم الأسدي لا يعدو كونه "موقفاً قومياً" يقفه نظام الحكم هذا إذا ما تبيَّن له، وتأكَّد، أنَّ هذا الموقف، مع نتائجه وعواقبه التي يتوقَّع، يمكن أن يفيده كثيراً في تقوية، وإطالة عُمْر، الدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية في سورية؛ فبقاء هذه الدولة (ولو لم يُبْقِ على الشعب السوري نفسه) هو وحده التفسير والتعليل لسياسة نظام الحكم السوري في مَدِّها، أو جَزْرِها، القومي.

لقد حان لكل مُدَّعي العداء لإسرائيل أنْ يقتنعوا بأنَّ كل من يقف مع الدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية، وضدَّ ثورات الشعوب العربية لنيل حقوقها الديمقراطية كافة، لا يمكن إلاَّ أنْ يَخْدِم، ولو موضوعياً، إسرائيل؛ فالدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية العربية هي، في بعضٍ من معانيها، "احتلال إسرائيلي سياسي" لشعوبنا.

=======================

أوباما "يتلعثم" حيال ما يجري في سورية

الايام الفلسطيمية

28-4-2011

بقلم: بوعز بيسموت

عن "إسرائيل اليوم"

أعلن الرئيس السوري، بشار الأسد، في 30 آذار، بعد أسبوعين من اندلاع الاضطرابات في بلاده، بأنه "مستعد للحرب". قال وقصد. ما تفعله، هذه الأيام، قوات الأمن السورية هو الحرب الأبشع التي يمكن أن تقع: قتل أبناء شعبك. في هذه الأثناء فان الرئيس الأميركي، براك أوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي اختار في العام 2010 استئناف العلاقات الدبلوماسية مع النظام البربري في دمشق (بعث بسفير) يواصل إبداء السلبية المخجلة تجاه القتل في سورية.

إذا كان الأسد يوم الجمعة رد على الاضطرابات بيد قاسية وحمام دماء، فانه أخرج، أول من أمس، قواته الموالية والمطيعة في مهمات تطهير في المدن الإشكالية من ناحيته مثل درعا، جبلة، دوما، وحمص. لا يريد نظام الأسد شهوداً: الحدود مع الأردن أغلقت؛ القليل من الصحافيين، ولا سيما اللبنانيين، الذين كانوا لا يزالون في الدولة اعتقلوا وطردوا. وفي مقرات منظمات حقوق الإنسان أجريت عشرات الاعتقالات.

يريد النظام القمعي العمل بسرعة ودون تدخل أجنبي بالضبط مثلما في حماة في العام 1982، حيث قتل عشرين ألف شخص. بشار لا يخجل من اسم أبيه. حافظ، هناك في الأعلى، يمكنه أن يكون فخوراً بابنه. غير أن بشار الأسد يسيطر في سورية في عصر الانترنت، الذي يجعل من الصعب عليه القيام بما قام به "أناس أعظم منه": ستالين في الاتحاد السوفييتي، ماو في الصين والأسد (الاب) في حماة. رغم الإغلاق الإعلامي، فان العالم يعرف. واشنطن هي الأخرى تعرف.

وهذا بالضبط السؤال الأكبر (مرة أخرى): ماذا تفعل الإدارة الأميركية بالضبط؟ ذات الإدارة التي دعت بسرعة كبيرة مبارك الصديق إلى الرحيل مع بدء الاضطرابات في مصر، تتلعثم أمام الأحداث الدموية في دمشق. أوباما يحق له أن يكون منحرجاً. في العام 2010 اختار الرئيس الأميركي سياسة الانفتاح تجاه سورية (حتى وان كان بالتوازي مدد العقوبات ضد سورية والتي كان ورثها عن الإدارة السابقة)، بل وبعث بسفير جديد إلى دمشق، الحليف المخلص لإيران و"حزب الله".

صحيح، سورية ليست ليبيا. لها أهمية إستراتيجية كبيرة في المنطقة: تركيا، لبنان، العربية السعودية وإسرائيل تشهد على ذلك. في الغرف المغلقة يمكن لأوباما بل ويستطيع أن يقول دفاعاً عن نفسه إن هذه الدول الأربع، أصدقاء الولايات المتحدة، لا تسارع إلى التخلي عن نظام الأسد وذلك لان سحابة كبيرة تحوم حول اليوم التالي للأسد. الفوضى، الإسلام، الإرهاب، الحرب الأهلية – كل هذه هي الخيارات التي يمكن لسورية الغد أن تعرضها. صحيح، الديمقراطية أيضا. ولكن ما هو الاحتمال حقا؟

من جهة أخرى، "ربيع الشعوب العربية" لا يضيف احتراما لأوباما. فمرة يتخلى بسرعة شديدة عن صديق (مصر)، ومرة أخرى لا يفهم ماذا يجري (تونس)، ومرة ثالثة يدافع عن الحكم (البحرين)، ومرة رابعة يدافع عن الحرية (ليبيا). حتى وان كان العالم العربي ليس منسجما، فقد كنا نتوقع صيغة أخلاقية، أكثر تماسكا بقليل، من جانب الرئيس الأميركي.

لصاحب جائزة نوبل للسلام توجد أيضا مشكلة في التعامل مع "محور الشر". بالضبط مثلما تلعثم حيال إيران وكوريا الشمالية، هكذا هو الآن حيال سورية أيضا. بشكل عام، صعب بعض الشيء متابعة منطق أوباما. فمن جهة يسعى إلى التصفية الجسدية لزعيم عربي (القذافي)، ومن جهة أخرى يتوقع من نظام بربري (سورية) تنفيذ إصلاحات. ينبغي التعلل بالأمل بأننا لن ندفع ثمن السياسة غير الواضحة هذه، مثلما في اليمن (حيث تكمن "القاعدة").

===================

الحرص على سوريا

السفير

ساطع نور الدين

28-4-2011

بقدر ما يفرط الحكم في سوريا في استخدام القوة لإحباط المطالب الشعبية بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، يكثف الغرب ضغوطه السياسية والدبلوماسية لإقناع القيادة السورية في الاستجابة بسرعة لتلك المطالب.. ويعتمد الأداة التركية للتأثير في خيارات دمشق، بطريقة لا تخلو من الفظاظة الناجمة عن حرص خاص على النظام السوري، لا تزال انقرة تتقاسمه مع جميع العواصم الغربية.

الموقف التركي ومعه المواقف الغربية عموماً من الازمة السورية الخطرة التي بدأت بما يشبه حرباً أهلية يعمل الجميع على احتوائها، يمكن ان يوصف على النحو الآتي: الوقوف على حافة اليأس من النظام في سوريا ومن قدرته على الخروج من الأزمة سالماً، بما يحفظ سوريا ومحيطها من حرائق قومية وعرقية وطائفية رهيبة. لكن أحداً، حتى الآن على الاقل، لم يقطع الامل نهائياً ولن يقطع ذلك الامل الا بعد جهود حثيثة من اجل التوصل الى تسوية وطنية سورية لا تزال شروطها متوافرة، اكثر بكثير من التسوية الليبية المنشودة او التسوية اليمنية المرتقبة خلال اسابيع.

ثمة توافق تركي غربي على أن النظام السوري يسيء الى نفسه والى مستقبله اكثر مما تسيء اليه معارضاته المتنوعة والمفتتة. وهو بأسلوبه الأمني الاستفزازي يقفل شيئاً فشيئاً نافذة الفرص المتاحة امامه، فيزيد من توتر الشارع واضطرابه، ويضاعف قلق المجتمع الدولي الذي لا يمكن ان يتسامح مع صور الجثث والجرحى، ويدفعه الى اعتماد إجراءات عقابية متدرجة يدرك جيداً أن عواقبها وخيمة، وخواتيمها واضحة. وهذا هو فحوى الاتصال الهاتفي الذي جرى قبل يومين بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وبين الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي حث مهاتفه على بذل كل ما في وسعه من أجل إقناع جاره وصديقه الرئيس بشار الاسد بإصلاح نظامه بدلاً من إسقاطه.

