ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
هدير الدبابات مؤشر على
نهاية الأسد ديفيد جاردنر 3-5-2011 باستخدامه الدبابات لسحق المتظاهرين
المدنيين العزل هذا الأسبوع، انطلق
النظام الاستبدادي المحاصَر للرئيس
السوري بشار الأسد في طريق اللاعودة.
ومن الواضح أن نظامه الذي ورثه عام 2000
من والده حافظ الأسد، الذي استولى على
السلطة في انقلاب عام 1970، يعتقد أن
القوة الساحقة ستقضي على الصيحة
المطالبة بالإصلاح، التي ارتقت لتصبح
صرخة مدوية مطالبة بالحرية. وبقتل أكثر
من 400 سوري بالرصاص في الشوارع على مدى
الشهر الماضي واقتياد مئات آخرين إلى
أقبية المخابرات، المبثوثة عيونها في
كل مكان في سورية، أصبح هذا الصراع
مسألة حياة أو موت. حتى الأسبوع الماضي، كان هناك جدال حول ما
إذا كانت هذه الدكتاتورية المتوارثة
ستستجيب للاضطرابات الأوسع نطاقا التي
واجهتها، عن طريق إجراء التغيير الذي
يطالب به مواطنوها: تفكيك الدولة
البوليسية وإنهاء احتكار السلطة من
قبل حزب البعث، وإجراء انتخابات حرة،
واستقلال القضاء تحت سيادة القانون،
وإنهاء الفساد وحصانة رجال الأعمال
الأثرياء المتجمعين حول العائلة
الحاكمة، الذين يجسدهم بوضوح رامي
مخلوف، ابن خال الرئيس. كان هناك دائما شيء غير واقعي مليء بالوهم
حول هذا السيناريو، وفهم خاطئ
لديناميكيات السلطة للحالة الأمنية
العربية، التي ربما كانت سورية أفضل
أنموذج لها. فلكي ينفذ الأسد الإصلاحات التي ظل يعد
بها بصورة متكررة منذ وصوله إلى السلطة
خاصة وعوده للزعماء الأوروبيين من
توني بلير إلى نيكولا ساركوزي، الذين
صدّقوا كلامه على الرغم من الأدلة
الكثيرة التي تشير إلى العكس
يتعين عليه من الناحية العملية أن
يصبح زعيما للمعارضة من خلال التخلص من
مراكز القوى في النظام وشلل
الرأسماليين المحاسيب. وبما أن هؤلاء
يشكلون قاعدة سلطته، فإن قيامه بذلك
يعني حل النظام في لحظة يعيش فيها أضعف
حالاته. وهذا لن يحدث. وبالنسبة
للسوريين الذين تحدوا الموت في
الشوارع، سقط هذا الحجاب. أتْبعت دمشق تعليق قوانين الطوارئ
المعمول بها على مدى السنوات ال48
الماضية، بهجوم مدرع على أولئك الذين
يطالبون برفعها. وقال سياسي لبناني له
صلات مع سورية، إن أحد المخضرمين في
النظام قال له: ''لقد تم اتخاذ القرار
بإنهاء هذا الوضع خلال أيام''. ولا شك أن النظام يملك الإمكانيات
الكافية والاستعداد لاستخدام أقسى قوة
لوقف زخم الحركة الديمقراطية الوطنية
المتوسعة، التي يرفضها ويصفها بأنها
عصابات مسلحة ومتسللون وعملاء أجانب
وإرهابيون إسلاميون ومخربون. لكن في عصر الفضائيات والإنترنت والهواتف
الجوالة لا يستطيع الأسد الابن تكرار
ما فعله والده وأفلت من عقابه عام 1982،
حين استخدم المدرعات والمدفعية لدفن
تمرد إسلامي في حماة وأودى بحياة أكثر
من 20 ألف شخص. هذا الربيع العربي لعام
2011، وليس بودابست عام 1956، ولا براغ عام
1968. ويقول علي الأتاسي، وهو ناشط منفي ونجل
رئيس سوري سابق: ''لا يستطيع الشعب
السوري البقاء في هذا السجن المسوَّر
والهاوية المظلمة. على القوى العظمى
مراجعة حساباتها. فلا يمكنها بعد الآن
التعامل مع الدكتاتوريات تحت شعار
الاستقرار وإبقاء شعوبها مستعبدة''. وفي الوقت الذي تتكاثر فيه المظالم
والشكاوى وسط إراقة الدماء، قد لا يكون
النظام أيضا صلبا كما يبدو. إن حكم حزب البعث يخفي هيمنة الأقلية
العلوية، التي لها بعض الأتباع من
الأقلية المسيحية ورضا نخب من الأقلية
السنية. إلا أن العلويين، وهم فرع منشق
عن المذهب الشيعي، ليسوا متجانسين.
فالشكاوى تتكاثر هناك أيضا. والجرح
الذي فتحه ''انتحار'' غازي كنعان،
الدعامة الأساسية للنظام القديم
في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء
اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005،
الذي يُعتقد على نطاق واسع أن دمشق
مسؤولة عنه لم
يلتئم بعد، كما يقول مراقبو سورية في
بيروت. والممارسات التجارية المفترسة
من قبل بعض الضباط العلويين بعد أن تم
إجبار سورية على الانسحاب ذلك العام من
لبنان، لم تكن عاملا مساعدا أيضا، إذ
أدت إلى ما يصفه أحد المحللين بأنه ''منح
الامتياز العشوائي'' للفساد. ومع ذلك، فإن الجيش الذي يشغل العلويون
جميع المناصب الرئيسة فيه تقريبا، ذو
غالبية سنية. وهناك تقارير بالفعل عن
جنود يرفضون إطلاق النار على
المتظاهرين ويقول
بعضهم إنهم وجهوا أسلحتهم إلى رفاقهم. وتتبقى الأجهزة الأمنية وكتائب النخبة
التي يتحكم في أقواها ماهر الأسد، شقيق
الرئيس، وآصف شوكت، زوج أخت الرئيس.
ولا شك أن هذه قوة تثير الرعب، لكنها
ليست رهانا أكيداً للبقاء على المدى
الطويل كما
يشهد بكثير من الأسى اثنان من الطغاة
المخلوعين في مصر وتونس؛ حسني مبارك
وزين العابدين بن علي. ====================== تاريخ النشر: الثلاثاء 03 مايو
2011 د. طيب تيزيني الاتحاد انطلقت الانتفاضة الشبابية في تونس ومصر،
وها هي على الطريق إلى الانتصار في
ليبيا واليمن وسوريا، مع الإشارة إلى
أن بلداناً عربية أخرى تأخذ الآن
طريقها إلى أحد الدروب، التي تفضي إلى
مثل تلك الانتفاضة. نعلن ذلك مع القول
بأن الخصوصيات النسبية لكل من تلك
البلدان لا يمكن إلا أن تفصح عن نفسها،
بقدر أو بآخر وعلى نحو أو آخر. في سياق ما أُنجِز من تينك التجربتين
الأولييْن، كما في سياق تلك الأخرى،
أخذنا نتبين الصعوبات القصوى التي
تخترق العمليات المذكورة، فمن ناحية
تونس ومصر، بدأت تبرز صعوبات ما بعد
الانتصار، أي من مرحلة التأسيس
الجديدة وما ينبثق من المشكلات
والمعضلات والإشكاليات البسيطة
والمركبة، المتأتية عنها. وقد نشر
الإعلام المصري علامات حسَّاسة كبرى
على ما يمكن تسميته "محاولات النكوص
من قبل الثورة المضادة". وظهر ذلك
جلياً في المحاكمات التي طالت الرئيس
السابق وأسرته وكثيرين من أتباعهم،
وكذلك في بعض التحولات الجديدة، التي
طالت مسؤولين من العهد التونسي السابق.
وبالطبع، لا ينبغي أن تؤرّق هذه
المعطياتُ الجديدة العهدَ الجديد في
كلا البلدين المعنيّين، لأن ذلك طبيعي
في تاريخ الانتفاضات والثورات
والتحولات التاريخية الكبرى. ذلك أمر، وأمر آخر يتمثل في البلدان
العربية الأخرى، الداخلة في سكّة
التغيير، دون أن تكون حتى الآن قد
أنجزت مهماتها الأولى الحاسمة، نعني
خصوصاً الثلاثة الأخرى، التي أشرنا
إليها، يبدو الأمر أكثر تعقيداً
وخطورة واضطراباً. ففي هذه الحال،
يُشار إلى أمرين يجري تسويقهما راهناً
بجهود هائلة، بوصفهما "السَّببين
الحقيقيين الحاسمين" الكامنين وراء
انتفاضات الشباب العرب. ففي ليبيا
واليمن وسوريا لم توجد، حسب ذلك، أسباب
داخلية أشعلت الأوضاع وسارت بها إلى
نتائج كبرى كارثية، كما يعلن الإعلام
في تلك الدول، وإنما توجد أسباب ثلاثة
تتحدّر من الخارج وتفعل فعلها، دون أن
يكون لذلك في دواخل ليبيا واليمن
وسوريا أي تأثير مهم. وتفصيل الأمر
يقوم، كما يقولون، على أن أفراداً
ومجموعات من "المُندسِّين"
القادمين من الخارج، يدخلون إلى تلك
البلدان العربية ويعملون ما يعملون
فيها من الأعمال التخريبية الإجرامية
المشبوهة. أما السبب الثاني لاندلاع الانتفاضات في
البلدان العربية الثلاثة المذكورة،
فيتحدد -في رأي سادة تلك النظم- "بوجود
مؤامرات خارجية معادية" يحبكها
الأعداء (المنظّمون والمتمرسون) ضد
ليبيا واليمن وسوريا. ويحددون هؤلاء
الأعداء بالسلفيين والشماليين
والجنوبيين". وفي السَّببين الاثنين
المذكورين لم يقدّموا أحداً للمحاكمة (ونتمنى
أن يفعلوا ذلك إن وجد)، فظل حديثهم
ينطلق من وجود أشباح هنا وهناك لتخريب
البلدان المذكورة. أما السبب الثالث في
عملية التخريب هذه فيحدده المسؤولون،
بتلك البلدان، في وجود "عملاء"
يعملون لصالح "العدو". نلاحظ من ذلك كله تزويراً لأسباب وأهداف
الانتفاضات الشبابية العربية
انطلاقاً من القول بأن البلدان
العربية المذكورة لا توجد فيها مشكلات
ولا خراب ولا انهيارات في السلطة
والثروة الوطنية والإعلام وكل الحقول
المجتمعية الأخرى. وبهذا الاعتبار،
نجد أمامنا عملاً إجرامياً تقوم به
أوساط هنا وهناك، في النظم العربية،
لتدمير أنبل حركة تغييرية عربية حتى
الآن في التاريخ العربي، مع التشديد
كذلك، على ضرورة اكتشاف أية مؤامرة
مزعومة -إنْ وجدت- والتعامل معها كما
ينبغي. ===================== مها بدر الدين الرأي العام 3-5-2011 أكثر من ثلاثين عاما مرت على مجزرة حماة
المروعة التي أشرف على تخطيطها
وتنفيذها الرئيس السوري السابق حافظ
الأسد مستخدماً ما قدر له من القوات
الخاصة وسرايا الدفاع وبعض كتائب
الجيش النظامي وأجهزة الأمن السوري،
فدكت المدينة بالمدفعية لسبعة وعشرين
يوماً متواصلة، انتهكت خلالها الأعراض
وأزهقت الأرواح وهدمت البيوت على
أهلها، ومسح ثمانية وثمانون مسجداً
وثلاث كنائس وروعت حماة بمجازر جماعية
ما زالت ذكراها في أفئدة السوريين حتى
اليوم، وراح ضحيتها أكثر من سبعين
ألفاً من سكان حماة بين قتيل ومفقود
ومعتقل مقابل تعقب مجموعة لا يتعدى
عددهم المئتين من الأخوان المسلمين
حسب تبريرات السلطة آنذاك. وقد استعان الرئيس السابق بأخيه الأصغر
رفعت الأسد صاحب المزاج الدموي وعاشق
السلطة والتسلط، ومؤسس وقائد سرايا
الدفاع الشرسة والفائقة الولاء
والطاعة له لتنفيذ هذه الجريمة
النكراء وكان له ما أراد، ليخرج بعدها
للشعب السوري معتذراً عما بدر من أخيه
الأرعن ونفاه بعد ذلك بأعوام إلى باريس
لإحساسه بقوة شوكته وطموحه في تسلم
السلطة وتخطيطه الانقلاب عليه، محملاً
إياه ثروات الشعب السوري تاركاً وراءه
الاقتصاد السوري على حافة الهاوية،
ليؤسس لنفسه ولأولاده من بعده
إمبراطورية اقتصادية لايعرف أولها من
آخرها في بلاد الغرب من قوت الشعب
السوري ورزقه. ولأن الزمن في سورية تحديداً لا يمر
مروراً بل يدور دوراناً، نجد أن
التاريخ يعيد نفسه فيشهد أبناءنا
اليوم ما شهده آباءنا البارحة،
فبالأمس كانت حماة المُقْهَرة واليوم
درعا الحرة التي أبت أن تدور عليها
الأيام السالفة فتغرقها بظلام الماضي
وظلمه، واختارت الحياة بنور المستقبل
وعدله، وبادرت بسحب الزمن من يده ليمر
