ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 02/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

تركيا واستيعاب درس العراق

السبت, 30 أبريل 2011

عبدالعزيز السويد

الحياة

المشهد في سورية معقد في شكل أكبر مما يظهر على السطح، هناك حزب البعث، واجهة لجهاز أمني مخابراتي قوي يُحكم قبضته عليه الحرس القديم المتجدد. تولى الرئيس بشار الأسد السلطة بجلباب أبيه، توريث تم بدعم إقليمي ودولي، وذكرى حفلة التنصيب حاضرة. والمعنى أن شبح النظام أقوى من رئيسه المعلن، أمر يختلف عما في مصر وتونس وليبيا وحتى اليمن، ولو كان حافظ الأسد حاضراً، لاختلف الوضع، كونه رمزاً فعلياً لنظام أسسه بانقلاب عسكري. ويتنامى دور أكبر لتركيا في المشهد السوري. اللهجة التركية تتصاعد، ومع الدعوات وإشارات الحرص، تحتضن تركيا مؤتمراً للمعارضة السورية، ويزور وفد من مخابراتها دمشق، وكل هذا يجد عدم ممانعة سورية.

تم التمهيد للدور التركي في العالم العربي بنعومة منذ سنوات، إذ استوعبت أنقرة درساً في العراق، لم تتمكّن - أو ترغب - الدول العربية من فهم التغيير المقبل، فحينما قُدم العراق هدية لملالي إيران بأيد أميركية... استفاق الأتراك.

بعد التأسيس الإعلامي، جاء الأتراك من باب فلسطين، زاحموا إيران على غزة و «حماس»، اهتموا بالحصار، أرسلوا سفناً إغاثية، فحققت نجاحاً «جماهيرياً»، تولى الأتراك دوراً عجز عنه العرب، ولكل دور ثمنه، هجمات أيلول (سبتمبر) ضربت العرب، والمسلمين «السنّة خصوصاً» في مقتل، ليتولى الأتراك دور المنقذ، والإسلام التركي - وفق التصنيفات الغربية - إسلام يمكن التعامل معه، من هنا تحرص أنقرة على أن تكون صاحبة الحظ الأوفر في تغيير متوقع جديد على حدودها.

يشبه التعتيم الإعلامي السوري ما حصل في ليبيا، في بداية الأحداث اتهم فلسطينيون ثم جماعات مسلحة، وصولاً إلى جماعات سلفية، فالعدو لم تُحدّد هويته.

على الفضائيات السورية لا تظهر سوى أخبار الضحايا من رجال الأمن أو الجيش، ولا يُذكر شيء عن المدنيين القتلى، هؤلاء يظهرون في فضائيات أخرى، ويتكرر الحديث عن ضعف الإعلام الرسمي السوري وضرورة إصلاحه، فيأتي الدعم من قنوات وصحف لبنانية... متقلبة، فما أسرع ما ستغيّر مواقفها.

المخاض السوري هو الأكثر تعقيداً بين الانتفاضات العربية طولاً ودماء، وربما لاجئين بدأت طلائعهم في العبور إلى الأردن ولبنان... ما ينقل عنهم من قصص يصيب بالفزع. لم يستوعب أحد الدروس. رئيس آخر قال إن بلده مختلف عن ذاك البلد، الإدراك السليم يستلزم دفع استحقاقات، بتنازلات سلطة، وهو أمر لا يحدث في العالم العربي.

====================

الإصلاح الشامل كمسألة وجودية

السبت, 30 أبريل 2011

ماجد الشّيخ *

الحياة

يوماً بعد يوم، تثبت المزيد من أنظمة الاستبداد العربية، أنها لا تريد أن تفهم ما هو وضعها وسط شعبها، أو تتفهّم مطالب وأهداف الحراكات الشعبية والمجتمعية التي تجرى اليوم في العديد من بلدان المشرق والمغرب العربي، وما يجرى وجرى في البحرين واليمن والأردن وليبيا والمغرب والجزائر، وأخيراً في سورية؛ ليؤكد مقولة عدم الفهم والتفهّم على حد سواء. وهذا ليس من طينة سوء الفهم أو سوء التفاهم، بقدر ما يرقى إلى سوء نية أو سوء نيات من ذهبوا إلى المعالجات الأمنية القمعية، كخيار أوحد؛ في مواجهة هبّات وانتفاضات وثورات الشعوب، مخلصين للأنظمة إياها، أوفياء لها، انحيازاً لمصالحهم ومنافعهم وامتيازات الرشى والفساد الممنوحة لهم، من قبل أدوات وآليات الإفساد السلطوية، فأي سياسة إصلاحية يمكنها أن تكون بديلاً من تلك المعالجات القمعية التي أدخلت البلاد و»العباد» في عنق زجاجة أزمة وطنية تاريخية، ليس من السهولة بمكان استعادة استقرار وضع انتهت صلاحيته منذ زمن بعيد، ولم تفلح كل المعالجات السابقة والراهنة، في حلحلة ولو جزء يسير من الأزمة الكبرى، التي ما تني تتدحرج كرتها الثلجية؛ باتجاه معالجات غير سياسية، لا ولن تؤدي إلى أي مستوى من مستويات الإصلاح، طالما أن دروب الحوار كلها مسدودة، وبالتالي فإن إعادة الهدوء والاستقرار؛ باتت مجرد تمنيات منقطعة الصلة والجذور وبعيدة عن الواقع.

على أن حالة الإنكار الشائعة اليوم، في أروقة النظام الرسمي العربي، لا تقدم له سوى المزيد من حالة إشعال الأزمة والنفخ في أتونها، ففي مواجهة سلمية الحراكات المجتمعية العربية، ومواجهتها بالنار، يجرى استدعاء ردود فعل غير سلمية من جانب الحركة الشعبية، في محاولة لاستجرار ردود من قبلها بالنار على النار، حيث تتفوق قدرة النظام القمعية ومعالجاته الأمنية، وحيث يعتقد النظام أنه الأقدر على حسم معركة المواجهة، دون تقديم «التنازلات المطلوبة» لتحقيق عملية إصلاحية وسياسية ديموقراطية ملحة، لاستعادة اتزان وتوازن العلاقة التي اختلت في شكل عميق بين السلطة ومجتمعها، حتى ليبدو أن هناك مخاوف كبرى من أن تتجه الأمور في سورية في اتجاهات تتفوّق على سيناريوات الثمانينات؛ أو في أحسن الأحوال تسلك السيناريو الليبي، أو تأخذ الاتجاه اليمني، مع ما في كلا الاتجاهين من الضحايا والدماء، على النقيض من اتجاهي تونس ومصر، من حيث اختصار معاناة شعبيهما بأقل عدد من الضحايا، وخلال فترة زمنية أقصر، لكن الخشية الأكبر التي قد تتجسد في القادم من الأيام، هو أن تتجه الأمور باتجاه الفوضى، أو تتجه التيارات الدينية الإسلاموية باتجاهات توظيفية – مباشرة أو غير مباشرة – وذلك لفرض توجهاتها على الحركة الشعبية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر إجهاض التوجهات الإصلاحية، وإفشال الآمال الشعبية بالتغيير السلمي وتحقيق تحوّلات ديموقراطية، وما يعنيه ذلك من استعادة النظام قوة سلطة القهر والإكراه الاستبدادية، بينما تكمن قوة الحركة الشعبية في سلمية منطلقاتها وتعدّدية قواها وديموقراطيتها، وهذه ميزة المزايا التي يتوجب الحفاظ عليها والاحتفاظ بسردية سلميتها تلك، من دون مؤثرات قوى الأجندات الخارجية للإصلاح وللديموقراطية، أو تلك الداخلية التي قد تتحول في لحظة ما إلى قوة احتياطية لثورة مضادة، أو لفتنة مشتهاة ومرغوبة لإفشال أهداف ومطالب الشعب.

ولئن توغل الأنظمة وسلطاتها الأمنية والبوليسية باتجاه تحويل خيارات شعوبها الراهنة وعبر مسلكياتها القمعية، من مشروع انتقال سلمي نحو التغيير الإصلاحي والديموقراطية وإعادة الاستقرار على أسس جديدة، إلى مشروع حروب أهلية وفتن فئوية أو طائفية/مذهبية، لاحقاً إذا ما فشلت الحراكات الشعبية والمجتمعية في فرض تغيير النظم السلطوية الحاكمة. وفي كل الأحوال فقد مضى عهد تجميد المجتمعات وحجبها أو حجب معطيات أوضاعها عن الإعلام، والتحكم بالصورة التي تريد أن يراها العالم لدواخلها الوطنية، ولم يعد بالإمكان تزييف إرادة الناس، وتجميل صورة وممارسات النخب والطغم السلطوية والمالية المتحكمة بالسلطة وبالاقتصاد، وهي الخبيرة بتدمير وفكفكة المجتمعات.

إن طريق الإصلاح الشامل، والتحول نحو الديموقراطية، لا يمكن اقتصارها فقط على المرور بكل هذا القمع والترويع وحتى الترقيع في إصلاحات شكلية، فكما أن أنظمة استبدادية عديدة أضاعت الطريق نحو الإصلاح والديموقراطية، فكان من الطبيعي أن تختفي عن مسرح الحياة السياسية لبلدانها، فالإصلاح الشامل حقيقة لا يكمن في النوايا، بل في كونه يبدأ أو لا يبدأ. يكون أو لا يكون، وتلك هي المسألة.

المسألة أن أي تحولات ديموقراطية لا تستشرف حاجات الداخل الوطني أولاً، وتنبع من ضرورات سياسية ومجتمعية تستجيب لغالبية القوى المجتمعية، لا يمكنها أن تحقق غايات الإصلاح التي تنشدها مجتمعات تحكمها وتتحكم بها أنظمة، وجودها في حد ذاته هو جوهر الأزمة، بقمعها واستبدادها وإقصائها وتهميشها كامل قوى الداخل الوطني، على أن مطالب الديموقراطية والإصلاح وصولاً إلى التغيير الشامل، ليست مطالب خارجية، حتى يتم المطالبة بها وفقاً لأجندات الخارج وشروط الغرب عموماً، وأمامنا العديد من تجارب شعوب استطاعت بكفاحاتها الديموقراطية السلمية أن تبلور العديد من أنظمة سياسية، قطعت مع أنظمة الاستبداد القديمة، وهي تمضي اليوم؛ وإن لم تستكمل بعد كامل أهداف انتفاضاتها وثوراتها، استلهام الديموقراطية في بنائها لعقد اجتماعي جديد، عماده المواطنة والحرية والقانون والعدالة والمساواة.

====================

نظام الأسد في سوريا صامد

المصدر: صحيفة «كوميرسانت» الروسية

التاريخ: 30 أبريل 2011

البيان

الأعمال الاحتجاجية ضد الحكومة السورية تتسع وتمتد إلى مدن وبلدات جديدة، وأعداد القتلى والجرحى تتزايد، وعلى الرغم من ذلك يرى الخبراء أن من السابق لأوانه تشييع نظام بشار الأسد إلى مثواه الأخير. ويرى البعض أن العامل الاقتصادي هو القوة المحركة الرئيسة للاحتجاجات في سوريا. فقد وجد العديد من السوريين، وخاصة الشباب العاطلون عن العمل، أنفسهم في وضع صعب نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وخطط الحكومة الرامية إلى جعل أسعار بعض السلع المدعومة سابقا بمستوى أسعار بلدان الجوار وذلك في غضون السنوات القليلة القادمة، ومنها الوقود على سبيل المثال. وبغض النظر عن ذلك يلفت الخبراء الانتباه إلى مشكلات أخرى. يقول رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية في موسكو ألكسندر فيلونيك إن وجود حوالي مليوني لاجئ من الفلسطينيين والعراقيين يعتبر من العوامل المهمة في هذا المجال.

حيث أنه من المفروض على الشعب السوري أن يتعامل مع هؤلاء اللاجئين ويتعايش معهم على أفضل وجه، خاصة وان النظام السوري نفسه مسؤول عنهم، وإذا كان السوريون قد ألفوا العيش مع الفلسطينيين الفقراء في معظمهم الذين يسكنون المخيمات ويبحثون عن فرص عمل متواضعة، فإن الأمر مع العراقيين ليس كذلك، فالميسورون منهم عمدوا إلى شراء المساكن بالجملة ما رفع أسعار العقارات عموما، وزادت الأعباء على المواطن السوري العادي، إن الفلسطينيين والعراقيين سواء بسواء يثيرون حساسية السوريين البسطاء، هذا مع مراعاة وجود مشاكل أخرى كثيرة، والنظام الحاكم هناك لا ينكر وجود هذه المشاكل، بل يعد دائما بالإصلاحات، ومن ناحيته يرى السفير الروسي الأسبق لدى سوريا ألكسندر زوتوف أن هذا البلد بحاجة فعلا للإصلاحات.

وقد أجرى بشار الأسد بعضا منها، إلا أن ما يُنتظر منه أكبر بكثير، إذ عليه أن يصلح حياة سياسية كاملة استقرت وسادت قرابة نصف قرن من الزمان، ولا أحد ينكر أن بشار الأسد ورث عن أبيه تركة حكم ثقيلة للغاية، لكنه منذ البداية وهو يسعى للتغيير والإصلاح، هذا ولا يتوقع الخبراء حتى الآن أن يسقط نظام الأسد قريبا. هذا ويشير فيلونيك إلى أن السوريين بغالبيتهم يؤيدون النظام الذي يوفر لهم فعلا الأمن ومستوى من الكفاية المعيشية، خاصة عندما يقارنون وضعهم بما يشهده العراق. وإضافة إلى ذلك يعتقد المراقبون أن الجيش وأجهزة الأمن في سوريا أكثر ولاء للنظام ورئيسه مقارنة بما كان عليه الوضع في كل من تونس ومصر. وجاء في تصريح أدلى به لوكالة رويترز دبلوماسي غربي يعمل في دمشق ، أن منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية في سوريا سيقدمون على الكثير من أجل المحافظة على السلطة الحالية، ولقد سبق أن برهنوا ذلك، عندما وقع التمرد الذي دبرته جماعة «الإخوان المسلمون» الراديكالية في حماه. وآنذاك أغرق الجيش عمليا التمرد في الدماء إذ قضى على ثلاثين ألف شخص تقريبا. وأيا كان الأمر الآن.

فقد أصبحت الأوضاع صعبة في سوريا واقتربت من حافة الانفجار الكبير، خاصة مع انتشار التظاهرات في معظم مدن سوريا بما فيها العاصمة دمشق، وقد أوصت وزارة خارجية بريطانيا المواطنين البريطانيين بالامتناع عن السفر إلى سوريا، وعلى غرار ذلك تصرفت عدة دول أخرى، ويحاول الرئيس الأسد ونظامه أن يضعوا حدا لهذه الفوضى والاضطرابات، ولكن من الملاحظ أن حدة القمع تزداد بمرور الوقت، ولم تعد الإصلاحات المطروحة من قبل النظام تكفي المتظاهرين الذين ارتفع سقف طلباتهم إلى مستوى المطالبة بإسقاط النظام، ولكن على ما يبدو أن النظام الحاكم في سوريا لن يذهب بالسهولة التي ذهب بها قرينيه في تونس ومصر.

====================

الشعب السلفي ... «البعث» الحداثي

زين الشامي

الرأي العام

30-4-2011

بعد أكثر من 60 عاما على وجوده في السلطة، وبعد قبضة امنية مرعبة جسدها وجود المئات من الأفرع الامنية والاستخباراتية المنتشرة في كل المحافظات السورية، بعد كل هذا التاريخ الطويل، وفي معرض مراجعة رواياته الرسمية ورده على الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، «يكتشف» النظام السوري ان هناك مؤامرة على البلد تقودها عدة دول وشخصيات اقليمية ومحطات اعلامية، وان ادوات هذه المؤامرة «المندسين» ولاحقا «السلفيين»، ولم يستطع ان يرى ولم يرضى ان يعترف ان مئات الآلاف من السوريين الذين خرجوا الى الشوارع لهم مطالب سياسية وحياتية محقة مثلهم مثل كل شعوب الارض.

في البداية قالت وسائل اعلام النظام ان اسرائيل هي من تقف وراء المؤامرة وهي من تبعث برسائل على هواتف السوريين النقالة من قاعدة عسكرية في الجليل تحضهم على التظاهر.

بعد ذلك، سمعنا الاكتشاف الاستخباراتي الذي أذهل العالم حين تحدث النظام وأبواقه ومنظريه على الفضائيات ان الاحتجاجات تتم نتيجة مؤامرة بين الاخوان المسلمين وعبد الحليم خدام واطراف خارجية. بعد ذلك اكتشفوا شيئا جديدا حين قالوا ان الاحتجاجات في درعا حصلت لأن درعا «محافظة طرفية» ولمحوا الى دور أردني مزعوم وراء الاحتجاجات.

وتستمر «الخبطات» الأمنية السورية، فبعد أسبوع على اندلاعها، قالت وسائل اعلام النظام ان أطراف المؤامرة هم «بندر بن عبد العزيز وتيار المستقبل وخدام والاخوان وقناة اورينت لصاحبها غسان عبود».

بعد أيام من ذلك وجدوا صيدا ثمينا حين تم القاء القبض في دمشق على مصور وناشط مصري واتهموه بالجاسوسية واكتشفوا من جديد ان المؤامرة تقف وراءها اسرائيل والولايات المتحدة. لكن ما هي الا أيام قليلة حتى افرجوا عن هذا الناشط الذي اتهم بالجاسوسية، وفي مثل هذه الحالة كان عليهم ان يعدموه حسب القانون السوري او يبقوه في السجن عشرات السنين، لكنهم بكل بساطة افرجوا عنه دون ان يقدموا تفسيرا من كلمتين فقط يشرحون فيهما حقيقة ما حصل للشعب السوري.