كانت خلاصة ذلك الاتصال بمثابة تشجيع او حتى تفويض اميركي وغربي لتركيا على ان تجدد مساعيها السورية التي توقفت في أعقاب خيبتها بخطاب الاسد في الثلاثين من آذار، وبالحكومة الجديدة التي انبثقت منه، وفي اعقاب خوفها الشديد من الخيار الامني الذي اعتمدته القيادة السورية.. والذي يفترض ان يكون العنوان الاول للنقاش مع الوفد التركي الذي اعلن اردوغان انه سيرسله الى دمشق اليوم، تليه عناوين سياسية محددة أهمها التمهيد لمصالحة وطنية سورية، تفرج عن المعتقلين وتوقف ملاحقة اللاجئين، وتؤسس لحوارعام يشمل اساساً المعتدلين الاسلاميين، الذين باتوا شبه مقيمين في اسطنبول، حول الاصلاحات الواجب اعتمادها والتي صارت خطواتها معروفة جيداً.

الغضب الذي يميز السلوك التركي والغربي تجاه القيادة السورية، ما زال محكوماً بعامل الحرص الشديد على بقاء النظام الحالي، الذي يتردد في انقرة وفي واشنطن وباريس ولندن أنه يفتقر الى النضج السياسي، ويحتاج الى الحكمة السياسية التي تحميه من نفسه، وتجنب سوريا الحرب الاهلية، وتضمن لجيرانها جميعاً تفادي حرائق هائلة.. وبينها الحريق الذي يمكن ان يمتد الى تركيا نفسها، عبر حدودها المفتوحة مع سوريا.

الغضب شديد، وهو حتى الآن يعادل الامل.

=================

سيقاتل حتى السوري الاخير

صحف عبرية

2011-04-27

القدس العربي

 المشاهد والاصوات التي تصل من سورية تشير الى أن الطرفين، السلطة والجمهور الذي يعارضها، وصلا الى مرحلة يشعران فيها بنفاد كل السبل وأنهما لن يتنازلا عن مطالبهما، مهما كان الثمن.

من ناحية الجمهور، كلما مر الوقت وكثرت الضحايا، يرتفع سقف مطالبه: اذا كان الجمهور طالب في بداية المظاهرات بإلغاء قانون الطوارئ فانه الآن  بعد ان تبين بأن السلطة هي عدو الشعب  يطالب المتظاهرون بإسقاط الحكم نفسه.

اسقاط تماثيل الاسد، الأب والابن، وتمزيق صورهما أصبح أمرا اعتياديا، والجماهير تفعل ذلك بحماسة بارزة.

الدوامة الدموية آخذة في التعقد: مئة قتيل اليوم هم مئة جنازة غدا، كل واحدة منها هي مظاهرة سيُقتل فيها المزيد، وتدور الدائرة بمشاعر متعاظمة الحماسة كلما تصاعد عنف السلطة.

الخوف تبدد لدى الطرفين: الشعب لم يعد يخاف الخروج الى الشوارع بجموعه، وبالمقابل، فقدت السلطة الردع تجاه اطلاق النار الكثيف نحو صفوف الجماهير.

الشروخ في صفوف السلطة آخذة في الاتساع: مفتي سورية استقال قبل اسبوعين، اعضاء برلمان استقالوا بالبث الحي والمباشر في 'الجزيرة' الاسبوع الماضي، محررة صحيفة رئيسية تنتقد السلطة انتقادا لاذعا، ضباط رفيعو المستوى ينزعون بزاتهم في ضوء الاحتجاج، جنود يفرون من صفوف الجيش مع سلاحهم الشخصي وشخصيات عامة بارزة في سورية يتحدثون علنا ضد سلوك اجهزة الأمن، التي تلقت ضوءاً اخضر لإطلاق النار الحية على المتظاهرين.

كلما تقلصت دائرة المؤيدين لبشار، ازداد احساس الحصار لديهم وخيبة أملهم. وهم لم يعودوا يكافحون في سبيل السلطة بل في سبيل العلاقة بين رؤوسهم وأكتافهم.

دم المتظاهرين سيُزال بدم مقاتلي السلطة، اذا ما أُمسك بهم أحياء ببزاتهم. الموالون للسلطة مستعدون للقتال حتى السوري الاخير.

مدينة حماة هي رمز ثورة الاخوان المسلمين في العام 1982، تلك التي قُمعت بوحشية شديدة وبآلاف القتلى.

ارسال الجيش الى درعا أمس يشير الى امكانية ان تكون درعا هي رمز ثورة 2011، والسؤال هو كم من الآلاف سيُقتلون في سورية الى ان يبدأ العالم بالعمل، مثلما في ليبيا؟

ولحكومة اسرائيل أقترح: إنزال الادوية بمظلات من طائرات صغيرة من دون طيار فوق مدن سورية. هذا استثمار جيد جدا للمستقبل.

' دكتور محاضر في القسم العربي وباحث في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، جامعة بار ايلان

اسرائيل اليوم 26/4/2011

===================

البعث مأساة المولد.. حشرجة الاحتضار

رياض معسعس

28-4-2011

القدس العربي

 الثامن من آذار/مارس من العام 1963 كان يوما حزينا في سورية، رغم أن البلاغ رقم 1 الصادر عن مجلس قيادة 'الثورة' بشر السوريين، بل والأمة جمعاء بفجر جديد تشرق فيه شمس البعث، لتنعم بالوحدة والحرية والاشتراكية. لكن سرعان ما محا النهار كلام الفجر.

إذ تطبيقا لهذا الشعار والحرية المنشودة، قام البعث السوري بفرض قانون الطوارئ وحبر البلاغ رقم 1 لم يجف بعد. فبات المواطن مدانا حتى تثبت براءته، حتى أن السجون امتلأت سريعا بكل مطالب بالحرية وبكل معارض سياسي. وأدخلت سورية في دهاليز نظام 'إشتراكوي فوضوي' يعد باللبن والعسل، متفرعة المسالك، معظم منافذها تصل إلى جيوب ثلة من قادة 'الثورة'، حتى بات الدخل هنديا، والمصروف أمريكيا، والفجلة تناطح الليرة السورية.

فصار السوري أضيق رزقا من سم الخياط. أما اللبن والعسل فصار في ذاكرته من الصور التذكارية. أما الوحدة التي كانت أمنية قديمة لكل عربي، تيقن البعض أنها صارت أكيدة التحقيق، خاصة أن الأخ الشقيق للبعث السوري الذي قاد انقلابه ضد نظام عبد الكريم قاسم واستلم السلطة في بغداد، قبل شهر تماما (في الثامن من شباط/ فبراير 1963) قد أطلق الشعار بعينه في بلاغه رقم 1. ولم يمض الوقت طويلا ليتضح أن البعث صار بعثين، ولا يصبوان للوحدة، بل انهما مصابان بمرض التوحد. وكل طويل عمر يتذكر أن جوازات السفر السورية كانت مدموغة بعبارة شهيرة: 'يسمح لحامله التجول في جميع دول العالم ما عدا العراق'، أي بات الشقيق البعثي العراقي أكثر خطرا على شقيقه البعثي السوري، من إسرائيل. وصارت مصر محط تصيد لإسقاط جمال عبد الناصر وتندر في الإذاعة السورية عليه، التي كانت تبث أغنية 'يا كركدن لا تحسبن لتقبضن' لتكايد بها الزعيم المصري الراحل. وبات كل بعث يعبث بالعباد والبلاد ويدخلها في دوامات، ومطبات أرضية غائرة القعر لم يجن منها الشعبان سوى الويل والعويل واستعانا بالصبر لأن الله مع الصابرين.

فالبعث العراقي زج العراق في حرب ضد إيران دامت سنوات ثمان جرى خلالها الدم أنهارا من الطرفين، وفاجأنا البعث السوري بالتحالف مع إيران ضد العراق بدل أن يدخل في وساطة لإصلاح ذات البين ويحقن دماء الشعبين الجارين، بل انه تحالف مع الدول المتحالفة التي شنت الحرب على العراق بعد احتلاله للكويت، وضربت عليه حصارا خانقا جعل الشعب العراقي رهينة في أيدي أعدائه ومرتعا وخيما للطائفية والميليشيات المسلحة، الذي انتهى بسقوط عاصمة الرشيد بغداد في التاسع من نيسان/ أبريل من العام 2003 ومعها سقط البعث العراقي سقوطا مدويا بعد أربعين عاما من الحكم، حول العراق خلالها إلى دولة ممزقة الأوصال، مزدرية الأحوال، لا أمن، لا استقرار، لا خدمات، لا استقلال، وكثرت اللاءات السلبية في بلاد حمورابي، وجلجامش ومهد الحضارات الإنسانية، ولم تستأنف العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين الشقيقتين إلا بعد أن حز حبل المشنقة رقبة صدام حسين.