معها من بوابة عصر الذل والخوف
والاستبداد إلى فسحة عصر الكرامة
والحرية وقهر الفساد. ويبدو أن النظام السوري لقلة خبرته في
التعامل مع الأزمات الداخلية الحديثة
المنشأ، قد أعيته الحيلة في التعامل مع
احتجاجات الشعب السوري الذي ظن أنه قد
دجن خير تدجين، فلم يجد أفضل مما حصل في
حماة ليعيد الكرة في درعا مستعيناً
بقدرات ماهر الأسد الذي يشابه عمه في
المزاج والطموح. لم يلحظ قائد النظام أن الظرف السياسي
الدولي قد تغير عالمياً منذ ثلاثين
عاماً ماضية، فتعامل المجتمع الدولي
مع أحداث الشرق الأوسط قد أصبح أكثر
فعالية وتفاعلاً، وأن المنظمات
الدولية المعنية بحقوق الإنسان على
اختلاف مسمياتها قد أصبحت أكثر
اهتماماً وبحثاً وتوثيقاً لكل ما
يخترق هذه الحقوق، وأن عالم الاتصالات
المنفتح قد أتاح تداول المعلومات
والوثائق بسرعة الصوت والصورة فتنقل
الأحداث مباشرة من موقعها. كما لم يفطن إلى الفروقات الكثيرة في
الظرفين الزماني والمكاني محلياً، ففي
الثمانينات كان الشعب السوري حديث
العهد بالنظام الأمني الذي زرع الرعب
والخوف في نفوس الشباب السوري منذ أن
تسلم «حزب البعث» السلطة، وعندما قصفت
حماة لم تقم أي محافظة سورية أخرى
بدعمها أو الاحتجاج على القمع الذي
شهدته خوفا من ملاقاة المصير نفسه،
وكانت جملة الاعتقالات التي شملت
العديد من الناشطين والمفكرين
والمثقفين كفيلة بأن تنكفئ الأحزاب
على نفسها لعدم وجود دعم ووعي جماهيري
لأهمية الحراك السياسي آنذاك، أما
مايحدث في درعا اليوم، فقد تزامن مع
انتفاضة شعبية عارمة شملت جميع
المحافظات السورية وضمت مختلف طوائف
وشرائح وأطياف المجتمع السوري الذي لم
يطالب سوى بحقه في الحرية والكرامة
والإصلاح الذي يتناسب مع متطلبات
العصر الحديث، وتلقى درعا خلافاً
لحماه دعماً شعبياُ من مواطني جميع
المحافظات السورية، لأنها أصبحت رمزاً
للحرية والثورة وساحة تحرير ترمز
لسورية الحديثة، وتحولت إلى مركز
وجداني يستقطب مشاعر جميع السوريين
الذين أجمعوا على دخول التاريخ الحديث
بقدم واحدة رفضاً للطائفية وتوحيداً
للمصير وتصميماً على تطهير سورية من كل
مظاهر التعسف والقمع والفساد. كما أن الشعب السوري نفسه اليوم قد تغير،
فالجيل الجديد من الشباب السوري جيل
متفتح ومتطور رغم كل التعتيم والتهميش
والتسخيف الثقافي والإعلامي والسياسي
الذي ينتهجه «حزب البعث» بمنظماته
ونقاباته واتحاداته الرديفة لغسل
عقله، فقد استطاع هذا الجيل بذكائه
الفطري وطموحه الجامح ورغبته بإثبات
الذات والعيش بكرامة وحرية كغيره من
شباب العالم المتحضر أن يتجاوز هذه
الشبكة الواهية التي عفى عليها الزمن
ولم تعد تصلح في عالم الاتصالات
والمعلومات الحر، ولأنهم لم يعايشوا
مجزرة حماة فإن الخوف لم يعشعش بقلوبهم
كما عشعش بالذين من قبلهم، وكانت
انتفاضتهم أكثر استبسالاً وتصميماً
وإصراراً لأن واقعهم أكثر مرارةً
وسوءاً وفقراً. فهل يعقل أن يتعامل النظام السوري مع
المتغييرات التاريخية الحديثة بهذا
الأسلوب الأمني القمعي القديم، وهل
يعقل لرئيس الجمهورية وهو المثقف
والمتعلم والطبيب ومؤسس المعلوماتية
وداعم الأتمتة في سورية أن يتعامل مع
الشعب السوري الذي يستخدم جميع وسائل
الاتصال المتقدمة والحديثة لتنظيم
ثورته بهذا الأسلوب العسكري الموروث؟ لقد رفض الشباب السوريون أن يعيشوا بقفص
الخوف الذي عاش به آباؤهم، فلماذا يصر
سيادة الرئيس وهو الذي بيده الأمر
والسلطة والقرار أن يعيش في جلباب
أبيه؟ ====================== إذا ضاقت سورية على
النظام والشعب فعلى النظام أن يرحل! الطاهر إبراهيم 3-5-2011 القدس العربي عندما بدأت الاحتجاجات في تونس وتلتها
مصر، رفع الشعبان شعار تحسين أوضاعهما
على كافة الأصعدة، اقتصاديا واجتماعيا
وسياسيا. كان الشعب يقدم رجلا ويؤخر
أخرى، خوفا من قمع أجهزة الأمن التي
وظفها الرئيس، لا لحفظ أمن الشعب، بل
لقمعه، ولحماية الرئيس من ثورة الشعب
إذا ما فكر أن يثور ضده. تطورت المطالب
ليصبح المطلوب هو إسقاط النظام، ومن ثم
رحيل الرئيس، وهكذا كان. رحل 'زين
العابدين بن علي' بمبادرة منه وأرغم 'حسني
مبارك' على التنحي. هذا ما كان من أمر
تونس ومصر، فماذا عن سورية؟ أنظمة الجوار العربي تعرف أن الشعب
السوري مضطهد، وهي ساكتة. إما لأنها
تخشى أن تصل العدوى والارتدادات إلى
أرضها، أو أنها تخاف من انتقام النظام
السوري منها الذي لا يتورع عن القيام
بأعمال تخريبية واغتيالات في أراضي
تلك الدول، كما فعل هذا النظام يوم
أرسل مجموعة لاغتيال 'مضر بدران' رئيس
الحكومة الأردنية الأسبق عام 1981. المعارضة السورية الداخلية كانت من الضعف
بحيث أنها ما كانت تستطيع
مجتمعة - حشد مئات من المعارضين
للقيام باحتجاج. لأن هذه المئات كانت
ستواجهها آلاف العناصر من أجهزة الأمن
المسلحة بالهراوات المكهربة، فتعتقل
كل من لا يستطيع الهرب. أما معارضة
الخارج فقد حيل بين عمودها الفقري
جماعة الإخوان المسلمين وبين العيش في
سورية، لأن القانون 49 لعام 1980 يحكم
بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان.
بالمجمل، فإن المعارضة السورية ما
كانت لتشكل خطرا ذا بال على النظام. من خلال التوصيف السابق إقليميا ومحليا،
فإن الشعب السوري كان يعيش إحباطا في
نفوس أفراده خوفا من قمع النظام. وكان
ينتظر ما يشبه المعجزة لتغيير الحال.
لكنه ما كان يعرف من أين ستأتي هذه
المعجزة ولا كيف؟ فعندما هبت رياح
الحرية وعصفت في تونس ومصر ، تطلع
السوريون، لعل وعسى أن تكون لهم ثورة،
كما كان لإخوانهم في تونس وفي مصر. أستطيع أن أؤكد أن السوريين، شبابا
ومعارضة، كانوا في بدء الاحتجاجات
يقبلون أن يصلوا مع النظام إلى قواسم
مشتركة بحيث يلتقون في منتصف الطريق.
فيبدأ الرئيس بإصلاحات، على أن تكون
فعلية وعميقة، وتشمل بشكل أساس إلغاء
سيطرة النظام على الحكم، ويستبدل به
تعددية حقيقية في الحكم تتم من خلال
صناديق اقتراع شفافة، فيمارس الشعب
حريته كاملة. كان الشعب سيقبل ببقاء
الرئيس 'بشار أسد' رئيسا لإكمال فترته
الثانية، بحيث يبدأ التغيير بشكل
تدريجي وليس بكسر عظم لأي من الفريقين،
النظام أو الشعب. على أرض الواقع وبعد أقل من شهر من بدء
الاحتجاجات، شعر الشباب أن أي إصلاح أو
تغيير ذي مصداقية لم يكن واردا لدى
الحكم في حلقته الضيقة جدا (الرئيس
السوري وشقيقه ماهر أسد وصهرهما آصف
شوكت ورؤساء الأجهزة الأمنية: عبد
الفتاح قدسية وعلي مملوك وحافظ مخلوف
ونواب هؤلاء).وإن الإصلاحات التي
أعلنها الرئيس لم تكن إلا لشراء الوقت.
أكبر دليل على ذلك: أن الجمعة التي
أعقبت اليوم الذي أعلن فيه إلغاء حالة
الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة قامت
فيها أجهزة الأمن بقتل المتظاهرين
واعتقالهم في درعا وفي حمص وفي بانياس
وفي المعضمية، وهو ما يتناقض مع رفع
حالة الطوارئ. شعر الشباب المحتج بشكل يقيني أن النظام
ذاهب إلى آخر الشوط في قمع حركة
الاحتجاج، وأن النظام قرر أن حكم سورية
لا يتسع للفريقين معا. لهذا فقد رأينا
دبابات الفرقة الرابعة التي يقودها 'ماهر
أسد' تطوق درعا فجر يوم الاثنين 25 نيسان(ابريل)
وتقتل ما يقارب 50 مواطنا وتعتقل
الكثيرين. ولمن لا يعرف فإن الفرقة
الرابعة تشكلت على أنقاض فرقة 'سرايا
الدفاع' التي كانت تحمي الحكم ويقودها 'رفعت
أسد' في الثمانينات قبل أن يعزله
الرئيس حافظ أسد. دخول الدبابات شوارع درعا وتطويق مدينة
دوما وبانياس، لم يترك عند شباب الثورة
مجالا للظن الحسن بأن نظام الحكم سينفذ
ما أعلنه الرئيس السوري من إصلاحات،
وهي بالأصل إصلاحات دون مستوى ما يطالب
به الشباب الثائر. وقد وصل هذا الشباب
إلى قناعة كاملة أن هذا النظام القمعي
لا يمكن التعايش معه إطلاقا، وأنه لا
بد من تغييره. عندها بدأ الشباب يعمل
لذلك ورفع شعار: 'الشعب يريد إسقاط
النظام'. فعلام يعول هؤلاء الشباب
للوقوف في وجه الماكينة القمعية التي
يعتمد عليها النظام الحاكم المستبد
لتطويع الثائرين؟ تعتمد الخطة على أن الآلة القمعية التي
تقتل المتظاهرين بدم بارد، يتكفل بها
أعوان ليسوا مستعدين أن يموتوا من أجل
النظام. أما الشباب الذين خرجوا في يوم
'الجمعة العظيمة'وقد لبس بعضهم الأكفان
شعروا أنه لم يعد هناك ما يخسرونه أكثر
مما خسروا. فحياتهم من دون حرية خير
منها الموت، وأنهم مستعدون لبذل
أرواحهم على أن يعيشوا حياة الذل تحت
حكم نظام قمعي لا يقيم لآدميتهم أي
اعتبار، وأنهم يملكون سلاح الاستشهاد
الذي لا يستطيعه أعوان النظام. كما أن النظام السوري يظن أنه عندما يعتمد
على قوى دولية نافذة فستحميه من ثورة
الشباب الثائر. وأن واشنطن ما زالت لم
تحزم أمرها على تغيير الرئيس بشار أسد
كما فعلت مع 'مبارك' و 'بن علي'. وأن
وزيرة الخارجية الأمريكية 'كلينتون'
امتدحت الرئيس 'بشار' قبل أسبوع بأنه
رئيس إصلاحي، ما يعني أن اسمه لم يوضع
على أجندة التغيير. فهل ينفعه ذلك؟ ما
لم يدركه الرئيس بشار أن 'حساب البيدر
لا يطابق دائما حساب الحقل'، وأن
واشنطن قد تتخلى عنه في أي لحظة وتتركه
لمصيره كما فعلت مع 'بن علي' و'مبارك'. على المستوى الشعبي لم يترك النظام من
يأسف عليه إذا ما أطيح به. أبناء
الطائفة العلوية انفضوا عنه، عندما
شعروا أنه يريد أن يضعهم في فوهة
المدفع في مواجهة إخوانهم الأكراد
والسنة وباقي فئات الشعب. بل إن النقمة
تصاعدت على النظام داخل الطائفة
العلوية، فاعتقل النظام زعماء مثل 'عارف
دليلة' و'فاتح جاموس' وغيرهما، وقرب
إليه ضعفاء النفوس الذين لا يهمهم إلا
سرقة خيرات الوطن. يبقى أن نلفت الأنظار إلى أن النظام شعر
بأن الإعلام العالمي الذي يملك بعض
المصداقية لم تعد مستعدة كي تنقل
فبركاته عبر شاشاتها، أو لمسايرته في
قمعه للشعب السوري. لذلك ألغى النظام
السماح لعدة فضائيات بالبث من داخل
سورية، وكلف شهود الزور في إعلامه
للدفاع عن جرائمه في مواجهة هذه
الفضائيات. ====================== ميشيل كيلو 3-5-2011 القدس العربي هناك أنواع من المشكلات، تتصل بالبنية
العميقة للمواطنة، وللمجتمعات
والدول، لا تحل بأي نوع من أنواع القوة
أو العنف أو القسر المادي والمعنوي.