الاكتشاف اللاحق تمثل في اكتشاف الاجهزة الامنية ان هناك مجموعات مسلحة هي من تقف وراء الاحتجاجات في المسجد العمري في درعا حيث قام «مهنيو» التلفزيون السوري المهرة بتصوير صورا مرتاحة لأسلحة متنوعة وجديدة جدا لم تمسها ايدي في ذلك المسجد، لكن في اليوم التالي نسي الاعلام السوري ان يتابع ويحكي للشعب السوري ما قصة تلك الاسلحة ومن اين اتت ومن وضعها في المسجد، لم نسمع بتحقيقات او اعترافات..القصة ماتت مثل ماتت قصة الجاسوس المصري.

وفي زحمة الاكتشافات المذهلة لجهازنا الامني القوي الجبار، بدأنا نسمع من وسائل الاعلام الرسمية ان المؤامرة تقوم بها قنوات فضائية هي «العربية» وبي بي سي» و»فرانس24» وأورينت» ثم لاحقا بعد عشرة ايام «الجزيرة» التي غيرت سياستها وتغطيتها الاخبارية تجاه سوريا وما يجري فيها.

بعد ذلك اكتشفوا ان المؤامرة على سورية اطرافها من جديد هما عبد الحليم خدام والنائب اللبناني الجراح الذي اتهم بإدخال أسلحة الى سورية. لاحقا اكتشفوا ان المؤامرة تأتي من العراق وتم الاعلان عن القاء القبض عن شاحنة محملة بالاسلحة.

ولاحقا وصلوا الى اهم سيناريو، او الى قمة تجلياتهم الابداعية، فلقد اعلنوا عن مجموعات سلفية هي من تروع وتقتل السوريين.

وماذا بعد؟... آخر اكتشاف حتى كتابة هذه السطور تمثل في اكتشافهم عبر موقع «عكس السير» الإخباري ان «التيار السلفي الكويتي هو من يدعم الاحتجاجات في سورية بهدف إسقاط نظام بشار الأسد. طبعا كان ذلك بسبب المواقف الطيبة والمتضامنة لبعض النواب الكويتيين ازاء اشقائهم من السوريين الضحايا.

ذهبت الدبابات الى الشوارع في القرى والمدن، عشرات الالاف من القوات الامنية ايضا، ليلقوا القبض على «الارهابيين» و»السلفيين»، فقتلوا من قتلوا منهم في الشوارع، شبان ونساء واطفال وكهول ومن كل الاعمار، واعتقلوا الآلاف منهم أيضا، ثم نشروا الحواجز العسكرية، قطعوا الكهرباء، الماء، الخبز، الاتصالات، الانترنت..من اجل القاء القبض على «السلفيين».

التلفزيون السوري، كان ينتظر بفارغ الصبر الصيد الثمين الذي اتى به «مراسلوه» الحربيين والدبابات التي تعمل لخدمة الحقيقة والمهنية، نعم لقد بدأت سلسلة الاعترافات المتلفزة في اليوم التالي لالقاء القبض عليهم... ولم تتأخر كثيرا بين اروقة القضاء والمحاكم والبيروقراطية..

سبحان الله، كيف، ومن أخرج المؤامرات على سورية من وكرها الذي اختبأت فيه كل هذه المدة ولم تخرج إلا خلال بدايات الانتفاضة السورية التي انطلقت من درعا، وسبحان الذي جعل الجيش السوري وقوات الأمن يلقون القبض على عدة إرهابيين بشعي المنظر، حقيري الهيئة، من كل الاعمار، من السادسة عشرة وحتى الخمسين. كلهم اعترفوا انهم ارهابيين امام الكاميرات السعيدة، وانهم قتلوا الناس وأطلقوا النار على قوات الأمن، واعترفوا أيضاً أنهم قاموا بتخريب الممتلكات العامة، واعترفوا كذلك بأنهم سلبوا وسرقوا وتآمروا مع مجموعات خارجية..بوجوههم البائسة الصفراء الجائعة اعترفوا بأنهم تقاضوا أموالاً على أفعالهم الشنيعة هذه. وقبل هذا الكشف التلفزيوني والاختراق الامني، كان اولئك الارهابيون يصولون ويجولون طلقاء دون علم اي من الاجهزة الامنية السورية التي قدمت مساعدات للولايات المتحدة وكل الدول الغربية وحتى الهند عن ارهابيين يعيشون في دولهم.

خلال الاعترافات التاريخية التي بثها التلفزيون السوري سمعنا احد الارهابيين ان احد مهامه تمثلت في توزيع حبوب الهلوسة على المتظاهرين ومن ثم قتلهم.

هذا ليس مسلسل كوميدي درامي سوري فاشل... هذا مسلسل بعثي مخابراتي عادي نعيشه في سورية منذ 40 سنة.

ملاحظة على هامش هذه الاكتشافات العظيمة لا بد منها: نظام البعث العلماني الحداثي الذي يخوف السوريين وابناء الاقليات الدينية من السلفية والسلفيين، هو حليف كل من حركة «حماس» وحركة «الجهاد» وايران و«حزب الله» في لبنان وتنظيمات لبنانية دينية، وسابقا كان حليف وداعما لكل من جماعات الاخوان المسلمين في مصر والاردن وغيرها من البلدان.

هل بعد هذا السقوط الاخلاقي من سقوط؟ وهل بعد هذه الفضيحة من فضيحة؟

====================

ظهور "الإخوان المسلمين" بتقاطع تركي - أميركي

لبنان ينأى بنفسه عن مواجهة المشاكل المقبلة

هيام القصيفي  

النهار

30-4-2011

شكلت دعوة "الاخوان المسلمين" الى التظاهر في سوريا بداية مرحلة جديدة في المتغيرات التي تعيشها دول المنطقة منذ اشهر قليلة، بعدما ظهر ان هذه الدعوة فعلت فعلها امس في نوعية التظاهرات واماكنها. ولا ينفصل دخول "الاخوان" الى ساحة الشرق الاوسط كأكبر قوة معارضة منظمة من مصر الى سوريا عن الملامح الاولى للاستراتيجية الجديدة التي يريد البيت الابيض تحديدها للمنطقة ، من دون ان تكون على اتفاق تام مع قادتها وفي مقدمهم السعوديون.

والخلاف السعودي - الاميركي ظهر بحدة مع فشل زيارة وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس للرياض في بداية نيسان، والتي اظهرت ان لا قراءة موحدة بين الطرفين لمعالجة التطورات العربية، الامر الذي استدعى بعد ايام قليلة زيارة مستشار الامن القومي طوم دونيلون للرياض في 13 نيسان الجاري. وذكرت مجموعة من التقارير الاميركية لاحقا ان ثمة وعودا اعطيت للقيادة السعودية بأن البيت الابيض يعكف على وضع استراتيجية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تلامس الهواجس السعودية. وفي موازاة ذلك، كانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كيلنتون تؤكد امام المنتدى العالمي الاميركي - الاسلامي في واشنطن في 12 نيسان سعي اوباما الى وضع هذه الاستراتيجية خلال اسابيع. وقد بدأت تظهر ملامحها في المقترحات عن اسماء بديلة لغيتس او لادارة الاستخبارات الاميركية، كاطار مواكب لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ.

وفي اشارة بالغة الاهمية، يأتي دخول "الاخوان" على خط سوريا بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده مراقب "الاخوان" محمد الشقفة في اسطنبول مع بداية الاحداث السورية، وفسر في حينه انه اول تحذير تركي للاسد لاستيعاب الحركة الاحتجاجية مقابل العصا "الاخوانية". ومع تصاعد حدة الاحتجاجات السورية، وتكثيف حركة الموفدين الاتراك وارتفاع مستوى تحذيراتهم للرئيس السوري بشار الاسد، والحملة الصحافية التركية، بدا لبعض الوقت ان النظام السوري سائر نحو تلبية التمنيات التركية، لا بل اعطاء الاتراك وعودا بعدم استخدام العنف في قمع المتظاهرين.

لكن ما حدث الاحد الذي تلا "الجمعة العظيمة" من استخدام مفرط للقوة عبر الدبابات استدعى تحركا تركيا – اميركيا من خارج الاطار العربي التقليدي. فواشنطن أوحت أن لتركيا الدور الذي طالما اضطلعت به مصر في تقريب وجهات النظر او المساهمة في تثبيت اتفاقات ورسم استراتيجيات للمنطقة. وبعدما ظهرت هشاشة المحور التركي – الايراني – السوري ( والقطري الى حد ما )، عند اول مفترق خطير، تحولت تركيا الى المقلب الآخر الذي يبشر باسلام علماني يقود المنطقة السنية، ولا سيما انها تعاملت مع "القرار السوري القاتل" على انه نكث بوعد اعطي على ارفع المستويات لتركيا بتجنب القمع الدموي.

والمفارقة التاريخية التي يرصدها سياسيون لبنانيون ان الدولتين اللتين حملتا مشروع المواجهة مع اسرائيل، أي سوريا ومصر التي وقعت معاهدة سلام، تعودان اليوم ساحة لدور فاعل يخطه "الاخوان" بعد عقود من القمع للحركة الاسلامية. ويدل صعود هذه القوة، وفق تقارير وقراءات لبنانية وغربية، على دور فاعل يمكن ان تؤديه هذه الحركة بعد الافادة من اخطاء انظمة القرن العشرين العربية والتي ادت الى ما يحدث اليوم.

وبعد التبدل الذي حصل في الاتفاق بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وتطور الاحداث العراقية التي بدأت تنذر بمتغيرات سياسية ، تتحول الساحة السورية مختبرا حقيقيا لتقاطع المصالح الاميركية والسعودية، إذ ان تهيئة "الاخوان" لدخول ساحة المعركة السياسية لتقاسم السلطة، وإن يكن يتقاطع مع الرؤية السعودية لانظمة العالم العربي، إلا انه لا يتم اليوم عن يديهم.

ومع المنحى الجديد الذي تتخذه الاحداث في الشرق الاوسط، وتطور احداث سوريا في اتجاهات مجهولة، يقف لبنان عاجزا عن اتخاذ خطوات ملموسة ليس في شأن تأليف الحكومة فحسب، انما على مستويات اكثر قلقا حيال ثلاث قضايا جرى التحذير منها قبل ايام، ولم تلق صدى سريعا للتفاعل معها، اولاها وضع الحدود ولا سيما ان القوى الامنية عاجزة لنقص معداتها وسهولة تخطي المعابر غير الرسمية عن الحد من موجة اختراقها.

 والقضية الثانية هي سبل استيعاب اللاجئين السوريين، مع خشية المصادر الامنية ارتفاع الاعداد الآتية الى لبنان بحسب تدهور الوضع في سوريا. وخطورة التسرب السوري الى لبنان يتخطى المستوى العادي، مع ما يمكن ان يسببه من مشاكل اجتماعية وامنية على المستوى الشمالي سنيا وعلويا، وعلى المستوى المسيحي. وقد كشفت معلومات امنية ل"النهار" ان عائلات مسيحية سورية تصل تباعا الى لبنان، ناهيك بعائلات مسيحية عراقية كانت تركت العراق الى سوريا بعد موجات التفجير فيه. وقد ابلغت مراجع روحية مسيحية بهذه الاجواء من دون ان تتعامل معها بجدية. مع العلم ان اللجوء المسيحي بدأ بوتيرة اكبر الى المناطق الكردية السورية، لأن تجربة العراقيين المسيحيين سابقا مع لبنان لم تكن مشجعة.

 والقضية الثالثة هي صياغة لبنانية لاستيعاب التطورات السورية وانعكاسها على لبنان، سياسيا وامنيا. اذ لا يبدو واضحا ان ثمة محاولة جدية من الافرقاء السياسيين لمواجهة ما هو مقبل على المنطقة، الامر الذي يفترض بحسب سياسين مخضرمين اللجوء الى حكومة اقطاب تتخطى مشكلة 8 و14 آذار لمواجهة المصائر الجديدة التي تُرسم للمنطقة ولبنان.

====================

الأسد بدّد كل ما كسبه !

علي حماده

النهار

30-4-2011

لم يكن ممكناً ان يطول انتظار انعقاد مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة اكثر مما حصل، فبعد قتل المئات وجرح الآلاف في ساحات المدن والقرى السورية على ايدي عناصر المخابرات وقطعات فئوية من الجيش، طالت اللائحة اكثر مما يمكن احتماله او السكوت عنه، بسبب "الحمايات" التي ينعم بها النظام في سوريا. ولعل اهم الحمايات تلك الآتية ممن يفترض انهم اعداء (اسرائيل)، او ان النظام يقف "ممانعا" في وجههم ووجه مشاريعهم في المنطقة ! في مطلق الاحوال فإن ادبيات النظام صارت اضحوكة. لكن الحقيقة، ان ثمة مدنيين في سوريا عراة الصدور، عُزّلاً يقتلون كل يوم، وثمة ثورة مدنيين سلمية يعجز النظام عن وأدها جمعة بعد جمعة منذ الثامن عشر من آذار الماضي.

يثبت الموقف الصادر عن مجلس حقوق الانسان في جنيف وقد دان سلوك النظام في سوريا حيال المدنيين العزل، ان الماكينة الدولية بدأت في الدوران، بعدما بدا جليا ان الرئيس بشار الاسد وصحبه اختاروا الحل الدموي في مواجهة الشعب. وقد صم الاسد الابن اذنيه عن سماع النصائح الدولية التي اشارت عليه بالاسراع في اطلاق عملية الاصلاح الحقيقية فعلا لا قولا. وقد يكون اصدقاؤه الاتراك اكثر من يشعر بالغضب في هذه الايام بعدما تبين لهم انه لا يستمع اليهم، بل يكتفي بالكلام والكلام فقط. هذه الملاحظة يسمعها المراقب السائل لرسميين اتراك رافقوا عملية التواصل بين انقره ودمشق في الاسابيع الاخيرة. فالرسميون المشار اليهم ما عادوا يخفون خيبتهم من الاسد الابن، وثمة منهم من اكتشف ان الرئيس السوري اما انه عاجز عن الاصلاح او انه حقا يرفضه مكتفيا بالمناورات الكلامية، بإصداره قرارات بقيت حبرا على ورق في الوقت الذي امتد قتل المدنيين ليشمل جنودا وضباطا تتفق مصادر تركية عدة على القول انهم عوقبوا بالقتل لرفضهم اطلاق النار على المدنيين. هذه مسألة خطيرة جدا لأنها تضع الجيش على شفير انفجار من الداخل.

إن تدخّل مجلس حقوق الانسان في جنيف ولو متأخرا يفتح الباب واسعا امام تدخل دولي ضد النظام في سوريا، وبالتالي فإن مجلس الامن الدولي لن يكون بعيدا عن الملف. في حين ان الاتحاد الاوروبي متجه الى خطوات متصلبة. وفي المحصلة يكون الاسد الابن قد بدد في اقل من خمسة اسابيع كل ما استطاع كسبه عربيا ودوليا في ثلاث سنوات، من الجهد الفرنسي والقطري ثم السعودي، لإعادته الى الاسرة الدولية. واليوم يعود الرئيس السوري بشار الاسد الذي لم تبدأ الحملة على شرعيته الى وضعية سبق ان خبرها بين 2005 و2008، لكن لهذه المرة ابعادا اكثر خطورة لأن القتلى سوريون عُزّل، ولأن الثورة على النظام سورية داخلية يقوم بها سوريون احرار عراة الصدور...

====================

التضامن الأردني مع الشعب السوري

باتر محمد علي وردم

الدستور

30-4-2011

منذ بداية الحركات الاحتجاجية والثورات المختلفة في العالم العربي دأبت الحكومات العربية -بشكل عام- على تجاهل اتخاذ أية مواقف مساندة للحركات الشعبية أو حتى ناقدة لسلوك الأنظمة في التعامل القمعي مع هذه الحركات. ويبدو أن هنالك اتفاقا غير مكتوب بين الحكومات العربية في ترك كل واحدة منها تتعامل مع الاحتجاجات بالطريقة التي تريدها، باستثناء الموقف الذي اتخذته الجامعة العربية بدعم التدخل الخارجي في ليبيا حيث تعد المعادلة هنالك مختلفة نتيجة وجود النفط والتهديدات المباشرة للمصالح الغربية.

الوضع في سوريا يتجه نحو المزيد من العنف تجاه المتظاهرين، ولكن رد الفعل العربي تقريبا غير موجود لا على الصعيد الرسمي ولا الشعبي.

وعلى المستوى الرسمي هنالك تردد في توجيه انتقادات للنظام السوري حول طريقة تعامله مع المتظاهرين . حتى على الصعيد الدولي ما زالت ردود الفعل ضعيفة وما زال النظام السوري يحظى بدعم من دول كبرى -مثل الصين وروسيا- والتي تمنع أي قرار أو ضغط دولي ضد سوريا. أما على مستوى القوى السياسية المعارضة في العالم العربي بخاصة القومية والإسلامية فقد تسببت الاحداث في سوريا بإسقاط كافة القيم الأخلاقية عن هذه التنظيمات والتي تجاهلت معاناة الشعب السوري وفضلت الاستمرار بتقديم الدعم للنظام نتيجة مصالح تنظيمية أو توافقات سياسية ضربت -بعرض الحائط- كل قيم حقوق الإنسان والحريات العامة.