بعث سورية الذي ظل متخفيا وراء شعاره الذي يملأ الساحات إلى جانب صور 'الرفيق القائد'، تابع مسيرته 'التاريخية' فدخل في تصفية حسابات بين أعضائه، فانبثقت من داخله حركة 23 شباط/فبراير في العام 1966 لينقلب الرفاق على الرفاق وتدخل سورية في منزلق حرب النكسة التي صوروها لنا بأنها نزهة يوم أو بعض يوم يصل فيها الجيش السوري إلى تل الربيع، فجيشنا الباسل لن يرتكب هذه المرة هزيمة النكبة. واستيقظت الشعوب العربية صبيحة الخامس من حزيران/يونيو لتكتشف واجمة هزيمة العرب الكبرى التي أجري لها عملية تجميلية لتسمى النكسة. وأن الجيش السوري أعطي الأوامر من وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد بالانسحاب الطوعي من مرتفعات الجولان الحصينة، التي لو طار نسر من سفحها لأخذ فترة استراحة مرتين قبل الوصول إلى قمتها، قبل ست وثلاثين ساعة من احتلالها. لكن النصر كان حليف النظام البعثي كما كانوا يصفون، لأن اسرائيل كانت تنوي إسقاط النظام الثوري في دمشق، وبما أن النظام بقي صامدا فإن الهدف الاسرائيلي لم يتحقق ويكون بذلك قد انتصر على اسرائيل. لم يفهم أحد هذه الفلسفة البعثية العبثية، فبلع الشعب السوري الموسى بحديه واستعان بالصبر، لأن الله مع الصابرين.

لكن حرب الرفاق على الرفاق لم تنته في 23 شباط/فبراير. إذ استيقظ السوريون في السادس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر على 'حركة تصحيحية' يقودها وزير الدفاع حافظ الأسد صاحب قرار الهزيمة في حرب 67 لينصب نفسه رئيسا على البلاد، ويزج رفاقه في السجون ليموتوا فيها بعد أكثر من ربع قرن، مرضا وكمدا. ولكي نغسل عار حرب 67 خاضت سورية باتفاق مع مصر حرب السادس من تشرين الاول/أكتوبر ويصبح الأسد 'بطل التحرير' بعد الدخول في مفاوضات فصل القوات في العام 1974 وتستعيد فيها سورية جزءا من الجولان ويبقى الجزء الأهم تحت السيطرة الاسرائيلية، التي ضمته إلى أراضيها بقرار من الكنيست، من دون أن يحرك النظام البعثي ساكنا.

مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975 وجد النظام البعثي السوري، الذي دخل في خلاف مع منظمة التحرير الفلسطينية، الفرصة مناسبة لضرب القوى الوطنية في لبنان وعلى رأسها المنظمة، فبدأت في تل الزعتر وانتهت في طرابلس ورحيل المنظمة عن لبنان في العام 1982 بعد أن أعطت الجامعة العربية الضوء الأخضر للجيش السوري لدخول لبنان تحت مسمى 'قوات الردع'. لكن الردع امتد إلى كامل اللبنانيين بالهيمنة التامة على مرافق ومفاصل لبنان، حتى ان اللواء غازي كنعان كان يتصرف في لبنان كمتصرفية، (وقد انتحر في مكتبه في ما بعد برصاصتين في الظهر كما يحلو للبعض أن يقول'. جعلت اللبنانيين يكتمون غيظهم ويحقدون حقدا شديدا على النظام السوري وأزلامه. معركة النظام في لبنان كانت توازيها معركة أخرى في سورية في مواجهة المعارضة السياسية من إخوان مسلمين وشيوعيين ووحدويين، وبعثيين منشقين، فعرفت سورية فترة من أحلك فتراتها انتهت بمجزرة سجن تدمر في العام 1980، وتبعتها سريعا مجزرة حماه الرهيبة في العام 1982، حيث بلغ عدد الضحايا عشرات الآلاف، وغصت حلوق السجون بالمساجين. ودخل رأس النظام في خلافات شديدة يبن الإخوة هذه المرة، أي بين حافظ الأسد وأخيه رفعت الذي قاد سرايا الدفاع التي كانت ترتكب الشنائع والفظائع في الشعب السوري، فطرد رفعت (شرطي الجمارك سابقا) من سورية حاملا معه رقما فلكيا من أموال الشعب. (ليس دفاعا عن الشعب بل عن الكرسي الذي كان يزاحم أخيه عليه).

في العام 2000 استيقظ الشعب السوري على نبأ وفاة حافظ الأسد، وتولي نجله بشار الأسد الحكم، بعد تعديل الدستور السوري ليسمح له بمزاولة المنصب لصغر سنه (34 عاما). ورغم أن سورية تحولت بقدرة قادر إلى جمهورية وراثية إلا أن السوريين استبشروا خيرا ببشار الذي وعد بالتغيير وقالوا: اصبروا ان الله مع الصابرين.

أكثر من عشر سنوات من الصبر مضت ووعود التغيير مازالت تلمع في الأعين لمعان السراب، عرفت سورية خلالها أزمات عدة، الأمم المتحدة تصدر قرارها رقم 1559 بانسحاب الجيش السوري من لبنان، سبابات كثيرة وجهت إلى سورية بتدبير اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، اعتداءات اسرائيلية متكررة على سورية من دون رد سوري، استمرار سياسة القمع وكم الأفواه، والاعتقالات التعسفية، وانعدام الحريات، باختصار 'لم تغير حليمة من عاداتها القديمة'.

مع انطلاقة الثورات العربية، لم يكن يتوقع أحد أن الشعب السوري سيقوم بثورته الحقيقية، جراء سيف الأجهزة القمعية المسلط على رأسه.

لكن الشعب السوري الأبي الذي صبر صبر أيوب خلال أربعين عاما نفد صبره ولحق الركب العربي، لكن نظام البعث المنادي 'بالوحدة والحرية والاشتراكية،' يرتكب المجازر اليومية بالمطالبين بالحرية الذين يهتفون بشعار مقدس في كل مدينة 'الله سورية حرية وبس'. بعد أن خابت آمالهم بوعود بشار، وهذا ما أكده في خطابه أمام برلمان 'كراكوزية' نظامه المطبلين المزمرين، بأن حزب البعث القائد مستعد للمعركة. ولكن الشعب السوري الذي أراد الحياة، ولا بد أن يستجيب له القدر، ستكون معركة البعث هذه المرة معركته الأخيرة بعد أن دخل في طور الحشرجة. فلم يعد أمام الشعب السوري في هذه المعركة سوى صبر ساعة.

====================================

ما يجري في سورية هدم لمبادئ البعث

د.حسن طوالبة

العرب اليوم

2011-04-28

"الحرية هي أساس هذه الحياة, فمن المستحيل أن يعيش فرد أو مجتمع بدون حرية. فالحرية هي المحرك الأساسي للتغيير, بل هي روح الثورة لان تطوير المجتمع نحو حالة أفضل بعد إنقاذه من الجمود يشترط أن يتمتع الفرد بالحرية, وهذه الحرية لا تؤدي إلى الفوضى في السلوك الاجتماعي كما يظن البعض, إنها مسؤولية لان الفرد المتحرر يصبح شاعرا بمسؤولية في أعماله ومواقفه السياسية والاجتماعية أكثر من ذي قبل."

التحرر ضرورة لتحرر الفرد من الأنانية ومن الجمود الفكري ومن سطحية فهمه, وبيه ينطلق إلى الإبداع والنضال والتقدم, كما انه يحرر المجتمع من الاستبداد السياسي والاستغلال الطبقي والأمراض الاجتماعية الصادرة عن قانون الغاب كالرشوة والفساد والاستغلال, كما يمثل بالنسبة للأمة العربية حتمية التخلص من الاستعمار والصهيونية, كما انه يقدم للأمة فرصة الإسهام في قيادة المجتمع الدولي.