إذا سرق مواطن جاره، يكون على السلطات
إلقاء القبض عليه وإرساله إلى القضاء
فالسجن لمنعه من الاعتداء على غيره أو
مخالفة القانون. هل ينفع الأمن الجنائي أو أمن الدولة ومن
ثم القضاء فالسجن في ردع مواطن يطلب
عملا، أو يريد حرية، أو ينشد عدالة
اجتماعية ومساواة أمام القانون، ويسعى
إلى حقه في المشاركة السياسية أو
الثقافية. .. الخ؟. هل يشبع الجائع إذا
وضعناه خارج القانون لفترة محددة
يعينها حكم قضائي مهما كان عادلا يصدر
عن أكثر قضاة الأرض نزاهة؟ وهل يتعلم
أمي، إذا ما سجناه وأقصيناه عن الحياة
العامة، وعذبناه وروعناه بل وأجهزنا
عليه؟ وهل تقلع الأمية عن الوجود إذا
ما نجح جهاز أمني ما في إيجاد طريقة
تقطع قلوب الأميين من الخوف، وترعبهم،
وتحولهم إلى مخبرين متحمسين محبين
للقمع وأجهزته؟ أليس من الأفضل في هذه الحالات جميعها أن
نبحث عن غرف حسنة الإضاءة والتهوية،
ومخصصات مالية كافية، ومعلمين قديرين،
وفرص عمل، وأشكال مشاركة سياسية،
وترسيخ حماية قانونية ورقابة نزيهة
ومؤسسية على السلطة التنفيذية
وأجهزتها، وأن نقدم حوافز حقيقية لمن
يمحو أميته على سبيل المثال، كأن نوظفه
ونفتح أمامه سبل التقدم الاجتماعي
والفردي، ونشجعه ماديا ومعنويا، بدل
أن نعتقله إن هو طالب بحصته من العلم
والمعرفة، وتاليا من العمل والثروة،
وندخله في متاهات تعقد مشكلاته وتبطل
مطالبه الشرعية والمحقة، تجعله مرة
ضالعا في مخطط خارجي يريد إضعاف
البلاد، وطورا عميل أجانب لم يكن قد
سمع بأسمائهم أو عرف بوجودهم قبل
تلقينه في الأمن ما عليه قوله عن دوره
في خدمتهم والتواطؤ معهم؟ أخيرا، هل يصير المواطن أفضل ان مارس
مواطنته أو يصير أفضل إن هو عاش حياته
مذعورا خائفا، يشك حتى في خياله
ويخشاه؟ تقوم المجتمعات والدول على علاقات
وتعاقدات لا تبقى في غيابها مجتمعات
ودولا، وإنما تتحول إلى عصابات
متحاربة متصارعة في الحالة، وزمر
إجرام منظم وقتل احترافي في الثانية. وفي الحالتين، لا يعود هناك جدوى من أي حل
قمعي أو عنيف، وتمس الحاجة إلى تعاقد
سلمي وآمن، ودولة شرعية تنظم علاقاتها
معه مواطنيها بالتوافق والتراضي، وعبر
ضمانات قانونية تعين حقوقهم
وواجباتهم، وتحجم عن استخدام العنف
ضدهم، ليس فقط لأنها تكتسب شرعيتها من
رضاهم الطوعي، بل كذلك لأن مهمتها
الرئيسية تكمن في إقامة علاقة معهم هم
طرف تكويني فيها، إن اختلت اهتز النظام
العام بأسره ومست الحاجة إلى تصحيح ما
فيه من خلل وعيوب وسد ما يشوبه من نواقص.
في هذه العلاقة، للمواطن الفرد مجال
خاص لا تعتدي عليه أية جهة، إلا لمصلحة
عامة محددة بدقة ومضبوطة بقانون، تتم
مراقبتها عبر شبكة ضوابط تنظم المجال
السياسي، تتكفل بالدفاع عن حقوق
المواطن، سواء كان منتميا إلى
تكويناته وأحزابه أو لم يكن. بالمقابل،
تتعين حقوق المواطن/ الفرد بطريقة لا
تمس حقوق الدولة، ممثلة الجماعة
السياسية التي ينتمي إليها، فتكمن
صالحه في عدم التناقض معها، ويكون
دفاعه عنها دفاعا عن نفسه، وحماية
مصالحها العامة صيانة لمصالحه، التي
تندرج فيها رغم استقلاليتها من جوانب
ومجالات معينة عنها. هذه العلاقة تنظمها السياسة: الفعل
التعاقدي المتشعب، الذي يعرّف ويعين
حقوق وواجبات وحدود حركة ومصالح
أطرافه. .. الخ، وينأى بها عن القمع أو
ما يسمونه في العالم العربي زورا
وبهتانا 'الأمن'، بالنظر إلى أن مفردات
العقد مدنية، غير أمنية وتقلع عن أن
تكون كذلك من لحظة اعتماده بالتراضي
وتكريسها في القانون، ولأن الدور الذي
يتعين من خلاله نمطها وتشكلها وطابعها
الاجتماعي وتنوعها وطرق اشتغالها هو
دور عوامل مدنية، تتصل بالفاعلية
الإنسانية القائمة على أسس معنوية
وروحية ومهارات تقنية تنظيمية غير
أمنية أو قمعية: اقتصادية واجتماعية
وثقافية وأيديولوجية وتاريخية
وجغرافية، مادية وروحية متنوعة ومن
طبيعة تفاعلية / تكاملية. .. الخ، فليس
من المعقول أو العقلاني إيكالها إلى
جهاز خاص قمع أو 'أمن' يفترض أنه مكلف
بالسهر على جزء من سياسات عامة، أوسع
بكثير من مجاله ودائرة عمله، مهمته
حماية المجتمع من مخاطر معينة،
والإسهام في الدفاع عن العقد
الاجتماعي / السياسي، وليس اختراقه أو
تحديد أنماط التعاقد القائمة فيه،
التي تتجاوز صلاحياته ومعارف وقدرات
العاملين فيه، وتتعين بعناصر لا ترتبط
ولا يجوز أن ترتبط به، وإلا وقع
المحظور وخضعت الدولة والمجتمع له،
وصارت مرجعيتهما والجهة المنتجة لما
يقع فيهما من مشكلات، ويعجزان عن
مواجهته من مآزق ومعضلات لا يستطيع
حلها: بوسائله، أو في مجاله، مثلما هو
حالنا في سورية منذ نيف وثلاثين عاما،
وفي بلدان عربية كثيرة نأمل أن تصحح
ثورة الشعب من اجل الحرية أوضاعها،
وتعيد أمورها إلى أوضاعها الطبيعية،
وتوقفها على قدميها، بعد أن وقفت كل
هذه الفترة على رأسها القمعي / 'الأمني'..
لا تبطل القوة المطالبة بالحرية، ما أن
تصير مشكلة خاصة أو عامة (كان لينين
يقول: إذا كان هناك فرد واحد فقط محروم
من حريته، يكون هناك مشكلة حرية!). ولا
تنجح في قهر المطالبين بحريتهم،
أفرادا كانوا أم جمهورا عاما. وليس بوسع قوة على الأرض حل مشكلات غير
أمنية بوسائل قمعية، أو وضع عالم
السياسة على رحابته وتنوعه في خدمة
عالم القمع والعنف الخانق. لو كان هذا
ممكنا، لما تغير أي نظام أو تبدل أي وضع
على مر التاريخ، ولما هزم طاغية أو
انتصر مظلوم، أو تحرر شعب، أو قهرت عين
مخرزا وهزم محراث سيفا وانتصرت ساحة
على قصر، كما قال صديقي أحمد برقاوي في
واحدة من مقالاته الأخيرة! ولو كانت
المشكلات العامة تحل بالقمع والأمن،
لما كانت هناك مشكلات عامة، ولصار 'الأمن'
القمع جوهر
كل فاعلية إنسانية ووجود بشري على هذه
البسيطة، ولكنا في غابة وحوش وليس في
مجتمع بشري مؤنسن يتقدم من خلال تنظيم
حياته في حواضن تهمش العنف والقوة،
وتجعل بالإمكان التخلي عنهما أكثر
فأكثر، ويتطور بمقدار ما يبتعد عن
استعمالها في ضبط شؤونه، وبمقدار ما
يتمدن ويصير قادرا على حل نزاعاته
ومشكلاته سلميا وبالحوار، وإنتاج
مشكلات لا تحل إلا سلميا وبالحوار، أي
بالتراضي والمشتركات، التي تجعل حياته
العامة ساحة تنوع وتفاعل وتكامل،
وليست ميدان نبذ وإقصاء، كما هو حال
مجتمعاتنا العربية، التي تعيش تحت
نعال قوة وحشية تمسك بالمجال السياسي
وتنفرد به جملة وتفصيلا، وتقبض على
مفاصل حياتنا، وتتطلع إلى هدف وحيد هو:
قهرنا وإخضاعنا تحت أي ظرف وبأي ثمن!. تمر بلداننا العربية في طور نهوض مذهل
ومبارك، تنخرط شعوبنا ومجتمعاتنا فيه
بفدائية واستماتة، كي تخرج، أخيرا، من
العنف والبهيمية إلى رحاب السلام
المدني والحرية. ويبذل العربي اليوم
جهدا تاريخيا، استثنائيا وخارقا، من
أجل إقامة ساحة عامة هو فيها طرف محترم
في عقد توافقي وملزم، هو ركن تستند
الدولة إليه بما هي التعبير الأعلى
والجامع عنه في الصعيد السياسي
والاجتماعي، وليس لأن سلطتها تنفيه
وتستطيع قهر وسحق المواطن متى شاءت
وبالطريقة التي تروق لها. يستميت العربي كي يصير مواطنا في دولة،
بعد أن ظل نيفا ونصف قرن معتقلا في سجن،
عاش خلاله محروما من حقوقه، بما في ذلك
حقوق البهيمة في الأكل والشرب
والتناسل. لا عجب أنه يريد اليوم استعادة ما فقده،
وأن تكون وسيلته إلى ذلك الحرية
والنضال السلمي: مفتاح خلاصه الذي
سيمكنه من العودة إلى ذاته، وتحديد
موقعه الصحيح في المجتمع والدولة،
باعتباره أولا وأخيرا ذاتا إنسانية
تتعرف بالحرية، صفتها التي إن أضاعتها
فقدت معها كل شيء، ولم يبق لها شيء، غير
التفاهة والبهيمية. إنه طموح المواطن
العربي إلى وضع نهاية لزمن حلت فيه
مشكلاته بالعنف والقسر، فلم تحل حقا
أية واحدة منها، وإنما تراكمت وتكدست
إلى شرعت تخنقه، ولم تترك له أي خيار
غير أن يخرج على النظم القائمة طالبا
الحرية أو الموت، لان موته أفضل له إن
هو عجز عن بعث الحياة في رماده بالحرية.
يوجد بيننا حمقى وسفاحون يعتقدون أن
القوة ستمكنهم من حل مشكلات بلدانهم
وشعوبهم ومواطنيهم، وأنه لا حل
لمشكلات هؤلاء بغير مزيد من القوة، ثم
بمزيد من المزيد، وهكذا دواليك، رغم أن
عجز العنف والقوة يبدو جليا ويتعاظم من
حالة لأخرى، وإفلاسهما كان واضحا إلى
حد الفضيحة في تونس ومصر، وسيكون كذلك
في ليبيا واليمن، والبحرين وسورية.