نحن في الأردن تربطنا علاقات شعبية متينة مع الأخوة السوريين ونشعر بكثير من الغضب والأسى تجاه المأساة الإنسانية التي تحدث في درعا، والمعاناة التي يشعر بها الشعب السوري حاليا لا تختلف أبدا عن معاناة الشعوب العربية الأخرى بخاصة الشعب الفلسطيني واللبناني والعراقي من الحصار والقمع. المناطق الحدودية مع سوريا قد تشهد تدفقا من العائلات السورية الهاربة من العنف والحصار ومن المؤكد أن كافة التسهيلات والخدمات ستخصص لهؤلاء النازحين وبكل الطيبة والكرم الأردني المعروف وهذا ليس إلا أقل الواجبات المطلوبة منا.

لكن على الصعيد الشعبي لا بد من اتخاذ موقف تاريخي مشرف تجاه الشعب السوري بخاصة من قبل القوى السياسية الشعبية والتي تدعي إيمانها بالحريات العامة والديمقراطية لأن الشعوب هي التي تبقى في نهاية الأمر والمواقف المشرفة هي التي يسجلها التاريخ بأحرف مضيئة وليس السكوت على القمع والقتل تحت شعارات الممانعة والصمود.

تتمزق القلوب على الشعب السوري العظيم وهو يذوق الأمرين في مسعاه نحو الحرية كما بقية شعوب العالم وكنا نتمنى أن تكون استجابة السلطات السورية لمطالب المواطنين إيجابية وان يتحقق الإصلاح الذي يطلق طاقات الشعب السوري الهائلة في التطور والتنمية لكن الخيار الرسمي كان نحو القمع وضد حركة التاريخ وفي هذه الحالات تخبرنا كافة التجارب بأن التصميم الشعبي هو الذي سينتصر في نهاية الأمر. حمى الله سوريا وشعبها العظيم الذي يصنع التاريخ والمستقبل معا ونتمنى اتخاذ كافة المواقف المشرفة بالتضامن مع هذا الشعب في ظروف حالكة ومؤسفة لكنها تشكل امتحانا لمدى الالتزام الحقيقي بقيم الحرية والديمقراطية بخاصة من قبل القوى السياسية مثل الأحزاب والنقابات التي لا يزال صمتها فاضحا.

====================

يقمعون شعوبهم وينتحرون

السبت, 30 نيسان 2011 04:52 

فهمي هويدي

السبيل

أكان ضروريا أن يطلقوا الرصاص على الرأس والصدر، في حين أنهم لو أطلقوه على الأرجل لتسلمنا رسالتهم وفهمنا موقفهم؟

ولماذا استخدموا الرصاص الحي وكان بوسعهم أن يلجأوا إلى الرصاص المطاطي الذي يمكن احتماله، هذا إذا كان المطلوب مجرد فض التظاهرات وترويع المتظاهرين؟

ولماذا عاقبوا بعصيهم الكهربائية كل من خرج إلى الشارع في دمشق يوم الجمعة، ولو أنهم اكتفوا بضرب المتظاهرين وحدهم لحقق لهم ذلك ما يريدون، دون أن يستثيروا غضب كل سكان العاصمة؟

أدهشني منطق صاحبنا القادم لتوه من دمشق، فاضطررت إلى مقاطعته، قائلا:

إنني أستغرب المقارنات التي أوردها. إذ في حين توقعت منه غضبا واحتجاجا على مبدأ إطلاق الرصاص على المتظاهرين، فإنني وجدته يفضِّل إطلاقه على القدمين وليس الرأس، كما أنه يفضِّل الرصاص المطاطي على العادي، ولا يمانع في ضرب المتظاهرين في دمشق، بدلا من تعميمه على كل سكانها.

أطرق الرجل لحظة ثم قال إنه وجيله أُنهك حتى تعب وفقد الأمل في تحسن الظروف التي مازالت على حالها منذ 40 سنة. لذلك فإنهم لم يعودوا يقارنون وضعهم السيئ بوضع أفضل، ولكنهم أصبحوا يقارنون السيئ بالأسوأ. وهو ما يضيق من خياراتهم، بحيث يصبح السيئ مرغوبا، ليس لأنهم راضون به، وإنما لأن ما هو أسوأ منه أشد ضررا وأتعس.

طلبت إيضاحا فقال لي إن المذبحة التي ارتكبتها السلطة في حماة في شهر فبراير عام 1982 كسرت قلوب السوريين وأذلتهم. ذلك أن نظام الرئيس حافظ الأسد استخدم الطيران والدبابات في تأديب المدينة وقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص (البعض يتحدث عن ضعف هذا العدد)، غير الألوف الذين اختطفوا وأحيلوا إلى جحيم السجون وبشاعتها، حيث قطعت أطرافهم وقلعت أظافرهم وفقئت أعينهم، وتم تذويب بعضهم بواسطة حامض الأسيد. وإذا قارنت ما حدث في حماة قبل نحو ثلاثين عاما بما يجرى الآن فقد تدرك لماذا جاءت المقارنات التي أوردتها على النحو الذي لم يعجبك. على الأقل فالطيران لم يستخدم في قمع الناس وسحقهم. والدبابات فقط هي التي حاصرت بعض البلدات واقتحمت بعضها.

أتيح لي أن أستكمل المناقشة مع بعض الناشطين السوريين المهاجرين الذين لقيتهم في اسطنبول هذا الأسبوع، وكانوا قد دعوا للاجتماع فيها من جانب بعض منظمات المجتمع المدني التركية (400 منظمة شكلت ما سموه منبر اسطنبول للحوار السياسي).

من أهم ما قالوه في اللقاء إن أغلب المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع ينتمون إلى جيل لم يعش أحداث مذبحة حماة، من ثَمَّ فهو أكثر جرأة واستعدادا للتحدي. وإلى جانبهم هناك أعداد غير قليلة من المثقفين والناشطين الذين ضاقوا صدرا بممارسات النظام ومن تسويف قيادته في خطوات الإصلاح السياسي.

قالوا أيضا إن الرئيس بشار الأسد كانت أمامه فرصة كبيرة لتحقيق الإصلاح المنشود بعد رحيل أبيه. خصوصا أنه لم يكن مسؤولا عن شئ من ممارسات نظام الأب، ولكن بعد مضي نحو 11 سنة على حكمه فإن السلطة لم تغير من نهجها الذي يصر على مصادرة الحريات وسحق المخالفين. ورغم أن نفوذ حزب البعث تراجع إلى حد كبير، إلا أن النظام كله أصبح خاضعا لنفوذ أجهزة الأمن التي ينتسب أغلبها إلى الطائفة العلوية (أكثر قليلا من مليون نسمة في حين أن أهل السنة نحو 22 مليونا). وهذه الأجهزة مازالت تتصرف بذات الأسلوب الذي اتبع في حماة سنة 1982.

قالوا أيضا إن المظاهرات لم تطالب في البداية بإسقاط النظام، ولكن العملية بدأت باعتقال مجموعة من الشباب في درعا تأثروا برياح الحرية التي هبت على العالم العربي، فقد كتبوا على الجدران عبارات طالبوا فيها بإصلاح النظام. وهؤلاء تم اعتقالهم وتعرضوا لتعذيب وحشي قلعت فيه أظافرهم.

ولأن بعضهم ينتمون إلى أكبر العشائر والقبائل هناك، فإن شيوخ تلك العشائر ذهبوا إلى ممثلي السلطة في درعا يسألون عن أبنائهم. لكنهم قوبلوا بإهانات جارحة مست شرفهم وكرامتهم. فخرجوا غاضبين وثار أهاليهم لكرامتهم وكرامة أبنائهم، حينئذ ردت الأجهزة الأمنية بأسلوبها القمعي الذي لا تجيد غيره.

وكانت تلك هي الشرارة التي عممت الحريق في بقية المدن التي تستشعر القهر وتختزن الحزن. إذ انتقلت الشرارة من درعا إلى بانياس واللاذقية وحمص ودوما وإلى دمشق ذاتها.

وكلما سقط قتيل جديد اشتدت النيران اشتعالا. (العدد تجاوز الآن 600 قتيل)، وحين قرر الرئيس بشار الأسد إلغاء قانون الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة، فإن ذلك جاء متأخرا جدا، فضلا عن أنه لم يغير شيئا لأن قتل المتظاهرين لم يتوقف، الأمر الذي أقنع السوريين بأن الأمل في الإصلاح مفقود، وأنه لا بديل عن المطالبة بإسقاط النظام. وهذا ما حدث

 إن المستبدين حين يصرون على قمع شعوبهم، فإنهم قد يسحقونهم لبعض الوقت، لكنهم يهدمون أنظمتهم وينتحرون في نهاية المطاف، سياسيا على الأقل.

====================

ساعة الحقيقة في سورية

د. عبدالله تركماني

2011-04-29

القدس العربي

 بعد أن يئس الشعب السوري والمعارضة الديمقراطية من استجابة السلطة، التي ورثت العهد القديم في العام 2000، لدعوات الإصلاح التدرجي والشامل، وبعد أن لاحقت الأجهزة الأمنية الناشطين واعتقلت المئات منهم طوال عقد من الزمن، انتقلت الحركة الشعبية إلى تبنّي خيار التغيير الديمقراطي، والتكتل والعمل معاً من أجل إنجاز هذا الخيار، بالضغط السياسي والنشاط الميداني السلمي، متأثرة بأنموذجي الثورتين التونسية والمصرية. فانطلقت المظاهرات الشعبية منذ 15 آذار/مارس الماضي وما زالت مستمرة حتى الآن، بعد تقديم ما يزيد عن 400 شهيد وآلاف الجرحى في مختلف المحافظات السورية.

وهكذا، فإنّ سورية مقبلة على تغيير مؤكد، ففي دولة استبدادية اهتمت سلطتها كثيراً ببناء الرموز (أصنام حافظ الأسد وابنه باسل وصور بشار) واعتنت بتنميق الشعارات، ونحتت لغة سياسية ذات مفردات تعبوية، فإنّ أول وربما أخطر استحقاق يواجهها يدور حول 'هيبة سلطة الدولة '، وهي ليست مجرد مسألة رمزية، وإنما مشكلة عملية أيضاً، إذ كيف سيحافظ حكام سورية على صورتهم قوية في نظر مواطنيهم وهم الذين أمروا بإطلاق الرصاص الحي على شعبهم؟

إنّ أغلب المشكلات التي تواجه سورية في المجال الداخلي هي من ثمار النهج الذي اتبعه الحزب الحاكم خلال وجوده في السلطة منذ العام 1963 في إقامة نظام استبدادي استئصالي، حين حوّل سورية إلى دولة فئوية تقودها نخبة من أصحاب الامتيازات الذين يرفضون المساواة بين السوريين. كما أنّ مجتمع الحزب الواحد أشاع حالة من السلبية والعزوف عن الانخراط في النشاط العام، إذ غابت لدى غالبية الأفراد والجماعات المبادرة الذاتية والتفكير المستقل، وحصلت حالة من القطيعة بين أغلبية أفراد المجتمع والنخبة السياسية، بعدما بطشت السلطة بقوى المعارضة وأماتت أي تعبير أو مؤشر على حياة سياسية طبيعية.

ويعود كل ذلك إلى الدولة الأمنية، كبنية مستترة خلف بنية الدولة الرسمية المعلنة، بما فيها مجلس الشعب الذي ظهر كسيرك أثناء خطاب الرئيس أمام أعضائه، مما يحيل إلى حقل دلالي خاص بعمل الأجهزة الأمنية وتسلطها الشامل على البلاد والعباد، وفرض سيادتها التي تنزع كل سيادة أخرى. فعلى امتداد السنين هيمن نمط من الأجهزة الأمنية الأخطبوطية، التي يبلغ عددها سبعة عشر جهازاً، على مجمل نواحي الحياة السورية، بحيث تم ابتلاع كل المظاهر الأولية لوجود المجتمع المدني السوري، بل انّ المجتمع السياسي نفسه لم ينجُ من سيطرة هذه الأجهزة، حيث 'قُضمت' الدولة وأُرغمت على إخلاء الساحة ل'الدولة الأمنية'، مقابل 'أمن الدولة'.

لقد اعتادت السلطة منذ عقود، على مصادرة المجتمع وإخضاعه كلياً، وأقامت في سبيل ذلك منظماتها الشعبية كامتداد لسلطتها، بحيث لم يعد من الممكن الحديث عن دولة ومجتمع بالمعنى الحديث. ومرد كل ذلك هو النظام السلطوي الذي حكم البلاد والعباد، والذي تميز بالتماهي بين الدولة والسلطة والمجتمع والحزب، واندمجت كلها في شخصية الحاكم، بعيداً عن أية مؤسسات رقابية حقيقية، بل بوجود تراتبية تلعب فيها الأجهزة الأمنية الدور الأهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تقرّب أهل الولاء وتنفّر أهل الكفاءة. وقد أدى كل ذلك إلى تعطيل الحياة السياسية السليمة، وحدَّ من إمكانية الإدارة العقلانية للموارد الاقتصادية والبشرية، كما أدى إلى تهميش قطاعات اجتماعية وثقافية عديدة.

إنّ آليات السيطرة، التي تجذرت منذ انقلاب حافظ الأسد على رفاقه سنة 1970، شكلت الغطاء للفساد العام والركود الاقتصادي على مدى سنوات عديدة، وعطلت انطلاق مبادرات المجتمع السوري الذي يتميز بالحيوية، ودفعت بالأزمات المتتابعة نحو الأمام متوهمة التخلص منها، إلى أن تراكمت ووصلت إلى حالة المأزق الذي تعيشه سورية حالياً. وبما أنّ إدارة الأزمات بدل التعاطي المجدي معها قد تولدت عن البنية الاستبدادية للدولة السورية، خاصة منذ ثمانينات القرن الماضي، فمن الطبيعي أن يكون التغيير شاملاً لكل ميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بتناغم واضح في ما بينها.

إنّ التعاطي المجدي مع الأخطار والتحديات، التي يطرحها الحراك الشعبي السوري على جدول الأعمال السوري، تتطلب البحث عن أسباب المأزق الداخلي الحالي ومعالجته جدياً للنهوض بالقدرات الكامنة إلى مستوى التطورات الجديدة والتعامل معها على أساس من التكافؤ والاقتدار في الميادين المختلفة، مع العلم أنّ مصدر القوة الحقيقية لأية دولة هو التناغم والتكامل والتوازن بين سلطة الدولة ومجتمعيها المدني والسياسي.

إنّ التغيير الشامل في سورية، بعد سبعة أسابيع من الحراك الشعبي المتواصل الذي تتسع قاعدته الاجتماعية، وبعد مئات الشهداء وآلاف الجرحى، أصبح مهمة إنقاذية لا تقبل التردد ولا التأجيل، وأية محاولة إلى إفراغه من محتواه الحقيقي، أو محاولة تقزيمه إلى إصلاح جزئي، أو تغيير أشخاص بآخرين، أو تلميع صور عتيقة، لن تفعل إلا أن تفاقم في سوء الأوضاع، وتضع سورية على حافة المجهول. ولا شك أنّ التغيير لابد أن يكون ديمقراطياً في أدواته ووسائله، يُبنى على مبادئ الحوار والاعتراف المتبادل، ويقوم على نبذ العنف خلال الحراك الشعبي والعمل على منعه وتجنبه بأي شكل ومن أي طرف كان.

إنّ حالة الاحتقان التي تتعرض لها سورية، في حجمها وجديتها وأيضاً في تنوعها وشدة تواترها، يضعها أمام خيار هو الأسلم، بل الأفضل لحاضر سورية ومستقبلها، لكنه الأصعب على أهل النظام ومصالح بعض المتنفذين بينهم، يقوم على تعاطٍ عقلاني مع الواقع القائم واتجاهات تطوره، تحسباً من أن تصل الأمور إلى حافة الهاوية، وتالياً استثمار مساحات الوقت الضائع، ليس من أجل الركون إلى أوراق ضغط الحلفاء الإيرانيين وإلى منطق القوة الأمنية، بل لاتخاذ قرار تاريخي وجريء بنقل مركز الثقل وبؤرة الاهتمام السياسيين صوب الداخل، والسير قدماً نحو التحول الديمقراطي الحقيقي الشامل، بما يعنيه من تفكيك الدولة الأمنية ويعيد صياغة الشرعية السياسية على أسس جديدة: الحرية فوراً لجميع معتقلي الرأي والضمير في سورية من خلال تبييض السجون، وعودة المنفيين السوريين إلى وطنهم من بوابة المواطنة وليس من البوابة الأمنية، وفتح الملف الإنساني للمفقودين في السجون، وإقامة دولة الحق والقانون الديمقراطية الدستورية.

إنّ التغيير أضحى حاجة موضوعية كي لا تتأخر سورية عن التعاطي المجدي مع التحديات المطروحة عليها، وبالتالي فإنّ تعثر تلبية مطالب التغيير هو مجازفة خطيرة بمستقبل الدولة والمجتمع في سورية. فالحاجة ملحة إلى إعادة بناء السلطة على أسس جديدة تعطي الدولة طابعاً آخر يوحد المطامح الوطنية العامة، ويؤسس لفاعلية جديدة تستوعب عناصر المجتمع كافة. إننا بحاجة إلى ديمقراطية حقيقية توفر الإمكانية لاستيعاب المتغيّرات العميقة في الحياة الإنسانية المعاصرة، مما يستوجب مأسسة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين من خلال شرعنة وجود أحزاب وجمعيات علنية تقبل التسويات التاريخية والحلول المعتدلة، وتعتمد الأسلوب السلمي للتغيير والتقدم.