ليس قصدي من هذه المقدمة عرض أفكار البعث فهي متوفرة في العديد من المصادر المكتوبة وعبر مواقع الانترنت ولكني سقت هذه الفقرة من مبادئ البعث لأبين أن الحرية هي أساس الحياة الكريمة للفرد والمجتمع, وعندما يطالب السوريون بالحرية فاني افترض أنهم قد درسوا هذه المبادئ من خلال تنظيمات الحزب الذي يحكم في سورية منذ قرابة خمسة عقود, ومن خلال وسائل الإعلام الرسمية والحزبية الداخلية. إن المنطق يقضي أن يقود الحزب من خلال تنظيماته الشعب السوري باتجاه تحقيق مبادئه وأولها الحرية الفردية, حرية الرأي والقول والتجمع والنقد والتصويب ووضع اليد على الأخطاء ووضع الحلول لها.

ما جرى في سورية خلال الشهر المنصرم يؤشر أن مبادئ الحزب ظلت حبرا على الورق, ولم يتم ترجمتها إلى الواقع العملي, ومن منطلق الإيمان بهذه المبادئ كان المفروض أن تقود قيادة الحزب الشارع السوري بالاتجاه الثوري بحيث يقدم تجربة رائدة في الوطن العربي.

لقد تباينت آراء الكتاب والسياسيين العرب إزاء ما يجري في سورية, آخذين بعين الاعتبار موقع سورية الجغرافي والتاريخي, وموقفها من العديد من القضايا العربية واحتضان دمشق فصائل المقاومة الفلسطينية الرافضة للحلول السياسية والحوار مع الحكومات الصهيونية, لكن البعض ما زال يتوقف عند مواقف النظام السوري من الحرب بين العراق وإيران, وكذلك اشتراكه مع قوات التحالف الغربية ضد العراق عام 1991.

رغم كل الاعتبارات الآنف ذكرها فان الموقف المبدئي من الحرية الفردية والمجتمعية موقف لا يقبل المساومة أو الحلول الوسط, فأصحاب المبادئ يصطفون إلى جانب الجماهير وهي تطالب بالحرية, حرية الرأي والتعبير والتظاهر والتجمع والإسهام في صنع السياسات المحلية والقومية.

والأمر الآخر المهم هو أن الجيش العربي في كل الأقطار العربية هو إلى جانب الشعب وليس ضده, وأسلحته مصوبة ضد العدو الذي يهدد الأمة في مستقبلها ومصيرها. وعندما يقف الجيش ضد أبناء الشعب ويصوب سلاحه ضدهم ينتفي عنه سمة الجيش الوطني, ويصبح جيش الحاكم من اجل البقاء في كرسي الحكم.

أما الحزب الثوري الذي يحمل شعارات وطنية وقومية تحررية جهادية, فلا بد أن يكون إلى جانب الشعب, يقوده نحو الأهداف النبيلة التي ينادي بها. وعندما يتخلف الحزب عن أداء دوره الرسالي يفقد جماهيريته ويصبح حزب الحاكم أو الزعيم ويزول مع زواله كما حصل في تونس ومصر.

يعرف القاصي والداني أن أجهزة الأمن والقادة العسكريين هم الذين يحكمون في سورية . وأنهم يطوقون الرئيس بشار الأسد منذ أن تولى الحكم قبل عقد من الزمن.

ورغم انه تخلص من بعضهم خلال السنوات الماضية فقد جاءته الفرصة المواتية عندما بدأت الانتفاضة الشعبية في درعا, ولو انه بادر فورا وذهب إلى درعا وقاد تلك الانتفاضة وتخلص من كل المعوقات التي تحول دون تحقيق مطالب الشعب.

لكن الرئيس بشار ترك الأمور للأجهزة الأمنية تتصرف بعقليتها المعهودة, عقلية القمع والإرهاب واستخدام السلاح ضد أبناء الشعب, كما تباطأ في اتخاذ القرارات التي كان المفروض أن يتخذها منذ سنوات, ولم يكن كلامه مقنعا أمام البرلمان بان مطالب الشعب قررها مؤتمر الحزب منذ عام 2005، لكن الروتين حال دون تطبيقها, وكان المفروض أن يعاقب كل من قَصّر في تنفيذ واجبه لا سيما التي تتعلق بمطالب الشعب.

ويبدو أن الرئيس وقيادة الحزب يتكلمون مع أنفسهم وليس مع الشعب, ولذلك كانت مفاجأتهم كبيرة عندما امتدت الانتفاضة من الجنوب إلى حلب والى الشرق في دير الزور والحسكة والقامشلي مرورا بدمشق وضواحيها. وتسارعت الأحداث وتصرفت الأجهزة الأمنية بردات فعل غير مقنعة, وسرد روايات ممجوجة لا يصدقها من يعرف قدرة الأجهزة الأمنية على ضبط أنفاس الناس في كل مدينة وحارة وبيت.

إننا نعتبر سورية عمق الأردن وأمنها من أمنه, وحرصنا عليها كبير, لكن النظام اليوم في موقف لا يحسد عليه, لا سيما بعد تلك الإدانات الدولية للعنف المستخدم ضد الشعب, خاصة في مدينة درعا.

رغم كل ما حدث فان بإمكان النظام أن يبادر إلى تحقيق مطالب الشعب, وأولها إقالة قادة الأجهزة الأمنية ومحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب. واتخاذ إجراءات إصلاحية حقيقية ولا شكلية, وفي مقدمتها إنضاج قانون الأحزاب والاعتراف بالآخر, وإشراك الأحزاب الوطنية في الحكم, وتداول السلطة.

==================

هؤلاء المحامون عن (سورية الأسد) !

جواد البشيتي

العرب اليوم

2011-04-28

العداء (الشعبي العربي المتأصِّل في النفوس) لإسرائيل هو دائماً الكامِن المستتر في كثيرٍ من دوافع وحوافز وأسباب وقوى "الحراك الشعبي الديمقراطي" في كل البلاد العربية التي عرفته وشهدته; وهذا العداء (المبرَّر واقعياً, والمفيد والضروري لشعوبنا العربية كافة) هو السبب الأهم لسلبية الموقف الشعبي العربي من الولايات المتحدة, ومن سائر حلفاء إسرائيل الغربيين.

وإلى هذا العداء يمكن أنْ نَنْسِب, أيضاً, بعضاً مِمَّا تحظى به أنظمة حكم عربية دكتاتورية; لكن "معادية" لإسرائيل, من تأييد شعبي عربي "خارجي", أي من خارج حدود دولها, ومن تأييد قوى وأحزاب سياسية عربية "خارجية" أيضاً.

قُلْتُ إنَّ الاحتفاظ بجذوة العداء لإسرائيل هو أمْر ضروري ومفيد للشعوب العربية; لكنَّ هذه "القاعدة" لها أيضاً استثناء; فإنَّ بعضاً من العداء لهذا العدو القومي الأوَّل للعرب يعمي الأبصار والبصائر, وقد يجعلنا معادين حتى لأنفسنا, أي لحقوقنا الديمقراطية; ولقد رأيْنا هذا واضحاً جلياً في مواقف بعض قوى وأحزاب المعارَضة العربية من نظامي الحكم في ليبيا وسورية.

رأيْنا هؤلاء يقِفون مع ثورتي تونس ومصر, وضدَّ ثورة الشعب في سورية على نظام الحكم البعثي الدكتاتوري; فالثورة في مصر "حلال"; لأنَّها ضدَّ نظام حكم ترضى عنه إسرائيل والولايات المتحدة; أمَّا في سورية فهي "حرام"; لأنَّها ضد نظام حكم "معادٍ" لإسرائيل, يَقِف إلى جانب "قوى المقاوَمة العربية" في فلسطين ولبنان (والعراق).