السؤال هو: هل سيقتنع هؤلاء بالتخلي عن
حل مشكلات لا تحل بالقوة عبر وسيلة
مفلسة هي القوة، قبل فوات الأوان، قبل
أن تقوض القوة مواقعهم وتدمر شرعيتهم
وتتحول من أداة تبقي على عروشهم إلى
رصاصة يطلقونها على رؤوسهم، التي ما
كانت لتواجه أي تهديد، لو أنها سعت إلى
إيجاد حلول بنيوية من عالم السياسة
لمشكلات مجتمعية وإنسانية لا تنتمي
إلى عالم القوة، ولا تحل بوسائله. تدور اليوم معركة ضارية وحاسمة بين
المحراث والسيف، والساحة والقصر. يا
أصحاب السيوف وسكان القصور، وداعا!. يا
ودعاء المحراث والساحة، يا من تطالبون
بحقكم في أنفسكم ووطنكم، المجد لكم! ' كاتب وسياسي من سورية ===================== الياس خوري 3-5-2011 القدس العربي هل يستطيع
النظام السوري ان يطوي صفحة الانتفاضة
الشعبية بالعنف؟ هذا على الأقل ما
يعتقده قادة الأجهزة الأمنية، الذين
حولوا الاحتجاجات السورية الى مسرح
دموي وحشي، وجعلوا من مدينة درعا،
عاصمة حوران، مدينة شهيدة. الرهان الوحيد الذي يمتلكه النظام هو
القمع. بعد تصريحات بثينة شعبان، على
ما فيها من تشاطر وادعاءات اصلاحية،
انتهى الكلام. الرئيس السوري تكلم
مرتين، لكنه في المرتين صمت عن
الموضوع، مقدماً صورة لنظام لا يمتلك
سوى ان يلعب ورقته الأخيرة، مغرقا
سورية في الدم. كان يمكن لخطة النظام ان تنجح لو كان في
مواجهة مع تيار سياسي محدد، اذ يستطيع
ان يؤبلس هذا التيار، محيداًً
الأكثرية الشعبية، ما يسمح له
باستخدام القبضة الحديد، وهذا ما حصل
في حماة عام 1982. لكن المشكلة ان النظام يواجه ثورة متشعبة
تضمّ اطيافاً سياسية متنوعة، كما
تتشكل اغلبية المشاركين فيها من
مواطنين عاديين، لم يسبق لهم التعاطي
في الشأن السياسي، ولا يعرفون معنى
المناورات السياسية، لأن مطلبهم ليس
سياسياً، فهم يطالبون بالكرامة
والحرية، اي بالشرطين اللذين من دون
توفرهما لا وجود للسياسة ولا معنى لها. النظام الذي بنى قبضته على وأد الحرية
وشطب كرامة الناس، اعتاد على مجتمع لا
يتعاطى الشأن السياسي، فتدجين الشعب
ومحوه هو شرط فصل السياسة عن المجتمع،
وشرط نظام الاستعباد المديد، الذي
بنته جميع الديكتاتوريات العربية. لذا فوجىء النظام بالانتفاضات المتلاحقة
التي عمت المدن والمناطق السورية
المختلفة. وبدأت مفاجأته في درعا، حين
لم يجد امامه سوى مجموعة من الفتيان
الذين كتبوا شعارات على الحيطان تطالب
بالحرية واسقاط النظام. لم تكن ردة فعل الأجهزة الأمنية مفاجئة،
فهذه السلطة تبدأ في تعاملها مع الشعب
من النهاية. لذا كان من الطبيعي ان يتم
تعذيب الفتيان وضربهم واقتلاع أظافرهم
والى آخره... وعندما تحرك اهل الفتيان
مطالبين باطلاق سراح اولادهم، اطلق
رجال الأمن النار، وقتلوا من قتلوا. حتى الآن كل شيء طبيعي، الكي آخر الدواء،
وفي العادة حين تواجه السلطة الناس
بالكي، تنتصر، وتعطي الجميع درساً في
بلاغة القمع. ما بدا وحشية مفرطة، هو جزء من ممارسات
النظام اليومية، ولم يكن هناك من داعٍ
لكل هذا الضجيج، سورية محكومة منذ
اربعة عقود بهذا الأسلوب الذي اثبت
نجاعته، وجعل النظام يعتقد انه باقٍ
الى الأبد والى ما بعد الأبد ايضاً. في جميع مواجهاته السابقة مع المعارضة
استخدم النظام اسلوب الكي. ومن لا يصدق
فليعد الى كتابات فرج بيرقدار او مصطفى
خليفة او شهادة ياسين الحاج صالح عن
اعوام السجن. نجح النظام في استنباط معادل دائم لمجزرة
حماة اسمه سجن تدمر الرهيب، هكذا تم
كسر عظم المعارضات السورية المختلفة
سواء اكانت يسارية ام ديمقراطية ام
اسلامية، واخرج المجتمع من السياسة،
عبر عزل المناضلين السياسيين
والعقائديين في الزنازين. غير ان ما اعتقده قادة النظام تمرداً
سياسياً يمكن معالجته على الطريقة
القديمة، اتخذ شكلاً جديداً وغير
مألوف. وهذه هي السمة الرئيسية للثورات
الشعبية التي تجتاح العالم العربي. غير
المألوف هو ابتعاد الثورات عن
الشعارات السياسية المباشرة، لتؤسس
مكانها في البنية الأخلاقية التي هي
شرط السياسة. ان التركيز على الحريات
العامة ورفض الذلّ والدعوة الى اسقاط
الأنظمة، اثارت حيرة الأنظمة بقدر ما
اثارت ارتباك النخب الثقافية. الأنظمة عجزت عن الرد، وبدأت تتخبط في
محاولة اجتراع الحلول، تغيير
الحكومات، الوعود، اعلان الغاء حالة
الطوارئ... تنازلاتها لم توقف المدّ
الشعبي، بل على العكس زادته اشتعالاً،
فأسقط في يدها. رحل النظامان التونسي
والمصري بسلام نسبي، لأن المؤسسات
الوطنية: الجيش، القضاء...، وعت ان
المحافظة على الدولة اكثر اهمية من
حماية نظام يتداعى. اما حيث نجح النظام
في سحق المؤسسات الوطنية فلقد ادخلت
البلاد في اتون حرب اهلية استدعت
تدخلات خارجية كما في ليبيا. اما النخب الثقافية فقد تملكتها الحيرة
امام غياب الشعارات السياسية، كغياب
شعار اسقاط كامب دايفيد في مصر، وخرجت
بعض التأويلات التي تقول بأن هذه
الثورات تدلّ على ان المسألة الداخلية
طغت على البعد القومي. كما فشل النظام في قراءة دلالات الثورة،
كذلك فشل الفكر التقليدي في فهم
معانيها. فالثورات العربية بدأت من
مكان آخر وغير تقليدي. كان اشتعالها في
تونس ومصر وسورية ردات فعل اخلاقية على
محاولة الأنظمة الغاء الأخلاق
وتحطيمها. من البوعزيزي الى خالد سعيد
وصولا الى فتية درعا، انتفض الناس
لكراماتهم. لم يعد الخطاب السياسي
التقليدي يعني لهم شيئاً. فهم لا
يختلفون مع النظام السوري على ما اطلق
عليه اسم الممانعة، بل يختلفون معه على
شرط الممانعة وشرط مقاومة الاحتلال
الاسرائيلي. وهم في مصر اصيبوا بالذهول
من الانحدار المريع لمكانة وطنهم،
وفهموا ان انحدار مكانة المواطن هي شرط
انحدار مكانة الوطن. اي ان الثورة غيرت ساحة الصراع مع النظام،
فهي لا تطلب منه شيئاً. انظمة بنت
سطوتها على الأمن والقمع، لا تُطلب
الحرية منها، بل تؤخذ الحرية ضدها. وجد النظام نفسه عاجزاً عن تلبية
المطالب، حتى الحوار الذي بدأه عمر
سليمان مع احزاب المعارضة المصرية كان
بلا جدوى. لأن تلك الأحزاب التي شرعنها
النظام لم تفهم موضوع الثورة، فأعتقدت
انها امام صراع تقليدي وقدمت مطالبها.
فما كان من ميدان التحرير الا ان قام
بتكنيسها مع النظام الذي سقط. هذا الانقلاب الكبير في المفاهيم
السياسية هو المعطى الجديد الذي تقدمه
الثورات العربية، وهو معطى مؤهل
لتأسيس نهضة عربية جديدة تستعيد روح
النضال من اجل الحرية مثلما صاغتها
النهضة الأولى في بداية القرن الماضي. وحين يستعيد العرب حريتهم، فانهم
يستعيدون قضاياهم، وهذا ما لم يفهمه
احد غير اسرائيل التي تنظر بريبة وقلق
الى التغيير العربي وتشعر ان ايام
سطوتها باتت معدودة. المأزق الذي يبدو اليوم في سورية مع
اشتداد آلة القمع ليس مأزق الشعب
الثائر بل مأزق النظام، صحيح ان
التضحيات كبيرة جداً، وتثير الدهشة
والاعجاب والتماهي، لكن الشعب الذي
كسر جدار الخوف، واعلن قطيعته مع
النظام لا يستطيع التراجع. اما النظام
فقد فشل في حملته لأبلسة الانتفاضة
واتهمها بالسلفية، ففقد قدرته على عزل
الثورة عن الشعب، ولم يعد امامه سوى
الدم الذي لن يكون سوى اعلان نهايته. ====================== تعلمت منكم أيها الشباب..
دروس ونصائح وتحية وفاء بقلم الشيخ محمد سرور زين
العابدين مداد القلم 2/5/2011 تعلمت منكم أيها الشباب.. نعم تعلمت منكم أيها الشباب ولا غرابة في
ذلك، فقد يتعلم الوالد من ابنه أو
زوجه، وقد يتعلم الراسخون في العلم من
أميين تجري الحكمة على ألسنتهم بتوفيق
من الله سبحانه وتعالى، وقد يتعلم
أكابر الناس الأخلاق الحميدة من
عمالهم وخدمهم. ومسرف في الخطأ من
يعتقد أنه في مقام من يُعَلّم ولا
يتعلم، يُعطي ولا يأخذ. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطبة له:
من غالى في مهر امرأة جعلته في بيت
المال. فقالت له امرأة: كيف تمنعنا ما
أعطانا الله في كتابه حين قال: "وآتيتم
إحداهن قنطاراً" -سورة النساء 20-؟
فقال: كلّ أحد أفقه من عمر حتى
المخدَّرات. فرأى أحد المبتدعين
الضالين الذين يكرهون عمر بن الخطاب
أشدّ الكراهية في ذلك دليلا على جهل
عمر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله: والجواب: أنّ هذه القصة دليل على كمال فضل
عمر ودينه وتقواه، ورجوعه إلى الحق إذا
تبين له، وأنه يقبل الحقّ حتى من
امرأة، ويتواضع له، وأنه معترف بفضل
الواحد عليه، ولو في أدنى مسألة، وليس
من شرط الأفضل أن لا ينبهه المفضول
لأمر من الأمور، فقد قال الهدهد
لسليمان: (أحطت بما لم تحط به وجئتك من
سبأ بنبأ يقين) -سورة النحل: 22- وقد قال
موسى للخضر: (هل أتبعك على أن تعلمني
ممّا علّمت رشداً) -سورة الكهف: 66- "والفرق
بين موسى والخضر أعظم من الفرق بين عمر
وأشباهه من الصحابة، ولم يكن هذا بالذي
أوجب أن يكون الخضر قريباً من موسى،
فضلاً عن أن يكون مثله، بل الأنبياء
والمتبعون لموسى، كهارون ويوشع وداود
وسليمان وغيرهم، أفضل من الخضر." أ.ه.(1) وإذا كانت هذه المسألة واضحة بينة، فإني
سأذكر فيما يلي أهم الدروس التي
تعلمتها من بداية تجربة هؤلاء الشباب.