إنّ نجاح أي مشروع للتغيير في سورية، من داخل السلطة أو من خارجها، مرتبط بإجراء إصلاح سياسي شامل، مقدماته الضرورية تقوم على الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، بما ينطوي عليه ذلك الانتقال من إلغاء كل القيود على الحريات الديمقراطية، وعلى الدعوة إلى استقلال القضاء وسيادة القانون، بما يضمن قيام دولة حق وقانون عادلة وقوية، دولة المواطنين الأحرار. من خلال صياغة معادلة جديدة في الحياة الداخلية تأخذ بعين الاعتبار تعاظم التحديات، في ظل علاقة بين السلطة والمجتمع قائمة على القناعة والثقة والتفاعل الحر، علاقة مقننة في إطار عقد اجتماعي جديد يوفر الشفافية والمؤسسية والقانون، هي وحدها الكفيلة بوضع سورية على أولى درجات الإصلاح والتغيير المنشودين، وإلا فإننا أمام حالة إعادة إنتاج الماضي بكل مآسيه.

ومما لاشك فيه أنّ تحديد الأولويات ومراجعة الأهداف المزمع تحقيقها ضرورة ملحة في سورية، ليتم التركيز على تكريس القواعد الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية ومعالجة المشاكل المعيشية وتحديث الهياكل والبنى الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق التنمية والارتقاء بمستويات القدرة السورية على الانفتاح على العالم، والتعامل معه من موقع الشراكة، في ظل توجهات العولمة التي لم يعد هناك مجال لتجاهل آثارها السلبية والإيجابية على كل بلدان العالم. فهل يعي الحكم السوري ذلك قبل فوات الأوان، ويتجاوز استجاباته البطيئة للأحداث، بعد أن حملت في الآونة الأخيرة طابع ردود فعل متوترة وعقيمة، عنوانها الحل الأمني الذي يهدف إلى شل حراك ناشطي الشأن الوطني العام من السوريين، حين أقدمت سلطة الاستبداد على تصعيد نوعي وخطير، حين نشرت شبيحتها وقناصتها على سطوح بنايات المدن واستخدام الرصاص الحي ضد الشعب، بهدف إدامة ثقافة الخوف وإسكات أي صوت معارض وإعادة المجتمع السوري إلى زمن الصمت؟ أم ينتقل إلى مقاربة جديدة تقوم على المبادرة، تقطع الطريق على الأخطار بإزالة ركائزها الذاتية، من خلال الدعوة إلى مؤتمر وطني عام يعيد صياغة أسس الحياة السياسية الجديدة التي تنقل سورية من الاستبداد إلى الديمقراطية؟

إنّ سورية أمام تحديات حقيقية تستوجب تفعيل الخيارات الممكنة، من خلال إرادة سياسية لرجال دولة عقلاء، وإدارة مجدية لكل إمكانياتها المتوفرة، بهدف التعامل مع المطالب الشعبية بإيجابية، فليس من الواقعية والعقلانية أن تغمض سورية عينيها عن مختلف الخيارات والقدرات التي يمتلكها شعبها.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

====================

جمعة الغضب في سورية

رأي القدس

2011-04-29

القدس العربي

 أصبح يوم الجمعة يشكل كابوسا لمعظم الحكومات العربية، والسورية منها على وجه الخصوص، لأنه بات يشكل علامة فارقة ومحورية في مسيرة الثورات الشعبية المطالبة بالحريات والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.

بالأمس شهدت مدن سورية عديدة مظاهرات صاخبة انطلقت من المساجد بعد صلاة الجمعة، استجابة لدعوات على الشبكة الاجتماعية (فيس بوك) من جهات معارضة بالنزول الى الشوارع تحديا للسلطات وقواتها الأمنية التي انتشرت بكثافة في معظم الشوارع والميادين الرئيسية.

اعداد الشهداء متضاربة، هناك من يقدرها بحوالي اربعة وعشرين شخصا، وهناك من يقول انها ضعف هذا الرقم، لكن الأمر المؤكد ان الشعب يواصل تحديه للاجهزة الامنية القمعية بكل جرأة وشجاعة، وفي المقابل تواصل هذه الاجهزة اطلاق النار بهدف القتل على المحتجين دون رحمة أو شفقة.

نزول الجيش السوري بدباباته ومدرعاته جنبا الى جنب مع قوات الامن لم ينجح في بث الذعر في قلوب المحتجين، ولم يقلل من اصرارهم على مواصلة التحدي والتعبير عن مطالبهم في الاصلاح والتغيير، مما يؤشر الى أن المواجهات ستستمر في الاسابيع المقبلة، وسيستمر معها سقوط الشهداء.

من الواضح ان السلطات السورية عاقدة العزم على الاستمرار في تبني الحلول الامنية، واتباع النهج نفسه الذي اتبعه الرئيس الراحل حافظ الأسد في قمع احتجاجات مماثلة في مدينة حماة السورية عام 1982، مما أدى الى سقوط أكثر من عشرين ألف شخص واصابة عشرات الآلاف.

أصدقاء النظام سواء في تركيا أو روسيا قدموا له النصائح بوقف حمامات الدم واللجوء الى اسلوب الحوار مع المعارضة، وتسريع وتيرة الاصلاحات، ولكن يبدو ان جميع هذه النصائح ذهبت هباء منثورا، لأن المدرسة التي تتبنى سياسة العصا الغليظة، والاستخدام المفرط للقوة في مواجهة المحتجين هي التي باتت صاحبة الكلمة الاخيرة.

التغول في سفك الدماء لم ينجح في وقف الثورة في كل من مصر وتونس، ومن المؤكد انه لن ينجح في وقف المسيرات الاحتجاجية الضخمة في سورية، بل يزيدها اشتعالا، ويوسع نطاقها الجغرافي والبشري مثلما نرى اسبوعا بعد آخر.

الانتفاضة الشعبية السلمية السورية التي انطلقت من مدينة درعا وامتدت ألسنة لهبها الى جميع المناطق الاخرى تضع النظام السوري امام اختبار صعب للغاية، لأن المزيد من القتل يقصر من عمره، ويزيد من عزلته، ويعرضه لاخطار الحصار والعقوبات الدولية.

الولايات المتحدة الامريكية التي لا تكن وداً للسلطات السورية قررت بالأمس تجميد ارصدة خمسة مسؤولين سوريين كبار، بينما اتخذ الاتحاد الاوروبي قراراً بالاجماع بفرض عقوبات على سورية. وتبنى مجلس حقوق الانسان الدولي ومقره جنيف قرارا بارسال بعثة تحقيق في حقيقة الاوضاع على الارض، واستشهاد حوالى 500 شخص برصاص قوات الأمن، وتقديم تقرير الى مجلس الامن الدولي.

العقوبات الدولية ستؤدي الى زيادة معاناة الشعب السوري حتماً، تماماً مثلما حدث للشعب العراقي، لأن الابرياء هم المتضررون دائماً. والشعب السوري يواجه نقصاً في الطعام والأدوية والمواد الاساسية في الوقت الراهن، سواء بسبب تدهور الاوضاع الامنية، او بفرض الاجهزة الامنية حصاراً على بعض المدن المتمردة مثل درعا وبانياس.

من المؤلم ان السلطات السورية لا تفكر الا بالقتل كأسلوب حوار مع المحتجين من أبناء الشعب، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف الى تدخلات خارجية تزيد الوضع تعقيداً. فاذا كانت هناك مؤامرة تستهدف سورية، ونحن لا نشك في ذلك، فان الطريق الاسرع لانجاحها هو مواصلة سفك الدماء، وعدم التجاوب وبالسرعة الممكنة مع المطالب المشروعة بالاصلاح.

====================

سورية بين استفتاء على شرعية الأسد او انقلاب عسكري

السبت, 30 أبريل 2011

سليم نصار *

الحياة

«ايها الإخوة والأبناء: الموت للإخوان المسلمين المجرمين، والمأجورين الذين حاولوا نشر الفوضى والدمار في الوطن. الموت للإخوان المسلمين الذين استأجرتهم المخابرات الاميركية والرجعية والصهيونية».

بهذه العبارات خاطب الرئيس السوري حافظ الاسد الجماهير الصاخبة التي حملته على الاكتاف في شوارع دمشق من قصر الضيافة الى البرلمان (7 آذار / مارس – 1982).

وكان ذلك الخطاب بمثابة إيذان لنهاية معارك ضارية استمرت ثلاثة اسابيع في مدينة حماه المطوقة من اربع جهات بواسطة دبابات الجيش النظامي والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع. وقد سقط في ذلك النزاع الداخلي عدد كبير من المسلحين قدّره البعض بثلاثة آلاف قتيل، بينما ضخّمته صحيفة «واشنطن بوست» وقالت انه تجاوز العشرين ألف قتيل.

ومع ان أقمار التجسس الاصطناعي الاميركي التقطت مجموعة صور للمساجد التي هدمت عندما لجأ اليها «الاخوان المسلمون»، إلا ان ذلك لم يكشف عن حقيقة عدد القتلى. ووفق ما اوردته الدراسات التي قامت بها منظمة العفو الدولية، فإن عدد الضحايا من الجهتين، لم يتجاوز التسعة آلاف قتيل.

وحول الاسباب التي قدمها الرئيس حافظ الاسد لتفسير الاضطرابات في حماه، اتهم في حينه الولايات المتحدة وإسرائيل وألمانيا والاردن، باستخدام «الاخوان المسلمين» كأدوات لتشجيع العصيان ضد النظام. ورأى ان معارضته القوية لمعاهدة كامب ديفيد ودعمه المطلق لثورة الخميني، سببان مهمان لإثارة دوافع الانتقام في أحداث مفتعلة.

هذا بعض ما واجهه رئيس النظام السوري من متاعب قبل 28 سنة. واليوم يتكرر المشهد مع نجله الرئيس بشار الاسد، وانما في اكثر المدن السورية وليس في حماه فقط، مع تغيير كامل في قائمة الاولويات والمطالب الشعبية.

ولكن الاسد استبق وصول حركة التمرد الى سورية بإجراء حديث مع صحيفة «وول ستريت جورنال» عبّر فيه عن انتقاده للاوضاع المهترئة في تونس ومصر. ووصف ما حدث في البلدين العربيين «بأنه نتاج مياه آسنة لا يمكن ان تخفي في جوفها سوى الجراثيم والامراض».

وكان بهذا التفسير يريد الايحاء للرأي العام بأن بلاده محصنة ضد الامراض السياسية، ومستثناة من زلزال التسونامي الذي ضرب العالم العربي. وعندما خيبت درعا آماله، اعترف امام البرلمان بأن سورية تتعرض لمؤامرة تعتمد في توقيتها وشكلها على ما يحصل في الدول العربية.

ووعد بإجراء سلسلة اصلاحات لتلبية حاجات الناس، بينها إلغاء العمل بقانون الطوارئ المعمول به منذ سنة 1963. وكان بذلك يرمي الى تهدئة الشارع الغاضب المطالب بقوانين تضمن اغلاق ملف الاعتقال السياسي ووقف العمل بقوانين محكمة امن الدولة، وحرية تشكيل الاحزاب، وإلغاء المادة الثامنة التي تنصّب حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع. وترى المعارضة السورية ان هيمنة الحزب الواحد على مصير البلاد والعباد منذ اعلان الحركة التصحيحية قبل 41 سنة، لم يعد امراً مقبولاً في عالم تعدد الاحزاب واختلاف الآراء.

ولما اتسعت حركة الاحتجاج والعصيان، اتهمت الحكومة في دمشق الولايات المتحدة وإسرائيل والعراق والاردن ولبنان، بإثارة الاضطرابات ومحاولة تمرير اسلحة الى المعتصمين. وقد وظفت وثائق «ويكيليكس» لتأكيد مزاعمها بأن واشنطن ضالعة في عمليات التحريض على النظام السوري. وتكشف تلك الوثائق ان وزارة الخارجية الاميركية قدمت دعماً مالياً لجماعات المعارضة السياسية السورية والبرامج الخاصة بها، ومن بينها القناة التلفزيونية «بردى». وهي قناة باشرت البث من لندن في نيسان (ابريل) سنة 2009. وتنقل في شكل متواصل الاحتجاجات الشعبية من سورية كجزء من حملة اسقاط النظام. وكان من الطبيعي ان تكثف حملتها عقب انفجار الشارع في درعا يوم 18 آذار الماضي. صحيح ان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش هو الذي صادق على تمويل حملة المعارضة السورية... ولكن الصحيح ايضاً ان خلفه اوباما استمر في عملية الدعم، على رغم تعيينه اول سفير لأميركا في دمشق خلال ست سنوات. وبرر اوباما ممارسة سياسة «العصا والجزرة» مع دمشق بالقول انه يريد اعادة بناء علاقات طيبة مع بشار الاسد بهدف إبعاده عن ايران.

يقول المراقبون ان الحلف الذي اقامه الاسد الأب مع نظام الخميني كان رهاناً رابحاً للطرفين، خصوصاً بعد انقلاب ايران من دولة مؤيدة لاسرائيل في عهد الشاه، الى دولة معادية في عهد الملالي. وقد قوبل هذا الخيار باعتراض دول عربية مؤيدة لعراق صدام حسين. ولكن حافظ الاسد ظل مقتنعاً بصوابية موقفه، لأن صدام كان يمثل لنظام البعث السوري خطراً اقوى من أي خطر آخر. لذلك قام نجله بشار بتطوير علاقته مع طهران الى محور استراتيجي بلغ ذروته في السيطرة على لبنان بواسطة «حزب الله» وفي السيطرة على قطاع غزة بواسطة «حماس». كما نجح ايضاً في اخراج تركيا من الدائرة المؤيدة لإسرائيل. وفي ظل هذه التحالفات الاقليمية استطاعت ديبلوماسية بشار الاسد نقل سورية الى شاطئ الامان، وتحسين صورتها الخارجية كمعقل للعلمانية وسط بحر الطوائف والمذاهب.

عندما وافق الرئيس بشار الاسد على القرار الذي اتخذه الجيش والحزب بضرورة محاصرة درعا وبانياس، ظهر ذلك القرار كمؤشر على تغيير اسلوب المعالجات التي اتخذت سابقاً. وواضح من طبيعة هذا التغيير ان الجيش والحزب لم يؤيدا اعفاء محافظ حمص اياد غزال الذي كان مرشحاً لخلافة رئيس الحكومة السابقة ناجي العطري، نظراً للإنجازات العمرانية التي حققها للمدينة.

كذلك اعترض الجيش والحزب على التنازلات التي قدمت للأكراد من طريق الوعد بتجنيس 300 ألف كردي حرموا من الجنسية. ثم جاءت ردود فعل الاكراد لتطالب بإسقاط النظام والمناداة بمحاكمة رموزه. لهذه الاسباب وسواها قررت قيادة الجيش والحزب عدم الاصغاء الى نصائح انقرة وباريس والدوحة، على اعتبار ان الحرس القديم يرفض التنازلات المتواصلة التي تقود الى استسلام النظام.

والثابت ايضاً ان النظام السوري المتوتر فشل في استمالة اجهزة الإعلام الخارجية المؤثرة. وقد ازعجه جداً اداء قناة «الجزيرة» التي تحولت الى اداة معارضة منذ بدأت حملة الاعتقالات في المدن السورية. ومثلما حمل وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو الى دمشق رسائل التهدئة والابتعاد من العنف، كذلك حمل مبعوثو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني نصائح تطالب بعدم افراغ رئاسة الجمهورية من رصيدها الشعبي.

والثابت ان تحالف الصداقة الذي اقيم بين الشيخ حمد والرئيس بشار، قد تعرض للاهتزار عقب الحملة الشرسة التي شنتها قناة «الجزيرة» ضد الحكومة السورية. وركزت وسائل الاعلام السورية على اتهام قطر بالعمالة لواشنطن، وعلى استخدام قاعدة «العديد» الاميركية مرأباً لطائرات حربية استخدمت ضد اهداف عربية. كما اتهمت دمشق حكومة قطر بأن طائراتها تشارك طائرات الحلف الاطلسي في ضرب اهداف ليبية!

وفي رأي بعض المطلعين على سجل العلاقة بين البلدين، ان التحالف السابق خضع لعمليات مصالح مشتركة. ذلك ان قطر كانت تمول مشاريع إعادة إعمار الجنوب اللبناني بعد حرب صيف 2006.

مقابل هذا العمل الاقتصادي المميز، سمحت سورية لقطر بملء الفراغ السياسي الذي احدثه تغييب الدور السعودي لدى الطائفة السنية في لبنان. وهكذا دخلت قطر من هذا الباب على مؤسسات اعلامية عدة ناجحة.

ومعنى هذا ان فك الارتباط بين الدولتين يمكن ان يساعد دول مجلس التعاون الخليجي في بناء جسر المصالحة بين قطر والبحرين. ولكن تغيير المواقع يطرح اسئلة بالغة الحدة: ماذا يفعل اصدقاء بشار الاسد لإخراجه من الورطة التي فرضها عليه الشارع؟

«حزب الله» مرتبك لأن امينه العام السيد حسن نصرالله أيد «الثورة» ضد الحكم الفاسد في مصر، وسرّه ان يرى معمر القذافي يواجه المصير الذي اختاره للإمام موسى الصدر سنة 1978. الولايات المتحدة بلسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، اعلنت ان بلادها لن تتدخل عسكرياً لإسقاط النظام، مثلما فعلت في ليبيا. والسبب ان انهيار النظام السوري يفتح الباب واسعاً امام ايران لاجتياح العراق والاستيلاء على الحكم في لبنان بواسطة «حزب الله». خصوصاً ان سقوط تحالفها الاستراتيجي مع سورية، يضطرها الى عدم مراعاة النظام الذي انتهى.