بعضٌ من هؤلاء الحزبيين "القوميين", "المعادين" لإسرائيل, ولحليفها الدولي الأوَّل, قد يتَّفِق معك على أنَّ نظام الحكم الأسدي في سورية هو, في طبيعته وجوهره, نفي للديمقراطية بأوجهها كافة; لكن ثمَّة "ضرورة", هي "العداء" لإسرائيل, تبيح هذا "المحظور", أي نفي الديمقراطية. وبعضٌ آخر يُحْسِن الظنَّ, ديمقراطياً, في نظام الحكم السوري, فيزعم أنَّ نظام الحكم هذا ليس في طبيعته منافياً للديمقراطية, ويُمْكِنه أنْ يأتي للشعب السوري بكثير من الإصلاح السياسي والديمقراطي; لكنَّ "ضرورات الصراع (القومي بينه وبين إسرائيل)" تمنعه من ذلك.

هل ثورة الشعب السوري هي "ثورة شعبية سورية ديمقراطية خالصة"?

جوابنا هو "كلاَّ"; فأوَّلاً, ومن حيث المنطق, لا وجود أبداً ل¯ "الخالص" من الأشياء; وهذه الثورة, من ثمَّ, عكَّرت المياه السورية; وليس ثمَّة ما يمنع قوى عدة, إقليمية ودولية, ومن داخل سورية أيضاً, معادية, بمصالحها وأهدافها, لسورية, ولثورة شعبها على وجه الخصوص, من الاصطياد في هذه المياه.

لكن, هل هذا يعني أنْ نقف ضدَّ ثورة الشعب السوري على نظام الحكم الدكتاتوري, أو أنْ نقف مع نظام الحكم هذا ضدَّ ثورة شعبه عليه?!

لا بدَّ لنا من أنْ نميِّز هذا من ذاك, ومن أنْ نبتني موقفاً من هذا التمييز, وإلاَّ أسأنا الفهم, وفهمنا الوجود القتالي للدبابات السورية في درعا على أنَّه شيء لا يختلف جوهرياً عن وجودها المماثِل في الجولان التي تحتلها إسرائيل.

"القوميون العرب" من هذا الصنف, الذي حان له أنْ يختفي من الوجود السياسي والفكري العربي, هو, في بقائه وخطابه ومنطقه وموقفه, خير دليل على أنَّه لم يَخْرُج من تجربة صراعنا القومي المديد ضدَّ إسرائيل بالدروس والعِبَر الأساسية والجوهرية, والتي في مقدَّمها أنَّ "العداء الدكتاتوري", أي الذي تُظْهِره أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية, لإسرائيل هو عداء زائف, عاجِز, وغير مُجْدٍ لشعوبنا في صراعها القومي ضدَّ هذا العدو; فأنتَ لا يُمْكِنك أنْ تكون صادقاً في عدائك القومي لإسرائيل إذا لم تقف, في الوقت نفسه, ضدَّ أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية, ومع الحقوق الديمقراطية لكل شعب عربي; وليس من "التزام قومي", أو "التزام ديني إسلامي", يحقُّ لأصحابه أنْ يتَّخِذوه سبباً, أو مبرِّراً, للتصالح مع أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية, وللوقوف ضدَّ الثورات الشعبية الديمقراطية عليها, مهما كَثُر, وتكاثر, المصطادون, أو الذين لديهم الرَّغبة في الاصطياد, في المياه العربية التي عكَّرتها, وتُعكِّرها, هذه الثورات.

إنَّ نظرية "المياه العكرة والمصطادين فيها" هي نظرية لتبرير التصالح مع الدكتاتورية العربية, وتتنافى تماماً مع حقيقة موضوعية بسيطة هي أنَّ لدى الشعب السوري من أسباب العداء لدولته الأمنية الاستبدادية الإرهابية ("المعادية", لساناً, لإسرائيل) ما يشدَّد الحاجة لديه إلى "ثورة تَلِد ثورة" ضدَّ هذه الدولة, التي لا عدوَّ حقيقياً لها إلاَّ شعبها.

حتى من تجربة الصراع التي خاضها, ويخوضها, ضدَّنا عدونا القومي الأوَّل وهو إسرائيل لم نتعلَّم ما ينبغي لنا تعلمه; فهذا العدو خاض الصراع ضدَّنا, وهزم دولنا وجيوشنا شرَّ هزيمة, من غير أنْ تكون دولته معادية للحقوق الديمقراطية لشعبها; ولقد أقام لنا الدليل على أنَّ "الديمقراطية التي ينعم بها شعبه فحسب" هي "جيش الدفاع الإسرائيلي الأوَّل والأهم".

وفي سورية, فَهِم نظام الحكم الأسدي "التوازن الإستراتيجي" مع إسرائيل, والذي هو, بمعيار السعي الحقيقي إليه, كذبة كبرى, على أنَّه هدف يمكن الوصول إليه, وتحقيقه, من خلال "إخلاء الميدان" من الشعب السوري, وجَعْل هذا الشعب "صفراً" في "وجوده السياسي", عبر حرمانه حقوقه الديمقراطية كافة; وكأنَّ الشعوب المحرومة ديمقراطياً يمكنها أنْ تجيد القتال في المعارك القومية!

وإنِّي لأستطيع أنْ أؤكِّد لكم أنَّ سورية الحُرَّة الديمقراطية التي تحكمها حكومة تمثِّل شعبها حقاً هي الأكفأ والأصدق في العداء لإسرائيل, وفي مواجهتها, ولو أصبحت بلا جيش; فإنَّ الدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية هي التي صنعت للجيش الإسرائيلي أسطورة الجيش الذي لا يُقْهَر; وكلَّما قُهِرَت شعوبنا العربية ازداد الإسرائيليون اقتناعاً بأنَّ جيشهم لا يُقْهَر.

نظام الحكم الأسدي الذي لا يتورَّع عن إنكار كل بديهية إذا ما رأى أنَّها تتعارض مع مصالحه (المنافية, على وجه العموم, لمصالح شعبه) يحاوِل إقناعنا (وكأنَّنا قوم من الأغبياء) بخرافة سياسية له على أنَّها بديهية, فهو يريد لنا أنْ نفهم نَيْل الشعب السوري لحقوقه الديمقراطية كاملةً على أنَّه ضربة في الصميم للأمن القومي لسورية, وإغراء لإسرائيل باحتلال دمشق في ساعات معدودة; وكأنَّ "الدولة الديمقراطية" لا "الدولة الأمنية" هي التي تُمَكِّن لإسرائيل في الأرض (السورية والعربية)!

ولو كان لأنصار نظام الحكم السوري من العرب من قوَّة البصر والبصيرة, أو مِمَّا يجعلهم في حاجة إلى قوَّة البصر والبصيرة, لرأوا نظام الحكم هذا على حقيقته القومية العارية تماماً من الأوهام, فحقائق الواقع ما انفكت تحاوِل إقناعنا بأنَّ "الالتزام القومي" لنظام الحكم الأسدي لا يعدو كونه "موقفاً قومياً" يقفه نظام الحكم هذا إذا ما تبيَّن له, وتأكَّد, أنَّ هذا الموقف, مع نتائجه وعواقبه التي يتوقَّع, يمكن أن يفيده كثيراً في تقوية, وإطالة عُمْر, الدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية في سورية; فبقاء هذه الدولة (ولو لم يُبْقِ على الشعب السوري نفسه) هو وحده التفسير والتعليل لسياسة نظام الحكم السوري في مَدِّها, أو جَزْرِها, القومي.

لقد حان لكل مُدَّعي العداء لإسرائيل أنْ يقتنعوا بأنَّ كل من يقف مع الدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية, وضدَّ ثورات الشعوب العربية لنيل حقوقها الديمقراطية كافة, لا يمكن إلاَّ أنْ يَخْدِم, ولو موضوعياً, إسرائيل; فالدولة الأمنية الدكتاتورية الإرهابية العربية هي, في بعضٍ من معانيها, "احتلال إسرائيلي سياسي" لشعوبنا.