أما التجربة كلها، فلا أستطيع تقويمها
اليوم لأنها من أمور المستقبل التي لا
يعلمها إلا الله، ولكني أرجو أن تكون
النهاية مثل البداية. الدرس الأول: عمت المظاهرات السلمية سورية كلها من
أدناها إلى أقصاها، وقدَّم الشباب
بطولات في كل من دوما والمعظمية وحمص
واللاذقية، ومن أجّل وأعظم ما قدموه
عشرات الأرواح من الشهداء، وأضعاف ذلك
من الجرحى، وبقي السؤال: من كسر حاجز
الخوف؟!. الكل يعتقد أن الوضع لا يحتمل، ولم يعد
الصمت مقبولاً، ولكن من يبدأ، بٌذلت
جهود خجولة في دمشق، وكُتبت عرائض
فسارع النظام إلى القضاء عليها في
مهدها بطريقته المعهودة التي تذكر
الناس بمجازره: في حماة، وتدمر،
وطرابلس، والمخيمات الفلسطينية في:
البداوي، ونهر البارد، وتل الزعتر،
وصبرا، وشاتيلا، بل وفي كل صقع من
سورية ولبنان. أنتم أيها الشباب في ذرعا وحوران كنتم
تعرفون هذا كله عندما نهضتم بهمة تقصر
دونها الهمم، وكان لسان حالكم يردد قول
الشاعر الأبي: غيرنا يرتاح بالعيش الذليل وسوانا يكره الموت النبيل إن حَيينا فعلى مجد أثيل حسبنا أنا سنقضي شهدا استجاب الشعب السوري لصيحتكم: "بعد
اليوم ما في خوف" وتذكّر تاريخه في
التضحية والشجاعة، فتحركت المظاهرات
من الحسكة ودير الزور إلى اللاذقية،
وبانياس وجبلة وطرطوس، ومن إدلب وحماة
وحمص إلى دمشق وريفها وهي تردد: "بالروح بالدم نفديك يا ذرعا"، ما
أجمل هذا النداء الذي يهز جوارحي كلها،
وتدمع له عيني! إنه بداية سقوط هذا
النظام، ومن ثَمّ فهو اعتراف الأوفياء
بأسبقيتكم يا أهل ذرعا. ولا أدري كيف
ينام "هبل الصغير" وهو يسمع هذا
الهتاف الذي يشق عنان السماء؟! أستغفر
الله على هذه الهفوة. بل إنني أدري أنه
يتوتر ويضطرب ولا ينام الليل مما هو
أقلّ من ذلك بكثير، فكيف وهو يرى أصنام
أبيه وأخيه وصنمه تُضرب بأحذية
المتظاهرين ثم تهوي على الأرض،
وتدوسها الأقدام، فالحمد لله الذي
مدَّ في عمري لأرى هذا المشهد، وأسأله
تعالى أن تكتحل عيناي برؤية وطني بعد
تحريره من هؤلاء الطغاة. الدرس الثاني: من أهم المطالب التي رفعها الشباب
المتظاهرون الحرية، وهي "الحرية"
تعني أشياء كثيرة: وأول ما تعنيه: إلغاء
قانون الطوارئ، والمادة الثامنة من
الدستور، وكف جبروت وطغيان رجال
المخابرات وفروع الأمن السياسي. وتعني الحرية نهاية هذا النظام المستبد
الغاشم لأنه لا يستطيع أن يعيش ويتنفس
في أجواء تبيح النقد وتسمح بإبداء
الرأي وإنكار المنكر. والحرية نقيض الرق والاستعباد والذل
والقهر. والناس في البلاد العربية
وغيرها من جميع بلدان العالم لا يعرفون
أن الشعب السوري في مرتبة أقل من مرتبة
الرقيق. فبين الرقيق وسيده علاقات قوية
وراسخة، فالعبد يحرص على سلامة سيده
ويفديه بروحه، والسيد يحب عبده فيلبسه
مما يلبس، ويطعمه مما يأكل، ويسارع إلى
علاجه إذا ألم به مرض.. وعندما ألغى
الرق قبل ستين عاماً ونيف، انفصل
العبيد عن أسيادهم شكلاً وليس حقيقة،
وبقي كل طرف (السادة والعبيد) يشعر
بحاجته إلى الطرف الآخر، وبينهم من
وشائج المحبة والود الشيء الكثير،
فهذا العبد نسب نفسه إلى عشيرة شمر،
وذاك إلى عشيرة عنزة، والآخر إلى تميم
أو قحطان، والعشائر لا تعترض حياءً و
خجلاً، ومن لا علم له لا يفرق بين العبد
وسيده بعد تحرير العبيد. أما الشعب السوري فيسوقه رجل المخابرات
متى شاء إلى السجن، وفي هذه الأقبية
المظلمة يعامله أسوأ مما تعامل به
الحمير والكلاب، وقد يقتله، وهذا من
حقه، ثم يأتي ببعض المسجونين ويطلب
منهم حمل القتيل الشهيد وإلقاءه في
الأمكنة التي تلقى بها الفضلات، وقد
يرى الرئيس أو شقيقه أن من حقه إبادة
مدينة أو حي أو مخيم أو سجن، وليسأل من
شاء الذين شاء الله لهم أن يخرجوا من
هذه السجون أو ليقرأوا ما سجله بعض
هؤلاء المنكوبين في مذكراتهم، ولا
يخلو حي أو قرية من أحد هؤلاء.. ومالي
والحديث عن الأسد الوالد وعن العم
رفعت، فقد رأى العالم بأسره مشاهد من
التعذيب تقشعر من هولها الأبدان في كل
من ذرعا وقرية البيضاء القريبة من
بانياس.. كان علي وهادي وعباس (كما
كانوا يتنادون) يرقصون على ظهور
الضحايا، ويضربون وجوههم بأحذيتهم
الغليظة، ثم يأمرونهم بالنهوض
لتتلقاهم عصيهم المميتة، وفعلوا أمورا
أخرى يستعصي قلمي عن ذكرها ولكن العالم
رآها. وعندما قال هذا المعتوه الأحمق: نريد بضع
سنين أخرى لنربي جيلاً على الحرية وكيف
يمارسها؟! قال له أطفال ذرعا الذين
اعتقلوا: أنت الذي لا تعرف الحرية وتخشاها أشد
الخشية.. فتعالَ نحدثك عن هذه الحرية
التي كان الشعب السوري يتذوقها قبل أن
يتذوق الطعام والشراب... تعالَ أيها
المتجبر لنروي لك ما حدثنا به آباؤنا
وأجدادنا كيف كانوا يمارسون الحرية
قبل الثامن من آذار عام 1963م: 1- في عام 1962 زار خالد العظم رحمه الله رئيس
وزراء سوريا مدينة ذرعا، ورموه الطلبة
بالبيض الذي لطَّخ ثيابه، وألقى
الشرطة القبض على مجموعة ممن اعتدوا
على الوفد الذي جاء يتفقد أحوال حوران،
وعندما وصل خالد العظم إلى بلدة
الصنمين في طريق عودته من ذرعا إلى
دمشق اتصل بالمحافظ وأمره بإطلاق سراح
المعتقلين لأنه لا يريد أن يرى سجناء
رأي في عهده، ولو مارسوا هذه الحرية
بطريقة خاطئة. 2- كان منزل رئيس الجمهورية السورية شكري
القوتلي رحمه الله متواضعاً، ويستقبل
فيه الناس دون حواجز وقيود، وكان يخرج
من هذا المنزل إلى قصر الحكم ماشياً
ويتبعه كل من الشرطي والسائق، وفي
الطريق يسلم عليه الناس: صباح الخير
أبا حسان، مساء الخير أبا حسان،
وتستوقفه امرأة فتكلمه عن حاجتها، وهو
يستمع إليها ويهتم بأمرها، ثم يمضي في
طريقه إلى مقر عمله. وكانت نفقات رئاسة
الجمهورية تُعرض على المجلس النيابي
ويناقشها، وقد يرفض بعضها، وليس من حق
رئاسة الجمهورية إقرار ما رفضه
النواب، وقصة سيارة رئيس الجمهورية
شكري القوتلي المهترئة ذكرها خصمه
أكرم الحوراني في مذكراته. 3- أما هاشم الأتاسي رحمه الله رئيس
الجمهورية السورية، فكان غاية في
التواضع ولين الجانب، ففي يوم شديد
البرودة لم تطعه نفسه على أن يتمتع
بالدفء والشرطي الذي يقف على باب منزله
ترتجف أعصابه من شدة البرد، فخرج إليه،
وقال له: يا بني اذهب إلى بيتك فإن لي
رباً يحرسني. الأطفال الذين اعتقلتم سلطات الأمن في
ذرعا، سمعوا من آبائهم وأجدادهم عما
كانت عليه حال سورية قبل أن نبتلي بآل
الأسد، وعلى خلاف ما قاله البعض،
فعندما كتب هؤلاء الصبية على الجدران: "إجاك الدور يا دكتور" "الشعب يريد إسقاط النظام" كانوا يدركون معاني هذه الشعارات
ومدلولاتها، وعندما خرجوا من سجون هذه
الطغمة الحاكمة، وما أدراك ما سجونهم،
وما يجري فيها من تعذيب لا يحتمل،
ويكفي أن نعلم أن بعض هؤلاء الأطفال
قلعت أظافرهم، نعم عندما خرجوا من هذه
السجون كانوا يعلمون أنهم دفعوا ضريبة
الحرية، وكانوا السجانون يرتعدون
خوفاً وذعراً، ويعلمون انه لا مقام لهم
في أمة فيها مثل هؤلاء الأطفال... ولا
أدري هل يكتب الله لي من العمر لأعود
إلى وطني، ثم أبحث عن هؤلاء الأطفال،
وأقبل أيديهم الطاهرة التي قُلعت
أظافرها وكانت سبباً في تحرير أمة.
أسأل الله ذلك. الدرس الثالث: منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس
السابق حافظ الأسد ضد زملائه في الحكم
عام 1970م وحتى يومنا هذا، وهذا النظام
المتخلف يسير باتجاه واحد، لا يعرف
غيره، ولا يحيد عنه قيد أنملة. وكان هذا
الاتجاه الدموي الموغل في الوحشية
مجدياً إذا كان النظام يواجه حزباً من
الأحزاب، أو جماعة من الجماعات، أو
طائفة من الطوائف.. فتراه يستنفر أجهزة
أمنه، ثم ميليشيات طائفة بعد أن ينشر
الذعر بينها، ويقنعها بأنها هي
المستهدفة. أما الشعب فينأى بنفسه لأنه
لا مصلحة له من الزج بنفسه بين حزبين أو
طائفتين. ثوارنا الشباب الجدد، واجهوا النظام من
حيث لا يحتسب، فهم لا يمثلون حزباً ولا
جماعة ولا طائفة، وإنما يمثلون الشعب
كله، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهم
يدعون السوريين إلى الوحدة والحرية
ووسيلتهم إلى تحقيق هذين الهدفين
سلمية، فقد خرجوا بصدور عارية، وبيد كل
منهم غصن الزيتون فلا سلاح ولا قتل أو
تدمير... قتل رجال الأمن بضع مئات،
والجرحى كانوا أكثر من القتلى، وفتحوا
أبواب سجونهم، ومارسوا فيها مختلف
أنواع التعذيب، لكن الثورة تزداد
رسوخاً، والمظاهرات تشتد وتعم سورية
كلها، والشباب ثابتون على شعاراتهم
السلمية لا يحيدون عنها. وقع النظام في حيص بيص،.. استخدم سلاح
الممانعة، لاسيما وهو الذي يقف –كما
يزعم– بصمود وشموخ أمام إسرائيل.. ثم
استخدم سلاح المؤامرة التي تحيكها
إسرائيل، والإخوان المسلمون
والسلفيون وجماعة الحريري في لبنان..
ثم لجأ وبغباء شديد إلى قطع التيار
الكهربائي في ذرعا، ودخل المسجد
العمري فوضع فيه المال والسلاح واتهم
المتظاهرين بسخافات لم يقبلها أحد
داخل سورية وخارجها، بل هو نفسه تراجع
عن بعض اتهاماته. رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، فقد كانوا
يطالبون بالإصلاح، فصاروا يطالبون
بسقوط النظام ورحيل بشار، وكانوا
يزدادون عدداً وقناعة، وما زالت وسائل
الإعلام العالمية، رغم تحسن أدائها لا
تنقل الصورة الحقيقية، وأضرب مثالاً
على ذلك بلدي الصغير حوران التي خرجت
كلها من جنوب دمشق وحتى حدود الأردن لم
يتأخر أحد، وهذا الذي سمعناه من أهل
معظم مدنها وقراها، ولا أعرف أن الناس
فيها اجتمعوا وتوحدوا على شيء كهذا
الشيء الذي اجتمعوا عليه هذه المرة.