اما بالنسبة الى تركيا، فإن قلقها على مصير سورية لا يعادله الا قلق ايران. والسبب ان سقوط حليفتها سيسرق اوراقها الشرق اوسطية ويجبرها على اقامة تحالفات جديدة ربما تعيد اسرائيل اليها. وكي لا تضطر الى اعتماد هذا الخيار الصعب، فقد اشيع في انقرة ان اردوغان سيقترح على الاسد الاحتكام الى استفتاء شعبي ربما ينقذه من دوامة العنف، ومن تهديد قيادة الجيش بانقلاب عسكري امتنع الرئيسان التونسي والمصري عن التعلق بأذياله!

* كاتب وصحافي لبناني

====================

هل يحدث انقلاب قصر في سوريا؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

30-4-2011

مع خروج المظاهرات السورية مجددا بشكل كبير يوم أمس في عدة مدن كبرى، على الرغم من القمع الشديد وسقوط قتلى من المحتجين، تكون الأحداث في سوريا قد أخذت منحى تصاعديا مفتوحا على عدة سيناريوهات، وجميع المصادر تجمع على رؤية واحدة للسيناريو القادم في سوريا، وسأنقل ما سمعته عن ثلاثة مصادر بمستويات مختلفة، لكنها متطابقة.

فالاعتقاد السائد، ووفق مصادر معطياتها مبنية على معلومات من الداخل السوري، فإن صراعا حقيقيا على السلطة يدور في سوريا. فهناك من يرى أن الحل الأمني غير مجد، ولا بد من تقديم حزمة إصلاحات، بينما هناك من يرى أن الإصلاحات تعني نهاية حكم طائفة. وبالتالي، فإن القمع هو الحل، وهذا ما تفعله اليوم شخصيات سورية مدعومة من إيران، بالعدة والعتاد والخبراء الإيرانيين الموجودين في سوريا، وهذا ما أكدته لي المصادر.

مراكز الحكم في سوريا اليوم تتركز بيد أربع شخصيات: الرئيس، وأخيه ماهر، ورجل الأعمال رامي مخلوف، وأخيه المشرف على الأجهزة الأمنية حافظ مخلوف. وأحد مصادري الرفيعة جدا يقول: «احفظ هذا الاسم جيدا»! وعليه، فإن الصراع في سوريا يدور بين تلك النخبة، وهناك قلق غربي، تؤكده مصادر من واشنطن، من أنه قد يقوم أحد تلك المراكز بانقلاب على الرئيس، وبالتالي الارتماء في أحضان إيران بحثا عن الدعم. ومن هنا، يصبح التغيير في سوريا راديكاليا شكلا ومضمونا، ولذا، فإن مصدرا أميركيا أكد لي أن قلق واشنطن يكمن ليس في تغيير النظام، بل في الطريقة التي قد يحدث بها التغيير.

وتضيف المصادر أننا أمام مشهد قد يعيد التاريخ فيه نفسه، فإما أن تنقلب مراكز القوى تلك على الأسد، بجلب وجه علماني أو سني للقيادة، ولو مؤقتا، أو يستفرد أحد الأسماء المعروفة بالسلطة والارتماء في أحضان إيران بحثا عن الدعم والحماية، لأن سقوط نظام دمشق يعني قصم ظهر للسياسة الخارجية الإيرانية، أو أن يقوم الرئيس بشار الأسد بحركة تشبه «الحركة التصحيحية» التي قام بها والده ضد أخيه رفعت الأسد، وآخرين، قبل ثلاثة عقود تقريبا. وأبرز المؤشرات على ذلك كان ما نقله الصحافي الأميركي ديفيد إغناتيوس قبل شهر تقريبا في مقال له في «واشنطن بوست» عن مصادر لم يسمها في دمشق، أن الأسد قد يكسر قوة رامي مخلوف الاقتصادية. واللافت أيضا ما كتبه، قبل أيام، إبراهيم الأمين في صحيفة «الأخبار» اللبنانية التي تعتبر مسرحا سوريا، حيث طالب الأسد بالانقلاب، وأن من «يرسل الدبابات إلى حمص ودرعا فعليه أن يرسل دورية من الشرطة لاعتقال رامي مخلوف ومن على شاكلته ومصادرة أمواله». وبالطبع، فهذه لغة لا يجرؤ أحد في لبنان على التلفظ بها، ناهيك عن كتابتها!

والملاحظ أن الغربيين، ومعهم واشنطن وأنقرة، ما زالوا يكررون أنهم يرون في الأسد وجها إصلاحيا، ويحثونه على اتخاذ قرارات. وأحد مصادري يرى أن الإصلاح يعني أن يقوم الأسد بانقلاب قصر، قبل أن يفعلوه به، والسؤال: هل تجاوزت الأحداث النظام ككل، أم أن انقلاب القصر قد يحدث لينقذ ما يمكن إنقاذه؟ دعونا نر!

====================================

الموقف التركي من سوريا: من «النصائح» إلى «البدائل»؟

السفير

محمد نور الدين

28-4-2011

أنقرة :

يصل اليوم إلى دمشق مبعوث، أو أكثر، من جانب رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان للقاء الرئيس السوري بشار الأسد في ما يبدو على انه «التحذير» التركي الأخير إلى القيادة السورية قبل احتمال تحرك القوى الكبرى ومجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات ضد دمشق في أعقاب التطورات الدامية التي شهدتها مدينة درعا خصوصاً.

ويبدو الموقف التركي واقعاً تحت ضغوط أكثر من عامل. الأول الحملة الانتخابية النيابية والتي يسعى خصوم حزب العدالة والتنمية لإظهاره على انه نصير الأنظمة «الدكتاتورية» ويستحثون الرأي العام على التصويت ضده.

الثاني ضغوط الإعلام التركي على حكومة رجب طيب اردوغان لاتخاذ مواقف واحدة وموحدة من عمليات قتل المتظاهرين في سوريا، وكما قال للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في دافوس «إنك تعرف القتل جيداً» فهم يطالبون اردوغان بقول الكلام ذاته للأسد.

الثالث هو عدم رغبة تركيا في أن تكرر «الخطأ» الليبي بمعارضة أي تدخل خارجي، لكن بعد صدور القرار 1973 اضطرت أنقرة إلى الالتزام به عملا بسياستها عدم معارضة الشرعية الدولية.

وهنا تحتاط أنقرة لأي قرار دولي قد يصدر ضد سوريا، بالظهور على أنها لم تكن تعمل عكسه قبل صدوره، لكن أنقرة تشعر بدافع اكبر للتحرك من جديد تجاه دمشق. فسوريا لتركيا ليست ليبيا، وسوريا جارة مباشرة لتركيا، وحدود تركيا معها تمتد على 800 كلم كما تتشارك معها في تحديات مشتركة كثيرة. لذا فإن الوضع في سوريا يؤثر مباشرة على تركيا كما على المنطقة، وتركيا لا تريد أن تجد بجانبها عراقاً آخر. لذا تبذل تركيا جهدها من أجل أن تنزع فتيل التدويل عن سوريا من خلال حثّ الأسد على تقديم المزيد من التنازلات وعلى وقف استخدام النار ضد المتظاهرين.

وتعتمد تركيا للوصول إلى هذا الهدف على التواصل تارة مباشرة وتارة عبر الإعلام مع دمشق في موجة من الرسائل المتتالية التي لا تنتهي، وآخرها اعتبار اردوغان أن الوضع في سوريا يشكل قلقاً لتركيا. لكن تركيا تستخدم أيضا أسلوب الضغط على الأسد من خلال التلويح بورقة المعارضات في سوريا، تارة عبر الإخوان المسلمين بالمؤتمر الصحافي الذي عقده سابقاً مراقبهم العام محمد رياض الشقفة في اسطنبول، وتارة بورقة المعارضة ككل التي اختارت بسحر ساحر أيضاً اسطنبول أمس الأول لتعقد اجتماعاً يذكّر باجتماعات المعارضة العراقية في لندن قبل غزو العراق.

ومع أن الأتراك يكررون أنه لا يمكنهم منع أحد من الاجتماع غير أن «الرسالة» التركية واضحة، وتأتي في إطار «إقناع» الأسد بتقديم تنازلات لا يعرف أحد حدودها النهائية.

وتبدو الصورة غير واضحة تماما لدى أنقرة عما يمكن فعله لإنهاء الأزمة في سوريا، لكن فكرة عقد مؤتمر للحوار الوطني تقوده تركيا، وعلى أراضيها، يضم النظام والمعارضة غير مطروحة حالياً على ما ذكره ل«السفير» مستشار رئيس الحكومة إبراهيم قالين.

وفي هذا الإطار يبرز عامل مهم، وهو أن الأتراك وعلى لسان أكثر من مسؤول التقت بهم «السفير» لا يجدون أي مشكلة في التعامل مع أي بديل للنظام السوري، حتى لو كان الإخوان المسلمين شرط أن يلتزم «البديل» بخطوات وضع البلاد على سكة الحريات والديموقراطية.

وما يمكن أن يخشاه البعض أو يفسّره من نشاط المعارضة السورية في دمشق ومن «الرسائل القوية» التي سيحملها مبعوثو اردوغان إلى الأسد اليوم أن تكون مؤشرات على أن البحث في «صيغة» ما بعد المرحلة الجارية الآن في سوريا قد بدأ، وبالتنسيق بين أنقرة والقوى الدولية المؤثرة. وبين رسائل «النصح» ورسائل «البديل» تواصل أنقرة أداء دور مركزي في الأزمة السورية، حيث الامتحان الأصعب والأكثر حساسية للسياسة الخارجية التركية حتى الآن.

من جهة ثانية (ا ف ب، ا ب) وجه معارضون سوريون في المنفى، في بيان مشترك في اسطنبول أمس، «نداءً عاجلاً لإجراء انتخابات ووقف القمع» في بلادهم.

وقال المعارضون، في البيان، «إن على سوريا أن تتخلص من نظام الحزب الواحد، وإقامة التعددية الحزبية بغية ضمان المساواة السياسية والتنافس. كما ينبغي تنظيم انتخابات تشريعية على الفور وصياغة دستور جديد». ويشارك حوالى 40 شخصاً وفدوا من بريطانيا وفرنسا ومصر في منتدى اسطنبول. وطالبوا «بالإفراج عن السجناء السياسيين» وبحرية التظاهر وبحرية الصحافة في سوريا.

وأكدوا، في البيان، معارضتهم «أي تدخل أجنبي في سوريا، وأي مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى تقسيم البلاد»، لكن محمد شعلان، الذي يقيم في السعودية، أعلن انه يود أن تقول الجامعة العربية «كفى». وهذا المشارك نفسه دعا تركيا لاتخاذ «موقف قوي» مؤيد لمطالب المعارضة السورية.

وكان ناشطون سوريون معارضون اعتبروا، في بيان نشر في نيقوسيا ما أسموه «المبادرة الوطنية للتغيير»، أن «سوريا اليوم أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يقود النظام الحاكم نفسه مرحلة التحول الآمن باتجاه التحول الديموقراطي، ويحدونا أمل كبير في أن يمتلك النظام الشجاعة الأخلاقية التي تدفعه إلى انتهاج هذا الخيار، أو أن تقود مرحلة الاحتجاجات الشعبية إلى ثورة شعبية تسقط النظام وندخل بعدها في مرحلة التحول بعد موجة من العنف والاضطرابات».

واعتبروا أن «المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها قيادة هذا التحول هي الجيش، وتحديدا وزير الدفاع العماد علي حبيب ورئيس الأركان العماد داود راجحة»، وذلك عبر «الدخول في مفاوضات مع القادة المدنيين الممثلين لقيادات المعارضة أو أية شخصيات أخرى تحظى باحترام السوريين من أجل تشكيل حكومة انتقالية، تفضي إلى إنجاز جدول زمني لإنجاز عملية التحول الديموقراطي، تبدأ بكتابة دستور مؤقت جديد للبلاد يجري التصديق عليه عبر استفتاء وطني».

==================

المواقف الأميركية أثبتت التمسّك بالنظام السوري

حجم القمع يرسم حدوداً للتساهل الغربي

روزانا بومنصف

النهار

28-4-2011

تكشف مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت انه على رغم الضغوط الديبلوماسية المتمثلة في مواقف العواصم الكبرى من التطورات الدموية في سوريا او اجتماع مجلس الأمن لمناقشة اصدار بيان يندّد بالقمع الذي تقوم به السلطات السورية، فان النصائح لا تزال تنهال على الرئيس السوري بشار الاسد مباشرة او عبر اطراف ثالثين من أجل وقف اللجوء الى العنف والمسارعة الى اجراء اصلاحات تقي النظام خطر الانهيار. فالدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الاميركية قد أُحرجت كثيراً بسقوط عشرات وربما مئات القتلى وفق تقارير عدة من دون ان تتحرك اعلامياً وسياسياً وديبلوماسياً في حين ان المبررات الوحيدة التي اعطيت للتدخل الغربي عموماً في ليبيا كان حماية الشعب الليبي مما يتعرض له على أيدي نظام العقيد معمر القذافي فيما تجد الدول الغربية نفسها أمام سيناريو مماثل في سوريا لا تستطيع ان تبرّر فيه تقاعسها عن الدفاع عن الشعب السوري وما يتعرض له.

وتقول هذه المصادر ان الرسائل الديبلوماسية الاميركية خصوصاً والاوروبية عموماً، تُظهر تساهلاً ازاء دمشق اذ لم يسمع حتى الآن اي اتهام او تحميل الرئيس السوري بشار الاسد مسؤولية مباشرة، بما في ذلك الكلام على عقوبات تطاول قريبين منه او افراداً من عائلته بصرف النظر عن فاعلية هذه الاجراءات العقابية او اهميتها، كما ان اي موقف اميركي او اوروبي لم يُتخذ حتى الآن بفقدان الرئيس السوري الشرعية الشعبية كما لم يقل اي منهم بضرورة تخلي الرئيس الاسد عن الرئاسة كما حصل مع الرئيس زين العابدين بن علي في تونس او مع الرئيس حسني مبارك في مصر. والعقوبات المرتقبة لا تلحظ امكان التحرك عسكرياً على ما اعلنت واشنطن والدول الغربية كما هي الحال مع ليبيا ولا قرار في مجلس الأمن يبدو ممكناً في ظل اعتراضات دول عدّة أبرزها الصين وروسيا علماً ان قراراً مماثلاً لم يكن متاحاً بالنسبة الى اليمن أيضاً قبل بعض الوقت. وتقول هذه المصادر ان احد أبرز الأوهام التي اسقطتها التطورات الاسابيع الأخيرة في سوريا هو ان تكون الولايات المتحدة ترغب في اطاحة النظام السوري. وكثرت في الأيام الأخيرة المقالات في الصحف الاميركية التي تتحدث عن ارتباك الادارة الاميركية في التعاطي مع الموضوع السوري واي موقف يجب اعتماده تماماً، كما حصل مع انطلاق الاحتجاجات المصرية، إذ اظهرت المواقف الاميركية المتعاقبة ان واشنطن لا تقل تمسكاً بالنظام السوري عن سائر الدول التي تعتبر صديقة لسوريا او لعائلة الاسد، كتركيا التي اوكل اليها ان تنقل رسائل واضحة وقوية الى الرئيس السوري في هذا الاطار اوالمملكة العربية السعودية او سواهما وحتى اسرائيل بدءاً بمواقف وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون حين اعتبرت ان الرئيس السوري يعتبر اصلاحياً، ثم من خلال موقفها نهاية الاسبوع الماضي الذي دعت فيه السلطات السورية والمتظاهرين الى الكف عن العنف اي انها وضعت المحتجين وقدرات السلطات السورية في المستوى نفسه، على نحو مفاجئ بالنسبة الى مراقبين كثر، لعدم وجود انطباع جدي لديهم بامتلاك المحتجين السوريين وسائل مسلحة للاعتراض او للتظاهر. ولعل المدير السابق لوكالة الاستخبارات الاميركية مايكل هايدن افصح عن جزء من المخاوف الاميركية بقوله ان الاحداث في ليبيا وسوريا ستجعل المعركة ضد الارهاب في المستقبل القريب صعبة جداً مشيراً الى ان القذافي كان شريكاً جيداً في هذا الاطار وان الرئيس الاسد كان "جيداً في مكافحة المتشددين الاسلاميين السنة". وتوضح المصادر المعنية ان الولايات المتحدة مربكة حيال ضرورة اتخاذ مواقف متناسبة بين دعمها لحريات الشعوب والمطالبة بالديموقراطية وضرورة استمرار الاستقرار عبر النظام السوري وعدم اعطاء مؤشرات يفهم منها التشجيع على اسقاطه ولذلك تبدو حذرة في تشجيع المحتجين السوريين على اضعاف النظام او امكان تصعيد اعتراضهم حتى اسقاطه انطلاقاً من اعتبار ان الولايات المتحدة لا تملك التأثير في أحداث سوريا سلباً او ايجاباً كما هي الحال بالنسبة الى مصر او تونس وعدم امتلاك هذا التأثير لا يمنح الولايات المتحدة فرصة لرؤية بدائل من النظام السوري الحالي، انْ عبر الجيش او ائتلاف من المعارضة، في حين أنها تخشى من ان تغيير السلطة في سوريا قد يكون سلبياً بالنسبة الى اسرائيل او العراق. وكون سوريا تمسك بمفاتيح متعدّدة في المنطقة بدءاً من احتمال توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل، وصولا الى كونها الدول العربية الوحيدة الحليفة لايران واحتمال ان يؤدي التغيير في سوريا الى الضغط على العراق وعلى الهدنة في الجولان، يجعل الرهان مستمراً حتى اشعار آخر على ان يوقف الرئيس السوري مواجهة المطالبة السورية بالحرية والديموقراطية بقوة السلاح والبدء فوراً باجراءات اصلاحية سريعة وعملية قبل ان يفوت الأوان باعتبار ان ازدياد عدد ضحايا القمع وتصعيد العمليات العسكرية قد يؤديا الى مكان يصعب الرجوع منه في حال افلتت الأمور من ضوابطها على الارض وتاليا دفع الدول الغربية الى مواقف أكثر تصعيداً وشدة ازاء النظام.