====================================

هيبة النظام من كرامة شعبه

الأستاذ علي البحراني*

« صحيفة الدار الكويتية »

28 / 4 / 2011م

يعتقد الحكام في العالم غير الديمقراطي الذين استولوا على السلطة إما بالانقلاب أو بالثورات الوصولية أو بالتوريث، أن شعوبهم حتما يوما ستطالب بحقوقها، لذلك عليهم أن يسلبوا شعوبهم الكرامة والعزة والإرادة وينتهكوا حقوقهم، متوهمين أنهم بذلك يصنعون هيبة أنظمتهم فيجندون نصف الشعب جاسوسا على النصف الآخر، وبذلك يضمنون كسر هامة الشعب وسلب كرامته وتحطيم إرادته، متوهمين عدم التمرد على انظمتهم القمعية بهذه المفاهيم، هذه الأنظمة ومثلها تدخل في حالة تحد بينها وبين شعوبها بدل الامتزاج والود فترفض أن تلبي أي مطلب لشعوبها صغيرا كان أم كبيرا بحجة الحفاظ على هيبة النظام وعدم الرضوخ لمطالب الشعب الذي يجب أن يكون مقهورا على الدوام لضمان سلطة النظام عليه، وتلك أزمة بين ما تحمله تلك الأنظمة من مفاهيم الحكم وبين متطلبات الشعب فتصنع لها حمما بركانية خامدة جراء الضغط الممارس ضد شعوبها لا تعرف متى ستنفجر، لقد رأينا كيف انفجرت تلك الحمم في تونس ثم مصر وها هي في ليبيا وفي اليمن وفي سورية، إن الوهم الذي تعيشه الأنظمة العربية أنها تكون قامعة لكي تبقى! هو محض سراب، ولن تتحصن من هذه الثورات سوى بكسب حب الناس لها وتلبية مطالبها والحفاظ على كرامتها وعزتها ورفاهها وتغيير مفهوم النظم الحاكمة من متسلطة على رقاب شعوبها إلى خادمة لها ساهرة على راحتها منفقة مالها على خدمات شعبها غير سالبة لإرادتها، بهذا ستضمن حب شعوبها لها وستكون بمأمن من التأزم والاحتقان اللتين سببتهما حالة القهر والاضطهاد لم يذيل اسم حاكم عربي بسابق حتى الآن. لقد ذيل بمخلوع أو مقبوض عليه أو هارب. (...).

 في الوطن العربي يغيب هذا المفهوم تماما فلا سابق لدينا، بل مطرود بالانقلاب عليه أو مخلوع بثورة شعب، هل هي حالة تضخم الذات عند الحاكم العربي ليجد في نفسه أنه الوحيد الأوحد ذو العبقرية الفذة التي لا يجاريه أحد فيها في وطنه، متوهما أنه صمام الأمان والاستقرار لذلك البلد وأن البلد من غيره سيدمر كما رأينا من تصريحاتهم في الثورات السابقة؟ أم انها حالة الشعب المدجن الذي ارتضى لنفسه الذل والهوان واستمرأ الاستبداد والاضطهاد، فما عاد يشعر بالكرامة ولا العزة والارادة بعدما سُلِبها، وكلتا هاتين الحالتين أثبتت فشلها وسقوطها في ثورات الشعب العربي، فلا حصن لحاكم ما لم يحبه شعبه ويحب شعبه ويمتزج الحبان بتلبية متطلبات الشعب بمواءمتها ومتطلبات الشعوب المتحضرة.

كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز يطلب منه مالا كثيرا ليبني به سورا حول عاصمة الولاية، فقال له عمر ماذا تنفع الأسوا؟ حصنها بالعدل، وقِ طرقها من الظلم.

==================

حديث "المؤامرة"

آخر تحديث:الخميس ,28/04/2011

حسام كنفاني

الخليج

مع انطلاق الاحتجاجات في سوريا، أطلّت نظرية المؤامرة برأسها، في تكرار للنظرية نفسها المروّج لها في ليبيا، والتي سبق أن تحدث عنها النظام المصري السابق، ولايزال يتحدث بها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح . تشابه إلى حد التطابق في العديد من التفاصيل التي ترافق الهبّات الشعبية . كل نظام من هؤلاء كان يعدّ نفسه في منأى عن الانتفاضات، وأن “مصر ليست تونس”، وأن “اليمن ليست مصر”، وإلى ما هناك من عبارات النفي التي أثبتت مجافاتها للحقيقة .

الكل أصبح متشابهاً في الوقائع، مختلفاً في التفاصيل والأساليب .

حين تسقط نظريات عدم التشابه، ويصدم الحكّام بواقع الغضب الشعبي، يبدأ الحديث عن المؤامرات والمساعي للنيل من موقع هذا البلد أو ذاك، وهو الحديث الذي يتكرّر بشكل يومي الآن في سوريا، ولا سيما في ما يخص موقعها المركزي في الشرق الأوسط، وموقفها من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية .

قد يكون في مثل هذا الحديث بعض الصحة، لكن الحقيقة لا شك تكمن في مكان آخر . فحتى لو سلمنا جدلاً بأن المؤامرة مرتبة ومدبرة، فما كان لها أن تتحول إلى واقع احتجاجي متوسّع وممتد على مختلف المناطق السورية، لو لم تكن الأرضية مهيّأة، ومنذ زمن بعيد لتلقف الحركة الشعبية التي بدأت في تونس وما عاد بالإمكان إيقافها .

التظاهرات والاحتجاجات والهتافات المنادية بالإصلاح ليست مؤامرة، رغم أنه قد يكون هناك في الخارج من قد يحاول الاستفادة من المشهد لتحقيق غايات تعديلية في المشهد الإقليمي . المؤامرة، في حال وجدت فعلاً، لم تدخل إلا لأن النظام لم يتحسب مبكراً لرياح التغيير التي تهب على المنطقة العربية، وبقي حتى اللحظات الأخيرة مقتنعاً بقدرته على الإمساك بالوضع من دون تقديم التنازلات المطلوبة التي هي حقوق كان من المفترض أن يحصل عليها الشعب تلقائياً ومن دون مطالبة .

“المؤامرة” قد تكون موجودة، ولكنها عنصر لاحق وليس سابقاً للهبة الشعبية . وبغض النظر عن النجاح في قمع الاحتجاج أو عدمه، فإن سوريا ما بعد 15 مارس/آذار لن تكون كما سوريا ما قبله .

===================

الاضطرابات السورية... وحدود المواقف الدولية

تاريخ النشر: الخميس 28 أبريل 2011

ليز سلاي

بيروت

الاتحاد

واصلت القوات السورية أول أمس الثلاثاء قمعها للاحتجاجات المناهضة للحكومة في بلدة درعا جنوبي البلاد وذلك لليوم الثاني على التوالي، وهو ما أثار انتقادات لاذعة من أطراف دولية عدة، لكن دون أن ترقى إلى بلورة خطة محددة للرد على دمشق سواء من الولايات المتحدة، أو من الدول الأوروبية.

ورغم اقتصار التقارير القادمة من عين المكان على بعض المعلومات المتفرقة وغير المؤكدة بسبب قطع الاتصالات الهاتفية ومحاصرة المدينة من مداخلها، فضلاً عن إغلاق الحدود مع الأردن، استطاع بعض سكان درعا الاتصال بمنظمات حقوقية، مؤكدين أن المحتجين يتحصنون داخل المسجد العمري بوسط المدينة اتقاء للهجمة التي تشنها القوات الحكومية على المتظاهرين مستخدمة الدبابات وناقلات الجنود المصفحة.

وحسب وسام طريف الباحث في منظمة حقوق الإنسان بدمشق، اجتمع المحتجون داخل المسجد العمري في المدينة القديمة، وحولوه إلى مستشفى مؤقت لإسعاف الجرحى الذين سقطوا برصاص قوات الجيش التي استخدمت الرصاص الحي وقذائف المدفعية لقمع المتظاهرين.

أما في باقي شوارع المدن، فقد نقلت التقارير خلوها تماماً من المارة بسبب استمرار الدبابات في إطلاق النار واعتلاء قناصة لأسطح البنايات لاستهداف كل من يتحرك في الشوارع، ونقلت وكالة "أسوشيتد بريس" عن أحد أهالي المدينة قوله إنه رأى جثثاً متناثرة في الشوارع مع عجز الناس عن الوصول إليها بسبب كثافة إطلاق النار.