لقد سمعت كماً كبيراً من الأخبار عن
شباب دون سن البلوغ يغادرون قراهم
سيراً على الأقدام متوجهين إلى ذرعا،
وفي نيتهم الشهادة في سبيل الله. وكذلك
الحال في كثير من المحافظات السورية. هذا ما تعلمته منكم يا أبنائي الأحبة، ومن
منطلق التقدير الجليل لما قدمتموه،
وحرصي الشديد على أن تكلل تجربتكم
بالنجاح، أسدي إليكم النصائح التالية: 1- قطعتم حتى تاريخ كتابة هذه السطور منتصف
الطريق، واضطر النظام أمام شموخكم
وإصراركم إلى تنازلات لم يقدم مثلها أو
أقل منها منذ أكثر من أربعين عاماً،
ومنها إلغاء قانون الطوارئ، فإياكم ثم
إياكم أن ترضوا بهذا الفتات، لأن
النظام الذي أقر قانون الطوارئ بمرسوم
وألغاه بمرسوم آخر، سيعيده بمرسوم،
فلا حلّ إلا بسقوط هذا النظام الذي هو
أشد ضرراً من لسعات الأفاعي السامة
التي يصدق فيها قول الشاعر: لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا 2- أحذركم من أنانية الآباء أو أنانية كثير
من الآباء الذين يقولون لأبنائهم، نعم
نريد سقوط هذا النظام، ولكن: لماذا يا
ولدي تكون أول المبادرين إلى التضحية
بالنفس، ألا ترى أن أسرتك بحاجة إليك،
وقد يتمكن بعض الآباء في منع أبنائهم
من الخروج، فقولوا لمثل هؤلاء الآباء:
نحن أبناء أمة لا ترضى الذلّ ولا
الهوان، ويصدق فعلها قولها، وتنشد
إحدى الحسنين: النصر أو الشهادة. 3- يحاول النظام بكل حيله المعروفة إلقاء
عصا الفرقة والشقاق بين المتظاهرين،
فتارة يسارع إلى منح الجنسية لبعض
الأكراد، وجاء ردهم –جزاهم الله خيراً-
نريد الحرية قبل الجنسية، ونحن يد
واحدة مع إخواننا في سورية كلها...
وتارة يسمح لأهل محافظة بالتظاهر،
ويبعد عنهم رجال الأمن، ثم ينفرد بأهل
محافظة أخرى، وفي غير هذه وتلك يخترع
مؤامرات فيتحدث عنها، ويزعم أن هؤلاء
المتآمرين في الخارج هم الذين يحركون
هذه المظاهرات، والواجب يقتضي الحذر
من هذه الحيل، وإغلاق جميع المنافذ
التي يستخدمها هذا النظام المجرم. وفي الختام فإني أبعث برسالة تقدير
واحترام للأسماء الاتية: 1- للشيخ أحمد الصياصنة إمام وخطيب المسجد
العمري الذي لم يهزه التهديد ولا
الوعيد، وبقي صادقاً في قوله، شجاعاً
في مواقفه... ورحم الله والده الحاج
ارشيد فقد كان رجلاً صالحاً، منصرفاً
لعمل الخير، وكان يفعل الأسباب ليكون
أحد أبنائه من علماء الأمة. 2- ولعضو مجلس الشعب السوري يوسف بن محمد
أبو رومية الذي قال بعض الحق في وقت
عصيب تسابق الأعضاء في الكذب والنفاق.
وقد زاملت يوسف في بعض مراحل الدراسة،
وكان يعجبني فيه لين جانبه ودماثة خلقه. 3- ولعضو مجلس الشعب ناصر بن محمد خير
الحريري الذي قال بعض الحق، ثم أعلن
استقالته من هذا المجلس بعد مذبحة
مدينة إزرع، فتذكر يا ناصر أنك حفيد
إسماعيل شيخ شيوخ حوران وقائدها ضد
الاحتلال الفرنسي، وغلب على كنيته لقب
"أبو حوران" أكثر من أبي خليل، ثم
تذكر أنك ولد محمد خير الذي كان عوناً
لأبيه ثم قائداً لحوران من بعده. 4- ولنائب ذرعا خليل الرفاعي الذي استقال
من المجلس أيضاً بعد مذبحة إزرع،
وطالما سمعت أهلنا يتحدثون عن حسن
أخلاق هذا الرجل واستقامته. اللهم ارحم شهدءئنا وثبت أقدام شبابنا
وانصرهم، وإلى مقال قادم عنوانه: "قولي
في شخصية بشار". =================== موقع الأكراد في
الاحتجاجات السوريّة وضرورة
المواطنة الكاملة الثلاثاء, 03 مايو 2011 شورش درويش * الحياة تناوبت الظنون أوساط السوريين قبيل
الاحتجاجات التي جابت مدناً سورية
عدة، حول إمكانية احتكام النظام
السوري الى سياسة فرّق تسد في حال وصول
موجة الاحتجاجات إلى سورية، إذ رجحت
أوساط المعارضة ومثقفون سوريون
إمكانية اندلاع مواجهات بين المكونات
الدينية أو الطائفية أو الإثنية،
وبالتالي الاحتكام الى النظام في فض
نزاعات مفترضة كهذه، لا بل تخوف البعض
من إمكان اشتغال النظام على اختلاق
فتنة بين مكونين أو أكثر ليصار إلى
إبطال مفعول أي احتجاج أو تظاهرة تلوح
في الأفق. فسَّر البعض التنوع الذي تزخر به سورية
على أنه عنصر إضعاف في حال قام
السوريون بثورتهم، نظراً لغياب شرط
المواطنة الجامع لتنوع تغلب عليه
أجواء عدم الثقة والارتياب. ومع اندلاع الاحتجاجات الأولى في درعا،
رشح مراقبون ومثقفون الأكراد للانضمام
الى الاحتجاجات، بما أنهم أكثر الناس
استفادة من التغيير والإصلاح لشدة ما
مورست عليهم السياسات الاستثنائية
ولما لحق بهم من ظلم وإنكار وجود. وعليه، ومنذ الأيام الأولى لانطلاق
الاحتجاجات، حُمِّل الأكراد ما يفوق
طاقتهم مع انتشار الثورة في غير مدينة
وقصبة سورية، إذ استغرب الكثير من
المعارضين والمحتجين «التراخي»
الكردي كما وصفه البعض، لتظهر نظريات
الاستسهال حول الأسباب التي جعلت
الأكراد يحجمون عن المشاركة الواسعة
في الأسبوعين الأولين لانطلاق
الاحتجاجات. هكذا كيلت لهم تهم من قبيل
الانخراط في تواطؤ كرديّ - سلطويّ، أو
الحديث عن أموال قدمتها السلطة
لمعارضين أكراد وفصائل سياسية كردية
بغية إلزامهم الصمت أو تحييدهم، وبلغ
الأمر بواحد من أبرز المثقفين
والمحللين، بل الداعمين للحقوق
القومية الكردية، أن أشار إلى توصيات
وأوامر آتية من كردستان العراق
لشخصيات وأحزاب كردية سورية تطالبهم
بعدم التحرك والإحجام عن المشاركة في
الاحتجاجات. وهذا كلام في أحسن أحواله
مجافٍ للحقيقة والواقع، فكرد سورية في
الأغلب الأعم أقرب إلى استقلال القرار
السياسي الداخلي - السوري على رغم
تضامن كردي - كردي لا يرقى إلى درجات
التبعية والاستزلام. ثم هناك الحضور
المميز للحركة الكردية ككتلة معارضة
بين صفوف المعارضة الوطنية السورية. ربما لم يخطر في بال المراقبين أن عدم
المشاركة الجماعية للأكراد السوريين
هو في جزء منه من تبعات أحداث آذار (مارس)
2004 التي عمّت المناطق الكردية إثر مقتل
شبان أكراد بالرصاص الحي على يد أجهزة
النظام، ناهيك عن حملات الاعتقال
العشوائي التي طاولت مئات الأكراد
لأنهم فقط رفضوا السكوت عن مقتل إخوةٍ
لهم. تُرك الكرديُّ وقتها وحيداً في مواجهة
غير متكافئة مع نظام أفرط في استعمال
القوة والقسوة حياله، ولم يحرك الشارع
السوري حينها ساكناً للذود عنه، عدا
قلة قليلة من المثقفين والمعارضين.
وهذا لا يغني عن ضرورة إدراك وضع
الشارع السوري في تلك المرحلة المشبعة
بالخوف من النظام من جهة واشتغال أهل
النظام وإعلامه على التشكيك بالأكراد
ونياتهم «الانفصالية»، أو بتصويرهم
كغوغائيين وسوقة ودهماء من جهة أخرى. قصارى القول إن جرح آذار 2004 بقي بلا علاج
فعلي، أو لنقل إن ذكراه ألحت على
الحضور في بداية الاحتجاجات الأخيرة
وظهرت خشية الأكراد من أن يُتركوا
ثانية وحيدين في مواجهة جديدة مع
النظام. وحاول النظام عزل الأكراد عن أجواء
الاحتجاج من خلال إصدار المرسوم 49
القاضي بمنح الجنسية العربية السورية
لقرابة نصف مليون كردي كانوا قد جُردوا
منها إثر الإحصاء الاستثنائي الجائر
لعام 1962... هذا بالطبع مع إصرار النظام
على تسمية إعادة الجنسية للمجردين
الأكراد ب «منح» جنسية لأجانب الحسكة،
والإصرار كذلك على تسميتها بالجنسية
العربية السورية. هذه الخطوة لقيت
ترحيباً خجولاً من الأكراد الذين
أصروا على أنها حق طبيعي، وشرط لازم
وغير كافٍ لبناء دولة المواطنة. وخلافاً لتوقعات المشككين، خرجت
الجماهير الكردية في القامشلي وعامودا
ودرباسية وعين العرب (كوباني) وغيرها
من المناطق والضواحي ذات الغالبية
الكردية مطالبةً بالحرية
والديموقراطية والمواطنة، وضامّة
صوتها الى باقي المدن السورية المحتجة
تأييداً ودعماً. وقد تكون التظاهرات
الكردية رمزية إلى حد ما، إلا أنها لم
تخرج عن جدول المطالبات الشعبية
الداعية الى الحرية والكرامة، وقد
عكست في الوقت ذاته توقاً كردياً نحو
دولة المواطنة، وأنه لا يمكن اختزال
المطالب الكردية في الحرية
والديموقراطية لسورية في موضوعة إعادة
الجنسية فحسب. الواقع أن الأحداث الأخيرة التي عصفت
بالعالم العربي بتجلياتها الكبيرة
نجحت في التخفيف من حدة النظريات
الداعية الى مشروع إقامة «الدولة
الدينية»، إن لم نقل أصابتها بالعطب،
وعكست في الوقت ذاته توقاً لبناء
الدولة الوطنية المدنية الحديثة. والحال أن الأحداث الأخيرة خففت من حدة
الخطاب القومي للإثنيات لمصلحة الدولة
الوطنية، هذا إن لم نقل إنها بدأت
بتشييعه إلى مثواه الأخير، كما أن شباب
«الفايسبوك» بشعاراتهم وأعلامهم
وكتاباتهم ساهموا في جسر الهوة
الفاصلة عن كل ما هو متعارض مع الوطنية
الصرفة. وبما يحلو للبعض أن يسمي الأكراد
السوريين بالأقلية القومية قياساً
بالعنصر العربي، إلا أن خروجهم ومنذ
انطلاق الاحتجاجات للتظاهر والاحتجاج
في مناطق انتشارهم تضامناً مع درعا
وأخواتها من مدن سورية أخرى يمثل
موقفاً أخلاقياً ووطنياً ضرورياً يرقى
إلى مرتبة الواجب الوطني، كما أن
لشعاراتهم المتمثلة بالحرية
والمواطنة والإخاء الأثر البليغ لصوغ
وعي مستقبلي يكون محوره المواطنة
الكاملة. بقي أن نشيح بنظرنا إلى أسفل كتابات أغلب
الكتّاب السوريين اليوم وتذييلهم
مقالاتهم بالسمة الرحبة لانتمائهم
الأخير والأرحب، فعوضاً عن كاتب كردي
أو كاتب آشوري أو كاتب عربي، يذيّل
المقال بكاتب «سوري». إنها بدايات
التحول الكبير. * كاتب سوري ====================== الثلاثاء, 03 مايو 2011 شمس الدين الكيلاني * الحياة لم يكن حزب البعث دائماً على هذه الحالة
من التبعية المطلقة للسلطة، إذ مرّ
بمراحل ومحطات، فقد ولّى الزمان الذي
كان فيه لحياة الحزب الداخلية دورها
الحاسم في تطور استراتيجيته، بعد أن
تآكلت هذه الحياة تدريجياً بعد
استلامه السلطة لحساب أجهزة
الاستخبارات النافذة، وتحول إلى غطاء