===================

نصيب الأسد

أحمد السنوسي

2011-04-27

القدس العربي

 منذ ثلاثين سنة خلت، لم يكن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في حاجة لدعم خارجي أو فيالق مرتزقة من كل الآفاق ليدك (دكا دكا) أركان مدينة 'حماة' في عملية تقتيل جماعي لم تستثن أحدا.

ومنذ أيام، راجت أنباء عن استقواء آلة القمع السورية بمرتزقة من الخارج، بهدف إحباط الثورة الوليدة، نفاها مسؤول رسمي في دمشق جملة وتفصيلا، مؤكدا أن بلاده في غير حاجة إلى أحد من أجل تثبيت النظام. ولعله صادق في ما يقول، إذ إن دولة البعث السورية وديمقراطيتها الصورية، منذ إحكام سيطرتها على الروابي الشامية، في ربيع عام 1963، أرست آلية ردع وجزر وإحصاء للأنفاس يندر لها المثيل، بل إن سورية البعث كانت دائما، مرشحة لتصدير إنتاجها ونموذجها القمعي، ولم تكن يوما في حاجة إلى استيراد مرتزقة من الخارج. وهو ما يحسب لهذا النظام الذي لا يستقوي على شعبه بكتائب الموت الأجنبية، بل يتولى الأمر بنفسه!

بل إن البعث يفتخر بأنه نجح في إيقاف مسلسل الانقلابات المتكررة كل ستة أشهر، وكل سنة، في بلد لم يحسن تدبير استقلاله الذي تم في ربيع 1946. هذا الربيع الذي لم يزهر حقوقا وحرية للشعب السوري العزيز.

فمع 'البعث'، ابتليت سورية بالأعراض الجانبية للاستبداد، من هيمنة نظام الحزب الوحيد، ونبذ التعددية، والحق في الاختلاف، والتوجه نحو إرساء نظام 'الجمهورية الملكية' أو 'الجمهلكية'، إذا شئتم، بطقوسه السلطانية وقوانينه غير المكتوبة، التي فرضت توريث الحكم للأبناء.

وعلى هذا المستوى، لم تعد سورية مؤهلة لإعطاء دروس لأحد في مجال الحكامة، لكن نظامها تذرع بثقل واقع جيوستراتيجي مزمن، يضع البلاد، يوميا، تحت المناظير المكبرة للمخابرات الأمريكية، والكيان الصهيوني الدخيل، الذي زرع مسمار جحا في الجسد السوري، عبر الاستيلاء الغاشم على هضبة الجولان السورية واحتلالها بقوة الحديد والنار.

ولا أحد يمكنه ألا يساند ويتضامن مع سورية في استرداد جولانها.

لكن، أصبح على الشعوب أن تؤدي الثمن الغالي للتموقع الجغرافي أو التاريخي لبلدانها. وليس من المعقول أن يلجأ النظام السوري إلى خنق أنفاس شعبه وسلبه حريته وكرامته، بمبرر الخطر الخارجي. فكلما كنا أمام سورية الحريات والتعدد والاختلاف وحق الشعب في من سيحكمه، واجه السوريون الاحتلال الصهيوني أكثر من اليوم، ولاستعادوا الجولان ودعموا المقاومة في فلسطين ولبنان.

كان على بشار الأسد أن يستجيب لتطلعات الشعب السوري، ويراهن على المستقبل. لكنه، مع الأسف، ربما استجاب لأعداء الحرية من حرسه القديم والجديد، ثم، هل تصلح 'المؤامرة الخارجية'، دائما، لتكون شماعة ومشجبا ومحرابا وثنيا يقدم فيه الشعب وحريته قربانا، بدعوى العدوان الخارجي، مرة أخرى؟

فعكس أنظمة الاستبداد العربي، عمل الاحتلال الإسرائيلي على تقديم نفسه للعالم على أنه 'واحة للديمقراطية' في صحراء الاستبداد العربي. والكل يعرف أن 'ديمقراطية' إسرائيل، هذه المستوطنة الكبيرة التي زرعها الغرب ظلما وعدوانا على أرض فلسطين السليبة، ويرعاها هذا الغرب بزعامة أمريكا وجل الأنظمة العربية، هي ديمقراطية عرقية لا تصلح إلا للإسرائيليين من أصل يهودي. أما الفلسطينيون أصحاب الأرض، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، فهم قوم من الدرجة الدنيا، يتم التعامل معهم بعنصرية وكراهية، وينبغي الإلقاء بهم، بعيدا، خارج فلسطين، أو مواصلة إبادتهم داخلها، كما يقول الصهاينة.

لقد أقنعت إسرائيل العالم المنافق بأن المستبدين العرب ليسوا محاورين لائقين ولا محترمين للمجتمع الدولي. ومن ثم، استعملت إسرائيل الديكتاتورية العربية وطغاتها وقودا يخدم خططها التوسعية، وصك غفران لمحو آثار عدوانها الهمجي المستمر على الشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العربية، فيما فتحت قنوات حوار سرية علنية مع عواصم الاستبداد من الخليج إلى المحيط، وضعت حدودا فاصلة تفرق بين الحكام والشعوب. ولعلها، هذه المرة، محقة في ذلك، فالجماهير العربية كلها تخندقت ضد إسرائيل، فيما حكامها منغمسون في غزل رقيق مع الصهاينة الذين يتداولون على العدوان بأقنعة سياسية مختلفة ظاهريا، تخفي نفس الوجه البشع. فأين هو الخطر الصهيوني على هذه الأنظمة الاستبدادية؟

إن حمام الدم المستمر في سورية دليل ناصع على مدى الحب الذي يكنه البعث للشعب السوري. فإلى متى ستستمر هذه المجازر ضد شعب أعزل، سلاحه إيمانه العميق بالحرية والكرامة.

فمنذ أن ظهرت البوادر الأولى لربيع الثورة السورية، جاء الرئيس بشار الأسد إلى مجلس 'الشعب' مسبوقا بابتسامة عريضة وارتياح الواثق من أدواته وأهدافه، وتحدث طويلا، من دون أن يقول شيئا، وضيع فرصة تاريخية، وسط تصفيقات الممثلين المفترضين للأمة، حيث نهض أحدهم وخاطب الرئيس بعينين دامعتين وقال: 'إنك سيدي الرئيس تستحق أن تحكم العالم كله، وليس سورية فقط'. وتصاعد التهليل والتكبير داخل مجلس 'الشعب' فيما نظرات النواب والنائبات 'عسى نائبات الدهر عنا تزول' تقطر حبا وولها بشخص الرئيس، قد يعجز ابن حزم ومؤلفه 'طوق الحمامة' عن الإلمام بكل المشاعر الجياشة التي يفرزها هذا الغرام الجماعي.

ولاحظوا معي أن معمر القذافي، في خطبته 'الزنقاوية' ركز بدوره على المنحى الغرامي والعشق، حين اختزل وجود الشعب في محبة الحاكم وقال: 'من لا يحب القذافي لا يستحق أن يعيش'.

لقد مكنت تركيبة حزب البعث ومجالات تحركاته، أمنيا، وولاءاته الموسمية التي لا تفرق بين العدو والصديق، من أن يتمكن النظام من الحصول على حصة الأسد في القرار السوري، الذي رهن حاضر ومستقبل المواطن السوري المعروف بشهامته وعمق حسه الحضاري، وميل شبابه للتحصيل والمعرفة والذوق الرفيع، لكن حصة الأسد كانت أكبر من أن تحتضن تطلعات الشعب في الحرية والانعتاق، في محيط عربي تهاوت فيه قلاع الاستبداد، الواحدة بعد الأخرى، فيما يرتكب الأسد الخطأ والخطيئة الأخيرة، حين يعتقد بأن حزب البعث سيحكم إلى يوم البعث.

==================

علويون حاكمون، علويون ضحايا

أمجد ناصر

2011-04-27

القدس العربي

 طرحت انتفاضة الحرية في سورية مسألة الطوائف في هذا البلد العربي المركزي. وتلك مسألة مسكوت عنها في سورية بالقوة أو بالتعالي. وعندما نقول بالقوة نقصد المظهر العلماني للنظام الذي يصهر مكونات الشعب السوري (أو يحاول ذلك) في بوتقة حزب البعث العربي الاشتراكي ذي المرجعية الفكرية القومية فلا مجال، والحال، لما هو أدنى من تلك الرابطة الفوقية، أما التعالي فنقصد به صرف النظر، بحسن نية وطنية، عن وجود هذه 'المسألة' في الحياة السورية باعتبارها تكريساً لفرقة وانقسام لا يخدمان المشروع الوطني السوري في هذه اللحظة بالذات. الشق الأول للمسكوت عنه حرصت عليه السلطة الحاكمة المتهمة، من قبل كثيرين، بتحدّر نواتها الصلبة من الطائفة العلوية، أما الشق الثاني فنقع عليه في خطاب المعارضة السورية بمختلف أطيافها تقريباً. هناك حذر من الحديث عن الطوائف والمذاهب في الواقع السوري لتفادي نقطة حرجة ينزلق حولها النقاش السياسي: هل الحكم في سورية طائفي أم لا؟ وبوضوح أكثر: هل نظام الحكم في سورية علوي؟

هذا السؤال ليس جديداً في أدبيات المعارضة السورية سواء ذات المرجعيات الماركسية أم تلك التي تدور في فلك مرجعيات قومية ودينية.

مضى وقت طويل لم أتابع فيه 'أدبيات' المعارضة الماركسية السورية، ولكني أتذكر نقاشات جرت في منتصف السبعينات حتى أواخرها، انخرطت فيها شخصياً، حاولت أن تشخص 'التركيب الطبقي' للنظام السوري من منظور ماركسي جديد. ما أتذكره أن تلك النقاشات لم تر في التركيبة الطبقية للنظام السوري بعداً طائفياً، أو لم تر في الطائفية أحد مكوّناته البنيوية، بقدر ما رأت أن النظام في سورية يقوم على تحالف طبقي بين العسكر والبيروقراطية الحكومية من جهة والبرجوازية السورية من جهة أخرى. قد تظهر بين فئة عسكر السلطة وأمنها وجوه من الطائفة العلوية ولكن البرجوازية السورية بدت ذات طابع سني. أي باختصار معظم وجوه العسكر والأمن من الطائفة العلوية بينما تكاد تنحصر الطبقة البرجوازية في تجار دمشق وحلب. هذا هو حلف النظام. أما حلف معارضيه، أو بتعبير 'ماركسي' أدق، أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة، فهم العمال والفلاحون الذين يتوزعون على سائر الطيف الطائفي ويشكلون الكتلة البشرية التي ستقوم على أكتافها الثورة الشعبية ضد النظام الذي يتلطى وراء شعارات الحرية والاشتراكية غير الجذرية.

هذا استدعاء من الذاكرة. وقد لا يكون تلخيصي لتلك النقاشات دقيقاً. والدقة هنا ليست مهمة، لأنني لست بصدد استعراض مفاهيم القوى الماركسية السورية للتركيب الطبقي للنظام بقدر ما أنا بصدد التوقف أمام مسألة الطائفية في سورية التي أعادت الانتفاضة الشعبية السورية طرحها من غير زاوية.

الغريب أن أول من طرح هذه النقطة هو النظام نفسه بل الرئيس بشار الأسد شخصياً. لنتذكر خطابه في 'مجلس الشعب'. فقد وردت مفردة 'الفتنة'، حسب من أحصوها، سبع عشرة مرة! بدا الأمر كأن من يتحدث الى شعبه ليس رئيس الجمهورية العربية السورية التي يعلو مؤسساتها شعار حزب البعث الشهير: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، بل رئيس الجمهورية اللبنانية الذي تتكون بلاده، رسمياً، من ثماني عشرة طائفة. أن تتردد مفردة 'الفتنة' سبع عشرة مرة في خطاب قصير (قياسا بخطابات بشار الأسد الماراثونية) فهذا يعني شيئا. كانت كلمة 'فتنة' التي نطقها الرئيس السوري في مجلس 'شعبه' ايذانا بانطلاق حملة تحذير شاملة واصلها بعده 'المحللون' السياسيون السوريون الذين استضافتهم الفضائيات العربية للتعليق على ما يجري في البلاد ولا تزال.

فجأة تتكشف هشاشة النظام السوري.

فجأة يفقد مناعته الوطنية والقومية ولا يجد سوى 'الفتنة' للتلويح بها. ولكن ما هي هذه الفتنة التي يجري الحديث عنها كأنها شأن ميتافيزيقي غامض؟

إنها الطائفية. وتحديداً التخوف من صراع سني علوي.

' ' '

سأترك أمر 'الفتنة' التي لا تدرج الاّ على ألسن المتكلمين باسم النظام، مؤقتاً، وأذهب الى الفن والأدب. كان موضوع الطائفية من التابوهات في سورية. تابو في الحياة السياسية كما هو تابو في الكتابة والفنون. الذين كسروا هذا التابو، من زاوية وطنية نقدية، هم فنانون وكتاب سوريون يتحدَرون من عائلات علوية. قد يكون فيلم 'نجوم النهار' لأسامة محمد أول عمل سينمائي، بل فني، سوري يجرؤ على الدخول في تلك المنطقة المحاطة بالظلال السميكة. واسامة محمد، لمن لا يعرفه، هو واحد من السينمائيين السوريين الطليعيين (رغم ضآلة انتاجه)، كما انه يحسب على صفوف المنتقدين للوضع السياسي السائد في بلاده. انه، بحسب التعريفات الدارجة، وطني تقدمي ذو نزعة نقدية جذرية. في فيلمه 'نجوم النهار' قدم لنا اسامة محمد مصائر عائلة علوية. ليست هناك تسمية لطائفة تلك العائلة. غير ان لهجتها والمنطقة التي تنتمي اليها تؤكدان هذا الانتماء.

كنت شاهدت فيلم أسامة محمد على شريط فيديو في لندن عام 1989 وكتبت عنه في الأعداد الاولى لصحيفة 'القدس العربي'. جمعتني باسامة محمد اكثر من مناسبة بعد ذلك، منها زيارة قام بها الى مقر الصحيفة في لندن بعد مقالي بفترة قصيرة. أعود الى ذاكرتي مرة أخرى لأقول إنني رأيت في فيلمه تعرية للنظام وتسمية لما لم يستطع غيره، حتى ذلك الوقت، تسميته.

فاذا اعتبرنا ان اسامة محمد لم يكن يتحدث فعلاً عن تلك العائلة العلوية التي غادر بعض افرادها الى العاصمة وانخرطوا في مؤسساتها العسكرية والامنية وشبكات فسادها الاقتصادية، فإننا أمام صورة رمزية للنظام نفسه وليس لتلك العائلة المحددة. من الصعب ان نتصور ان اسامة محمد قدم لنا صورة عائلة عادية. انها في كل حال، لا تبدو كذلك. الأرجح أنه قدَّم صورة للنظام من خلال الأخ الأكبر 'خليل' وسائر أفراد العائلة. وفي فيلمه هذا الذي لم يعرض حسب علمي، في سورية منذ ذلك الوقت، نحن امام رموز للنظام الحاكم: الأخ الكبير المسيطر على العائلة، التنصت على مكالمات الناس، دولاب التعذيب المعلق امام البيت، النظارات الشمسية التي يرتديها أفراد العائلة (كناية عن رجال الأمن).

ماذا أراد أسامة محمد ان يقول لنا في هذا الفيلم الذي لا يخلو عنوانه 'نجوم النهار' من دلالة خاصة (لعب على مقولة 'نجوم الظهر')؟

أظن أنه أراد أن يتحدث عن القاعدة الاجتماعية للنظام الحاكم في سورية بعيداً عن كليشيهات الوحدة والحرية والاشتراكية والقومية العربية التي يتستر خلفها نظام الأسد، كما تستر خلفها نظام صدام حسين. ولكنها قاعدة اجتماعية مغلوب على أمرها. فالشخصيات الايجابية في الفيلم هي النساء (الأخت)، الجد الطيب ولكن طريح الفراش، الأخ الأطرش الذي كان يتعرض للضرب من قبل الأب. واضح لنا ان أسامة محمد أراد منذ عام 1988، أن يقول إن تلك العائلة ليست منخرطة، كلها، في مفاسد الأخ الأكبر بل إن هناك ضحايا له بين صفوف العائلة (الأخت، مثلاً).

ومن فيلم أسامة محمد سأنتقل الى رواية سمر يزبك 'لها مرايا' الصادرة العام الماضي عن دار الآداب في بيروت. هنا تدخل الكاتبة السورية الجريئة في الظلال السميكة لنظام الحكم من خلال قصة فتاة تدعى 'ليلى' تخرج من السجن في اللحظة التي تشيع فيها سورية جثمان الرئيس السابق حافظ الأسد. هناك مشهدان افتتاحيان للرواية. الاول لرجل الأمن سعيد ناصر الذي يشاهد جنازة رئيسه ورمزه الأكبر تتهادى بين جموع المشيعين وهو ليس بينهم. الثاني لليلى وهي تخرج من السجن أشبه بحطام انسان. من هذين المشهدين تتداعى سائر أحداث الرواية. رجل الأمن هو عشيق ليلى. وليلى الخارجة من السجن هي ضحية عشيقها الذي قدمها على مذبح السلطة بعد أن يئس من ترويضها. في الرواية شخصيات أخرى: شقيق ليلى المعارض بقوة للنظام والذي يتعرض للتعذيب على يد عشيق أخته، الجد وهو رمز النقاء والحكمة الذي يعتزل الناس ليخلو الى كتبه ونفسه وتأملاته.