وأفادت منظمات حقوق الإنسان التي وضعت معلومات على مواقعها الإلكترونية أن ما لا يقل عن 35 شخصاً قتلوا في اليومين العنيفين بمدينة درعا.

ويبدو أن نشر الجيش يوم الإثنين الماضي في البلدة التي تحولت إلى مركز الانتفاضة المناوئة لنظام بشار الأسد، لم يعد أدنى مجال للشك بأن السلطات السورية مصممة على إخماد الانتفاضة الشعبية باستخدام كل ما تستطيعه من عنف، لا سيما في ظل ما تناقلته التقارير من أن الوحدة التي نُشرت لقمع المظاهرات تابعة إلى القوات الخاصة، التي يرأسها الشقيق الأصغر للرئيس، ماهر الأسد.

وبظهور صور للدبابات وهي تتحرك وسط المدينة الزراعية وتصاعد أعمدة الدخان بدا الوضع شبيهاً إلى حد ما بالحالة الليبية مع وجود اختلاف جوهري هو أن حركة المعارضة السورية غير مسلحة.

وبحسب ما نقله وسام طريف الذي يرأس منظمة "إنسان" الناشطة في مجال حقوق الإنسان، فإنه ما لا يقل عن 401 من السوريين لقوا حتفهم منذ اندلاع الاحتجاجات قبل ستة أسابيع، ولم يتسن التحقق من هذه المعلومات بسبب منع السلطات السورية دخول الصحفيين إلى البلاد. وأضاف "طريف" إنه بالإضافة إلى القتلى، اعتُقل الآلاف من الأشخاص مع تواجد كثيف لقوات الجيش في ضواحي دمشق مثل دوما والمعظمية، فضلاً عن بلدة "جبلة" الساحلية. ورغم الانتقادات القاسية التي وجهت إلى دمشق من قادة الدول، إلا أنه لم تبرز أي ردة فعل تشير إلى احتمال فرض عقوبات على السلطات السورية أو التحرك الفعلي لمنع قتل المدنيين، خوفاً من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وفي هذا السياق قال الرئيس الفرنسي، في لقاء صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي: "لم يعد الوضع يطاق"، وأضاف نظيره الإيطالي "عادة لا يُرسل الجيش لمواجهة المظاهرات".

وفي واشنطن أدان مدير قسم تخطيط السياسيات بوزارة الخارجية الأميركية، "جيك سوليفان" القمع الذي يتعرض له المحتجون في سوريا، مشيراً إلى أن تصرفات النظام السوري "لا تنسجم مع تصرفات الأنظمة المسؤولة"، لكنه لم يصل في تصريحه حد القول بأن بشار الأسد فقد شرعية القيادة، وهو التصريح الذي استخدم في وصف الزعيم الليبي، معمر القذافي، كما أضاف "سوليفان" بأن مسألة فرض العقوبات على النظام السوري "قيد الدراسة".

ومن جانبه صرح وزير الدفاع البريطاني، "ويليام فوكس" أثناء تواجده بواشنطن في لقاء مع نظيره الأميركي، روبرت جيتس، أن هناك حدوداً لما يمكن القيام به، موضحاً ذلك بقوله "لا نستطيع فعل كل شيء في جميع الأوقات، وعلينا الاعتراف بمحدودية ما يمكن لبلداننا القيام به".

ولم يخرج "روبرت جيتس" عما قاله نظيره البريطاني في إشارة واضحة إلى عدم وجود نية لدى بلده في تشديد موقفه إزاء النظام السوري قائلاً "سيكون ردنا على كل دولة متسقاً مع وضعها الخاص والظروف المحيطة بها".

وجاء رد فعل الأمم المتحدة على لسان أمينها العام، بان كي مون مقتضباً حيث ناشد السلطات السورية "بحماية المدنيين".

ومن غير المرجح أن تدعو روسيا والصين اللتين عبرتا عن تحفظاتهما إزاء التدخل الغربي في ليبيا إلى تشديد اللهجة مع سوريا، هذا وقد دافع المندوب السوري لدى الأمم المتحدة، بشار جعفر، عن تصرفات حكومته، قائلاً إن الأسد أمر القوات السورية بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، متهماً في الوقت نفسه جهات مسلحة من بينهم "القاعدة" باختراق الاحتجاجات وإطلاق النار على القوات الأمنية ما أدى إلى مقتل البعض منهم حسب قوله.

وقد طالبت منظمات حقوق الإنسان السورية برد فعلي دولي أكثر صرامة عله يردع السلطات الأمنية، ويحول دون تماديها في قتل المواطنين، مؤكدين أن لجوء النظام إلى الحل الأمني سيؤدي إلى تفاقم الوضع أكثر وإصرار الشعب على نيل حقوقه كاملة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

==================

مها بدر الدين / الجيش السوري... ناصر أم قاهر؟

الرأي العام

28-4-2011

الجمعة العظيمة كانت جمعة دامية، قُطفت فيها العشرات من زهور الياسمين التي كانت تتوق لنشر شذاها قبل أن يغتالها رصاص الأمن السوري الذي لا أمن به ولا أمان، جمعة دامية أدمت قلوبنا النابضة شوقاً للحرية، وزادت حرقتنا حزناً على أحباب سروا في عروقنا كما يسري الدم في الوريد، لبوا نداء الحرية وهبوا هبة رجل واحد ليحققوا حلم ملايين السوريين بالتخلص من كابوس جاثم على صدورهم منذ عقود طويلة، لا يجدون منه مهرباً ولايعرفون له علاجاً.

ورغم تسرب بعض المعلومات قبل الجمعة العظيمة حول زيادة تحركات القوى الأمنية في مدن سورية عدة، وملاحظة تعزيزات عسكرية وانتشار واضح للجيش السوري في مناطق عدة شهدت مظاهرات كثيفة في الأيام السابقة، ورغم خوفنا كمواطنين سوريين من تدخل الجيش لقمع المتظاهرين لما لهذا من ذكرى أليمة في نفوسنا لم تندمل جراحها حتى الآن، ورغم توقعنا لحصول مناوشات واعتقالات وإطلاق رصاص من قبل رجال الأمن وشبيحته ووقوع بعض الشهداء، لكننا لم نكن نتصور أن يصل الاستهتار بأرواح السوريين إلى هذا الحد من البرود واللا مبالاة، ولم نكن نتصور أن صناعة مجزرة إنسانية دموية بهذه الشكل الفظيع هي من أسهل الصناعات التي يعرفها الأمن السوري وأحبها إلى قلبه.

وكان يحدونا الأمل المشوب ببعض الخوف والريبة، أن تكون تحركات الجيش العربي السوري لفرض هيبته على المتظاهرين السلميين وعلى قوى الأمن المتأبطة شراً، وأن يكون تواجده لحماية المظاهرات السلمية وتنظيم سيرها لتصل إلى أهدافها في إسماع صوت المحتجين إلى المعنيين دون أرقة نقطة دم سورية واحدة على الأراضي السورية، فالجيش ملك للشعب السوري وقد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية في كتائبه وألويته وفرقه جميع الشباب السوريين ومن لم يلتحق منهم بالخدمة العسكرية دفع شقاء عمل خمسة أعوام من عمره في بلاد الغربة بدلاً لخدمته، هذا البدل الذي يذهب لتقوية الجيش ودفع رواتب ضباطه وجنوده الموكل إليهم حماية حدود البلاد لا قتل الأبرياء ونصرة الفساد.

وكنا نعتقد أن الجيش السوري بتمسكه بالشرف العسكري سيحاول أن يمحو النقطة السوداء التي لوثت تاريخه العسكري بمشاركته بمذبحة حماه في الثمانينات، وإعادة ثقة الشعب السوري به واسترجاع مكانته وهيبته العسكرية أمام الرأي العام السوري والعربي والعالمي أجمع باعتباره بطل حرب تشرين التحريرية وصاحب الانتصار العظيم، وشريك الجيش المصري في نكسته وانتصاره، ومحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم.

لكن يبدو أن النظام السوري استطاع خلال الأعوام الماضية أن يسلب الجيش العربي السوري تاريخه العريق ويحوله من قوات عسكرية شكلت لحماية الشعب السوري والأراضي السورية، إلى مؤسسة خاصة لحماية النظام بأشخاصه وأملاكه، وأصبح مجرد أداة يلوح بها لكسر شوكة المواطنين، أوعصاة خشبية يهش بها الشعب وكأنه قطيع من الخراف.