أيديولوجي، وأداة للضبط الاجتماعي،
شأنه في ذلك شأن النقابات المختلفة،
على تعدد وظائفها، التي رعت السلطة
بناءها، فكانت في جوهرها آلات مراقبة
وضبط اجتماعي. كانت حقبة الخمسينات هي العصر الذهبي
للبعث، تحول فيها إلى حزب جماهيري
بالفعل، إثر اندماجه مع حزب أكرم
حوراني (الاشتراكي العربي)، وملاقاته
لعبد الناصر، ثم سطع نجمه في خضم
التحرك باتجاه الوحدة مع مصر، مدعوماً
باندفاع وحدوي هائل من السوريين. لكنهم
ابتعدوا عن قيادة عبد الناصر، وزادوا
من تحفظاتهم على الوحدة، واستقال
وزراؤهم عام 1959، ولكن في ذلك الوقت
كانت قواعد الحزب وقياداته من الصف
الثاني قد نقلت ولاءها إلى زعامة عبد
الناصر. من هنا فعندما عقد الحزب
مؤتمره القومي الثالث في بيروت عام 1959عقب
استقالة قادته من حكومة دولة الوحدة،
خرج منه ثلث أعضاء المؤتمر بقيادة
القيادي الأردني عبد الله الريماوي،
متهمين ميشيل عفلق والمؤتمر بالتآمر
على الوحدة، وهذا ما يفسر تراجع الحزب
تنظيمياً وشعبياً في سورية. وعندما قامت حركة الانفصال في سورية عام
1961 عن مصر، أبدى قادة حزب البعث
تعاطفهم مع الحركة، بينما ذهبت قواعده
باتجاه مضاد. أيدها صلاح البيطار وأكرم
الحوراني علناً، بينما استغرق ميشيل
عفلق في صمته سبعة أيام حتى خرج بموقف
ضبابي دان الحركة الانفصالية من جهة،
وحمَّل عبد الناصر، من جهة ثانية،
مسؤوليتها. قبالة ذلك وقفت كتلة الحزب
الأساسية في صف (الحركة الناصرية)
الداعية لعودة الوحدة، فانحسرت عضوية
الحزب المؤيدة لقيادته القومية
الممثلة بعفلق والبيطار بعد خسارته
الكتلة الناصرية إلى ما يقارب
الثمانين عضواً عشية انقلاب 8 آذار (مارس)
1963. لكن انقسام الحياة السياسية السورية في
شكل صارم حول مسألة الوحدة والانفصال،
لم يترك للقوى الوسطية كحزب البعث
وزناً، فكان على تنظيمه العسكري أن
يعوض هذا الفراغ والقوة، لا سيما في ظل
وضع سياسي دراماتيكي، إذ قامت خلال
سنتين ثلاث محاولات انقلابية لاستعادة
الوحدة. استبق (التنظيم العسكري)
البعثي تحرك الناصريين، في التوقيت
الانقلابي. وهو ما اضطر الأخيرين
لمساندته، من موقع الصف الثاني، في
انقلاب 8 آذار، ومهد هذا لحزب البعث
للتفرد بالسلطة، وإزاحة شركائه. فكان
لا بد، في ظل عزلة حزب البعث
الجماهيرية والتنظيمية، أن تغدو
الأرجحية لتنظيمه العسكري، الذي حرِص
على إبقاء القيادة التاريخية (عفلق-
البيطار) في واجهة المسرح الحزبي
السياسي، ليتفرغ هو لبناء قواعد
السلطة وأجهزتها الأمنية الضاربة،
وإلحاق النقابات وهيئات المجتمع
المدني بالسلطة وإخضاعها لها. ومن ثم
توج ممارسته السلطوية بطرح خطٍ يساري
في الداخل عاكساً عزلته، كما أنه، كي
يستولي على القاعدة الاجتماعية
للناصرية، ولينافس عبد الناصر عربياً،
ولإسكات المد الناصري المحلي المطالب
باسترجاع الوحدة والتنمية للوصول إلى
تحرير فلسطين، رفع حزب البعث شعاره
المدوي: عبر تحرير فلسطين (بحرب
التحرير الشعبية) نحو الوحدة، وهو ما
قاد في النهاية إلى هزيمة 1967 المُدمِرة. استمر التعايش الصعب بين القيادة
التاريخية المؤسسة للحزب
والانتليجنسيا العسكرية المتطرفة،
حتى عام 1966، عندما أطاحت حركة شباط
العسكرية بهذه القيادة، وصوَّبَت
عليها أحكام الإعدام. وعلى رغم ذلك
الانقلاب الدراماتيكي، بقيت الحياة
الداخلية للحزب مفتوحة نسبياً أمام
تبادل الأفكار والسياسات، وحرص قادة
هذه المرحلة على إبقاء الحزب منظمة
طليعية. دخلت السلطة بعد (الحركة التصحيحية) عام
1970، مساراً جديداً، أصبحت فيه الأجهزة
الأمنية هي المشرف الحقيقي على الحياة
الداخلية للحزب، وبالتالي غدا
الارتقاء الحزبي والاجتماعي مرتبطاً
بالولاء لها، وأصاب الجمود دورة تجديد
النخب في الحزب وخارجه، وتعزّز الدور
المحوري للأجهزة الأمنية، وقيادتها
الفعلية للدولة والمجتمع تحت يافطة «قيادة
الحزب للدولة والمجتمع»، وتم تقنين
ذلك بالدستور الدائم، والقوانين
الاستثنائية المتكاثرة. وعوضاً عن النزعة التقشفية السابقة،
انفتح الباب أمام تراكم الثراء
والارتقاء الاجتماعي بالولاء للسلطة،
وتحولت هذه الآلية نفسها إلى رافعة
لإعادة بناء الهرمية الاجتماعية، فصار
الفساد والحالة هذه قاعدة أساسية
للنظام ولمفاعيله. لم تتبدل صورة العلاقة بين الحزب والسلطة
أو بين الحزب والشعب، في العهد الجديد
بعد عام 2000. فقد أطلق هذا العهد، في
بداياته، إشارات التغيير وآمالاً لشعب
كاد يفقد ثقته بالحاضر والمستقبل. لكن
هذه الآمال ومعها الإشارات تراجعت مع
الأيام، عقب تطويق ظاهرة (المنتديات)،
واعتقال أبرز نشطائها، فخلق هذا
انطباعاً وكأننا أمام دورة جديدة
للركود، ولتعويم منطق الدولة الأمنية
الصارمة! * كاتب سوري ====================== الثلاثاء, 03 مايو 2011 حازم صاغيّة الحياة من منّا لا يذكر صدّام حسين الذي صادر
العراق حتّى بات نبوخذ نصّر وحمورابي
مجرّد تمهيدين له، وصار النسب
الهاشميّ مقدّمةً تنتهي إليه؟ والحال أنّ الأنظمة المغلقة ما إن تنكسر
حتّى تتقدّم مجتمعاتها وتواريخها
للدارسين والناظرين إليها مثلما
تتقدّم الأراضي المستَكشفة. هكذا
نعرف، مثلاً، أنّ ليبيا ليست معمّر
القذّافي، ونعرف ذلك على طريقة
المكتشفين. بهذا يتحوّل واحدنا إلى
كريستوف كولومبوس صغير يعثر على
أميركاه على شكل أسماء لبشر وأسماء
لأمكنة وتواريخ. نعم، ذات مرّة عاش في ليبيا عمر المختار
الذي قاتل الإيطاليّين، وحكمها إدريس
السنوسي الذي يرقى إلى مؤسّسها، وذات
مرّة وُجد فيها وزير اسمه منصور
الكيخيا اغتالته استخبارات القذّافي،
وفي مدن العالم اليوم تعيش أعداد من
الليبيّين المتعلّمين والمثقّفين
ورجال الأعمال الذين يضاهون أقرانهم
في سائر بلدان المعمورة. وليبيا، فوق
هذا، تنطوي على مدن وبلدات وسواحل
وصحارى كان تعبير «الجماهيريّة»
الأخرق يختصرها ويحجبها. ومؤسف أن تكون الحروب فرصة المعرفة،
فتتولّى الاشتباكات القاتلة دور
الكشّاف والدليل. لكنْ ما العمل حين لا
يؤدّي «الاستقرار» المفروض
بالاستبداد إلاّ إلى تعميم الصمت
وإشاعة التجهيل؟ أولاً تكون المعرفة
عبر الحروب، والحال هذه، شكلاً من
أشكال عودة المكبوت وانتقامه على نحو
مكلف ومؤلم؟. لقد بادر الليبيّون، ما إن وجّهوا ضربتهم
الأولى إلى نظامهم، إلى رفع علمهم
المَلَكيّ، لا لأنّهم إيديولوجيّاً
ملكيّون، بل لأنّهم يريدون أن يضربوا
مرساتهم في تاريخ فعليّ، وأن يحصّنوا
أنفسهم بمعنىً يمتدّ في الزمن،
فيشتقّون من ذلك معنى لهم في الحاضر.
هكذا عاودوا الاتّصال بآخر يوم من
أيّام حياتهم السائلة قبل أن تتجمّد،
كي يستأنفوا من هناك سعيهم إلى مستقبل
ما. والسوريّون، بدورهم، يستدرجون التاريخ
ويتكشّفون عن أسماء ومعانٍ، وعن مدن
وبلدات وقرى صادرتها «سوريّة الأسد»
ودفعت بها إلى أضيق الهوامش. فهذا، أيضاً، بلد ينقسم طوائف ومناطق ليس
التلفّظ بأسمائها هو الجريمة، بل
الجريمة كبتُها باسم «الأخوّة» و «القوميّة»
وإخضاعها، في الوقت نفسه، إلى نظام لا
يفعل إلاّ إطلاق التفاوت في ما بينها.
وهو أيضاً بلدٌ عرف سياسيّين وقادة
وعسكريّين عاشوا قبل عقود مديدة من
انقلاب حافظ الأسد في 1970. فمن ابراهيم
هنانو وسعد الله الجابري إلى جميل مردم
وخالد العظم وناظم القدسي، كانت هناك
سوريّة قبل حافظ الأسد. ولا بدّ
بالتالي من أن تكون هناك سوريّة بعد
بشّار الأسد. والراهن أنّ تكتّم الحاكم الفرد على
التاريخ شبيه بتكتّم السارق على سرقته.
فهو يعرف أنّ تلك الأشباح الفاضحة
للسرّ، إن لم تُسدّ عليها طريق العودة،
طافت واستولت على الأمكنة والعواطف
وقضّت مضاجع الحاكم المطمئنّ. وظهور
الأشباح وعودتها، وفقاً لعديد
الثقافات القديمة، نذيران بموت مَن
تظهر له الأشباح. لكنّهما، قبل هذا،
إدانة صريحة تقطع بأنّه هو فعلاً مرتكب
العمل الشائن قتلاً كان أم سرقة. والمستبدّ، للسبب هذا، يحرس عالمه
بالمسدّس كي يضمن أنّ الأشباح لن تعود
إليه، وكي يحول دونها بالقوّة التي
تتكفّل طرد خوفه هو نفسه. فالقاتل الذي
يستهويه أن يتفقّد مسرح جريمته لا يحبّ
لمسرح الجريمة أن يتفقّده. إنّه يفعل
هذا بشروطه هو، وبشروطه وحده. وقد نذهب أبعد فنرى أنّ «البعث» الذي صدر
المستبدّ عنه هو استعانةٌ بالخرافة،
التي لا تتجسّد بشراً وأسماء وأمكنة،
على الماضي الفعليّ القابل لأن يتجسّد
وأن يكون ملموساً. وعلى هذا النحو
يُسأل يعرب وقحطان وعدنان أن يحضروا من
أجل أن يملأوا الأمكنة التي يُطرد منها
رشدي الكيخيا وصبري العسلي وسلطان
الأطرش وأكرم الحوراني وجمال الأتاسي. وفي مطلق الحالات قد يتقادم التذكّر وقد
تعتق الذاكرات، إلاّ أنّ محو الذاكرة
الجمعيّة التي تعمل في الخفاء يستدعي
من الحرّاس أعداداً لا تملكها
امبراطوريّات شاسعة. ====================== أكثر أعداء النظام
السوري ضراوة! محمد الرميحي الشرق الاوسط 3-5-2011 ليس المتظاهرون الذين يتكاثرون في المدن
والنجوع العربية السورية هم أكثر
أعداء النظام السوري ضراوة، نعم هم
يطالبون بالحرية وهو لا يقبل هذه
المطالب وبتلك الطريقة التي ينادون
بها. النظام يريد أن يقدم الإصلاحات كما
يفهمها، ولأن ذلك الفهم قاصر عن فهم
متغيرات العصر، فإن البديل هو الرصاص
والكلام المرسل على شاشات التلفزيون.
أكثر أعداء النظام السوري ضراوة هم
المتحدثون باسمه، الذين يطلون على
الشاشات العربية كل مساء. مجموعة من
التبريرات التي لا تقنع أحدا حتى
البسطاء من الناس، وأكاد أقول حتى
قائليها؛ لأنها تخرج باردة منمقة لا
حياة في كلماتها. النظام السوري يحتاج
إلى أن يقول له أصدقاؤه، عليك بتطبيق
القاعدة الذهبية، وهي أن الأدوات
القديمة لا تصلح لحل المشكلات الجديدة.