أختزل شخصيات واحداث رواية سمر يزبك وأنا مدرك لما يلحق بها من إخلال أدبي. ولتعذرني الكاتبة لأن الرواية، بحد ذاتها، ليست، هنا، سوى 'شاهد' مماثل لفيلم أسامة محمد 'نجوم النهار'. نفهم من الرواية، التي تغوص طويلا في تاريخ العلويين والمذابح التي تعرضوا لها على يد السلطنة العثمانية، على نحو أوضح مما لدى أسامة محمد، أننا حيال سلطة لا تأبه للأصل والمنبت حتى لو كان المنبت نفسه الذي تتحدر منه نواتها الصلبة. بل يبدو لنا أن معارضة العلوي للسلطة تلقى عقابا أشد من غيرها وتعامل على أنها خيانة. لذلك نرى أن عشيق ليلى، رجل الأمن المهم، يضحي بها عندما تهدد موقعه كما نقف على التعذيب الذي يطال شقيق ليلى لمعارضته الشرسة لنظام الحكم.

يتضح من رواية سمر يزبك هذه أن الولاء ليس عائليا أو طائفيا عند نظام حافظ الأسد. لا يكفي ان تكون من العائلة او من الطائفة كي يتأكد ولاؤك بل عليك أن تبدي ولاء شخصيا للرئيس. أي ولاء آخر، بل أي تشكك في هذا الولاء يعرض صاحبه الى النفي والاقصاء كما كاد يحصل مع رجل الأمن سعيد ناصر (عشيق ليلى) عندما تردد في حسم ولائه للرئيس حافظ الأسد بعد انقلاب السبعين.

ماذا تريد ان تقول سمر يزبك في هذه الرواية؟

أظن أنها تريد أن تقول، بوضوح، إنه إذا كانت النواة الصلبة للسلطة الحاكمة ذات منبت علوي فإن بعض معارضيها هم أيضا علويون. كما لا يكفي أن يكون المرء علويا كي يجد موطىء قدم تلقائيا له في ركاب السلطة.

' ' '

ليس هذا جديدا بالنسبة لي. أنا شخصيا أعرف عددا كبيرا من المعارضين السوريين المنحدرين من جذور علوية زجوا سنين طويلة في السجون وتعرضوا لتعذيب وحشي على أيدي سجانيهم. أعرف هذا مثلما يعرفه كثير من السوريين. الجديد في الأمر هو تلويح السلطة بورقة 'الفتنة' (أي الطائفية) وتخويف السوريين من بعضهم بعضا.

لكن السوريين الذين يخرجون في تظاهرات الاحتجاج ضد نظام الحكم أبدوا وعيا وحرصا على مكونات مجتمعهم اكثر مما ابداه النظام، وما الشعارات التي تنص، بل تشدد، على الوحدة الوطنية إلا الدليل القاطع على ذلك.

===================

الدبابات السورية في درعا

رأي القدس

2011-04-27

القدس العربي

 دخول الدبابات والمدرعات الى مدينة درعا ومحاصرتها لمدينة بانياس، واجراء حملة واسعة من الاعتقالات غير القانونية، كلها خطوات قد تؤدي الى اخماد الاحتجاجات بالقوة، وتقليص حدتها، ولكنها بالقطع لن توقفها بشكل نهائي، طالما ان الاسباب التي ادت الى اشتعالها ما زالت قائمة.

الاعلام الرسمي السوري بدأ يتحدث عن حدوث اخطاء، وقمع للحريات، وتجاوزات من قبل اجهزة امنية، وهذا امر جيد، ولكنه يتحدث في الوقت نفسه عن 'مندسين' وعن 'امارة اسلامية'، ومؤامرات خارجية، وهو نهج ينطوي على تناقض واضح لا يمكن تجاهله.

الشعب السوري في جميع احتجاجاته اظهر حرصاً غير مسبوق على وحدته الوطنية ومعارضته لكل اشكال الطائفية، ووقف صفاً واحداً خلف مطالبه المشروعة في الاصلاح الجذري الشامل، ولذلك فإن اي محاولة لالقاء تبعة تحركه هذا على جماعات اسلامية متطرفة، او مؤامرة خارجية، محكوم عليها بالفشل التام.

المندسون الحقيقيون هم اولئك الوحوش في الاجهزة الامنية السورية، الذين اطلقوا النار بهدف القتل، واظهروا تعطشاً لسفك دماء ابناء شعبهم، وقد شاهدناهم وهم يجهزون على الجرحى، او يتركونهم ينزفون حتى الموت. هؤلاء الذين يجب ان يحاكموا على جرائمهم البشعة هذه.

لا أحد يريد الدمار لسورية، ولا يوجد سوري عاقل يتطلع الى فتنة طائفية في بلاده، لان حمامات الدماء التي ستترتب على هذه الفتنة في حال اندلاعها، سواء لحماقة اجهزة امنية متغولة حاقدة، او بعض الجهات الخارجية التي تريد خطف الثورة وتوجيهها لاهداف في غير مصلحة البلاد وشعبها، هذه الحمامات الدموية قد تستمر في النزيف لسنوات او حتى لعقود.

سيف الظلم الذي يطالب السوريون برفعه عن رقابهم لا يقتصر على طائفة دون اخرى، وانما هو القاسم المشترك لكل ابناء الطوائف، وكل فئات الشعب، وكل الاديان والقوميات في البلاد، ولذلك لا نعتقد ان الاحتجاجات ستتوقف طالما ظل مسلطاً على رقاب العباد.

الشعب السوري عانى طويلاً من القمع والفساد والذل وغياب الحريات، وسلب الكرامة، وتوحش الاجهزة الامنية، وكان من الطبيعي ان ينفجر بركان غضبه بالصورة التي شاهدناها بأم اعيننا في درعا وحمص واللاذقية ودوما ومعظم المدن السورية.

مازلنا نقول ان هناك فرصة للاصلاح الحقيقي والجدي، اذا صدقت النوايا، وانتصر العقل والحكمة، فما كان يصلح قبل اربعين عاماً لم يعد يصلح اليوم، ونحن نتحدث هنا عن الحلول الامنية القمعية، لان الشعب السوري تحرر من عقدة الخوف الى غير رجعة.

نتطلع الى مصالحة وطنية، تحقن دماء الشعب السوري، شريطة ان تأتي بعد التجاوب مع مطالب هذا الشعب الصابر والوطني، في العدالة والحرية والمساواة وحكم القانون، الرشيد من خلال مؤسسات منتخبة، وطالما لم يتحقق ذلك، فإننا مقدمون على سيناريوهات مرعبة لسورية وشعبها الطيب. فالطريق الأقصر والاسرع لمواجهة المؤامرات الخارجية هو الاصلاح والاستماع الى انين الشهداء قبل انتقالهم الى العالم الآخر سعياً للوصول اليه.

====================================

نقاش على هامش الحراك السياسي في سورية

الخميس, 28 أبريل 2011

بشير عيسى *

الحياة

أسئلة كثيرة تدور وتُطرح للنقاش تسبق كل نزول إلى الشارع، فيما المؤشر ينوس بين اتجاهين، الأول متخوف، والثاني أكثر من متفائل.

فبينما يرى المتخوفون في السياسة المتَّبَعةِ مكيافيليةً موفَّقة إلى حدٍّ ما، تطيل من وجود النظام وعمره، وتبقيه متحكماً، لا سيما بعد مجاراته لدور بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط، والتي يريد من خلالها نافذة إلى المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة، للإبقاء على أمن المنطقة واستقرارها، وكي لا يحرج هذه الأطراف ومعها بعض المكونات الداخلية، فقد بدأ أولى خطواته الإصلاحية، رغبةً منه في كسب تأييدهم، كما أنها تأتي في سياق ترميم شرعيته المتآكلة، مستفيداً في الوقت ذاته من تراخي قبضة التحالف الدولي، بعد التبدل الذي طرأ على المشهد الليبي، حيث بدا هذا الأخير وكأنه يخدم هذه النظم، فالنظام يملك من الدهاء والحنكة السياسية مع الكثير من الأوراق الضاغطة في المنطقة، تمكِّنه من أن يكون لاعباً ليس بالضعيف ومتقدماً على النظام في طرابلس، الشيء الذي يزيد الأمور تعقيداً.

يبقى ان المشهد في الداخل السوري لا يبعث على الارتياح، إذ يرى الكثيرون أنه ما لم تتحرك دمشق وحلب ستبقى الاحتجاجات في الريف كجزر يسهل عزلها وتطويقها من خلال الجيش والأجهزة الأمنية الموالية بشكل كامل للنظام، وأن ما قدمته وتقدمه درعا هو أكثر من شرارة، فيما الإصلاح السياسي والاقتصادي على أرضية الاستقرار الأمني هو جُلُّ ما تريده دمشق وحلب.

يبقى ان الجهد الذي قام به النظام، بتأييد ودعم من الأتراك، بمنح الجنسية لحوالى نصف مليون كردي مقيم في سورية، قد خفف من نزق العصب الكردي ولو قليلاً، فالتظاهرات التي خرجت في الحسكة والقامشلي وعامودا يمكن فهمها على أنها تضامن مع الشعب السوري وإبقاء خطوط رجعة في حال سقوط الحكم في دمشق. فالكرد لو كانوا جادين حتى النهاية، لتحركوا بشكل يستطيعون من خلاله إرباك النظام في حلب ودمشق، مرجِّحين الكفة لجهة المعارضة، إذ ربما ينتظر الأكراد، شأنهم شأن الكثيرين، تحركَ العاصمة، حيث مازال لدى بعضهم عتب على باقي الشعب السوري الذي لم ينصرهم حين تحركوا عام 2004.

كما يعزز من المخاوف، تقديمُ التنازلات لصالح التيار السلفي الذي يمثل البوطي أحد رموزه، وذلك بإقرار عودة المنقبات، وإحداث فضائية دينية، إضافة إلى مطالبة بعض المناطق بفصل التلاميذ الذكور عن الإناث في المدارس الابتدائية. هذا التراجع عن «علمانية النظام» يؤكد هواجس المتخوفين من أن النواة الصلبة في الحراك السياسي ذات طبيعة إسلامية راديكالية من جهة، وعشائرية من جهة أُخرى، لا تخدم المنحى الوطني الذي يُراهَن عليه، حيث القوى التنويرية لا تمثل أيَّ ثقل حقيقي في الشارع الذي تجاريه، وهو ما يحيلنا إلى الثورة الإيرانية، فبعد أن استقر لها الحكم انقلبت على القوى اليسارية والليبرالية كتطهير للثورة والمجتمع. ولعل ما جاء على لسان المجلس العسكري في مصر مؤخراً، بأن الجيش لن يسمح بخميني آخر في مصر، يحمل الكثير من الدلالات والمخاوف إلى ما ستؤول إليه الأحوال في مصر بعد الثورة، وذلك على خلفية الحضور الطاغي للإسلام السياسي والسلفي.

فهل تكفي الشعارات المرفوعة لجعل الثورة كقوة تغيير إلى الأمام تمنع نكوصها في ما بعد؟ أمام هذا المشهد الذي تتخوف منه الأقليات، تتمسك هذه الأخيرة بنظام مستقر يقوم على إعطاء فرصة للقيام بإصلاحات تجنِّب البلد خضات وصراعات قد تفضي إلى حرب أهلية، نظراً لإصرار النظام على تمسكه بالسلطة حتى النهاية.

ضمن هذا الواقع المعقد يتحرك الشباب والمثقفون، مدركين أن عليهم أعباء إضافية تفرضها خصوصية المجتمع السوري، المشكَّل من فسيفساء تستوجب قوى خارقة للحفاظ على نسيجه الوطني من التهتك، فهل تكفي الحماسة الوطنية للحؤول دون السقوط في مطب النزاعات والانقسامات العمودية التي يراهن عليها النظام؟ فالشارع على قناعة، بخلاف المعارضة، أن إمكانية حدوث انقسام حقيقي في المؤسسة العسكرية أقرب إلى المحال، لذلك ينصبّ الرهان عند المتحمسين على استمرار الزخم كي تصل الشرارة إلى العاصمة، فإن انطفأت سيكون بمثابة قطع الهواء عن القلة التي تحاول أن تفعل شيئاً بداخلها.

معلومٌ أن العواصم هي الحصون الأقوى التي تقف عليها الأنظمة، ففي السودان لم يستطع جنوبه ومعه إقليم دارفور، اللذين ارتكب فيهما نظام البشير جرائم ضد الإنسانية، من زعزعته، لأن الخرطوم لم تقف في وجهه. أما في اليمن، فحرب مع الجنوب وستة أُخرى مع الحوثيين في الشمال، لم تخلخل أركان النظام، إلا بعد أن تحركت عليه العاصمة صنعاء، بينما في ليبيا يبقى القذافي محصناً إلى أجل، ما بقيت طرابلس في قبضته. في سورية تحركت حماه في الثمانينات، ثم تحرك الكرد في الشمال ولم ينكسر النظام، لأن العاصمة بالمعظم وقفت إلى جانبه. فهل يعيد التاريخ ذاته؟ أم أن حراك الشارع الذي يعيد تشكيل المشهد السوري هو من سيقول الكلمة الفصل؟

* كاتب سوري

==================

سورية: الشعب تجاوز حاجز الخوف

الخميس, 28 أبريل 2011

شفيق ناظم الغبرا *

الحياة

التغيير في سورية واقع لا محالة، فمقتل ثمانين شاباً سورياً في يوم واحد الاسبوعَ الماضي، واقتحام درعا ومناطق اخرى بواسطة الدبابات هذا الأسبوع، مع استمرار سيل القتلى، يؤكد أن النظام السوري يواجه مستقبلاً صعباً. الأخطر أن الحكم زجَّ الجيش السوري (جيش حرب تشرين) في معركة ليست معركته. إن دخول الجيش بهذه الطريقة سيستنزفه، ويمكن أن يهدد بانقسامه، خاصة عندما تتحرك بقية المدن ولا يعود الجيش قادراً على تغطية المساحات الكبيرة لملايين السوريين. هذه مواجهة مع الشعب وليست مع جماعة. إن انتشار حالة الموت في سورية حوَّل الاحتجاج على تعذيب أطفال قاصرين في درعا كتبوا شعارات ضد النظام، الى ثورة هدفها الديموقراطية والحرية وإسقاط النظام. الواضح الآن هو سوء تعامل النظام السوري مع الأزمة.

إن استمرار حكم الطوارئ في سورية على مدى ثمانية وأربعين عاماً، رغم الإلغاء الاسمي مؤخراً، دليل واضح على فشل الإصلاحات التي وعد بها الرئيس بشار الاسد الشعبَ السوري عندما استلم الحكم من الرئيس حافظ الاسد عام ٢٠٠٠. وأمام هذا الفشل، اتجه النظام بعد التوريث الأول والأخير في الجمهوريات العربية نحو القمع والحلول الأمنية. وكلما اعتمدت الدولة على الحلول الامنية، اقترن ذلك بتراجع شرعيتها وفشل اجهزتها المدنية في تحقيق طموحات المجتمع. ولو قارنّا بين سورية ومصر قبل الثورة، فمن الواضح ان مصر سمحت بحرية تعبير هدفها الامتصاص في ظل حكم الطوارئ، اما في سورية، فالتعبير ممنوع الا اذا كان دعماً للنظام. الواضح ان حالة العداء بين الشعب ونظام الحكم أكثر عمقاً في سورية مما كانت في مصر، فالنظام يشك في الشعب ويشعر بالعداء والتناقض تجاهه، وهذا واضح من خلال التعامل مع أحداث درعا والحدث السوري الأوسع.

وفي سورية، نجد ان السلطة تركزت منذ مجيء الرئيس السابق حافظ الاسد عام ١٩٧٠، بيد فئة صغيرة تفرض نفسها بمركزية شديدة على الحياة السياسية وعلى المجتمع. ويمكن القول إن المجتمع السوري قَبِلَ وضْعَ الامن والاستقرار اولاً، وذلك بعد فترات من غياب الامن وكثرة الانقلابات في سورية، كما نجح النظام في خلق حالة خوف في صفوف الناس من إظهار أي معارضة بعد مجرزة حماه الشهيرة عام ١٩٨٢، والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى.

إن الحزب الذي قفز الى السلطة في سورية عام ١٩٦٣، والذي بدأت معه إعلانات الطوارئ، لم يُجرِ أيَّ مراجعة جادة على مدى العقود، ولم يفكر حزب البعث جدياً بما وقع لأحزاب شبيهة بحزبه في اوروبا الشرقية، كما أنه لم يتعظ بما حصل للرئيس العراقي السابق صدام حسين عام ٢٠٠٣. وهكذا، تحول حزب البعث الى حزب مفرغ من مضمونه التاريخي، بينما سيطرت اجهزة الامن على البلاد.

لكن الإستراتيجية السورية امتلكت عناصر ذكية، إذ ركزت على الخارج، فسورية تؤثر في كل من لبنان والعراق وإيران والفلسطينيين، وتتحكم بالكثير من الموازين العربية. وبينما شكل هذا التأثير نسبةً من الحماية للنظام، إلا ان هذه الحماية لا قيمة لها في هذه المرحلة، إذ إن الأساس الآن ليس للتوازن الإقليمي، بل للعلاقة بين الشعب والنظام.

والمجتمعات لا تتقبل الإجراءات الاستثنائية والطوارئ وحالة الرعب عقداً وراء عقد، وخصوصاً أنها تتحول الى غطاء للفساد واحتقار المواطن وتدمير حياته. وفي سورية، أُقصيت السلطة القضائية عن مهامها، وحتى السلطة التشريعية ذات الطابع الشكلي تم التلاعب بها وتعيين أعضائها، وهذا يفسر كيف تحولت السلطة التشريعية في سورية الى التبعية الشاملة لمركز السلطة.

وقد اكتشف الرئيس بشار مبكراً، ان الإصلاح سوف يعني انهيار النظام الذي ورثه، كما اكتشف ان الحاكم الحقيقي هو الاجهزة الامنية، وهكذا وجد نفسه مضطراً للدخول في اللعبة السياسية كما وجدها، لا كما أرادها. النظام السوري، كما تبين للرئيس بشار وكما هو واضح لمن يراقب الوضع من خارج النظام، هو أحد أقل الأنظمة العربية قابلية للإصلاح.

إن عدم قدرة النظام في سورية على الإصلاح بينما تقع تغيرات في المجتمع السوري الشاب في مجال التكنولوجيا والمعرفة والتواصل وطرق التفكير والطموحات والآمال والوعي السياسي والاجتماعي، في ظل الفقر والتهميش وفقدان الحقوق، هو الذي فجَّرَ التناقض في سورية بين القديم والجديد، وعندما ينفجر التناقض الكبير بين النظام السياسي وأسلوب عمله واحتكاره للاقتصاد وفساده من جهة، وبين الأغلبية الشعبية من جهة اخرى، فإنه يصعب أن لا يتعرض النظام للاهتزاز.

الشعب في سورية يريد تغييراً جوهرياً في ميزان القوى بينه وبين النظام، بحيث يفقد حزب البعث تحكّمه بالبلاد، وبحيث تصبح الحياة السياسية متعددة وحرة. وهذا يعني بالممارسة تفكيك الأجهزة الأمنية التي تلاحق المواطن، ومحاكمة كل من أطلق النار على المتظاهرين، وتحويل المرجعية السياسية في سورية إلى الشعب وليس إلى النظام أو الرئيس أو الحزب. وبما ان النظام اختار المواجهة الشاملة، كما بيّنت تطورات الايام الاخيرة، فمن الواضح ان اسقاط النظام اصبح مطلبَ المتظاهرين في الأسابيع والشهور القليلة القادمة.

وبإمكان الرئيس بشار الاسد، بما تبقّى له من تأثير في نظام يتداعى، أن يدخل في حوار جادٍّ مع مجتمعه حول المرحلة القادمة. هذه فرصة اخيرة، وهي لا تزال سانحة، وقد حصل هذا سابقاً في أميركا اللاتينية في الثمانينات، ووقعت حالاتُ تغيُّر شامل بلا انتقام وبلا محاكمات، وفي ظل اتفاقات حضارية بين المعارضة والحكم، بل إن جنوب افريقيا مثَّلت نموذجاً متقدماً لانتقال السلطة بلا انتقام بين الأغلبية السوداء والأقلية البيضاء الحاكمة. هذا التحول يصلح لسورية الآن، بين الأقلية المتمترسة والأغلبية الثائرة. لا بد من اكتشاف طريق مختلف للتعامل مع مطالب الشعب، غير إطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين. إن رؤية شبان سورية يُقتلون لمجرد سعيهم لنيل حقوقٍ تمثِّل الحدَّ الادنى للشباب وللمجتمعات في بلاد العالم كلها، لَيثير الاشمئزاز حقّاً، ويطرح التساؤل عن هؤلاء الذين يأمرون بقتل أبناء شعبهم.

من الواضح من المقدمات، أن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري قبل تحقيق الحرية سيكون كبيراً، لكن القوة التي يستخدمها النظام لن تعيد التاريخ الى الوراء، بل ستجعل الثمن أكبر لكل الفرقاء، بما فيهم فرقاء النظام ومَن يؤيِّدهم من الاجهزة، فقد تجاوزت الشعوب العربية، كما الشعب السوري، حاجزَ الخوف. إن مزيداً من القتل لا معنى له، فالصندوق الذي حبست الانظمةُ فيه الشعوبَ لم يعد يتسع لها. ليت النظام السوري يغيِّر سلوكه تجاه المتظاهرين وتجاه التغيير السلمي وتجاه استخدام القوة، ويسعى بالتالي نحو حل سياسي يسمح بحل مشرِّف يحاكي سلمية الشعب السوري وسلمية تحركه المستحَق نحو الكرامة الإنسانية والحرية.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

===================

سورية.. إلى متى الصمت الدولي؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

28-4-2011

أخرج نظام مبارك جماله وبغاله لتهاجم المحتجين في ميدان التحرير بالقاهرة فهب العالم أجمع مطالبا النظام بالرحيل، من واشنطن إلى لندن، مرورا بباريس، وحتى أنقرة، الجميع قالوا لنظام مبارك ارحل، بينما يرسل النظام السوري جيشه ومدرعاته لقمع مواطنين عزل ولا نسمع من المجتمع الدولي ما يستحق حتى التوقف عنده!

بكل تأكيد، إننا اليوم شهود على نفاق المجتمع الدولي، لكن السؤال هو: إلى متى سيستمر الصمت الدولي حول ما يحدث بحق العزل السوريين؟ الواضح، وللأسف، أن المجتمع الدولي بانتظار يوم غد الجمعة، ففي حال خرجت المدن السورية مثل الجمعة الماضية، فحينها سيعي المجتمع الدولي أنه لا مناص من الوقوف مع الشعب السوري المنتفض، وإن لم تخرج مظاهرات على غرار الأسبوع الماضي، أو أكثر منه، فلن يتحرك المجتمع الدولي إلا في حال بلغ عدد الضحايا السوريين الألف، أو أكثر، رغم أن عدد القتلى إلى الآن قد شارف على الخمسمائة قتيل، وهذا أمر محزن جدا.

فحديث المجتمع الدولي عن الاستقرار في المنطقة حديث لا يجدي نفعا، فإذا كانت الإدارة الأميركية، ومعها الفرنسيون والبريطانيون، حريصين على استقرار المنطقة برمتها كما يقولون، فإن عليهم أن يجدوا حلا للصراع العربي الإسرائيلي. والحلول كثيرة، لكنها تتطلب قيادات سياسية جادة، وهذا ما لم تظهره إدارة أوباما حتى الآن. ولو كان الغرب حريصا على استقرار المنطقة لما كان قد مارس تلك الضغوط الرهيبة على نظام مبارك ليرحل «الآن» كما قال الأميركيون، بينما يلتزمون صمتا مريبا مع ما يحدث في سورية. ولذا فالواضح اليوم هو أن الغرب حريص على حماية الحدود الإسرائيلية الآمنة مع سورية منذ السبعينات، وهذا ما يقصده الغرب عندما يتحدث عن الاستقرار.

فبينما درعا ودوما وبانياس، وغيرها، مقطوعة عن العالم، والأخبار والصور شحيحة، ولليوم الثالث على التوالي، حيث يمنع الإعلام من التغطية، علما بأنه حتى في مناطق الحروب الملتهبة يسمح للإعلام بالتواجد، إلا أنه في الحالة السورية شبه مستحيل، فإننا مع كل ذلك نجد أن المجتمع الدولي في صمت مطبق، وجميع تصريحاته متضاربة، وحمالة أوجه.

ولذا فإن الواضح أن الغرب بات أمام خيارين؛ فإما جمعة ملتهبة غدا على غرار الجمعة الماضية تخرج فيها المظاهرات في مدن سورية كثيرة، وحينها يعرف الغرب أن القمع لم يخمد الانتفاضة السورية، خصوصا أن تكرار مظاهرات الجمعة الماضية سيجعل من الصعب على النظام السوري نشر جيشه في كل المدن والقرى السورية المتظاهرة. وبالتالي، سيصعد حينها المجتمع الدولي ضد النظام.. أو أن المجتمع الدولي سيلتزم الصمت إلا في حال وصلت أرقام الضحايا إلى الألف قتيل أو أكثر، للأسف.

من دون شك، إن ما يحدث بحق العزل في سورية أمر يدمي القلب، لكن غدا الجمعة سيكون يوم حسم، أو سيساعد على وضوح المشهد الحقيقي في سورية. فما إن يفرغ المصلون من صلاة الجمعة، إلا وسنعلم إلى أي اتجاه سيذهب السوريون، وكيف سيتعامل المجتمع الدولي مع أحداث سورية.

========================

موت خارج التغطية!

من وحي الحالة السورية

نادر رنتيسي

nader.rantisi@alghad.jo

صحيفة الغد الاردنية

تاريخ النشر 28/04/2011

قديماً لم يَكُنْ موتي لائقاً، كان يحدثُ في السرِّ الأعمقِ من بئرٍ مهجورٍة؛ فحينَ يكونُ النهارُ أسود تماما، تبدأ مقدِّماتُ رحيلي، يتواصلُ النزيفُ من مكانٍ حرج، أتحسَّسُ بأصابعَ منزوعة الأظافر أثر السجائر المُطفَأة في عنقي، ويتوقَّفُ شعوري بوجود أطرافي على وَخْزِ الكدماتِ الداكِنَةِ فيها..، في الليل يُقرِّرُ "الجلادُ" السماحَ بمرور الروح إلى السماء، فيَشُقُّ لها منْفَذاً دقيقاً في الرأس بواسطة "الدِّرِل" الصَّدئ!

لا تترَدَّدُ الروحُ في الصعودِ، تهربُ من الجسَدِ المُتْعَب، لا تنتظرُ إكرامي بالدفن وتعرفُ أين سيَنامُ جسدي المثقوب، لكنَّني أموتُ بلا اكتراث؛ لا أتسبَّبُ بحرَجٍ للقاتل، فجثَّتي ستُرْمى في مقبرةٍ جماعيَّةٍ يتمُّ حفرُها قبل صلاة الفجر، في صحراءٍ بعيدةٍ، لا تأتي في منام أمي!

ينتهي وجودي خفيفا، لا يكونُ موتي عبئا على أحد؛ فلا أطبَّاءَ مُضطرُّونَ لتبرير توقُّف النبض، أو شيخا يرعى صعود الروح، ويتأكَّد أنَّ النَّفْسَ "مطمئنَّةٌ" ترجعُ إلى ربِّها "راضِيَةً مَرْضِيَّةً"، ولا مشيِّعونَ يكتمون النشيجَ، ويستعيضون عن الهتاف بحياتي المهدورة، بحوقلة مخنوقة..، هكذا أتلاشى ويتمُّ اختصاري برقم مُرَكَّبٍ يَرِدُ في تقرير بارد ل"منظمة العفو الدولية"!

لم يحدث أنْ متُّ بضجيج أو أثار غيابي فضول الجيران؛ إنْ كانت لي زوجة وأولاد، فأنا مسافرٌ في عمل مُجْدٍ كثيرا، لا يُتيحُ لي العودةَ إلا بعد أنْ أضمنَ حياةً كريمة على خطِّ العيش الرقيق، وإنْ كنتُ عازباً فأنا وَلَدٌ طائشٌ ذهَبَ في رحلةٍ عبثيَّةٍ لصَيْدِ الجَمَالِ، ولم يَعُد، فقد عرَفَ أنَّ حبيبته الاستثنائية بين النساء، صارت زوجَةً اعتياديَّةً، لا تنامُ إلا بعد أن تطمئنَّ على إطفاء الضوء الخارجيِّ للمنزل!

وحده أبي يعرفُ أين ذهبت؛ قال لأمِّي في العتمة: "ابنكِ لن يعود، لقد راحَ يبحثُ عن عَدْل لوطنه؛ ألَمْ تسمعي في الأخبار أنَّ بلادنا نموذج العدالة.. إذن ولدكِ ماتَ، والمذيعةُ قالت ذلك ضمناً، حين نطقَتْ بكلِّ هدوء أنَّ الموتَ سيكونُ بالمرصاد لكلِّ مَنْ لا يُؤْمِنُ ب(الوحيد العادل)"!

عضَّ أبي على ألمه، لم يقل شيئا في جلوسه أمام الدكان، كان يسمعُ خطاب الرئيس الذي يَعِدُ فيه الناسَ بحياة لا مَوْتَ فيها، ويُصفِّقُ مثل المصفقين، ويؤوبُ إلى البيت موارياً دمعه، يخجلُ من صورتي وسط الصالة؛ كلما هَرَب إلى اتجاه أستمرُّ بالنظر إليه ضاحكا، كأنني أقول: "مِتُّ حتى يمكنكم الموت من بعدي، وفق عدالة السماء"!

اليومَ صار موتي متاحا للمشاهدَة، يحدثُ على الملأ، في ساحةٍ عامةٍ، بشكل لائق لا يخدشُ هيبة جسدي؛ يأتي سريعا بواقع رصاصة في الرأس، فتصعدُ روحي مُكلَّلة بالتكبير. أذهبُ مطمئنا، فمجرياتُ رحيلي تمَّ التقاطها بواسطة هاتفٍ محمول، وستبثُّ على رأس نشرات الأخبار، وتُلخَّصُ في ثلاث دقائق على "يوتيوب" مع أغنية حماسية، وقد يتضمَّنُها فيلم وثائقي عن ضحايا "الثورة"!

يمكنني اليوم الموت مرتاحا بما أنَّه يتمُّ ضمن نطاق التغطيةِ، لن يستطيعَ الطبيبُ الكذب في التقرير، وسيحتسبني الشيخُ عند الله شهيدا، ويتحوَّلُ المشيِّعون إلى متظاهرين يُمَوْسقونَ اسمي في هتاف يتوعَّدُ الجناةَ، وهذا ما سيدفعُ النشرة الرسمية لامتصاص غضبهم، فتعلنُ المذيعة عن تحقيق "عادلٍ"!

سيكونُ موتا مشهودا يدفَعُ الرئيسَ للخروج في المساء، يقدِّمُ التعازي لوالدي الذي لن يكونَ مستمعا للخطاب، وسيقولُ إنَّه فهمنا، وأنْ لا رئاسة مدى الحياة؛ وتقتضي العدالة أنْ يرحل، فيخرجُ بوجه أسود إلى الصحراء، وأنا أصيرُ موتا مضيئا على "فيسبوك"!

=====================

مكالمة الطبيبة بدرعا التى اشعلت الثورة في سوريا

ياسر أبوهلالة

نقلا عن موقع وطن

http://www.watan.com

27/4/2011

القصة بدأت بترصد أجهزة الأمن السياسي لمكالمة لطبيبة من درعا مع زميلتها يوم رحيل مبارك، هنأت زميلتها من خربة غزالة برحيل مبارك وعقبت "عقبال عنا"، فاعتقل الأمن السياسي المتحدثتين، خرجت الطبيبة بعد وساطات في اليوم التالي وخرجت زميلتها بعد ساعات. الطبيبة عذبت وحلق شعرها على الصفروأهينت.

ثار أقارب الطبيبة من طلاب المدارس، وكتبوا على الحيطان "الشعب يريد إسقاط النظام"، فما كان من الجهاز الساهر على أمن الوطن إلا ان اعتقل الأطفال. وفي سورية، لا يجوز سؤال الأمن عمّن عنده. وعندما طال الاعتقال، توجه وفد من الوجهاء لسؤال مدير الأمن السياسي عن الأولاد، فكان جوابه "اليوم أخذنا أولادكم، إن سألتم ثانية أخذنا نساءكم"! ثارت الثائرة ولجؤوا إلى المحافظ فيصل كلثوم، وهو من الجلاوزة الذين حصلوا على مسدس "شرف البعث" في تكريم حافظ الأسد لمن أبلوا في أحداث حماة. فأهانهم وردوا عليه بضربه بعد صلاة الجمعة، فما كان من حرسه إلا أن قتلوا اثنين، ثم قُتل آخران متأثرين بجراحهما. بعدها اعتصموا في الجامع العمري واقتحم الجامع وامتدت المجزرة زمانا ومكانا. فالقضية ليست عاطف نجيب ولا فيصل كلثوم إنه سلوك يومي لنظام بدائي.

إن أطفال درعا ونساءها هم الرجال الذين هزوا نظام الفساد والإفساد، وجبن النظام المعهود في الجولان ولبنان بانتظار الرد في" التوقيت المناسب" منذ أربعين عاما، لا نلمسه في الصبر على أبناء الشعب أربعين يوما. وقد كانت مطالبة الناس إقالة فيصل كلثوم وعاطف نجيب ، أما اليوم فالمطالب هي المطالب الحقيقية: إقالة النظام كله! فهو غير قابل للاستمرار".

ويعتبر الكاتب أن "الشعبين التونسي والمصري قد يفكران بالاعتذار من بن علي ومبارك، فهما وأجهزتهما الأمنية رحيمان بشعبيهما مقارنة بالشبيحة وأجهزة الأمن السورية. حتى كتائب القذافي بالنهاية في جلها مرتزقة تعمل بالمياومة، ولم تحمل السلاح إلا بعد أن تمردت القوات المسلحة.

في سورية لم يعرف التاريخ العربي أبشع من هذا النظام، وكأن عمر أبوريشة كان يعنيه في قصيدته الشهيرة بعد حرب 48 "عجزت أرحام أن تلد مجرما في قبح هذا المجرم".

 

إن درعا لا تعيش الفصل الأخير بدخول الدبابات، ستعيش الفصل الأخير عندما يخرج شعبها مبتهجا أمام المسجد العمري محتفلا برحيل النظام، ولن يكون ذلك بعيدا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