لقد راهن الشعب السوري عندما انتفض للمطالبة بحريته التي مرغت في وحول الأفرع الأمنية، وبكرامته التي أهدرت في معتقلات وسجون النظام الحالي، على وقوف الجيش السوري معه لأنه من المنطق ألا يدخل في معركة خاسرة بالنسبة للنظام لأن الشعب عندما يثور لا بد أن يكون المنتصر، أو على أقل تقدير كان متوقعاً منه الوقوف بحيادية مشرفة أسوة بالجيش المصري الذي أعز المصريين ورفع رأسهم عالياً بعد أن عانوا بعضاً مما يعانيه الشعب السوري، فالجيشان عاشا تاريخا مشتركا في نكسة حزيران وانتصار تشرين، وساهما جنباً إلى جنب في حرب تحرير الكويت، وشُهد لهما بالبسالة والشجاعة والتكتيك العالي، كما أنهما ينتميان إلى مدرسة عسكرية واحدة وكانا أثناء الوحدة بين مصر وسورية تحت قيادة عسكرية واحدة.

لكن الجيش السوري لم يفطن إلى الهاوية التي يراد زجه بها، ولم يدرك بأن موازين القوى على ساحة الاحتجاجات السورية غير متكافئة وأن هناك بونا شاسعا بين النظام الحاكم الذي يملك كل القوة العسكرية والأمنية وبين المتظاهرين السلميين الذين لا يملكون سوى صوتهم وحقهم الذي يسعون للحصول عليه، وبدل أن ينتصر الجيش لشعبه المقهور فيحتضنه ويكون له الملجأ الأمين والملاذ الآمن، أطلق رصاصه ليخترق صدور المسالمين الذين تفاءلوا بتواجده في ساحاتهم وظنوا أنه لن يخيب ظنهم، وكان الأجدر به وهو المؤسسة العسكرية المنوط بها حماية الحدود واسترجاع الاراضي المحتلة، أن يتوجه بمدرعاته وبنادقه لتحرير بانياس الحولة وغيرها من قرى الجولان الرازحة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، إن كان ما زال يذكرها، لا أن يحاصر بدباباته وجنوده بانياس الساحل ودرعا التي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن الجولان، وغيرها من المدن السورية التي يحكمها النظام السوري بقبضة من رصاص حي.

إن المواطنين السوريين يهيبون بالجيش العربي السوري وقياداته الشريفة وكل ضابط أو عسكري ما زال يتمسك ببعض الشرف العسكري أن يعيد للجيش هيبته ومكانته وأن يختار إما أن يكون القلعة الحصينة التي يحتمي وراء أسوارها طلاب الحرية والكرامة من الشعب السوري، أو أن يتجرد من تاريخه المشرف ومهمته السامية ليكون تلك العصاة التي يريدها النظام لهش الأغنام، علماً أن الشعب السوري يرفض أن يكون قطيعاً من الخراف المهيأة للذبح بعد أن رأى بعينيه المذبح، ولن ينفع معه بعد اليوم التهديد والتلويح بالعصا حتى لو سقط مليون شهيد.

كاتبة سورية

===================

و«المثقف» يقتل أيضاً!

زين الشامي

الرأي العام

28-4-2011

إذا ما أجرينا مقارنة بين الدور الذي لعبه الجيش المصري خلال الثورة حين وقف على الحياد ورفض قادته إطلاق النار على المحتجين في ساحة التحرير، وما بين الدور الذي يلعبه الجيش السوري اليوم حيث يستخدم من قبل النظام في قتل وقمع المحتجين، لتبين لنا بشكل جلي حجم التخريب الذي طال هذا القطاع. باختصار شديد لا يمكن اليوم اعتبار الجيش مؤسسة لها شخصيتها الوطنية الاعتبارية بل مجرد أداة للقمع، وطبعاً لا يعني هذا أن ليس هناك شخصيات وقادة وطنيون في صفوف الجيش، لكنهم قلة ومحاصرون ومغلوب على أمرهم ومبعدون عن المواقع القيادية.

الحالة الأخرى اللافتة في المشهد السوري والثورة الشعبية ضد نظام حزب «البعث»، هي حالة وموقف بعض المثقفين الذين أيدوا بشكل علني وأحياناً مبطن النظام في قمعه للمحتجين، وأحيانا، وهو حال الغالبية منهم، من خلال صمتهم المخجل في وقت كان المئات من الشبان والأطفال يقتلون في الشوارع كما حصل يوم الجمعة الحزينة.

إن مواقف بعض المثقفين السلبية أو الصامتة تجاه حركة الاحتجاجات خلقت على مدار الأيام الماضية جدلاً كبيراً في الشارع السوري، ولعل أبرز تجليات هذا الجدل، تركزت على مواقف شخصيتين بارزتين ومؤثرتين هما الناشط السياسي والمعتقل السابق ميشيل كيلو إضافة الى الشاعر أدونيس.

فميشيل كيلو الذي لم يتعاف بعد من جروح سجنه الظالم، والذي شارك في شرف الموقف إلى جانب عارف دليلة ورياض سيف وأنور البني وكوكبة من خيرة عقول وضمائر و خبرات المجتمع، كانت له آراء مختلفة عن الكثير من المثقفين والناشطين الذين أيدوا الثورة ضد النظام واعتبروا أنها فرصة تاريخية للتخلص منه، حين رأى كيلو انه ليس الوقت المناسب لطرح مقولة اسقاط النظام وأنه من الممكن أن يقوم هذا النظام بإصلاحات حقيقية، وكل ذلك تحت عنوان «التعقل والحكمة».

هذا الموقف تسبب بألم كبير للبعض وهو الذي دفع ببعض أصدقائه لنقده. إن هذا النقد واللوم ينبع من هنا، من إحساسهم بظلمه لهم وللشبان الذين خرجوا الى الشوارع، بينما لا يزالون يواجهون الموت عراة. ورأى منتقدو كيلو أن الأجدر به أن يسجل اعتزازه وفخره بأناس خرجوا سلمياً لتلبية المطالب التي طالما تعرض كيلو للسجن و التعذيب في سبيلها!

أما فيما يخص الموقف من الشاعر السوري أدونيس، فقد تأسف البعض حيث لم يسمعوا منه سوى بعض الجمل عن حركة الاحتجاجات بعد صمت دام أكثر من شهر على مقتل المئات من السوريين. وكان لافتاً أن أدونيس خلال مقابلة تلفزيوينة أعرب عن رفضه الواضح لخروج المظاهرات من الجوامع «لما له من محمولات سياسية ودينية، تختزل التنوع والاختلاف الذي يحفل به المجتمع إلى مكون واحد دون سواه» أما البديل برأيه فهو الساحات العامة، التي تحتضن الجميع. ولقد أثار هذا الموقف انزعاج الغالبية من المثقفين السوريين لأن أدونيس أخذ دور المستشرق بإغفاله استحالة ذلك لأن النظام القمعي وبسبب قانون الطوارئ منع السوريين من الاجتماع إلا في الجوامع ولم يترك لهم فرصة للقاء والتواصل الا في بيوت الله، ليس لإيمان النظام وخشيته الله بل بسبب اضطراره لذلك.

الظاهرة الأخرى تمثلت في ما يمكن وصفهم بالطابور الخامس حسب وصف الكاتب ياسين الحاج صالح وهم فئة من الكتاب والصحافيين والمراسلين وأصحاب المواقع الالكترونية ورجال الدين الرسميين اللذين يقدمون خدمات جليلة للاستبداد حين قاموا عن «سابق تصور وتصميم» بدعم النظام، لا بل إنهم شكلوا أحد ألويته المقاتلة المناط بها قمع ثورة تطالب بالحرية والعدالة والكرامة لجميع السوريين، وهم بذلك انضموا إلى الأجهزة الأمنية مع ملحقاتها من الشبيحة وعصابات تم انتاجها من قبل تلك الأجهزة وساعدوا في قتل السوريين.

كاتب سوري

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