تحت هذا العنوان يجب أن يتوقف الناطقون
عن الكلام الخشبي، فيسوقون التبريرات
للقتل المنظم في شوارع المدن السورية؛
أن هناك مؤامرة خارجية ممولة من جهات
معروفة للإطاحة بالنظام عن طريق
التظاهر والاعتصامات! كيف يتم ذلك في
نظام مثل النظام السوري به العديد من
أجهزة رصد المواطنين في كل شاردة
وواردة منذ زمن طويل؟! آخرون يتحدثون
عن أشخاص بعينهم لهم اليد الطولى في
الحشد الشعبي المتزايد! وهل يعقل أن
يقوم شخص أو عدة أشخاص، مهما أوتوا من
نفوذ، بحشد هذه الآلاف المؤلفة من
الناس، معرضين أنفسهم للقتل، بسبب
بضعة دولارات، إن كان ذلك صحيحا؟ أما
الحديث عن عصابات مسلحة فذلك أغبى
التبريرات، فهل ظهرت هذه العصابات
فجأة، وسار خلفها الناس لأنهم يعشقون
العمل مع العصابات، وهل عرضُ شخص مجهول
أو اثنين على شاشة التلفاز ومحمل
بالكثير من الاعترافات التي لا تقنع
المشاهد اليوم في العشرية الثانية من
القرن الواحد والعشرين بما يقوله
أولئك الأشخاص المغلوبون على أمرهم،
إلى آخر تلك التبريرات. في حقيقة الأمر، إن تلك التبريرات تقدم
وقودا لعدم التصديق أكثر مما تقنع
المشاهد البسيط بالحجج المقدمة، وهو
يرى بأم عينيه صور الجثث التي تنقلها
وسائل الاتصال الحديثة، فمجرد وجود
تليفون نقال اليوم يستطيع التقاط
الصور، تصبح تلك الصور متاحة للعالم في
التو واللحظة. هذه التبريرات القريبة إلى السذاجة تزيد
من اقتناع المتابع الفطن أن النظام
السوري القائم يزيد من الحُقرة لشعبه
ولعقول الآخرين في العالم. (الحُقرة) هي حزمة من الممارسات
التجاهلية، وتعني فشلا ذريعا في إدارة
المجتمعات إدارة حديثة، تأخذ في
الحساب الثورة التقنية التي اجتاحت
العالم. أي غياب التنبؤ السياسي الذي
يوائم بين متطلبات الأجيال الجديدة
المنفتحة على العالم، وبين الممارسات
القديمة القائمة على التخويف والتجهيل. هذا الغياب هو الذي جعل من بن علي في تونس،
ومبارك في مصر وعبد الله صالح في اليمن
والقذافي في ليبيا من بعض زعامات أخرى،
تتجاهل المتغيرات إلى درجة نفي أن تكون
موجودة. ليس المهم أن تكون هناك
ديمقراطية بمعني صناديق انتخاب ومكان
يتخاطب فيه المنتخبون بأشنع الألفاظ
يُسمى في فضائنا العربي برلمانا،
فالبرلمانات كثيرة نسبيا، المهم أن
يكون هناك قانون عقلاني سائد، وأن
يحترم هذا القانون بدقة وبحزم، ويطبق
على جميع شرائح الشعب. تجاهل الناس في
ما أسميه ب(الحُقرة) هو الذي جعل
القذافي يطلق (أكذوبة سياسية وراء أخرى)
ويصدقها، فقد اقتنع أنه لا رئيس ولا
مسؤول، هو فقط قائد بل كاد أن يقول -
العياذ بالله - رسول، وترك أبناءه
يعيثون فسادا في كل مقدرات ليبيا. إلى
درجة أنه يثير زوبعة سياسية إن مس أحد
أبنائه – جراء استهتاره – في أي بلد،
كما حدث في سويسرا، أو يدفع بلايين
الدولارات من المال الليبي تعويضات
لجرائم ليس للشعب الليبي أية يد فيها. لذلك نجد أن أوسع تجمع ليبي مثقف هو خارج
ليبيا، وأكبر تجمع إنساني مصري متعلم
ومدرب، هو خارج مصر، وقد كانت الدراسات
التي أجريت على شباب مصر في سنوات
مبارك الأخيرة، أن أمنيتهم الغالية
بعد التخرج الهجرة خارج مصر. ليس لأن
مصر فقيرة، بل لأن احترام الإنسان فيها
وصل إلى مرحلة لا تطاق من الدونية.
الرئيس السابق حسني مبارك، لما قيل له
إن الناس لم تعجبهم نتائج انتخابات
مجلسي الشعب والشورى لعام 2010، وإن
المعارضة تفكر بإنشاء (برلمان بديل)
قال بكثير من الاستخفاف (خليهم يتسلوا)!
يُشل البلد من أقصاه إلى أقصاه، إذا
تحرك الرئيس من مكان إلى آخر، دون
احترام لمصالح الناس، يتعطل بعضهم على
الطرقات لمدة ساعات لأن الرئيس سوف يمر.
تلك حُقرة للناس، وأمثلة أخرى تبين مدى
استهتار القيادات بمصالح ورغبات الناس. نصف السودان ينفصل عن شماله بسبب هذا
الضعف الهائل في إدارة الدولة، وربعه
الأخير (منطقة دارفور) تجري فيه حرب شبه
أهلية، والنظام يتعمد (حُقرة) الأحزاب
الأخرى ومطاردتها وسجن نشطائها. في مذكراته الأخيرة التي صدرت في كتاب،
ينقل لنا الإمام الصادق المهدي، رئيس
حزب الأمة، ورئيس وزراء سابق، قول
المعارض الرئيسي في الجنوب ورئيس
حكومتها سلفاكير، إنه لولا الحياء،
لأقام الجنوبيون تماثيل لكل أعضاء
قيادة (ثورة الإنقاذ)، حكومات البشير
المتعاقبة، لأنهم الذين أقنعوا
بسياساتهم - المعتمدة على الحرب
والتصفية - الجنوبيين بالتوجه إلى
الانفصال! وهكذا تم الانفصال بأغلبية
بلغت تقريبا الإجماع! بعد حروب سقط
فيها مئات الآلاف وشرد فيها تقريبا نفس
العدد من البشر! سوريا ليست استثناء، فعدد كبير من
المثقفين السوريين، إما في السجون
ولسنوات تطول عن سنوات عذاب أيوب، أو
هم خارج سوريا، أطباء وكتاب وأساتذة
ومهندسون وسياسيون كلهم هجروا بلادهم
بسبب تلك الحُقرة التي فروا منها كبشر
أسوياء، يؤخذ البريء في بلادهم قبل
المذنب إلى السجون لبضع عشرات من
السنين. بعد أن وقفت المطبعة، بعد اختراعها، على
أبواب المسلمين 300 عام، دخلت إلى
بلادنا، وكانت المطبعة قد أحدثت ثورة
في العالم الذي اخترعت فيه (أوروبا) كما
أن اكتشاف البخار غير من العالم من
جديد، إلا أن المطبعة والبخار بقيا
لسنوات يراوحان أمام الشعوب العربية،
اليوم وسائل الاتصال الحديثة، ما إن
تخرج من مصانعها حتى تصل إلينا، وسائل
الاتصال هذه لم تعد تتلكأ وأتاحت
للمواطن العادي سرعة تاريخية غير
مسبوقة في الاتصال، ذلك ما لم يفهمه
البعض بعد. اعتقد ذلك البعض أن رفع
الأسوار هو الحل والإكثار من بناء
السجون أو الحلول الأمنية، في حين أن
البث الفضائي يأتي من أعلى! قوة
الأفكار فاقت كل قوة، والأفكار لا
تستأذن في الدخول. يقابل المواطن العربي بحقران ليس له مثيل
في كل شيء تقريبا، فالكبير لا يقف على
طوابير الانتظار، ولا يتفحص في وجهه
الشرطي في المنافذ، كونه متهما حتى
يثبت العكس ولا تحترم أقدميته في وظيفة
يريدها من هو في السلطة لقريب غير
مؤهل، ولا تعطى له حقوقه في المحكمة،
ولا يحترم أحد خصوصيته، بل آدميته. هو
مدان قبل أن يتكلم، ومتهم قبل أن ينطق! أمام كل ذلك، اقتنع المواطن العربي، أمام
شعور عام وسائد بعدم الاحترام، بأن
خسارة حياته لم تعد خسارة، هي خسارة في
دنيا لا قيمة له فيها، لذلك لم يعد
الخوف هو الرادع، فانفجرت الحناجر،
وبدأ التصدع، المشكل أن هذا التصدع
يزداد كلما فتح إعلامي موال فمه
بالكلام الكاذب، فيزيد النظام أعداءً. آخر الكلام: الأفكار الجديدة أول ما تولد تبقى
محاصرة، وإن شبت عن الطوق لا يستطيع
أحد أن يوقف انتشارها، خاصة إن جاءت في
وقتها المناسب. ============================ حديث مع الأستاذ
الدكتور غسان حداد الحوار الديمقراطي الاستاذ الدكتور غسان حداد: اكاديمي
ومفكر عربي ،وزير تخطيط سابق مقيم في
باريس التقت به الحوار الديمقراطي و
كان لها الحديث التالي معه : الحوار الديمقراطي : ماذا تقول من متابعتك
لنضال الشعب السوري لاسترداد حريته و
كرامته؟ : غسان حداد :كانت سورية في طليعة البلدان
العربية التي حققت استقلالها ، وجلاء
القوات الاجنبية عن اراضيها ، كما انها
مارست ديمقراطية برلمانية تحترم
التعددية وحقوق الانسان ، والتداول
السلمي للسلطة باسلوب حضاري ، واختارت
الحياد وعدم الانحياز، وقد سميت
الفترة بين عامي 1954 و1958 عن جدارة ربيع الديمقراطية. وأرى من البديهي أن ابسط حقوق المواطن
السوري ان يستعيد حريته وكرامته في ظل
نظام ديمقراطي برلماني يحترم التعددية
وحقوق الانسان ويتساوى فيه الجميع
بالحقوق والواجبات، بغض النظر عن
الجنس او العرق او الاصل او الدين او
المذهب او الانتماء السياسي, فالجميع
نسيج واحد في مجتمع مدني مؤسسساتي مبني
على السلام والمحبة والدماثة
والعنفوان ,فكلنا ابناء حضارة عريقة
أغنت العالم ولا تزال. الحوار الديمقراطي: كيف ترون الحل للأزمة
التي تمر بها سورية الآن؟ غسان حداد: لا بد من المبادرة الفورية
للاجراءات التالية : -وقف العنف و
إسالة الدماء و استعمال السلاح و سائر
التدابير التعسفية من قبل اجهزة
الدولة. -الغاء كافة
القوانين الاستثنائية ، بالقول والعمل
،بما في ذلك اطلاق سراح كافة المعتقلين
السياسيين وإعطاء كشف عن المفقودين
وعودة كافة المهجرين و المنفيين
ليساهم الجميع في اعادة البناء بكامل
الحرية والعزة والكرامة. - استقالة الحكومة ومجلس الشعب ،وتكليف
وزارة حيادية مستقلة من الكفاءات
والتكنوقراط للإعداد لانتخابات حرة
ونزيهة. - وضع دستور جديد عصري متقدم، يكفل كافة
الحريات، وينسجم مع روح العصر، ويفصل
بين السلطات الثلاث القضائية
والتشريعية والتنفيذية بحسب
الديمقراطية البرلمانية, بمافي ذلك
تحديد صلاحية رئيس الجمهورية و مدة
ولايته بحيث لا تتعدى الولايتين، مدة
الواحدة لاتزيد عن اربع سنوات. -صياغة قانون انتخابات حديث يحترم
المواطنية ،وعدم التمييز بين اكثرية
واقلية والتاكيد على ان كل مواطن سوري
ينتمي الى الاكثرية المواطنية. - بتر الفساد ووضع حد للمافيات التي افقرت
الشعب السوري وغيبت الطبقة المتوسطة
في دولة غنية بمواردها وعقولها. الحوار الديمقراطي: و ما هي الضمانات
للمستقبل برأيكم؟ غسان حداد : -الضمانة الأساسية هي ارادة الشعب ويقظته
ووعيه وحرصه الدائم على حريته وكرامته
وممارسة كافة مؤسسات المجتمع المدني
لدورها الطبيعي. -العمل الهاديء المتدرج على إقامة وحدة
فدرالية أو كونفدرالية ،تضم كافة
أجزاء الوطن العربي بمساحة 14.2 مليون
كيلومتر مربع، وكافة أبناء الأمة
العربية التي تجاوزت 360 مليون نسمة
،تعيد إلى الامة عزتها ومكانتها في عصر
التكتلات الدولية الكبرى بما ينسجم مع
حضارة الأمة العربية التي شكلت نبراسا
مضيئا للعالم في سائر المجالات
العلمية و الفكرية . ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |